حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

والمصلحة طلب شيء قانوناً من الموجود والمعدوم حين الخطاب ليصير فعلياً بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر فتدبر. ونظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون فان المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد وجوده بإنشائه ويتلقى لها من الواقف بعقده فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية ولا يؤثر في حق المعدوم فعلا الا استعدادها لأن تصير ملكا له بعد وجوده. هذا إذا أنشئ الطلب مطلقاً وأما إذا أنشئ مقيداً بوجود المكلف ووجدانه الشرائط فإمكانه بمكان من الإمكان وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة وعدم إمكانه ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلّا إذا كان موجوداً وكان بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه. ومنه قد انقدح أن ما وُضع للخطاب مثل أدوات النداء لو كان موضوعاً للخطاب الحقيقي لأوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه

______________________________________________________

في صحته وجود غرض يقتضيه فلا يكون لغواً (١) (قوله : والمصلحة) يعني الموجودة في المطلوب (٢) (قوله : ونظيره من غير) الظاهر أن المقصود التنظير في الوقوع لا في الامتناع إذ الظاهر أنه لا امتناع في كون المالك معدوما كما لا امتناع في كون المملوك معدوماً والأول مثل ملك الحمل للميراث والثاني مثل ملك الثمرة فان الملكية من الإضافات الاعتبارية التي يصح أن تقوم بالمعدوم كما تقوم بالموجود (٣) (قوله : بإنشائه) يعني بإنشاء التمليك (٤) (قوله : من الواقف) يعني لا من الطبقة السابقة (٥) (قوله : فإمكانه) يعني إمكان إنشاء الطلب (٦) (قوله : حقيقة) قيد لخطاب المعدوم (٧) (قوله : وكان بحيث يتوجه) هذا يتم لو كان قصد إفهام المخاطب مأخوذاً في مفهوم الخطاب كما في المجمع وعن غيره أما لو لم يعتبر قصد الإفهام في مفهوم الخطاب فاعتبار كون الخطاب فاعتبار كون المخاطب بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه غير ظاهر. نعم قد يلغو الخطاب مع من لا يتوجه وإن كان جائزاً عقلا كما أنه قد يدعو غرض إليه فلا يكون لغواً (٨) (قوله : لأوجب) يعني لو

٥٢١

بالحاضرين كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره لكن الظاهر ان مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك بل للخطاب الإيقاعي الإنشائيّ فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسراً وتأسفاً وحزناً مثل : «أيا كوكباً ما كان أقصر عمره» أو شوقاً ونحو ذلك كما يوقعه مخاطباً لمن يناديه حقيقة فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي حينئذ التخصيص بمن يصح مخاطبته. نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها ـ على ما حققناه في بعض المباحث السابقة ـ من كونها موضوعة للإيقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما يمكن دعوى وجوده غالباً في كلام الشارع ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل : (يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب بلا شبهة ولا ارتياب ويشهد

______________________________________________________

كان قصد الإفهام مأخوذاً في الخطاب الحقيقي (١) (قوله : بالحاضرين) لأنهم الذين يصح كونهم مخاطبين بالخطاب الحقيقي (٢) (قوله : في غيره) يعني غير الخطاب الحقيقي (٣) (قوله : لم يكن موضوعا) بل لا يبعد كونه موضوعا للخطاب بلا أخذ قصد الإفهام فيه فان الظاهر من حال المتكلم في المثال المذكور في المتن وفي قول القائل : أيا شجر الخابور ما لك مورقا؟ وغيرهما مما هو كثير في النظم والنثر كونه متوجهاً إلى مخاطب لا مجرد لقلقة لسان بقصد إنشاء الخطاب. هذا إن ثبت عدم العناية والتنزيل وإلا كانت مستعملة في توجيه الكلام نحو الغير بقصد الإفهام تنزيلا لما لا يفهم منزلة من يفهم كما ذكره بعض المحققين لكنه خلاف الظاهر (٤) (قوله : كما يوقعه) متعلق بقوله : يوقع الخطاب (٥) (قوله : فلا يوجب) لصحة إيقاع الخطاب بالنسبة إلى المعدوم كما يصح بالنسبة إلى الموجود (٦) (قوله : يمنع عنه) يعني عن الانصراف (٧) (قوله : وجوده) يعني وجود ما يمنع عن الانصراف والوجه فيه كون أحكام الشارع الأقدس قانونية ليست مبنية على ملاحظة خصوصية

٥٢٢

لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية ولا للتنزيل والعلاقة رعاية «وتوهم» كونه ارتكازيا «يدفعه» عدم العلم به مع الالتفات إليه والتفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان ارتكازياً وإلّا فمن أين يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح؟ وإن أبيت إلا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأداة الخطاب أو بنفس توجيه الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم «وتوهم» صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لإحاطته بالموجود في الحال

______________________________________________________

حضور مجلس الخطاب في موضوعاتها حتى ان بناء الفقهاء ـ رضي الله تعالى عنهم ـ على إلغاء الخصوصية إذا كان قد صرح بها في لسان الدليل فتراهم يتمسكون على الحكم العام بالدليل الدال على ثبوته في حق رجل بعينه فتأمل (١) (قوله : لما ذكرنا) يعني أنها موضوعة للخطاب الإيقاعي (٢) (قوله : العموم) يعني العموم لمن لم يحضر مجلس الخطاب (٣) (قوله : كونه) يعني كون التنزيل (٤) (قوله : يدفعه عدم) يعني لو كان التنزيل منزلة الصالح للإفهام ارتكازيا لزم اتضاحه بعد التأمل والتفتيش مع أنه ليس كذلك فيدل ذلك على عدم التنزيل أصلا (٥) (قوله : كذلك) يعني ارتكازياً (٦) (قوله : اختصاص الخطابات) هذا يتم لو كانت دلالة مدخول الأداة على العموم بالإطلاق ودلالة الأداة بالوضع فان الأداة تكون حينئذ قرينة على التخصيص أما لو كانت دلالتهما معاً بالوضع وجب الحكم بالإجمال لصلاحية كل منهما لصرف الآخر كما أنه لو كانت دلالتها بالإطلاق ودلالته بالوضع وجب الحكم بالعموم. هذا بالنظر إلى نفس الكلام أما بالنظر إلى القرائن الخارجة عنه فيختلف الحكم باختلاف مقتضاها (٧) (قوله : بأداة الخطاب) متعلق بالخطابات وقوله : أو بنفس ، معطوف عليه (٨) (قوله : كغيرها) الضمير راجع إلى الخطابات الإلهية (٩) (قوله : بالمشافهين) متعلق باختصاص

٥٢٣

والموجود في الاستقبال «فاسد» ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصاً في ناحيته تعالى كما لا يخفى كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجياً ومتصرم الوجود كان قاصراً عن أن يكون موجهاً نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة. هذا لو قلنا بان الخطاب بمثل : (يا أيها الناس اتقوا) في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلسانه وأما إذا قيل بأنه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحياً أو إلهاما فلا محيص إلا عن كون الأداة في مثله للخطاب الإيقاعي ولو مجازاً وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين بل يعم المعدومين فضلا عن الغائبين.

فصل

ربما قيل : إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان «الأولى» حجية ظهور الخطابات في الكتاب لهم كالمشافهين (وفيه) أنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام وقد حقق

______________________________________________________

(١) (قوله : والموجود) لتساوي نسبة الممكنات إليه (٢) (قوله : في ناحيته) يعني في ناحية قدرته (٣) (قوله : ومتصرم الوجود) يعني ولو كان أبديا لأمكن توجهه إلى المعدوم ولو بعد وجوده (٤) (قوله : وأما إذا قيل بأنه المخاطب) يعني إذا قلنا بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المخاطب فالعنوان المذكور في الخطاب لما لم يُرد منه المخاطب الحقيقي لعدم انطباقه عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا بد أن يجعل الخطاب المدلول عليه بأداته هو الخطاب الإيقاعي ويعم الحاضرين والغائبين والمعدومين إذ الجميع غير موجه إليه الخطاب فيكون شمول بعض دون بعض بلا مخصِّص (٥) (قوله : الأولى حجية ظهور) يعني جواز الرجوع إلى ظهور الخطاب في تشخيص مراد المتكلم بناء على عموم الخطابات لهم وعدم الجواز بناء على عدم العموم ،

٥٢٤

عدم الاختصاص بهم ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكون كذلك وان لم يعمهم الخطاب كما يومئ إليه غير واحد من الأخبار (الثانية) صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم لثبوت الأحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وان لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف وعدم صحته على عدمه لعدم كونها حينئذ متكفلة لأحكام غير

______________________________________________________

(١) (قوله : عدم الاختصاص) فالكلام المقصود به إفهام شخص يكون ظهوره حجة في حق كل أحد (٢) (قوله : بذلك) يعني بالإفهام (٣) (قوله : وإن لم يعمهم الخطاب) إذ لا ملازمة بين تخصيص الخطاب بشخص وتخصيصه بقصد إفهامه (٤) (قوله : كما يومئ إليه غير) مثل خبر الثقَلين المروي في كتب الفريقين ؛ وخبر عبد الأعلى مولى آل سام لقول الصادق عليه‌السلام فيه : هذا وأشباهه يؤخذ من كتاب الله ، وما دل على عرض مطلق الخبر على الكتاب وما دل على الأخذ بالخبر الموافق للكتاب من الخبرين المتعارضين وغير ذلك مما هو كثير لكن الجميع ظاهر في الحجية بالنسبة إلى المعدومين أما انهم مقصودون بالإفهام فلم أجد ما يدل عليه ولعل المتتبع يعثر عليه (٥) (قوله : الثانية صحة التمسك) يعني أنه بناء على عموم الخطاب للمعدومين يكون إثبات الحكم الّذي تضمنه الخطاب لهم بنفس ذلك الخطاب لأن الخطاب إذا تضمن ثبوت الحكم للعنوان المنطبق عليهم مثل : الذين آمنوا ، في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا ، والناس في : يا أيها الناس ، فقد دل بنفسه على ثبوت الحكم لهم أما بناء على عدم شموله لهم فالخطاب إنما يتضمن إثبات الحكم لغيرهم فإثباته لهم يتوقف على ثبوت قاعدة الاشتراك والإجماع ـ وان قام على ثبوتها ـ إلّا أن المتيقن من معقد الإجماع هو اشتراك المعدومين مع الموجودين في جميع الخصوصيات التي كانوا عليها حال الحكم ومع فقدهم لبعض خصوصيات الموجودين لا طريق إلى ثبوت الحكم ولا يكفي الاشتراك في العنوان المأخوذ موضوعاً في الخطاب (٦) (قوله : لثبوت) متعلق بالتمسك (قوله : على عدمه)

٥٢٥

المشافهين فلا بد من إثبات اتحاده معهم في الصنف حتى يُحكم بالاشتراك مع المشافهين في الأحكام حيث لا دليل عليه حينئذ إلا الإجماع ولا إجماع عليه الا فيما اتحد الصنف كما لا يخفى ولا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقداً له مما كان المشافهون واجدين له بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به وكونهم كذلك لا يوجب صحة الإطلاق مع إرادة المقيد معه فيما يمكن ان يتطرق الفقدان وان صح فيما لا يتطرق إليه ذلك

______________________________________________________

(١) يعني بناء على عدم التعميم (٢) (قوله : اتحاده) الضمير راجع إلى غير (٣) (قوله : لا دليل عليه) يعني على الاشتراك (٤) (قوله : يمكن إثبات الاتحاد) يعني أن فقد المعدوم لبعض الخصوصيات التي كانت للموجود وان كان مانعاً عن الأخذ بقاعدة الاشتراك لاحتمال دخل الخصوصية في ثبوت الحكم إلّا أنه يتم إذا لم يكن دليل على عدم دخل الخصوصية التي يفقدها المعدوم ويكفي في الدلالة على ذلك إطلاق عنوان الموضوع فان إطلاق الذين آمنوا ؛ في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا ، دليل على كون تمام موضوع الحكم هو المؤمن إذ لو كان الموضوع هو المؤمن الواجد لخصوصية كذا كان اللازم تقييده بذلك فعدم التقييد دليل على عدم دخل الخصوصية (٥) (قوله : وكونهم كذلك لا يوجب) يعني قد يتوهم عدم جواز التمسك بالإطلاق لعدم تمامية مقدماته إذ من مقدماته أن لا يوجد قرينة على التقييد ، وكون الموجودين على صفة خاصة مما يصح أن يكون قرينة عليه فيصح الإطلاق مع إرادة التقييد ويكون وجدان الصفة قرينة عليه. ولكنه يندفع بأنه لا يتم في الصفات التي يمكن أن يتطرق إليها الفقدان فان وجدان الصفات المذكورة لا يصلح قرينة على التقييد بها فلو كان المتكلم في مقام بيان اعتبارها لوجب عليه التقييد بها فترك التقييد بها يدل على عدم اعتبارها (أقول) : ترك التقييد بها انما يدل على عدم اعتبارها حدوثا وبقاء في ثبوت الحكم ولا يدل على عدم اعتبار حدوثها في ثبوته لأن الحدوث مما لا يتطرق إليه الفقدان ويكفي هذا المقدار في ثبوت الثمرة

٥٢٦

وليس المراد بالاتحاد في الصنف الا الاتحاد فيما اعتبر قيداً في الأحكام لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الأنام بل في شخص واحد بمرور الدهور والأيام وإلا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الأحكام ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان أو لم يكونوا معنونين به للشك في شمولها لهم أيضا فلو لا الإطلاق وإثبات عدم دخل ذلك العنوان في الحكم لما أفاد دليل الاشتراك ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم فتأمل جيداً فتلخص أنه لا يكاد تظهر الثمرة الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالإفهام وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام وأشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام

______________________________________________________

العملية (١) (قوله : وليس المراد) يعني مرادهم من الاتحاد في الصنف الّذي هو شرط في جريان قاعدة الاشتراك هو الاتحاد في الخصوصيات التي لها الدخل في الحكم لا في كل خصوصية وإن لم تكن دخيلة فيه ففقد المعدوم لبعض خصوصيات الموجود لا يقدح في الاشتراك في الحكم (٢) (قوله : بل في شخص واحد) فيرى واجداً تارة وفاقداً أخرى (٣) (قوله : وإلا لما ثبت) لكثرة الاختلاف في الخصوصيات الأجنبية عن الحكم (٤) (قوله : أو لم يكونوا) الظاهر أنه بالواو بدل (أو) (٥) (قوله : في شمولها لهم) أي شمول التكاليف للغائبين والمعدومين وقد تقدم أن الشك المذكور لا رافع له لأن الإجماع على الاشتراك مختص بصورة الاتحاد في الصنف (٦) (قوله : وإثبات عدم) لتحقق الاتحاد في الصنف

٥٢٧

فصل

(هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده يوجب تخصيصه به أولا؟)

فيه خلاف بين الاعلام وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في كلامين أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك وتعالى : (والمطلقات يتربصن) إلى قوله : (وبعولتهن أحق بردهن) وأما ما إذا كان مثل : والمطلقات أزواجهن أحق بردهن ، فلا شبهة في تخصيصه به (والتحقيق) أن يقال : إنه حيث دار الأمر بين التصرف في العام بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه والتصرف في ناحية الضمير إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه أو إلى تمامه مع التوسع في الإسناد بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعاً وتجوزا كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب

______________________________________________________

(تعقب العام بضمير)

(١) (قوله : ما إذا وقعا في) يعني محل الكلام ما لو استقل العام عن الضمير في الحكم سواء أكانا في كلامين أم في كلام واحد (فالأوّل) كالضمير في الآية الشريفة فان جملة : (المطلقات يتربصن) غير جملة (بعولتهن أحق بردهن) والثاني كما في قوله : أكرم العلماء وواحداً من جيرانهم ، مع قيام القرينة على كون المراد من الضمير خصوص العدول (٢) (قوله : مثل والمطلقات) يعني مما كان حكم العام هو حكم الضمير (٣) (قوله : فلا شبهة) لأن المفروض أن الحكم واحد وأن موضوعه الخاصّ لا العام (٤) (قوله : بإرجاعه إلى بعض) وإنما كان هذا تصرفاً في الضمير لأن وضع الضمير أن يكون المراد به ما يراد من الظاهر (٥) (قوله : مع التوسع) فلا يكون تصرف في الضمير ولا في مرجعه إذ يراد من الضمير المعنى العام الموضوع له الظاهر (٦) (قوله : سالمة عنها في جانب) يعني لا تصلح لمعارضتها أصالة الظهور

٥٢٨

الضمير وذلك لأن المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد لا في تعيين كيفية الاستعمال وانه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الإسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في ناحية الضمير (وبالجملة) أصالة الظهور إنما تكون حجة فيما إذا شك فيما أريد لا فيما إذا شك في انه كيف أريد؟ فافهم لكنه إذا عقد للكلام ظهور في العموم بان لا يُعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا وإلّا فيحكم عليه بالإجمال ويرجع إلى ما يقتضيه الأصول إلا أن يقال باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهراً معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول

______________________________________________________

في جانب الضمير لأن أصالة الظهور حجة في تنقيح المراد وتعيينه عند الشك فيه لا في تعيين أنه حقيقة أو مجاز مع العلم به وحيث أن الشك بالإضافة إلى العام شك في المراد به وأنه العموم أو الخصوص كانت أصالة الظهور فيه حجة وأن الشك بالإضافة إلى الضمير شك في أنه حقيقة أو مجاز مع العلم بالمراد به وأن موضوع حكمه هو الخاصّ لا غير كانت أصالة الظهور فيه ليست بحجة ولا مجال للتعارض (١) (قوله : أريد فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى أنه لو بني على حجية أصالة الظهور حتى مع العلم بالمراد فاللازم تقديم أصالة الظهور في العام على أصالة الظهور في الضمير لأن التصرف في العام تصرف في الضمير أيضا والتصرف في الضمير لا يستلزم التصرف في العام فالتصرف في الضمير معلوم ولا مجال للرجوع فيه إلى أصالة الظهور والتصرف في العام مشكوك فالمرجع فيه أصالة الظهور فتأمل (٢) (قوله : فيحكم عليه) لاقتران الكلام بما يصلح للقرينية فيمنع من انعقاد الظهور له (٣) (قوله : ما يقتضيه الأصول) يعني في حكم الأفراد المغايرة للمراد من الضمير ان لم يكن دليل على الحكم المذكور (٤) (قوله : باعتبار أصالة) بان يكون حمل اللفظ على معناه الحقيقي ليس من باب الأخذ بالظاهر حتى يمنع عنه من انعقاد الظهور بل هو أصل برأسه يجب العمل عليه عند الشك في إرادة المعنى الحقيقي وان لم ينعقد له

٥٢٩

فصل

قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق على قولين وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور وتحقيق المقام انه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو كلامين ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينةً متصلة للتصرف في الآخر ودار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم فالدلالة على كل منهما ان كانت بالإطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لأجل المزاحمة كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر كذلك فلا بد من العمل بالأصول العملية فيما دار فيه بين العموم والمفهوم إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر وإلا كان مانعاً عن انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له المفهوم ذاك الارتباط والاتصال وانه لا بد ان يعامل مع كل منهما

______________________________________________________

ظهور فيه لاقترانه بما يصلح للقرينية على المجاز (١) (قوله : مع الاتفاق) والوجه في هذا الاتفاق رجوع التعارض في الحقيقة إلى التعارض بين المنطوق والعموم حيث لا يمكن رفع اليد عن مفهوم الموافقة مع البناء على المنطوق للقطع بثبوت المفهوم على تقدير ثبوت المنطوق وإلا لم يكن مفهوم الموافقة فيكون التعارض بينهما من قبيل التعارض بين الخاصّ المنطوق والعام ولا ريب في وجوب تقديم الخاصّ على العام أما مفهوم المخالفة فيمكن رفع اليد عنه فقط مع الحكم بثبوت المنطوق فيدور الأمر بين رفع اليد عنه ورفع اليد عن العموم (٢) (قوله : لعدم تمامية) راجع إلى دلالتهما بالإطلاق وقوله : كما في مزاحمة ـ راجع إلى دلالتهما بالوضع (٣) (قوله : أحدهما أظهر) يعني بالنظر إلى الأمور الخارجة عن الكلام (٤) (قوله : انعقاد) راجع إلى صورة كونهما في كلام واحد والاستقرار راجع إلى صورة كونهما في كلامين (٥) (قوله : ذاك الارتباط) بان كان أحدهما منفصلا عن الآخر على نحو لا يصلح

٥٣٠

معاملة المجمل لو لم يكن في البين أظهر وإلّا فهو المعول والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.

فصل

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الأخيرة أو لا ظهور له في واحد منهما بل لا بد في التعيين من قرينة؟ أقوال والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أي حال ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة وكذا في صحة رجوعه إلى الكل وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم ـ رحمه‌الله ـ حيث مهَّد مقدمة لصحة رجوعه إليه أنه محل الإشكال والتأمل وذلك ضرورة ان تعدد المستثنى منه

______________________________________________________

أن يكون قرينة على التصرف فيه (١) (قوله : معاملة المجمل) فانه وان انعقد لكل منهما ظهور مستقر إلا أنه بعد تعارض الظهورين يرجع إلى الأصول أيضا نظير تعارض العامين من وجه لا إلى المرجحات كما يأتي بيانه في محله (٢) (قوله : في البين أظهر) فان كان أحدهما أظهر من الآخر قدم الأظهر وكان الجمع عرفياً

(الاستثناء المتعقب للجمل)

(٣) (قوله : الاستثناء المتعقب) أما المخصص المنفصل فانه موجب لسقوط الجميع عن الحجية للعلم الإجمالي بتخصيص بعضها (٤) (قوله : هل الظاهر هو رجوعه) هذا مع صلاحية رجوعه إلى الجميع أما لو لم يكن كذلك وإن تردد بين رجوعه إلى الأخير وما قبله كما لو كان مشتركا لفظيا مثل : أكرم العلماء وبني تميم إلا زيداً ، مع اشتراك زيد بين شخصين يدخل كل منهما تحت أحد العنوانين فالظاهر تعين رجوعه إلى الأخير لا غير لقربه إليه كما انه لو لم يصلح إلا لتخصيص واحد بعينه

٥٣١

كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة بحسب المعنى كان الموضوع له في الحروف عاماً أو خاصاً وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعدداً هو المستعمل فيه فيما كان واحداً كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الإخراج مفهوماً وبذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الأخيرة وان كان الرجوع إليها متيقناً على كل تقدير (نعم) غير الأخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهراً في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهراً فيه فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الأصول اللهم إلّا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبداً لا من باب الظهور فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعياً لا ما إذا كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة فانه لا يكاد تتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع فتأمل [١]

______________________________________________________

تعين تخصيصه به (١) (قوله : كتعدد المستثنى) من المعلوم ان أداة الاستثناء مستعملة في نسبة الإخراج سواء أكانت النسبة المذكورة قائمة بين المتحدين أم المتعددين والقيام بالمتعدد لا يخرجها عن كونها نسبة شخصية وان كانت منحلة إلى نسب ضمنية متعددة بتعدد طرف النسبة لكن هذا الانحلال لا يمنع من صحة الاستعمال ولو كان الحرف موضوعاً للجزئيات ومستعملا فيها لأن جزئية النسبة لا تنافي انحلالها إلى متعدد بشهادة صحة تعدد المستثنى (٢) (قوله : إلا أن يقال بحجية) كما تقدم (٣) (قوله : مع صلوح) فان صلاحية الاستثناء للقرينية

__________________

[١] إشارة إلى انه يكفي في منع جريان المقدمات صلوح الاستثناء لذلك الاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه لاعتقاد انه كاف فيه اللهم ان يقال : ان مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم العرف ظاهراً في الرجوع إلى الجميع فأصالة الإطلاق مع عدم القرينة محكمة لتمامية مقدمات الحكمة فافهم. منه قدس‌سره

٥٣٢

(فصل) الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب أو بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا ارتياب لما هو الواضح من سيرة الأصحاب على العمل باخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمة عليهم‌السلام واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان مع أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك وكون العام الكتابي قطعياً صدوراً وخبر الواحد ظنياً سنداً لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعاً وإلّا لما جاز تخصيص المتواتر به أيضا مع انه جائز جزماً والسر أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها بخلافها فانها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره

______________________________________________________

موجب لانتفاء إحدى مقدمات الإطلاق (أعني أن لا يكون قدر متيقن في مقام التخاطب) فان الاستثناء يوجب كون الخاصّ متيقنا في مقام التخاطب نعم لو لم يعتبر في الإطلاق هذه المقدمة ثبت الإطلاق لما عدا الأخيرة ووجب العمل به وإلى هذا أشار بقوله : فتأمل.

(تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد)

(١) (قوله : المعتبر بالخصوص) يعني الّذي قام دليل على اعتباره بخصوصه لا ما ثبت اعتباره بدليل الانسداد فتأمل (٢) (قوله : القرينة) يعني القطعية (٣) (قوله : أو ما بحكمه) يعني بحكم الإلغاء بالمرة فان النادر بحكم المعدوم والإلغاء بالمرة مبني على عدم وجود خبر لا يعارضه عموم الكتاب (٤) (قوله : وكون العام الكتابي) هذا شروع في بيان أدلة المانعين من التخصيص (٥) (قوله : به أيضا) يعني بخبر الواحد (٦) (قوله : بين أصالة العموم إلخ) يعني وهما معاً ظنيان (٧) (قوله : غير صالحة لرفع) لأن حجية أصالة الظهور مشروطة بعدم قيام حجة أقوى على خلافها

٥٣٣

ولا ينحصر الدليل على الخبر بالإجماع كي يقال بأنه فيما لا يوجد على خلافه دلالة ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به كيف وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية؟ والأخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار أو انها زخرف أو انها مما لم يقل بها الإمام عليه‌السلام وان كانت كثيرة جداً وصريحة الدلالة على طرح المخالف إلّا انه لا محيص عن ان يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم إن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا كيف وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم‌السلام كثيرة جدا؟ مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعاً وان كان هو على خلافه ظاهراً شرحاً لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه فافهم

______________________________________________________

والمفروض كون الخبر حجة بدليل اعتباره فوجوده رافع لحجية أصالة الظهور (١) (قوله : ولا ينحصر الدليل) هذا دليل ثان للمنع وحاصله ان الدليل على حجية الخبر هو الإجماع ولا إجماع مع وجود العام الكتابي على الحجية وإلا لم يقع الخلاف هنا (٢) (قوله : ما يقال بأنه) ضمير (ان) راجع إلى الإجماع وضمير (خلافه) راجع إلى الخبر (٣) (قوله : والأخبار الدالة) هذا دليل ثالث للمنع وحاصله أن دليل حجية الخبر وان اقتضى جواز التخصيص به إلّا انه يجب رفع اليد عنه بالأخبار الدالة على عدم جواز العمل بالخبر المخالف للكتاب وهي كثيرة صريحة الدلالة والجواب عنه من وجوه (الأول) أن المراد بالمخالفة المانعة من حجية الخبر هي المخالفة العرفية والمخالفة بالعموم والخصوص ليست مخالفة عرفية (الثاني) أنه وان كانت مخالفة عرفية إلّا انه لا بد من حمل المخالفة المانعة على غير هذا النحو من المخالفة للقطع بصدور الاخبار المخالفة بالعموم والخصوص فلو بقيت المخالفة على عمومها لزم تخصيص تلك الاخبار وهي آبية عنه إلّا ان يقال : إن أخبار المنع عن العمل بالخبر المخالف واردة في غير ما علم صدوره فلا يلزم من العلم بصدور الاخبار

٥٣٤

والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة وان كان مقتضى القاعدة جوازهما لاختصاص النسخ بالإجماع على المنع مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه ولذا قل الخلاف في تعيين موارده بخلاف التخصيص

فصل

لا يخفى أن الخاصّ والعام المتخالفين يختلف حالهما ناسخاً ومخصصاً ومنسوخاً فيكون الخاصّ مخصِّصا تارة وناسخاً مرة ومنسوخاً أخرى وذلك لأن الخاصّ ان

______________________________________________________

المخالفة تخصيصها (الثالث) أنه يحتمل أن يكون المراد بها عدم صدور ما هو مخالف للكتاب واقعاً نظير ما ورد في المائز بين الشرط الصحيح والباطل إذ المراد بالكتاب هناك مطلق ما كتبه الله سبحانه على عباده وهو الحكم الواقعي الإلهي لا ما يتضمنه ظاهر الكتاب فلا يمكن الحكم على الخبر المخالف لظاهر الكتاب أنه مخالف للكتاب مع احتمال تخصيص الكتاب به واقعاً بل يمكن أن يدعى أنه بدليل اعتبار الخبر يحرز أنه موافق للكتاب واقعاً لا مخالف إلّا أن يقال : إن ذلك خلاف الظاهر بل لا مساغ لاحتماله بالنسبة إلى جميعها لورود جملة منها في مقام إبداء الضابط الفارق بين الخبر الصادق والكاذب وما يجوز العمل به وما لا يجوز ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم (١) (قوله : والملازمة بين جواز) هذا دليل رابع للمنع وحاصله دعوى الملازمة بين جواز النسخ وجواز التخصيص فكما لا يجوز النسخ لا يجوز التخصيص والجواب عدم ظهور وجه الملازمة بينهما وان كان مقتضى القاعدة جوازهما معاً لكن قام الإجماع على عدم جواز النسخ ولم يقم إجماع على عدم جواز التخصيص فيبقى على مقتضى القاعدة من الجواز (٢) (قوله : بتوافر الدواعي) الموجب لعدم الوثوق بصدق حاكيه بالخبر الواحد (٣) (قوله : قل الخلاف) لتواتر ثبوته غالباً

٥٣٥

كان مقارناً مع العام أو وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به فلا محيص عن كونه مخصصاً وبياناً له وان كان بعد حضوره كان ناسخاً لا مخصصاً لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام وارداً لبيان الحكم الواقعي وإلّا لكان الخاصّ أيضا مخصصاً له كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات وان

______________________________________________________

(تعارض العام والخاصّ)

(١) (قوله : مقارناً مع العام) بان صدرا من المعصوم في زمان واحد أحدهما بالقول والآخر بغيره أو صدرا من معصومين في وقت واحد كما قيل ، (٢) (قوله : فلا محيص عن) أما في صورة الاقتران فلعدم الترتب الّذي هو شرط في النسخ وأما في صورة التعاقب فمبني على ما يأتي من امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل (٣) (قوله : إذا كان العام وارداً) إذ لو كان الخاصّ مخصِّصا كان خُلفاً لأن المخصص كاشف عن عدم كون العام مطابقاً للإرادة الجدِّية والمفروض أن العام بعمومه مطابق لها ووارد لبيان عموم الحكم الواقعي ولو بلحاظ ما قبل زمان ورود الخاصّ (٤) (قوله : وإلّا لكان) يعني وإن لم يكن العام وارداً لبيان الحكم الواقعي فان أحرز كونه وارداً لبيان غيره فقد علم كون الخاصّ مخصصاً إذ لو كان ناسخاً كان خلفاً أيضا لأن النسخ يتوقف على كون الحكم المنسوخ حكما واقعياً في الجملة ولو بالنظر إلى ما قبل زمان الناسخ والمفروض العلم بأنه ليس كذلك وان لم يحرز أحد الأمرين دار الأمر بين التخصيص والنسخ ولا يبعد البناء على كونه ناسخا عملا بأصالة كون العام وارداً لبيان الحكم الواقعي لافراد الخاصّ ولو بالنسبة إلى ما قبل زمان وروده المعول عليها عند العقلاء ولذا يحكم بكون حكم العام بالنسبة إلى غير أفراد الخاصّ حكما واقعياً ولا تعارضها أصالة ظهوره في الاستمرار للقطع بانتفاء حكم العام في زمان ورود الخاصّ وما بعده بالنسبة إلى أفراد الخاصّ فلا أثر لها في إثبات الحكم الشرعي فتأمل وانتظر (٥) (قوله : كما هو الحال) تمثيل لما لم يكن العام وارداً لبيان الحكم الواقعي ولا يخلو من تأمل

٥٣٦

كان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص فكما يحتمل أن يكون الخاصّ مخصصاً للعام يحتمل أن يكون العام ناسخاً له وان كان الأظهر أن يكون الخاصّ مخصصاً لكثرة التخصيص حتى اشتهر «ما من عام إلا وقد خُص» مع قلة النسخ في الأحكام جداً وبذلك يصير ظهور الخاصّ في الدوام ولو كان بالإطلاق أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع كما لا يخفى. هذا فيما علم تاريخهما وأما لو جُهل وتردد بين أن يكون الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا وإن كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضاً وانه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب إلا أنه لا دليل

______________________________________________________

وان كان بناء الأصحاب على الجمع بالتخصيص كاشفاً عن بنائهم اما على ذلك أو على كون العام مقرونا بالقرينة المطابقة للخاص على سبيل منع الخلو (١) (قوله : وارداً بعد حضور) ولو كان وارداً قبل حضور وقت العمل بالخاص تعين كونه مخصصا بناء على امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل ولو بني على جوازه حينئذ دار الأمر بين النسخ والتخصيص كما يأتي إن شاء الله (٢) (قوله : فكما يحتمل ... إلخ) لعدم المانع من كل منهما (٣) (قوله : وبذلك يصير ظهور) يعني أن كثرة التخصيص وقلة النسخ منشأ لأقوائية دلالة الخاصّ على الدوام على دلالة العام على العموم فيقدم الأقوى ظهوراً على الأضعف كما هو الوجه في تقديم الخاصّ على العام عند التعارض بينهما (أقول) : هذا مبني على أن النسخ تخصيص في الأزمان وسيأتي خلافه. هذا كله لو لم يعلم ورود العام لبيان الحكم الواقعي أو لبيان الحكم الظاهري وإلا بني على النسخ في الأول والتخصيص في الثاني جزما كما تقدم (٤) (قوله : الرجوع إلى الأصول) يعني بالنسبة إلى ما بين زمان العام وزمان الخاصّ لو كان مورداً لابتلاء المكلف لا بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان ورود الخاصّ إذ لا شك في ثبوت حكم الخاصّ لافراده في تلك الأزمنة سواء أكان ناسخاً أم مخصصاً (٥) (قوله : وأنه واجد لشرطه) يعني وأن التخصيص

٥٣٧

على اعتباره وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص لصيرورة الخاصّ بذلك في الدوام أظهر من العام كما أشير إليه فتدبر جيداً (ثم) ان تعين الخاصّ [١] للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به انما يكون مبنياً على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل وإلّا فلا يتعين له بل يدور بين كونه مخصصاً وناسخاً في الأول ومخصصاً ومنسوخا في الثاني إلّا ان الأظهر كونه مخصصاً ولو فيما كان ظهور العام في عموم الافراد أقوى من ظهور الخاصّ في الخصوص لما أشير إليه

______________________________________________________

واجد لشرطه وهو الورود قبل حضور وقت العمل (١) (قوله : على اعتباره) يعني اعتبار الظن في ترجيح التخصيص على النسخ (٢) (قوله : أظهر من العام) فالترجيح مستند إلى قوة الدلالة الناشئة من الظن لا إلى الظن محضاً حتى يعمل عليه في المقام «فان قلت» : فهلا كان الظن في المقام أيضا موجباً لقوة الدلالة كي يؤخذ بما دلالته أقوى؟ «قلت» : ليس الدوران هنا بين ظهورين كي يقوى أحدهما بالظن المذكور بل الدوران بين ورود الخاصّ قبل حضور وقت العمل وبعده وليس أحدهما مؤدى ظهور كي يقوى بالظن «أقول» : قد عرفت أنه لا يبعد البناء على النسخ في المقام عملا بأصالة كون العام وارداً لبيان الحكم الواقعي لافراد الخاصّ ولو بلحاظ ما قبل زمان وروده (٣) (قوله : ثم ان تعين الخاصّ) قد اشتهر في كلامهم امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل بالدليل المنسوخ كما اشتهر امتناع التخصيص بعد حضور وقت العمل والوجه في الأول أن النسخ رفع الحكم الثابت وقبل حضور وقت العمل لا ثبوت للحكم كما أن الوجه في الثاني قبح تأخير البيان

__________________

[١] لا يخفى ان كونه مخصصا بمعنى كونه مبينا بمقدار المرام عن العام وناسخا بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الأمر في مورد الخاصّ مع كونه مرادا ومقصوداً بالإفهام في مورده بالعامّ كسائر الافراد وإلّا فلا تفاوت بينهما عملا أصلا كما هو واضح لا يكاد يخفى. «منه قدس‌سره»

٥٣٨

من تعارف التخصيص وشيوعه وندرة النسخ جداً في الأحكام ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ

______________________________________________________

عن وقت الحاجة وقد يستشكل في وجه الأول بأن الحكم قبل وقت العمل وان لم يكن فعلياً من جميع الجهات لكن له نحو من الثبوت في مقابل عدمه وهو كاف في صدق الرفع والمحو اللذين هما قوام النسخ فكما يصدق على جعله أنه إيجاد للحكم يصدق على رفعه انه نسخ له كما قد يستشكل في وجه الثاني بان المراد من الحاجة إن كان حاجة المولى فالتأخير مستحيل بملاك استحالة نقض الغرض لا أنه قبيح مع أن مورد الحاجة ان كان هو البيان فهو أول الكلام بل التأخير للبيان دليل على عدم الحاجة إليه وان كان فعل المكلف فهو مما لا يصح أن يتوهم لضرورة بطلانه وان كان حاجة العبد فثبوت الحاجة أول الكلام أيضا سواء أكان مورد الحاجة هو البيان أم الفعل كما يظهر من ملاحظة باب نصب الطرق غير العلمية «وبالجملة» قيام المصلحة في عدم البيان في الجملة مما لا مساغ لإنكاره وهو كاف في إمكان التخصيص بعد حضور وقت العمل وقد أشار المصنف «ره» إلى منع الثاني بقوله سابقا : إذا كان العام وارداً ... إلخ وإلى منع الأول بما سيأتي في تحقيق معنى النسخ ، (١) (قوله : من تعارف التخصيص) قد تقدم أن مجرد ذلك لا يجدي في ترجيح التخصيص وانما يجدي فيه حيث يوجب أقوائية أحد الدليلين على الآخر وثبوت ذلك فيما لو ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص غير ظاهر إذ ليس التعارض فيه بين عموم العام ودوام الخاصّ كي يوجب التعارف قوة دلالة الخاصّ على الثاني لأن عموم العام مناف لأصل الخاصّ لا لدوامه فنسخ الخاصّ بالعامّ لا تنافيه دلالة الخاصّ كي يؤخذ بها وكذا فيما لو ورد الخاصّ قبل حضور وقت العمل بالعامّ فان الحكم في زمان ورود الخاصّ وما بعده هو حكم الخاصّ على كل من تقديري النسخ والتخصيص والشك انما هو بالإضافة إلى ثبوت حكم العام لافراد الخاصّ قبل وروده فعلى تقدير التخصيص يكون الحكم الثابت لها حينئذ هو حكم الخاصّ وعلى تقدير النسخ يكون الحكم الثابت لها هو حكم العام ومن المعلوم أن ليس للخاص دلالة على

٥٣٩

فاعلم أن النسخ وان كان

______________________________________________________

ثبوت حكمه لها في الزمان المذكور كي تقوى بالتعارف فيشكل الترجيح بالشيوع في كلتا الصورتين فتأمل جيداً (١) (قوله : فاعلم أن النسخ وان) قد اشتهر في كلام جماعة أن النسخ تخصيص في الأزمان ويشكل على ظاهره إذ قد لا يكون للدليل المنسوخ عموم زماني مثل أمر إبراهيم عليه‌السلام بذبح ولده وقد يكون له عموم يأبى التخصيص لكونه نصا في العموم ، ولأنه يلزم كونه من تخصيص الأكثر المستهجن إذ نسبة الزمان الباقي إلى الزمان الخارج نسبة النادر إلى الكثير ؛ ولزم جواز اتصال الناسخ بالمنسوخ كسائر أفراد المخصص المتصل فيقال مثلا : أكرم العالم دائما إلا بعد غد إلى الأبد ، ولزم كون جميع العمومات الزمانية المخصصة في الزمان اللاحق منسوخة مثل عمومات اللزوم المخصصة بأدلة بعض الخيارات غير الفورية لو بني على بقاء الخيار فيها والجميع كما ترى «فالتحقيق» أن النسخ أجنبي عن التخصيص وليس هو من التصرف في الطريق وأصالة الظهور بل تصرف في ذي الطريق وأصالة الجهة وتوضيح ذلك ملخصا أن الحكم المجعول «تارة» يكون جاريا على مقتضى العناوين الأولية للموضوع وهو الحكم الواقعي الأولي مثل : الخمر حرام «وأخرى» يكون جاريا على مقتضى العناوين الثانوية الطارية على العناوين الأولية وهو الحكم الواقعي الثانوي مثل : الغنم الموطوءة حرام «وثالثة» يكون جاريا على خلاف مقتضى العناوين الأولية والثانوية معا لمصلحة في نفسه والفرض الأخير على نحوين (الأول) أن يؤخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي على أحد النحوين فيكون في طول الحكم الواقعي وهذا هو الحكم الظاهري مثل : كل مشكوك الحل حلال «الثاني» أن لا يؤخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي ولا يكون في طوله بوجه أصلا بل يجعل في قبال الحكم الواقعي وهذا هو الحكم المنسوخ مثل أن يقول المولى لعبده : يجب عليك السفر غدا ، مع كون السفر خاليا عن المصلحة المقتضية لوجوبه لا بالذات ولا بالعرض ثم قبل مجيء وقت السفر يرفع وجوبه المجعول أولا وتشترك الثلاثة الأول في اتصاف موضوعها بها حال وجوده ولا كذلك الأخير فان السفر لو وجد

٥٤٠