حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

بنحو الإرسال والإطلاق ، أو على أن الحمل عليه كان ذاتياً لأفيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به. وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الأعلام في المقام وما وقع منهم من النقض والإبرام ولا نطيل بذكرها فانه بلا طائل كما يظهر للمتأمل فتأمل جيداً

فصل

لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلا ، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه لأنه ليس بذاك الخاصّ والمقيد ، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا

______________________________________________________

في الوجود انحصار الإنسان في زيد فإفادة الحصر تتوقف على قرينة خاصة دالة على كون اللام للاستغراق أو للطبيعة المطلقة أو كون الحمل أوليا ذاتياً ومع عدم القرينة على ذلك لا يكون مجرد التعريف مقتضياً للحصر «أقول» : ظهور قولنا : القائم زيد ، في الحصر أقوى من كثير من الظهورات التي بنى عليها المصنف (ره) وغيره ، والرجوع إلى العرف شاهد عليه وكفى بإجماع البيانيين مؤيداً له فلا مجال للتأمل فيه بل الظاهر من كلام جماعة ممن تعرض للمقام المفروغية عن ثبوت المفهوم وان الكلام في وجهه ؛ فالنقض والإبرام انما يكون فيه لا في أصل ثبوت المفهوم (١) (قوله : الإرسال والإطلاق) الفرق بينه وبين ما قبله هو الفرق بين المطلق والعام فان خصوصيات الأفراد المقومة لها غير ملحوظة في الأول وملحوظة في الثاني

(مفهوم اللقب والعدد)

(٢) (قوله : للّقب ولا للعدد) المراد من الأول ما كان طرفاً للنسبة الكلامية فاعلاً كان أو مفعولا أو مبتدأ أو خبراً أو زماناً أو مكاناً أو غيرها فقولنا : زيد قائم : لا يدل على نفي القيام عن عمرو ولا على نفي القعود عن زيد كما أن المراد من الثاني ما يعم الواحد وإن قيل أنه ليس من العدد فقولنا : جاءني واحد ، لا يدل على عدم مجيء آخر (٣) (قوله : عدم جواز الاقتصار) فإذا أمر بصوم ثلاثين

٤٨١

كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه (نعم) لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة ضير أصلا بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة كما لا يخفى (وكيف كان) فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم بل إنما يكون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق كما هو معلوم.

المقصد الرابع في العام والخاصّ

(فصل)

قد عُرِّف العام بتعاريف وقد وقع من الأعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة والانعكاس أخرى بما لا يليق بالمقام فانها تعاريف لفظية تقع في جواب السؤال عنه ب (ما) الشارحة لا واقعة في جواب السؤال عنه ب (ما) الحقيقة «وكيف كان» المعنى المركوز منه في الأذهان

______________________________________________________

يوماً لم يجز الاقتصار على العشرين لأن العشرة الثالثة مأمور بها فلا يجوز تركها لكنه بالدلالة المنطوقية (١) (قوله : للتحديد) بأن لوحظ بشرط ، لا فتمتنع الزيادة لأنها تفويت للشرط (٢) (قوله : مع ما أخذ) هذا قيد للموافقة وبيان لطرفها.

(العام والخاصّ)

(٣) (قوله : تعاريف لفظية) قد تقدم الإشكال في نظائر المقام وأن ظاهر من عرفه بتعريف كونه تعريفاً بما هو مطرد ومنعكس فالإيراد بعدم الطرد أو العكس في محله (٤) (قوله : بما الشارحة) قال بعض المحققين (ره) : إن التعريف اللفظي قول يقصد به بيان مفهوم اللفظ تفصيلا بعد العلم بوضعه له إجمالا وإلا تعين في الطلب السؤال «بهل» الموضوعة لطلب التصديق فيقال : هل اللفظ الفلاني موضوع؟ فإذا صح وضعه سُئل عن معناه «بما» الشارحة فإذا صح مفهومه

٤٨٢

أوضح مما عرف به مفهوماً ومصداقاً ، ولذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد وعدم صدقه المقياس في الإشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه ولا شبهة تعتريه من أحد والتعريف لا بد أن يكون بالأجلى كما هو أوضح من أن يخفى فالظاهر أن الغرض من تعريفه إنما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعاً بين ما لا شبهة في انها أفراد العام ليشار

______________________________________________________

سُئل عن حقيقته «بما» الحقيقة أو «بأي» للاطلاع على كنهه أو على مميزه مما عداه فإذا صح ذلك سُئل «بهل» عن وجوده وعدمه (١) (قوله : أوضح مما عرف) يعني وذلك ممتنع في التعريف الحقيقي لما اشتهر من أنه لا يجوز التعريف بالأخفى فدل ذلك على أنها تعريفات لفظية حيث لا يعتبر فيها أن تكون أخفى أو أجلى «أقول» : يمكن أن يشكل (أولا) بأن هذا مانع أيضا من كون التعريف لفظياً لأن معنى اللفظ إذا كان متركزاً في الذهن بنحو أوضح لم يحتج إلى تعريف لفظي فلا بد أن يكون الغرض من التعريف تميّزه عن جميع ما عداه الّذي لا ينافي وضوح المعنى في الجملة (وثانياً) أن وضوح المعنى عند أهل الفن غير مانع من تعريفه تعريفا حقيقيا لغيرهم الجاهل بالاصطلاح كما أن وضوح المعنى عند المسئول لا بمنع من كون التعريف حقيقيا عند السائل (٢) (قوله : فالظاهر أن الغرض) يعني أن أفراد العام ليست محتاجة إلى التمييز كي يُقصد من تعريفه تمييزها فيكون تعريفه رسما ولا حقيقته من حيث هي موضوعا للحكم كي يقصد من تعريفه بيانها ويكون تعريفه حداً وإنما المقصود من تعريفه بيان مفهوم يُشار به إلى الأفراد التي هي موضوع الأحكام في مثل قولهم : إذا خصص العام فهل يكون حجة في الباقي؟ أو أن العام يخصص بالخاص؟ أو نحو ذلك ، ويكفي في هذا المقدار تعريفه لفظيا لإمكان الإشارة به إلى تلك الأفراد التي هي موضوع الأحكام «أقول» : هذا المقدار لا يمنع من كون التعريف حقيقيا ولو كان رسما مع أن جواز كون التعريف اللفظي أعم من المعرَّف مانع من صحة الإشارة به إلى الافراد

٤٨٣

به إليه في مقام إثبات ماله من الأحكام لا بيان ما هو حقيقته وماهيته لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الأحكام من افراده ومصاديقه حيث لا يكون بمفهومه العام محلا لحكم من الأحكام (ثم) الظاهر أن ما ذُكر له من الأقسام من الاستغراقي والمجموعي والبدلي إنما هو باختلاف كيفية [١] تعلق الأحكام به وإلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه غاية الأمر أن تعلق الحكم به (تارة) بنحو يكون كل فرد موضوعاً على حدة للحكم (وأخرى) بنحو يكون الجميع موضوعاً واحداً بحيث لو أخل بإكرام واحد في (أكرم كل فقيه) مثلاً لما امتثل أصلا بخلاف الصورة الأولى فانه أطاع وعصى (وثالثةً) بنحو يكون كل واحد موضوعاً على البدل بحيث لو أكرم واحداً منهم لقد أطاع وامتثل

______________________________________________________

بتمامها لا غير فتأمل جيداً (١) (قوله : به إليه) الضمير الأول راجع إلى «ما» الأولى والثاني راجع إلى (ما) الثانية وكذا ضمير له (٢) (قوله : من أفراده) بيان لما هو محل (٣) (قوله : من الاستغراقي والمجموعي والبدلي) توضيحه أن العام ينقسم (أولا) إلى قسمين بدلي وشمولي والأول ما يكون الحكم فيه لواحد من أفراده على البدل والثاني ما يكون الحكم فيه لجميع الأفراد وهو على قسمين (الأول) الاستغراقي وهو ما يكون كل واحد من افراده تحت حكم مستقل في مقام الثبوت والسقوط (والثاني) المجموعي وهو ما يكون مجموع الأفراد فيه تحت حكم واحد بحيث يكون كل واحد من الافراد تحت حكم ضمني ملازم لحكم غيره من الافراد في مقام الثبوت والسقوط ولازم الأول أن يُطاع حكمه بفعل واحد من الأفراد ويُعصى بترك الجميع ، ولازم الثاني أن يطاع بفعل واحد ويُعصى بترك آخر ، ولازم الثالث عكس الأول فيطاع بفعل الجميع ويُعصى بترك واحد ولا إشكال في شيء من ذلك وإنما الإشكال

__________________

[١] ان قلت : كيف ذلك ولكل واحد منها لفظ غير ما للآخر مثل أي رجل للبدلي وكل رجل للاستغراقي قلت : نعم ولكنه لا يقتضي ان تكون هذه الأقسام له ولو بملاحظة اختلاف كيفية تعلق الأحكام لعدم إمكان تطرق هذه الأقسام إلا بهذه الملاحظة فتأمل جيدا. منه «قدس‌سره»

٤٨٤

كما يظهر لمن أمعن النّظر وتأمل. وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها فافهم

______________________________________________________

في أن الفرق بين هذه الأقسام تابع لاختلاف لحاظ مادة العموم مع قطع النّظر عن الحكم أو تابع للحكم فيكون الاتصاف بالبدلية والجمعية والاستغراقية متأخراً رتبة عن الحكم؟ الّذي اختاره المصنف (ره) هو الثاني كما يقتضيه البيان المتقدم في كيفية التقسيم وملاحظة عبارة المتن (١) (قوله : كما يظهر لمن أمعن) الّذي يظهر بعد إمعان النّظر أن الفرق بين العام البدلي والشمولي ليس تابعا للحكم بل هو متقوم بنفس المفهومين مع قطع النّظر عن الحكم لاختلاف مفهوم قولنا : رجل أي رجل مع قولنا : كل رجل فان الأول ملحوظ بنحو لا يصدق على الجميع بل يصدق على واحد من الافراد على البدل بمعنى أنه يُرى في ظرف صدقه على واحد غير صادق على غيره ، والثاني ملحوظ بنحو يصدق على الجميع فيكون صادقاً على كل واحد من الافراد في فرض صدقه على غيره ، وأما الفرق بين الأخيرين فقد يكون متقوما بنفس المفهومين كما إذا كان كل واحد من الافراد ملحوظاً مطلقاً من حيث وجود الباقي وعدمه وقد يكون ملحوظاً مهملاً. فان كان الأول فالعام استغراقي وإن كان الثاني فالعام مجموعي ، وقد يكون تابعاً للحكم كما إذا كان كل واحد من الافراد قد أخذ مهملا في العام الاستغراقي لكون كل فرد موضوعاً لمصلحة مستقلة في حال وجود بقية الافراد فان العام يكون حينئذ استغراقياً ولا إطلاق في الافراد فيكون الفرق بينهما حينئذ في مجرد كون المصلحة في كل فرد ضمنية أو استقلالية فعلى الأول يكون العام مجموعياً وعلى الثاني يكون استغراقياً وهذا معنى التبعية للحكم ومنه يظهر أن ما ذكره في المتن من الفرق بين الاستغراقي والمجموعي غير مطرد إذ في الفرض المذكور لا يطاع حكم الفرد في حال ترك بقية الافراد بل يكون الإخلال بفرد مانعاً من حصول الامتثال بغيره مع أنه من العام الاستغراقي. نعم يفترق عن العام المجموعي في موضوع الإطاعة عند الإتيان بجميع الافراد فان كل فرد موضوع للإطاعة مستقلا لو كان العام استغراقياً وضمناً لو كان مجموعيا فتأمل جيداً (٢) (قوله : وقد انقدح أن مثل) تنبيه على أن أسماء الأعداد كعشرة ومائة ونحوهما ليست

٤٨٥

فصل

لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه لغة وشرعاً كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما ويعمهما ضرورة ان مثل لفظ (كل) وما يرادفه في أي لغة كان تخصه ولا يخص الخصوص ولا يعمه ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية بادعاء أنه العموم أو بعلاقة العموم والخصوص. ومعه لا يُصغى إلى أن إرادة الخصوص المتيقنة ولو في ضمنه بخلافه وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى ، ولا إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع حتى قيل : ما من عام إلا وقد خص ، والظاهر يقتضي كونه حقيقة لما هو الغالب تقليلا للمجاز

______________________________________________________

من أفراد العام يعني مما ذكرنا في معنى العموم من أنه لا بد أن يكون له مفهوم واحد صالح للانطباق على كل واحد يظهر أن مثل العشرة ليس من افراد العام إذ ليس له مفهوم واحد ملحوظ بنحو يصلح للانطباق على كل واحد من الأفراد كما كان العام كذلك فان مفهوم (كل رجل وإن كان لا ينطبق على واحد من الأفراد بل يختص انطباقه على الجميع إلا أن انطباقه على الجميع كان بلحاظ مفهوم واحد أعني مفهوم الرّجل الساري في كل واحد من الأفراد وليس كذلك الحال في العشرة فقولنا : جاءني عشرة ، ليس من الحكم على العام وقولنا : جاءني كل واحد من العشرة ، من الحكم على العام والسر في ذلك ان العموم صفة طارئة على مفهوم صالح في نفسه له وللخصوص وليس كذلك الحال في العدد فلا يتصف إذاً بالعموم (١) (قوله : كالخصوص) في ان له أيضا صيغة تخصه كالأعلام الشخصية (٢) (قوله : ما يشترك) كالمعرف (باللام) فانه مع العهد يكون للخصوص ومع عدمه يكون للعموم (٣) (قوله : ولا يعمه) يعني ليست مما يشترك بين العموم والخصوص (٤) (قوله : استعماله في) إذ المراد من الاختصاص بالعموم ليس عدم الاستعمال الا فيه بل المراد عدم الظهور إلا فيه فيكون استعماله فيه بلا عناية واستعماله في الخصوص يحتاج إلى عناية (٥) (قوله : ومعه لا يُصغى) يعني مع

٤٨٦

ـ مع أن تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به مع كون العموم كثيراً ما يراد واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية كما يأتي توضيحه ولو سلم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة كما لا يخفى (فصل) ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم (النكرة) في سياق النفي أو النهي ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا لضرورة انه لا يكاد يكون طبيعة معدومة إلّا إذا لم يكن فرد منها بموجود وإلا كانت موجودة ، لكن لا يخفى أنها تفيده إذا أخذت مرسلة [١] لا مبهمة قابلة للتقيد وإلّا فسلبها لا يقتضي إلا استيعاب السلب لما أريد منها يقيناً لا استيعاب ما يصلح

______________________________________________________

قيام الضرورة على اختصاص بعض الصيغ بالعموم لا مجال لدعوى كون ذلك البعض مختصا بالخصوص بتقريب أن الخصوص متيقن الإرادة سواء أكانت مستعملة في العموم أم في الخصوص أما على الثاني فظاهر : وأما على الأول فلان الخصوص بعض العموم وإرادة الكل تقتضي إرادة البعض وإذا كان الخصوص متيقنا كان أولى بالوضع من العموم ووجه عدم الإصغاء إلى ذلك أنه خلاف الضرورة (١) (قوله : مع ان تيقن) الخصوص ضد للعموم فلا يكون متيقناً (٢) (قوله : إذا أخذت مرسلة) سيأتي إن شاء الله أن صفتي الإطلاق والتقييد طارئتان على ذات واحدة تسمى بالطبيعة المهملة فإذا طرأ عليها الإطلاق سميت الطبيعة المطلقة تارة والمرسلة أخرى ، كما أنها إذا طرأ عليها التقييد سميت الطبيعة المقيدة (وتوضيح) المراد من المتن أن ما ذكرنا من أن عدم الطبيعة إنما يكون بعدم جميع الافراد إنما يقتضي كون النكرة في سياق النفي للعموم لو كان المراد بها الطبيعة المطلقة فان نفي الطبيعة المطلقة إنما يكون بنفي جميع الافراد أما لو كان المراد بها الطبيعة المقيدة فدخول النفي عليها لا يقتضي

__________________

[١] وإحراز الإرسال فيما أضيفت إليه انما هو بمقدمات الحكمة فلولاها كانت مهملة وهي ليست إلّا بحكم الجزئية فلا تفيد لا نفي هذه الطبيعة في الجملة ولو في ضمن صنف منها فافهم فانه لا يخلو من دقة. منه قدس‌سره

٤٨٧

انطباقها عليه من افرادها وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية فانها بالإضافة إلى افراد ما يراد منها لا الافراد التي يصلح لانطباقها عليها ، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعاً كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة (نعم) لا يبعد أن يكون ظاهراً عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعاً كان أو مفرداً ـ بناءً على افادته للعموم ـ ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره وإطلاق التخصيص على تقييده ليس إلا من قبيل (ضيِّق فم

______________________________________________________

عموم النفي لافراد الطبيعة المطلقة وإنما يقتضي نفي أفراد ذلك النوع المقيد لا غير ، كما أنه لو أريد بها الطبيعة المهملة كان نفيها مجملا صالحاً لأن يكون لعموم النفي لجميع الأفراد وأن يكون لنفي بعض الأفراد حيث لا يعلم المراد بها وأنه الطبيعة المطلقة أو المقيدة (١) (قوله : انطباقها عليه) يعني لو أخذت مطلقة (٢) (قوله : كما لا ينافي دلالة) يعني أن مثل أداة النفي والنهي كلمة (كل) فانهما وان اختلفتا من حيث أن دلالة الأداة عقلية ودلالة (كل) لفظية لكنهما تشتركان في أن العموم المدلول لهما إنما هو بالإضافة إلى ما يراد من المدخول فيجري فيه ما تقدم في مدخول الأداة ، ولذا لم يتوهم أحد أن كلمة (كل) لو أضيفت إلى ماهية مقيدة مثل قولنا : أكرم كل رجل عالم ، اقتضت عموم الحكم لجميع أفراد الرّجل حتى ما ليس بعالم بل تقتضي عموم الحكم لأفراد العالم لا غير (٣) (قوله : أن يكون ظاهراً) يعني تفترق (كل) عن الأداة بان الأداة مع إهمال مدخولها يكون النفي مهملا من حيث العموم والخصوص (وكل) مع إهمال مدخولها وعدم اقترانه بما يقتضي تقييده أو إطلاقه تكون رافعة لإهماله وموجبة لإطلاقه (٤) (قوله : هو الحال في المحلّى) فان العموم المستفاد منه عموم أفراد ما يُراد منه لا عموم جميع الافراد التي يصلح للانطباق عليها كما يشهد به جواز تقييده بالوصف بلا منافاة لعمومه (٥) (قوله : وإطلاق التخصيص) يعني قد يتوهم منافاة التقييد للعموم من جهة

٤٨٨

الركيَّة) لكن دلالته على العموم وضعاً محل منع بل انما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى وذلك لعدم اقتضائه وضع (اللام) ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما كما لا يخفى وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام

فصل

لا شبهة في ان العام المخصَّص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصِّص مطلقاً ولو كان متصلا وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا كما هو المشهور بين الأصحاب بل لا ينسب الخلاف إلا إلى بعض أهل الخلاف ورُبما فصِّل بين المخصص المتصل ـ فقيل بحجيته فيه ـ وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته واحتج النافي بالإجمال

______________________________________________________

تسميته تخصيصا فان التخصيص عبارة عن تضييق دائرة العموم في فرض ثبوته فيكون منافياً له (ويندفع) بأن المراد من التخصيص حدوثه مخصصاً نظير قولهم : ضَيِّق فم الركيَّة ؛ يعني (أحدثه ضيقاً) لا أنه يطرأ التخصيص بعد العموم ليكون منافياً له (١) (قوله : الركية) الركية كعطية البر يجمع على ركايا كعطايا (٢) (قوله : وضعا) يعني فيكون مثل كل (٣) (قوله : يفيده فيما) فيكون مثل مدخول النفي (٤) (قوله : لا شبهة) هذا التعبير لا يناسب وجود الخلاف (٥) (قوله : ولو كان) بيان لوجه الإطلاق (٦) (قوله : وما احتمل) معطوف على (ما علم) يعني يكون العام حجة في الفرد الّذي احتمل دخوله في المخصص إذا كانت الشبهة مفهومية وإذا كان المخصص منفصلا لا في الشبهة المصداقية ولا إذا كان المخصص متصلا لما سيأتي في الفصل الآتي (٧) (قوله : بعض أهل الخلاف) كأبي ثور على ما قيل (٨) (قوله : وربما فصل) هذا التفصيل منسوب إلى جماعة منهم البلخي ووجه عدم تأتي شبهة النفي في المتصل لأن التخصيص به يوجب انعقاد

٤٨٩

لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات وتعيين الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح (والتحقيق) في الجواب أن يقال : إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازاً اما في التخصيص بالمتصل فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا وأن أدوات العموم قد استعملت فيه وان كان دائرته سعة وضيقاً تختلف باختلاف ذوي الأدوات فلفظة (كل) في مثل (كل رجل (وكل رجل عالم) قد استعملت في العموم وان كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة. وأما في المنفصل فلان إرادة الخصوص واقعاً لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاصّ قرينة عليه بل من الممكن ـ قطعاً ـ استعماله معه في العموم قاعدة وكون الخاصّ مانعاً عن حجية ظهوره تحكيماً للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادماً لأصل ظهوره ومعه لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازاً كي يلزم الإجمال (لا يقال) : هذا مجرد احتمال ولا يرتفع به الإجمال لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه

______________________________________________________

الظهور في الباقي ولا يكون مردداً بين المعاني المجازية ليكون مجملا (١) (قوله : لتعدد المجازات) يعني بعد أن كان العام حقيقة في العموم إذا تعذر حمله على العموم من جهة الخاصّ يدور الأمر بين حمله على تمام الباقي وحمله على بعضه وكلاهما مجاز وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر يكون مجملا ويسقط عن الحجية (٢) (قوله : لا يلزم من) يعني فلا مجال لورود الشبهة بتعدد المجازات (٣) (قوله : ذوي الأدوات) يعني الموضوعات التي تدخل عليها الأدوات فتقتضي عمومها (٤) (قوله : أفراد أحدهما بالإضافة) فان أفراد الرّجل العالم أقل من أفراد مطلق الرّجل (٥) (قوله : إرادة الخصوص) يعني الإرادة الواقعية الجدِّية الباعثة على جعل الأحكام (٦) (قوله : استعماله فيه) يعني في الخصوص في ظرف الإنشاء (٧) (قوله : في العموم قاعدة) بان ينشأ حكما عاما على الموضوع العام وهذا الإنشاء وان كان ظاهراً في تعلق الإرادة الجدِّية بنحو العموم إلا أنه يرفع اليد عن هذا الظاهر بالخاص الّذي هو نصّ أو أظهر (٨) (قوله : لا مصادماً لأصل) يعني لا يكون

٤٩٠

(فانه يقال) : مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم والثابت من مزاحمته بالخاص انما هو

______________________________________________________

الخاصّ موجباً لانقلاب ظهور العام في العموم إلى ظهوره في الخصوص المردد بين مراتبه كي يكون مجملاً حسبما يدعيه النافي للحجية (١) (قوله : بعد استقرار) فان العام قبل ورود الخاصّ يستقر ظهوره في العموم ويحكم بأنه مستعمل فيه فإذا ورد الخاصّ فمقتضى دليل حجيته أن يحكم بعدم مطابقة الإرادة الجدية للحكم العام ويرفع بذلك اليد عن أصالة مطابقة الكلام الإنشائي بماله من المعنى الظاهر للإرادة الجدية أما أصالة كون اللفظ مستعملا في المعنى الظاهر ـ وهو العموم ـ فلا موجب لرفع اليد عنها بل يجب الأخذ بها وبالجملة إذ أورد (أكرم كل عالم) فلا بد أولا من معرفة معنى هذا الكلام وما يُعد الكلام قالبا له ، وثانيا من معرفة انه مستعمل فيه أو في غيره ولو بلا قرينة عليه ، وثالثا من معرفة أن هذا المستعمل فيه الكلام مطابق للإرادة الجدية بأن يكون في نفس المتكلم إرادة إكرام جميع العلماء أو مخالف لها ، والمتكفل لمعرفة الأول هو العرف فانهم المرجع في تشخيص معنى الكلام والمتكفل لمعرفة الأخيرين هو الأصول العقلائية إذ الأصل في كل كلام أن يكون مستعملا في معناه لا في غيره كما ان الأصل في كل كلام مستعمل في معنى أن يكون معناه هو المطابق لإرادة المتكلم فإذا ورد الخاصّ بعد ذلك مثل : لا يجب إكرام العالم الفاسق ، فمقتضى دليل الحجية وجوب رفع اليد عن المقام الثالث فيحكم بعدم كون الإرادة الجدية متعلقة بنحو العموم ، أما وجوب رفع اليد عن المقام الثاني ليحكم بعدم كون الكلام مستعملا في العموم فلا موجب له كما أنه لا موجب لرفع اليد عن المقام الأول ليحكم بعدم كون العموم معنى للفظ ولا ظاهراً هو فيه فان ذلك مما لا يقتضيه دليل حجية الخاصّ كيف وكون المعنى معنى للكلام وظاهرا له مما لا مجال للتعبد فيه؟ لكونه من الأمور الوجدانية كما هو ظاهر (٢) (قوله : استعماله فيه) يعني في الخصوص (قوله : ظهوره في العموم)

٤٩١

بحسب الحجية تحكيما لما هو الأقوى كما أشرنا إليه آنفاً «وبالجملة» : الفرق بين المتصل والمنفصل وان كان بعدم انعقاد الظهور في الأول الا في الخصوص وفي الثاني إلّا في العموم إلّا انه لا وجه لتوهم استعماله مجازاً في واحد منهما أصلا وإنما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأول وعدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاصّ حجة فيه في الثاني فتفطن «وقد أجيب» عن الاحتجاج بان الباقي أقرب المجازات (وفيه) أنه لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار وإنما المدار على الأقربية بحسب زيادة الأنس الناشئة من كثرة الاستعمال وفي تقريرات بحث شيخنا الأستاذ «قدس‌سره» في مقام الجواب عن الاحتجاج ما هذا لفظه : والأولى أن يجاب ـ بعد تسليم مجازية الباقي ـ بان دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده

______________________________________________________

(١) يعني ظهوره في استعماله في العموم (٢) (قوله : بحسب الحجية) يعني على الإرادة الواقعية الجدية فيقدم الخاصّ عليه في دلالته عليها لا غير كما عرفت (أقول) : ما ذكر لا يتم في الكلام الخبري إذ الكلام إذا كان مستعملا في العموم فاما أن يقصد الحكاية به عن العموم فيلزم الكذب أو يقصد الحكاية به عن الخصوص فيلزم خروج الكلام عن كونه خبراً حيث لم يقصد به الحكاية عن معناه المراد منه ، وأما في الإنشاء فهو وإن كان في نفسه معقولا إلا أنه محتاج إلى شاهد لتعارض أصالة كون الظاهر مستعملا فيه مع أصالة كون المعنى المستعمل فيه مطابقاً للإرادة الجدية للعلم بكذب إحداهما (وتوهم) أن الأصل الثاني لا أثر له للعلم بعدم الإرادة الجدية بنحو العموم فلا تجدي أصالة كون المعنى المستعمل فيه مطابقاً للإرادة (مندفع) بأن ذلك يتم لو كان مجرى الأصلين كلامين مستقلين أما لو كان مجراهما كلاماً واحداً فلا لاقتضائه الإجمال ولا طريق إلى إثبات استعماله في العموم (٣) (قوله : بأن دلالة العام) الظاهر أن مراده هو أن العام وان كان يدل بالدلالة التصديقية على تمام الافراد دلالة واحدة لكنها منحلة إلى دلالات ضمنية متعددة بتعدد الافراد

٤٩٢

ولو كانت دلالة مجازية إذ هي بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله فالمقتضي للحمل على الباقي

______________________________________________________

فيدل على كل فرد دلالة ضمنية في قبال دلالته كذلك على بقية الافراد ومرجع هذه الدلالة الضمنية إلى أن الفرد مستعمل فيه ضمنا ومراد للمتكلم بالإرادة الاستعمالية ضمناً وهذه الدلالات الضمنية كل واحدة منها حجة لو لم يرد الدليل المخصص فإذا ورد المخصص فاقتضى عدم حجية الدلالات الضمنية للعام على أفراد المخصص وأن المتكلم بالعامّ لم يرد منه بالإرادة الاستعمالية تلك الافراد لم يكن وجه لرفع اليد عن حجية الدلالات الضمنية للعام على استعماله في الافراد الباقية ، لأن الموجب لذلك (ان) كان انتفاء الدلالة على الأفراد الباقية (فلا وجه له) إذ الدلالة على جميع الافراد ـ حتى أفراد المخصص ـ بحالها والمخصص ليس من القرائن المتصلة حتى يوجب انقلاب الدلالة (وإن) كان تلازم الدلالات الضمنية في الحجية بحيث يمتنع انتفاء حجية الدلالة الضمنية على الافراد الخارجة وثبوت حجية الدلالة على الأفراد الباقية (ففيه) المنع عن هذا التلازم جداً لما عرفت من عدم التلازم في الجملة بين الدلالة المطابقية والالتزامية في الحجية فضلا عن التلازم فيما بين الدلالات الضمنية فإذا كانت الدلالات الضمنية على إرادة الباقي بالإرادة الاستعمالية على حجيتها وجب الحكم بمقتضاها من إرادة الباقي واستعمال اللفظ فيه وان كان مجازاً (١) (قوله : ولو كانت) الضمير راجع إلى دلالة العام على كل فرد و (لو) وصلية يعني الدلالة على كل فرد الأعم من المجازية غير منوطة بالدلالة على غيره بل المنوطة بذلك هي الدلالة الحقيقية (٢) (قوله : إذ هي) يعني أن الدلالة المجازية إنما كانت مجازية بواسطة عدم شمول العام لافراد المخصص الناشئ من تقدم الدليل المخصص عليه وليست مجازيتها من جهة أن المدلول بها مباين للمعنى الحقيقي وليس من أفراد العام حتى يقال : إنها غير ثابتة لا في ضمن الدلالة على تمام الافراد لكون المفروض انتفاء الدلالة على التمام بواسطة الخاصّ ولا مستقلا لعدم القرينة بل هي ثابتة على كل حال اما في ضمن الدلالة على التمام أولا في

٤٩٣

موجود والمانع مفقود لأن المانع في مثل المقام إنما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره فلو شك فالأصل عدمه انتهى موضع الحاجة. «قلت» : لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في الخصوص ـ كما هو المفروض ـ مجازاً وكان إرادة كل واحدة من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه واستعمال العام فيه مجازاً ممكنا كان تعيّن بعضها ـ بلا معيِّن ترجيحاً بلا مرجِّح ولا مقتضي لظهوره فيه ضرورة ان الظهور إما بالوضع وإما بالقرينة والمفروض أنه ليس بموضوع له ولم يكن هناك قرينة وليس له موجب آخر ودلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه فالمانع عنه وان كان مدفوعا بالأصل إلّا أنه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع. نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلا في العموم كما فيما حققناه في الجواب فتأمل جيداً

______________________________________________________

في ضمنه (١) (قوله : موجود) وهو الدلالة المتقدمة (٢) (قوله : ما يوجب) وهو المخصص (٣) (قوله : فلو شك) يعني في وجود مخصص آخر (٤) (قوله : بلا معيِّن) قد عرفت المعين وأنه وجوب التفكيك بين الدلالات الضمنية في مقام الحجية (٥) (قوله : ليس بموضوع له) يعني للخصوص لكن عرفت أن الوضع للعموم يقتضي ظهور العام في العموم وعرفت أن المخصص إنما يزاحم ظهوره في بعض الافراد دون بعض فيبنى على عدم حجية الظهور الضمني بالإضافة إلى افراد الخاصّ لا غير مع البناء على حجيته بالإضافة إلى الباقي وانه لا تلازم بين الظهورات الضمنية في الحجية. نعم لو كان المخصص يوجب ارتفاع الظهور بذاته بالإضافة إلى افراد المخصص ـ كما تعطيه عبارة التقريرات ـ كان الإشكال محكما إذا الظهور في تمام الافراد المستند إلى الوضع ارتباطي متلازم الثبوت

٤٩٤

«فصل» إذا كان الخاصّ بحسب المفهوم مجملا بأن كان دائراً بين الأقل والأكثر وكان منفصلا فلا يسري إجماله إلى العام لا حقيقة ولا حكما بل كان العام متبعاً فيما لا يتبع فيه الخاصّ لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا ضرورة أن الخاصّ إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا فيما لا يكون كذلك كما لا يخفى وإن لم يكن كذلك بأن كان دائراً بين المتباينين

______________________________________________________

فإذا انتفى بالإضافة إلى فرد انتفى بالإضافة إلى الجميع حسبما أفاد في المتن لكن الظاهر أن مراد التقريرات ما ذكرنا أعني انتفاء حجية الظهور بالنسبة إلى أفراد المخصص ـ كما هو التحقيق ـ لا ارتفاع ذاته وان كان لا يهم تحقيق المراد بعد وضوح الحال ومنه تعرف الحال في قول المصنف (ره) : ودلالته على كل فرد ... إلخ وأنه يتوجه لو بني على انتفاء الدلالة بذاتها بالإضافة إلى أفراد المخصص ولا يتوجه لو بني ـ كما هو التحقيق ـ على ثبوت الدلالة وأن المنتفي هو الحجية والدليليّة لا غير والله سبحانه ولي التوفيق (١) (قوله : إذا كان الخاصّ) الخاصّ إما أن يكون مبيِّن المفهوم والمصداق أو لا ، والثاني إما أن يكون إجماله في المفهوم أو في المصداق وكل منهما إما مردد بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين ، وكل منهما إما متصل أو منفصل فصوره ثمان (أربع) لمجمل المفهوم (وأربع) لمجمل المصداق (٢) (قوله : لا حقيقة) بارتفاع ظهوره ولا حكما بارتفاع حجية ظهوره (٣) (قوله : فيما لا يتبع فيه) وهو الفرد المحتمل الدخول تحت الخاصّ مثلاً إذا ورد : أكرم كل عالم ، وورد منفصلا : لا يجب إكرام العالم الفاسق ، وشك في المراد بالفاسق وأنه مرتكب المعصية مطلقاً أو خصوص مرتكب الكبيرة فمرتكب الكبيرة حيث يعلم دخوله في الخاصّ يرجع فيه إلى الخاصّ ومرتكب الصغيرة حيث لا يعلم دخوله في الخاصّ لا يكون الخاصّ مرجعاً فيه بل يرجع فيه إلى العام لأنه حجة فيه بلا مزاحم (٤) (قوله : فيما هو حجة) يعني في مورد يكون الخاصّ حجة فيه على خلاف العام وهو الفرد المعلوم الدخول تحت الخاصّ لا

٤٩٥

مطلقاً أو بين الأقل والأكثر فيما كان متصلا فيسري إجماله إليه حكما في المنفصل المردد بين المتباينين وحقيقة في غيره «أما الأول» فلان العام على ما حققناه كان ظاهراً في عمومه إلا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين عُلم تخصيصه بأحدهما. وأما الثاني فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الأقل والأكثر أو لكل واحد من المتباينين لكنه حجة في الأقل لأنه المتيقن في البين. فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل وكذا في المجمل بين المتباينين ، والأكثر والأقل فلا تغفل. وأما إذا كان مجملا بحسب المصداق بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فرداً له أو باقياً تحت العام فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعامّ لو كان متصلا به ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلا في الخصوص كما عرفت وأما إذا كان منفصلا عنه ففي جواز التمسك به خلاف ،

______________________________________________________

فيما يكون كذلك وهو الفرد المشكوك الدخول فيه (١) (قوله : مطلقاً) يعني ولو منفصلا (٢) (قوله : ظاهراً في عمومه) يعني فلا إجمال فيه حقيقة (٣) (قوله : لا يتبع) وهو معنى إجماله حكما (٤) (قوله : الّذي علم) فان الخاصّ يكون حجة على تخصيص أحدهما إجمالا فتسقط أصالة ظهور العام في الفردين معاً فيرجع في كل من الفردين إلى الأصول العملية فان كان حكم العام إلزامياً وحكم الخاصّ غير إلزامي أو بالعكس وجب الاحتياط في الفردين للعلم الإجمالي بالتكليف وإن كان كل من حكمي العام والخاصّ إلزامياً دار الأمر في كل من الفردين بين الوجوب والحرمة فيلحقه حكمه من التخيير ابتداء أو واستمراراً حسبما يأتي إن شاء الله تعالى في محله (٥) (قوله : وأما الثاني) يعني المتصل المردد بين المتباينين أو الأقل والأكثر ، (٦) (قوله : لاحتفاف الكلام) لما تقدم من أن المخصص المتصل مانع من انعقاد ظهور الكلام فيما يعم أفراده بل يوجب انعقاد ظهوره فيما عداها فالتردد في أفراده يوجب التردد في أفراد العام ويوجب انعقاد ظهوره في القدر المتيقن (٧) (قوله : فلا كلام في عدم) قد يظهر من التقريرات دخوله في محل الخلاف الآتي حيث

٤٩٦

(والتحقيق) عدم جوازه إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه : ان الخاصّ إنما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده فخطاب : لا تكرم فساق العلماء ، لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شُك في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم مثل : أكرم العلماء ، ولا يعارضه فانه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة ، وهو في غاية الفساد فان الخاصّ وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا إلا أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد فيكون : أكرم العلماء ، دليلا وحجة في العالم غير الفاسق فالمصداق المشتبه وان كان مصداقا للعام بلا كلام إلا انه لم يُعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة لاختصاص حجيته بغير الفاسق (وبالجملة): العام المخصص بالمنفصل وان كان ظهوره في العموم كما إذا لم يكن مخصَّصاً بخلاف المخصَّص بالمتصل كما عرفت إلا أنه في عدم الحجية ـ إلا في غير عنوان الخاصّ ـ

______________________________________________________

قال في صدر البحث : وكيف كان فلنا في المقام دعويان إحداهما التعويل عند وجود أصل رافع للاشتباه كما إذا قيل : أكرم العلماء إلا فساقهم ... إلخ فان تمثيله بالمتصل وكذا تمثيله به مكرراً في بيان الدعوى الثانية وعدم تنبيهه على اختصاص النزاع الآتي بالمنفصل شاهد بعموم النزاع فتأمل. نعم لا ينبغي كونه محلاً للنزاع بناء على ما ذكره المصنف (ره) من انقلاب عنوان العام في المخصص المتصل إلى عنوان الخاصّ فإذا شك في فرد أنه من أفراد الخاصّ فقد شك في كونه مصداقا لعنوان العام ومثل هذا الشك مانع عن التمسك بالعامّ وسيأتي أن التمسك بالدليل إنما يصح بعد إحراز عنوان موضوعه فإذا قيل : أكرم كل عالم ، وشك في فرد أنه عالم امتنع تطبيق العام عليه من غير فرق بين التردد بين الأقل والأكثر وبين المتباينين (١) (قوله : من شك في فسقه) لأن مشكوك الفسق لما لم يُحرز انطباق عنوان الفاسق عليه امتنع التمسك فيه بقوله : لا تكرم فساق العلماء ، وإذا لم يكن الخاصّ حجة كان العام فيه محكما لأن المانع عنه ليس إلا الدليل الخاصّ والمفروض عدم صلاحيته للمنع لعدم حجيته (٢) (قوله : فان الخاصّ وإن لم يكن) توضيحه

٤٩٧

أن الخاصّ ـ بعد ما وجب تقديمه على العام في مدلوله ـ إذا كان مدلوله ـ مثلا ـ حرمة إكرام الفاسق الواقعي ، كان العام حجة فيما عداه وهو الباقي بعد التخصيص فإذا تردد الفرد بين كونه من أفراد الخاصّ وكونه من غيرها كانت نسبة العام والخاصّ إليه نسبة واحدة فإذا لم يكن الخاصّ حجة فيه للشك في كونه من أفراده كان العام كذلك للشك في كونه من الباقي ؛ ومجرد العلم بكونه من أفراد عنوان العام أعني عنوان العالم (مثلاً) لا يجدي في التمسك بالعالم لإثبات حكمه لأن المفروض كون العام ليس حجة في ثبوت حكمه لعنوانه مطلقاً بل في ثبوت حكمه للباقي لا غير فقولنا : مشكوك الفسق عالم ، وإن كان صادقا إلا أن كبراه وهي قولنا : كل عالم يجب إكرامه ، ليست صادقة لصدق قولنا : بعض العالم يحرم إكرامه ، وإذا لم تصدق الكبرى الكلية امتنع الاستنتاج من القياس ، فعدم حجية الخاصّ في مشكوك الفسق للشك في كونه من أفراده لا يوجب حجية العام فيه للشك أيضا في كونه من الباقي الّذي لا يكون العام حجة إلا فيه (فان قلت) : الخاصّ انما يوجب رفع اليد عن العام لو علم انطباقه على بعض أفراد العام أما لو علم بعدم انطباقه على أفراد العام أصلا أو احتمل عدم انطباقه فلا وجه لاقتضائه تضييق دائرة موضوع حجية العام لأن احتمال مطابقة العام للواقع بحالها ومهما احتمل مطابقة الكلام للواقع وجب الأخذ به فإذا ورد : أكرم العلماء كلهم ، وورد : لا يجب إكرام العالم الفاسق ؛ واحتمل أن لا يكون من أفراد العالم من هو فاسق فلا موجب لرفع اليد عن العام مع احتمال مطابقته للواقع فإذا اتفق انه علم بانطباقه على بعض أفراد العام واحتمل عدم انطباقه على فرد آخر فاحتمال مطابقة العام للواقع بالإضافة إلى ذلك الفرد بحاله فيجب الأخذ به (قلت) : احتمال مطابقة العام للواقع في ظرف ورود الخاصّ إنما يكون لو كان العام ملحوظاً بنحو القضية الخارجية والخاصّ ملحوظاً بنحو القضية الحقيقة بأن يكون معنى : أكرم كل عالم ، أكرم كل عالم موجود ، ومعنى : لا تكرم العالم الفاسق ، لا تكرم ما لو وجد كان عالماً فاسقا ، إذ في مثله يحتمل أن يكون كل عالم موجود مما لا ينطبق عليه

٤٩٨

مثله فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين فلا بد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين. هذا إذا كان المخصِّص لفظياً وأما إذا كان لُبياً فان كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب فهو كالمتصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام الا في الخصوص وان لم يكن كذلك فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه (والسرّ) في ذلك أن الكلام الملقى من السيد

______________________________________________________

الفاسق فيجعل العام دليلا على عدم انطباق عنوان الخاصّ على فرد من أفراده لو شك في انطباقه على بعض أفراد العام أما لو كانا ملحوظين جميعا بنحو القضية الحقيقية أو الخارجية فالعام لا يصلح أن يكون دليلا على عدم انطباق الخاصّ على فرد من أفراده بل هما متكاذبان بنفسيهما والأخذ بأحدهما مناف للأخذ بالآخر فإذا بني على تقديم الخاصّ على العام واختصاص حجيته فيما عدا أفراد الخاصّ فالفرد المشكوك كونه من أفراد الخاصّ أو من غيرها مما يمتنع الأخذ فيه بكل من الخاصّ والعام على نحو واحد كما تقدم وكذا لو كان العام ملحوظا بنحو القضية الحقيقية والخاصّ ملحوظا بنحو القضية الخارجية كما يظهر بأدنى تأمل. ثم إن التفكيك بين العام والخاصّ بحمل أحدهما على القضية الخارجية والآخر على الحقيقية خلاف الأصل إلّا أن تقوم قرينة عليه فيعمل عليها حينئذ (١) (قوله : كان لبيا) يعني قطعيا لا لفظيا ، (٢) (قوله : مما يصح أن يتكل) بأن يكون عرفا من القرائن المتصلة الموجبة لصرف الكلام عن العموم إلى الخصوص (٣) (قوله : فهو كالمتصل) يعني لا كلام في عدم جواز التمسك بالعامّ فيه لإثبات حكم الفرد المشكوك فتأمل (٤) (قوله : وان لم يكن كذلك) يعني بحيث لا يصلح أن يكون قرينة على صرف الكلام عن العموم إلى الخصوص بل يكون الكلام قد انعقد ظهوره في العموم وان وجب رفع اليد عنه لأجل الخاصّ ، ويختص هذا القسم بما يكون العلم بالخاص موقوفا على مقدمات نظرية يتوقف حصوله منها على نظر وتأمل (٥) (قوله : كظهوره فيه) يعني كما أن ظهور العام في حكم الفرد ثابت كذلك حجيته فيجب الأخذ

٤٩٩

حجة ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم فلا بد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه (مثلا) إذا قال المولى : أكرم جيراني ، وقطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يُعلم بخروجه عن عموم الكلام

______________________________________________________

به لإثبات حكم الفرد (١) (قوله : حجة) متعلق بقوله : الملقى ، وخبر (ان) ليس وما بعدها (٢) (قوله : ليس إلا ما) حاصل ما ذكر من الفرق بين المخصِّص اللفظي واللبي أنه في المخصص اللفظي قد ألقى السيد إلى عبده حجتين إحداهما العام وثانيتهما الخاصّ ، وفي المخصص اللبيّ قد ألقى السيد إلى عبده حجة واحدة وهي العام لا غير لأن المخصِّص اللبي بعد ما كان علما لا يكون حجة ملقاة من السيد بل هي حجة عند العقل لا غير فالفرد المشكوك في الأول يكون نسبته إلى الحجتين الملقاتين من السيد نسبة واحدة فيمتنع الأخذ بإحداهما بعينها فيه لاحتمال دخوله تحت الأخرى ، وفي الثاني لما لم يكن الحجة من السيد إلا العام كان رفع اليد عنه في المشكوك بلا حجة على خلافه وهو ممتنع (فان قلت) : العلم بحرمة إكرام الفاسق أيضا حجة على الحرمة فالمشكوك مما يحتمل دخوله تحت الحجة الأخرى فلا فرق بين المقامين «قلت» : الفرد المشكوك كونه عادلاً أو فاسقاً مما يحتمل كونه موضوعاً للحجة على خلاف العام في المخصِّص اللفظي بخلاف المخصِّص اللبي إذ المخصص فيه لما كان هو العلم امتنع حصوله في المشكوك للتضاد بين العلم والشك فالمشكوك الفسق مما لم يعلم كونه محرم الإكرام فهو حينئذ مما يعلم بأنه ليس موضوعا للحجة على خلاف العام أعني العلم بحرمة الإكرام وحينئذ لا يجوز رفع اليد عن العام لأنه بلا وجه. هذا على التحقيق من عدم سراية العلم إلى الخارج أما على ما قد يظهر من المصنف في الاستصحاب من سرايته إلى الخارج فالفرد المشكوك الفسق مما يحتمل كونه موضوعا للعلم بحرمة الإكرام الّذي هو حجة على خلاف العام فلا يظهر الفرق بين المخصص اللفظي واللبي فلاحظ (قوله :

٥٠٠