حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

هذا الوجه بملاحظة أن الأمور المتعددة ـ بما هي مختلفة ـ لا يمكن أن يكون كل منها مؤثراً في واحد فانه لا بد من الربط الخاصّ بين العلة والمعلول ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين ـ بما هما اثنان ـ ولذلك أيضا لا يصدر من الواحد الا الواحد فلا بد من المصير إلى ان الشرط في الحقيقة واحد وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله وإن كان بناء العرف والأذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط بعنوانه الخاصّ فافهم (الأمر الثالث) إذا تعدد الشرط

______________________________________________________

القضية واحدة وعلم بثبوت جزائها مع الشرط الآخر حال انتفاء شرطها وبعده في السقوط الثالث فان ظهور الشرط في الاستقلال ولو بالإطلاق أقوى من غيره فيتعين رفع اليد عن غيره فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور القضية في تعليق السنخ ليتعين الثاني ورفع اليد عن ظهور الشرط في الخصوصية (فان قلت) : لا دوران بينهما للعلم بسقوط أصالة الظهور في الخصوصية حسبما يقتضيه برهان السنخية المذكور في المتن ويتعين الأخذ بأصالة الظهور في تعليق السنخ (قلت) : ذلك إنما يتم لو كانا في كلامين لا ما لو كانا في كلام واحد إذ حينئذ لما كان كل واحد منهما في نفسه صالحاً للقرينية على التصرف في الآخر فإذا كان أحدهما أقوى اقتضى انعقاد الظهور على طبقه فيجب الأخذ به ، والإنصاف يقتضي الأخذ بما ذكره المصنف (ره) من ترجيح التصرف في ظهور الشرط في الخصوصية فانه ـ كما ذكر ـ مما يساعد عليه العرف جداً ولا سيما في مثل كلمة (إذا) مما كان من الظروف المتضمنة لمعنى الشرط (١) (قوله : هذا الوجه) يعني الرابع (٢) (قوله : فلا بد من المصير) تفريع على قوله : ولعل العرف ، وقوله : كما ان العقل ... إلخ يعني بعد مساعدة العرف على الثاني وبناء العقل على امتناع تأثير كل من الشرطين بخصوصه في الجزاء لا بد من الجمع بين القول بعدم المفهوم للقضية الشرطية عند التعدد والقول بأن الشرط هو الجامع بين الشرطين (قوله : إطلاق الشرط)

٤٦١

واتحد الجزاء فلا إشكال على الوجه الثالث وأما على سائر الوجوه فهل اللازم الإتيان بالجزاء متعدداً حسب تعدد الشروط أو يتداخل ويُكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟ فيه أقوال والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة منهم المحقق الخوانساري التداخل وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده (والتحقيق) أنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بكشفه عن سببه وكان قضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط كان الأخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجوداً محالا ضرورة ان لازمه ان يكون الحقيقة الواحدة مثل الوضوء ـ بما هي واحدة ـ في مثل : إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ، أو فيما إذا بال مكرراً أو نام كذلك محكوماً بحكمين متماثلين وهو واضح الاستحالة كالمتضادين فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه (إما) بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على

______________________________________________________

(١) يعني المقتضي للاستقلال فيكون كل شرط ـ مستقلا ـ مؤثراً في الجزاء بلا اعتبار انضمام الشرط الآخر إليه (٢) (قوله : واتحد الجزاء) يعني اتحد موضوعه (٣) (قوله : فلا إشكال على الوجه) يعني الإشكال في التداخل وعدمه لأنه إذا كان الشرط مجموع الشرطين ـ كما هو مقتضى الوجه الثالث ـ لا يكون الشرط متعدداً ليقع الإشكال في تعدد مقتضاه وعدمه (٤) (قوله : وعن الحلي التفصيل) هذا ليس تفصيلا فيما عقد له البحث ـ وهو فرض تعدد الشرط ـ لأن المواد منه تعدده جنساً لا خارجا (٥) (قوله : قضيته تعدد) يعني تعدد الحكم في الجزاء ووجه الاقتضاء ظاهر لو كان الشرطان مترتبين في الوجود لأن حدوث الجزاء مع كل منهما يقتضي تعدد الوجود أما لو كانا مقترنين فالاقتضاء غير ظاهر لأن حدوث الجزاء عند حدوث كل منهما لا يقتضي تعدداً في الوجود. نعم لو كان ظاهر القضية حدوث الجزاء مستقلا من قبل حدوث الشرط كذلك اقتضى التعدد مطلقاً لأن تعدد الحدوث ملزوم لتعدد الوجود (٦) (قوله : الحقيقة الواحدة) وهي موضوع الجزاء المفروض كونه واحداً (٧) (قوله : محكوما بحكمين) يحدث كل منهما

٤٦٢

الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت (أو) الالتزام بكون متعلق الجزاء وان كان واحداً صورة إلا أنه حقائق متعددة ـ حسب تعدد الشرط ـ متصادقة على واحد فالذمة وان اشتغلت بتكاليف متعددةٍ حسب تعدد الشروط إلا أن الاجتزاء بواحد ، لكونه مجمعاً لها كما في : أكرم هاشمياً ، وأضف عالماً ، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ، ضرورة أنه بضيافته بداعي الأمرين يصدق انه امتثلهما ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته وان كان له امتثال كل منهما على حدة كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة وأضاف العالم غير الهاشمي (ان قلت) : كيف يمكن ذلك؟ (أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان) مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه (قلت) : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين بل غايته ان انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له مع انه على القول بجواز الاجتماع لا محذور في اتصافه بهما بخلاف ما إذا كان بعنوان

______________________________________________________

للموضوع حين حدوث الشرط (١) (قوله : مجرد الثبوت) الّذي هو أعم من الحدوث والبقاء ففي صورة تعدد الشرط يكون حكم واحد مستنداً إلى السابق منهما مع ترتبهما وإلى الجامع بينهما في صورة الاقتران ومرجع هذا التصرف إلى رفع اليد عن ظهور القضية في وجود الجزاء من قبل الشرط مستقلا فقد لا يكون الأثر مستنداً إلى الشرط أصلا كما لو سبقه شرط آخر وقد يكون مستنداً إليه بلا استقلال كما لو اقترن الشرطان (٢) (قوله : إلا انه حقائق متعددة) هذا التصرف راجع إلى رفع اليد عن ظهور الجزاء في كون موضوعه بعنوانه موضوعا للحكم بل يكون موضوع الجزاء حقيقة إحدى تلك الحقائق المنطبقة على ما أخذ جزاء في القضية وحينئذ يكون كل شرط مؤثراً مستقلا في حكم إحدى تلك الحقائق بحيث يحدث بحدوثه ويكون حينئذ كل شرط مؤثراً ضمنا في تمام الوجود الأكيد (٣) (قوله : لاتصافه بالوجوب) يعني بوجوب واحد أكيد (٤) (قوله : في اتصافه بهما) يعني بلا تأكيد من أحدهما للآخر (قوله : بخلاف ما إذا)

٤٦٣

واحد فافهم (أو) الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كل شرط إلّا انه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول وتأكد وجوبه عند الآخر (ولا يخفى) أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها فانه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه مع ، ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات ان متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد وان كان ـ صورة ـ واحداً سمي باسم واحد كالغسل ، وإلى إثبات ان الحادث بغير الشرط الأول ما حدث بالأول ومجرد الاحتمال لا يجدي ما لم يكن في البين ما يثبته (ان قلت) وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية لعدم إمكان الأخذ بظهورها حيث ان قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال كما مرت الإشارة إليه

______________________________________________________

(١) كما هو مقتضى ظاهر القضية (٢) (قوله : واحد فافهم) لعله إشارة إلى ان هذا التصرف انما يجدي بناء على خروج الكليين المتصادقين على موضوع واحد عن هذا النزاع وإلّا فبناء على دخولهما فيه وأن القائل بعدم التداخل لا يرى الاكتفاء بالمجمع في مقام الامتثال كما في المثال المذكور بل لا بد من امتثال كل من الحكمين بغير امتثال الآخر فلا ينفع هذا التصرف في شيء فتأمل (٣) (قوله : أو الالتزام بحدوث) هذا راجع إلى رفع اليد عن ظهور القضية في كون كل شرط مؤثراً مستقلا في وجود الجزاء بل يكون كل شرط مؤثراً في الجملة في وجوده ولو ضمنا بأن يكون كل مرتبة من وجوده مستندة إلى أحد الشرطين مع المحافظة على ظهورها في كون موضوع الجزاء بعنوانه موضوعا له (٤) (قوله : مع ما في الأخيرين) يعني يرد إشكال آخر على القائل بأحد الأخيرين وهو انه لو بني على وجوب رفع اليد عن الظهور يدور الأمر بين المحتملات المذكورة ، وتعيين واحد منها كما يدعيه القائل به يحتاج إلى دليل وهو مفقود وانما خصه بالأخيرين لأن الأول راجع إلى دعوى الظهور فيه كما وهو يظهر من ملاحظة عبارته بخلاف الأخيرين فان ظاهر عبارتهما تسليم عدم الظهور فيهما فتأمل جيداً (٥) (قوله : إلى إثبات) راجع إلى أول الأخيرين (٦) (قوله : وإلى إثبات) راجع إلى ثانيهما (٧) (قوله : وجه ذلك) إيراد على قوله : ولا يخفى أنه لا وجه ... إلخ يعني أن الموجب للالتزام

٤٦٤

(قلت) : نعم إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال هو وجوب الوضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر ولا ضير في كون فرد محكوماً بحكم فرد آخر أصلا كما لا يخفى (ان قلت) : نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الإطلاق (قلت) : نعم لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سبباً أو كاشفاً عن السبب مقتضياً لذلك (أي لتعدد الفرد) وبيانا لما هو المراد من الإطلاق (وبالجملة) لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإطلاق ضرورة ان ظهور الإطلاق يكون معلقاً على عدم البيان وظهورها في ذلك صالح لأن يكون بيانا فلا ظهور له مع ظهورها فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا بخلاف القول بالتداخل

______________________________________________________

بأحد الأنحاء المتقدمة ـ مع أنها خلاف الظاهر ـ لزوم الخروج عن ظاهر الشرطية لكونه محالا كما تقدم فكون كل واحد خلاف الظاهر مسلم لكنه يجب الأخذ به بعد ما كان الظاهر محالا (١) (قوله : قلت نعم) يعني ما ذكرت مسلم حيث لا يكون هناك احتمال آخر أقرب عرفاً وإلا وجب حمل الكلام عليه ؛ ومن المحتمل أن يكون الوجوب الحادث بحدوث أحد الشرطين ثابتا لفرد من الجزاء غير الفرد الّذي يثبت له الوجوب الحادث بحدوث الشرط الآخر فيحدث بحدوث الشرطين وجوبان لفردين من الجزاء لا ميز بينهما الا في كون أحدهما غير الآخر نظير وجوب صوم يومين ولا يلزم محذور اجتماع الحكمين في موضوع واحد (٢) (قوله : خلاف الإطلاق) يعني خلاف إطلاق موضوع الجزاء فان مقتضى إطلاقه في القضيتين أن يكون المراد به صرف الطبيعة المنطبق على كل ما يفرض من الوجود لا أن أحدهما يصدق على وجود والآخر يصدق على وجود آخر فإذا كان ذلك المحتمل خلاف الإطلاق كان الحمل عليه محتاجا إلى قرينة وهي مفقودة (٣) (قوله : قلت نعم لو لم) يعني ما ذكرت مسلم لو كانت أصالة الإطلاق محكمة وليس كذلك لأن الإطلاق يتوقف على تمامية مقدمات الحكمة وهي غير حاصلة لأن من جملة المقدمات

٤٦٥

كما لا يخفى ، فتلخص بذلك ان قضية ظاهر الجملة الشرطية هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط ، وقد انقدح مما ذكرناه أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن الفخر وغيره من ابتناء المسألة على انها معرفات أو مؤثرات ، مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها في كونها معرفات تارةً ومؤثرات أخرى ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجملة الشرطية ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم بحيث لولاه لما وجدت

______________________________________________________

أن لا يكون قرينة وظهور القضية الشرطية في تعدد الجزاء بتعدد الشرط يصلح للقرينية على عدم إرادة إطلاق الجزاء بنحو ينافي ما ذكرنا وإن كان إطلاقه من الجهات الأخرى بحاله فإطلاقه من حيث كون الواجب بأحد الشرطين عين الواجب بالآخر أو غيره ساقط ، وإطلاقه من حيث الافراد أو الأحوال بحاله (١) (قوله : كما لا يخفى) ذكر في الحاشية انه يتم ذلك بناءً على مذهب شيخنا الأعظم (ره) من أن القرائن المنفصلة مانعة من ثبوت الإطلاق أما بناء على أنها غير مانعة ـ كما سيأتي ـ فتعدد الشرط لمّا كان منها كان إطلاق الجزاء محكماً ويكون ما ذكر من الحمل على تعدد نوع الجزاء على خلافه فيدور الأمر بينه وبين غيره من أنحاء التصرف المتقدمة وتعيّنه محتاج إلى معين وحيث أنه أقرب من غيره في نظر العرف كان هو المتعين ، ويشهد له ان القضايا المتعددة لو كانت في كلام واحد فقد عرفت أن التصرف المذكور فيها هو المتعين لعدم الإطلاق فكذا لو كانت في كلام متعدد فان ذلك هو الميزان في الجمع العرفي (٢) (قوله : بعدم التداخل) فلا بد من تعدد الامتثال (٣) (قوله : لما عن الفخر وغيره من ابتناء) (أقول) : المحكي عن فخر المحققين «ره» وبعض من تأخر عنه ابتناء مسألة التداخل وعدمه على كون الأسباب الشرعية معرفات أو مؤثرات فعلى الأول لا بد من القول بالتداخل لإمكان أن تكون الأمور المتعددة حاكية عن امر واحد ومع احتمال وحدة السبب الحقيقي المحكي بتلك الأسباب الشرعية لا وجه للحكم بتعدد

٤٦٦

له علة كما انه في الحكم غير الشرعي قد يكون أمارة على حدوثه بسببه وان كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما كما لا يخفى. نعم لو كان المراد بالمعرِّفية في الأسباب الشرعية انها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها وان كان لها دخل في تحقق موضوعاتها بخلاف الأسباب غير الشرعية فهو وان كان

______________________________________________________

المسبب ، وعلى الثاني لا بد من القول بعدم التداخل إذ مقتضى سببية كل واحد من الأمور المتعددة أن يكون لكل منها مسبب ولو كان لها مسبب واحد لزم اجتماع العلل المتعددة على المعلول الواحد وحاصل ما ذكره المصنف «ره» أمران (أحدهما) راجع إلى المناقشة في الابتناء وأن البناء على كون الأسباب الشرعية معرِّفات لا يقتضي القول بالتداخل لجواز أن تكون الأسباب الشرعية المتعددة حاكية عن أسباب حقيقية متعددة فإذا كان ظاهر الشرطية تعدد المسبب بتعدد السبب فقد دلت على تعدد السبب الحقيقي (وثانيهما) راجع إلى فساد المبنى وأن كون الأسباب الشرعية معرفات لا غير أو مؤثرات كذلك لا وجه له بل هي على نوعين مؤثرات ومعرفات وما اشتهر من ان الأسباب الشرعية معرفات من المشهورات التي لا أصل لها إذ لا نعني من السبب المؤثر إلا ما لولاه لم يُوجد الحكم وهذا المعنى صادق على كثير من الأسباب الشرعية كما انه قد لا يصدق في كثير من الأسباب غير الشرعية فتكون معرفات لا غير (١) (قوله : له علة) وهي المصلحة والمفسدة كما يأتي (٢) (قوله : حدوثه بسببه) يعني حدوث الحكم بسبب ما له الدخل فيه كما في قولك : إذا وجد الدخان فقد احترق الحطب (٣) (قوله : له الدخل) كما هو مبنى البحث في المقام (٤) (قوله : ليست بدواع) لأن الداعي ما يكون موجباً لترجح الوجود على العدم أو العدم على الوجود وهو ـ عند العدلية ـ المصالح والمفاسد التي تحكي عنها الأسباب الشرعية الواقعة في حيِّز أداة الشرط أو غيره وقد يكون لها دخل في وجود موضوعاتها كما تقدم التنبيه عليه في الواجب المشروط (٥) (قوله : علل لها) في كون الدواعي عللا للأحكام تأمل فانها بوجودها

٤٦٧

له وجه إلّا انه مما لا يكاد يتوهم انه يجدي فيما همَّ وأراد (ثم) إنه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه واختيار عدم التداخل في الأول والتداخل في الثاني إلّا توهم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني لأنه من أسماء الأجناس فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد الا السبب الواحد بخلاف الأول لكون كل منها سبباً فلا وجه لتداخلها «وهو فاسد» فان قضية إطلاق الشرط في مثل : إذا بلت فتوضأ ، هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات وإلّا فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد فيما جعلت شروطا وأسباباً لواحد لما مرت إليه الإشارة من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسباباً لواحد. هذا كله فيما إذا كان

______________________________________________________

الخارجي غير مؤثرة فيها. نعم بوجودها العلمي تكون من علل الإرادة التي هي علة الأحكام (١) (قوله : له وجه) لصحة دعوى كون جميع الأسباب الشرعية ليست هي من قبيل المصالح والمفاسد بل هي حاكية عنها معرِّفة لها وهذا لا ينافي كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى كما تقدم لأن المراد من كونها مؤثرات في الأحكام أنها مؤثرات في المصالح والمفاسد التي هي مؤثرات في الأحكام والمراد من كونها معرفات أنها غير دخيلة في المصالح والمفاسد وإنما تحكي عما هو دخيل فيها (٢) (قوله : انه يجدي) لما تقدم من أن كونها معرفة بهذا المعنى لا يستلزم التداخل بعد ظهور الشرطية في تعدد المسبب بتعدد الشرط فان ذلك كاشف عن تعدد السبب الحقيقي المحكي (٣) (قوله : التعلق بعموم) يعني بالنسبة إلى كل فرد ليثبت به الجزاء بالنسبة إلى كل فرد (٤) (قوله : من أسماء الأجناس) فلا يدل على العموم (٥) (قوله : لكون كل) كما هو مقتضى تعدد القضية (٦) (قوله : هو حدوث الوجوب) كون مقتضى الإطلاق ذلك محل إشكال فانه موقوف على ملاحظة الشرط بنحو الطبيعة السارية وهو محتاج إلى قرينة إذ الأصل في المطلقات ان تكون بنحو صرف الوجود الناقض للعدم إلّا ان يكون المرتكز في أذهان العرف كون الشرط بنحو الطبيعة السارية جرياً على الغالب في الأسباب الحقيقية الواقعية (٧) (قوله : لا بد من رجوعها) يعني فإذا رجعت إلى الواحد جاء الكلام

٤٦٨

موضوع الحكم في الجزاء قابلاً للتعدد وأما ما لا يكون قابلا لذلك فلا بد من تداخل الأسباب فيما لا يتأكد المسبب ومن التداخل فيه فيما يتأكد

فصل

الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه

______________________________________________________

السابق من انه مع تعدد الأفراد لم يوجد الا السبب الواحد (أقول) : ما ذكرناه في الواحد لا يطرد في المقام إذ مع التعدد لا مجال لاحتمال أن يكون السبب هو الجامع بنحو صرف الوجود بل لا بد أن يكون بنحو الطبيعة السارية فلا بد من تعدد المسبب (١) (قوله : من تداخل) بأن تكون الأسباب المتعددة سبباً واحداً لئلا يلزم اجتماع العلل المتعددة على المعلول الواحد ورجوعها إلى السبب الواحد بمعنى كون المؤثر هو الجامع بينها المنطبق على الجميع انطباقاً واحداً هذا مع اقتران الأسباب في الوجود كما لو عقد الوكيلان في زمان واحد على مال واحد أو امرأة واحدة لشخص واحد فان الملكية والزوجية تنتزعان من صرف وجود العقد الصادق على الكثير والقليل بنحو واحد واما لو تقدم بعضها على بعض فالسابق هو السبب واللاحق ليس بسبب لئلا يلزم تحصيل الحاصل (٢) (قوله : فيه فيما يتأكد) يعني في السبب إذا أمكن التأكد فيه بأن يكون كل سبب مؤثراً في مرتبة من وجوده بلا فرق بين اقتران الأسباب وتعددها كما لو مات في البئر بعير ووقع فيها مسكر فانه ـ بناء على النجاسة ـ يتأكد المسبب لإمكانه والله سبحانه أعلم

(الكلام في مفهوم الوصف)

(٣) (قوله : وما بحكمه) وهو الوصف الضمني كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأن يمتلئ بطن الرّجل قيحا خير من أن يمتلئ شعراً ، فان امتلاء البطن كناية عن الشعر الكثير فيدل بمفهومه ـ لو قيل به ـ على عدم البأس بالشعر القليل

٤٦٩

مطلقاً لعدم ثبوت الوضع وعدم لزوم اللغوية بدونه لعدم انحصار الفائدة به وعدم قرينة أخرى ملازمة له ، وعليته ـ فيما إذا استفيدت ـ غير مقتضية له كما لا يخفى ، ومع كونها بنحو الانحصار وان كانت مقتضية له إلا أنه لم يكن من مفهوم الوصف ضرورة أنه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلاً في محل النزاع ومورداً للنقض والإبرام ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا لأن الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق أن يقال :

______________________________________________________

(١) (قوله : مطلقاً) سواء اعتمد على موصوف أولا (٢) (قوله : لعدم ثبوت الوضع) بل الثابت خلافه لأن البناء على ثبوت الوضع يقتضي الالتزام بالمجاز في جميع الموارد التي لا يكون فيها تعليق السنخ وهو خلاف ارتكاز المستعملين (٣) (قوله : لعدم انحصار) لإمكان ان تكون الفائدة زيادة الاهتمام بالموصوف ولا ينبغي التأمل في صحة الاستعمال حينئذ (٤) (قوله : وعليته) يعني قد يتوهم أن الوجه في استفادة المفهوم ظهور التوصيف في عليَّة الوصف ولذا اشتهر أن تعليق الحكم على وصف يُشعر بالعلية (وفيه) أن مجرد العلية لا تقتضي ثبوت المفهوم لجواز أن يكون للحكم علتان تنوب إحداهما مناب الأخرى ، والعلية المنحصرة وان كانت مقتضية له إلا أن التوصيف لا يقتضيها. نعم قد تقوم قرينة من الخارج عليها لكن ذلك خارج عن محل الكلام إذ الكلام في اقتضاء نفس التوصيف للمفهوم (٥) (قوله : فلا وجه لجعله تفصيلا) إشارة إلى الرد على ما نسب إلى العلامة (ره) من التفصيل بين ما كان الوصف علية فيثبت المفهوم وبين ما لا يكون كذلك فينتفي وتوضيح الرد أن المراد من العلة ان كان مطلق العلة فلا وجه للقول بالمفهوم وان كان العلة المنحصرة فالقول بالمفهوم في محله إلّا انه ليس تفصيلا في محل الكلام لأن استفادة انحصار العلة انما يكون بقرينة خارجة عن التوصيف ويكون القول بذلك قولا بالنفي مطلقاً (٦) (قوله : ولا ينافي ذلك) يعني قد يتوهم

٤٧٠

جئني بإنسان ، أو بحيوان ناطق ، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه إلا ذلك من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم فانه من المعلوم ان قضية الحمل ليس إلّا أن المراد بالمطلق هو المقيد وكأنه لا يكون في البين غيره ، بل ربما قيل : انه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم فان ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل عليه لو لم نقل بأنه الأقوى لكونه بالمنطوق كما لا يخفى

______________________________________________________

أن ما ذكرناه من انتفاء المفهوم ينافي ما اشتهر من أن الأصل في القيود أن تكون احترازية لأن معنى كونها احترازية انها دالة على خروج الفاقد للقيد عن الحكم وهو عين انتفاء الحكم عن فاقد الوصف (وفيه) أن المراد من كونها احترازية خروج الفاقد عن شخص الحكم لا عن سنخه فيجوز أن يثبت له شخص آخر من سنخ الحكم (أقول) : بل الظاهر ما ذكره المتوهم إلّا أن الظاهر أن هذه القاعدة ليست كلية بل في خصوص القيود التي تذكر في مقام تحديد موضوعات مسائل العلوم ونحو ذلك مما كان المتكلم فيه في مقام كل من الإثبات والنفي فالدلالة على المفهوم إنما تكون بقرينة المقام (١) (قوله : جئني بإنسان) الّذي هو من قبيل القضية اللقبية (٢) (قوله : كما انه لا يلزم) يعني قد يتوهم أن التقييد بالوصف لو لم يقتض المفهوم لم يكن وجه للجمع بين المطلق والمقيد لعدم التنافي بينهما فليس التنافي إلا من جهة الدلالة على المفهوم وانتفاء الحكم عن غير مورد القيد فانه ينافي ثبوته له بمقتضى دلالة المطلق (وفيه) أن التنافي بينهما إنما يكون لقرينة خارجية دالة على وحدة الحكم فان الحكم الواحد ثبوته للمطلق ينافي ثبوته للمقيد ولو لم تكن هذه القرينة فلا تنافي ولا جمع بينهما كما هو الحال في المستحبات حسبما يأتي إن شاء الله (٣) (قوله : شرائطه) ومنها وحدة الحكم (٤) (قوله : الا ذلك) يعني اقتضاء التقييد تضييق دائرة موضوع الحكم (٥) (قوله : قضية الحمل) يعني مقتضى حمل المطلق على المقيد (٦) (قوله : بأنه الأقوى) يعني ظهور المطلق في

٤٧١

«واما» الاستدلال على ذلك ـ أي عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية : «وربائبكم اللاتي في حجوركم» ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر كما في الآية قطعاً مع انه يعتبر في دلالته عليه ـ عند القائل بالدلالة ـ أن لا يكون وارداً مورد الغالب كما في الآية ، ووجه الاعتبار واضح لعدم دلالته معه على الاختصاص وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم فافهم (تذنيب) لا يخفى انه لا شبهة في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف وأما في غيره ففي جريان

______________________________________________________

الإطلاق (١) (قوله : وأما الاستدلال) وجه الاستدلال أن الوصف لو دل على المفهوم اقتضى عدم حرمة الربيبة لو لم تكن في حجر الزوج الّذي هو كناية عن كونها في تربيته مع انه لا خلاف في حرمتها مطلقا (٢) (قوله لا يكاد ينكر) لكنه أعم من الحقيقة (٣) (قوله : كما في الآية) تمثيل للمنفي (٤) (قوله : لعدم دلالته) بل يكون الوجه في ذكر المقيد كونه الفرد الغالب حتى كأنه لا فرد سواه كما عن الرازي التعليل بذلك (٥) (قوله : المفهوم فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى أن ذلك إنما يتم لو كان الوجه في دلالة الوصف على المفهوم لزوم اللغوية أو القول بان أصالة الحقيقة حجة إذا كانت مفيدة للظن أما لو كانت الدلالة بالوضع مع البناء على حجية أصالة الحقيقة مطلقا فلا وجه له كما اعترضه في التقريرات (أقول) : يمكن دفعه بدعوى الوضع لإفادة المفهوم في خصوص عدم الغلبة فتأمل (٦) (قوله : لا شبهة في جريان) لما عرفت من ان التقابل بين المفهوم والمنطوق تقابل النقيضين الا في الاتحاد في الوصف أو الشرط أو نحوهما فان المنطوق حكم في حال الشرط أو الوصف (مثلا) والمفهوم عدم الحكم في غير حال الوصف أو الشرط ففي مورد افتراق الموصوف عن الوصف بالفرد الفاقد له يصح النزاع في الدلالة على انتفاء الحكم عنه الّذي هو المفهوم وعدمها الّذي هو عين عدمه (٧) (قوله : ولو من وجه) كما في الغنم السائمة (قوله : وأما في غيره)

٤٧٢

إشكال أظهره عدم جريانه وان كان يظهر مما عن بعض الشافعية حيث قال : قولنا : في الغنم السائمة زكاة ، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل. جريانه فيه ولعل وجهه استفادة العلية المنحصرة منه وعليه فيجري فيما كان الوصف مساوياً أو أعم مطلقاً أيضاً فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه فلا وجه في التفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من وجه فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف بأنه لا وجه للنزاع فيهما معللا بعدم الموضوع واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه كما لا يخفى فتأمل جيداً.

فصل

هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية؟ بناء على دخول الغاية في المغيا أو عنها وبعدها بناء على خروجها أو لا فيه خلاف وقد نسب إلى المشهور

______________________________________________________

(١) وهو مورد افتراق الصفة والموصوف معاً كالإبل المعلوفة في المثال المتقدم (٢) (قوله : إشكال أظهره عدم) لأن انتفاء الحكم عن الإبل المعلوفة ليس نقيضاً بالمعنى المتقدم ليكون مفهوما بل هو انتفاء للحكم عن موضوع آخر غير موضوع المنطوق وقد عرفت أنه لا بد من الاتحاد فيه (٣) (قوله : استفادة العلية) يعني يستفاد من التوصيف كون الوصف علة لسنخ الحكم مطلقاً ولو بالإضافة إلى غير موضوعه لكنه ـ لو تم ـ لم يكن مفهوما اصطلاحا فتأمل (٤) (قوله : انتفاء سنخ) يعني عن غير الموصوف من الموضوعات المباينة له (٥) (قوله : فلا وجه في التفصيل) الظاهر انه تعريض بالتقريرات حيث ذكر انه لا وجه للنزاع في الوصف المساوي والأعم لعدم الموضوع وهل يجري فيما لو كان أخص من وجه بالنسبة إلى مورد الافتراق من جانب الوصف كما يظهر من بعض الشافعية أو لا يجري كما يظهر من جماعة؟ الظاهر هو الثاني لاختلاف الموضوع انتهى ، لكن ما ذكره ليس تفصيلاً في جريان النزاع بل هو تفصيل في الجزم والاستظهار. والله سبحانه أعلم

٤٧٣

الدلالة على الارتفاع وإلى جماعة منهم السيد والشيخ عدم الدلالة عليه (والتحقيق) انه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيداً للحكم كما في قوله : (كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام) و (كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر) كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها لانسباق ذلك منها كما لا يخفى وكونه قضية تقييده بها وإلا لما كان ما جعل غاية له بغاية وهو واضح إلى النهاية وأما إذا كانت بحسبها قيداً للموضوع مثل :

______________________________________________________

(مفهوم الغاية)

(١) (قوله : بحسب القواعد) بل وكذا لو كان بحسب القرينة الخاصة وإن لم يكن مقتضى القواعد إذ التفصيل غير ظاهر الوجه (٢) (قوله : كما في قوله ـ عليه‌السلام : كل) ظهور الكلام في كون الغاية في الروايتين الشريفتين قيداً للحِل والطهارة مما لا إشكال فيه لاتصالهما بها وانفصال الموضوع عنها ـ مع الاحتياج في إرجاعها إلى الموضوع من تقدير المتعلق ليكون وصفاً له وهو خلاف القواعد (٣) (قوله : وهو واضح) وضوحه مشكل حيث أن ما ذكر انما يتم لو كان المغيا سنخ الحكم أما لو كان شخصاً منه فلا يدل على انتفاء شخص آخر ـ مضافا إلى ما قيل من أن كون الغاية قيداً للحكم يقتضي أن يكون هو المجعول ومن المعلوم ان جعل الحكم المقيد بقيد الموضوع لا يقتضي عدم الحكم المطلق عنه فدعوى المفهوم تتوقف على تعرية الحكم عن القيد بالغاية بل تجعل قيداً للنسبة ويكون الملحوظ في الحكم سنخه فيكون مفاد القضية المغيّاة أن الحكم المطلق ثبوته وانتسابه للموضوع مغيا بالغاية فتدل على انتفاء الحكم بعدها ولعل الأصل في القيود المذكورة في الجمل أن تكون قيوداً للنسبة لا للموضوع ولا للحكم ، فيتحصل أن الغاية إن كانت قيداً للموضوع أو الحكم لم تقتض المفهوم وان كانت قيداً للنسبة اقتضته ، ولو شك في ذلك كانت قيداً للنسبة فتأمل جيدا (قوله : مثل :

٤٧٤

سر من البصرة إلى الكوفة ، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة وان كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلّا بالمغيا من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره لعدم ثبوت وضع لذلك وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالباً دلت على اختصاص الحكم به وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف. ثم إنه في الغاية خلاف آخر كما أشرنا إليه وهو أنها هل هي داخلة في المغيا بحسب الحكم أو خارجة عنه؟ والأظهر خروجها لكونها من حدوده فلا تكون محكومة بحكمه ودخوله فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة وعليه يكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول كما انه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقاً. ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيداً للحكم فلا تغفل

______________________________________________________

(١) سر من البصرة) فان (من) و (إلى) متعلقتان بالسير لا بالهيئة إذ ليس ما بين المبدأ والمنتهى مكانا للحكم (٢) (قوله : لكونها من حدوده) بهذا استدل نجم الأئمة (ره) على مختاره وهو الخروج لكنه يتوقف على كون الأصل في (إلى) وأخواتها من أدوات الغاية أن تكون داخلة على الحد الّذي من المعلوم خروجه عن المحدود وإلّا فهي قد تكون داخلة على الحد كما تكون داخلة على المحدود وكون معناها الغاية لا يلازم الأول إذ قد يراد بالغاية ما به ينتهي الشيء كما قد يراد بها ما عنده ينتهي الشيء وهو الحد ؛ والأول داخل والثاني خارج بلا كلام فلا بد في إثبات دعوى الخروج من إثبات كون الأصل فيها أن تكون داخلة على الغاية بالمعنى الثاني وهو الظاهر (٣) (قوله : وعليه) يعني على الخروج (٤) (قوله : كما بعدها) يعني فعلى القول بالمفهوم ينتفي الحكم عنها وعلى القول بعدمه لا دليل على انتفائه ولا على ثبوته (٥) (قوله : القول الآخر) يعني الدخول (٦) (قوله : لا يكاد يعقل) إذ لا معنى لدخول الغاية في الحكم لعدم السنخية ، لكن هذا بعينه جار فيما كانت غاية للموضوع في المثال المتقدم إذ لا معنى لدخول الكوفة في السير

٤٧٥

فصل

لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلباً أو إيجاباً بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتاً ومن الإثبات نفياً وذلك للانسباق عند الإطلاق قطعاً فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة من عدم الإفادة محتجاً بمثل : لا صلاة إلا بطهور ، ضرورة ضعف احتجاجه (أولا) بكون المراد من مثله أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لأجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة إلّا إذا كانت واجدة للطهارة وبدونها لا تكون صلاة

______________________________________________________

وانما يصح أن تدخل في مكانه «وبالجملة» الغاية إما زمانية أو مكانية والأولى انما يصح أن تدخل في الزمان والثانية انما يصح أن تدخل في المكان فلو بني على الأخذ بظاهر عنوان النزاع كان اللازم المنع عن معقوليته بالإضافة إلى الحكم وموضوعه معاً إلّا إذا كان زماناً في الزمانية أو مكانا في المكانية ؛ وإن بني على الأخذ بالمراد من العنوان من كونها داخلة فيما قبلها أمكن النزاع فيما كانت غاية للحكم أيضا فيتنازع في العلم الّذي أخذ غاية للطهارة هل هو بحكم ما قبله فتثبت الطهارة حاله أو لا فلا تكون الطهارة حاله؟

(مفهوم الاستثناء)

(١) (قوله : اختصاص الحكم) يعني سنخه (٢) (قوله : محتجاً بمثل) وجهه أنه لو كان للاستثناء مفهوم كان مفهومه في المثال أن الصلاة مع الطهارة صلاة مطلقا ، مع أنه ليس كذلك إذ قد تكون فاقدة للاجزاء والشرائط عدا الطهارة ولا تكون حينئذ صلاة (٣) (قوله : بكون المراد) يعني أن المراد من مثل الصلاة في أمثال هذه التراكيب تمام الاجزاء والشرائط عدا الطهارة ومن المعلوم أن الصلاة بهذا المعنى لو انضمت إليها الطهارة فهي صلاة صحيحة ولا إشكال في

٤٧٦

على وجه وصلاة تامة مأموراً بها على آخر (وثانياً) بأن الاستعمال مع القرينة كما في مثل التركيب مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلا كما لا يخفى. ومنه قد انقدح انه لا موقع للاستدلال على المدعى بقبول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إسلام من قال كلمة التوحيد لإمكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال «والإشكال» في دلالتها عليه بأن خبر (لا) اما يقدر «ممكن» أو «موجود» وعلى كل تقدير لا دلالة لها على التوحيد اما على الأول فانه حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى لا وجوده واما على الثاني فلأنها وان دلت على وجوده تعالى إلّا انه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر «مندفع» بأن المراد من الإله هو واجب الوجود ونفي ثبوته ووجوده في الخارج وإثبات فرد منه فيه وهو الله يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعاً لوجد

______________________________________________________

مفهوم التركيب ويشهد لذلك أن الكلام المذكور وارد في مقام جعل الطهارة شرطاً للصلاة والصلاة المجعول لها الطهارة شرطاً هي التامة لا غير (١) (قوله : على وجه) يوافق القول بالصحيح (٢) (قوله : على آخر) يوافق القول بالأعم (٣) (قوله : لإمكان دعوى) هذه الدعوى جعلها في التقريرات في غاية السخافة (٤) (قوله : بقرينة الحال) وحينئذ فلا مجال للاستدلال بها على المفهوم بنحو القاعدة الكلية (٥) (قوله : لا دلالة لها الا على) لأن المستثنى منه يقتضي نفي الإمكان فالاستثناء منه انما يدل على ثبوت الإمكان للمستثنى وهو لا يلازم الوجود والفعلية لأنه أعم فلا تدل الكلمة إلا على الاعتقاد بالإمكان لا غير وهو غير كاف في التوحيد ، (٦) (قوله : إلا انه لا دلالة) من أجل أن عقدها الإيجابي دل على اعتقاد وجوده وعقدها السلبي دل على عدم وجود ما سواه وكل منهما لا يقتضي نفي إمكان ما سواه وهو معتبر في التوحيد فتأمل (٧) (قوله : المراد من الإله هو واجب) هو محل تأمل لأنه خلاف وضعه واستعماله بل الظاهر منه مستحق العبادة كما يظهر من ملاحظة كتب اللغة وموارد استعماله وورود هذه الكلمة رداً على المشركين ونفياً لمعتقدهم

٤٧٧

لكونه من أفراد الواجب ثم ان الظاهر ان دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم وانه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت عليها الجملة الاستثنائية. نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة كانت بالمنطوق كما هو

______________________________________________________

فانهم لم يكونوا قد اعتقدوا وجوب الوجود لآلهتهم فالمراد من الكلمة أنه لا مستحق للعبادة موجود إلا الله سبحانه وعدم اقتضائها نفي إمكان ما سواه لا يقدح في اقتضائها التوحيد في مقابل اعتقاد المشركين «وحاصل» الدفع أن المراد من الإله واجب الوجود والخبر المقدر قولنا : موجود ، فتدل على انحصار الواجب بذاته تعالى (وتوهم) أنها لا تدل على نفي إمكان ما سواه (مندفع) بأنه إذا كان ما سواه ممكناً كان موجوداً لأن المراد من الواجب هنا ما يكون واجبا بذاته ؛ ومعناه ما يكون وجوده واجباً بذاته فإذا كان ممكناً كان موجوداً وإلا لم يكن واجبا وجوده بذاته وهو خلف (أقول) : إن أريد أن كلمة التوحيد تدل على نفي إمكان فرد آخر للواجب بالتقرير المذكور «ففيه» أن الواجب يمتنع صدقه على ما هو معدوم ممكناً كان أو ممتنعا فان مفهوم واجب الوجود أخص من مفهوم الموجود فكيف يصدق على المعدوم مطلقا ولا يحتاج في نفي إمكان غيره إلى التقرير المذكور وإن أريد أنها تدل على نفي إمكان فرد آخر غير واجب الوجود فلم يظهر من التقرير المذكور (فالمتحصل) أن حمل الإله على واجب الوجود وان اقتضى دلالة كلمة التوحيد على انحصار الواجب في ذاته تعالى إلا أنها لا تدل على نفي إمكان مستحق للعبادة سواه وان لم يكن واجب الوجود (١) (قوله : لكونه من) قد عرفت أن المعدوم ممكنا أو ممتنعا ليس من أفراد الواجب (٢) (قوله : ثم ان الظاهر) هذا إشارة إلى الخلاف في أن الدلالة على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى هل هي من المفهوم أو المنطوق؟ واختار المصنف (ره) الأول كما هو ظاهر المشهور فأداة الاستثناء تقتضي تضييق دائرة موضوع سنخ حكم المستثنى منه ولازم التضييق المذكور انتفاء سنخ الحكم عن المستثنى لأن مفاد الأداة نفي حكم المستثنى منه

٤٧٨

ليس ببعيد وان كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد ومما يدل على الحصر والاختصاص (انما) وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك وتبادره منها قطعاً عند أهل العرف والمحاورة ، (ودعوى) أن الإنصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك فان موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها (غير مسموعة) فان السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا فان الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضا سبيل ، وربما يعد مما دل على الحصر كلمة (بل) الإضرابية (والتحقيق) أن الإضراب على أنحاء منها ما كان لأجل ان المضرب عنه إنما أتى به

______________________________________________________

عن المستثنى لتكون الدلالة بالمنطوق (١) (قوله : ليس ببعيد) بل هو المتعين في مثل (ليس) و (لا يكون) ونحوهما والبعيد في مثل (لا) و (غير) ونحوهما ، (٢) (قوله : لا يكاد يفيد) يمكن تصوير ثمرة للنزاع المذكور بناء على ما اشتهر من أن دلالة المفهوم أضعف من دلالة المنطوق فيما لو تعارض الاستثناء ودليل آخر فعلى الأول يقدم الدليل الآخر وعلى الثاني يرجع إلى قواعد التعارض فتأمل (٣) (قوله : ودعوى ان الإنصاف) هذه الدعوى ادعاها في التقريرات (٤) (قوله : فان موارد استعمال) يعني في العرف السابق (٥) (قوله : ولا يعلم بما) يعني ليست هذه الكلمة مستعملة في عرفنا اليوم ليرجع إليه في تشخيص معناها من الحصر وعدمه ولم يعلم بما يرادفها في عرفنا اليوم حتى يرجع إليه في تشخيص المرادف فيتشخص معناها (٦) (قوله : فان الانسباق) إن أراد انسباق عرفنا اليوم فهو متفرع على استعمالها فيه وقد تقدم انتفاؤه وان أراد العرف السابق فلم يثبت انسباقه إلى شيء لأن موارد استعماله مختلفة كما ذكر المدعي وكأنه حمل ضمير (عرفنا) على العرف الخاصّ ـ مع أن الظاهر منه العرف العام اليوم كما عرفت فالأولى منع عدم استعمالها في عرفنا اليوم بل هي مستعملة فيه كثيراً وتبادر الحصر منها يقتضي وضعها لذلك فتأمل (٧) (قوله : على الحصر) يعني حصر الحكم فيما بعدها ونفيه

٤٧٩

غفلة أو سبقه به لسانه فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه فلا دلالة له على الحصر أصلا فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء كما لا يخفى ومنها ما كان لأجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه فلا دلالة له عليه أيضاً (ومنها) ما كان في مقام الردع وإبطال ما أثبت أولا فيدل عليه [١] وهو واضح ، ومما يفيد الحصر ـ على ما قيل ـ تعريف المسند إليه باللام (والتحقيق) أنه لا يفيده إلا فيما اقتضاه المقام لأن الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس كما أن الأصل في الحمل في القضايا المتعارفة هو الحمل المتعارف الّذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود فانه الشائع فيها لا الحمل الذاتي الّذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم كما لا يخفى ، وحمل شيء على جنس وماهية كذلك لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه «نعم» لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق أو أن مدخوله أخذ بنحو

______________________________________________________

عما قبلها (١) (قوله : غفلة أو سبق به) مثل : خرج زيد بل عمرو ، واشتريت زيداً بل فرساً (٢) (قوله : ما كان لأجل الظاهر أن المراد بها المستعملة في مقام الترقي (٣) (قوله : في مقامِ الردع) كقوله تعالى : (وقالوا اتخذَ الرحمنُ وَلَداً سُبحانَهُ بَل عبادٌ مُكرمون) (٤) (قوله : فتدل عليه) لكن تعينها محتاج إلى قرينة (٥) (قوله : لأن الأصل في اللام) توضيح الإشكال أن صناعة التركيب لا تقتضي إفادة الحصر لأن الأصل في اللام الداخلة على المسند إليه أن تكون لتعريف الجنس فيقصد منها الإشارة إلى نفس الماهية من حيث هي والأصل المتعارف في الحمل أن يكون شائعاً صناعياً حاكيا عن اتحاد الموضوع والمحمول في الوجود واتحاد زيد المحمول في قولنا : (القائم زيد) مع الموضوع وهو (القائم) في الوجود ليس ملزوما للحصر كما لا يلزم من اتحاد زيد مع الإنسان

__________________

[١] إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتا أما إذا كان بصدده إثباتا كما إذا كان مثلا بصدد بيان انه انما أثبته أولا بوجه لا يصح معه الإثبات اشتباها فلا دلالة على الحصر أيضا. فتأمل جيدا. منه «قدس‌سره»

٤٨٠