حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

المحال حيث لا مندوحة هنا وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة بما هو واجب أو ممتنع ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار (وما قيل) أن الامتناع أو الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار (انما) هو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية بقضية ان الشيء ما لم يجب لم يوجد. فانقدح

______________________________________________________

المأذون فيه فيتحد العنوان ، ويمكن أن يقال : كون الخروج غير مأذون فيه بعنوانه الأولي لا يقتضي كونه محرماً كذلك بل المحرم عنوان التصرف في مال الغير بغير اذنه وعنوان التصرف ليس عنواناً أوَّلياً للخروج فيكون الوجوب والتحريم بعنوانين (١) (قوله : ولو كان الوجوب) لأن المانع من تعلق التكليف بالواجب والممتنع ليس إلا أن قوام التكليف قصد إحداث الداعي العقلي للفعل أو الترك وهذا انما يكون في ظرف القدرة الّذي هو ظرف الإمكان لا في ظرف الوجوب أو الامتناع ولو كانا بسوء الاختيار (٢) (قوله : في قبال استدلال) لا في مقام جواز تعلق التكليف بالواجب أو الممتنع كما يتعلق بالممكن (٣) (قوله : ما لم يجب لم يوجد) من الواضح أن مقتضى علِّية شيء لآخر امتناع التفكيك بينهما فإذا وجدت العلة وجب وجود المعلول وإلا لم تكن علة وهو خلف وإذا عدمت العلة امتنع وجود المعلول وإلا لم يكن معلولا وهو خلف وحيث أن العلة مرددة بين الوجود والعدم فالمعلول مردد بين الوجوب والامتناع فصح أن يقال : إن الشيء ما لم يجب لم يوجد ، إذ معناه أن الشيء إما أن يجب أو لا يوجد ، ومنه يظهر وجه الاستدلال به على كون الأفعال غير اختيارية ومحصل دفعه بقولهم : إن الوجوب أو الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، هو أن مثل هذا الوجوب أو الامتناع المستند إلى وجود العلة وعدمها لما كان مستنداً إلى الاختيار ـ ولو لأن العلة اختيارية ـ لا ينافي الاختيار المعتبر في صحة التكليف بل يؤكده لأن المفروض كونهما مستندين إلى الاختيار وانما المنافي للتكليف الوجوب أو الامتناع غير المستندين إلى الاختيار وحينئذ يظهر أن ليس المقصود من عدم منافاته للاختيار ان الشيء في حال وجوبه أو امتناعه اختياري يصح التكليف به بل المقصود من

٤٠١

بذلك فساد الاستدلال لهذا القول بان الأمر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ولا موجب للتقييد عقلا لعدم استحالة كون الخروج واجباً وحراماً باعتبارين مختلفين إذ منشأ الاستحالة إما لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم مع تعدد الجهة وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسبباً عن سوء الاختيار وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كانا بعنوانين وأن اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدد الجهة مع عدم تعددها هاهنا والتكليف بما لا يطاق محال على كل حال (نعم) لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف بالتحريم أو الإيجاب. ثم لا يخفى أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع (وأما) على القول بالامتناع فكذلك مع الاضطرار إلى الغصب

______________________________________________________

ذلك جواز تعلق التكليف به في الجملة ولو في رتبة قبل الاختيار المؤدي إلى الوجوب أو الامتناع لما عرفت من أن قوام التكليف قصد إعمال المكلف اختياره وصرفه في موضوع التكليف وهذا المعنى يستحيل ثبوته في ظرف صرف الاختيار وأعماله (١) (قوله : فساد الاستدلال) هذا الاستدلال ذكر في القوانين باختلاف يسير (٢) (قوله : إذا كان مسببا) قال في القوانين : كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلفا بالحج إذا أخَّره اختياراً وان فاتت استطاعته انتهى (أقول) : المراد من الاستطاعة الفائتة هي الاستطاعة الشرعية لا العقلية فلا يتم الاستشهاد (٣) (قوله : وان اجتماع) بيان لثبوت الموجب (٤) (قوله : بسقوط التكليف) لأن سقوطه إنما كان لأجل المعصية التي هي منشأ استحقاق العقاب (٥) (قوله : الصلاة مطلقاً) يعني في حالتي الاضطرار والاختيار (٦) (قوله : على القول بالاجتماع) نفي الإشكال في الصحة على هذا القول غير ظاهر فان بطلان الصلاة في المغصوب مما حكى الإجماع عليه جماعة صريحا أو ظاهراً كالسيدين والعلامة والشهيدين وصاحب المدارك وغيرهم والقول بالصحّة من الفضل ابن شاذان ـ كما حكي ـ محمول على إرادة إلزام العامة على مقتضى قياسهم كما في الجواهر فتأمل (قوله : فكذلك مع الاضطرار)

٤٠٢

(١) لما تقدم في صدر التنبيه من ان الاضطرار مانع من تأثير ملاك التحريم فيه فيكون ملاك الوجوب فيه بلا مزاحم فيكون واجباً شرعاً ويكون الإتيان به بقصد الوجوب عبادة محضة فيصح لكن عرفت الإشكال فيه بأن الاضطرار وإن كان كذلك إلا أنه لا يوجب غلبة المصلحة على المفسدة فإذا كانت المفسدة غالبة لو لا الاضطرار فهي على غلبتها فيكون الفعل راجح العدم فيمتنع قصد التقرب به إذ لا مجال للتقرب بما هو مرجوح في نظر المولى فلا يصح لو كان عبادة كما في المقام ، ومن هنا يفترق المقام عن الجاهل القاصر فانه لما أمكن له قصد الامتثال لجهله فقد حصل التقرب المعتبر في عبادته فتصح عبادته بخلاف المضطر فانه لمكان علمه بالمبغوضية الذاتيّة لا يتأتى له قصد التقرب بالفعل (وقد) يدفع الإشكال بأن التقرب ليس بذات الفعل بل بتوصيفه بعنوان الصلاة وليس هو بمحرم (وفيه) أن المعتبر في الصلاة قصد التقرب بذات الأفعال لا بالتوصيف المذكور إلا أن يدعى أن ذلك في حال الاختيار لا في حال الاضطرار بل يكتفى في حاله بما ذكر لقاعدة الميسور (وفيه) أنه لا دليل على جريان القاعدة في مثل قصد التقرب مما لا يكون واجباً شرعاً لأن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الميسور لا يسقط بالمعسور ؛ إنما يدل على وجوب الميسور شرعا وقصد التقرب ليس واجباً شرعاً ، وقد يدفع أيضا بأن التقرب ليس بالفعل بل بالمصلحة الموجودة فيه وفيه ما في سابقه ، وهناك وجوه أخر أضعف مما ذكر فتصحيح عبادة المضطر مشكل بالنظر إلى القواعد. نعم لو قام إجماع على الصحة أمكن ان يستكشف منه غلبة المصلحة على المفسدة فيكون وجود الفعل أرجح من عدمه ولا ينافي تحريمه على المختار لأن المصلحة من قبيل المقتضي التخييري الّذي يحصل بصرف وجود الطبيعة في أي فرد فرض والمفسدة من قبيل المقتضي التعييني لحصولها في كل فرد فرد فمع وجود المندوحة للمكلف لا يكون بين المقتضيين المذكورين تزاحم لكفاية الفرد غير المحرم في حصول المصلحة فيكون الفرد المشتمل على المفسدة وان كانت ضعيفة محرما ومع الاضطرار وعدم المندوحة يقع التزاحم فيكون التأثير للمصلحة لأنها أقوى لكن ذلك يختص

٤٠٣

لا بسوء الاختيار أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج على القول بكونه مأموراً به بدون إجراء حكم المعصية عليه أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت أما مع السعة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه فان الصلاة في الدار المغصوبة وان كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة إلّا انه لا شبهة في ان الصلاة في غيرها تضادها بناء على أنه لا يبقى مجال مع إحداهما للأخرى مع كونها

______________________________________________________

بحال الضيق إذ في حال السعة لا تزاحم بينهما (١) (قوله : أو معه ولكنها) يعني أو مع سوء الاختيار (٢) (قوله : في حال الخروج) فتكون صلاته بالإيماء للركوع والسجود ماشياً بلا جلوس ولا طمأنينة لمنافاتها للخروج (فان قلت) : وجوب الخروج من باب المقدمة لا يقتضي وجوب مقارناته من الإيماء والقراءة والذّكر ونحوها لعدم كونها مقدمة للتخلص عن الغصب وحينئذ فحرمتها لأنها غصب تمنع من صحة التقرب بها (قلت) : ليست هي تصرفاً زائداً على التصرف الخروجيّ إذ البدن في جميع الحالات المذكورة وغيرها لا يشغل إلا مقداراً معيناً من الفضاء والخروج على حالة معينة لا مقتضي لوجوبه بل الواجب صرف الخروج على أي حال كانت (٣) (قوله : أو مع غلبة) الظاهر أنه معطوف على قوله : ولكنها ، فيكون من جملة صور الاضطرار بسوء الاختيار وحينئذ يشكل القول بالصحّة لأن الاضطرار بسوء الاختيار يقتضي حرمة الفعل المأتي به وكونه معصية يستحق عليه العقاب فكيف يمكن التقرب به؟ وغلبة ملاك الأمر إنما تقتضي كونه واجباً عند التزاحم وقد عرفت انه لا مزاحمة بين الملاك التعييني والملاك التخييري فلا يجدي ضيق الوقت في كون الصلاة مأموراً بها كما لا تجدي مقدمية الخروج لواجب أهم في كونه مأموراً به إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار حسبما أوضحه سابقاً ، ومنه يظهر الإشكال فيما ذكره بقوله : اما مع السعة فالصحة وعدمها مبنيان ... إلخ فان مقتضى ما ذكرنا البطلان في السعة بطريق أولى ـ مضافا

٤٠٤

أهم منها لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة وان لم تكن مأموراً بها

______________________________________________________

إلى انه لو سلم أن غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي موجبة للأمر بالصلاة في المغصوب في الضيق فلا نسلم انها موجبة له في السعة لعدم التزاحم بين الملاكين في السعة لما أشرنا إليه من أن المقتضي التعييني ـ ولو كان أضعف ـ لا يصلح لمزاحمته المقتضي التخييري ـ ولو كان أقوى ـ وأيضا فالمقام أجنبي عن اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده لأن ذلك إنما يكون فيما لو كان واجبان متضادان يشتمل كل منهما على مصلحة تكون في أحدهما أهم وليس المقام كذلك إذ الصلاة في خارج المغصوب والصلاة في المغصوب فردان لواجب واحد بلا تضاد بينهما بل يقوم كل منهما بما يقوم به الآخر من المصلحة فالطلب المتعلق بهما بنحو طلب صرف الوجود لا بنحو طلب الطبيعة السارية كما في تلك المسألة ولو بني على إجراء حكم المتضادين عليهما ـ لو كان أحدهما أهم ـ فكون الملاك في الصلاة في خارج المغصوب أهم من الملاك في الصلاة في المغصوب ممنوع ومجرد اشتمال الثانية على المنقصة لا يقتضي أهمية الملاك في الأولى لأن أهمية الملاك عبارة أخرى عن قوته وتأكده والصلاة في جميع الأمكنة لها مرتبة معينة من الملاك غاية الأمر انها تنضم إليها في بعض الأفراد منقصة وهي لا توجب نقصاً في ملاك ذلك الفرد ليكون ملاك الفرد الآخر أهم وآكد (١) (قوله : أهم منها لخلوها) قد تقدم التأمل فيه (٢) (قوله : فالصلاة في الغصب اختياراً) المراد من الاختيار ما يقابل الاضطرار والوجه في الصحة حينئذ هو الوجه في الصحة في السعة اضطراراً من ابتناء البطلان على كون الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده لأنه بعد البناء على غلبة ملاك الأمر في الصلاة في المغصوب وسقوط النهي عن الغصب لا يكون الوجه للبطلان إلا النهي الملازم للأمر بالصلاة في المكان المباح التي هي من قبيل الضد الأهم فمع البناء على عدم الاقتضاء تكون الصلاة صحيحة. نعم لا تكون مأمورا

٤٠٥

(الأمر الثاني) قد مرّ في بعض المقدمات أنه لا تعارض بين مثل الخطاب (صلِّ) وخطاب (لا تغصب) على الامتناع تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان كي يقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا ، بل إنما هو من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين

______________________________________________________

بها لامتناع الأمر بالضدين ولو مع البناء على عدم اقتضاء أحدهما النهي عن الآخر (وفيه) ـ مضافا إلى ما عرفت من أن الغلبة إنما تقتضي سقوط النهي مع عدم المندوحة ، عدم ثبوت غلبة ملاك الأمر والإجماع على صحة صلاة المحبوس في المكان المغصوب لو اقتضى الغلبة أمكن الاقتصار على مورده وعدم التعدي عنه إلى غيره وإلّا جاز الغصب مقدمة لتحصيل الصلاة التامة ولا يظن الالتزام به من أحد بل عرفت حكاية الإجماع مستفيضا على بطلان الصلاة في المغصوب اختياراً مع العلم بالغصب فتأمل وللكلام مقام آخر

(التنبيه الثاني)

(١) (قوله : لا تعارض بين مثل خطاب صلِّ ... إلخ) ليعلم ان مقتضيات الأحكام (تارة) تكون غير متنافية مثل مقتضي حرمة شرب الخمر ومقتضى وجوب الصلاة (وأخرى) تكون متنافية ، والمتنافية (تارة) تكون في موضوع واحد (وأخرى) تكون في موضوعين (والمتنافية) في موضوعين (تارة) يكون الموضوعان متميزين في الوجود كباب الضدين (وأخرى) لا يكونان كذلك كباب اجتماع الأمر والنهي ـ بناء على الجواز ـ ثم ان المقتضيين المتنافيين في موضوع واحد إذا كان أحدهما أقوى من الآخر كان التأثير له في تحقق ملاك الحكم دون الآخر ـ ونعني من الملاك بلوغ المقتضي حدا يوجب ترجح الوجود على العدم أو ترجح العدم على الوجود ـ وإذا كانا متكافئين في القوة والضعف سقطا معا عن التأثير في تحقق ملاكي الحكمين لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح والدليلان الدالان على الحكمين في كلتا الصورتين متعارضان للعلم بكذب أحدهما في الدلالة على ثبوت الحكم في مقام الجعل لأن ثبوت الحكم الثبوتي في مقام الجعل

٤٠٦

تابع لترجح الوجود على العدم في نظر الجاعل وثبوت الحكم العدمي في مقام الجعل تابع لترجح العدم على الوجود في نظره ومن الواضح امتناع اجتماعهما فيمتنع جعل الحكمين معا على طبقهما ، فإذا دل الدليلان على ثبوتهما معا فقد علم بكذب أحدهما ، وهذا هو مناط التعارض (مثلا) شرب الخمر واجد لمصلحة ومفسدة لكن مفسدته أكبر من مصلحته كما ذكر في الكتاب الكريم : (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) وإذ كانت مفسدته أقوى من مصلحته كان عدمه أرجح من وجوده وهذا هو ملاك الحرمة فكان المجعول هو حكم الحرمة لا غير إذ لا ملاك فيه إلا ملاك الحرمة فلو فرض قيام دليل على وجوب شرب الخمر كان ـ لا محالة ـ معارضا لدليل الحرمة لا مزاحما وعلى هذا فالفارق بين التزاحم والتعارض ليس مجرد إحراز المقتضي للحكمين اللذين يدل عليهما الدليلان وعدمه بل الفارق بينهما إحراز الملاك في كل من الحكمين وعدمه فإذا أحرز الملاكان كانا متزاحمين وإذا لم يحرز الملاكان كانا متعارضين وان أحرز المقتضيان للحكمين. ومنه يظهر ان مناط التعارض هو التكاذب في مقام الحكاية عن ثبوت ملاكات الأحكام وان أحرزت المقتضيات وليس مناطه التكاذب في مقام الحكاية عن ثبوت مجرد المقتضيات من دون ان تبلغ حدود الملاكات كي يكون المورد الّذي تحرز فيه المقتضيات من باب التزاحم لا التعارض. ومنه يظهر ان مورد اجتماع الأمر والنهي ـ بناء على الامتناع ـ من موارد باب التعارض لا التزاحم لتكاذب الدليلين في مقام الحكاية عن وجود الملاكين في مجمع العنوانين وقد تقدم منا ان تضاد الأحكام إنما هو لتضاد ملاكاتها حقيقة ونسبة التضاد إليها أنفسها بالعناية والمجاز أما التزاحم فمناطه التكاذب في مقام الدلالة على ما زاد على الملاك كما في باب الضدين وباب الاجتماع ـ بناء على الجواز ـ وكذا كل مورد كان المانع من ثبوت الحكمين معا قصور المكلف وعجزه بلا قصور في الملاك بل الملاك تام الملاكية. هذا هو المفهوم من كلمات الأصحاب في مقام التفرقة بين باب التعارض وباب التزاحم. ومنه يظهر ان ما ذكره المصنف (ره)

٤٠٧

من نفي التعارض بين مثل خطاب : صلِّ ، وخطاب : لا تغصب ـ بناء على الامتناع ـ جار على خلاف الاصطلاح في تمييز باب التعارض عن باب التزاحم لما عرفت من (أن) الخطابين المذكورين ـ بناء على الامتناع ـ يكونان متعارضين لتكاذبهما في مقام الدلالة على وجود ملاكي الحكمين فان الأول يدل على ترجح وجود الصلاة حتى لو كانت غصبا والثاني يدل على ترجح عدم الغصب ولو كان صلاة ولا بد من كذب أحدهما. نعم يصح نفي التعارض بينهما في مقام الحكاية عن أصل ثبوت المقتضيين أعني المصلحة الموجودة في الصلاة مطلقا والمفسدة الموجودة في الغصب كذلك إذ لا مانع من اجتماعهما في موضوع واحد بل الأمر كذلك قطعا إذ لا ريب في ترتب المصلحة المقتضية لوجوب الصلاة على الصلاة الجامعة لجميع ما يعتبر فيها من الاجزاء والشرائط حتى قصد القربة وان انطبق عليها عنوان الغصب كما ان المفسدة المقتضية لحرمة الغصب مترتبة على الغصب الصلاتي كترتبها على الغصب غير الصلاتي وفي هذه المرتبة من الاقتضاء يقع التزاحم في مقام الجعل ويكون الحكم المجعول ما يطابق المقتضي الأقوى فان كانت مصلحة الصلاة أقوى من مفسدة الغصب كان وجود الصلاة راجحا على عدمها مطلقا وتم ملاك الوجوب مطلقا وكان هو المجعول لا محالة وسقطت مفسدة الغصب عن التأثير وان كان الأمر بالعكس كان الحكم كذلك فلو فرض إحراز غلبة أحد المقتضيين على الآخر فقد أحرز ان الحكم المجعول ما يطابقه كما هو شأن المتزاحمين ولا مجال للرجوع حينئذ إلى أحكام التعارض من الأخذ بأقوى الدليلين دلالة أو سندا وان كان المقتضي في مورده أضعف ، وإذا فرض إحراز التكافؤ بين المقتضيين سقطا معا عن التأثير ولا مجال حينئذ للنظر في دليلهما. ومنه يظهر ان الدليلين في باب الاجتماع ـ بناء على الامتناع ـ وان كانا متعارضين بالنظر إلى الاصطلاح لتكاذبهما في مقام الدلالة على ثبوت الملاكين معا لكن المرجع فيهما قواعد التزاحم لا قواعد التعارض إذا أحرز وجود المقتضيين كما هو كذلك في الجملة ويتعين الأخذ بما يوافق المقتضي الغالب لو أحرز ويسقطان معا لو أحرز التكافؤ بين المقتضيين ولا

٤٠٨

فيقدم الغالب منهما وان كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل

______________________________________________________

يلاحظ قوة الدلالة أو الطريق. ولعل المصنف إنما نفى التعارض بين الدليلين في المقام نظراً إلى هذه الجهة من عدم جريان أحكام التعارض وتعين الأخذ باحكام التزاحم لفرض وجود المقتضيين معا وان لم يبلغا حد الملاكية لا أنه يريد نفي التعارض الاصطلاحي لوضوح تكاذبهما في الدلالة على وجود الملاكين جميعا كما عرفت وما ذكرناه مطرد الجريان في جميع موارد التعارض بين الدليلين مع إحراز المقتضي في كل من موردهما ، وأما أحكام التعارض فتختص بالمتعارضين المتكاذبين في ثبوت الملاك إذا لم يحرز المقتضي فيهما ، أما إذا أحرز المقتضي فالمرجع قواعد التزاحم لا غير (فان قلت) : إذا كان المقام من قبيل التعارض امتنع إحراز المقتضي في الموردين لأنه إذا خصص أحد الدليلين بالآخر فمورد التخصيص لا يخرج من أحدهما ولا طريق إلى إحراز المقتضي في مورده لأن الدلالة عليه انما كانت تبعا للدلالة على الحكم (قلت) يمكن إحراز المقتضي في الموردين وان سقطت حجية الدلالة على الحكم إذا ساعد ذلك الجمع العرفي فتكون الدلالة الالتزامية على ثبوت المقتضي حجة دون الدلالة المطابقية على الحكم كما ذكرنا ذلك في دليل نفي الحرج ونفي الضرر ونحوهما ، والتفكيك بين الدلالتين المطابقية والالتزامية ثابت في الجملة كما أشرنا إليه آنفا ، ومما ذكرنا يظهر ان التعبير بالملاك بدلا عن التعبير بالمقتضي في بعض المقامات مبنى على المسامحة بعناية كون المقتضي للحكم ملاكا له لو لا المزاحمة. هذا وحيث عرفت وجود المقتضي في مجمع العنوانين يتضح وجه الحكم بصحة الصلاة في المكان المغصوب مع العذر من غفلة أو نسيان ـ بناء على الامتناع وترجيح جانب الحرمة ـ لما عرفت من إحراز المقتضي في الصلاة وحصول التقرب بلا نقص عن غيرها من أفراد الصلاة ، والمانع من الصحة في حال الالتفات وعدم العذر ليس إلّا فوات جهة المقربية وهذا المانع مفقود في حال العذر ومنه يظهر الوجه في تسالم الأصحاب رضوان الله عليهم ـ على صحة الصلاة حينئذ سواء في ذلك القائلون بالجواز والقائلون بالامتناع فلاحظ وتأمل (١) (قوله : الغالب) يعني الأقوى اقتضاء (قوله : أقوى)

٤٠٩

مقتضاه هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما وإلا كان بين الخطابين تعارض فيقدم الأقوى منهما دلالة أو سنداً وبطريق الآن يُحرز به أن مدلوله أقوى مقتضياً. هذا لو كان كل من الخطابين متكفلا لحكم فعلي وإلا فلا بد من الأخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان وإلا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية. ثم لا يخفى أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً كما هو قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين بل قضيته ليس إلا خروجه فيما كان الحكم الّذي هو مفاد الآخر فعلياً وذلك لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثراً لها لاضطرار أو جهل أو نسيان

______________________________________________________

(١) يعني دلالة أو سنداً (٢) (قوله : مقتضاه) يعني مقتضى الغالب (٣) (قوله : تعارض) للعلم الإجمالي بكذب أحدهما في دلالته على فعلية مؤداه فيكون التنافي في نفس الدلالة ومقام الإثبات على ما يأتي في مبحث التعارض تحقيقه إن شاء الله تعالى (٤) (قوله : وبطريق الإن يحرز) ليس المراد كون قوة الدليل معلولة لقوة المدلول أو هما معا معلولان لعلة ثالثة كما هو المصطلح في الطريق الإني لعدم اللزوم بينهما ولا كون الأمر بالعمل بالأقوى حاكياً عن شدة الاهتمام بمدلوله وعدم الاهتمام بمدلول الأضعف إذ قد يكون الأمر بالعمل بالأقوى ناشئاً عن مصلحة أجنبية عن الواقع كما يشهد به لزوم الأخذ بالأقوى وان لم يكن مدلوله اقتضائياً كما لو كان دالا على الإباحة ؛ بل كان المراد أن الأقوى لما كان دالا على فعلية مؤداه مطابقة فقد دل على أقوائية ملاكه التزاما كما أن الأضعف كذلك فإذا دل دليل الترجيح على حجية الأقوى وعدم حجية الأضعف فقد دل على ثبوت مدلولي الأقوى المطابقي والالتزامي معاً فتثبت أقوائية ملاكه ظاهراً (٥) (قوله : وإلا فلا محيص) يعني حيث لم يكن أحدهما دالا على الحكم الفعلي يكون المرجع الأصل العملي الّذي يرجع إليه إذ لا دليل على حكم الواقعة (٦) (قوله : رأساً) يعني فعلية واقتضاء (٧) (قوله : فيما كان) يعني فيكون الخروج عن مجرد

٤١٠

كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثراً لها فعلا كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى أو لم يكن واحد من الدليلين دالاً على الفعلية أصلا فانقدح بذلك فساد الإشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما فيما إذا قدم خطاب (لا تغصب) كما هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أول الأمر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع أصلا وذلك لثبوت المقتضي في هذا الباب كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا متكفلين للحكم الفعلي فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا المختص بما إذا لم يمنع عن تأثيره مانع المقتضي لصحة مورد الاجتماع مع الأمر أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له أو عن فعليته كما مر تفصيله (وكيف كان) فلا بد في ترجيح أحد الحكمين من مرجح وقد ذكروا لترجيح النهي وجوهاً «منها» أنه أقوى دلالة لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد بخلاف الأمر وقد أورد عليه بأن ذلك فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة كدلالة الأمر على الاجتزاء بأي فرد كان ، وقد أورد عليه بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدمات الحكمة وغير مستند إلى دلالته عليه بالاستلزام لكان استعمال مثل (لا تغصب)

______________________________________________________

الفعلية لا الاقتضاء (١) (قوله : كان المقتضي لصحة) قد تقدم الكلام في وجه الصحة في الموارد المذكورة (٢) (قوله : كما هو الحال) تمثيل للإشكال إذ مع التعارض لا يحرز المقتضي ليمكن تصحيح العبادة (٣) (قوله : ولم يكونا) بيان لعدم التعارض كما تقدم (٤) (قوله : المختص بما) بيان لجهة الاتحاد في الموازنة (٥) (قوله : مع الأمر أو بدونه) فالأوّل كما في الاضطرار الرافع لأصل النهي فيثبت الأمر والثاني كما في الجهل والنسيان الرافعين لفعلية النهي لا غير فلا يثبت الأمر لئلا يلزم اجتماع الحكمين (٦) (قوله : للنهي له) له متعلق بتأثير والضمير للنهي (٧) (قوله : كدلالة الأمر) وحينئذ فيستويان في قوة الدلالة وضعفها

٤١١

في بعض افراد الغصب حقيقة. وهذا واضح الفساد فتكون دلالته على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الافراد ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها إلا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه (قلت) : دلالتهما على العموم والاستيعاب ظاهراً مما لا ينكر لكنه من الواضح أن العموم المستفاد منها كذلك إنما هو بحسب ما يراد من متعلقهما فتختلف سعة وضيقاً فلا يكاد يدل على استيعاب جميع الافراد إلّا إذا أريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد ولا يكاد يستظهر ذلك مع عدم دلالته عليه بالخصوص إلّا بالإطلاق وقرينة الحكمة بحيث لو لم يكن هناك قرينتها بأن يكون الإطلاق في غير مقام البيان لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة وذلك لا ينافي دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من للتعلق إذ الفرض عدم الدلالة على انه المقيد أو المطلق اللهم إلا أن يقال : إن في دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق كما ربما يدعى ذلك في مثل : «كل رجل وأن مثل لفظة (كل) تدل على استيعاب جميع أفراد الرّجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة بل يكفي إرادة ما هو معناه من الطبيعة المهملة (ولا بشرط) في دلالته على الاستيعاب وان كان لا يلزم مجاز أصلا لو أريد منه خاص بالقرينة

______________________________________________________

(١) (قوله : دلالتهما) يعني النفي والنهي (٢) (قوله : مما لا ينكر) هذا على ظاهره لا يخلو من تأمل فان أداتي النفي والنهي انما تدلان على النسبة السلبية وعموم النسبة وخصوصها تابع لعموم المنتسبين وخصوصهما فاستفادة العموم لا بد أن يكون بإجراء مقدمات الحكمة في المتعلق حسبما ذكر (٣) (قوله : عدم دلالته) الظاهر ان أصل العبارة : عدم دلالة (٤) (قوله : وذلك لا ينافي) يعني الاحتياج إلى مقدمات الحكمة في استفادة الإطلاق لا ينافي دلالة النفي والنهي على العموم والاستيعاب إذ الاستيعاب امر إضافي يختلف باختلاف موضوعه فتعيينه يجوز ان

٤١٢

(لا فيه) لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول (ولا فيه) إذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول لعدم استعماله الا فيما وضع له والخصوصية مستفادة من دال آخر فتدبر «ومنها» أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. وقد أورد عليه في القوانين بأنه ـ مطلقاً ـ ممنوع لأن في ترك الواجب أيضاً مفسدة إذا تعين ، ولا يخفى ما فيه فان الواجب ولو كان معيناً ليس إلا لأجل أن في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة كما أن الحرام ليس إلا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه ولكن يرد عليه أن الأولوية ـ مطلقاً ـ ممنوعة

______________________________________________________

يستند إلى قرينة الحكمة «أقول» : لازم دلالة النفي والنهي على العموم كون موضوعه مهملا صالحاً للعموم والخصوص لا مطلقاً نعم لا بد أن يكون له نحو من التعين مثل كونه رجلا أو امرأة أو إنسانا أو حيواناً أو غير ذلك ، وهذا التعين قد يكون بلفظه وقد يكون بغيره من صفة أو صلة أو إضافة أو قرينة خارجية وكل ذلك أجنبي عن حيثية عمومه وخصوصه بل لا بد أن يكون صالحا لكل منهما كي يستفاد العموم من النفي أو النهي ، ولو كان العموم مستفاداً من المقدمات امتنع إفادتهما العموم للزوم اجتماع المثلين ، فالتحقيق ما عرفت من أن العموم انما يستفاد من مقدمات الحكمة في المدخول لا غير على العكس في مدخول (كل) فان العموم انما يستفاد منها لا غير (١) (قوله : لا فيه) الضمير راجع إلى لفظ (كل) والضمير في قوله : ولا فيه ؛ راجع إلى المدخول (٢) (قوله : فتدبر) يمكن ان يكون إشارة إلى ما ذكرنا في النفي والنهي أو إلى احتمال إلحاق (كل) بهما (٣) (قوله : ليس إلا لأجل أن) لأن الوجوب والتحريم المتعلقان بشيء واحد يحكيان عن الإرادة والكراهة ، والإرادة انما تكون لأجل المصلحة ، والكراهة انما تكون لأجل المفسدة ، فاجتماع الواجب والحرام في واحد يقتضي اجتماع المصلحة والمفسدة فيه فيكون في فعله مفسدة وفي تركه ترك المصلحة (٤) (قوله : مطلقاً ممنوعة) بل تختلف باختلاف مراتبها ، فرب مصلحة قوية أرجح من مفسدة ضعيفة ، ولذا

٤١٣

بل ربما يكون العكس أولى كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض الواجبات خصوصاً مثل الصلاة وما يتلو تلوها ولو سلم فهو أجنبي [١] عن المقام فانه فيما إذا دار بين الواجب والحرام ، ولو سلم فانما يجدي فيما

______________________________________________________

ترى بعض العقلاء يقدمون على بعض الإضرار لأجل ما يترتب عليها من المنافع ؛ (١) (قوله : بل ربما يكون العكس أولى كما يشهد به) كما لو توقف إنقاذ الغريق أو إطفاء الحريق أو حفظ بيضة الدين على التصرف في مال الغير بغير اذنه فانه لا إشكال في وجوبه كما عرفت سابقا (٢) (قوله : فهو أجنبي عن المقام) قال في حاشيته على المقام : فان الترجيح به انما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك بما هو أوفق بغرضه لا المقام وهو مقام جعل الأحكام فان المرجح هناك ليس إلا حسنها أو قبحها العقليان لا موافقة الأغراض ومخالفتها تأمل تعرف. انتهى ، (أقول) : الحسن والقبح تابعان للمصلحة والمفسدة فإذا كان دفع المفسدة أولى في نظر العقل من جلب المصلحة كان دفع القبيح أولى من فعل الحسن وتسليم ذلك بالنظر إلى الفاعل يقتضي تسليمه بالنظر إلى الآمر بنحو واحد ، مع أن ترجيح الفاعل ترك الواجب على فعل الحرام حيث يدور الأمر بينهما تابع لترجيح الشارع وإلّا فلا وجه له إذ لو فرض ترجيح الشارع للوجوب على التحريم حرم عقلا ترجيح ترك الواجب قطعا ؛ ولو بني على تساويهما في نظر الشارع فلا وجه لترجيح ترك الواجب على فعل الحرام عقلا إلا أن يكون المقصود ترجيح ترك الواجب على فعل الحرام في نظر الفاعل بدواع غير عقلية وان كانا متساويين في نظر العقل كما في جميع موارد التخيير العقلي لكن ذلك ـ مع أنه ليس بنحو القاعدة

__________________

[١] فان الترجيح به انما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك بما هو أوفق بغرضه لا المقام وهو جعل الأحكام فان المرجح هناك ليس إلا حسنها وقبحها العقليان لا موافقة الأغراض ومخالفتها كما لا يخفى تأمل تعرف.

(منه قدس‌سره)

٤١٤

لو حصل القطع ، ولو سلم انه يجدي ولو لم يحصل فانما يجدي فيما لا يكون هناك مجال لأصالة البراءة أو الاشتغال كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعينيين لا فيما يجري كما في محل الاجتماع لأصالة البراءة عن حرمته فيحكم بصحته ولو قيل بقاعدة الاشتغال في الشك في الاجزاء والشرائط فانه لا مانع عقلا الا فعلية الحرمة المرفوعة

______________________________________________________

الكلية مما لا يدعيه القائل بالترجيح فلاحظ (١) (قوله : لو حصل القطع) وإلا كانت الأولوية ظنية لا يعتمد عليها في الترجيح لكن ظاهر المدعى كونها ظنية ، (٢) (قوله : ولو سلم انه) يعني الظن بالأولوية (٣) (قوله : والحرمة التعينيين) فانه لا مجال للبراءة فيه للعلم بالتكليف ، ولا للاشتغال لتعذر المخالفة القطعية والموافقة كذلك فلا أثر للاشتغال العقلي بل يحكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك لعدم المرجح لأحدهما على الآخر فإذا كان أحدهما محتمل الأهمية والأولوية أمكن الحكم بترجحه عقلا (٤) (قوله : كما في محل الاجتماع) الفرق بينه وبين مورد الدوران بين الوجوب والحرمة أنه في ذلك المورد يعلم بثبوت أحد الحكمين واقعاً والشك في الثابت منهما ، وفي المقام لا يعلم بذلك بل يحتمل أن يكون أحدهما أقوى مقتضياً فيثبت وان يكونا متساويين فيسقطان معاً لعدم المرجح فحيث لم يعلم الإلزام كان احتمال ثبوت الحرمة لغلبة مقتضيها مجرى لأصالة البراءة فمجرد الظن بالأولوية ، والغلبة هنا لا يعول عليه عند العقل كما في سائر موارد الشك في التكليف ويمكن أن يعول عليها هناك لأنه أقرب إلى موافقة التكليف المعلوم (٥) (قوله : ولو قيل بقاعدة الاشتغال) يعني يفترق المقام عن مورد الشك في الجزئية والشرطية بأن إجراء البراءة لنفي الجزئية أو الشرطية لا يوجب الجزم بالصحّة بل يحتمل معه بطلان العمل المأتي به واقعاً على تقدير الجزئية أو الشرطية واقعاً فيمكن القول بوجوب الاحتياط فيه للشك في سقوط التكليف فيه الناشئ من الشك في الإتيان بموضوعه وإجراء البراءة عن الحرمة في المقام يوجب العلم بصحة المجمع فيعلم بسقوط وجوبه لأن المانع من صحة المجمع هو الحرمة الفعلية الموجبة لصدق عنوان

٤١٥

عقلا ونقلا بأصالة البراءة عنها (نعم) لو قيل [١] بأن المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية ولو لم تكن الغلبة بمحرزة فأصالة البراءة غير جارية بل كانت أصالة الاشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة ولو قيل بأصالة البراءة في الاجزاء والشرائط لعدم تأتي قصد القربة

______________________________________________________

المعصية على فعل المجمع فلا يمكن التقرب المعتبر في العبادة فإذا جرى أصل البراءة لنفي الحرمة أمكن التقرب بالمجمع لعدم كونه معصية واقعاً (١) (قوله : في المبغوضية) يعني الفعلية المانعة من إمكان التقرب (٢) (قوله : غير جارية) لأن مجراها عدم البيان على التكليف وهو غير محرز إذ على هذا المبنى يكون العلم بالمفسدة بياناً على الحرمة على تقدير غلبة المفسدة فمع احتمال الغلبة يحتمل ثبوت البيان على الحرمة ولا يحرز عدم البيان ، وإن شئت قلت : الحرمة المشكوكة على تقدير ثبوتها مما قام عليها البيان وهو العلم بالمفسدة فلا تجري البراءة لنفيها لعدم إحراز موضوعها (٣) (قوله : لعدم تأتي) وحينئذ يعلم ببقاء التكليف ، ومنه يظهر أنه لا مجال

__________________

[١] كما هو غير بعيد كله بتقريب ان إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتيّة كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة ولا يتوقف تأثيرها كذلك على إحرازها بمرتبتها ولذا كان العلم بمجرد حرمة شيء موجباً لتنجز حرمته على ما هي عليه من المرتبة ولو كانت في أقوى مراتبها ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدتها كما لا يخفى. هذا لكنه انما يكون إذا لم يحرز أيضا ما يحتمل أن يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضية وأما معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز انه ذو مصلحة أو مفسدة مما لا يستقل العقل بحسنه أو قبحه وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة لو أتى به بداعي الأمر المتعلق بما عليه من الطبيعة بناء على عدم اعتبار أزيد من إتيان العمل قربيا في العبادة وامتثالا للأمر بالطبيعة وعدم اعتبار كونه ذاتا راجحا كيف ويمكن أن لا يكون جل العبادات ذاتا راجحا بل انما يكون كذلك فيما إذا أتي بها على نحو قربي. نعم المعتبر في صحة العبادة انما هو أن لا يقع منه مبغوضا عليه كما لا يخفى ـ وقولنا : فتأمل ، إشارة إلى ذلك. «منه قدس‌سره»

٤١٦

مع الشك في المبغوضية فتأمل «ومنها» الاستقراء فانه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار وعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين (وفيه) أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء

______________________________________________________

أيضا لأصالة الاشتغال لأن مجراها الشك في سقوط التكليف ولا شك في المقام ، (١) (قوله : مع الشك في المبغوضية) يعني الفعلية المنجزة الموجب لذلك الشك لصدق عنوان التجري المضاد للتقرب (٢) (قوله : فتأمل) إشارة إلى أن هذا القول وان كان في نفسه غير بعيد كما يشهد به أن العلم بالحرمة يوجب تنجزها بما لها من المرتبة الشديدة فيستحق العقاب على مرتبتها الشديدة وإن لم يعلم بمرتبتها الشديدة لكنه لا ينفع مع إحراز المصلحة المحتمل مزاحمتها للمفسدة وغلبتها عليها إذ حينئذ يكون الفعل كما إذا لم يحرز أنه ذو مصلحة أو مفسدة فلا يستقل العقل بحسنه أو قبحه ولا مانع من التقرب به. هذا محصل ما ذكره في حاشيته على المقام «أقول» : يشكل ما ذكر (أولا) بأن العلم بالمفسدة لا يصلح للمنجزية حتى مع العلم بكونها غالبة وانما المنجز هو العلم بالحرمة فمع عدمه ـ كما هو المفروض ـ لا مانع من تأتي التقرب لأصالة البراءة ، ومنه يظهر عدم وضوح قياس العلم بالمفسدة على العلم بالحرمة (وثانيا) بمنع الحكم في المقيس عليه لما عرفت من أن اختلاف مراتب العقاب تابع لاختلاف مراتب التجري لا اختلاف مراتب الحكم الناشئ من اختلاف مراتب المصلحة أو المفسدة لعدم دخلهما في العقاب بوجه فما لم يعلم المرتبة الشديدة من الحكم لا تحسن شدة العقاب وما ورد في بيان عقاب بعض المحرمات مما يدل على شدة عقابه ولو لم يعلم بمرتبته الخاصة لا ينافي ذلك لإمكان كون شدته بالإضافة إلى غيره وان كان دون الاستحقاق (وثالثا) بأن ما ذكره رداً على القول المذكور خلاف المفروض إذ المفروض احتمال أولوية المفسدة من حيث كونها مفسدة في قبال المصلحة فلا مجال لاحتمال غلبة المصلحة على المفسدة كما لعله ظاهر بالتأمل فتأمل جيداً والله سبحانه أعلم (٣) (قوله : في أيام الاستظهار) وهي الأيام التي يُرى فيها الدم بعد أيام العادة ، ومثلها أول

٤١٧

ما لم يُفد القطع ولو سلم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار ولو سلم فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام ولا عدم جريان الوضوء منهما مربوطاً بالمقام لأن حرمة الصلاة فيها إنما تكون لقاعدة الإمكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضاً فيحكم بجميع أحكامه ومنها حرمة الصلاة عليها لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى. هذا لو قيل بحرمتها الذاتيّة في أيام الحيض وإلا فهو خارج عن محل الكلام. ومن هنا انقدح انه ليس منه ترك الوضوء من الإناءين فان حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلا تشريعياً ولا تشريع فيما لو توضأ منهما احتياطا فلا حرمة في البين غلب جانبها فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك بل إراقتهما

______________________________________________________

رؤية الدم في أيام العادة أو مطلقا (١) (قوله : ما لم يفد القطع) يعني القطع بأن وجه الحكم في الموارد المتفرقة هو الجهة المشتركة ليعلم بثبوت الحكم في المورد الّذي يقصد إثبات الحكم فيه بالاستقراء (٢) (قوله : ولو سلم يعني عدم اعتبار إفادة القطع فلا يتم الاستقراء إلا بتتبع موارد كثيرة توجب الظن ولا يحصل الظن بهذا المقدار (٣) (قوله : لقاعدة الإمكان و) بل الظاهر أنه للنصوص الخاصة الموافقة للقاعدة وللاستصحاب لا لهما وإلا كان اللازم الرجوع إلى ما دل من النصوص على لزوم الأخذ بأيام العادة لا غير لحكومتها عليهما. ثم إن مفاد أكثر النصوص الأول ما بين أمر بالاستظهار وأمر بالكف عن العبادة وأمر بالاحتياط ونحو ذلك وليس فيها تعرض لكون الدم حيضا فتأمل وراجع (٤) (قوله : وإلا فهو خارج) يعني وان كانت الحرمة تشريعية كما لعله المشهور كان أجنبيا عن المقام لأن موضوع الحرمة التشريعية هو التشريع وهو لا يحصل بمجرد الفعل بل لا بد من الإتيان به بعنوان كونه عبادة وحينئذ يكون مخالفة قطعية بلا موافقة ولو احتمالية وان لم يؤت بالفعل إلّا برجاء الواقع كان احتياطا بلا مخالفة ولو احتمالية وكيف كان فلا دوران بين موافقة الوجوب أو التحريم ولا تقديم لأحدهما على الآخر كما هو محل الكلام (٥) (قوله : الا تشريعيا) حيث

٤١٨

كما في النص ليس إلا من باب التعبد أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحكم الاستصحاب للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية إما بملاقاتها أو بملاقاة الأولى وعدم استعمال مطهِّر بعده ولو طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى (نعم) لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها بلا حاجة إلى التعدد أو انفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها وان علم بنجاستها حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالا فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة (الأمر الثالث)

______________________________________________________

انه باطل لانتفاء شرطه وهو طهارة الماء فقصد التعبد به يكون تشريعاً (١) (قوله : كما في النص) وهو حديث عمار عن الصادق عليه‌السلام : سئل عن رجل معه إناء ان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيرهما؟ قال عليه‌السلام : يهريقهما جميعاً ويتيمم ، ونحوه حديث سماعة ثم إن ظاهر النص عدم صحة الوضوء بهما والأمر بالإراقة إرشاد إلى عدم صلاحيتهما للانتفاع بهما نظير ما ورد في الدهن المتنجس من قوله عليه‌السلام : ألقه وما حوله (٢) (قوله : للقطع بحصول) يعني إذا توضأ بالأول ثم طهَّر أعضاء وضوئه بالإناء الثاني ثم توضأ به يعلم بنجاسة الأعضاء حال ملاقاتها للإناء الثاني بقصد التطهير قبل تحقق شرائط التطهير من التعدد والانفصال ووجه العلم بنجاستها في تلك الحال أنه إن كان الإناء الأول هو النجس فالأعضاء نجسة بملاقاته فإذا علم بنجاسة الأعضاء في أول أزمنة ملاقاتها للإناء الثاني وجب استصحابها بعد ذلك للشك في ارتفاعها فيلزم من الوضوء بكل منهما على النحو المذكور نجاسة الأعضاء ظاهرا المانعة من صحة الصلاة فيكون ذلك هو الوجه في الأمر بإراقتهما معاً والتيمم (أقول) : يمكن إحراز الصلاة بالطهارة من الحدث والخبث بتكرار الصلاة بأن يصلي بعد الوضوء بالأول ثم يصلي بعد التطهير بالثاني والوضوء به فتأمل (٣) (قوله : من الإناء) متعلق بملاقاة (٤) (قوله : عدم استعمال) يعني وعدم العلم باستعمال ... إلخ (٥) (قوله : بلا حاجة) كما لو كان كل منهما كُراً ولكن كان أحدهما نجسا (قوله : فلا مجال لاستصحابها)

٤١٩

الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات والجهات في أنه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافياً مع وحدة المعنون وجوداً في جواز الاجتماع كان تعدد الإضافات مجدياً ضرورة أنه يوجب أيضا اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً فيكون مثل : (أكرم العلماء) و

______________________________________________________

(١) إما لمعارضته باستصحاب الطهارة أو لعدم جريانه بذاته ـ كما هو المختار للمصنف (ره) على ما يأتي بيانه في محله إن شاء الله ـ ومثله ما لو علم بالطهارة والحدث ولم يعلم المتقدم منهما والمتأخر ، والفارق بين هذا الفرض وما قبله هو العلم بتاريخ النجاسة فيما قبله المصحح لاستصحابها ، ولو بني على تعارض الاستصحابين فيما لو علم تاريخ أحد الحادثين وجهل تاريخ الآخر تعارض في الفرض الأول استصحاب النجاسة واستصحاب الطهارة فيرجع إلى قاعدة الطهارة أيضا كالثاني هذا ولا يخفى أن الترجيح بما ذكر أو بغيره يختص بما إذا كان كل من مقتضي الأمر والنهي تعيينيا أما لو كان مقتضي أحدهما تعيينياً ومقتضي الآخر تخييرياً فقد عرفت أنه لا مجال فيه للترجيح بوجه فان الأول هو المؤثر ولا يصلح الثاني لمزاحمته

(التنبيه الثالث)

(٢) (قوله : كان تعدد الإضافات مجدياً) يمكن منع ذلك بان الإضافات اعتبارات انتزاعية يمتنع ان تكون موضوعا للمصلحة أو المفسدة الموجبتين للحسن والقبح أو مقوما لموضوعهما نعم لا مانع من ان تكون الإضافة محددة لموضوع المصلحة أو المفسدة لكن يمتنع أن يكون الشيء الواحد مقتضياً للمصلحة المفسدة معاً ولو بإضافتين كما يمتنع أن يقتضيهما شيء واحد بلا تعدد في الإضافة. نعم يمكن تعدد العناوين بتعدد الإضافات كما في عنواني الموافقة والمخالفة فمع اختلاف موضوع الأمر والنهي بمحض الإضافة لا بد من الالتزام بكون المحدود بهما موضوعاً لعنوانين مختلفين أحدهما ذو مصلحة والآخر ذو مفسدة ولعل هذا هو مراد المصنف (ره) (٣) (قوله : مثل أكرم العلماء) فان موضوع الأمر والنهي

٤٢٠