حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

منقصة في الطبيعة المأمور بها لأجل تشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها كما في الصلاة في الحمام فان تشخصها بتشخص وقوعها فيه لا يناسب كونها معراجا وان لم يكن نفس الكون في الحمام في الصلاة بمكروهٍ ولا حزازة فيه أصلا بل كان راجحاً كما لا يخفى وربما يحصل لها لأجل تخصصها بخصوصية شديدة الملاءمة معها مزية فيها كما في الصلاة في المسجد والأمكنة الشريفة ، وذلك لأن الطبيعة المأمور بها في حدِّ نفسها إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملاءمة ولا عدم الملاءمة لها مقدار من المصلحة والمزية كالصلاة في الدار مثلا وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بماله شدة الملاءمة وتنقص فيما إذا لم تكن له ملائمة ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه

______________________________________________________

(١) (قوله : منقصة في الطبيعة) يعني نقصاً في وفاء الطبيعة المأمور بها بالمرتبة الخاصة من المصلحة التي تفي بها لو لم تكن متشخصة بذلك المشخص ولا بد من أن يكون المقدار الفائت مما لا يجب تداركه وإلا كان النهي تحريميا لو لم يمكن تداركه ، أو لا يصح النهي أصلا لو أمكن تداركه بل يكون المكلف مخيراً بين فعل الفرد المذكور مع التدارك وبين فعل غيره من الافراد ، ومن أن يكون المقدار الباقي الّذي يحصِّله الفرد مُلزِما وإلا كان مستحباً لا فرداً للواجب (٢) (قوله : وربما يحصل) شروع في دفع إشكال اجتماع الوجوب والاستحباب في العبادات المستحبة (٣) (قوله : ولذلك ينقص) قد تقدم ان الثواب والعقاب بمراتبهما ليسا تابعين لمراتب المصلحة والمفسدة بل هما تابعان لمراتب الانقياد والتجري نعم مراتب التجري تختلف باختلاف مراتب الاهتمام المختلفة باختلاف مراتب المصلحة والمفسدة وأما مراتب الانقياد فتختلف باختلاف مراتب المشقة فزيادة العقاب تدل على تأكد المصلحة الفائتة والمفسدة المرتكبة وأما زيادة الثواب فلا تدل عليه نعم الوعد بزيادة الثواب يدل على مزيد الاهتمام الناشئ عن زيادة المصلحة (ومنه) يظهر أنه لا يصح نقص الثواب عن مقدار الاستحقاق إلّا ان يكون المراد النقص عن المرتبة

٣٨١

إرشاداً إلى ما لا نقصان فيه من سائر الافراد ويكون أكثر ثواباً منه وليكن هذا مراد من قال : إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثواباً ، ولا يُرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثواباً من الأخرى بالكراهة ولزوم اتصاف ما لا مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب لأنه أكثر ثواباً مما فيه المنقصة ، لما عرفت من أن المراد من كونه أقل ثواباً إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات ، وكذا كونه أكثر ثواباً. ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح إلّا للإرشاد بخلاف القسم الأول فانه يكون فيه مولوياً وان كان حمله على الإرشاد بمكانٍ من الإمكان

______________________________________________________

الموعود بها لا المستحقة (١) (قوله : إرشاداً إلى ما لا) بل إرشاداً إلى المنقصة في متعلقه فيوجب ذلك بعثا إلى ما لا نقصان فيه وكأنه المراد كما تقدم نظيره (٢) (قوله : بلزوم اتصاف) هذا يرد لو كان المراد أقل ثوابا من بعض الافراد مطلقاً وكذا لزوم اتصاف ... إلخ ، فانه يرد لو كان المراد من الاستحباب أكثرية الثواب بالنسبة إلى بعض الأفراد مطلقاً (٣) (قوله : في هذا القسم) يعني بالنسبة إلى التوجيه المختص به لا بالنظر إلى توجيهه بما مر في القسم الأول فانه لا يتعين فيه ذلك (٤) (قوله : إلا للإرشاد) لأن كونه مولويا ولو تنزيهياً كراهياً يتوقف على ثبوت مفسدة في متعلقه أو مصلحة في نقيضه مزاحمة لمصلحة والمفروض انه ليس كذلك إذ كان متعلقه ذا مصلحة وليس في نقيضه مصلحة كما في القسم الأول إلا ان يقال : إن ترك العبادة وإن لم يكن ملازماً لعنوان ذي مصلحة أو متحداً معه إلا أن فعلها ملازم لفوات مقدار من المصلحة وحيث أن فوات ذلك المقدار مبغوض حقيقة كان ملازمه مبغوضاً عرضاً فيصح النهي عنه بالعرض والمجاز. نعم لو لم يكن فعل الفرد ملازماً لفوات ذلك المقدار لإمكان تداركه ولو بالإعادة في فرد آخر تم ما ذكر ثم إنك عرفت في القسم الأول إمكان أن يكون النهي لمفسدة في ملازمه ويمكن ذلك أيضا في هذا القسم لكن لازمه خروج الفرد عن كونه

٣٨٢

(وأما القسم الثالث) فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز وكان المنهي عنه به حقيقةً ذاك العنوان ، ويمكن أن يكون على الحقيقة إرشاداً إلى غيرها من سائر الافراد مما لا يكون متحداً معه أو ملازماً له إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان أصلا. هذا على القول بجواز الاجتماع ، وأما على الامتناع فكذلك في صورة الملازمة ، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الأمر ـ كما هو المفروض ـ

______________________________________________________

واجباً لما عرفت من أنه لا مزاحمة بين المقتضي التعييني والمقتضي التخييري فان الأول يؤثر ولو كان استحبابيا والثاني يسقط ولو كان وجوبياً إذ لا تزاحم حقيقة بينهما لإمكان الجمع بينهما بفعل غير المكروه من الافراد فيثبت النهي عن الملازم وتخرج العبادة عن كونها فرداً للمأمور به بما هو كذلك نعم يكون التقرب بملاك الأمر كما تقدم والله سبحانه اعلم (١) (قوله : فيمكن أن يكون) يعني بعد ما كان المبغوض حقيقة هو العنوان المتحد مع العبادة فتعلق النهي بنفس العبادة يمكن أن يكون عرضيا بالمعنى المتقدم ويكون مولوياً ويمكن ان يكون حقيقياً ويكون إرشادياً إلى ثبوت مفسدة في العنوان المتحد مع العبادة أو الملازم لها لكن عرفت أن الحقيقي ـ ولو كان إرشاديا ـ ما يدل على ثبوت مفسدة في متعلقه لا في غيره ولو كان متحداً معه ، فلو حمل النهي على الإرشاد كان عرضياً أيضا ، ومنه يظهر تعين جعله مولوياً عرضياً لا إرشادياً كذلك لأن الأول أوفق بظاهر النهي نعم لو كان حمله على الإرشاد يقتضي كونه حقيقياً دار الأمر بين كل من التصرفين ولا معين لأحدهما (٢) (قوله : إرشاداً إلى) قد تقدم مثل هذا التعبير المبني على المسامحة وسيأتي أيضا (٣) (قوله : مما لا يكون) بيان للأفراد يعني الافراد التي لا تتحد مع العنوان المنهي عنه حقيقة ولا تلازمه (٤) (قوله : هذا على القول) يعني هذا الّذي ذكرناه من أن العبادة بنفسها مأمور بها وأن العنوان المتحد معها أو الملازم لها هو المنهي عنه حقيقة يتم على الاجتماع إذ مبنى الاجتماع عدم التنافي

٣٨٣

حيث أنه صحة العبادة فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني فيحمل على ما حمل عليه فيه طابق النعل بالنعل حيث أنه بالدقة يرجع إليه ، إذ على الامتناع ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملاءمة كما عرفت وقد انقدح بما ذكرناه أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول مطلقاً وفي هذا القسم على القول بالجواز ،

______________________________________________________

بين الأمر والنهي بعنوانين ويتم أيضاً على الامتناع إذا كان العنوان ملازماً للعبادة لا متحدا معها لأن القول بالامتناع يختص بصورة اتحاد العنوانين ولا يجري في صورة تلازمهما غاية الأمر أن امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم يؤدي إلى امتناع فعليتهما معا لكن يصح الإتيان بالعبادة حينئذ ولو لملاك الأمر كما تقدم في الضد وكذا يتم أيضا على الامتناع وترجيح جانب الأمر في صورة الاتحاد فتصح العبادة للأمر بها فعلا (١) (قوله : حيث انه صحة) ضمير (أن) راجع إلى المفروض يعني حيث أن المفروض صحة العبادة فهو ملازم لتقديم جانب الأمر إذ مع تقديم النهي لا مجال للصحة كما تقدم (٢) (قوله : فيكون حال النهي) يعني حيث كان المفروض صحة العبادة الملازم لتعلق الأمر الفعلي بها على الامتناع فالنهي المتعلق بها يمتنع أن يكون مولوياً لمنافاته لصحتها فيحمل على الإرشاد إلى نقص في مصلحتها من جهة اقترانها بالخصوصية الخاصة كما تقدم في القسم الثاني (٣) (قوله : إذ على الامتناع) هذا التخصيص غير ظاهر (٤) (قوله : في القسم الأول) إذ لا قصور في مصلحة العبادة ليقل ثوابها ومنه يظهر عدم صحة التفسير المذكور في القسم الثاني أيضا بناءً على توجيهه بما في القسم الأول (٥) (قوله : على القول بالجواز) فانه أيضا لا قصور في المصلحة وكذا على القول بالامتناع في صورة الملازمة نعم على الامتناع والاتحاد لا بد من الالتزام بنقص المصلحة كما ذكر فتكون أقل ثواباً بناء على ما تقدم منه من تبعية كمية الثواب لكمية المصلحة

٣٨٤

كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها وان الأمر الاستحبابي يكون على نحو الإرشاد إلى أفضل الأفراد مطلقاً على نحو الحقيقة ، ومولوياً اقتضائياً كذلك ، وفعلياً بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب أو متحد معه على القول بالجواز (ولا يخفى) أنه لا يكاد يأتي القسم الأول هاهنا فان انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الّذي لا بدل له إنما يؤكد إيجابه لا أنه يوجب استحبابه أصلا ولو بالعرض والمجاز

______________________________________________________

(١) (قوله : كما انقدح حال) العبادة المستحبة (تارة) تكون أكثر مصلحة لتشخصها بما له دخل في ذلك (وأخرى) ينطبق عليها عنوان ذو مصلحة ويتحد معها (وثالثة) يلازمها عنوان كذلك ولا ريب في إمكان كون الأمر في الجميع إرشادياً حقيقيا كما في الأولى وعرضياً كما في الأخيرتين وأما كونه مولوياً فهو ممتنع في الأولى للزوم اجتماع الاستحباب والوجوب في شيء واحد بعنوان واحد وكذا في الثانية ـ بناءً على الامتناع ـ أما على الجواز فلا ضير فيه لأنه بعنوانين ويكون تعلقه بالعبادة عرضيا ، وفي الثالثة يجوز لو جاز اختلاف المتلازمين في الحكم ويكون تعلقه بالعبادة عرضياً أيضا ويمتنع لو امتنع. نعم لا بأس بتعلق الإرادة الاستحبابية به فتتأكد مع الوجوبية في الأولى وفي الثانية على القول بالامتناع لاتحاد المتعلق حينئذ ولا كذلك على الجواز لتعدده فلا مجال للتأكد كالثالثة (٢) (قوله : مطلقاً على) الإطلاق في قبال التقييد الآتي ذكره في المولوي الفعلي فيعم جميع الصور التي أشرنا إليها (٣) (قوله : على نحو الحقيقة) قد عرفت الإشكال فيه في الأخيرتين (٤) (قوله : كذلك) يعني مطلقاً على نحو الحقيقة وعرفت أيضا التأمل فيه (٥) (قوله : فيما كان ملاكه) يعني في مورد كان ملاك الأمر الاستحبابي ملازمة العبادة لعنوان مستحب (٦) (قوله : على القول بالجواز) قيد للمتحد إذ على الامتناع تمتنع فعلية الاستحباب مع فعلية الوجوب لتضادهما وعرفت الامتناع في الملازم أيضا (قوله : يؤكد إيجابه)

٣٨٥

إلا على القول بالجواز ، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان فانه لو لم يؤكد الإيجاب لما يصحح الاستحباب الا اقتضائياً بالعرض والمجاز فتفطن (ومنها) أن أهل العرف يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعاً وعاصياً من وجهين فإذا امر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجي والعضدي فلو خاطه في ذاك المكان عدّ مطيعاً لأمر الخياطة وعاصياً للنهي عن الكون في ذلك المكان (وفيه) ـ مضافا إلى المناقشة في المثال بأنه ليس من باب الاجتماع ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة

______________________________________________________

(١) يعني يكون حينئذ واجباً وجوبا أكيداً ناشئاً عن مصلحة أكيدة ولا يكون مستحبا لا فعلياً ولا اقتضائياً كما هو الحال في سائر موارد الوجوب الأكيد بخلاف القسمين الأخيرين فان العبادة المستحبة لما كان لها بدل غير مستحب صح ان يقال : انها واجبة ومستحبة ، ولو كان الاستحباب اقتضائياً لا فعلياً (أقول) : لا فرق بين ما له بدل وما لا بدل له لأن المصلحة القائمة بالعنوان إذا كان يجوز الترخيص في تركها حيث لم تكن لزومية فضمها إلى المصلحة اللزومية لا يوجب تأكد الوجوب فيكون في الموضوع وجوب فعلى واستحباب اقتضائي نعم يوجب تأكد الإرادة وليست هي الوجوب ولا منتزع منها ـ مع أنه لو أوجبت تأكد الوجوب اقتضت ذلك حتى فيما له بدل لعدم الفرق فتكون العبادة المتحدة مع العنوان واجبة وجوباً أكيداً والبدل واجباً وجوبا غير أكيد (فالتحقيق) مجيء الأقسام الثلاثة بلا فرق بين العبادة المكروهة والمستحبة (٢) (قوله : إلا على القول) إذ على هذا القول يكون موضوع المصلحة الوجوبية غير موضوع المصلحة الاستحبابية فيمتنع تأكد الوجوب لتعدد الموضوع وكذا في صورة تلازم العنوان المستحب فانه أيضا يمتنع التأكد وحينئذ يثبت وجوب لموضوع المصلحة اللزومية واستحباب لموضوع المصلحة الاستحبابية لكن الاستحباب لا يكون فعليا لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم بل يكون اقتضائياً لا غير (٣) (قوله : إلا اقتضائياً) وكذا في المتحد على القول بالجواز (٤) (قوله : غير متحد مع الخياطة) إذ الخياطة صفة

٣٨٦

وجوداً أصلا كما لا يخفى (المنع) إلا عن صدق أحدهما إما الإطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الأمر أو العصيان فيما غلب جانب النهي لما عرفت من البرهان على الامتناع (نعم) لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها إلا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه كما تقدم (بقي) الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا (وفيه) أنه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع إلا طريق العقل فلا معنى لهذا التفصيل إلا ما أشرنا إليه من النّظر المسامحي غير المبتني على التدقيق والتحقيق وأنت خبير بعدم العبرة به بعد الاطلاع على خلافه بالنظر الدّقيق وقد عرفت فيما تقدم أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي بل في الأعم فلا مجال لأن يتوهم أن العرف هو المحكَّم في تعيين المداليل ولعله كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف لا يجتمعان في واحد ولو

______________________________________________________

قائمة بالثوب فكيف تكون متحدة مع الكون القائم بالمكلف إلا أن يُراد من الخياطة حركة اليد المؤدية إليها ومن الكون في المكان ما يعم الحركة فيه (١) (قوله : المنع إلا عن) يعني نمنع صدق الإطاعة والمعصية معاً بل تصدق إحداهما لا غير (٢) (قوله : من بعض الأعلام) هو السيد الطباطبائي (ره) وربما استظهر من السلطان والمحقق القمي (ره) في بعض كلماته ونسب إلى الأردبيلي (٣) (قوله : إلا طريق) إذ الجواز والامتناع من أحكام العقل (٤) (قوله : بل في الأعم) يعني الأعم مما كان مدلولا عليه بالصيغة اللفظية أو بغيرها من أنواع الدال (أقول) : عموم الدال لا ينفع بعد اتحاد المدلول فإذا بني على الامتناع في مدلول الصيغة لا بد أن يبنى على الامتناع في غيره لأن الامتناع من ذاتيات المدلول لا لخصوصية الدال فتأمل جيداً (٥) (قوله : المداليل) يعني اللفظية (٦) (قوله : ولعله كان) هذا من تتمة التوهم (٧) (قوله : حسب تعيينه) يعني تعيين العرف والله سبحانه ولي التوفيق وله الحمد فانه به حقيق

٣٨٧

بعنوانين وان كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين فتدبر

وينبغي التنبيه على أمور

(الأول) أن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع حرمته والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه ـ لو كان ـ مؤثراً له كما إذا لم يكن بحرام

______________________________________________________

(تنبيهات الاجتماع)

(١) (قوله : وان كان يوجب ارتفاع) لقبح التكليف حال الاضطرار بل امتناعه لما عرفت من أن قوام التكليف إحداث الداعي العقلي ليترتب عليه صرف العبد قدرته في موافقته من فعل أو ترك وهذا مما لا يتأتى مع الاضطرار ـ مضافا إلى أدلة رفع الاضطرار من الآيات والروايات فإذا ارتفع التكليف تبعه العقاب نعم يبقى الإشكال في صحة العبادة حينئذ مع كون الفعل مبغوضاً في نفسه ومحرما لو لا الاضطرار وسيأتي (٢) (قوله : مع بقاء ملاك وجوبه) إذ من المعلوم ان الاضطرار ليس من العناوين الموجبة ذاتاً لارتفاع ملاك التكليف أعني المصلحة والمفسدة بل يجوز أن يكون الملاك مشروطاً بالاختيار فبطروء الاضطرار يرتفع لارتفاع شرطه وان لا يكون مشروطاً بالاختيار فبطروء الاضطرار لا يرتفع بل يبقى الفعل على ما هو عليه من المصلحة أو المفسدة (٣) (قوله : لو كان مؤثراً) كان تامة فاعلها ضمير الملاك (ومؤثراً) حال من ملاكه يعني بعد سقوط التحريم يبقى ملاك الوجوب مؤثراً في الوجوب ومقتضيا له لسقوط ملاك التحريم عن صلاحية المزاحمة له فيترتب عليه أثره فعلاً (فان قلت) : الاضطرار كما يرفع التحريم يمنع من ثبوت الوجوب فان الاختيار شرط في التكليف مطلقاً بلا فرق بين الوجوب والتحريم

٣٨٨

بلا كلام إلّا انه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار بأن يختار ما يؤدي إليه لا محالة فان الخطاب بالزجر عنه حينئذ وان كان ساقطاً إلّا أنه حيث يصدر عنه مبغوضاً عليه وعصياناً لذاك الخطاب ومستحقاً عليه العقاب لا يصلح لأن يتعلق به الإيجاب ، وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب وإنما الإشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار

______________________________________________________

وغيرهما فكيف يثبت الوجوب لثبوت ملاكه بعد ارتفاع التحريم (قلت) : محل الكلام ما إذا كان ملاك الوجوب ثابتا في فرد من الطبيعة المحرمة لا في نفس الطبيعة مطلقاً والاضطرار إلى الطبيعة لا يكون اضطراراً إلى خصوص الفرد الواجد لملاك الوجوب فيجوز تعلق الوجوب به ويكون باعثاً إليه. نعم يشكل ذلك لو كانت المفسدة أقوى لأن الفعل يكون مرجوحا حينئذ ولا يجوز الأمر بما هو مرجوح والاضطرار لا يوجب رجحان الوجود على العدم كي يكون الفعل راجحا ولو بالعرض نعم يكون واجباً عقلا لا شرعا نظير ارتكاب أقل القبيحين (١) (قوله : بلا كلام) متعلق بقوله : يوجب ، (٢) (قوله : إلّا انه إذا لم يكن) يعني ان ثبوت الوجوب يختص بغير هذه الصورة (٣) (قوله : بأن يختار) بيان للاضطرار بسوء الاختيار وضمير (إليه) راجع إلى الاضطرار (٤) (قوله : وان كان ساقطا) لأن الزجر مساوق للانزجار كما عرفت فيمتنع بامتناعه (٥) (قوله : ومستحقا عليه) لأنه مخالفة مستندة إلى الاختيار (٦) (قوله : لا يصلح لأن يتعلق) لأن الملاك المصحح لتعلق التحريم به قبل الاضطرار إليه مناف لملاك الوجوب فثبوت الوجوب له يكون بلا ملاك فيمتنع ، ومنه يظهر اندفاع توهم أن ثبوت الوجوب له بعد الاضطرار لا يستدعي اجتماع الحكمين المتضادين لأن المفروض سقوط التحريم بمجرد الاضطرار فالوجوب ـ على تقدير ثبوته ـ لا يكون مجتمعا مع التحريم ووجه الاندفاع ما عرفت الإشارة إليه من ان تضاد الأحكام إنما هو لتنافي ملاكاتها

٣٨٩

في كونه منهياً عنه أو مأموراً به مع جريان حكم المعصية عليه أو بدونه فيه أقوال. هذا على الامتناع ، وأما على القول بالجواز فعن أبي هاشم انه مأمور به ومنهي عنه واختاره الفاضل القمي ناسباً له إلى أكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء (والحق) أنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان له بسوء الاختيار ولا يكاد يكون مأموراً به كما إذا لم يكن هناك توقف [١] عليه أو بلا انحصار به

______________________________________________________

ففرض ثبوت ملاك التحريم ـ كما هو لازم القول بكونه معصية ـ كاف في المنع عن تعلق الوجوب وسيأتي إن شاء الله لذلك مزيد توضيح (١) (قوله : في كونه منهيا عنه) ظرف مستقر خبر الإشكال (٢) (قوله : حكم المعصية) يعني استحقاق الذم والعقاب (٣) (قوله : أو بدونه) يعني أو مأموراً به بلا حكم المعصية (٤) (قوله : هذا على الامتناع) هذا التخصيص غير ظاهر فان أدلة الأقوال تقتضي عدم الفرق في كل قول منها بين الجواز والامتناع فلاحظها (٥) (قوله : وظاهر الفقهاء) لم يتضح وجه الاستظهار المذكور مع أن المشهور بين أصحابنا القول بالامتناع نعم ظاهر كثير منهم صحة صلاة الغاصب حال الخروج بل عن المنتهى الإجماع عليه لكنه لا يدل على كون الخروج مأموراً به ومنهيا عنه فراجع (٦) (قوله : لم يكن هناك توقف) لا يخفى أن من توسط أرضا غصبا صار مضطرا إلى ارتكاب الحرام بمقدار أقل زمان يمكنه فيه الخروج ويكون مختاراً فيما زاد على ذلك المقدار لإمكان الخروج فلا يكون مرتكباً للحرام ، وظاهر المتن توقف ترك التصرف الزائد على المقدار المضطر إليه على الخروج فيكون الخروج مقدمة له لكن صرح

__________________

[١] لا يخفى انه لا توقف هاهنا حقيقة بداهة ان الخروج انما هو مقدمة للكون في خارج الدار لا مقدمة لترك الكون فيها الواجب لكونه ترك الحرام نعم بينهما ملازمة لأجل التضاد بين الكونين ووضوح الملازمة بين وجود الشيء وعدم ضده فيجب الكون في خارج الدار عرضا لوجوب ملازمه حقيقة فتجب مقدمته كذلك وهذا هو الوجه في المماشاة والجري على ان مثل الخروج يكون مقدمة لما هو الواجب من ترك الحرام فافهم. منه قدس‌سره

٣٩٠

وذلك ضرورة أنه حيث كان قادراً على ترك الحرام رأساً لا يكون عقلا معذوراً في مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره ويكون معاقباً عليه كما إذا كان ذلك بلا توقف عليه أو مع عدم الانحصار به ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه بسوء الاختيار

______________________________________________________

في حاشيته على المقام بمنع ذلك (وتوضيح) ما ذكر أن من المعلوم امتناع ان يكون الشيء الواحد في زمان واحد في مكانين لتضاد الكونين وحينئذ فكون المكلف في الزمان المعين في مكان ملازم لعدم كونه في مكان آخر ـ على ما عرفت في مبحث الضد من ملازمة أحد الضدين لعدم الآخر من دون مقدمية بينهما أصلا ـ فكون المكلف في الزمان الزائد على زمان الخروج في المكان المباح ملازم لعدم كونه في المكان المغصوب لا أنه مقدمة له وإذا لم يكن مقدمة له لم يكن الخروج مقدمة له أيضا لأن الخروج مقدمة إعدادية للكون في المكان المباح وما يكون مقدمة لأحد الضدين لا يكون مقدمة لعدم الآخر لأن ما يكون مقدمة لأحد المتلازمين لا يكون مقدمة للملازم الآخر. نعم تصح نسبة المقدمية إليه بالعرض لا بالحقيقة (١) (قوله : وذلك ضرورة أنه) هذا لا يصلح تعليلاً إلا لأحد جزئي الدعوى (أعني كونه منهياً عنه وأنه عصيان للنهي) لا للجزء الآخر (أعني كونه ليس مأموراً به) فهو ينفي القول الثالث لا الثاني إلّا بملاحظة ما تقدم من أن ما يصدر مبغوضا وعصيانا لا يصلح لأن يتعلق به الوجوب (٢) (قوله : كان قادراً على) يعني كان قبل الدخول في الأرض المغصوبة قادراً على ترك التصرف الحرام لقدرته على ترك الدخول فان من لم يدخل في الأرض لم يتصرف فيها أصلا لا بالدخول ولا بالخروج وإذا كان قادراً على ذلك كان التصرف في الأرض بنحو الدخول أو بالخروج بعد الدخول حراماً مقدوراً على تركه فيكون معصية (٣) (قوله : فيما اضطر إلى) وهو التصرف بعد الدخول (٤) (قوله : بسوء اختياره) يعني اختياره للدخول (٥) (قوله : بلا توقف) يعني بلا أن يتوقف عليه التخلص (٦) (قوله : أو مع عدم) فان مقدمة الواجب إذا كانت محرمة ولا ينحصر التوصل إلى

٣٩١

(ان قلت) : كيف لا يجديه ومقدمة الواجب واجبة؟ (قلت) إنما تجب المقدمة لو لم تكن محرمة ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلا على ما هو المباح من المقدمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية ، وإطلاق الوجوب بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها إنما هو فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة والمفروض هاهنا

______________________________________________________

الواجب بفعلها لا تكون واجبة (١) (قوله : إن قلت كيف) يعني ان الحكم بوجوب المقدمة عقلي والحكم العقلي لا يقبل التخصيص فكيف يُحكم بعدم وجوب الخروج مع أنه مقدمة للتخلص الواجب؟ (٢) (قوله : إلا على ما هو المباح) مقدمة الواجب (تارة) تكون منحصرة بالمباح (وأخرى) منحصرة بالحرام (وثالثة) غير منحصرة بأحدهما بأن تكون ذات فردين مباح وحرام (فان كانت) من الأول فلا ريب في ترشح الوجوب عليها ـ بناءً على وجوب المقدمة ـ فتكون حينئذ مباحة بالذات واجبة بالعرض لكن وجوبها فعلي إن كانت إباحتها لا اقتضائية لعدم التزاحم بين المقتضي واللامقتضي وإذا كانت إباحتها اقتضائية تزاحم مقتضيها مع مقتضي الوجوب فيكون الأثر للأقوى منهما ، وان كانت من الثاني وقع التزاحم بين مقتضي الحرمة في المقدمة وبين مقتضي الوجوب في ذيها فيؤخذ بالأقوى منهما فان كان مقتضي الحرمة فيها أقوى بقيت على تحريمها وسقط وجوب ذيها ، وإن كان مقتضي الوجوب فيها أقوى سقط تحريمها ووجبت مطلقاً على المشهور أو في حال فعل الواجب بعدها بناءً على المقدمة الموصلة ، ومع تساوي المقتضيين تثبت الإباحة لكل منهما لا مطلقاً بل بنحو يلازم إعمال أحد المقتضيين فيجوز فعل المقدمة في ظرف فعل الواجب أعني ذاها على القول بالمقدمة الموصلة ، وعلى المشهور يجوز فعل المقدمة المحرمة وان لم يفعل بعدها الواجب كما تقدم في مبحث المقدمة (وان كانت) من الثالث ثبت الوجوب للفرد المباح تعيينا ولا يثبت للمحرم لأن مناط الوجوب تخييري ومناط التحريم تعييني والأول وإن كان

٣٩٢

وإن كان ذلك إلّا انه كان بسوء الاختيار ومعه لا يتغير عما هو عليه من الحرمة والمبغوضية وإلّا لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف واختياره لغيره وعدم حرمته مع اختياره له وهو كما ترى ـ مع أنه خلاف الفرض

______________________________________________________

أقوى لا يزاحم الثاني وإن كان أضعف (١) (قوله : وإن كان ذلك) يعني أهمية الواجب وهو التخلص عن الغصب من ترك الحرام وهو الخروج لكنه لا يخلو من تأمل لأن الخروج نوع من الغصب فحرمته تثبت بمناط حرمة الغصب لا بمناط آخر فلا مقتضي للأهمية ، وطول الزمان وان كان له دخل في زيادة الاهتمام لكنه لا يطرد إذ قد يكون زمان الخروج أطول من زمان التخلص المتوقف عليه كما لو علم بموت المالك بعد الخروج في زمان أقصر من زمان الخروج مع كونه وارثاً له فالوجه في ترجح الخروج كونه أقل المحذورين وأهون القبيحين كما سيأتي (٢) (قوله : وإلّا لكانت الحرمة) ظاهر العبارة أن المراد هو أنه لو كان الخروج واجباً بعد الدخول لزم كون حرمته معلقة على الكون في المكان المباح الملازم لترك الدخول ، وعدمها معلقاً على إرادته أي الخروج لكن لزوم اللازم الثاني غير ظاهر إذ الوجوب إنما يناط ـ عند القائل به ـ بمجرد الدخول ولو مع إرادة المكث فانه بالدخول حيث يتردد أمر الداخل بين المكث والخروج يكون الخروج واجباً ليتخلص به عن الغصب فلا يكون عدم حرمته معلقاً على إرادته. نعم يتم ما ذكر لو كان أمر المكلف دائراً بين ترك الدخول وبين الدخول مع الخروج فهو إما أن يريد ترك الدخول أو يريد الدخول والخروج فمع الأول يكون الخروج حراما ومع الثاني لا يكون حراما ، لكن محل الكلام ما إذا أمكنه المكث بعد الدخول (٣) (قوله : وهو كما ترى) يعني به بطلان كلا اللازمين (أما الأول) فلأنه مع الكون في المكان المباح وترك الدخول يكون الخروج خارجا عن محل الابتلاء لمضادته للكون المذكور فلا معنى لحرمته حينئذ (وأما الثاني) فلما تقدم من أن وظيفة التكليف إحداث الإرادة فيكون كالعلة لها فلا يكون معلولا لها ، وإن شئت قلت : إن الشيء في ظرف

٣٩٣

وأن الاضطرار يكون بسوء الاختيار (ان قلت) : إن التصرف في أرض الغير بدون اذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام وأما التصرف بالخروج الّذي يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام فهو ليس بحرام في حال من الحالات بل حاله حال مثل شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب في جميع الأوقات ؛ ومنه ظهر المنع عن كون جميع أنحاء التصرف في أرض الغير مثلا حراماً قبل الدخول وأنه يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج ، وذلك لأنه لو لم يدخل لما كان متمكناً من الخروج وتركه وترك الخروج بترك الدخول رأساً ليس في الحقيقة الا ترك الدخول فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلا لم يصدق عليه إلّا انه لم يقع في المهلكة لا أنه مما ما شرب الخمر فيها إلا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع كما لا يخفى (وبالجملة) لا يكون الخروج ـ بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن الحرام أو سبباً له ـ إلا مطلوباً

______________________________________________________

إرادته يكون واجباً فالتكليف به من قبيل تحصيل الحاصل (١) (قوله : وان الاضطرار) بيان للفرض لأن كونه بسوء الاختيار يقتضي كونه محرماً وإلا كان من حسن الاختيار (٢) (قوله : من الحالات) يعني لا قبل الاضطرار ولا بعده (٣) (قوله : وذلك لأنه لو) بيان لظهور المنع يعني أن المنع عن الخروج نوع من التكليف والتكليف بجميع أنواعه مشروط بالقدرة وقبل الدخول لا قدرة على الخروج حتى يصح المنع عنه فالمنع عنه حينئذ تكليف بغير المقدور ممتنع ، (٤) (قوله : وترك الخروج) دفع لتوهم أن ترك الخروج مقدور قبل الدخول فلا وجه لدعوى عدم القدرة عليه (٥) (قوله : ليس في الحقيقة) إذ نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة فإذا لم يقدر على الخروج قبل الدخول لم يقدر على تركه أيضا (٦) (قوله : لا أنه ما شرب) يعني لا يصدق عليه أنه ممن لم يشرب الخمر في التهلكة (٧) (قوله : مصداقا للتخلص) لم يتوهم أحد كونه مصداقا

٣٩٤

ويستحيل أن يتصف بغير المحبوبية ويحكم عليه بغير المطلوبية (قلت) : هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأموراً به وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ على ما في تقريرات بعض الأجلة ، لكنه لا يخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب إنما يكون حسناً عقلا ومطلوبا شرعاً بالفعل وان كان قبيحاً ذاتاً إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره إما في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام ، وإما في الإقدام على ما هو قبيح وحرام لو لا أن به التخلص بلا كلام

______________________________________________________

للتخلص بل لا ريب عندهم في كونه مصداقا للغصب (١) (قوله : ويستحيل أن) لأن الاتصاف بغير المحبوبية يكون بلا منشأ مصحح (٢) (قوله : لكنه لا يخفى أن ما به) حاصل الإشكال أنه إذا توقف فعل الواجب أو ترك الحرام على فعل محرم بحيث دار أمر المكلف بين فعل ذلك المحرم الّذي هو المقدمة ، وبين تفويت ما يتوقف على ذلك المحرم من فعل الواجب وترك الحرام الّذي هو ذو المقدمة فان كان هذا الدوران بغير اختيار المكلف صح دعوى انقلاب ذلك المحرم إلى كونه واجباً من جهة مقدميته لفعل الواجب أو لترك الحرام ، أما إذا كان الدوران بسوء اختيار المكلف بحيث كان يمكن المكلف أن يفعل الواجب الّذي هو ذو المقدمة بدون فعل الحرام الّذي هو المقدمة أو كان يمكنه أن يترك الحرام بدون فعل المحرم الّذي هو المقدمة وباختياره أوقع نفسه في الدوران المذكور لا ينقلب المحرم إلى الوجوب بل يبقى على تحريمه (٣) (قوله : ولم يقع) يعني ولم يضطر بسوء اختياره إلى الاقتحام في ترك ذي المقدمة أو الاقتحام في فعل الحرام الّذي هو المقدمة ، (٤) (قوله : أو فعل الحرام) معطوف على ترك الواجب وأحدهما على البدل يكون ذا المقدمة (٥) (قوله : ما هو قبيح) وهو المقدمة المحرمة (٦) (قوله : لو لا أن به التخلص) قيد لقوله : قبيح وحرام ، وكذا قوله بلا كلام ، إذ المقدمة محرمة بلا كلام من الخصم لو لا جهة توقف التخلص عليها كالخروج فيما نحن

٣٩٥

كما هو المفروض في المقام ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره ، (وبالجملة) كان قبل ذلك متمكناً من التصرف خروجاً كما يتمكن منه دخولاً غاية الأمر يتمكن منه بلا واسطة ومنه بالواسطة ومجرد عدم التمكن منه إلا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدوراً كما هو الحال في البقاء فكما يكون تركه مطلوباً في جميع الأوقات فكذلك الخروج ـ مع أنه مثله في الفرعية على الدخول فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته قبله وبعده كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته وان كان العقل يحكم بلزومه إرشاداً إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين ، ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصاً عن المهلكة وانه انما يكون مطلوباً على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يلزمه إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه

______________________________________________________

فيه فانه حرام قطعاً لو لا شبهة توقف التخلص من الغصب عليه (١) (قوله : كما هو المفروض) قيد لقوله : يتمكن المكلف (٢) (قوله : تمكنه منه) أي من التخلص (٣) (قوله : اقتحامه فيه) يعني في الحرام (٤) (قوله : وبالجملة كان) رد على قول السائل : لأنه لو لم يدخل ... إلخ (٥) (قوله : ذلك) إشارة إلى الاقتحام في الحرام بالدخول في الأرض (٦) (قوله : يتمكن منه) يعني من الدخول (٧) (قوله : ومنه) يعني من الخروج (٨) (قوله : في جميع الأوقات) حتى قبل الدخول (٩) (قوله : مطلوبيته قبله) ضمير مطلوبيته راجع إلى البقاء وضمير (قبله وبعده) راجع إلى الدخول (١٠) (قوله : وإن كان العقل) يعني بعد ما كان الخروج كالبقاء تصرفا محرماً يدور الأمر بينه وبين البقاء ويترجح هو عليه في نظر العقل لأنه أقل المحذورين. ثم ان الطبعة البغدادية لا تخلو من نقص في المقام وأصل العبارة ـ كما في بعض النسخ الصحيحة ـ هكذا : يحكم بلزومه إرشاداً إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين ، ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاً وتخلصاً عن المهلكة وأنه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن

٣٩٦

لكون الغرض فيه أعظم فمن ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النّفس أو شرب الخمر لئلا يقع في أشد المحذورين منهما فيصدق انه تركهما ولو بتركه ما لو فعله لأدى لا محالة إلى أحدهما كسائر الأفعال التوليدية حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب. وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج وإن كان لازماً عقلا للفرار عما هو أكثر عقوبة ، ولو سلم عدم الصدق إلا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ولو على نحو هذه السالبة ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر

______________________________________________________

الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يُلزمه إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى ... إلخ (١) (قوله : لكن الغرض) كذا في النسخة البغدادية والصحيح : لكون الغرض : وضمير فيه راجع إلى الأهم (٢) (قوله : من ترك الاقتحام) كذا في النسخة البغدادية والصحيح : فمن ترك ؛ وجواب الشرط قوله : فيصدق وهذا رد على قول المستدل : فمن لم يشرب ... إلخ يعني أن من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى أحد الأمرين من هلاك النّفس وشرب الخمر بأن لم يعرِّض نفسه للهلاك الّذي لا يندفع إلا بشرب الخمر يصدق عليه أنه تارك للهلاك وتارك لشرب الخمر (٣) (قوله : كسائر الأفعال التوليدية) كان الأولى أن يقول : نظير الأفعال التوليدية ، فان شرب الخمر ليس من الأفعال التوليدية (٤) (قوله : بالعمد إلى أسبابها) وان لم يتعلق العمد بها فان العمد المعتبر في ترتب العقاب غير العمد المعتبر في ترتب الثواب إذ يكفي في ترتب العقاب على المسبب العمد إلى السبب مع العلم بترتب المسبب عليه ولا يكفي ذلك في ترتب الثواب بل لا بد من العمد إلى المسبب نفسه (٥) (قوله : وان كان لازما) يعني الشرب لأجل العلاج (٦) (قوله : إلّا بنحو السالبة) كما اعترف به المستدل (٧) (قوله : فيوقع نفسه) بيان لكيفية التمكن من الفعل ،

٣٩٧

ويتخلص بالخروج أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج (إن قلت) : كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعاً عنه شرعاً ومعاقباً عليه عقلا مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه لسقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار والعقل قد استقل بأن الممنوع شرعاً كالممتنع عادة أو عقلا (قلت) : أولا إنما كان الممنوع كالممتنع إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشاداً إلى ما هو أقل المحذورين وقد عرفت لزومه بحكمه فانه مع لزوم الإتيان بالمقدمة عقلا لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه فانه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع كما إذا كانت المقدمة ممتنعة (وثانياً) لو سلم فالساقط إنما هو الخطاب فعلا بالبعث والإيجاب لا لزوم إتيانه عقلا خروجاً عن عهدة ما تنجز عليه سابقاً ضرورة أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور الأشد ونقض الغرض الأهم حيث

______________________________________________________

(١) (قوله : أو يختار ترك) بيان لكيفية التمكن من الترك (٢) (قوله : مع بقاء ما يتوقف) يعني فإذا امتنع الجمع بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها فاما أن يسقط الوجوب فلا باعث على الخروج أو يسقط التحريم وهو المطلوب (٣) (قوله : قلت أولا) يعني أن الممنوع شرعاً انما كان كالممتنع عقلا من جهة أن المنع الشرعي موجب لمنع العقل وفي ظرف المنع العقلي عن المقدمة لا يترتب البعث العقلي على التكليف بذيها لتضادهما كما لو كانت ممتنعة أما إذا كان العقل لا يمنع من فعل المقدمة بل كان يبعث إلى فعلها لأنها أقل المحذورين فلا مانع من التكليف بذي المقدمة ففي الحقيقة لا جمع بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها بل ليس إلا وجوب ذيها لا غير وحرمة المقدمة ساقطة بالاضطرار إلى مخالفتها أو مخالفة الوجوب بضميمة كون مخالفتها أهون المحذورين ، لكن سقوط مثل هذا التحريم نظير السقوط بالامتناع لا ينافي كون الفعل ممنوعا عنه شرعا لو لا الامتناع ويستحق العقاب على مخالفته ولو لأجل الامتناع وليس المدعى الا ذلك (٤) (قوله : إنما هو الخطاب) التكليف الّذي يصلح للسقوط والثبوت ليس إلّا التكليف الاعتباري وهو جعل الكلفة المساوق للبعث العقلي

٣٩٨

أنه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلا وانما كان سقوط الخطاب لأجل المانع وإلزام العقل به لذلك إرشاداً كاف لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والإيجاب له فعلا فتدبر جيداً ، وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأموراً به مع إجراء حكم المعصية عليه نظراً إلى النهي السابق ـ مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والإيجاب قبل الدخول أو بعده كما في الفصول مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما وإنما المفيد اختلاف زمانه ولو مع اتحاد زمانهما وهذا أوضح من أن يخفى كيف ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصياناً للنهي السابق وإطاعة للأمر اللاحق فعلا ومبغوضاً ومحبوباً كذلك بعنوان واحد. وهذا

______________________________________________________

وأما الخطاب فهو لا يقبل ذلك لأنه تدريجي متصرم. نعم يصلح للاتصاف بالحسن والقبح فيقال : يحسن الخطاب ويقبح ، لكن حسنه وقبحه أيضا منوطان بترتب البعث العقلي عليه وعدمه ولا ينفك أحدهما عن الآخر فمع فرض أهمية الواجب يكون هو المبعوث إليه والواجب والمكلف به والّذي يحسن الخطاب به (١) (قوله : انه الآن) يعني بعد الاضطرار والدوران كما كان عليه قبلهما (٢) (قوله : السابق) يعني الساقط حين حدوث الاضطرار قبل الخروج ولذا كان الخروج بحكم المعصية لا معصية (٣) (قوله : كما في الفصول) واستدل عليه بأنه لو كانت مبغوضية شيء في زمان مضادة لمطلوبيته في زمان آخر لامتنع البداء في حقنا مع وضوح جوازه وإنما لا يترتب هنا أثر الأول لرفع البداء له بخلاف المقام ... إلخ (أقول) : المناسب تمثيل المقام بالبداء الحقيقي في حقه سبحانه فإذا كان مستحيلا كانت المحبوبية والمبغوضية في زمان لشيء واحد في زمان واحد كذلك لا بالبداء في حقنا إذ المصحح له في حقنا الجهل بالخصوصيات التي عليها الشيء واقعاً والمقام ليس كذلك (٤) (قوله : مع اتحاد زمان) فان الفعل الواحد في زمان واحد لا يجتمع فيه ملاكا المحبوبية والمبغوضية ولو في زمانين (قوله : عصياناً للنهي)

٣٩٩

مما لا يرضى به القائل بالجواز فضلا عن القائل بالامتناع كما لا يجدي في رفع هذه الغائلة كون النهي مطلقاً وعلى كل حال وكون الأمر مشروطاً بالدخول ضرورة منافاة حرمة شيء كذلك مع وجوبه في بعض الأحوال (وأما) القول بكونه مأموراً به ومنهياً عنه ففيه ـ مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين فضلا عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه سبباً للتخلص وكان بغير اذن المالك وليس التخلص إلّا منتزعاً عن ترك الحرام المسبب [١] عن الخروج لا عنواناً له ـ أن الاجتماع هاهنا لو سلم انه لا يكون بمحال لتعدد العنوان وكونه مجديا في رفع غائلة التضاد كان محالا لأجل كونه طلب

______________________________________________________

(١) قد عرفت أن تضاد هذه الأمور بتوسط تنافي ملاكاتها (٢) (قوله : وكون الأمر مشروطاً) هذا ذكره في الفصول لا بقصد رفع الإشكال بحيثيتي الإطلاق والاشتراط بل لتحقيق اختلاف زماني الحكمين وعليه فلا بد أن يكون المراد بالإطلاق عدم الاشتراط بالدخول لا الشامل لما بعد الدخول بقرينة قوله : فهما غير مجتمعين ، وبنائه على سقوط النهي بالاضطرار المسقط له عقلا فكيف يكون له إطلاق يشمل حال الاضطرار؟ (٣) (قوله : بعنوانه سبباً) يعني بعنوانه الأولي فيكون واجباً بعنوانه الأولي كما تقدم في مبحث المقدمة (٤) (قوله : وكان بغير) يعني وكان بعنوانه الأولي بغير إذن المالك فيكون المحرم الخروج غير

__________________

[١] قد عرفت مما علقت على الهامش ان ترك الحرام غير مسبب عن الخروج حقيقة وانما المسبب عنه هو الملازم له وهو الكون في خارج الدار. نعم يكون مسبباً عنه مسامحة وعرضا وقد انقدح بذلك انه لا دليل في البين إلا على حرمة الغصب المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج من باب انه أقل المحذورين وانه لا دليل على وجوبه بعنوان آخر فحينئذ يجب إعماله أيضا بناء على القول بجواز الاجتماع كاحتمال النهي عن الغصب ليكون الخروج مأموراً به ومنهيا عنه فافهم. (منه قدس‌سره)

٤٠٠