حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

معرفة له ولا لها أصلا ـ ولو بوجه ـ. نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاماً كما كان الموضوع له عاماً ، وهذا بخلاف ما في الوضع العام والموضوع له الخاصّ فان الموضوع له وهي الافراد لا يكون متصوراً إلا بوجهه وعنوانه ، وهو العام ، وفرق واضح بين تصور الشيء بوجهه وتصوره بنفسه ولو كان بسبب تصور أمر آخر ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تمييزه بينهما كان موجباً لتوهم إمكان ثبوت قسم رابع ، وهو ان يكون الوضع خاصاً مع كون الموضوع له عاماً مع انه واضح لمن كان له أدنى تأمل ثم إنه لا ريب في ثبوت الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ كوضع الاعلام ، وكذا الوضع العام والموضوع له العام ، كوضع أسماء الأجناس ، وأما الوضع العام والموضوع له الخاصّ فقد تُوهم أنه وضع الحروف وما ألحق بها من الأسماء ؛ كما توهم أيضا أن المستعمل فيه فيها خاصاً مع كون الموضوع له كالوضع عاماً (والتحقيق) حسبما يؤدي إليه النّظر الدّقيق

______________________________________________________

ما يباين الخاصّ من أفراده فكيف يصلح الخاصّ للحكاية عنه ، بل عرفت أن العام كذلك وانما يفترقان في ان العام يصلح للحكاية عنه بواسطة تحديده والخاصّ لا يصلح للحكاية عن العام بكل وجه (١) (قوله : معرفة له) أي للعام (٢) (قوله : ولا لها) أي ولا للأفراد (٣) (قوله : نعم ربما يوجب) يعني قد يتفق أن لحاظ الخاصّ يلازم لحاظ العام بنفسه بلحاظ مباين للحاظه نظير الدلالة الالتزامية ، أو يقتضي لحاظ العام بوجهه فيكون دخل لحاظ الخاصّ في لحاظ العام كونه محدداً لوجه العام كما إذا نظرت شبحاً فوضعت اللفظ لنوعه فان نوعه ليس ملحوظا بنفسه بل بوجهه وهو عنوان النوع إلا أن عنوان النوع لما كان أعم من نوع الشبح ونوع غيره والعام قد عرفت انه لا يكون وجها للخاص بنفسه احتيج في تقييد عنوان النوع ليكون وجها لنوع الشبح إلى ملاحظة الشبح الخارجي في المثال ، فتصور الخاصّ ـ وان كان دخيلا في تصور نوعه ـ إلا انه بالكيفية المذكورة أعني كونه محدداً لوجه نوعه لا كونه وجهاً لنوعه ، ومنه يظهر أن من أثبت قسما رابعاً ـ

٢١

أن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الأسماء ، وذلك لأن الخصوصية المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئياً خارجياً فمن الواضح ان كثيراً ما لا يكون المستعمل فيه كذلك ، بل كلياً ولذا التجأ

______________________________________________________

ممثلا له بمثال الشبح ـ لم يُثبت قسما رابعاً للمقسم في كلام النافين ، إذ هم منعوا من كون الخاصّ وجهاً للعام لا كونه محدداً لوجه فلعل النزاع في ثبوت القسم الرابع لفظي (١) (قوله : وذلك لأن الخصوصية) من المعلوم أن الوضع والاستعمال إنما يتعلقان بالصور الذهنية لا الخارجية إذ قد لا يكون المعنى خارجياً أصلا فضلا عن أن يكون جزئياً فالترديد في كلام المصنف (ره) لا بد ان يكون راجعاً إلى أن الصور الذهنية التي تستعمل فيها الحروف إن كان المراد من كونها جزئية انها حاكية عن الجزئيات الخارجية يلزم ما ذكر من المحذور ، وان كان المراد أنها حاكية عن الجزئيات الذهنية فتكون الصور المستعمل فيها الحروف معقولات ثانوية ففيه أيضا ما ذكره (٢) (قوله : كذلك) يعني جزئياً ، بل يكون كليا كما في قولك : سر من البصرة إلى الكوفة ، فان الابتداء والانتهاء المقيد بهما السير ليسا جزئيّين لعدم تحقق السير المقيد بهما ليتشخّصا (أقول) : المعاني الحرفية إضافات اعتبارية فجزئيتها بجزئية الاعتبار وحينئذ لا بد أن تكون جزئية والجامع بينها وان كان كلياً إلّا انه لا يحكي عنها بما أنه معنىً حرفي فمن وإلى في المثال المذكور حاكيتان عن شخص إضافة قائمة بين السير والبصرة ، وشخص آخر قائم بينه وبين الكوفة لا عن الكلي الجامع بين الإضافات المتماثلة ، فانه وان كان عنوانا كلياً إلا انه ليس مدلولاً عليه بمن وإلى بل بمثل الابتداء والانتهاء (ولا بأس) بالإشارة إلى معنى الحرف فنقول : اشتهر تعريف الحرف بأنه ما دل على معنىً في غيره ، وبأنه ما دل على معنىً غير مستقل بالمفهومية ، وتوضيح المراد منهما هو أن تصور الأمور المتكثرة (تارة) بنحو لا يكون بينها ربط كما لو سمعنا قائلا يقول : ثوب ، تمر ، جبل ، زيد ، فان مفاهيم الألفاظ المذكورة تحضر في الذهن بلا ربط لبعضها ببعض (وأخرى) بنحو يكون بينها ربط خاص كما إذا سمعنا القائل يقول :

٢٢

زيد قائم ، فان مفهوم كل من زيد وقائم يحضر في الذهن على ربط خاص يعبَّر عنه في كلامهم بالنسبة الحملية ، وكما إذا سمعنا قوله : قام زيد ، فان مفهوم كل من قام وزيد يحضر في الذهن على ربط خاص يعبر عنه بالنسبة الصدورية مثلا ، وهكذا الحال في جميع الجمل فان لمفرداتها ارتباطا خاصا فيما بينها ربما يعبر عنه بعبارة تخصه ، وربما لا يكون كذلك ، وهذا الربط اعتبار محض يكون تحت لحاظ الذهن إلا أنه يختلف لحاظه مع لحاظ كل من طرفيه ، فان كلاً من زيد ، وقائم في المثال الأول ملحوظ في نفسه في قبال صاحبه وليس كذلك حال الربط فانه ملحوظ تبعاً لا استقلالاً ، ونظيره في المحسوسات أن تنظر إلى نقطة في الكتاب فتقول : هي أحسن من غيرها ، فانك في حال النّظر إلى النقطة ترى ما حولها من الكلمات والسطور ، ولكنَّ النظرين يختلفان فان نظر النقطة أصلي ونظر ما حولها تبعي ، وكذلك حال الرّبط المعبر عنه بالإضافة والنسبة فان لحاظه ليس كلحاظ طرفيه بل لحاظه تبعي ولحاظهما أصلي ، وهذا هو المراد من كونه غير مستقل بالمفهومية ؛ وكذا كونه في غيره ، فإذا المعنى الحرفي ما كان لحاظه تبعياً على النحو المذكور فلو لوحظ الربط المذكور بالأصالة والاستقلال خرج عن كونه معنىً حرفياً وصار معنى اسمياً فلو قلت : نسبة القيام إلى زيد حملية أو صدورية ، كان ما يحكي عنه لفظ النسبة معنىً اسمياً لا حرفيا بل المعنى الحرفي هو الربط الخاصّ القائم بين النسبة والقيام يعبر عنه بالنسبة الإضافية ، وأوضح ما قيل في تعريفه : إنه ما يكون ملحوظاً بنحو لا يصح الحكم عليه ولا به ، بخلاف الاسم فانه يكون ملحوظاً بنحو يصح الحكم عليه وبه ، ولعل هذا هو مراد المصنف (قده) في قوله : لوحظ حالة لمعنى آخر ، وأنه في الذهن لا يكون إلا في مفهوم آخر كالعرض الّذي لا يكون في الخارج إلا في الجوهر لا ما قد يُتراءى من العبارة ، وإلا فجميع النسب لا تكون في الذهن إلا كذلك ولو لوحظت بذاتها مستقلة ـ مع أنها بذلك تكون معاني اسمية قطعاً يصح الحكم عليها وبها ضرورةً ، وكذا لعله أيضا مراد من قال : انه ما يكون عبرة لملاحظة حال الغير ، وإلا فربما يكون المفهوم الاسمي آلة لملاحظة

٢٣

بعض الفحول إلى جعله جزئياً إضافياً ـ هو كما ترى ـ وإن كانت هي الموجبة لكونه جزئياً ذهنياً

______________________________________________________

غيره كما في العناوين المرآتية مع أنها معان اسمية غاية الأمر أنها ما لوحظت بذاتها لذاتها ، بل لوحظت بذاتها بنظر الاستطراق إلى غيرها ، والمعنى الحرفي ليس كذلك بل يلحظ تبعاً لغيره بلا استطراق منه إليه «فإذا قلت» : سرت من البصرة ، ف (من) حاكية عن الربط الخاصّ بين السير والبصرة المعبر عنه بالابتداء وهكذا الحال في سائر الحروف فانها أبدا حاكية عن الإضافات الخاصة الملحوظة حسبما ذكرناه «إذا عرفت» هذا نقول : إما أن تكون الحروف موضوعة لهذه الإضافات الخاصة الملحوظة على النحو الخاصّ سواء أكان طرفاها جزئيين أم كليين أم مختلفين ، أو للجامع بينها ، وعلى الثاني فاما أن تكون مستعملة فيه أو في نفس تلك الإضافات الجزئية ، المشهور هو الأول والّذي عليه المصنف (قده) هو الثاني والثالث حكاه المصنف (قده) وجعله توهماً «أقول» : أما دعوى الاستعمال في الكلي فليس عليها شاهد ، بل هو على خلافها إذ المفهوم من الحروف دائما هو تلك الإضافات الجزئية لا الجامع بينها «ودعوى» أنها قد لا تكون جزئية (فيها) أن جزئية الإضافة بجزئية الاعتبار الحاصلة من تعين طرفي الإضافة في قبال العنوان الجامع بين الإضافات المتعددة ، وليست جزئيتها بتشخص خارجي لتكون كلية بكلية طرفيها فهي نظير مفهوم قولنا : المفهوم ، فانه كلي وأفراده مفهوم زيد ومفهوم الإنسان ، ونظير مفهوم المشار إليه فان أفراده كل ما يشار إليه سواء أكان كلياً أم جزئياً «فدعوى» الاستعمال في الجامع (مساوقة) لدعوى كون لفظ الحرف حاكياً عن الجامع بين الإضافات وليس كذلك ضرورة فان المفهوم منه هو الإضافات الخاصة لا غير. ثم بعد ما عرفت من كون الاستعمال في تلك الإضافات الخاصة لا مجال لدعوى كونها موضوعة للكليات لأنها حينئذ تكون مجازات بلا حقيقة وهو كما ترى (١) (قوله قده : بعض الفحول) حكي عن المحقق التقي في حاشيته (٢) (قوله : وهو كما ترى) إذ المناقشة ترجع إلى

٢٤

حيث أنه لا يكاد يكون المعنى حرفياً إلّا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به ويكون حاله كحال العرض فكما لا يكون في الخارج إلا في الموضوع كذلك هو لا يكون في الذهن الا في مفهوم آخر ، ولذا قيل في تعريفه بأنه ما دلّ على معنى في غيره ، فالمعنى وإن كان لا محالة يصير جزئياً بهذا اللحاظ بحيث يباينه إذا لوحظ ثانياً كما لوحظ أولا ولو كان اللاحظ واحداً ، إلا أن هذا اللحاظ لا يكاد يكون مأخوذاً في المستعمل فيه وإلا فلا بد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ ، بداهة أن تصور المستعمل فيه مما لا بد منه في استعمال الألفاظ ـ وهو كما ترى ـ مع أنه يلزم أن لا يصدق على الخارجيات لامتناع صدق.

______________________________________________________

التعبير. هذا ولكن عرفت معنى كونه جزئياً (١) (قوله : حيث أنه) بيان للخصوصية المقتضية لكونه جزئياً ذهنياً (٢) (قوله : جزئياً بهذا اللحاظ) يعني جزئياً ذهنياً بواسطة أخذ اللحاظ قيداً فيه لأن اللحاظات وجودات ذهنية متباينة تباين الوجودات الخارجية (٣) (قوله : مأخوذاً في المستعمل) كان الأنسب أن يقول : لأنه يتعذر الاستعمال فيه حينئذ وإلا لزم تعدد اللحاظ أحدهما المأخوذ في المستعمل فيه والآخر مصحح الاستعمال (٤) (قوله : وهو كما ترى) أولا من جهة تحقق الاستعمال للحروف في معانيها بلحاظ واحد بلا عناية أصلاً وثانياً بأن اللحاظين ان كانا موجودين في آن واحد لزم اجتماع المثلين ـ وهو ممتنع ـ وان كانا موجودين في آنين ففي آن اللحاظ الاستعمالي لا لحاظ للمعنى الحرفي بالنحو المميز له عن الاسم ، وقد يستشكل بأن الاستعمال في المعنى الملحوظ لا يوجب تعدد اللحاظ إذ الاستعمال كالوضع انما يتوقف على تصور المستعمل فيه وهو المعنى الملحوظ نظير تصور الكلي العقلي بمعنى إحضار صورة الموجود الذهني ولا يتوقف على إحضاره أولا ثم إحضاره ثانياً «وفيه» أن ذلك خلف لكون المفروض أن الاستعمال في الموضوع له وهو نفس المعنى الملحوظ حال الاستعمال لا الملحوظ آناً ما فلا بد في مقام الاستعمال من تحقق لحاظين فيرجع الإشكال. نعم

٢٥

الكلي العقلي عليها حيث لا موطن له الا الذهن فامتنع امتثال مثل : سر من البصرة ، إلا بالتجريد وإلغاء الخصوصية. هذا مع أنه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره في الحروف إلا كلحاظه في نفسه في الأسماء ، وكما لا يكون هذا اللحاظ معتبراً في المستعمل فيه فيها كذلك ذاك اللحاظ في الحروف كما لا يخفى (وبالجملة) : ليس المعنى في كلمة (من) ولفظ الابتداء مثلاً إلا الابتداء ، فكما لا يعتبر في معناه لحاظه في نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر في معناها لحاظه في غيره وآلة ، وكما لا يكون لحاظه فيه موجباً لجزئيته فليكن كذلك فيها «إن قلت» : على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى (ولازم) ذلك كون مثل كلمة (من) ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كل منهما في موضع الآخر وهكذا ساير الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح «قلت» : الفرق بينهما إنما هو في اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه والحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره ـ كما مرت الإشارة إليه غير مرة ـ فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجباً لعدم جواز استعمال

______________________________________________________

يمكن أن يستشكل فيه بأن اللحاظ المأخوذ قيداً فيه متعلق بالأمر الاعتباري أعني نفس الإضافة ، واللحاظ المصحح للاستعمال متعلق بالوجود الذهني وهما متغايران فلا مانع من اجتماعهما من حيث كونهما مثلين لتغاير متعلقهما. نعم اللحاظ الأول لما كان فانياً في الملحوظ الاعتباري امتنع أن يكون موضوعاً للحاظ ثانياً لأنه لا يكون كذلك حتى يلحظ مستقلا ، فتأمل (١) (قوله : الكلي العقلي) كان الأولى أن يقول : الجزئي الذهني ؛ لأن المعنى الحرفي في نفسه ليس كلياً طبيعياً ، ولو كان لا يكون بقيد وجوده الذهني كلياً عقلياً ، لأن الكلي العقلي هو الطبيعي المقيد بوصف الكلية وتقييده باللحاظ غير وصف الكلية فلاحظ (٢) (قوله : إلا بالتجريد) تجريده إنما يكون بملاحظته خارجياً وإلا فالكلي العقلي لا ينطبق على الخارج (٣) (قوله : حيث انه وضع الاسم) هذا الاختلاف اختلاف في

٢٦

أحدهما في موضع الأخر وان اتفقا فيما له الوضع ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن نحو إرادة المعنى لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته. ثم لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والإنشاء أيضا كذلك فيكون الخبر موضوعاً ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه والإنشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان اتفقا فيما استعملا فيه فتأمل. ثم إنه قد انقدح مما حققناه أنه يمكن أن يقال : إن المستعمل فيه في مثل أسماء الإشارة والضمائر أيضا عام وأن تشخصه إنما نشأ من قِبل طور استعمالها.

______________________________________________________

غاية الوضع لا في الموضوع له فلا يدفع الإشكال «فالتحقيق» : ما عرفت من أن الحرف موضوع لتلك الإضافات المتعينة بتعين طرفيها ، والاسم موضوع للمفاهيم الكلية وعدم صحة استعمال أحدهما في مقام الآخر لأجل توقفه على ملاحظة المناسبة الموقوفة على ملاحظة المعنيين مستقلا فيخرج المعنى الحرفي عن كونه كذلك ، والتجوز فيما بينهما ان كان فهو بملاحظة المناسبة بين متعلقاتها (١) (قوله : إرادة المعنى) يعني الإرادة الاستعمالية التي هي لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ.

(الخبر والإنشاء)

(٢) (قوله قده : في الخبر والإنشاء أيضا) الخبر في الاصطلاح هو الكلام الّذي يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه ، والإنشاء كلام ليس لنسبته خارج كذلك ، وكلاهما قسمان من المركب التام وهو ما يصح الاكتفاء به في مقام الإفهام ويقابله الناقص. ثم إن المفهوم على قسمين حقيقي واعتباري «والأول» لا يقبل ورود الإنشاء عليه بلا ريب ، بل وجوده تابع لوجود علته سواء أكان جوهراً أم عرضاً ، وكذا ما كان من الإضافات التي تكون لطرفيها هيئة كالفوقية والتحتية فانه لا يتوهم كونه مورداً للإنشاء بل اعتباره من منشأ معين يخصه ،

٢٧

واما الإضافات التي لا تكون كذلك فهي التي يدَّعى كونها مورداً للإنشاء بمعنى أنها تعتبر من مجرد الإنشاء بلا حاجة إلى أمر آخر وقد يكون منشأ اعتبارها غيره كالإتلاف الّذي يكون منشأ لاعتبار الضمان ، وموت الموروث الّذي يكون منشأ لاعتبار ملك الوارث لتركته وغير ذلك من الأسباب العرفية والشرعية. نعم لا يبعد القول بأن الأمور الاعتبارية التي يُدعى كونها مورداً للإنشاء أمور حقيقية تكون مورداً للإنشاء الادعائي فيكون إنشاؤها من قبيل الإنشاء الادعائي للأمر الحقيقي لا من قبيل الإنشاء الحقيقي للأمر الاعتباري ، والمصحح لهذا الادعاء هو المصحح لاعتبارها فمنشأ اعتبارها ليس هو الإنشاء ، بل هو مصحح ادعاء إنشائها ، مثلا القضاوة التي يدعى اعتبارها من مجرد إنشاء السلطان الّذي بيده الأمر ليس المصحح لاعتبارها نفس إنشائها بل المصحح التزام السلطان بتنفيذ قضاء من جُعلت له فإذا التزم السلطان بتنفيذ قضاء زيد صح اعتبار كونه قاضياً ، ولو قال : جعلتك قاضياً ، ولم يلتزم بذلك أو التزم برد قضائه لا يصح اعتبار كونه قاضياً ، فدوران الاعتبار وعدمه مدار الالتزام وعدمه كاشف عن ان الإنشاء مما لا دخل له في اعتبارها ، واما إنشاء القضاوة فهو من أجل تحقق الالتزام النفسيّ المصحح لادعاء كونه قاضياً ، ومنه يظهر أن إنشاء الطلب ، والوجوب ، والبعث ، والزجر ، والكراهة ، والإلزام ، وكثير من عناوين العقود والإيقاعات من الطلاق ، والنكاح ، والصلح ، والرهن ، والمساقاة ، والمزارعة والإجارة ، والوديعة ؛ والوقف ؛ إلى غير ذلك من قبيل الإنشاء الادعائي للأمر الحقيقي لا من قبيل الإنشاء الحقيقي لأمر اعتباري «وكيف كان» فإنشاء هذه العناوين ونحوها قد يكون بصيغ تخصه كصيغ الأمر التي هي مستعملة في إنشاء المادة على التحقيق ، ومثلها صيغ النهي ، وقد يكون بصيغ يشترك فيها الخبر فيتوقف دلالتها عليه على القرينة كصيغ العقود والإيقاعات التي هي بهيئة الماضي أو المضارع أو الخبر ، ولعل منها صيغة النهي أعني : لا تفعل ، وحينئذ يقع الكلام في أنها إنشاءً موضوعة لنفس معناها إذا استعملت خبراً فالمعنى الموضوع

٢٨

حيث أن أسماء الإشارة وُضعت ليشار بها إلى معانيها

______________________________________________________

له في (بعت) إنشاءً وخبراً واحد ، والاختلاف جاء من قبل الاستعمال من حيث قصد الحكاية أو قصد الإيجاد ـ كما لم يستبعده المصنف ـ أو أنها موضوعة للجامع بين المعاني المقصود إيجادها ، والخبر موضوع للجامع بين المعاني المقصود حكايتها عن الواقع ، أو انها موضوعة للمعاني الجزئية ؛ لأن المنشأ موجود بالإنشاء فيكون جزئياً؟ أقوال أو وجوه ، ويُبطل الأخير أن الجزئية الآتية من قبل الإنشاء يمتنع أن تؤخذ في المنشأ ، ويبطل الثاني لزوم تعدد الوضع بلا مقتض فيتعين الأول. هذا في الصيغ المشتركة ؛ وأما المختصة فلا مجال للكلام فيها. نعم لدعوى وضعها للجزئيات مجال لكن عرفت انه محال ولعله إلى هذا أشار بقوله فتأمل (١) (قوله : حيث أن أسماء الإشارة) لا ينبغي التأمل في أن الإشارة التي يُتوهم دخلها في معنى أسماء الإشارة هي الإشارة الذهنية إلى ما هو متعين عند المخاطب بنحو يكون كالمتعين الخارجي بالإشارة الخارجية الحسية لا الإشارة الخارجية ؛ وإلا فكثيراً ما تستعمل في معانٍ لا يشار إليها خارجاً ، بل يمتنع أن يشار إليها كذلك بلا عناية في استعمالها كذلك ، بل هو كاستعمالها في المشار إليه خارجاً. نعم التعين اللازم في معانيها المتوقف عليه الإشارة المذكورة قد يكون مستنداً إلى الإشارة الخارجية كما قد يكون مستندا إلى تقدم ذكره في كلام المتكلم أو المخاطب أو غيرهما ، ولأجل ذلك صارت معدودةً في المعارف كالمعرف باللام والمضاف ، ومنه يظهر أن المراد من كونها موضوعة للجزئيات أنها موضوعة لجزئيات مفاهيمها الكلية أعني جزئيات المفرد المذكر المشار إليه أو المؤنث أو الجمع أو غير ذلك سواء أكانت جزئيات في نفسها أم كليات لما عرفت من صحة الإشارة إلى ما ليس جزئيا حقيقاً خارجيا بلا تصرف ولا عناية ، وعلى هذا تشكل دعوى أنها موضوعة للمعنى العام كما ذكر المصنف (ره) إذ لا يفهم منها ذلك ولا تحكي عنه في الاستعمالات الجزئية لا بنفسه ولا مرآة للفرد بل

٢٩

وكذا بعض الضمائر ، وبعضها ليخاطَب بها المعنى ، والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى (فدعوى) أن المستعمل فيه في مثل هذا ، أو هو ، أو إياك ، إنما هو المفرد المذكر ، وتشخصه إنما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ إليه ، فان الإشارة أو التخاطب لا يكاد يكون الا إلى الشخص أو معه (غير مجازفة) فتلخص مما حققناه أن التشخص الناشئ من قِبَل الاستعمالات لا يوجب تشخص المستعمل فيه سواء كان تشخصاً خارجيا كما في مثل أسماء الإشارة أو ذهنياً كما في أسماء الأجناس ، والحروف ، ونحوهما من غير فرق في ذلك أصلا بين الحروف وأسماء الأجناس ، ولعمري هذا واضح ، ولذا ليس في كلام القدماء من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصاً في الحرف عين ولا أثر ،

______________________________________________________

المحكي بها نفس المعنى المتعين بالإشارة «وملاحظة» موارد الاستعمال كافية في الشهادة بما ذكرنا كيف ولعل استعمالها في المفهوم الكلي بأن يراد من لفظ (هذا) مفهوم المفرد المذكر المشار إليه ليس من الاستعمالات الصحيحة. نعم يصح استعمالها فيه بما انه مفهوم متعين يصح الإشارة إليه كما يشار إلى غيره من المفاهيم المتعينة ثم ان الكلام في الضمائر والموصولات هو الكلام في اسم الإشارة بعينه فتأمل جيداً (١) (قوله : وكذا بعض) كضمير الغائب لكن كون المراد من الإشارة فيه الإشارة الذهنية مما لا ينبغي التأمل فيه (٢) (قوله : يستدعيان التشخص) قد عرفت ان الإشارة الذهنية لا تستدعي التشخص وانما الّذي يستدعيه هو الإشارة الخارجية غير المعتبرة في استعمال أسماء الإشارة (٣) (قوله : إلى الشخص أو معه) (الأول) راجع إلى الإشارة (والثاني) راجع إلى التخاطب (٤) (قوله : كما في مثل أسماء) كيف تصح دعوى كون تشخص المشار إليه آتيا من قبل الاستعمال مع أنه أمر حقيقي يتوقف عليه الاستعمال بناءً على اعتبار الإشارة الخارجية فتأمل (٥) (قوله : ونحوهما) من جميع المعاني الكلية إذ الاستعمال لا بد فيه من لحاظ المعنى من دون فرق بين كون المستعمل فيه كليا أو جزئيا وهذا اللحاظ هو الموجب

٣٠

وإنما ذهب إليه بعض من تأخر ، ولعله لتوهم كون قصده بما هو في غيره من خصوصيات الموضوع له أو المستعمل فيه ، والغفلة عن أن قصد المعنى من لفظه على أنحائه لا يكاد يكون من شئونه وأطواره ، وإلا فليكن قصده بما هو هو وفي نفسه كذلك ، فتأمل في المقام فانه دقيق وقد زل فيه اقدام غير واحد من أهل التحقيق والتدقيق (الثالث) صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وُضع له هل هو بالوضع أو بالطبع؟ وجهان ، بل قولان أظهرهما أنه بالطبع ، بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه ، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه ، ولا معنى لصحته إلا حسنه ، والظاهر أن صحة استعمال اللفظ في نوعه أو مثله من قبيله كما تأتي الإشارة إلى تفصيله (الرابع) لا شبهة في صحة إطلاق اللفظ وإرادة نوعه به كما إذا قيل : ضرب مثلا فعل ماض أو صنفه كما إذا قيل : زيد في (ضرب زيد) فاعل ، إذا لم يُقصد به شخص القول ،

______________________________________________________

للجزئية الذهنية (١) (قوله : وإنما ذهب إليه) قد عرفت أنه الظاهر من الاستعمالات العرفية في الحروف والضمائر وأسماء الإشارة والموصولات. نعم لو لا ذلك كان المتعين القول بان الموضوع له فيها عام حيث يدور الأمر بين ان يكون كذلك وان يكون خاصاً إذ الثاني يحتاج إلى عناية لا داعي إليها والله سبحانه أعلم (٢) (قوله : لتوهم كون) بل لما عرفت مما لا مجال لدعوى غيره (٣) (قوله : بل قولان) المحكي عن الجمهور هو الأول لكنه نوعي ولم يتضح وجهه غير القياس على الحقيقة وفي إثبات مثله لذلك ولا سيما مع الفارق لتوقف الحقيقة على الوضع والاكتفاء بالمناسبة في المجاز وهي ذاتية منع واضح (٤) (قوله : من قبيله) يعني بالطبع (٥) (قوله : كما إذا قيل) في كونه من المستعمل في نوعه تأمل إذ المحكي به اللفظ الدال على الحدث ولا ينطبق على الحاكي كما سيظهر من آخر عبارة المتن ، ولو قال بدله : ضرب كلمة ، لكان أجود ، وكذا الحال في المثال الثاني ولو قال بدله : زيد في ضرب مرفوع ، لكان مما استعمل في

٣١

أو مثله ك (ضرب) في المثال فيما إذا قصد ، وقد أشرنا إلى ان صحة الإطلاق كذلك وحسنه إنما كان بالطبع لا بالوضع ، وإلا كانت المهملات موضوعة لذلك لصحة الإطلاق كذلك فيها ، والالتزام بوضعها كذلك كما ترى ، وأما إطلاقه وإرادة شخصه كما إذا قيل : زيد لفظ ، وأريد منه شخص نفسه ففي صحته بدون تأويل نظر ، لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول أو تركب القضية من جزءين ـ كما في الفصول ـ بيان ذلك أنه إن اعتبر دلالته على نفسه حينئذ

______________________________________________________

صنفه (١) (قوله : أو مثله) معطوف على نوعه وصنفه (٢) (قوله : كضرب) تمثيل لما استعمل في مثله يعني كما إذا قيل : ضرب فعل ماض ، ويقصد شخص (ضرب) الواقع في (ضرب زيد) فانه شخص مماثل له (٣) (قوله : وقد أشرنا) يعني في الأمر الثالث (٤) (قوله : صحة الإطلاق) أما الدلالة فهي بالقرائن الحالية أو المقالية (٥) (قوله : كما ترى) يعني يلزم خلف المفروض إلا أن يكون المراد بالمهمل ما لم يوضع لمعنى غير سنخ لفظه ولازمه نفي المهمل مطلقاً بل كون الألفاظ مشتركة بين المعنى الموضوع له وبين سنخ اللفظ وذلك ما لم يقل به أحد ـ كما في الفصول ـ والعمدة انه لا حاجة إلى الوضع لمثل هذه المعاني بعد صحة الاستعمال ضرورة جواز ان يخترع الواضع لفظاً ويقول : أضع هذا اللفظ لمعنى كذا ، فيستعمل اللفظ قبل وضعه لمعنى في نوعه أو صنفه ولا ريب في صحته (٦) (قوله : بدون تأويل) قد يشعر بجواز إرادة شخصه مع التأويل بان يكون المراد من قوله : زيد لفظ ، زيد هذا اللفظ لفظ ؛ فيكون الموضوع مقدراً لكن هذا كله ليس من إرادة شخص اللفظ من اللفظ بل عدم إرادة شيء منه (٧) (قوله : لاستلزامه اتحاد الدال) فان قلت : أي مانع من اتحاد الدال والمدلول (قلت) : الدال بمعنى فاعل الدلالة لا مانع من اتحاده مع المدلول كما تقول : أنا قمت : أما الدال بمعنى الحاكي الفاني في المدلول فيمتنع اتحاده معه لأن الدال ملحوظ باللحاظ الآلي والمدلول ملحوظ باللحاظ الاستقلالي ويمتنع اجتماع اللحاظين لشيء واحد

٣٢

لزم الاتحاد وإلّا لزم تركبها من جزءين لأن القضية اللفظية على هذا إنما تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع فتكون القضية المحكية بها مركبة من جزءين ـ مع امتناع التركيب إلا من الثلاثة ، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين (قلت) : يمكن أن يقال : إنه يكفي تعدد الدال والمدلول اعتبارا وإن اتحدا ذاتا ؛ فمن حيث انه لفظ صادر عن لافظه كان دالا ، ومن حيث أن نفسه وشخصه مراده كان مدلولا ـ مع أن حديث تركب القضية من جزءين لو لا اعتبار الدلالة في البين إنما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه وإلّا كان أجزاؤها الثلاثة

______________________________________________________

(١) (قوله : لزم الاتحاد) يعني بين الدال والمدلول (٢) (قوله : ضرورة استحالة) وعليه فتمتنع الحكاية عن النسبة لأنها لا تقوم بطرف واحد (٣) (قوله : يكفي تعدد الدال) يعني أن شخص اللفظ وان كان واحدا ذاتا إلا انه متعدد بالاعتبار فانه بلحاظ كونه صادراً عن اللافظ غيره بلحاظ كونه مراداً له فهو باللحاظ الأول دال وباللحاظ الثاني مدلول فلا يتحد الدال والمدلول (أقول) : حيثية كونه صادراً من اللافظ لا تتقوَّم بها صفة الدالية لأن الدلالة اللفظية انما تكون باللفظ من حيث هو ، وكذا المدلولية لا تتقوم بحيثية كونه مرادا للافظ لأن المحكي باللفظ ذات المعنى ولو مع عدم كونه مراداً كما سيأتي ـ مع أنه لو فرض كون الحيثيتين المذكورتين دخيلتين في الدلالة فالذات لا تكون خارجة عن كونها دالة ومدلولاً عليها إذ لا مجال لتوهم كون الحيثية الأولى تمام موضوع الدالية ، والحيثية الثانية تمام موضوع المدلولية ليتعدد الموضوع ذاتا أيضا ومجرد التعدد بالحيثيات مع اشتراك ذات واحدة بينهما موجب لاجتماع اللحاظين الآلي والاستقلالي (٤) (قوله : كان أجزاؤها الثلاثة) توضيح ذلك ان القضية الذهنية لا بد ان تكون أجزاؤها ثلاثة ، موضوع ومحمول ونسبة بينهما ؛ لامتناع تقوم النسبة بطرف واحد ، إلا ان الحاكي عنها قد يكون لفظاً أو كتابةً أو إشارةً وقد يكون صورة خارجية كما لو صورت أسدا مفترساً رجلاً فوضعته على قبر لتحكي أن الميت

٣٣

تامة وكان المحمول فيها منتسباً إلى شخص اللفظ ونفسه غاية الأمر انه نفس الموضوع لا الحاكي عنه ، فافهم فانه لا يخلو عن دقة ، وعلى هذا ليس من باب استعمال اللفظ بشيء ، بل يمكن أن يقال : إنه ليس أيضا من هذا الباب ما إذا أطلق اللفظ

______________________________________________________

افترسه سبع ، وقد يكون مؤلفا من سنخين من المذكورات كما لو أومأت إلى شخص فقلت : صديقي ، ونحوه من أنحاء التأليف ، وتشترك جميع هذه الأنواع في كون الحاكي فيها غير المحكي خارجاً وذهنا فانيا فيه فناء الحاكي في محكيه ، وقد يكون بعض أجزاء القضية غير محتاج إلى حاكٍ يحكي عنه لحضور صورته في الذهن بتوسط وقوع الحس على وجوده الخارجي ويكون الجزء الآخر للقضية لفظاً كما ترى الحاسب للحيوانات أو غيرها يقول ـ كلما مرّ به واحد منها ـ : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، فان القضية الأولى يحكيها الفرد الخارجي من الغنم مثلا مع قول الحاسب : واحد ، والثانية يحكيها الفردان من الغنم مع قوله : اثنان ، وهكذا وقد يكون الجزء الآخر كتابة كما ترى الجندي مكتوبا على (قلنسوته) اسم منصبه فتكون القضية مركبة من جزء بنفسه حاكٍ عن نفسه وجزء آخر محكي بالكتابة ، وقد يكون بتوسط لفظ حاكٍ عنه في كلام غير المتكلم كما إذا قيل : من هذا ، فتقول : زيد ، فان (زيد) خبر عن المشار إليه الحاكي عنه اسم الإشارة في كلام السائل ، ولا حاجة في أمثال هذه المقامات إلى التقدير ، ومنها موارد حذف الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والأفعال المستتر فيها الضمير وجوباً ، والتقدير في كلام النحاة في أمثال هذه المقامات من باب المحافظ ، على قواعد الفن ، ففي المقام نقول : إذا قال : زيد لفظ ، ولم يقصد من زيد معنىً وقصد حمل اللفظ عليه فهو قضية مؤلفة من وجود الموضوع خارجا الموجب لحضور صورته ذهناً ولفظ المحمول ، هذا في القضية الحاكية أما القضية الذهنية فإجزاؤها الثلاثة تامة وليس هذا من استعمال لفظ في معنىً ولا من اتحاد الدال والمدلول ، بل من باب إيجاد شيء بقصد إحضار صورته في الذهن لتكون موضوعا للقضية الذهنية (قوله : بل يمكن ان يقال)

٣٤

وأريد به نوعه ، أو صنفه ، فانه فرده ومصداقه حقيقة لا لفظه وذاك معناه كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى ؛ فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى المخاطب خارجاً قد أحضر في ذهنه بلا وساطة حاك وقد حكم عليه ابتداء بدون واسطة أصلا لا لفظه كما لا يخفى فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى ، بل فرد قد حكم في القضية عليه بما هو مصداق لكلي اللفظ لا بما هو خصوص جزئيه. نعم فيما إذا أريد به فرد آخر مثله كان من قبيل استعمال اللفظ في المعنى ، اللهم إلا ان يقال : إن لفظ (ضرب) وان كان فرداً له إلّا انه إذا قصد به حكايته وجُعل عنوانا له ومرآته كان لفظه المستعمل فيه ، وكان حينئذ كما إذا قصد به فرد مثله (وبالجملة) فإذا أطلق وأريد به نوعه كما إذا أريد به فرد مثله كان من باب استعمال اللفظ في المعنى وإن كان فرداً منه وقد حكم في القضية بما يعمه ، وإن أطلق ليحكم عليه بما هو فرد كليه ومصداقه لا بما هو لفظه وبه حكايته فليس من هذا الباب لكن الإطلاقات المتعارفة ظاهراً ليست كذلك كما لا يخفى وفيها ما لا يكاد يصح ان يراد منه ذلك مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعم شخص اللفظ كما في مثل ضرب فعل ماض (الخامس) لا ريب في كون الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي لا من حيث هي مرادة للافظها لما عرفت بما لا مزيد عليه من أن قصد المعنى

______________________________________________________

(١) هذا خلاف الظاهر من أمثال هذه الاستعمالات (٢) (قوله : بما هو مصداق لكلي) لا يخفى أن الحكم على الشيء بما هو مصداق كليه وان كان لا يخرج عن كونه حكما على الشخص ولأجله تكون القضية شخصية لكن الحكم المذكور يدل بالالتزام على ثبوت الحكم للكلي (٣) (قوله : اللهم إلّا ان يقال) استدراك على قوله : بل يمكن أن يقال ... إلخ (٤) (قوله : إذا قصد به) قد عرفت أنه الظاهر من هذه الاستعمالات كما سيأتي منه (٥) (قوله : وفيها ما لا يكاد ... إلخ) قد أشرنا إلى ان الحكم في المثال ليس حكما على النوع فكلما كان حكما على النوع

٣٥

على أنحائه من مقوِّمات الاستعمال فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه هذا مضافا إلى ضرورة صحة الحمل والإسناد في الجمل بلا تصرف في ألفاظ الأطراف ـ مع انه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صح بدونه ، بداهة أن المحمول على زيد في زيد قائم

______________________________________________________

يجوز فيه الأمر ان بلا خلف نعم يمتنع شمول الحكم لنفس اللفظ لأنه ملحوظ باللحاظ الآلي فيمتنع ان يكون للحكم إطلاق يشمله نظير قوله : كل خبري كاذب ، (١) (قوله : فلا يكاد يكون ... إلخ) لما تقدم من لزوم تعدد اللحاظ وعدم الانطباق على الخارج ولا يرد إشكال التفكيك بين الاسم والحرف لعدم اختصاص الدعوى في المقام بنوع دون نوع هذا لو أريد أنه موضوع للمراد الذهني بما هو كذلك ولو أريد أنه موضوع للمعنى الواقعي الّذي له مطابق ذهني لم يرد عليه إشكال عدم الانطباق على الخارج لجواز انطباق المعنى المذكور على الخارج إذا كان له مطابق في الذهن. هذا كله لو كان المراد من الإرادة المتوهم أخذها في الموضوع له الإرادة الاستعمالية التي هي لحاظ المعنى فانيا فيه اللفظ كما هو مقتضى الجمود على ظاهر تحرير محل النزاع هنا وفي الفصول ولو أريد من الإرادة تفهيم إرادة المعنى التي هي علة الاستعمال يرد عليه نظير الإشكال الأول أعني لزوم تعدد الإرادة لو أريد استعماله فيما وضع له ـ مضافا ـ إلى أن إرادة تفهيم المعنى علة للوضع للمعنى نفسه فلو وضع للمعنى المقيد بالإرادة لزم انفكاك المعلول عن علته وهذا الإشكال يرد في الحروف لو أخذ اللحاظ قيدا في معانيها وكذا يرد هنا على تقدير إرادة المعنيين السابقين (٢) (قوله : ضرورة صحة الحمل) لم يورد هذا الإيراد في معاني الحروف لأنها لا تقع طرفا للنسبة الحملية وصورة القياس المؤلف من مقدمات هذا الإشكال هكذا : لو كانت الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة لم يصح الإسناد والحمل بلا تصرف ، لكنه يصح كل منهما بلا تصرف ، فليست موضوعة للمعاني المرادة ، أما المقدمة الأولى فظاهرة لأن المعاني المرادة جزئيات ذهنية ، لما عرفت من معنى الإرادة الاستعمالية ، والجزئيات الذهنية لا يصح اسناد مثل (قام) إليها سواء

٣٦

والمسند إليه في ضرب زيد ، مثلا هو نفس القيام والضرب ، لا بما هما مراد ان ـ مع أنه يلزم كون وضع عامة الألفاظ عاماً والموضوع له خاصاً لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ ، فانه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإرادة فيه كما لا يخفى وهكذا الحال في طرف الموضوع

______________________________________________________

أكان المراد منه القيام الخارجي أم الذهني لعدم النسبة ، وكذا لا يصح حمل بعضها على بعض لتباينها فالإسناد إليها والحمل عليها يتوقف على التصرف فيها بملاحظتها خارجية وهذا تجريد لها عن قيد اللحاظ ، وأما أنه يصح الحمل والإسناد بلا تصرف فلضرورة صدق قولنا : ضرب زيد ، وزيد قائم ، بلا تصرف ولا عناية فتصدق النتيجة ، ويمكن أن يقرر الإشكال بنحو آخر فيقال : لا ريب في أن قول القائل : ضرب زيد أو زيد قائم إنما يراد به نسبة الضرب بما هو إلى زيد ، وحمل القيام بما هو أيضا على زيد كذلك ، كما لا ريب في كون الإسناد والحمل المذكورين بلا تصرف وتجوز في الألفاظ فلا بد ان تكون الألفاظ موضوعة لنفس الذوات المذكورة بما هي هي لا بما هي مرادة ، وعبارة المتن إلى التقريب الثاني أقرب وعليه يجري على جميع محتملات الإرادة بخلاف التقريب الأول فانه لا يجري إلا على الأول «وكيف كان» فقوله : مع أنه لو ، من متممات الإشكال لا إشكال آخر (١) (قوله : والمسند إليه) معطوف على المحمول والضمير المجرور راجع إلى زيد لا إلى الموصول (٢) (قوله : مع انه يلزم كون ... إلخ) هذا إشكال آخر على القول المذكور «ووجه» اللزوم أن الموضوع له إذا كان المقيد بالإرادة تمتنع دعوى التقييد بمفهوم الإرادة ضرورة أنه لا يُفهم من اللفظ فلا بد أن يكون التقييد بالإرادات الجزئية فيكون الموضوع له خاصاً سواء أكان من قبيل أسماء الأجناس أم من قبيل الأعلام أما الأول فلأن المعنى في نفسه وإن كان كلياً إلا أنه بعد تقييده بالإرادة يكون عين تلك الأفراد المقيدة ، وأما الثاني فلأن المعنى في نفسه وإن كان جزئياً خارجاً لكن بعد تقييده بالإرادات

٣٧

(وأما) ما حكي عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الإرادة ، فليس ناظراً إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة ـ كما توهمه بعض الأفاضل ـ بل ناظراً إلى أن دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية : أي دلالتها على كونها مرادة للافظها ، تتبع إرادتها منها ، وتتفرع عليها تبعية

______________________________________________________

المتعددة المتباينة يتعدد وينحل إلى المتباينات (١) (قوله : وأما ما حكي عن العلمين) بل حكي عن أكثر المحققين من علماء المعقول والمنقول (٢) (قوله : فليس ناظراً إلى) قال بعض مشايخنا «قده» في كلام له في هذا المقام ـ : ليس للنزاع في كون الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة عين ولا أثر في كلام القدماء ، وإنما حكي عن العلمين القول بأن الدلالة تتبع الإرادة فظن صاحب الفصول (ره) أنهما يقولان بأن الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة ، انتهى ملخصاً (٣) (قوله : بعض الأفاضل) يعني صاحب الفصول لكن ظاهره نوع خاص منها فليلحظ ، (٤) (قوله : بل ناظرا إلى أن دلالة) توضيح ما ذكره المصنف (ره) في محمل كلام العلمين أن الكلام الصادر من المتكلم له دلالتان إحداهما الدلالة التصورية وهي دلالته على نفس المعنى التي هي عبارة عن خطوره وحضوره في الذهن (ثانيتهما) الدلالة التصديقية ، وهي دلالته على أن المتكلم أراد من الكلام معناه (والأولى) منهما لا تتوقف على إرادة المعنى بل ولا على الوضع كما في دلالته الالتزامية حيث لا يكون المدلول الالتزامي موضوعاً ولا مراداً للافظ ، وكذا في اللفظ الصادر ممن لا شعور له ، فان المعنى يخطر في البال بمجرد سماع اللفظ ولو علم بعدم إرادة اللافظ له (وأما) الثانية فهي التي تتوقف على الإرادة توقف العلم على المعلوم لتعلقها بالإرادة فكيف تكون بدونها فمراد العلمين من تبعية الدلالة للإرادة تبعية الدلالة الثانية لها وهو في محله «أقول» : قال الشيخ الرئيس في محكي الشفاء : إن اللفظ بنفسه لا يدل البتة ، ولو لا ذلك لكان لكل لفظ حق من المعنى

٣٨

مقام الإثبات للثبوت ، وتفرع الكشف على الواقع المكشوف ، فانه لو لا الثبوت في الواقع لما كان للإثبات والكشف والدلالة مجال ، ولذا لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة في إثبات إرادة ما هو ظاهر كلامه ، ودلالته على الإرادة ، وإلا لما كانت لكلامه هذه الدلالة وإن كانت له الدلالة التصورية : أي كون سماعه موجباً لإخطار معناه الموضوع له ، ولو كان من وراء الجدار أو من لافظ بلا شعور ولا اختيار (إن قلت) : على هذا يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ

______________________________________________________

لا يجاوزه ، بل انما يدل بإرادة اللافظ ... إلى أن قال : فالمتكلم باللفظ المفرد لا يريد أن يدل بجزئه على جزء من معنى الكل ... إلى أن قال : وبالجملة فانه إن دل فانما يدل لا حين ما يكون جزءاً من اللفظ المفرد بل إذا كان لفظا قائما بنفسه ، فاما وهو جزء فلا يدل على معنىً البتة. انتهى ، وقال العلامة «ره» في جوهر النضيد في البحث عن إشكال انتقاض تعريفات الدلالات الثلاث بعضها ببعض فيما لو كان اللفظ مشتركاً بين الكل والجزء أو اللازم : ولقد أوردت عليه ـ يعني المحقق الطوسي ـ «قدس روحه» هذا الإشكال ، وأجاب بأن اللفظ لا يدل بذاته على معناه بل باعتبار الإرادة والقصد واللفظ حينما يراد منه المعنى المطابقي لا يراد منه المعنى التضمني فهو انما يدل على معنى واحد لا غير وفيه نظر انتهى ، والتأمل في كلامهما يقضي بأن المراد أن الدلالة على المعنى التي هي الدلالة التصورية تابعة للإرادة ، بل كلام الثاني صريح في ذلك ولا سيما بملاحظة ظهوره في تبعية الدلالة الالتزامية للإرادة إذ من المعلوم ان الدلالة الالتزامية تصورية لا تصديقية (١) (قوله : مقام الإثبات) أي مقام العلم بالثبوت الواقعي (٢) (قوله : ولذا لا بد) هذا لا يقتضي التفريع إذ الاحتياج إليه لأجل تحقق الظهور النوعيّ الصالح للدلالة فتأمل (٣) (قوله : ودلالته) معطوف على إثبات (٤) (قوله : ولو كان من وراء الجدار) لو أبدله بقوله : ولو كان من الجدار ، لكان أولى

٣٩

والقطع بما ليس بمراد ، والاعتقاد بإرادة شيء ولم يكن له من اللفظ مراد (قلت): نعم لا يكون حينئذ دلالة ، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة ، ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية على ما بيناه واضح لا محيص عنه ، ولا يكاد ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظراً إلى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل فضلا عمن هو علم في التحقيق والتدقيق.

(السادس) لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ضرورة عدم الحاجة إليه بعد وضعها

______________________________________________________

(١) (قوله : والقطع بما) أي عند القطع بإرادة المتكلم ما ليس مراداً له في الواقع (٢) (قوله : لا تكون حينئذ دلالة بل) أقول : إنكار تحقق دلالة اللفظ مع عدم الإرادة واقعاً أو مع العلم بعدمها مجال إشكال ، فان سند الإنكار إن كان مقدمية وجود الإرادة واقعاً للدلالة (ففيه) أن الوجود الواقعي لا صلاحية فيه للمقدمية للوجود العلمي ؛ وان كان مقدمية العلم بالإرادة للعلم بالدلالة فهو ـ لو سلم لا يقتضي توقف الدلالة على الإرادة ـ مضافا إلى أن دلالة اللفظ على شيء إرادة كان أو غيرها متقوِّمة بظهوره في المدلول ، ومن المعلوم تحقق الظهور للفظ وإن لم تكن إرادة في الواقع. نعم مطابقة الظهور للواقع موقوفة على الإرادة لكنه خارج عن محل الكلام ، كما أن العلم الحقيقي بالإرادة ملازم للإرادة لكنه ليس من مقتضيات الكلام إذ العلم بالإرادة إنما يحصل من أسباب خاصة لا من نفس الكلام فلا وجه لدعوى دلالة الكلام على الإرادة بل اللازم نسبة الدلالة على الإرادة إلى تلك الأسباب الموجبة للعلم بها لا إلى الكلام فلاحظ ، (٣) (قوله : على ما بيناه واضح) قد عرفت أنه مشكل في نفسه ، وأشكل منه حمل كلامهما عليه والتأمل في كلامهما يقتضي بأن مرادهما نفي الدلالة التصورية اللفظية التي هي اصطلاحا من عوارض اللفظ المستعمل في معنى (٤) (قوله : لا وجه لتوهم وضع) كأنه لا إشكال في ثبوت وضع مواد المركبات وهيئاتها القائمة بالمركب

٤٠