حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب بحيث كان أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوباً في الجملة وان لم يكن بتمام المطلوب إلّا انه لا بد في إثبات انه بهذا النحو من دلالة ولا يكفي الدليل على الوقت الا فيما عرفت ومع عدم الدلالة فقضية أصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت فتدبر جيداً

______________________________________________________

على (ثبوت) يعني مقتضى الإطلاق حمل التقييد على كونه تقييداً لبعض مراتب المصلحة لا أصل المصلحة (١) (قوله : بهذا النحو) يعني نحو تعدد المطلوب وكذا النحو الأول أيضا إذ لا بد في البناء عليه من دلالة (٢) (قوله : فيما عرفت) يعني فيما يكون لدليل الواجب إطلاق ولا يكون إطلاق لدليل التقييد وكان الأنسب التعبير بقوله : ولا يكفي الدليل على الواجب الموقت (٣) (قوله : ولا مجال لاستصحاب) والوجه فيه ما سيأتي في تنبيهات الاستصحاب من أن الزمان إذا أخذ قيداً للفعل كان الفعل المقيد به غير الفعل الواقع في خارجه فتسرية الحكم من الأول إلى الثاني من قبيل تسرية الحكم من موضوع إلى آخر فيكون من القياس لا من الاستصحاب لأنه يعتبر في صحة الاستصحاب وحدة الموضوع ليتحقق الإبقاء الّذي هو قوام الاستصحاب ، مثلا الصوم يوم الجمعة غير الصوم يوم السبت فإذا ثبت الوجوب للأول وشك في وجوب الثاني لا يكون رفع اليد عن وجوبه نقضاً لليقين السابق فيرجع في وجوب الثاني إلى أصالة البراءة «أقول» : هذا وإن ذكره المصنف (ره) وشيخنا الأعظم (ره) في ذلك المقام ، لكن قد يشكل بأنه مبني على الرجوع في اتحاد موضوع الاستصحاب إلى الدليل أما لو كان المرجع فيه العرف فالموضوع في نظره واحد ويصح ان يقال : كانت الصلاة واجبة فهي على ما كانت ، وسيأتي إن شاء الله توضيح ذلك في محله.

٣٤١

فصل

الأمر بالأمر بشيء أمر به لو كان الغرض حصوله ولم يكن له غرض في توسيط أمر الغير به الا بتبليغ أمره به كما هو المتعارف في أمر الرسل بالأمر أو النهي وأما لو كان الغرض من ذاك يحصل بامره بذلك الشيء من دون تعلق غرضه به أو مع تعلق غرضه به لا مطلقا بل بعد تعلق أمره به فلا يكون أمراً بذاك الشيء كما لا يخفى وقد انقدح بذلك أنه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر على كونه أمراً به ولا بد في الدلالة عليه من قرينة عليه

______________________________________________________

(الأمر بالأمر)

(١) (قوله : حصوله) يعني حصول ذلك الشيء الّذي أمر بالأمر به (٢) (قوله : ولم يكن له غرض) يعني ولم يكن للآمر بالأمر غرض في أمر الغير المأمور بالأمر (أقول) : مجرد وجود غرض في الأمر الثاني لا يمنع من كون الأمر الأول امراً بالفعل ما لم يكن الغرض من الفعل منوطاً بالأمر الثاني كما سيشير (ره) إليه (٣) (قوله : يحصل بامره) بحيث يكون الأمر تمام موضوع الغرض (٤) (قوله : بعد تعلق) بحيث تكون نسبة الأمر إلى الغرض في الفعل نسبة شرط الوجوب إليه (٥) (قوله : فلا يكون أمراً بذاك) اما في الأول فظاهر لعدم الغرض في الفعل أصلاً وأما في الثاني فيكون مأموراً به بشرط الأمر من المأمور بالأمر. ثم ان الثمرة المترتبة على النزاع المذكور شرعية عبادة الصبي بمجرد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، ونحوه مما ورد في أمر الولي للصبي «أقول» : يمكن إثبات شرعية عبادة الصبي بعموم أدلة التشريع مثل قوله تعالى : كتب عليكم الصيام ، وأقيموا الصلاة ، ونحوهما مما يعم البالغ وغيره ، وحديث : رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم لا يقتضي أكثر من رفع الإلزام لأنه وارد مورد الامتنان وحينئذ فيكتفي بعبادته لو فعلها في الوقت ثم بلغ ولا يحتاج إلى الإعادة (٦) (قوله : من قرينة عليه) الظاهر ثبوت القرينة النوعية على كون الأمر بالأمر من قبيل الأمر بالتبليغ

٣٤٢

فصل

إذا ورد أمر بشيء بعد الأمر به قبل امتثاله فهل يوجب تكرار ذاك الشيء أو تأكيد الأمر الأول والبعث الحاصل به؟ قضية إطلاق المادة هو التأكيد فان الطلب تأسيساً لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين من دون أن يجيء تقييد لها في البين ولو كان بمثل مرة أخرى كي يكون متعلق كل منهما غير متعلق الآخر كما لا يخفى ، والمنساق من إطلاق الهيئة وان كان هو تأسيس الطلب لا تأكيده إلا أن الظاهر هو انسباق التأكيد عنها فيما كانت مسبوقة بمثلها ولم يذكر هناك سبب ، أو ذكر سبب واحد.

______________________________________________________

الملحوظ فيه التبليغ طريقا وليس جاريا مجرى الأوامر في كون الغرض في متعلقاتها (١) (قوله : أو تأكيد الأمر) يعني فيكفي في الامتثال وجود واحد (٢) (قوله : إطلاق المادة) يعني مادة الأمر الثاني فان إطلاقها يقتضي اتحادها مع مادة الأمر الأول فيكون المأمور به فيهما مفهوما واحداً يتحقق بوجود واحد (٣) (قوله : ولو كان بمثل) (لو) وصلية يعني بأن يقول : افعله مرة أخرى (٤) (قوله : كي يكون) فان متعلق الأول الوجود الأول ومتعلق الثاني الوجود الثاني (٥) (قوله : من إطلاق الهيئة) يعنى بالإطلاق الأصل المعول عليه في باب دلالة الكلام مع عدم القرينة على خلافه (٦) (قوله : هو تأسيس) يعني طلباً آخر غير الطلب الأول فيكون موضوعه غير موضوع الأول وامتثاله بغير امتثاله (٧) (قوله : أو ذكر سبب واحد) يعني فيهما أما لو ذكر سبب في أحدهما دون الآخر حمل على التأسيس ووجب التكرار كما لو قيل : أعتق رقبة ، ثم قيل : إذا أفطرت فأعتق رقبة ، وكذا لو ذكر سببان مثل : ان ظاهرت فأعتق رقبة ، وإن أفطرت فأعتق رقبة ، وسيأتي ذلك في مفهوم الشرط.

٣٤٣

المقصد الثاني في النواهي

(فصل)

الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الأمر بمادته وصيغته غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود وفي الآخر العدم فيعتبر فيه

______________________________________________________

(المقصد الثاني في النواهي)

(١) (قوله : بمادته وصيغته) المراد من مادة النهي مادة الاشتقاق ل (نهى) ينهى نهياً ، ومن صيغته : لا تفعل ، ونحوه مما هو بمعناه يعنى كما أن مادة الأمر وصيغته دالتان على الطلب كذلك مادة النهي وصيغته وانما الفرق بينهما أن الطلب المدلول عليه بالأولتين متعلق بالوجود والمدلول عليه بالآخرتين متعلق بالعدم «أقول» : قد عرفت الإشارة إلى أن الوجود ليس مأخوذاً في مفهوم الأمر فانه قد يتعلق بالعدم كما يتعلق بالوجود فيقال : أمره بالترك كما يقال : أمره بالفعل ، وكذلك صيغته فانها قد تكون مادتها الترك مثل : اترك ، وكذلك العدم ليس مأخوذاً في مفهوم النهي فانه يتعلق بالوجود كما يتعلق بالعدم فيقال : نهاه عن الفعل كما يقال : نهاه عن الترك ، وكذلك صيغته فيقال : لا تفعل ؛ كما يقال : لا تترك ، فالتحقيق أن النهي بمادته ضد الأمر يتوارد معه على أمر واحد وجود أو عدم فهو يقتضي الزجر عنه والأمر يقتضي البعث إليه. نعم لا بد أن يراد من متعلقه سواء أكان فعلاً أم تركا ، ما هو بالحمل الشائع فعلا أو تركا لا نفس المفهومين من حيث هما فمعنى النهي عن القيام الزجر عنه والمنع عن القيام الخارجي الّذي هو الوجود القيامي ويلازمه طلب عدمه ، كما أن معنى الأمر بالقيام البعث إليه ويلازمه النهي عن عدمه كما تقدم في مبحث الضد ، وأما صيغته فقد عرفت أن معنى الخبر والإنشاء واحد وإنما الاختلاف بينهما بقصد الحكاية عن ثبوته في الخبر وقصد إثباته في الإنشاء فيكون معنى لا تفعل ـ خبراً

٣٤٤

ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلا. نعم يختص النهي بخلافٍ وهو أن متعلق الطلب فيه هل هو الكف أو مجرد الترك وان لا يفعل؟ والظاهر هو الثاني (وتوهم) أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار فلا يصح ان يتعلق به البعث

______________________________________________________

وإنشاء ـ واحدا وحيث انها إذا استعملت خبراً كانت حاكية عن النسبة السلبية المقابلة للنسبة الإيجابية مقابلة نسبة الفصل بين الشيئين لنسبة الوصل بينهما فإذا كانت إنشاء تكون موحدة للنسبة السلبية المذكورة فحقيقة : لا تفعل ، على هذا جعل النسبة السلبية بين المخاطب وبين فعله كما أن حقيقة : تفعل ؛ ونحوها من الجمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب جعل النسبة الثبوتية غاية الأمر أن الجعل في المقامين ادعائي لا حقيقي وكما أن جعل النسبة الثبوتية ـ ولو ادعاء ـ ظاهر ولو بقرينة المقام في إرادة الفعل المثبت ولأجل ذلك يجب عقلا ؛ كذلك جعل النسبة السلبية ظاهر في كراهة الفعل المسلوب ولأجل ذلك يحرم عقلا ؛ ومن ذلك يظهر أن النهي بمادته وهيئته انما يحكي عن كراهة المنهي عنه وان كان يلزمها إرادة نقيضه كما أن الأمر بمادته وهيئته يحكي عن إرادة المأمور به الملزومة لكراهة نقيضه كما تقدم في الضد العام (وتوهم) أن جعل النسبة السلبية يحكي عن تعلق الإرادة بها ويلزمها كراهة المسلوب عكس ما ذكرنا (مندفع) بأن النسبة السلبية معنى حرفي لا يكون موضوعا للإرادة أو الكراهة وإنما موضوعهما المثبت والمسلوب كما يظهر بالتأمل والله سبحانه أعلم (١) (قوله : ما استظهرنا) يعني ما تقدم من اعتبار العلو والوجوب في مفهوم الأمر المقتضي لاعتبارهما في مفهوم النهي أيضا (٢) (قوله : هل هو الكف) المراد بالكف فعل ما يوجب انزجار النّفس عن إرادة الشيء فهو أمر وجودي بخلاف الترك فانه عدم محض. ثم إن مقتضى ما عرفت من معنيي المادة والصيغة أن هذا الخلاف ينبغي أن يكون في لازم مدلولهما أو في مدلول الأمر لو تعلق بالترك (٣) (قوله : وتوهم ان الترك) هذا دليل القول الأول (وتوضيحه) أنه يعتبر في متعلق التكليف عقلاً أن يكون مقدوراً والترك ليس مقدوراً لأن القدرة صفة في القادر يترتب عليها الأثر والترك عدم محض لا يصلح أن يكون

٣٤٥

والطلب (فاسد) فان الترك أيضا يكون مقدوراً وإلّا لما كان الفعل مقدوراً وصادراً بالإرادة والاختيار وكون العدم الأزلي لا بالاختيار لا يوجب ان يكون كذلك بحسب البقاء والاستمرار الّذي يكون بحسبه محلا للتكليف (ثم) إنه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الأمر وان كان قضيتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة متعلقهما بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الأمر مرة والنهي أخرى ضرورة أن وجودها يكون بوجود فردٍ واحد وعدمها لا يكاد يكون إلا بعدم الجميع كما لا يخفى

______________________________________________________

أثراً للقدرة مترتباً عليها فان العدم لا يترتب على الوجود كيف والعدم الأزلي سابق على القدرة فكيف يستند إليها مع حدوثها وتأخرها (١) (قوله : فان الترك أيضا) حاصله ان نسبة القدرة إلى الوجود والعدم نسبة واحدة بمعنى انه إذا كان أحدهما مقدوراً لا بد ان يكون الآخر كذلك والقدرة على أحدهما خاصة دون الآخر اضطرار لا قدرة ، فإذا اعترف المستدل بأن الوجود مقدور لزمه الاعتراف بأن العدم كذلك ؛ فيصح كونه مورداً للتكليف ، ومنشأ هذا التوهم تخيل أن اعتبار القدرة عقلاً في متعلق التكليف بمعنى لزوم كونه أثراً للقدرة وليس كذلك بل بمعنى كونه أحد عدلي القدرة وان كان تأثيرها يختص بأحدهما وهو الوجود ، وأما ما في الفصول من أن دعوى أن العدم المحض لا يصلح أثراً للقدرة مصادرة ... إلخ فغير ظاهر (٢) (قوله : بحسب البقاء) فان العدم بحسبه عدم للقدرة وان لم يكن الأزلي كذلك (٣) (قوله : ضرورة ان وجودها) قد عرفت أن الحصص المتكثرة وجوداً لما كانت مجتمعة تحت وحدة مشتركة بينها هي الطبيعة فكل وجود من تلك الوجودات يصح أن يضاف إلى الجهة الواحدة كما يصح أن يضاف إلى الحصة الخاصة فوجود زيد وجود لحصة من الإنسان ووجود للإنسان الطبيعي ولأجل ذلك صار يكفي في وجود الطبيعة وجود فرد ولا يكفي في عدمها

٣٤٦

ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة مطلقة

______________________________________________________

عدم فرد بل لا بد من عدم جميع الافراد إذ لو وُجد بعض الافراد وعُدم البعض الآخر فصدق وجود الطبيعة وعدمها لزم اجتماع النقيضين فلا بد اما ان لا يصدق على وجود الفرد أنه وجود للطبيعة أو يصدق ولا يكون عدمها الا بعدم جميع الافراد وحيث انه يصدق ضرورة فلا يكون عدم الطبيعة الا بعدم تمام افرادها فيكفي في امتثال الأمر وجود واحد للطبيعة ولا يكفي في امتثال النهي الا ترك جميع الافراد ليتحقق عدمها (أقول) : حيث عرفت أن النهي ـ مادة وهيئة ـ دال على كراهة الطبيعة فمقتضى إطلاقه كراهة كل فرد فيقتضي الزجر عن كل فرد ولا يتحقق امتثاله إلا بترك كل فرد (١) (قوله : ومن ذلك يظهر) يعني إذا ثبت أن عدم الطبيعة انما يكون بعدم جميع الافراد فإذا كان النهي متعلقا بالطبيعة مطلقا من دون تقييد لها بزمان بعينه كان مقتضى إطلاقها إرادة ما يعم الافراد الدفعيّة والتدريجية فعدمها إنما يكون بعدم جميع أفرادها الدفعيّة والتدريجية فلا يتحقق امتثال النهي إلا بترك جميع الافراد الدفعيّة والتدريجية وهذا عين الدوام والاستمرار (أقول) : إذا كان المطلوب بالنهي عدم الطبيعة فعدم الافراد الدفعيّة والتدريجية حاصل في الزمان الأول فالترك في أول الأزمنة ترك لجميع الأفراد المذكورة فيكون امتثالا للنهي ومسقطا له فلا موجب للاستمرار ، بل التحقيق ما عرفت الإشارة إليه من أن مادة النهي وهيئته حاكيتان عن الكراهة وكراهة الطبيعة المطلقة كراهة لجميع افرادها فإذا كان إطلاق الطبيعة يقتضي شمول الافراد الدفعيّة والتدريجية فالكراهة لها تقتضي كراهة جميع الافراد الدفعيّة والتدريجية فيتوقف امتثال النهي على ترك الافراد في تمام الأزمنة لأن كل ما يفرض من الافراد في الأزمنة اللاحقة معروض للكراهة ففعله مخالفة وتركه موافقة للنهي (وان شئت) قلت : مادة النهي مفادها الزجر فالإطلاق يقتضي الزجر عن الطبيعة المطلقة والزجر عن المطلق زجر عن جميع افراده فالأفراد التدريجية إذا كانت افراداً

٣٤٧

غير مقيدة بزمان أو حال فانه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة إلا بعدم جميع أفرادها الدفعيّة والتدريجية (وبالجملة) قضية النهي ليس إلّا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له كانت مقيدة أو مطلقة وقضية تركها عقلا انما هو ترك جميع افرادها (ثم) انه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف أو عدم إرادته بل لا بد في تعيين ذلك من دلالة

______________________________________________________

للطبيعة المطلقة المنهي عنها فكل واحد منها لا بد أن يكون موضوعا للزجر مطلقاً وهو عين الاستمرار ، وهيئة النهي مفادها جعل النسبة السلبية بين المكلف وبين الطبيعة فإذا كانت الطبيعة مطلقة شاملة للافراد التدريجية والدفعيّة أفادت الهيئة إنشاء النسبة السلبية بين المكلف وبين كل فرد من أفراد تلك الطبيعة فلا يتحقق إلا بترك الجميع في جميع تلك الأزمنة إذ فعل فرد في زمان ما يقتضي نسبة ثبوتية لا سلبية وبالجملة معنى : لا تفعل ، السلب المحصَّل وطلب العدم من قبيل الإيجاب المعدول والّذي يحصل امتثاله بالترك في الزمان الأول هو الثاني لا الأول ، والّذي يقتضي الاستمرار هو الأول لا الثاني فلا بد من التأمل كي لا يختلط أحدهما بالآخر ولعل عبارة المتن غير آبية عن الحمل على ما ذكرنا فتأمل (١) (قوله : مقيدة بزمان أو حال) أما لو كانت مقيدة بأحدهما كما لو قال : لا تضرب يوم الجمعة ، أو عند قيام زيد ، اقتضى النهي الاستمرار في ذلك الزمان أو في تلك الحال لا غير أما الاستمرار فيهما فلما تقدم وأما سقوط النهي في غيرهما فلأنه مقتضى التوقيت (٢) (قوله : لا دلالة للنهي على) يعني إذا عصى المكلف وخالف النهي بفعل المنهي عنه في زمان قبل يجب عليه تركه في الأزمنة اللاحقة أولا؟ لا دلالة للنهي على أحد الأمرين بل لا بد من الرجوع في الدلالة على أحدهما إلى دليل آخر ولو كان إطلاق المنهي عنه (توضيح ذلك) أن الطبيعة المنهي عنها (تارة) تلحظ بنحو صرف الوجود بمعنى نقض العدم وقلبه إلى الوجود (وأخرى) بنحو الطبيعة السارية ، فان لوحظت على النحو الأول سقط النهي بالمخالفة لأن صرف الوجود

٣٤٨

ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة ولا يكفي إطلاقها من سائر الجهات فتدبر جيدا

فصل

اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد وامتناعه على أقوال (ثالثها) جوازه عقلا وامتناعه عرفا وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور (الأول) المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجاً تحت عنوانين بأحدهما كان مورداً للأمر

______________________________________________________

لا يتعدد انطباقه فإذا انطبق أولا على الفعل الّذي هو مخالفة وعصيان امتنع انطباقه ثانيا على غيره فلا معنى لبقاء النهي بعد امتناع موضوعه ، وان لوحظت على النحو الثاني كانت كل حصة من الطبيعة تحت كراهة مستقلة في قبال الحصة الأخرى فإذا عصى المكلف بالفعل كان عصيانه في الحقيقة عصيانا للكراهة المتعلقة بذلك الفرد المأتي به فتسقط هي أما الكراهة المتعلقة ببقية الحصص فهي على حالها في اقتضائها المنع عنها فيكون حال النهي حال العام الأفرادي في اقتضائه كل فرد من نفسه مع قطع النّظر عن غيره والطريق إلى معرفة أنها ملحوظة علي أي النحوين يمكن أن يكون إطلاق المادة فان مقتضاه كونها ملحوظة بنحو صرف الوجود كما تقدم بيانه في المرة والتكرار فكما أن إطلاق قوله : اضرب ، يقتضي البعث إلى صرف الوجود ولا يقتضي التكرار كذلك إطلاق قوله : لا تضرب ، يقتضي الزجر عن صرف الوجود فإذا خولف بالوجود لم يقتض الزجر عن الوجود بعد ذلك فانه وجود بعد وجود لا وجود بعد العدم الّذي هو صرف الوجود كما عرفت. نعم الغالب في المفسدة أن تكون قائمة بكل حصة بحيالها وفي المصلحة أن تكون قائمة بصرف الوجود فلعل هذه الغلبة تقتضي كون مقتضى الإطلاق هو الثاني لأن الأول حينئذ يحتاج إلى بيان فتأمل (١) (قوله : ولو كان إطلاق) الظاهر إرادة ما ذكرنا من الإطلاق وله الحمد

(اجتماع الأمر والنهي)

(٢) (قوله : المراد بالواحد مطلق) هذا رد لما عن العضدي من أن المراد

٣٤٩

وبالآخر للنهي وان كان كلياً مقولا على كثيرين كالصلاة في المغصوب وإنما ذُكر لإخراج ما إذا تعدد متعلق الأمر والنهي ولم يجتمعا وجودا ولو جمعهما واحد مفهوماً كالسجود لله تعالى والسجود للصنم مثلا لا لإخراج الواحد الجنسي أو النوعيّ كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية «الثاني» الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادات هو أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل هي أن تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي ـ بحيث

______________________________________________________

من الواحد الواحد بالوحدة الشخصية وأما الواحد بالوحدة الجنسية فلا نزاع في جواز الاجتماع فيه كما في السجود فانه مأمور به إذا كان لله تعالى ومنهي عنه إذا كان للصنم وحاصل الرد أنه لا وجه لتخصيص النزاع بذلك فانه يعم الكلي أيضا نوعا أو جنساً إذا كان مندرجا تحت عنوانين أحدهما مأمور به والآخر منهي عنه مثل كلي الصلاة في المغصوب المعنونة بالصلاة المأمور بها والغصب المحرم (أقول) : الظاهر أن مراد العضدي من الوحدة الشخصية الوحدة الوجودية في مقابل الوحدة الجنسية مع تعدد الوجود كما يظهر من ملاحظة تمثيله للواحد بالجنس بالسجود المأمور به المنهي عنه بلحاظ وجودين له متباينين لا الشخص المقابل للكلي فلاحظ ـ مع أن خروج الكلي عن محل النزاع لا ضير فيه لأن الغرض تصحيح العبادة الشخصية لا الكلية فتأمل (١) (قوله : المعنونين بالصلاتية) يعني المعنون كل منهما بأنه صلاة وغصب فيكون كليا تحت عنوانين (٢) (قوله : التي بها تمتاز المسائل) يعني أن ما به الامتياز بين المسائل ليس مجرد تعدد الموضوع بل تعدد الجهة المقصودة بالبحث ولو مع وحدة الموضوع والجهة المقصودة بالبحث في المقام أن النهي عن عنوان متحد مع عنوان آخر بحسب الوجود يسري إلى العنوان الآخر أولا؟ ومن المعلوم ضرورة أن الجهة المذكورة أجنبية عن الجهة المقصودة بالبحث في مسألة دلالة النهي على الفساد من اقتضاء النهي للفساد وعدمه فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح (٣) (قوله : تعدد متعلق) يعني فلا يكون متعلق أحدهما متعلقاً للآخر

٣٥٠

يرتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد ـ أولا يوجبه بل يكون حاله حاله؟ فالنزاع في سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر لاتحاد متعلقيهما وجوداً وعدم سرايته لتعددهما وجهاً وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الأخرى فان البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجه إليها (نعم) لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح

______________________________________________________

(١) (قوله : من صغريات تلك) لأن مبنى الامتناع سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر فيكون متعلق كل منهما موضوعا للأمر والنهي معاً وهو ممتنع فإذا رجح جانب النهي وسقط الأمر يكون موضوع الأمر موضوعا للنهي لا غير فيقع الكلام في ان النهي عنه يقتضي الفساد أولا فتكون هذه المسألة متعرضة لتنقيح صغرى للمسألة الآتية ويمكن ان يشكل بأن الفساد المدلول عليه بالنهي في تلك المسألة شامل لجميع حالات المكلف من الاختيار والاضطرار والالتفات والغفلة عن قصور أو تقصير ، وفساد العبادة ـ على القول بالامتناع ـ لا يكون كذلك بل يختص ببعض الصور كما سيأتي التعرض له في المتن ، وأيضا فقوام هذه المسألة إحراز المقتضي للأمر والنهي الملحق لها بباب التزاحم على تقدير الامتناع وقوام تلك المسألة التخصيص الملحق لها بباب التعارض ، ويمكن أن يدفع بان إطلاق الفساد في تلك المسألة وان كان يقتضي عدم الفرق بين الحالات المشار إليها لكن يلزم حمله على بعض الحالات كما يقتضيه جعل ثمرة مسألة أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده أن تكون العبادة التي هي ضد الواجب الأهم من صغريات مسألة دلالة النهي على الفساد ـ مع أن الفساد في العبادة التي هي ضد لا يشمل جميع الأحوال بل هو نظير المقام ومنه يظهر المنع من اختصاص مسألة الفساد بصورة عدم المقتضي الملحق بها بباب

٣٥١

(واما) ما أفاده في الفصول من الفرق بما هذه عبارته : ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم وهو أن الأمر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد أو لا؟ أما في المعاملات فظاهر وأما في العبادات فهو ان النزاع هناك فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم مطلق وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الإطلاق والتقييد بان تعلق الأمر بالمطلق والنهي بالمقيد انتهى موضع الحاجة (فاسد) فان مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات ومعه لا حاجة أصلا إلى تعددها بل لا بد من عقد مسألتين مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها وعقد مسألة واحدة في صورة العكس كما لا يخفى. ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق بأن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا وهناك في دلالة النهي لفظا فان مجرد ذلك

______________________________________________________

التعارض فان العبادة التي هي ضد واجدة للملاك قطعاً كما تقدم (١) (قوله : واما ما أفاده في الفصول) ذكره في مسألة دلالة النهي على الفساد (٢) (قوله : أما في المعاملات فظاهر) كأن الوجه فيه أنه لا مجال لاحتمال الفساد في المعاملة مطلقاً لو كانت من صغريات مسألة الاجتماع بخلاف العبادة فانها قد تكون فاسدة فيحتاج إلى إبداء الفرق بين المسألتين (٣) (قوله : وان كان بينهما عموم) كالإنسان والضاحك وهذا رد على المحقق القمي (ره) حيث اعتبر في محل النزاع أن يكون بين العنوانين اللذين هما مورد الأمر والنهي عموم من وجه (٤) (قوله : بمجرد الإطلاق) بأن يكون أحدهما مطلقا والآخر مقيدا مثل صلِّ ولا تصلّ في الدار المغصوبة (٥) (قوله : لا يوجب التمايز) كما في صغريات المسألة الواحدة فان موضوع كل واحدة منها يغاير موضوع الأخرى مع ان الجميع مسألة واحدة لاتحاد الجامع بين الموضوعات المبحوث عنه في جميعها ، وكما في بعض المسائل التي اختلف تحرير عنوانها في كلامهم كمسألة الاجزاء ومقدمة الواجب فان عنوان كل في كلام بعض وان كان يغاير عنوانها في كلام آخر لاختلاف الموضوع أو المحمول أو اختلافهما لكنها لا تخرج

٣٥٢

ما لم يكن تعدد الجهة في البين لا يوجب إلّا تفصيلا في المسألة الواحدة لا عقد مسألتين هذا مع عدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ كما سيظهر (الثالث) انه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط كانت المسألة من المسائل الأصولية لا من مباديها الأحكامية ولا التصديقية

______________________________________________________

عن كونها مسألة واحدة (أقول) : ظاهر الفصول إبداء الفرق بين المسألتين من حيث المورد رداً على المحقق القمي (ره) لا بيان أن المائز بينهما تعدد الموضوع كي يتوجه هذا التحقيق رداً عليه بل كان المناسب الإيراد عليه بمنع اختصاص المسألة الآتية بما ذكر كما يظهر من ملاحظة كون هذه المسألة على بعض التقادير من صغريات المسألة الآتية كما تقدم في كلام المصنف (ره) وأيضا فهذا الاهتمام الشديد في إبداء الفرق بين المسألتين إنما يكون مناسبا لو كان موضوع المسألتين أو محمولهما واحدا لا مع الاختلاف الظاهر بينهما الموجب لرفع التباس إحداهما بالأخرى ـ مضافا إلى ان سراية الأمر والنهي إلى متعلق الآخر لا يظهر كونها الجهة المقصودة بالبحث ، بل الظاهر كونها مبنى للبحث في هذه المسألة عن جواز الاجتماع وامتناعه فتدبر (١) (قوله : ما لم يكن تعدد) ظاهر الفرق المذكور تعدد الجهة المبحوث عنها في المسألتين فالإشكال عليه غير ظاهر إلا بمنع انحصار الجهة المبحوث عنها في ما ذكره (٢) (قوله : تفصيلا في المسألة) إنما يوجب ذلك لو كان المختار في الأول الجواز وفي الثاني الدلالة لكنه في الحقيقة اختيار في مسألتين (٣) (قوله : في طريق الاستنباط) يعني استنباط صحة العبادة وفسادها اللذين هما من الأحكام الفرعية (٤) (قوله : من المسائل) لما سبق في تعريف الأصول (٥) (قوله : لا من مباديها الأحكامية) يعني المسائل المتعلقة بالحكم الشرعي إذ من المناسب عقيب ذكر الحكم وتعريفه وتقسيمه إلى تكليفي وغيره أن يذكر أنه هل يجوز اجتماع حكمين مع تضادهما في وجود واحد كما صنع العضدي وشيخنا البهائي (ره) ذلك على ما حكي؟ (٦) (قوله : ولا التصديقية) وهي المسائل التي يتوقف عليها قياسات العلم وكون المسألة منها

٣٥٣

ولا من المسائل الكلامية ولا من المسائل الفرعية وان كانت فيها جهاتها كما لا يخفى ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة أخرى يمكن عقدها معها من المسائل إذ لا مجال حينئذ لتوهم عقدها من غيرها في الأصول وان عقدت كلامية في الكلام وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام وقد عرفت في أول الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة كانت بإحداهما من مسائل علم وبالأخرى من آخر فتذكر (الرابع) انه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ كما ربما يوهمه التعبير بالأمر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول إلّا انه لكون الدلالة عليهما غالباً بهما كما هو أوضح من ان يخفى وذهاب البعض إلى الجواز عقلا والامتناع عرفا ليس بمعنى

______________________________________________________

بملاحظة ابتناء مسألة أصولية عليها وهي ان الأمر والنهي هل يتعارضان في مورد الاجتماع ليجب رفع اليد عن أحدهما أولا؟ فان التعارض وعدمه مبنيان على امتناع الاجتماع عقلا وجوازه في المقام (١) (قوله : ولا من المسائل الكلامية) وهي التي يبحث فيها عن أحوال المبدأ والمعاد وكون المسألة منها بملاحظة جعل النزاع فيها نزاعا في فعله تعالى وأنه يجوز أن يجعل حكمين لفعل واحد إذا كان ذا عنوانين (٢) (قوله : من المسائل الفرعية) هذا باعتبار كون النزاع فيها نزاعا في صحة الصلاة في المغصوب (٣) (قوله : عقدها معها من المسائل) الضمير الأول راجع إلى المسألة والثاني راجع إلى الجهة والمراد من المسائل الأصولية والجار متعلق بقوله : عقدها (٤) (قوله : من غيرها في الأصول) الظرف الأول حال من ضمير عقدها والثاني متعلق بعقد (٥) (قوله : وان عقدت) على هذا كان المناسب أن يقول : هذه المسألة من المسائل الأصولية وان كانت كلامية وفرعية وغير ذلك لا نفي كونها فرعية أو كلامية (٦) (قوله : انه لكون) ضمير (أن)

٣٥٤

دلالة اللفظ بل بدعوى ان الواحد بالنظر الدّقيق العقلي اثنان وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين وإلّا فلا يكون معنى محصلا للامتناع العرفي غاية الأمر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع فتدبر جيداً (الخامس) لا يخفى ان ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع أقسام الإيجاب والتحريم كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر والنهي ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما غير خالية عن الاعتساف وان سلم في صيغتهما ـ مع أنه فيها ممنوع نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الإطلاق بمقدمات الحكمة غير الجارية في المقام لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام وكذا ما وقع في البين من النقض والإبرام (مثلا) إذا أمر بالصلاة والصوم تخييراً بينهما وكذلك نهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار فصلى فيها مع مجالستهم كان حال الصلاة فيها حالها كما إذا أمر بها تعييناً ونهى عن التصرف

______________________________________________________

راجع إلى التعبير ، والظرف خبر (أن) (١) (قوله : دلالة اللفظ) يعني على الامتناع (٢) (قوله : للامتناع العرفي) إذ الامتناع من الأحكام العقلية ولو بتبع نظر العرف (٣) (قوله : دعوى دلالة) بطلان الدعوى ظاهر إذ هي خلاف إطلاق موضوع كل من الأمر والنهي ولو فرض عدم تمامية مقدمات الإطلاق فلا دلالة للفظ لا انه دال على العدم (٤) (قوله : على عدم الوقوع) يعني لا على الامتناع ليتوهم كون المسألة لفظية (٥) (قوله : قضية إطلاق) قد عرفت الإشكال في هذا الإطلاق بالنسبة إلى التعييني العيني فراجع وتأمل (٦) (قوله : مع مجالستهم) إذ لو ترك مجالستهم فقد امتثل النهي التخييري ولا يكون التصرف في الدار حراما عكس امتثال الأمر التخييري (٧) (قوله : فيها حالها) يعني في انها تجمع عنوانين أحدهما واجب وهو الصلاة والآخر حرام وهو التصرف في الدار

٣٥٥

فيها كذلك في جريان النزاع في الجواز والامتناع ومجيء أدلة الطرفين وما وقع من النقض والإبرام في البين فتفطن (السادس) انه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة في مقام الامتثال بل ربما قيل بأن الإطلاق إنما هو للاتكال على الوضوح إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها في ما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين وعدم الجدوى في كون

______________________________________________________

(١) (قوله : فيها كذلك) أي في الدار تعييناً (٢) (قوله : ربما يؤخذ في محل) بل حكي اتفاق كلمتهم عليه (٣) (قوله : قيد المندوحة) هي الفسحة والسعة فيختص النزاع بما إذا كان المكلف في سعة بحيث يقدر على موافقة الأمر والنهي معاً بان كان موضوع الأمر أعم مطلقاً أو من وجه من موضوع النهي مع قدرة المكلف على امتثال الأمر بغير مورد الاجتماع وإلّا فلا مندوحة (٤) (قوله : ولكن التحقيق مع) توضيح المراد ان عدم جواز اجتماع الأمر والنهي تارة يكون من جهة عجز المكلف عن موافقتهما معاً مع كون موضوع الأمر واجداً لملاك الأمر بحيث يكون وجوده أرجح من عدمه وموضوع النهي واجداً لملاك النهي بحيث يكون عدمه أرجح من وجوده فيكون عجز المكلف مانعا عن الجمع بينهما لأن الجمع بينهما تكليف بالمحال نظير الأمر بالضدين المتزاحمين (وأخرى) يكون من جهة تضاد الأمر والنهي نفسيهما الموجب لامتناع الجمع بينهما ويكونان معاً تكليفاً محالاً نظير الأمر والنهي المتعلقين بشيء واحد بعنوان واحد والكلام في هذه المسألة في جواز اجتماعهما وعدمه من الجهة الثانية وان الأمر والنهي بشيء واحد بعنوانين جمع بينهما في شيء واحد فيكون في نفسه محالاً لأنه جمع بين الضدين كالأمر والنهي بشيء واحد بعنوان واحد أو ليس جمعاً بينهما في شيء واحد فلا يكون محالا كالأمر والنهي بشيئين؟ والمندوحة انما تعتبر في جواز اجتماعهما من الجهة الأولى إذ مع المندوحة يقدر المكلف على امتثالهما معاً لكنها ليست محلا للكلام في المقام ولذا قيل بالامتناع حتى مع وجود المندوحة (٥) (قوله : وعدم الجدوى) معطوف

٣٥٦

موردهما موجهاً بوجهين في رفع غائلة اجتماع الضدين أو عدم لزومه وأن تعدد الوجه يجدي في رفعها ولا يتفاوت في ذلك أصلا وجود المندوحة وعدمها ، ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع (نعم) لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلاً لمن يرى التكليف بالمحال محذوراً ومحالا كما ربما لا بد من اعتبار أمر آخر في الحكم به كذلك أيضاً (وبالجملة) لا وجه لاعتبارها إلا لأجل اعتبار القدرة على الامتثال وعدم لزوم التكليف بالمحال ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال فافهم واغتنم (السابع) أنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ، وأما الامتناع ـ على القول بتعلقها بالافراد ـ فلا يكاد يخفى ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ولو كان

______________________________________________________

على لزوم وبيان لوجه اللزوم ونظيره قوله : وان تعدد ... إلخ فانه معطوف على عدم وبيان له (١) (قوله : محذور آخر) يعني غير كون نفس التكليف محالا الّذي هو محل الكلام (٢) (قوله : نعم لا بد من) يعني لو بنينا على الجواز في المسألة من الجهة الثانية لا بد من اعتبار المندوحة في الحكم بالجواز من الجهة الأولى بناءً على امتناع التكليف بالمحال اما بناءً على جوازه إلغاء للجهة الأولى عن المانعية فلا تعتبر أيضا (٣) (قوله : أمر آخر) وهو كل ما له دخل في حصول القدرة على الامتثال (٤) (قوله : به كذلك) يعني بالجواز فعلاً (٥) (قوله : التكليف المحال) يعني الّذي لا يجوِّزه من جوز التكليف بالمحال (٦) (قوله : بواحد شخصي ولو) لأن الخصوصيات المقومة لفردية الفرد إذا كانت دخيلة في موضوع الأمر والنهي معاً فقد اجتمع الأمران فيها وهي أمر واحد ذاتاً ووجوداً فيلزم اجتماع الضدين. نعم لو أريد من الفرد الحصة الخاصة من الطبيعي التي هي منشأ انتزاع الطبيعي فهي في الخارج متعددة إذ ما يكون منشأ انتزاع أحدهما غير ما يكون منشأ انتزاع الآخر فيكون موضوع الأمر غير موضوع النهي وان اتحدا

٣٥٧

ذا وجهين على هذا القول وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبائع لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتاً عليه وان اتحد وجوداً والقول بالامتناع على القول بالأفراد لاتحاد متعلقهما شخصاً خارجاً وكونه فرداً واحداً (وأنت خبير) بفساد كلا التوهمين فان تعدد الوجه ان كان يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد لكان يجدي ولو على القول بالافراد فان الموجود الخارجي الموجه بوجهين يكون فرداً لكل من الطبيعتين فيكون مجمعاً لفردين موجودين بوجود واحد فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين وإلا لما كان يجدي أصلا حتى على القول بالطبائع كما لا يخفى لوحدة الطبيعتين وجوداً واتحادهما خارجا فكما أن وحدة الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجوداً غير ضائر بتعددهما وكونهما طبيعتين كذلك وحدة

______________________________________________________

وجوداً ولا فرق بينه وبين القول بالطبائع (١) (قوله : ذا وجهين) لأنه فرد لماهيتين (٢) (قوله : وأخرى أن القول) هذا التوهم راجع إلى الأول ويفترق عنه بأنه لا وجه للقول بالامتناع على القول بالطبائع (٣) (قوله : فان تعدد الوجه) حاصله انه يمكن القول بالجواز على القول بالافراد لأن الفرد الخارجي بملاحظة كونه ذا وجهين صار مجمعاً لفردين يكون أحدهما موضوعا للأمر والآخر موضوعا للنهي فلا يتم التوهم الأول كما يمكن القول بالامتناع على القول بالطبائع لأن الطبائع وان تعددت ذهنا لكنها متحدة خارجا فيلزم اجتماع الأمر والنهي مع كونهما ضدين في واحد خارجي فلا يتم التوهم الثاني (٤) (قوله : فان الموجود الخارجي) قد تقدم من المصنف (ره) في مبحث الطبائع ان القول بالافراد قول باعتبار الخصوصيات المفرّدة في موضوع الأمر ولأجل ذلك أبطله بأنها غير دخيلة في الغرض فكيف تكون دخيلة في المأمور به فإذا تم ذلك فالخصوصيات المفرّدة ليست متعددة فيلزم الاجتماع في واحد ذاتا فلا مجال للقياس على القول بالطبائع فتأمل. (٥) (قوله : مجمعا لفردين) هذا غير ظاهر. نعم مجمع لمنشإ انتزاع الماهيتين فان

٣٥٨

ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجوداً غير ضائر بكونه فرداً للصلاة فيكون مأموراً به وفرداً للغصب فيكون منهياً عنه فهو ـ على وحدته وجوداً ـ يكون اثنين لكونه مصداقا للطبيعتين فلا تغفل (الثامن) أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلّا إذا كان في كل واحد من متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه مطلقاً حتى في مورد التصادق والاجتماع كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوماً بالحكمين وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى كما يأتي تفصيله ، وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك فلا يكون من هذا الباب ولا يكون موردا لاجتماع محكوماً إلّا بحكم واحد منهما إذا كان له مناطه أو حكم آخر غيرهما فيما لم يكن لواحد منهما قيل بالجواز أو الامتناع. هذا بحسب مقام الثبوت وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني فلا بد

______________________________________________________

كان هو المراد من الفرد تم ما ذكره (١) (قوله : لا يكاد يكون من باب) يعني ان النزاع في هذه المسألة مختص بما إذا كان العنوانان المجتمعان في وجود واحد واجداً أحدهما لملاك الأمر والآخر لملاك النهي لأن الثمرة المقصودة بالبحث انما تترتب في خصوص ذلك لا غير (٢) (قوله : بكونه فعلاً) يعني يكون مورد التصادق (٣) (قوله : قيل بالجواز) لأن القول بالجواز انما يسوغ الاجتماع في ظرف وجود المقتضي لكل منهما فإذا فقد المقتضي لهما أو لأحدهما فلا مجال للاجتماع (٤) (قوله : من قبيل الثاني) وهو ما لم يكن المناط موجوداً في العنوانين معا والوجه في حصول التعارض حينئذ هو العلم الإجمالي بكذب إحدى الروايتين الموجب للتنافي بينهما عرضاً حسبما يأتي إن شاء الله في مبحث التعارض وان كان التحقيق أن الوجه في حصول التعارض ان العلم المذكور يوجب دلالة كل من الروايتين على ثبوت الحكم الّذي هو مضمونها بالمطابقة وعلى انتفاء الحكم الّذي هو مضمون الأخرى بالالتزام فيحصل التنافي بين المدلول المطابقي لكل منهما والمدلول الالتزامي للأخرى

٣٥٩

من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير وإلّا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطاً فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلا بل لا بد من ملاحظة مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما يأتي الإشارة إليها (نعم) لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة

______________________________________________________

كما أوضحناه فيما علقناه على ذلك المقام (١) (قوله : من عمل المعارضة) يعني من العمل على طبق أحكام المتعارضين (٢) (قوله : وإلّا فلا تعارض) يعني وإلا يحرز أنه من قبيل الثاني بل احتمل انه من قبيل الثاني وأنه من قبيل الأول فلا تعارض بينهما حينئذ لاحتمال صدقهما معاً (٣) (قوله : بل كان من باب التزاحم) يعني بل يجب الحكم بكون المناط من قبيل الأول أعني موجوداً في كل من العنوانين لأنه مقتضى حجية الروايتين معاً لأن كلا من الروايتين تحكي عن وجود المناط المقتضي للحكم الّذي تضمنته فدليل حجيتها يقتضي ترتب أثر وجود المناطين معاً فيقع بينهما التزاحم على القول بالامتناع (٤) (قوله : لكونه أقوى) يعني حيث تحرز أقوائيته بدليل (٥) (قوله : فلا مجال حينئذ) إذ المرجحات انما دل الدليل على اعتبارها في مقام التعارض لا التزاحم (٦) (قوله : لوقع بينهما) لأنه على القول بالامتناع تمتنع فعلية الحكمين على طبق المناطين فإذا دل كل منهما على الحكم الفعلي فقد علم إجمالا بكذب أحدهما فيحصل التعارض حسبما سبق وجهه (٧) (قوله : لو لم يوفق بينهما) أما لو أمكن الجمع بينهما في نظر العرف بحمل أحدهما بعينه على الاقتضائي فلا مجال للرجوع إلى أحكام التعارض لأنها مختصة بغير موارد الجمع العرفي كما سيأتي إن شاء الله تعالى (٨) (قوله : بملاحظة مرجحات) متعلق بقوله : يوفق ، يعني يكون الوجه في الجمع بينهما بحمل أحدهما على الاقتضائي دون الآخر هو أن المقتضي فيه أضعف وفي الآخر أقوى فيكون الترجيح بينهما في مقام الثبوت موجباً

٣٦٠