حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

(نعم) فيما إذا كانت موسعة وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت لا في تمامه يمكن أن يقال انه حيث كان الأمر بها على حاله وان صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الأهم من افرادها من تحتها أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الأمر فانه وان كان خارجاً عن تحتها بما هي مأمور بها إلّا انه لما كان وافياً بغرضها كالباقي تحتها كان عقلا مثله في الإتيان به في مقام الامتثال والإتيان به بداعي ذلك الأمر بلا تفاوت في نظره بينهما أصلا (ودعوى) أن الأمر لا يكاد يدعو الا إلى ما هو من أفراد الطبيعة المأمور بها وما زوحم منها بالأهم وان كان من أفراد الطبيعة لكنه ليس من أفرادها بما هي مأمور بها (فاسدة) فانه إنما يوجب ذلك إذا كان خروجه عنها بما

______________________________________________________

(١) (قوله : نعم فيما إذا كانت) يعني إذا كانت العبادة موسعة الوقت واتفق لها ضد واجب أهم في بعض وقتها يسقط الأمر بها في وقته ويبقى الأمر بها بعد وقته لعدم المضادة فحينئذ لو عصى المكلف الأمر بالأهم وجاء بالعبادة في وقته أمكنه أن يأتي بها بقصد الأمر المتعلق بها فيما بعد وقت الأهم لا بقصد ملاك الأمر مثلاً لو ابتلي بإنقاذ غريق في أول الزوال فتركه واشتغل بصلاة الظهر فانه يصح ان يقصد الأمر بصلاة الظهر فيما بعد وقت الإنقاذ (٢) (قوله : مضيقة بخروج) يعني يختص وقتها بغير وقت الأهم لأن الفرد الواقع في وقت الأهم خارج عن دائرة المأمور به إذ لو كان داخلاً أيضاً بحيث يعمه الأمر يلزم الأمر بالضدين في وقت واحد ومجرد وجود المندوحة في أحدهما لا يرفع التزاحم بين الأمرين في مقتضاهما فان الأمر بالأهم يقتضي صرف القدرة من المهم إلى متعلقه والأمر بالمهم يقتضي خلاف ذلك فلا بد من الالتزام بخروجه عن حيطة الأمر (٣) (قوله : في الإتيان به في) يعني كما يصح أن يؤتى بالفرد الباقي بداعي الأمر بحيث يكون هو الباعث إليه كذلك يصح ان يؤتى بالفرد المزاحم بالأهم الخارج عن الطبيعة بداعي الأمر ، «أقول» : قد عرفت في البحث التعبدي والتوصلي أن ملاك الأمر لا يصلح

٣٢١

هي كذلك تخصيصاً لا مزاحمة فانه معها وان كان لا تعمها الطبيعة المأمور بها إلّا انه ليس لقصور فيه بل لعدم إمكان تعلق الأمر بما يعمه عقلا وعلى كل حال فالعقل لا يرى تفاوتاً في مقام الامتثال وإطاعة الأمر بها بين هذا الفرد وسائر الأفراد أصلا. هذا على القول بكون الا وامر متعلقة بالطبائع وأما بناءً على تعلقها بالافراد فكذلك وان كان جريانه عليه أخفى كما لا يخفى فتأمل (ثم) لا يخفى انه بناء على إمكان الترتب وصحته لا بد من الالتزام بوقوعه من دون انتظار دليل آخر عليه وذلك لوضوح ان

______________________________________________________

للمقربية بما هو هو وانما يصلح لذلك بما انه ملاك الأمر بحيث يكون طريقا إلى الأمر في مقام الانبعاث من قبله وحينئذ لا يختلف الفرض عما قبله غاية الأمر انه في الفرض يكون الأمر موجوداً وسعته للمأتي به اقتضائية وفيما قبله لا يكون موجوداً فالباعث في المقامين امر واحد لباً وهو الأمر الاقتضائي وأما لو كانت داعوية الملاك في قبال داعوية نفس الأمر فيمتنع الانبعاث من قبل الأمر في المقام مع عدم تعلقه بالمأتي به. نعم ربما يكون الأمر موجباً لحدوث الداعي إلى فعله من باب كونه مسقطاً له لكن هذا ليس من الإطاعة للأمر والانقياد إليه الّذي هو محل الكلام فانه لا بد في ذلك من كون المأتي به موضوعا للأمر (١) (قوله : هي كذلك) يعني مأمور بها (٢) (قوله : تخصيصاً) يعني لا يكون ملاك الأمر موجوداً في الفرد الخارج (٣) (قوله : لا يرى تفاوتاً) هذا مسلم بناءً على ما ذكرنا لا غير (٤) (قوله : فكذلك) إذا المصحح للامتثال من كون المأتي به واجداً لملاك الأمر مع تعلق الأمر بغيره حاصل في المقامين. نعم يختلفان في أن المأمور به على القول بالأفراد مباين للمأتي به بحيث لا يمكن شموله له بذاته وعلى القول بالطبائع يمكن شموله له بذاته وان لم يشمله بما انه مأمور به ولأجل هذا المقدار من الاختلاف كان جريانه على الأول أخفى (٥) (قوله : لا بد من الالتزام) يعني حيث يُحرز ملاك الأمر في كل منهما مطلقا وإلّا فالمرجع الأصول العملية ولا مجال

٣٢٢

المزاحمة على صحة الترتب لا تقتضي عقلا الا امتناع الاجتماع في عرض واحد لا كذلك ، فلو قيل بلزوم الأمر في صحة العبادة ولم يكن في الملاك كفاية كانت العبادة مع ترك الأهم صحيحة لثبوت الأمر بها في هذا الحال كما إذا لم تكن هناك مضادة.

الفصل

(لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه)

خلافا لما نسب إلى أكثر مخالفينا ضرورة أنه لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته كما هو المفروض هاهنا فان الشرط من اجزائها وانحلال المركب بانحلال بعض أجزائه مما لا يخفى ، وكون الجواز في العنوان بمعنى الإمكان الذاتي

______________________________________________________

لحكم العقل بالترتب (١) (قوله : المزاحمة) يعني بين الأمرين في الاقتضاء ، (٢) (قوله : على صحة الترتب) يعني بناء على القول بصحة الترتب ومعقوليته (٣) (قوله : لا كذلك) يعني لا تقتضي امتناع الاجتماع بنحو الترتب فيرفع اليد عن اقتضاء ملاك المهم بالمقدار اللازم في مقام الجمع بينهما فيحكم بعدم ترتب اثره عليه من البعث إليه في ظرف فعل الأهم ويحكم بترتبه عليه في ظرف عدم فعله الأهم

(أمر الأمر مع علم بانتفاء شرطه)

(٤) (قوله : بانتفاء شرطه) يعني شرط وجود الأمر (٥) (قوله : مخالفينا) لكن عن جماعة منهم نقل الاتفاق على عدم الجواز (٦) (قوله : وكون الجواز في) يعني قد يقال بان انتفاء شرط وجود الأمر وان كان يقتضي امتناع الأمر كما ذكرت إلّا ان الامتناع المذكور امتناع بالعرض ويسمى امتناعا بالغير والامتناع بالغير لا ينافي الإمكان بالذات فان كل ممكن بالذات في ظرف عدم علته ممتنع بالغير وعلى هذا يصح ان يقال : يجوز الأمر مع العلم بانتفاء شرطه ؛

٣٢٣

بعيد عن محل الخلاف بين الاعلام (نعم) لو كان المراد من لفظ الأمر الأمر ببعض مراتبه ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الأخر بان يكون النزاع في أن أمر الآمر يجوز إنشاء مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعليته (وبعبارة أخرى) كان النزاع في جواز إنشائه مع العلم بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية لعدم شرطه لكان جائزاً وفي وقوعه في الشرعيات والعرفيات غنىً وكفاية ولا تحتاج معه إلى مزيد بيان أو مئونة برهان ، وقد عرفت سابقاً أن داعي إنشاء الطلب لا ينحصر بالبعث والتحريك جداً حقيقة بل قد يكون صوريا امتحانا وربما يكون غير ذلك ، ومنع كونه أمراً إذا لم يكن بداعي البعث جداً واقعاً وان كان في محله إلا أن إطلاق الأمر عليه إذا كانت هناك قرينة على انه بداع آخر غير البعث توسعا مما لا بأس به أصلا كما لا يخفى ، وقد ظهر بذلك حال ما ذكره الأعلام في المقام من النقض والإبرام وربما يقع به التصالح بين الجانبين ويرتفع النزاع من البين فتأمل جيداً.

______________________________________________________

بمعنى أنه يجوز في ذاته وان كان ممتنعاً بالنظر إلى انتفاء شرطه ، ولكنه مندفع بان ظاهر الجواز في العنوان ما يقابل الامتناع ولو بالغير لا خصوص الإمكان الذاتي المقابل للامتناع الذاتي وإلّا فلا مجال للخلاف فيه بين الاعلام لوضوح ان الأمر بالنظر إلى ذاته لا مانع عند العقل من وجوده (١) (قوله : بعيد عن) بل لا مجال لاحتماله بقرينة ذكر انتفاء الشرط (٢) (قوله : نعم لو كان المراد) وكذا لو كان المراد من الأمر ما يعم المشروط ومن الشرط شرط الأمر المعبر عنه بشرط الوجوب كأن يقول مع علمه بعدم الاستطاعة : حج ان استطعت ؛ وقد يظهر من بعض أدلة المجوزين ان المراد من الشرط شرط المأمور به كما يقتضيه ظاهر تحرير العنوان في كلام بعض بمثل (هل يجوز الأمر بالشيء مع العلم بانتفاء شرطه؟) فان الظاهر من الضمير في (مثله) رجوعه إلى الشيء لأنه أقرب (٣) (قوله : وربما يقع به التصالح) لكن قد يأباه بعض كلماتهم مضافا إلى ما عرفت فراجع

٣٢٤

فصل

(الحق أن الأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبائع دون الأفراد)

ولا يخفى أن المراد ان متعلق الطلب في الأوامر هو صرف الإيجاد كما أن متعلقه في النواهي هو محض الترك ومتعلقهما هو نفس الطبيعة المحدودة بحدود

(تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع أو الأفراد)

______________________________________________________

(١) (قوله : ولا يخفى أن المراد أن) اعلم انه إذا وجد ماء في إناء كان أمور ثلاثة (فرد) من الماء وهو تمام الماء الموجود المحدود الوجود بالحدود الخاصة (وحصة) من الماء وهو كل ما يفرض من نقاط الماء التي يصح انتزاع مفهوم الماء منها كما يصح انتزاعه من تمام الماء الموجود في الإناء فان كل نقطة منه ليست فرداً للماء بل جزء الفرد ولكن حصة من الماء (وطبيعة) وهي الجهة المشتركة بين تمام الحصص التي هي منشأ الأثر ومحط الغرض في أي حصة من الحصص المذكورة وجدت أو في أي فرد من الأفراد بلا تفاوت بين الأفراد ولا بين الحصص. ثم ان الطبيعة المذكورة قد تلحظ بما هي هي بالنظر إلى ذاتها لا غير كما يقال : الماء موجود أو معدوم. فترى معروضاً للوجود والعدم. وقد تلحظ حاكية عن صرف الوجود وهي المعبَّر عنها بصرف الوجود كما يقال : النار محرقة. وقد تُلحظ حاكية عن كل من الوجودات الخارجية وهي المعبر عنها بالطبيعة السارية ، وقد تلحظ حاكية عن أحد الوجودات لا بعينه كما في النكرة أو بعينه كما في الفرد المعرف وقد تلحظ على أنحاء أخر (إذا عرفت) ذلك نقول : قد يُشعر التقابل بين الطبيعة والفرد في العنوان بان المراد من الطبيعة لحاظها على النحو الأول ومن الفرد ما عرفت من الوجود الواحد المحدود بالحدود الخاصة فيكون مراد القائل بالطبيعة أن موضوع الأمر نفس الطبيعة من حيث هي ومراد القائل بالفرد أن موضوعه الوجود الخاصّ بدخل الخصوصيات في موضوعه وحيث أن الخصوصيات المقومة للفرد ليست دخيلة في الغرض الباعث على الأمر فيمتنع أخذها

٣٢٥

في موضوعه أورد المصنف (ره) على القائلين بالفرد بذلك ، وحيث أن الطبيعة من حيث هي ليست أيضا موضوعا للغرض ولا محطاً للأثر المقصود منها وجه القول بالطبيعة ـ تبعاً للفصول ـ بأن الأمر ليس هو الطلب مطلقا كي يمتنع تعلقه بالماهية من حيث هي بل هو طلب الوجود ، وكذلك النهي ليس هو الزجر عن الماهية كذلك بل هو طلب العدم فالوجود والعدم المأخوذان في موضوع الأمر والنهي متعلقان بالماهية من حيث هي ولا إشكال فيه «أقول» : كان الأولى في توجيه القول بالطبيعة حمل الطبيعة في كلامهم على الملحوظة حاكية عن الوجود لا جعل الوجود داخلاً في مفهوم الأمر ولا جعل العدم داخلاً في مفهوم النهي إذ الأمر ـ كما تقدم ـ نفس الطلب. والنهي ـ كما يأتي ـ نفس المنع والزجر لا طلب العدم فهما ضدان يتعلقان بالوجود كما يتعلقان بالعدم ـ مع أن التوجيه المذكور لا يتم لو صرح بمادة الطلب كما لو قال : أطلب القيام ، نعم استدلال القائلين بالطبيعة بأن المصادر المجردة عن اللام والتنوين موضوعة للطبيعة من حيث هي يأبى ما ذكرناه ، وأيضا فان الرد على القول بالفرد بما ذكره أخذاً بظاهر لفظ الفرد غير ظاهر الوجه بعد ظهور أدلتهم في خلافه فان استدلالهم بأن الطبيعة من حيث هي لا وجود لها في الخارج ظاهر في نفي الطبيعة من حيث هي لا في اعتبار الخصوصيات في موضوع الأمر كيف ولا يحسن الظن بقول أحد منهم بذلك ـ مع أن الأولى ـ حسبما ذكره هو الرد عليهم بأن الفرد هو الوجود الخاصّ فيلزم من تعلق الأمر بالفرد بعد البناء على دخل الوجود في مفهوم الأمر أن يكون معنى الأمر بالفرد طلب وجود الوجود وهو مما لا معنى له كما أشار إلى ذلك في الفصول في ذيل كلامه فتأمل جيداً ، فالمتحصل إذاً أنه لا مجال لاحتمال كون الماهية من حيث هي أو الخصوصيات الفردية مقومة لموضوع الطلب بل موضوعه الماهية الحاكية عن الوجود فان أراد كل من القائل بالطبيعة والفرد ذلك ففي محله ويكون النزاع لفظياً وإن أراد غيره فهو ساقط. والله سبحانه أعلم

٣٢٦

والقيد بقيودٍ تكون بها موافقة للغرض والمقصود من دون تعلق غرضٍ بإحدى الخصوصيات اللازمة للوجودات بحيث لو كان الانفكاك عنها بأسرها ممكناً لما كان ذلك مما يضر بالمقصود أصلا كما هو الحال في القضية الطبيعية في غير الأحكام ، بل في المحصورة على ما حقق في غير المقام وفي مراجعة الوجدان للإنسان غنى وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك حيث يرى إذا راجعه انه لا غرض له في مطلوباته الا نفس الطبائع ولا نظر له الا إليها من دون نظر إلى خصوصياتها الخارجية وعوارضها العينية وأن نفس وجودها السعي بما هو وجودها تمام المطلوب وان كان ذاك الوجود لا يكاد ينفك في الخارج عن الخصوصية (فانقدح) بذلك أن المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد انها بوجودها السعي بما هو وجودها ـ قبالاً لخصوص الوجود ـ متعلقة للطلب لا أنها بما هي هي كانت متعلقة له كما ربما يتوهم فانها كذلك ليست إلّا هي (نعم) هي كذلك تكون متعلقة للأمر فانه طلب الوجود

______________________________________________________

(١) (قوله : والمقيدة بقيود) ذاتية مثل : الحيوان الناطق ، أو غيرها مثل : الرّجل العالم (٢) (قوله : الخصوصيات) يعني المقومة لفردية الفرد (٣) (قوله : في القضية الطبيعية) فان الحكم فيها على نفس الطبيعة من حيث هي مثل الإنسان كلي ؛ (٤) (قوله : بل في المحصورة) يعني التي هي قسيمة للطبيعية فانها وان ذكر في تحديدها أنها ما يكون الحكم فيها على الأفراد إلا أن المحقق في محله أن الحكم فيها أيضا على الطبيعة الملحوظة سارية في الأفراد لا من حيث هي كما في الطبيعية ، (٥) (قوله : وجودها السعي) يعني الّذي فيه سعة حيث انه يتحد مع وجود كل فرد بخلاف وجود الفرد (٦) (قوله : لا يكاد ينفك) لأنه يتحد مع الفرد المتقوم بالخصوصية (٧) (قوله : لخصوص الوجود) يعني وجود الفرد (٨) (قوله : ليست إلّا هي) من المعلوم ان كل شيء بما هو هو ليس إلّا هو ، ولكن لا ينافي ذلك كونه معروضاً لعوارضه فان زيداً من حيث هو لا صحيح ولا مريض بمعنى أنه ليست الصحة والمرض من مقوماته وذاتياته وان كان بلحاظ طروء الصحة

٣٢٧

فافهم (دفع وهم) لا يخفى ان كون وجود الطبيعة أو الفرد متعلقا للطلب انما يكون بمعنى ان الطالب يريد صدور الوجود من العبد وجعله بسيطاً الّذي هو مفاد كان التامة وإفاضته لا أنه يريد ما هو صادر وثابت في الخارج كي يلزم طلب الحاصل كما توهم ولا جعل الطلب متعلقاً بنفس الطبيعة وقد جعل وجودها غاية لطلبها وقد عرفت ان الطبيعة بما هي هي ليست إلّا هي لا يعقل ان يتعلق بها طلب لتوجد أو تُترك وأنه لا بد في تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها فيلاحظ وجودها فيطلبه ويبعث

______________________________________________________

عليه أو المرض يكون صحيحاً أو مريضا فكون الطبيعة من حيث هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة لا ينافي كونها بلحاظ تعلق الطلب بها تكون مطلوبة أو عدم تعلقه فلا تكون مطلوبة فالعمدة في عدم تعلق الطلب بالطبيعة من حيث هي انها كذلك ليست موضوعاً للأثر ومحطاً للغرض كما ذكر (١) (قوله : فافهم) لعله إشارة إلى الإشكال في الفرق بين الطلب والأمر من حيث دخل الوجود في مفهوم الثاني دون الأول كما عرفت (٢) (قوله : دفع وهم لا يخفى) تقريب الوهم ان الطلب إذا كان متعلقاً الوجود كان عارضاً عليه وحينئذ فاما أن يكون عروضه عليه قبل تحققه أو بعده فعلى الأول يلزم وجود العارض بدون المعروض وعلى الثاني يلزم تحصيل الحاصل وما ذكره المصنف (ره) دفعاً له من أن موضوع الطلب ليس الوجود بل صدوره وجعله غير دافع لأنه يقرر أيضا في الصدور كما يقرر في الوجود ـ مع أن الفرق بين الصدور والوجود بمحض الاعتبار فان الوجود عين الصدور حقيقة (فالدافع) للإشكال أن الموضوع للطلب ليس هو الوجود الخارجي بل الذهني اللحاظي الّذي لا يُلتفت إلى ذهنيته فيرى خارجياً ولذا يسري إلى كل منهما عارض الآخر فيرى موضوعا للغرض مع أن موضوعه هو الوجود الخارجي ويُرى الوجود الخارجي موضوعا للطلب فيقال : جاء بالمطلوب ، مع ان الطلب لم يتعلق به حقيقة وقد أشرنا إلى ذلك في الوجوب التعليقي (٣) (قوله : وجعله بسيطا) تقدم شرحه في تأسيس الأصل من مبحث المقدمة (٤) (قوله : الوجود أو العدم) إشارة إلى الأمر والنهي

٣٢٨

إليه كي يكون ويصدر منه هذا بناء على أصالة الوجود وأما بناء على أصالة الماهية فمتعلق الطلب ليس هو الطبيعة بما هي أيضا بل بما هي بنفسها في الخارج فيطلبها كذلك لكي يجعلها بنفسها من الخارجيات والأعيان الثابتات لا بوجودها كما كان الأمر بالعكس على أصالة الوجود ، وكيف كان فيلحظ الآمر ما هو المقصود من الماهية الخارجية أو الوجود فيطلبه ويبعث نحوه ليصدر منه ويكون ما لم يكن فافهم وتأمل جيداً

فصل

(إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز)

بالمعنى الأعم ولا بالمعنى الأخص كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الأحكام ضرورة ان ثبوت كل واحد من الأحكام الأربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممكن ولا دلالة لواحد من دليلي الناسخ أو المنسوخ بإحدى الدلالات على تعيين واحد منها

______________________________________________________

(١) (قوله : على أصالة الوجود) إشارة إلى الخلاف المعروف في فن المعقول من أن الأصل في التحقق هو الوجود فهو الصادر حقيقة والماهية أمر اعتباري محض ـ كما هو المنسوب إلى المحققين من المشائيين أو أن الأصل هو الماهية فهي الصادر حقيقة والوجود أمر اعتباري كما هو مذهب شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي وغيره (٢) (قوله : أصالة الماهية) يعني لا مجال ـ على هذه الدعوى ـ لاحتمال كون متعلق الطلب هو الوجود إذ المطلوب لا بد أن يكون أمراً حقيقياً فيكون متعلق الطلب نفس الماهية لا من حيث هي بل من حيث كونها خارجية فانها كذلك تكون موضوعا للأثر ومحطاً للغرض على أن يكون الموضوع حقيقة للطلب الماهية الذهنية الحاكية عن الخارجية كما عرفت.

٣٢٩

كما هو أوضح من ان يخفى فلا بد للتعيين من دليل آخر ولا مجال لاستصحاب الجواز إلا بناءً على جريانه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي وهو ما إذا شُك في حدوث فرد كلي مقارنا لارتفاع فرده الآخر وقد حققنا في محله أنه لا يجري الاستصحاب فيه ما لم يكن الحادث المشكوك من المراتب القوية أو الضعيفة المتصلة بالمرتفع بحيث عُدَّ عرفا ـ لو كان ـ أنه باق لا أنه أمر حادث غيره ومن المعلوم ان كل واحد من الأحكام مع الآخر عقلاً وعرفا من المباينات والمتضادات غير الوجوب والاستحباب فانه

______________________________________________________

(نسخ الوجوب)

(١) (قوله : هو أوضح) لوضوح عدم المنشأ للدلالة المذكورة أما في الناسخ فظاهر وأما في المنسوخ فلأنه وان دل على الجواز لكن خصوص الجواز المتحصل بالوجوب فبعد ارتفاع الوجوب لا يكون الجواز على تقدير ثبوته متحصلا بالوجوب بل بغيره فلا يدل عليه (٢) (قوله : لا مجال لاستصحاب) يعني قد يتوهم أنه بعد سقوط الأدلة عن الحجية لعدم الدلالة يرجع إلى الأصل العملي وهو الاستصحاب فان الفعل حين كان واجباً كان جائزاً فإذا ارتفع وجوبه يشك في ارتفاع جوازه فيستصحب ولكنه مندفع بأن الجواز لا يثبت إلا في ضمن أحد الأحكام الأربعة غير التحريم والأحكام الأربعة متباينات فإذا كان ثابتا في ضمن الوجوب وعلم بارتفاع الوجوب واحتمل ثبوت الجواز في ضمن الإباحة مثلا فقد علم بارتفاع الوجود الأول للكلي وشُك في وجود آخر له مقارن لارتفاع الأول وهذا هو القسم الثالث من أقسام الشك في وجود الكلي المحقق فيما يأتي إن شاء الله عدم جريان الاستصحاب فيه لأنه مع تعدد الوجود لا يصدق الشك في البقاء الّذي هو مجرى الاستصحاب (٣) (قوله : وهو ما إذا) تفسير للقسم الثالث لكن سيجيء أن له صورة أخرى (٤) (قوله : من المراتب القوية) كما لو كان الثوب ضعيف

٣٣٠

وان كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلا إلّا انهما متباينان عرفا فلا مجال للاستصحاب إذا شك في تبدل أحدهما بالآخر فان حكم العرف ونظره يكون متبعا في هذا الباب

فصل

إذا تعلق الأمر بأحد الشيئين أو الأشياء ففي وجوب كل واحد على التخيير

______________________________________________________

السواد فوضع في الشمس مثلا وعلم بعدم بقائه على السواد الضعيف بل إما زال سواده بالمرة أو اشتد سواده فانه يستصحب بقاء سواده في الجملة أو كان الثوب شديد السواد فغسل بالماء وعلم بعدم بقائه على سواده القوي بل إما زال بالمرة أو بقي له سواد ضعيف فان الاستصحاب يجري في السواد أيضا لصدق الشك في البقاء عرفا (أقول) : بل الظاهر صدقه حقيقة ودقة لأن الضعيف لا يباين القوي وجودا بل هو من مراتبه وإنما يباينه حداً ومثله لا يمنع من صدق الشك في البقاء حقيقة فلا ينبغي عد هذا من القسم الثالث وإن صدر من كثير من الأعاظم (١) (قوله : وان كان بينهما التفاوت) قد عرفت فيما سبق أنهما أيضا متباينان (٢) (قوله : فلا مجال للاستصحاب) (أقول) : يكفي في إثبات الجواز استصحاب الرضا بالفعل الثابت حال وجوبه إذ لو ثبت الرضا به بعد ارتفاع الوجوب لا يكون وجودا آخر للرضا بل يكون الرضا الأول باقيا وإذا ثبت الرضا به ـ ولو بالاستصحاب ـ كان جائزاً عقلا لأن الأحكام التكليفية إنما تكون موضوعا للعمل في نظر العقل بمناط حكايتها عن الإرادة والكراهة والرضا لا بما هي هي ويكفي في إثبات الاستحباب استصحاب نفس الإرادة النفسانيّة إذ مجرد رفع الوجوب لا يدل على ارتفاعها وإذا ثبتت الإرادة المذكورة ثبت الاستحباب لأنه يكفى فيه الإرادة للفعل مع الترخيص في الترك الثابت قطعاً بنسخ الوجوب

٣٣١

بمعنى عدم جواز تركه إلا إلى بدل ، أو وجوب الواحد لا بعينه ، أو وجوب كل منهما مع السقوط بفعل أحدهما ، أو وجوب المعين عند الله أقوال (والتحقيق) ان يقال : انه (ان كان) الأمر بأحد الشيئين بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم به كل واحد منهما بحيث إذا أتي بأحدهما حصل به تمام الغرض ولذا يسقط به الأمر كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقلياً لا شرعياً وذلك لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ما لم يكن بينهما جامع في البين لاعتبار نحو من السنخية بين العلة والمعلول وعليه فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعي لبيان ان الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين (وان كان)

______________________________________________________

(الواجب التخييري)

(١) (قوله : بمعنى عدم جواز) تفسير للتخيير فيكون الوجوب التخييري على هذا المذهب الإلزام بالفعل والمنع من تركه إلى غير بدل فيكون كل واحد من عدلي الوجوب التخييري واجباً على النحو المذكور وبهذا يتضح الفرق بين هذا القول والقول الثاني إذ عليه يكون الواجب واحداً لا غير ، وأما الفرق بينه وبين الثالث فهو ان الوجوب ـ على الثالث ـ تعييني بالنسبة إلى كل من الافراد غايته أن امتثال واحد منها مسقط لغيره كما يسقط الواجب بغير الواجب مثل قراءة الإمام المسقطة لقراءة المأموم على احتمال (٢) (قوله : المعين عند الله تعالى) المفسر كلام قائله بأنه ما يفعله المكلف وهو بظاهره في غاية الوهن إذ لو كان تعينه بذلك لزم عدم العقاب على ترك الأفراد جميعها ـ مع انه قد يفعل الجميع فلا تميز للواجب حينئذ واقعاً ، ولذا حكي أن القول المذكور تبرأ كل من المعتزلة والأشاعرة منه (٣) (قوله : لا شرعياً) يمكن أن يكون جعل الأفراد متعلقا للخطاب الشرعي على التخيير هو المصحح لتسميته تخييراً شرعياً فتأمل (٤) (قوله : نحو من السنخية) وإلا لأثر كل شيء في كل شيء كما قيل (٥) (قوله : لا يكاد يحصل) عدم حصول

٣٣٢

بملاك أنه يكون في كل واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر كان كل واحد واجباً بنحو من الوجوب يستكشف عنه تبعاته من عدم جواز تركه إلا إلى الآخر وترتب الثواب على فعل الواحد

______________________________________________________

الغرضين من الفردين (تارة) يكون بشرط اجتماعهما في زمان واحد وحكمه أنه لا يجوز الجمع بينهما كذلك بل يفعلهما المكلف على التعاقب لئلا يفوت الغرض الواجب التحصيل (وأخرى) يكون مطلقا ولو كانا في زمانين ، وحينئذ (فتارة) لا يترتب عليهما غرض أصلا في ظرف الاجتماع فلا يجوز الجمع بينهما أيضا كما سبق (وأخرى) يترتب غرض على أحدهما دون الآخر وحكمه جواز الجمع بينهما ولا يجب لعدم الغرض فيه (١) (قوله : واجباً بنحو من الوجوب) يعني ليس على نحو الوجوب التعييني ليجب الجمع بينهما عقلا لأن ثبوت الوجوب التعييني مطلقاً لكل منهما يتوقف على ثبوت الغرض فيه مطلقاً والمفروض أنه لا غرض في كل منهما مطلقاً بل الغرض يكون في ظرف عدم الآخر فلا بد أن يكون الوجوب ثابتاً لكل منهما في ظرف عدم الآخر لأنه تابع للغرض سعة وضيقا كما يكون تابعاً له وجوداً وعدما فيكون كل واحد منهما ـ بما هو هو لا بما هو فرد للجامع ـ واجباً لا مطلقاً بل في حال عدم فعل الآخر وهذا هو الوجوب التخييري نعم لازم ذلك أن لا يكون أحدهما واجبا في ظرف الجمع بينهما لأن تلك الحال ليست حال عدم الآخر وهو إنما يتم في الصورة الأولى إذ في الثانية يكون ما يترتب عليه الغرض منهما واجباً في حال الاجتماع إلّا ان يكون ما يترتب عليه الغرض خصوص السابق منهما فيكون وجوبه في حال عدم الآخر بنحو الشرط المتقدم صحيحاً فتأمل جيداً (٢) (قوله : وترتب الثواب) أما إذا فعل واحدا منهما دون الآخر فترتب الثواب ظاهر ولو فعلهما معا ففي الصورة الأولى ينبغي عدم ترتب الثواب أصلا لأن كل واحد منهما ليس واجباً لعدم ترتب الغرض عليه وفي الصورة الثانية يترتب الثواب

٣٣٣

منهما والعقاب على تركهما فلا وجه في مثله للقول بكون الواجب هو [١] أحدهما لا بعينه مصداقا ولا مفهوماً كما هو واضح إلّا ان يرجع إلى ما ذكرنا فيما إذا كان الأمر بأحدهما بالملاك الأول من ان الواجب هو الواحد الجامع بينهما

______________________________________________________

على فعل ما يترتب عليه الغرض بخصوصه دون الآخر (١) (قوله : والعقاب على تركهما) ظاهره لا سيما بملاحظة ما سبق إرادة عقاب واحد على مجموع التركين لا عقابين على ترك كل واحد منهما لكن عرفت فيما سبق أن اللازم القول بترتب عقابين لتفويته كل واحد من الغرضين بلا عذر (٢) (قوله : كما هو واضح) إذ مصداق أحدهما لا بعينه لا خارجية له ليكون موضوعا للغرض فيمتنع ان يتعلق به الأمر ولأجل ذلك يمتنع تعلق الأمر بمفهومه أيضا ـ مضافا إلى أن مفهوم الوحدة من الأمور الاعتبارية التي لا تكون موضوعا للتكليف ولأجل ذلك يمتنع التكليف بمفهوم الواحد بعينه وان جاز التكليف بمصداقه ، ومن هنا يظهر الإشكال في حاشية المصنف (ره) في المقام حيث جوَّز تعلق العلم الّذي هو من الصفات الحقيقية بالأمر المردد فضلا عن مثل الوجوب الّذي هو من الصفات الاعتبارية ، وأما تعلق العلم بالمردد فأعظم إشكالا لأن التردد والعلم ضدان فالمعلوم يمتنع ان يكون مردداً نعم قد يكون انطباقه على الخارج مردداً وأين هذا من تعلق العلم بالمردد؟ مع انه إذا بني على جواز تعلق الوجوب به فلا مجال لإنكار صحة البعث إليه وهل الوجه في تعلق الوجوب به الا البعث نحو فعله واحداث الداعي لإرادته

__________________

[١] فانه وان كان مما يصح ان يتعلق به بعض الصفات الحقيقية ذات الإضافة كالعلم فضلا عن الصفات الاعتبارية المحضة كالوجوب والحرمة وغيرهما مما كان من خارج المحمول الّذي ليس بحذائه في الخارج شيء غير ما هو منشأ انتزاعه إلّا أنه لا يكاد يصح البعث حقيقة إليه والتحريك نحوه كما لا يكاد يتحقق الداعي لإرادته والعزم عليه ما لم يكن مائلا إلى إرادة الجامع والتحرك نحوه فتأمل جيداً. منه قدس‌سره.

٣٣٤

ولا أحدهما معينا مع كون كل منهما مثل الآخر في أنه واف بالغرض ولا كل واحد منهما تعينا مع السقوط بفعل أحدهما بداهة عدم السقوط مع إمكان استيفاء ما في كل منهما من الغرض وعدم جواز الإيجاب كذلك مع عدم إمكانه فتدبر (بقي الكلام) في أنه هل يمكن التخيير عقلا أو شرعاً بين الأقل والأكثر أولا؟ ربما يقال بأنه محال فان الأقل إذا وجد كان هو الواجب لا محالة ولو كان في ضمن الأكثر لحصول الغرض به وكان الزائد عليه من أجزاء الأكثر زائداً على الواجب لكنه ليس كذلك فانه إذا فرض ان المحصل للغرض فيما إذا وجد الأكثر هو الأكثر لا الأقل الّذي في ضمنه بمعنى ان يكون لجميع أجزائه حينئذ دخل في حصوله وان كان الأقل لو لم يكن في ضمنه كان وافياً به أيضا فلا محيص عن التخيير بينهما إذ تخصيص الأقل بالوجوب حينئذ كان بلا مخصص فان الأكثر بحده يكون مثله على الفرض مثل ان يكون الغرض الحاصل من رسم الخطّ مترتبا على الطويل إذا رسم بماله من الحدِّ لا على القصير في ضمنه ، ومعه كيف يجوز

______________________________________________________

فكلامه (قدس‌سره) محتاج إلى مزيد التأمل (١) (قوله : ولا أحدهما معيناً) معطوف على قوله : ولا وجه ، يعني لا وجه لهذا القول أيضاً (٢) (قوله : مع كون) بيان لنفي الوجه (٣) (قوله : ولا كل) هذا أيضا معطوف على ما سبق (٤) (قوله : الإيجاب كذلك) يعني تعيينيا (٥) (قوله : فتدبر) يمكن ان يكون إشارة إلى إمكان كون مراد القائل بذلك وجوب كل منهما في الجملة بنحو يقتضي المنع عن تركه إلا إلى الآخر كما تقدم في الفصول التصوير الثاني (٦) (قوله : لا محالة) لأنه أحد الفردين حسب الفرض (٧) (قوله : زائداً على الواجب) يعني ولا يكون بعض الواجب حتى يكون الواجب هو تمام الأكثر كما هو معنى التخيير بين الأقل والأكثر (٨) (قوله : فانه إذا فرض) يعني أن ما ذكر إنما يتم لو كان الواجب صرف وجود الطبيعة لأنه يصدق على الأقل بمجرد حصوله فيسقط الأمر فلا يجب الزائد عليه أما إذا كان الواجب هو الوجود الخاصّ (أعني وجوداً واحداً

٣٣٥

تخصيصه بما لا يعمه ومن الواضح كون هذا الفرض بمكان من الإمكان (ان قلت): هبه في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد لم يكن للأقل في ضمنه وجود على حدة كالخط الطويل الّذي رسم دفعةً بلا تخلل سكون في البين لكنه ممنوع فيما كان له في ضمنه وجود كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث أو خط طويل رسم مع تخلل العدم في رسمه فان الأقل قد وجد بحده وبه يحصل الغرض على الفرض ومعه لا محالة يكون الزائد عليه مما لا دخل له في حصوله فيكون زائداً على الواجب لا من أجزائه (قلت) : لا يكاد يختلف الحال بذاك فانه مع الفرض لا يكاد يترتب الغرض على الأقل في ضمن الأكثر وإنما يترتب عليه بشرط عدم الانضمام ومعه كان مترتبا على الأكثر بالتمام (وبالجملة) إذا كان كل واحد من الأقل والأكثر بحده مما يترتب عليه الغرض فلا محالة يكون الواجب هو الجامع بينهما وكان التخيير بينهما عقلياً ان كان هناك غرض واحد وتخييرا شرعياً فيما كان هناك غرضان على ما عرفت (نعم) لو كان الغرض مترتباً على الأقل من دون دخل للزائد لما كان الأكثر مثل الأقل وعدلاً له بل كان فيه اجتماع الواجب وغيره

______________________________________________________

تاماً من الطبيعة) فهذا المفهوم لا ينطبق على الأقل بمجرد حصوله مطلقاً بل يتوقف على كونه تمام الفرد فإذا شرع في الواجب فحصلت ذات الأقل لم يصدق أنه تمام الفرد حتى ينقطع الوجود فان انقطع عليه كان هو الواجب وان لم ينقطع لم يصدق الواجب الا على تمام الوجود إلى آخره (١) (قوله : تخصيصه بما) يعني تخصيص الوجوب بالأقل الّذي لا يعم الأكثر (٢) (قوله : هذا الفرض) يعني فرض دخل خصوصية الوجود في الغرض لتكون مقومة للمأمور به (٣) (قوله : فيما كان له في ضمنه) يعني ما ذكر لا يتم فيما لو كان الأكثر عبارة عن وجودات متعددة متباينة لأن الأقل وجود خاص محدود فيصدق عليه الواجب ويسقط به الأمر (٤) (قوله : على الفرض) يعني فرض دخل خصوصية الوجود في الغرض (٥) (قوله : فانه مع الفرض) يعني يمكن إجراء ما ذكرنا في مورد النقض أيضا بأن تكون

٣٣٦

مستحباً كان أو غيره حسب اختلاف الموارد فتدبر جيداً

فصل العاشر في وجوب الواجب الكفائي

والتحقيق انه سنخ من الوجوب وله تعلق بكل واحد بحيث لو أخل بامتثاله الكل

______________________________________________________

الخصوصية المعتبرة زائدة على الطبيعة عدم انضمام الزائد فالأقل إنما يكون مصداقا للواجب ومحصِّلاً للغرض بشرط عدم انضمام الزائد عليه ، وفي حال الانضمام لا يترتب عليه الأثر وإنما يترتب على تمام الأكثر (أقول) : قد عرفت ان ما يعتبر عدمه في ترتب الأثر على الشيء هو المانع فإذا كان الانضمام مانعاً من ترتب الأثر على الأقل كيف يكون دخيلا في ترتب الأثر عليه معه كما هو معنى جعل الأثر مستنداً إلى تمام الأكثر مع أن استناد الأثر إلى الأكثر ان كان بلحاظ الجهة الواحدة المشتركة بينه وبين الأقل فاللازم الاستناد إلى الأقل لأنه أسبق وان كان بلحاظ جهة التكثر امتنع ان يستند إلى الأقل بشرط عدم الانضمام لعدم التكثر فيه (اللهم) إلا أن يقال : ان الوجودات المتعاقبة وان تخلل بينها العدم ربما تكون تحت وحدة عرضية بها تكون مؤثرة وهذه الوحدة كما تقوم بالأقل تقوم بالأكثر بتمامه مثل مفهوم الورد فانه يصدق على القليل وعلى الكثير بنحو واحد فإذا كان المؤثر في الغرض هو منشأ انتزاع هذا المفهوم وفرض انه يحصل بالقليل كما يحصل بالكثير بعينه كان المكلف مخيراً بين الأقل والأكثر فتأمل (١) (قوله : مستحبا كان) يعني أن الزائد على الواجب قد يكون مستحبا شرعا وقد لا يكون ثم إن هذا كله في الأكثر التدريجي وأما الدفعي فلا مجال للإشكال فيه لأن صرف الوجود كما ينطبق على القليل ينطبق على الكثير فان الكثير صرف الوجود كالقليل

(الوجوب الكفائي)

(٢) (قوله : والتحقيق انه سنخ) هذا السنخ نظير سنخ الوجوب التخييري وإنما يفترقان من حيث أن التعدد هناك في فعل مكلف واحد مع توجه الخطاب إليه

٣٣٧

لعوقبوا على مخالفته جميعاً وان سقط عنهم لو أتى به بعضهم وذلك لأنه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الكل أو البعض كما أن الظاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة واستحقاقهم للمثوبة وسقوط الغرض بفعل الكل كما هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد.

فصل

لا يخفى انه وان كان الزمان مما لا بد منه عقلا في الواجب إلّا انه (تارة) مما له دخل فيه شرعاً فيكون موقتاً (وأخرى) لا دخل له فيه أصلا فهو غير موقت والموقت إما أن يكون الزمان المأخوذ فيه بقدره فمضيق ، وإما أن يكون أوسع منه فموسَّع ولا يذهب عليك ان الموسع كلي كما كان له أفراد دفعية كان له افراد تدريجية يكون التخيير بينهما كالتخيير بين أفرادها الدفعيّة عقلياً

______________________________________________________

وحده فيقتضي فعل كل منها في ظرف عدم فعل ما عداه والتعدد هنا في المكلف فيكون فعل كل واحد من المكلفين مما يقتضيه الوجوب في ظرف عدم فعل الآخر (١) (قوله : لعوقبوا) لمخالفة كل منهم التكليف المتوجه إليه (٢) (قوله : به بعضهم) إذ لا اقتضاء له إلا في ظرف عدم الفعل من بعض (٣) (قوله : غرض واحد) يمكن تصويره في الغرضين المتنافيين حسبما تقدم في الوجوب التخييري إلّا أن يمنع منه وحدة السنخية بين جميع أفعال المكلفين فتأمل (٤) (قوله : كما هو قضية توارد) فان العلل المجتمعة يترتب عليها المعلول ويستند الأثر إلى صرف الجامع بينها ببرهان امتناع استناد الأثر إلى كل منها بما أنه غير الآخر وفي المقام كذلك فان فعل كل مكلف إذا كان علة لحصول الغرض فعند فعل الجميع يكون من قبيل اجتماع العلل

(الموقت)

(٥) (قوله : فيه شرعا) بأن أخذ قيداً لموضوع الحكم الشرعي (٦) (قوله : بقدره) كصوم رمضان (٧) (قوله : أوسع) كالصلاة اليومية ويمتنع أن يكون الزمان أضيق لأن التكليف بالفعل فيه

٣٣٨

ولا وجه لتوهم أن يكون التخيير بينها شرعياً ضرورة أن نسبتها إلى الواجب نسبة أفراد الطبائع إليها كما لا يخفى ، ووقوع الموسع فضلا عن إمكانه مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ولا اعتناء ببعض التسويلات كما يظهر من المطولات (ثم) انه لا دلالة

______________________________________________________

تكليف بالمحال. نعم قد يكون الزمان وقتاً لبعضه كما فيمن أدرك ركعة من الوقت ـ بناء على كون خارج الوقت ليس وقتا لباقي الفعل كما هو الظاهر لعدم التلازم بين التنزيلين كما ذكرناه في محله (١) (قوله : ولا وجه لتوهم) هذا التوهم محكي عن العلامة (ره) وجماعة وكأن المنشأ فيه أن الزمان الموسع لما امتنع تطبيق الواجب عليه كان معنى تقييد الواجب به تقييده بكل جزء منه على البدل ويكون معنى : صلّ في الوقت الكذائي ، صل في أوله أو بعده أو بعده ... وهكذا فيكون تخييراً شرعياً بين الافراد «أقول» : إن كان المائز بين التخيير الشرعي والعقلي وحدة الغرض وتعدده فكون التخيير في المقام شرعيا أو عقليا تابع لذلك وإن صرح بالتقييد بكل قطعة من الزمان على البدل ، وإن كان المائز وقوع التخيير في لسان الشارع فالتخيير في المقام بين القطع الزمانية ليس في لسان الشارع ، ومجرد الأمر بالطبيعة فيما بين أول الوقت وآخره لا يقتضي التخيير بين القِطع الزمانية وليس حال الطبيعة بالنسبة إلى الافراد التدريجية إلا كحالها بالنسبة إلى الافراد الدفعيّة كما ذكر المصنف «ره» (٢) (قوله : ببعض التسويلات) كما يحكى عن جماعة من القدماء فأحالوه عقلا ومنعوا من وقوعه شرعا مستندين في ذلك إلى أنه يلزم جواز الترك من وقت إلى آخر فيلزم جواز ترك الواجب وأنه ينافي وجوبه ـ وهو كما ترى ـ إذ جواز الترك إلى بدل لا ينافي الوجوب كما في الوجوب التخييري (٣) (قوله : ثم إنه لا دلالة) الكلام يكون تارة في مقام الثبوت وأخرى في مقام الإثبات أما الأول فهو أن الزمان المعين (تارة) يكون دخيلاً في تمام مراتب مصلحة الواجب بحيث تفوت المصلحة من أصلها بفوات الزمان ويعبر عنه بوحدة المطلوب ؛ (وأخرى) يكون دخيلا في بعض مراتبها دون بعض بحيث يترتب على

٣٣٩

للأمر بالموقت بوجه على الأمر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به (نعم) لو كان التوقيت بدليل منفصل لم يكن له إطلاق على التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب إطلاق لكان قضية إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله (وبالجملة)

______________________________________________________

الفعل في خارج الوقت بعض المصلحة (ففي الأول) لا يجب الفعل في خارج الوقت لعدم المصلحة فيه ولو دل دليل على وجوبه كان من قبيل التدارك والجبران لما فات نظير بعض الكفارات المترتبة على ترك بعض الواجبات خطأ (وفي الثاني) يجب الفعل ان كان الباقي من المصلحة مما يجب تداركه ، ويستحب إن كان مما يستحب تداركه (وأما) الكلام في الثاني فهو أن التوقيت (تارة) يكون بدليل متصل مثل : اغتسل في الجمعة (وأخرى) بدليل منفصل مثل أن يقول : اغتسل ، ثم يجيء دليل آخر يتضمن وجوب الغسل في الجمعة ، ففي الأول لا دلالة للدليل على كون الوقت دخيلا في تمام مراتب مصلحة الواجب أو بعضها فالمرجع في وجوب الفعل خارج الوقت هو الأصل العملي ان لم يقم دليل على وجوبه وإلا كان عليه المعول (وفي الثاني) تارة يكون لدليل وجوب الفعل إطلاق يقتضي وجوبه بعد الوقت ولدليل التقييد إطلاق يقتضي دخل الوقت في تمام مراتب المصلحة وتارة يكون لأحدهما إطلاق دون الآخر وثالثة لا يكون لأحدهما أصلا إطلاق فعلى الأول يؤخذ بإطلاق دليل التقييد وعلى الثاني يؤخذ بالإطلاق الثابت لأحدهما ؛ وعلى الثالث يرجع إلى الأصل العملي. هذا لو لم يقم دليل على القضاء وإلا فعليه المعول نعم قد يقتضي الجمع بينه وبين إطلاق دليل التقييد حمله على الجبران لا على استيفاء بعض مراتب المصلحة (١) (قوله : للأمر بالموقت) إشارة إلى التقييد بالمتصل (٢) (قوله : لو لم نقل بدلالته) كأن القول بالدلالة على ذلك للأخذ بمفهوم القيد الّذي هو نظير مفهوم الوصف (٣) (قوله : له إطلاق) يعني الإطلاق الدال على تقييد جميع مراتب المصلحة بالوقت (٤) (قوله : وكون التقييد) معطوف

٣٤٠