حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

فلا يكاد يتصف بالحرمة أو الكراهة إذ منها ما يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه اختياراً كما كان متمكناً قبله فلا دخل له أصلا في حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام أو المكروه فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما (نعم) ما لا يتمكن معه من الترك المطلوب لا محالة يكون مطلوب الترك ويترشح من طلب تركهما طلب ترك خصوص هذه المقدمة فلو لم يكن للحرام مقدمة لا يبقى معها اختيار تركه لما اتصف بالحرمة مقدمة من مقدماته (لا يقال) : كيف ولا يكاد يكون فعل الا عن مقدمة لا محالة معها يوجد ضرورة ان الشيء ما لم يجب لم يُوجد (فانه يقال):

______________________________________________________

فيها أيضا (١) (قوله : إذ منها ما يتمكن معه) قد عرفت أن الشيء الواحد إذا كان له مقدمات توقف وجوده على كل واحدة منها وتوقف عدمه على عدم واحدة منها وان وجدت الباقية فالحرام لما كان واجب الترك كان الواجب الغيري ما يتوقف عليه الترك الواجب فإذا كان يكفى فيه ترك واحدة كان الواجب الغيري ترك واحدة على البدل فيكون الواجب الغيري تخييريا بين تروك المقدمات فللمكلف فعل جميعها عدا واحدة (٢) (قوله : ما لا يتمكن معه) يعني المقدمة التي لا يتمكن مع فعلها من ترك الحرام كما لو فعل جميع المقدمات عدا واحدة منها فان فعلها يكون حراما حينئذ لأنه علة تامة لحصول الحرام (٣) (قوله : لا يبقى معها اختيار) بان كان الحرام فعلا اختيارياً فان من مقدماته الوجودية اختياره وإرادته (٤) (قوله : لما اتصف) أما عدم اتصاف الاختيار بالحرمة الغيرية فلأنه ليس بالاختيار ، وأما عدم اتصاف بقية المقدمات بالحرمة فلأن تركها لا يتوقف عليه ترك الحرام بالخصوص بل يكفي فيه ترك الاختيار (٥) (قوله : لا يقال كيف) إيراد على ما يستفاد من كلامه يعنى كيف يكون للشيء مقدمات توجد جميعها ويكون له فيه اختيار مع أن المقدمات لا بد أن تكون علة تامة بحيث يجب معها وجود ذيها ولذا قيل : الشيء ما لم يجب لم يُوجد ، إذ المراد من وجوبه أن توجد علته التامة التي يمتنع أن لا يوجد معها

٣٠١

نعم لا محالة يكون من جملتها ما يجب معه صدور الحرام لكنه لا يلزم أن يكون ذلك من المقدمات الاختيارية بل من المقدمات غير الاختيارية كمبادئ الاختيار التي لا تكون بالاختيار وإلّا التسلسل فلا تغفل وتأمل.

الفصل

الخامس الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أولا؟

فيه أقوال وتحقيق الحال يستدعي رسم أمور (الأول) الاقتضاء في العنوان أعم من أن يكون بنحو (العينية) أو (الجزئية) أو (اللزوم) من جهة التلازم بين طلب أحد الضدين وطلب ترك الآخر أو (المقدمية) على ما سيظهر ، كما أن المراد بالضد هاهنا هو مطلق المعاند والمنافي وجودياً كان أو عدمياً (الثاني) أن الجهة المبحوث عنها في المسألة وان كانت انه هل يكون للأمر اقتضاء

______________________________________________________

(١) (قوله : نعم لا محالة يكون) يعني ما ذكر مسلم لكن يمكن أن تكون المقدمة التي بها يجب وجود المعلول هي نفس الاختيار وهو لا يمكن أن يكون موضوعا للتكليف تعيينا أو تخييرا ولا غيره كما عرفت. والله سبحانه أعلم وله الحمد كما هو أهله.

(الكلام في مسألة الضد)

(٢) (قوله : الاقتضاء في العنوان) الموجب لهذا التعميم مضافا إلى إطلاق لفظ الاقتضاء أمران (أحدهما) ما تقدمت الإشارة إليه من أن عموم النزاع وخصوصه تابع لعموم الغرض وخصوصه ومن المعلوم أن فساد الضد إذا كان عبادة لا يختص ببعض أنواع الاقتضاء (وثانيهما) وجود الأقوال فقد حكي القول بالاقتضاء في الضد العام على نحو العينية ، وعلى نحو التضمن ، وعلى نحو الالتزام اللفظي ، وعلى نحو الالتزام العقلي فانه لو لا عموم الاقتضاء كانت الأقوال خارجة عن محل النزاع وهذا هو المشار إليه بقوله : سيظهر (قوله : المراد بالضد هاهنا)

٣٠٢

بنحو من الأنحاء المذكورة؟ ، إلا أنه لما كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاصّ إنما ذهبوا إليه لأجل توهم مقدمية ترك الضد كان المهم صرف عنان الكلام في المقام إلى بيان الحال وتحقيق المقال في المقدمية وعدمها فنقول وعلى الله الاتكال : إن توهم توقف الشيء على ترك ضده ليس إلا من جهة المضادة والمعاندة بين الوجودين وقضيتها الممانعة بينهما ومن الواضحات ان عدم المانع من المقدمات (وهو توهم فاسد) وذلك لأن المعاندة والمنافرة بين الشيئين لا تقتضي الا عدم اجتماعهما في التحقق وحيث لا منافاة أصلا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله بل بينهما كمال الملاءمة كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله في مرتبةٍ واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدم أحدهما على الآخر كما لا يخفى فكما أن المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر كذلك في المتضادين كيف ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء على عدم ضده توقف الشيء على عدم

______________________________________________________

(١) يعني أن الضد باصطلاح أهل المعقول الأمر الوجوديّ الّذي لا يجتمع مع وجودي آخر في محل واحد في زمان واحد ، لكن المراد منه هنا مطلق المنافر الأعم من الوجوديّ والعدمي بشهادة إطلاقهم الضد العام على الترك (٢) (قوله : عمدة القائلين) بل المنسوب إلى المشهور منهم (٣) (قوله : لأن المعاندة والمنافرة) هذا أحد الإيرادات الأربعة المحكية عن حاشية المحقق التقي (ره) يعني أن التضاد بين الشيئين يقتضي عدم اجتماعهما في محل واحد في زمان واحد ، ولا يقتضي أن يكون عدم أحدهما مقدمة لوجود الآخر كما في المانع الّذي يكون عدمه مقدمة للممنوع لتوقفه عليه (٤) (قوله : بين أحد) أي بين وجود أحدهما وعدم الآخر (٥) (قوله : تقدم أحدهما) يعني كما يقول المشهور القائلون بمقدمية ترك الضد لفعل ضده (٦) (قوله : ان قضية المنافاة بين) وكذا المنافاة بين لازم المانع وبين الممنوع لا تقتضي مقدمية عدم أحدهما لوجود الآخر (٧) (قوله : كيف ولو اقتضى) هذا أيضا أحد الإيرادات الأربعة (قوله : توقف الشيء)

٣٠٣

مانعة لاقتضى توقف عدم الضد على وجود الشيء توقف عدم الشيء على مانعة بداهة ثبوت المانعية في الطرفين وكون المطاردة من الجانبين وهو دور واضح ، (وما قيل) في التفصي عن هذا الدور بان التوقف من طرف الوجود فعلي بخلاف التوقف من طرف العدم فانه يتوقف على فرض ثبوت المقتضي له مع شراشر شرائطه

______________________________________________________

(١) مفعول مطلق لقوله (ره) : توقف وجود ، «وتوضيح» ما ذكر أن التضاد بين الشيئين لو كان راجعاً إلى التمانع المؤدي إلى توقف وجود أحدهما على عدم الآخر لأدى أيضا إلى توقف عدم كلّ منهما على وجود الآخر لأن المانع يكون علة لعدم الممنوع وحينئذ يلزم الدور ، لأن وجود أحدهما متوقف على عدم الآخر الّذي هو المؤدى الأول ؛ وعدم الآخر يتوقف على وجوده الّذي هو المؤدى الثاني ومنه يظهر امتناع ثبوت التمانع بين شيئين من الطرفين بل لا بد أن يكون من أحدهما دون الآخر فيقال مثلا : رطوبة الحطب مانعة من احتراقه ، ولا يصح أن يقال : احتراقه مانع أيضا من رطوبته ، للزوم الدور المذكور (٢) (قوله : وما قيل في التفصي) هذا منسوب إلى المحقق الخوانساري (٣) (قوله : من طرف الوجود) يعني توقف وجود أحد الضدين على عدم الآخر فعلي غير تقديري بخلاف توقف العدم على الوجود فانه تقديري لأنه معلَّق على وجود تمام اجزاء العلة التامة عدا عدم المانع إذ في ظرف اجتماعها ووجود المانع يستند العدم إلى وجوده أما لو فقد المقتضي للوجود أو الشرط يكون العدم مستنداً إلى عدم المقتضي أو الشرط لا إلى وجود المانع وإذ لا يستند العدم إلى وجود المانع لا يكون متوقفاً عليه وإذا اختص التوقف بحال وجود سائر أجزاء العلة نقول : وجود سائر أجزاء العلة ربما يكون ممتنعاً فالتوقف يكون ممتنعاً أيضا ، والوجه في امتناعه أن المقتضي لفعل الضد هو الإرادة ويمتنع تعلقها به في ظرف إرادة ضده ، مثلا في حال فعل الصلاة عن إرادة تمتنع إرادة الإزالة لامتناع اجتماع إرادتي الضدين فعدم الإزالة حين فعل الصلاة يستند إلى عدم إرادة الإزالة لا إلى وجود الصلاة (قوله : مع شراشر)

٣٠٤

غير وجود ضده ولعله كان محالا لأجل انتهاء عدم وجود أحد الضدين مع وجود الآخر إلى عدم تعلق الإرادة الأزلية به وتعلقها بالآخر حسب ما اقتضته الحكمة البالغة فيكون العدم دائماً مستنداً إلى عدم المقتضي فلا يكاد يكون مستنداً إلى وجود المانع كي يلزم الدور (إن قلت) : هذا إذا لوحظا منتهيين إلى إرادة شخص واحد ، وأما إذا كان كل منهما متعلقاً لإرادة شخص فأراد ـ مثلا ـ أحد الشخصين حركة شيء وأراد الآخر سكونه فيكون المقتضي لكل منهما حينئذ موجوداً فالعدم لا محالة يكون فعلا مستنداً إلى وجود المانع (قلت) : هاهنا أيضا يكون مستنداً إلى عدم قدرة المغلوب منهما في إرادته وهي مما لا بد منه في وجود المراد ولا يكاد يكون بمجرد الإرادة بدونها لا إلى وجود الضد لكونه مسبوقا بعدم قدرته كما لا يخفى (غير سديد) فانه وان كان قد ارتفع به الدور

______________________________________________________

(١) قال في المجمع : شرشرة الشيء تشقيقه وتقطيعه من شرشر بوله يُشرشِر (٢) (قوله : ولعله كان) يعني ثبوت المقتضي وشرائطه والتعبير بلعل لأنه يكفي احتمال الاستحالة في رفع الاستدلال وإن كان احتمال عدم الاستحالة مانعاً من الجزم بتوقف وجود أحدهما على عدم الآخر (٣) (قوله : الإرادة الأزلية) يعني إرادة الواجب سبحانه المؤدي عدم تعلقها بفعل المكلَّف إلى عدم تعلق إرادته به فيستند عدمه إلى عدم تعلق إرادة المكلف وهذا العدم يستند إلى عدم تعلق الإرادة الأزلية ولو قال : عدم تعلق إرادة المكلف ، لكان أوضح (٤) (قوله : مستنداً إلى عدم) يعني أن قدرة الفاعل شرط في تأثير إرادته في المراد وفي الفرض المذكور يستند العدم إلى عدم القدرة لا إلى وجود المانع (٥) (قوله : لا إلى وجود) معطوف على قوله : إلى عدم (٦) (قوله : لكونه مسبوقا) هذا دفع لإشكال يتوهم وروده في المقام وهو أن الشيء إذا كان له مقدمات متعددة وإن كان يكفي في عدمه عدم واحدة منها إلّا أنه في ظرف عدم الجميع يستند عدمه إلى عدم الجميع لأن استناده إلى عدم واحدة بعينها ترجيح بلا مرجح ففي ظرف عدم المقتضي وعدم

٣٠٥

الشرط ووجود المانع يستند العدم إلى الجميع فلا وجه لاستناد العدم إلى عدم المقتضي بعينه أو إلى عدم الشرط بعينه في ظرف وجود المقتضي ففي فرض فعل الصلاة وترك الإزالة يستند عدم الإزالة إلى عدم إرادة الإزالة وفعل الصلاة معا فيرجع الدور «وحاصل» الجواب أن ذلك مسلم حيث لا يكون عدم بعضها متقدما بحسب الرتبة على عدم بعضها الآخر وإلّا كان هو المتعين في الاستناد ، وعدم الإرادة وعدم القدرة متقدمان على وجود الضد لأن الضدين مسبوقان بإرادتين وقدرتين فإرادة كل منهما في رتبة إرادة الآخر كما أن القدرة على كل منهما التي هي شرط له في رتبة القدرة على الآخر كذلك «أقول» : تضاد الإرادتين لا يقتضي حفظ الرتبة بينهما كيف والإرادتان متضادتان ولو في رتبتين؟ فكون إرادة الضد متقدمة عليه رتبة لأنها مقتض له لا يقتضي تقدمها رتبة على الضد الآخر فتكون في رتبة الآخر فعدمها والضد الآخر في رتبة واحدة فيستند العدم إليهما معاً. نعم ذكر بعض الأعاظم أن عدم المعلول في ظرف عدم المقتضي ووجود المانع يستند إلى عدم المقتضي لا وجود المانع كما انه كذلك في الشرط ، ويساعده نظر العرف فانه لا يصح ان يقال : لم يحترق الحطب لأنه رطب إلا في فرض مماسة النار للحطب ، وفي ظرف عدم النار أصلا يقال : لم يحترق لعدم النار ؛ ولا يقال : وللرطوبة ، ولعل الوجه فيه ترتب عنوان أجزاء العلة فان اعتبار المانعية إنما يكون في ظرف وجود المقتضي والشرط كما أن اعتبار الشرطية إنما يكون في ظرف وجود المقتضي فإذ لا مقتضي لا شرطية للشرط كي يصح التعليل ، كما أنه إذ لا مقتضي ولا شرط لا مانعية للمانع كي يصح التعليل بها «أقول» : أما ترتب عناوين الأجزاء فممنوع جداً كيف ومنشأ اعتبارها أمور واقعية غير منوطة بما ذكر ، وأما نظر العرف فالظاهر انه مبني على المسامحة الناشئة من اختلاف أجزاء العلة في كيفية الدخل في المعلول من حيث كون بعضها فاعلا كالمقتضي وبعضها غير فاعل ولكنه موجب لقابلية الفاعل أو القابل ، والثاني وجودي تارة وعدمي أخرى فاختلاف الجهات المذكورة ربما أوجب مزيد العناية والاهتمام وأما ما اشتهر فلا يخلو

٣٠٦

إلّا أن غائلة لزوم توقف الشيء على ما يصلح ان يتوقف عليه على حالها لاستحالة أن يكون الشيء الصالح لأن يكون موقوفا عليه الشيء موقوفاً عليه ضرورة انه لو كان في مرتبة يصلح لأن يستند إليه لما كاد يصح أن يستند فعلا إليه «والمنع» عن صلوحه لذلك بدعوى ان قضية كون العدم مستنداً إلى وجود الضد لو كان مجتمعاً مع وجود المقتضي وان كانت صادقة إلّا ان صدقها لا يقتضي كون الضد صالحاً لذلك لعدم اقتضاء صدق الشرطية

______________________________________________________

عن خفاء فارتفاع الدور المذكور غير ظاهر فتأمل جيداً (١) (قوله : إلا أن غائلة لزوم) يعني أن ما ذكر وان كان يرفع استناد عدم الضد إلى وجود ضده المؤدي إلى الدور إلّا أنه لا يرفع صلاحية وجود الضد لاستناد العدم إليه لأن المفروض ان الوجود موجب للعدم بذاته غاية الأمر أن العدم استند إلى عدم المقتضي الّذي هو أسبق العلتين فالوجود لا يخرج عن كونه علة للعدم بذاته وهذا أيضا مستحيل بعين استحالة الدور لأنه يؤدي إلى كون الشيء بذاته علة لنفسه (٢) (قوله : أن يكون الشيء) يعنى فعل الضد في المقام (٣) (قوله : عليه الشيء) يعنى عدم الضد في المقام فهو اسم يكون (٤) (قوله : موقوفا عليه) خبر (يكون الشيء) وهذا التوقف الفعلي هو المدعى للمتفصي (٥) (قوله : ضرورة انه) بيان للاستحالة يعنى لو كان الشيء بذاته يصلح أن يستند إليه شيء آخر امتنع أن يستند إلى ذلك الشيء الآخر فعلا لأنه يؤدي إلى كون الشيء بذاته علة لنفسه (٦) (قوله : والمنع عن صلوحه) يعني قد يدعى منع صلاحية توقف وجود الضد على عدم ضده فلا موجب للاستحالة (٧) (قوله : بدعوى ان) هذه الدعوى إنما تُجدي في رفع الصلاحية لو كانت الصلاحية معلقة على أمر غير حاصل وهو وجود المقتضي للضد مع تمام شرائطه مع أن الأمر ليس كذلك بل المعلق على غير الحاصل هو الاستناد الفعلي والصلاحية منتزعة من هذا التعليق فصدق الشرطية كاف في ثبوت الصلاحية ولا يتوقف ثبوتها على صدق طرفي الشرطية فهذا المنع لا يرتبط بالتفصي ولا بالجواب عنه (٨) (قوله : قضية كون العدم) هذه هي القضية الشرطية

٣٠٧

صدق طرفيها مساوق لمنع [١] مانعية الضد وهو يوجب رفع التوقف رأساً من البين ضرورة انه لا منشأ لتوهم توقف أحد الضدين على عدم الآخر الا توهم مانعية الضد كما أشرنا إليه وصلوحه لها (ان قلت) : التمانع بين الضدين كالنار على المنار بل كالشمس في رابعة النهار وكذا كون عدم المانع مما يتوقف عليه مما لا يقبل الإنكار

______________________________________________________

(١) (قوله : صدق طرفيها) يعني والصلاحية تابعة لصدق الطرفين (٢) (قوله : مساوق لمنع) خبر لقوله : والمنع ، يعني إذا لم يصلح وجود أحد الضدين لأن يستند إليه عدم الآخر لم يكن وجه للحكم بكون وجود الضد مانعاً عن الآخر لأن المانعية منتزعة عن مقام مؤثرية وجود أحدهما في عدم الآخر فإذا مُنع ذلك فلا مجال لانتزاعها (أقول) : المانعية الفعلية منتزعة من مقام استناد العدم إلى الوجود فعلاً والمانعية الاقتضائية منتزعة من مقام صلاحية الوجود لاستناد العدم إليه فمنع الصلاحية بالمعنى الملازم لصدق طرفي الشرطية إنما يساوق المنع عن المانعية الفعلية لا مطلقاً بل المساوق لمنعها مطلقاً هو نفي الصلاحية بالمعنى الملازم لصدق الشرطية وهو غير المنع المذكور فان المانع يعترف بصدق الشرطية فتثبت عنده الصلاحية ، لكن عرفت أن الصلاحية بهذا المعنى ممتنعة أيضا لأدائها إلى علية الشيء لنفسه بذاته فلعل الأولى في كيفية الإيراد على المنع المذكور أن يقال :

__________________

[١] مع ان حديث عدم اقتضاء صدق الشرطية لصدق طرفيها وان كان صحيحا إلّا ان الشرطية هاهنا غير صحيحة فان وجود المقتضي للضد لا يستلزم بوجه استناد عدمه إلى ضده ولا يكون الاستناد مترتبا على وجوده ضرورة ان المقتضي لا يكاد يقتضي وجود ما يمنع عما يقتضيه أصلا كما لا يخفى فليكن المقتضي لاستناد عدم الضد إلى وجود ضده فعلا عند ثبوت مقتضي وجوده هو الخصوصية التي فيه الموجبة للمنع عن اقتضاء مقتضية كما هو الحال في كل مانع وليست في الضد تلك الخصوصية كيف وقد عرفت انه لا يكاد يكون مانعا إلا على وجه دائر. نعم انما المانع عن الضد هو العلة التامة لضده لاقتضائها ما يعانده وينافيه فيكون عدمه كوجود ضده مستنداً إليها. فافهم. منه قدس‌سره

٣٠٨

فليس ما ذكر إلّا شبهة في مقابل البداهة.

______________________________________________________

ان كان المقصود المنع عن الصلاحية مطلقاً حتى ما كان مساوقاً لصدق الشرطية فذلك مساوق لمنع أصل المانعية وان كان المقصود المنع عن الصلاحية المساوقة لصدق طرفي الشرطية مع البناء على صدق الشرطية فصدق الشرطية أيضا يستلزم المحال كما عرفت ، ويمكن الإيراد على التفصي من أصله بأن البناء على استناد عدم الضد إلى عدم المقتضي لا إلى وجود الضد يمنع من البناء على حرمة الضد الموجود بمناط مقدمية عدمه لأن مقدمية عدمه المؤدية إلى وجوبه مساوقة لمانعية وجوده فإذا فرض عدم المانعية فعلاً لوجوده لاستناد عدمه إلى عدم المقتضي لم يكن عدمه حراما وقد تقدم ان الواجب إذا كان له مقدمات مترتبة اختص تحريم الترك بترك الأولى إذ في ظرفه لا يستند تركه إلى ترك غيرها فيحرم فالبناء على ثبوت مانعية الضد لضده لا يقتضي تحريم فعله بعد استناد عدمه إلى عدم المقتضي وهذا الكلام مطرد في جميع مقدمات الواجب المترتبة رتبة أو زمانا فانه لا يجب منها إلا ما يستند إلى تركه ترك الواجب فلا يجب الشرط إلا في ظرف وجود المقتضي لاستناد عدم الواجب إلى عدمه حينئذ لا ما لو فُقد المقتضي فانه لا يستند عدم الواجب إلى عدمه بل إلى عدم المقتضي وهكذا الحال في المانع ، ومنه يظهر أن البناء على مانعية الضد إما مستلزم للدور لو استند العدم في ظرف عدم المقتضي إلى وجود المانع أيضا أو لا يقتضي التحريم لو استند إلى عدم المقتضي لا غير. هذا وقد سلك بعض الأعيان مسلكا آخر في نفي التمانع بين الضدين ومحصله لزوم حفظ الرتبة بين النقيضين فان المعلول عدم في رتبة العلة كما أن العلة عدم في رتبة المعلول فلو كان مثل هذا العدم نقيضا للوجود لزم اجتماع النقيضين فدل ذلك على أن نقيض الشيء رفعه في رتبته وحينئذ فلو كان أحد الضدين مانعا عن الآخر كان عدمه شرطاً في وجود الآخر فيكون متقدما عليه رتبة ولازمه أن يكون نقيضه وهو نفس الضد المانع متقدما أيضا للزوم حفظ الرتبة بين النقيضين وهكذا يقال في الضد الآخر فيكون كل منهما متقدما ومتأخراً رتبة عن الآخر وهو ممتنع (قوله : فليس ما ذكر)

٣٠٩

(قلت) : التمانع بمعنى التنافي والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه إلّا انه لا يقتضي إلا امتناع الاجتماع وعدم وجود أحدهما الا مع عدم الآخر الّذي هو بديل وجوده المعاند له فيكون في مرتبته لا مقدماً عليه ولو طبعاً والمانع الّذي يكون موقوفاً على عدم الوجود هو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره لا ما يعاند الشيء ويزاحمه في وجوده (نعم) العلة التامة لأحد الضدين

______________________________________________________

(١) يعني مما يدل على نفي التمانع (٢) (قوله : التمانع بمعنى التنافي) يعني أن التمانع يقال علي معنيين (أحدهما) مجرد التعاند بين الشيئين على نحو يمتنع اجتماعهما في الوجود (وثانيهما) أن يكون أحدهما مانعا عن الآخر بالمعنى المصطلح بحيث يكون لعدمه دخل في وجوده فان أريد الأول فوضوح وجوده بين الضدين مسلم لكنه لا يقتضي مقدمية عدم أحدهما للآخر كما في التناقض بين الشيئين وان أريد الثاني فهو وان كان يقتضي مقدمية عدم أحدهما للآخر إلّا ان ثبوته ممنوع (٣) (قوله : الّذي هو) يعني عدم الآخر (٤) (قوله : المعاند له) صفة لوجوده وضمير له راجع إلى وجود أحدهما (٥) (قوله : ولو طبعا) التقدم الطبعي في الاصطلاح تقدم العلة الناقصة على المعلول وأما تقدم العلة التامة فهو التقدم بالعلية (٦) (قوله : ما كان ينافي) مقتضى صيغة المانع أن يكون المراد به ما يمنع الوجود ويقتضي العدم لكن حيث أن المقرر عندهم امتناع تأثير كل من الوجود والعدم في الآخر بل العدم لا يُعلل حتى في العدم لا بد أن يكون المراد به ما له دخل في قابلية المقتضي للتأثير أو المعلول للتأثر إذ القابلية ليست وجوداً ولا عدما فانها تكون مع كل كما يفهم من قولنا : قابل للوجود والعدم ، وأما عبارة المتن فلا تخلو بظاهرها من شيء فان ما ينافي تأثير المقتضي عين ما ينافي وجود الشيء لأن تأثير المقتضي عين وجود المقتضى ـ بالفتح ـ الّذي هو الأثر فان الأثر والتأثير واحد خارجاً والاختلاف بالاعتبار كالكسر والانكسار ، ويمكن حملها على أن المانع في الاصطلاح ما لعدمه دخل في قابلية المقتضي للتأثير بخلاف الضد فان لعدمه دخلا في قابلية المقتضى ـ بالفتح ـ للوجود لكنه خلاف

٣١٠

ربما تكون مانعا عن الآخر ومزاحماً لمقتضيه في تأثيره مثلا يكون شدة الشفقة على الولد الغريق وكثرة المحبة له تمنع عن ان تؤثر ما في الأخ الغريق من المحبة والشفقة لإرادة إنقاذه مع المزاحمة فينقذ به الولد دونه فتأمل جيداً ، ومما ذكرنا ظهر أنه لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم في أن عدمه الملائم للشيء المناقض لوجوده المعاند لذاك لا بد ان يجامع معه من غير مقتض لسبقه ، بل قد عرفت

______________________________________________________

مصطلحهم في المانع ولا ينفي مقدمية ترك الضد لفعل ضده إذ لا فرق بين قابلية الفاعل والقابل في الاحتياج إليهما في وجود القابل ، وكيف كان فالفارق بين المانع والضد ان المانع لعدمه دخل في قابلية الفاعل أو القابل والضد ليس كذلك فلا يكون عدمه دخيلا في ذلك بل قابلية كل واحد منهما للوجود في نفسه ذاتية بلا دخل العدم الآخر فيها وعدم قابليتهما للاجتماع أيضا ذاتي لا يرتفع بعدم أحدهما (١) (قوله : ربما تكون مانعا) يعني حيث تكون أقوى من علة الآخر (٢) (قوله : تمنع عن ان تؤثر) فان الشفقة على الأخ لا قصور في اقتضائها في نفسها لإنقاذ الأخ إلّا أن زيادة الشفقة على الولد كانت مانعة عن تأثيرها في إنقاذ الأخ ولو لم تكن مانعة عنها لزم تخلف المعلول عن العلة بلا مانع وهو خلف إلّا ان يقال : زيادة الشفقة على الولد أجنبية عن مقام المنع عن تأثير الشفقة على الأخ في إنقاذه وإنما اقتضت فعلية أثرها وهو إنقاذ الولد ولما كان إنقاذ الولد مضاداً لإنقاذ الأخ وهما لا يقبلان الاجتماع ذاتا امتنع تأثير الشفقة على الأخ في إنقاذه فعدم تأثير الشفقة على الأخ في إنقاذه كان مستندا إلى عدم قبول الضدين ذاتا للاجتماع المانع عن تعلق الإرادة بهما عرضا (٣) (قوله : ومما ذكرنا ظهر) الّذي ذكره أمران وجدان وبرهان أشار إلى الأول بقوله : لأن المعاندة ... إلخ وإلى الثاني بقوله : كيف ولو اقتضى ... إلخ (٤) (قوله : عدمه) يعني عدم الضد مطلقاً (٥) (قوله : للشيء) يعني الضد الآخر (٦) (قوله : المناقض) صفة لعدمه (٧) (قوله : المعاندة) صفة لوجوده (٨) (قوله : لذاك) إشارة إلى الشيء (قوله : من غير مقتض)

٣١١

ما يقتضي عدم سبقه فانقدح بذلك ما في تفصيل بعض الاعلام حيث قال بالتوقف على رفع الضد الموجود وعدم التوقف على عدم الضد المعدوم فتأمل في أطراف ما ذكرناه فانه دقيق وبذلك حقيق ، فقد ظهر عدم حرمة الضد من جهة المقدمية وأما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود في الحكم فغايته ان لا يكون أحدهما فعلا محكوماً بغير ما حكم به الآخر لا ان يكون محكوماً بحكمه ،

______________________________________________________

(١) إشارة إلى الوجدان (٢) (قوله : ما يقتضي) إشارة إلى البرهان (٣) (قوله : بعض الاعلام) هو المحقق الخوانساري قيل : ومال إليه شيخنا الأعظم (قده) (٤) (قوله : بالتوقف على) هذا تفصيل بين الرفع الّذي هو نقيض البقاء والدفع الّذي هو نقيض الحدوث بمقدمية الأول دون الثاني ، مثلا إذا وُجد السواد في الخارج توقف وجود البياض على ارتفاع السواد ولا يتوقف بقاء السواد على عدم حدوث البياض ولكنه مندفع بما سبق لعدم الفرق (٥) (قوله : وأما من جهة لزوم) هذه الجهة ـ لو تمت ـ اقتضت وجوب ترك الضد لكن لا بالوجوب الغيري كما هو مقتضى الجهة الأولى المعوَّل عليها عند المشهور ومبنى هذه الجهة لزوم اتحاد المتلازمين في الحكم فإذا كان ترك أحد الضدين ملازما لفعل الآخر كان ملازما له في الحكم فإذا كان الضد واجباً كان ترك ضده كذلك (وحاصل) دفعها منع المبنى المذكور وإلا ثبت الحكم بلا ملاك يقتضيه وهو ممتنع بل الثابت امتناع أن يكون أحد المتلازمين محكوما عليه بغير حكم الآخر وهو إنما يقتضي عدم الحكم على ترك الضد بغير الوجوب إذا كان حكم ضده الوجوب فلا يكون محكوما بحكم أصلا لا بالوجوب لأنه بلا ملاك ـ كما عرفت ـ ولا بالتحريم ولو كان فيه ملاكه لأنه مع وجود الضد تكليف بما لا يطاق ، ولا بغيرهما لأنه لغو. والمتحصل في حكم المتلازمين أن حكم كل في نفسه ان كان إلزامياً من سنخ واحد وجوبين أو تحريمين اكتفي بأحدهما إلا مع عدم المرجح فيثبتان معا وان كانا من سنخين ثبت الأقوى منهما ملاكا ، وان كان أحدهما إلزامياً دون الآخر ثبت الإلزامي

٣١٢

وعدم خلوّ الواقعة عن الحكم انما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي فلا حرمة للضد من هذه الجهة أيضا بل على ما هو عليه لو لا الابتلاء بالمضاد للواجب الفعلي من الحكم الواقعي (الأمر الثالث) انه قيل بدلالة الأمر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام بمعنى الترك حيث انه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك (والتحقيق) أنه لا يكون الوجوب إلا طلباً بسيطاً ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب

______________________________________________________

دون الآخر ثبت الإلزامي دون الآخر للغويته (١) (قوله : وعدم خلو) يعني قد يشكل ما ذكر بأنه يلزم خلو ترك الضد عن الحكم مع أن المعروف عدم خلو الواقعة عن الحكم (٢) (قوله : لا الفعلي) وإلا فجميع الأفعال غير الاختيارية خالية عن الحكم الفعلي (٣) (قوله : حيث انه يدل) ولازمه كون دلالته على طلب الفعل أيضا بالتضمن (٤) (قوله : والتحقيق انه لا) قد عرفت ان الوجوب من الاعتبارات العقلية المنتزعة عن مقام إظهار الإرادة مع ثبوت الترخيص في الترك وأن الإرادة لو اختلفت مراتبها باختلاف مراتب الشوق الناشئ من اختلاف الجهات المشوقة في المراد فاختلافها لا يرتبط بمقام اعتبار الوجوب والاستحباب فالوجوب لا مركب من المنع عن الترك ولا مدلول عليه باللفظ نعم يصح اعتبار المنع من الترك من منشأ اعتبار الوجوب كما يصح اعتبار الوجوب فانه مثل الوجوب اعتباري عقلي ومثلهما كثير من عناوين الأحكام التكليفية مثل التحريم والإلزام والإباحة كما أشرنا إلى ذلك سابقاً واما كراهة الترك التي هي من الكيفيات النفسانيّة فهل تلزم إرادة الفعل أو عينها أو لا هذا ولا ذاك؟ أقوال وبطلان القول بالعينية واضح إذ الإرادة تخالف الكراهة والفعل يناقض الترك فكيف تكون إرادة الفعل عين كراهة تركه؟ ثم إن أريد من الكراهة الكراهة التفصيلية المتوقفة على الالتفات إلى الموضوع تفصيلا مع ما عليه من الجهات فالحق عدم الملازمة ، وان أريد الكراهة الارتكازية فالحق هو الملازمة بينهما وعليه فاللفظ الدال على إحداهما بالمطابقة دال على الأخرى بالالتزام. نعم عرفت أن دلالة مثل الصيغة على الإرادة ليست دلالة لفظية فلا تكون مطابقة ولا التزاما ، بل تدل على إحداهما كما تدل

٣١٣

لا مركباً من طلبين (نعم) في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها ربما يقال : الوجوب يكون عبارة عن طلب الفعل مع المنع عن الترك ، ويتخيل منه انه يذكر له حداً فالمنع عن الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوماته بل من خواصه ولوازمه بمعنى انه لو التفت الآمر إلى الترك لما كان راضياً به لا محالة وكان يبغضه البتة. ومن هنا انقدح انه لا وجه لدعوى العينية ضرورة ان اللزوم يقتضي الاثنينية ، لا الاتحاد والعينية (نعم) لا بأس بها بان يكون المراد بها انه يكون هناك طلب واحد وهو كما يكون حقيقة منسوباً إلى الوجود وبعثاً إليه كذلك يصح ان ينسب إلى الترك بالعرض والمجاز ويكون زجراً وردعاً عنه فافهم (الأمر الرابع) تظهر الثمرة في أن نتيجة المسألة وهي النهي عن الضد بناءً على الاقتضاء ـ بضميمة ان النهي في العبادات يقتضي الفساد ـ ينتج فساده إذا كان عبادة ، وعن البهائي (رحمه‌الله) أنه أنكر الثمرة بدعوى انه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد بل يكفي عدم الأمر به لاحتياج العبادة إلى الأمر ، وفيه انه يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى كي يصح ان يتقرب به منه كما لا يخفى والضد بناءً على عدم حرمته يكون كذلك فان المزاحمة ـ على هذا ـ لا توجب إلّا ارتفاع الأمر المتعلق به فعلا مع

______________________________________________________

على الأخرى فافهم (١) (قوله : مركبا من طلبين) وإلّا كان قائما بالوجود والعدم مع أنه قائم بالوجود لا غير بالبديهة (٢) (قوله : ان اللزوم) فانه إضافة بين شيئين لازم وملزوم فلا يقوم بأمر واحد (٣) (قوله : ينسب إلى الترك) الطلب لا ينسب إلى الترك أصلاً بل المنسوب إليه المنع والزجر ، فالعبارة لا تخلو من مسامحة وكأن المراد أن الطلب المتعلق بالفعل بما انه متعلق بالفعل منسوب إلى الترك فيكون زاجرا عنه لما عرفت من أن الزجر عن الترك ينتزع من مقام إظهار الإرادة كما ينتزع الوجوب للفعل (٤) (قوله : بضميمة ان النهي) فان النهي الغيري وان لم يوجب قربا ولا بعداً لنفسه إلّا ان الإتيان بالواجب الغيري بما انه

٣١٤

بقائه على ما هو عليه من ملاكه (من المصلحة) كما هو مذهب العدلية ، أو (غيرها) أي شيء كان كما هو مذهب الأشاعرة وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته وخروجه عن قابلية التقرب به كما حدث بناء على الاقتضاء (ثم) انه تصدى جماعة من الأفاضل لتصحيح الأمر بالضد بنحو الترتب على العصيان وعدم إطاعة الأمر بالشيء

______________________________________________________

شروع في إطاعة الوجوب النفسيّ يكون مقرِّبا كما ان الإتيان بمقدمة الحرام بما أنها شروع في عصيان التحريم يكون مبعِّداً وان لم تكن مقدمة الحرام محرمة أصلاً فإذا كان ترك الصلاة مقدمة للإزالة الواجبة كان فعلها علة لترك الإزالة المحرم لأن عدم المقدمة يقتضي عدم ذيها فيكون مبعداً فيمتنع التعبد به المعتبر في صحته إلا أن يقال : عدم المعلول لا يستند إلى عدم العلة فان العدم لا يُعلل بل ملازم له لا غير إلّا ان يقال : الأمر بالإزالة إذا اقتضى البعث إلى ترك الصلاة فقد اقتضى الزجر عن فعلها ففعلها عصيان للأمر بالإزالة فلا يمكن التعبد به ، هذا لو كان النهي عن الضد بمناط مقدمية الترك ـ كما هو المشهور ـ ولو كان بمناط التلازم بين الإرادة والكراهة للضدين أو التلازم بين المتلازمين في الحكم فلا إشكال إلا أن يجعل النهي أيضا كالنهي الغيري فتأمل جيداً (١) (قوله : بقائه على ما) لعدم التضاد بين ملاكي الوجوب في الضدين لا ذاتا كما بينهما ولا عرضا كما بين الوجوبين (٢) (قوله : أو غيرها أي شيء) المعروف من مذهب الأشاعرة ان الأفعال كلها على السواء ولا فرق بين السجود لله سبحانه وللصنم ولا بين الصدق والكذب ، ولا بين النكاح والسفاح ، وإنما الفارق أمر الشارع ونهيه نعم التزم بعضهم بغير ذلك (٣) (قوله : وعدم حدوث) معطوف على بقائه

(الترتب)

(٤) (قوله : بنحو الترتب على العصيان) يعني بجعل التكليف بالمهم مشروطا

٣١٥

بنحو الشرط المتأخر أو البناء على المعصية بنحو الشرط المتقدم أو المقارن بدعوى أنه لا مانع عقلا عن تعلق الأمر بالضدين كذلك أي بان يكون الأمر بالأهم مطلقا والأمر بغيره معلقا على عصيان ذاك الأمر أو البناء والعزم عليه بل هو واقع كثيرا عرفاً (قلت) : ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرضٍ واحدٍ آت في طلبهما كذلك فانه

______________________________________________________

بعصيان التكليف بالأهم أو بالبناء على عصيانه مثلا يقول : أزل النجاسة عن المسجد وإن عصيت الأمر بالإزالة فصل أو إن بنيت على عصيان الأمر بالإزالة فصلِّ (١) (قوله : بنحو الشرط المتأخر) إذ لو كان مشروطاً بالعصيان بنحو الشرط المتقدم كان خارجا عما نحن فيه من الأمر بالضدين في وقت واحد لأنه إذا تحقق العصيان في الزمان السابق سقط الأمر بالأهم ويثبت بعده الأمر بالمهم وحده فيكون الأمر بهما في زمانين وكذا لو كان بنحو الشرط المقارن لأن العصيان إذا قارن الأمر بالمهم كان سقوط الأمر بالأهم الملازم للعصيان مقارنا للأمر بالمهم فلا يقترن الأمران بهما في زمان واحد أما البناء على المعصية فلما لم يكن ملازما لسقوط الأمر كان اشتراط الأمر بالمهم به متقدما أو متأخراً أو مقارنا لا يمنع من اقتران الأمرين في زمان واحد ولا يكون من الترتب في شيء ولا يظهر الوجه لما ذكره في المتن من كونه من الترتب في بعض الصور (٢) (قوله : بدعوى انه لا مانع عقلا) وذلك لأن الوجه في امتناع الأمر بالضدين في عرض واحد أن الضدين لما لم يقدر المكلف عليهما معا لامتناع الجمع بينهما بل كان يقدر على أحدهما دون الآخر فكان فعل أحدهما ملازماً لترك الآخر كان الأمر بكل منهما مضاداً للأمر بالآخر لأن الجري على مقتضى أحدهما يستلزم الجري على خلاف مقتضى الآخر فثبوتهما إما أن يكون بداعي البعث إلى متعلقهما معاً أو بداعي البعث إلى واحد منهما بعينه أولا بعينه أولا بداعي البعث أصلا ، والجميع ممتنع (أما الأول) فلامتناع متعلقهما فيمتنع حدوث داعي الانبعاث إليه (وأما الثاني) فلأنه يثبت الأمر بأحدهما لأنه بداع

٣١٦

وان لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع

______________________________________________________

لا بهما لأنه بلا داع والأمر بلا داع ليس أمراً حقيقيا وهو خلف ومنه يظهر امتناع (الثالث) و (الرابع) والسبب في ذلك كله أن الجري على مقتضى أحد الأمرين يستلزم الجري على خلاف مقتضى الآخر وهذا غير جار في الأمرين بالضدين على نحو الترتب لأن فعل الضد الأهم جريا على مقتضى الأمر به ليس جريا على خلاف مقتضى الأمر بالمهم لأن الأمر بالمهم لما كان مشروطا بعدم فعل الأهم أو بالبناء على عدم فعله لم يكن في فعل الأهم مخالفة له لأن الواجب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه ، بل اقتضاؤه إنما يكون في ظرف الفراغ عن وجود الشرط فلا ينافيه الأمر بتفويت الشرط ، ولازم ذلك ان لا يكون في الجري على مقتضى الأمر بالمهم مخالفة للأمر بالأهم أيضا لامتناع التنافي من طرف واحد (وان شئت) قلت : الضدان لما لم تسع قدرة المكلف إلّا أحدهما امتنع الأمر بهما في عرض واحد لأن كل واحد من الأمرين يقتضي صرف القدرة إلى متعلقه وصرفها إلى كل من المتعلقين إبطال لمقتضى الأمر بالآخر أما الأمر بهما على الترتب بالنحو المتقدم فلا إبطال فيه لأحد الأمرين لأن صرفها في الأهم ليس إبطالاً لمقتضى الأمر بالمهم ، لأن الأمر المذكور لا يقتضي صرف القدرة من الأهم إلى المهم وإنما يوجب صرف القدرة عن غير الأهم من سائر الأضداد إلى المهم فيكون صرفها في الأهم إعمالا للأمر بالأهم بلا إهمال للأمر بالمهم وصرفها عن سائر الأضداد غير الأهم إلى المهم ليس إهمالا للأمر بالأهم ، إذ الأمر بالأهم لا يمنع عن ذلك وإنما يمنع عن صرف القدرة من الأهم إلى المهم أو غيره من سائر الأضداد فإذا كان إعمال كل من الأمرين في مقتضاه لا يكون إهمالا للآخر كيف ينافي أحدهما الآخر؟ فلاحظ (١) (قوله : وان لم يكن في مرتبة) لأن الأمر بالمهم مشروط بالعصيان فيكون متأخراً عنه تأخر المشروط عن شروطه والعصيان متأخر رتبة عن الأمر لأنه منتزع عن مقام متأخر عن الأمر نظير الإطاعة فيكون الأمر بالمهم متأخراً رتبة عن الأمر بالأهم بمرتبتين ، ففي رتبة الأهم لا أمر بالمهم ؛

٣١٧

طلبهما إلّا انه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما بداهة فعلية الأمر بالأهم في هذه المرتبة وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص أو العزم عليها مع فعلية الأمر بغيره أيضا لتحقق ما هو شرط فعليته فرضاً (لا يقال) : نعم لكنه بسوء اختيار المكلف حيث يعصي فيما بعد بالاختيار فلولاه لما كان متوجهاً إليه إلا الطلب بالأهم ولا برهان على امتناع الاجتماع إذا كان بسوء الاختيار (فانه يقال): استحالة طلب الضدين ليس إلّا لأجل استحالة طلب المحال واستحالة طلبه من الحكيم

______________________________________________________

وهكذا الحال فيما لو كان مشروطاً بالبناء على المعصية بل يكون متأخراً عنه بثلاث مراتب لأن البناء متأخر عن العصيان لأنه موضوعه (١) (قوله : إلا انه كان في مرتبة) هذا بظاهره غير معقول لأن التقدم الرتبي للأمر بالأهم يستلزم التأخر الرتبي للأمر بالمهم ، وكأن المراد من عدم كون الأمر بالمهم في رتبة الأمر بالأهم أنه ليس مقارنا له في حدوث التنجز واقتضائه حدوث الداعي العقلي إلّا انه حينما يتنجز الأمر بالمهم لا يسقط الأمر بالأهم عن التنجز بل هو على تنجزه كما يظهر من عبارته في حاشيته على الرسائل (٢) (قوله : أو العزم) معطوف على المعصية ، يعني مجرد تحقق المعصية في المستقبل أو العزم عليها فعلا لا يوجب سقوط الأمر بالأهم عن مقام البعث وحينئذ يضاد الأمر بالمهم «أقول» : قد عرفت عدم التضاد بين الأمرين وعدم التزاحم بينهما. نعم لو كان حدوث البناء على المعصية شرطاً في ثبوت الأمر بالمهم إلى الأبد وان ارتفع البناء وعزم على موافقة الأمر بالأهم كان التزاحم بينهما في محله لأنه بحدوث البناء على المعصية يثبت الأمر بالمهم مطلقا ويكون موجباً لصرف القدرة إليه من الأهم وهو خلاف مقتضى الأمر بالأهم لكنه خلف إذ المفروض أن الأمر بالمهم منوط بالبناء على معصية الأمر بالأهم حدوثاً وبقاء (٣) (قوله : نعم لكنه بسوء اختيار) يعني سلمنا ثبوت الأمر بالضدين لكنه كان ناشئاً عن سوء الاختيار إذ لو لا عصيانه الّذي كان شرطاً للأمر بالمهم لما ثبت الأمر به مع الأمر بالأهم (قوله : لأجل استحالة)

٣١٨

الملتفت إلى محاليته لا تختص بحال دون حال وإلّا لصح فيما علق على أمر اختياري في عرض واحد بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتب مع انه محال بلا ريب ولا إشكال (إن قلت) : فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك فان الطلب في كل منهما في الأول يطارد الآخر بخلافه في الثاني فان الطلب بغير الأهم لا يطارد طلب الأهم فانه يكون على تقدير عدم الإتيان بالأهم فلا يكاد يريد غيره على تقدير إتيانه وعدم عصيان امره (قلت) : ليت شعري كيف لا يطارده الأمر بغير الأهم؟ وهل يكون طرده له إلا من جهة فعليته ومضادة متعلقه للأهم؟ والمفروض فعلية ومضادة متعلقه له ، وعدم إرادة غير الأهم على تقدير الإتيان به لا يوجب عدم طرده لطلبه مع تحققه على تقدير عدم الإتيان به وعصيان امره فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير مع ما هما عليه من المطاردة من جهة المضادة بين المتعلقين ـ مع أنه يكفي الطرد من طرف الأمر بالأهم فانه ـ على هذا الحال ـ يكون طارداً لطلب الضد كما كان في غير هذا الحال فلا يكون له معه أصلا بمجال (ان قلت) فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين

______________________________________________________

(١) لما تقدم من أن الطلب الحقيقي إنما يكون بداعي البعث إلى متعلقه ويمتنع ثبوت الداعي إلى المحال (٢) (قوله : وإلّا لصح فيما علق) كأن يقول : إذا ضربت زيداً فقم واقعد في آن واحد ، ولا ريب في امتناعه (٣) (قوله : كذلك) يعني على نحو الترتب (٤) (قوله : وهل يكون طرده) قد عرفت ان الأمر بالمهم وان كان فعلياً إلّا انه لما كان منوطا بعدم فعل الأهم فلا يقتضي عدم فعله ولا صرف قدرة المكلف منه إلى متعلقه ومجرد المضادة بين المتعلقين لا يقتضي التنافي بينهما إذا كانا ثابتين على نحو الترتب (٥) (قوله : يكون طارداً لطلب الضد) قد عرفت أن طلب الأهم انما يقتضي إفناء شرط الأمر بالمهم وبذلك لا يكون طارداً له لأنه لا يقتضي حفظ شرطه فإذا كان الأمر بالأهم يقتضي ما لا

٣١٩

في العرفيات (قلت) : لا يخلو إما أن يكون الأمر بغير الأهم بعد التجاوز عن الأمر به وطلبه حقيقة ، وإما أن يكون الأمر به إرشاداً إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة وان الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهم لا أنه امر مولوي فعلي كالأمر به. فافهم وتأمل جيداً (ثم) انه لا أظن أن يلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق في صورة مخالفة الأمرين لعقوبتين ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه العبد ولذا كان سيدنا الأستاذ ـ قدس‌سره ـ لا يلتزم به على ما هو ببالي وكنا نورد به على الترتب وكان بصدد تصحيحه فقد ظهر انه لا وجه لصحة العبادة مع مضادتها لما هو أهم منها إلا ملاك الأمر

______________________________________________________

يقتضي خلافه الأمر بالمهم كيف يكون طارداً له. نعم الأمر بالأهم يقتضي نفي الأمر بالمهم ذاتاً لا اقتضاء وليس ذلك طرداً له. ثم إذا سلم المصنف (ره) كون الأمر بالمهم ليس طارداً للأمر بالأهم كيف يكون الأمر بالأهم طارداً له والطرد لا يعقل قيامه بطرف واحد فإذا كان أحدهما طارداً للآخر كان الآخر طارداً له أيضاً (١) (قوله : في العرفيات) كما يقول الأب لولده : اذهب هذا اليوم إلى المعلم فان عصيت فاكتب في الدار ولا تلعب مع الصبيان ، وببالي اني سمعته (ره) يمثل بذلك في مجلس درسه الشريف (٢) (قوله : بعد التجاوز) هذا خلاف ما عليه ارتكازهم من بقاء الأمر بالأهم كما يظهر من ملاحظة المثال وأشباهه (٣) (قوله : إرشاداً) هذا ممنوع كما قبله لجواز الأمر به مولويا (٤) (قوله : كالأمر به) يعني بالأهم (٥) (قوله : ضرورة قبح) بل ضرورة حسن العقاب على مخالفة التكليف الفعلي تقتضي الالتزام بترتب عقابين بعد ما عرفت من إمكان التكليف بهما وفرض معصيتهما معا وقبح العقاب على ما لا يقدر عليه لا أصل له ما لم يرجع إلى قبح العقاب على ما لا تكليف به فلا يكون العقاب عليه عقابا على المعصية (٦) (قوله : تصحيحه) يعني الترتب (٧) (قوله : إلا ملاك الأمر) يعني بلا أمر فعلي

٣٢٠