حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

وجواز التصريح بهما وان لم يكن بينهما تفاوت في الأثر كما مر (قلت) : إنما يوجب ذلك تفاوتا فيهما لو كان ذلك لأجل تفاوت في ناحية المقدمة لا فيما إذا لم يكن في ناحيتها أصلا كما هاهنا ضرورة أن الموصلية إنما تنتزع من وجود الواجب وترتبه عليها من دون اختلافٍ في ناحيتها وكونها في كلتا الصورتين على نحوٍ واحدٍ وخصوصية واحدة ضرورة أن الإتيان بالواجب بعد الإتيان بها بالاختيار تارةً وعدم الإتيان به كذلك أخرى لا يوجب تفاوتا فيها كما لا يخفى ، وأما ما أفاده قدس‌سره من ان مطلوبية المقدمة حيث كانت بمجرد التوصل بها فلا جرم يكون التوصل بها إلى الواجب معتبراً فيها ففيه انه انما كانت مطلوبيتها لأجل عدم التمكن من التوصل بدونها لا لأجل التوصل بها لما عرفت من أنه ليس من آثارها بل مما يترتب عليه أحياناً بالاختيار بمقدمات أخرى وهي مبادئ اختياره ولا يكاد يكون مثل ذا غايةً لمطلوبيتها وداعياً إلى إيجابها وصريح الوجدان إنما يقضي بأن ما أريد لأجل غايةٍ وتجرد عن الغاية بسبب عدم حصول سائر ما له دخل في حصولها يقع على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية كيف وإلا يلزم أن يكون وجودها من قيوده ومقدمة لوقوعه على نحو تكون الملازمة بين وجوبه بذاك النحو ووجوبها وهو ـ كما ترى ـ ضرورة أن الغاية لا تكاد تكون قيداً لذي الغاية بحيث كان تخلفها موجباً لعدم وقوع ذي الغاية على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية وإلّا يلزم أن تكون مطلوبة بطلبه كسائر قيوده فلا يكون

______________________________________________________

وحيث ، وقوله : جاز في صورة ، بمنزلة الجواب له (١) (قوله : من دون اختلاف) لا إشكال في عدم الاختلاف في الذات بين الموصلة وغيرها إلا أن هذا غير كاف في وجوب الاتفاق في الحكم ، ولذا ترى الواجبات الضمنية كأجزاء الواجب لا يتصف واحد منها بالوجوب إلا في حال الانضمام إلى غيره ففي حال الانفراد لا واجب ولا ذو مصلحة فليكن المقام كذلك (٢) (قوله : لا يوجب) قد عرفت أنه يوجب ذلك (٣) (قوله : لما عرفت) وعرفت ما فيه (قوله : مطلوبة بطلبه)

٢٨١

وقوعه على هذه الصفة منوطا بحصولها كما أفاده ، ولعل منشأ توهمه خلطه بين الجهة التقييدية والتعليلية هذا مع ما عرفت من عدم التخلف هاهنا وأن الغاية إنما هو حصول ما لولاه لما تمكن من التوصل إلى المطلوب النفسيّ فافهم واغتنم. ثم انه

______________________________________________________

(١) فيلزم اجتماع الوجوب النفسيّ والغيري في موضوع واحد ولا يمكن أن يؤكد أحدهما الآخر لأن أحدهما علة والآخر معلول والعلية والمعلولية تستدعي تعدد الوجود (أقول) : بل يلزم التسلسل لأن الغاية إذا كانت قيداً لذي الغاية اعتبر في وجوبها الغيري الإيصال أيضا فيثبت لها وجوب غيري بشرط الإيصال وحينئذ يكون ذوها قيداً لها أيضا فيثبت له وجوب غيري بشرط الإيصال وهكذا (أقول) : في ظرف ثبوت الغاية لا بد ان يكون ذو الغاية محققا فلا معنى لاشتراط الإيصال في موضوعيتها للوجوب الغيري فلا مجال للتسلسل (ثم) إذا كان الوجوب الغيري بمنزلة الضد للوجوب النفسيّ كيف يكون معلولا له إذ الشيء لا يكون علة لضده فلا تكون الغاية واجبة بالوجوب الغيري ، وأيضا فغاية ما يقتضي الإشكال المذكور امتناع أخذ الإيصال شرطا في المقدمة ولا يقتضي وجوب مطلق المقدمة لجواز ان يكون الواجب هو الحصة الملازمة لوجود الغاية لا بشرط الغاية ولا لا بشرط كما هو الحال في أجزاء الواجب النفسيّ فان كل واحد لا يتصف بالوجوب بشرط الانضمام إلى الآخر ولا لا بشرط بل يثبت له الوجوب في حال الانضمام لا غير ، وكلام الفصول لا يأبى ذلك فلاحظ (٢) (قوله : خلطه بين الجهة) قد عرفت سابقا الفرق بين شرط الوجوب وشرط الواجب وأن الأول ما يكون علة لثبوت الحكم لموضوعه المعبَّر عنه بشرط الاحتياج ، والثاني ما يكون دخيلا في ترتب الأثر المحتاج إليه على مقتضية فيمتنع أخذ الأول شرطا للواجب بخلاف الثاني ، وترتب الغاية من النوع الأول فان العلة في وجوب المقدمة مقدميتها للواجب وترتب وجوده عليها فيمتنع أن يؤخذ قيداً للمقدمة الواجبة (أقول) : قد عرفت أنه مسلم إلا أنه لا يقتضي كون الواجب مطلق المقدمة بل مقتضى كونه علة الوجوب

٢٨٢

لا شهادة على الاعتبار في صحة منع المولى عن مقدماته بأنحائها الا فيما إذا رتب عليه الواجب لو سلم أصلا ضرورة أنه وان لم يكن الواجب منها حينئذ غير المواصلة إلّا أنه ليس لأجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدمة ، بل لأجل المنع عن غيرها المانع عن الاتصاف بالوجوب هاهنا كما لا يخفى ـ مع أن في صحة المنع عنه كذلك نظراً وجهه أنه يلزم أن لا يكون ترك الواجب حينئذ مخالفة وعصياناً لعدم التمكن شرعاً منه لاختصاص جواز مقدمته بصورة الإتيان به

______________________________________________________

عدم ثبوت الوجوب بدونه (ودعوى) أنه بوجوده العلمي علة لا بوجوده الخارجي والوجود العلمي غير منفك عنه ولذا اشتهر أن تخلف القيود قادح دون تخلف الدواعي فإذا أذن المالك لشخص في دخول ملكه مقيداً بكونه صديقا له لم يجز له الدخول إذا لم يكن صديقاً له في الواقع ، ولو كان بداعي كونه صديقا له جاز له الدخول وان لم يكن صديقاً له (مندفعة) بأن ذلك يتم لو أمكن تخلف الوجود العلمي عن الوجود الواقعي لا في مثل الأوامر الشرعية (١) (قوله : لا شهادة على الاعتبار) يعني قد يستشهد على اعتبار الإيصال في المقدمة الواجبة بصحة النهي عن غير الموصل من المقدمات فيختص الوجوب بالموصل ، لكنه في غير محله لأن الاختصاص نشأ عن النهي عن غير الموصل فان النهي المذكور لما كان تعيينياً والوجوب الغيري تخييريا لم يصلح الثاني لمزاحمة الأول بل كان الأول هو المؤثر ويختص الثاني بغير مورد النهي ، وهذا غير محل الكلام في اختصاص الوجوب بذاته في الموصلة لا بواسطة وجود المزاحم «أقول» : الّذي يدعيه المستشهد أنه لا مزاحمة بين الأمر الغيري والنهي في الفرض المذكور بحسب ارتكاز العقلاء بحيث لا يكون في مورد النهي مقتضي الوجوب بارتكازهم لا أنه يكون ويقدَّم عليه مقتضي التحريم كما يدعيه المصنف (٢) (قوله : لاختصاص جواز) وإذا ثبت هذا الاختصاص توقف الجواز على الإتيان فقبل الإتيان لا جواز وإذ لا جواز للمقدمة يكون ذو المقدمة غير مقدور لأن الممتنع شرعاً كالممتنع عقلا فيسقط

٢٨٣

(وبالجملة) : يلزم أن يكون الإيجاب مختصاً بصورة الإتيان لاختصاص جواز المقدمة بها وهو محال فانه يكون [١] من طلب الحاصل المحال فتدبر جيدا (بقي شيء) وهو أن

______________________________________________________

الوجوب النفسيّ فلا يكون ترك ذي المقدمة عصياناً «أقول» : أولا بطلان اللازم المذكور غير ظاهر إذ لا مانع عقلا من عدم المعصية بترك الواجب في صورة النهي إلّا أن يكون مما لا يلتزم به المستدل فتأمل (وثانياً) أن توقف الجواز على الإتيان راجع إلى جعل الإيصال شرطاً للوجوب وهو غير المدعى فالجائز من المقدمة ما بعدها الإتيان لا ان المقدمة تكون جائزة بشرط الإتيان حتى يتوقف الجواز على الإتيان وإذا كان الإتيان قيداً للجائز كان ممكنا لإمكان مقدمته عقلا ولا منع عنها شرعا نظير ما لو أذن المالك في الوضوء بمائه مقيداً بكونه يصلي فيه فان الوضوء يقع صحيحاً لعدم المانع عنه شرعا إذا كان عازما على الصلاة بعده (وثالثا) أنك عرفت أن الإتيان ليس شرطاً للمقدمة الجائزة أو الواجبة بل هو ملازم لها فلا مجال للإشكال (١) (قوله : وبالجملة يلزم) كان الأولى ان يقول : وببيان آخر ، لمخالفته لما قبله فلا يكون إجمالا له (٢) (قوله : من طلب الحاصل) لأن الإيجاب يتوقف على جواز المقدمة وهو يتوقف على إيصالها وهو يتوقف على الإتيان بها وهو يتوقف على فعل المقدمة فيلزم توقف إيجاب المقدمة على فعلها وهو طلب تحصيل الحاصل كما أشار إليه في الحاشية ، لكنه يتوقف على إناطة التحريم بعدم الإيصال ليكون نقيضه أعني الجواز منوطا بنقيضه وهو الإيصال أما لو كان المراد أن موضوع التحريم الذات في حال عدم الإيصال وموضوع الجواز الذات في حال الإيصال فلا

__________________

[١] حيث كان الإيجاب فعلا متوقفا على جواز المقدمة شرعا وجوازها كذلك كان متوقفا على إيصالها المتوقف على الإتيان بذي المقدمة بداهة فلا محيص الا عن كون إيجابه على تقدير الإتيان به وهو من طلب الحاصل الباطل.

(منه قدس‌سره)

٢٨٤

ثمرة القول بالمقدمة الموصلة هو تصحيح العبادة التي يتوقف على تركها فعل الواجب بناءً على كون ترك الضد مما يتوقف عليه فعل ضده فان تركها ـ على هذا القول ـ لا يكون مطلقاً واجباً ليكون فعلها محرَّماً فتكون فاسدة ، بل فيما يترتب عليه الضد الواجب ومع الإتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتب فلا يكون تركها مع ذلك واجباً فلا يكون فعلها منهياً عنه فلا تكون فاسدة ، وربما أورد على تفريع هذه الثمرة بما حاصله أن فعل الضد وان لم يكن نقيضاً للترك الواجب مقدمة بناءً على المقدمة الموصلة إلا أنه لازم لما هو من أفراد النقيض حيث أن نقيض ذاك الترك الخاصّ رفعه

______________________________________________________

إشكال لعدم التوقف ، ومنه يظهر اندفاع إشكال آخر وهو أن الوجوب الغيري إنما يتعلق بما يتوقف عليه الواجب النفسيّ والإيصال مما لا دخل له في مقدمية المقدمة بل هي بذاتها مقدمة فان الإيصال لم يؤخذ قيدا لموضوع الوجوب الغيري وكأن المشهور لما لم يصححوا الواسطة بين الإطلاق والتقييد ورأوا أن التقييد بالإيصال يلزمه الإشكال من هذه الجهات تعين عندهم الإطلاق ، لكن عرفت أنه لا مانع من الواسطة فيتعين القول بها بعد ما عرفت من امتناع الإطلاق. والله سبحانه أعلم ، (١) (قوله : ثمرة القول بالمقدمة) ذكرها في الفصول في مبحث الضد في تحقيق له في ثمرة الخلاف (٢) (قوله : على هذا القول) يعنى القول بالمقدمة الموصلة ، (٣) (قوله : لا يكون مطلقا واجبا) يعنى لو قلنا بوجوب مطلق المقدمة يكون ترك الصلاة واجبا حيث تتوقف عليه الإزالة وإذا كان ترك الصلاة واجبا كان فعلها حراما فتفسد العبادة أما إذا قلنا بوجوب خصوص الموصلة فترك الصلاة في الفرض المذكور لا يكون واجبا مطلقا بل هو بشرط الإيصال واجب يعني ترك الصلاة الموصل للإزالة واجب دون ترك الصلاة غير الموصل فالصلاة المأتي بها تركها ليس تركا موصلاً لكون المفروض ترك الإزالة وإذ لا يكون تركها موصلا لا يكون فعلها حراماً فلا تكون فاسدة (٤) (قوله : وربما أورد على) المورد شيخنا الأعظم «ره» على ما في التقريرات (قوله : لم يكن نقيضاً للترك)

٢٨٥

وهو أعم من الفعل والترك الآخر المجرد وهذا يكفى في إثبات الحرمة وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرما فيما إذا كان الترك المطلق واجباً لأن الفعل أيضاً ليس نقيضاً للترك لأنه أمر وجودي ونقيض الترك انما هو رفعه ورفع الترك انما يلازم الفعل مصداقا وليس عينه فكما أن هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل فكذلك تكفي في المقام غاية الأمر أن ما هو النقيض في مطلق الترك انما ينحصر مصداقه في الفعل فقط وأما النقيض للترك الخاصّ فله فردان وذلك لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده كما لا يخفى (قلت) : وأنت خبير بما بينهما من الفرق فان الفعل في الأول لا يكون إلا مقارناً لما هو النقيض من رفع الترك المجامع معه تارةً ومع الترك المجرد

______________________________________________________

(١) لإمكان ارتفاعها في الترك غير الموصل والنقيضان لا يرتفعان (٢) (قوله : وهو أعم من) يعني عموما مورديا لا افراديا وإلّا كان الفعل من أفراد النقيض لا ملازم لفرده (٣) (قوله : المجرد) يعني عن خصوصية الإيصال (٤) (قوله : وهذا يكفي) يعني كونه لازما لفرد النقيض (٥) (قوله : ليس نقيضاً للترك) إذا كان الترك نقيضا للفعل كان الفعل نقيضاً للترك لأن التناقض من العناوين المتكررة النسبة نظير عنوان التضاد والتمانع والتماثل والتخالف فإذا صدقت النسبة في أحد الطرفين صدقت في الطرف الآخر ، وكونه أمراً وجوديا لا ينافي ذلك وكون نقيض الشيء رفعه إن كان بمعنى لا نفسه فمقتضاه أن يكون نقيض الوجود العدم ونقيض العدم عدم العدم ، ونقيض عدم العدم عدم عدم العدم ، لا نفس العدم الّذي هو نقيض الوجود ، وان كان امراً عدمياً لأنه ليس رفعا لعدم العدم لكن المحقق في محله أن المراد من الرفع القدر المشترك بين المبني للفاعل كاللاإنسان الرافع للإنسان ، والمبني للمفعول كالإنسان المرفوع به اللاإنسان ، كما صرح بذلك المحقق السبزواري في شرح قوله :

نقيض كل رفع أو مرفوع

تعميم رفع لهما مرجوع

فراجع (٦) (قوله : فله فردان) أقول : حيث عرفت أن المراد من

٢٨٦

أخرى ولا يكاد يسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه فضلا عما يقارنه أحياناً. نعم لا بد أن لا يكون الملازم محكوماً فعلا بحكم آخر على خلاف حكمه إلا أن يكون محكوما بحكمه وهذا بخلاف الفعل في الثاني فانه بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه لا ملازم لمعانده ومنافيه فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوماً لكنه متحد معه عيناً وخارجاً فإذا كان الترك واجباً فلا محالة يكون الفعل منهياً عنه قطعاً فتدبر جيداً

______________________________________________________

الموصلة المقدمة الملازمة للإيصال في الخارج لا المقيدة به فالترك في ظرف الإيصال نقيضه الفعل في ذلك الظرف ، أما في ظرف عدم الإيصال فليس نقيضاً ولا لازماً للنقيض فلا موجب لفساده لو كان عبادة. نعم لو كان المراد منها المقيدة بالإيصال فالترك الموصل لما كان منحلا إلى ذات وقيد كان نقيضه كل من نقيضي ذاته وقيده ولا مقتضي لجعله الجامع بينهما كيف ونقيض الذات الوجود ونقيض القيد العدم ولا جامع بين الوجود والعدم فكيف يكون نقيضه الجامع بينهما؟ (فان قلت) : لو كان نقيض ذاته نقيضاً له لزم ارتفاع النقيضين وهكذا الحال في نقيض قيده (قلت) : كونه نقيضاً له مبني على المسامحة بل هو نقيض ذاته لا غير إلا أنه لما كان منحلاً إليها نسب النقيض إليه ، وهكذا الحال في المركبات فانها بما أنها متكثرة في ذاتها فلكل من أجزائها نقيضه ؛ وبما أنها مجتمعة تحت وحدة اعتبارية بها صارت أمراً مقيداً بالوحدة فنقيضها نقيض تلك الوحدة ونقيض كل من أجزائها فتأمل جيداً (١) (قوله : لا بد أن لا يكون) كما سيأتي إن شاء الله في مبحث الضد (٢) (قوله : يعاند الترك) المعاندة لا تقتضي تحريم ما يعاند الواجب إلّا إذا كانت بنحو المناقضة ومقتضى ما ذكره من أن نقيض الترك رفعه لا يكون الفعل رفعا للترك فلا يكون نقيضا له في الاصطلاح وأما الاتحاد معه عيناً فأعظم إشكالاً فان عدم الترك كيف يكون عين الوجود خارجا مع ما بين الوجود

٢٨٧

(ومنها) تقسيمه إلى الأصلي والتبعي ، والظاهر أن يكون هذا التقسيم (بلحاظ) الأصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت حيث يكون الشيء تارةً متعلقاً للإرادة والطلب مستقلا للالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه كان طلبه نفسياً أو غيرياً وأخرى متعلقا للإرادة تبعاً لإرادة غيره لأجل كون إرادته لازمه لإرادته من دون التفات إليه بما يوجب إرادته (لا بلحاظ) الأصالة والتبعية في مقام الدلالة والإثبات

______________________________________________________

والعدم من التباعد فالتحقيق ينبغي أن يكون ما عرفت فافهم

(الأصلي والتبعي)

(١) (قوله : ومنها تقسيمه) هذا ينبغي أن يذكر في ذيل الأمر الثالث الموضوع لتقسيم الواجب (٢) (قوله : في الواقع ومقام الثبوت) الاختلاف بين الوجوب الأصلي والتبعي (تارة) يكون لاختلاف خصوصية الإرادة من حيث كونها ناشئة تبعا لإرادة أخرى أولا (وأخرى) لاختلاف خصوصية اللحاظ من حيث كون المراد ملحوظاً تفصيلا أو لا (وثالثة) لاختلاف خصوصية الدلالة من حيث كونه مدلولا عليه بالأصالة أو التبعية ، الّذي استظهره المصنف هو الثاني وهو ظاهر في التقريرات أيضا فالواجب الأصلي عنده هو الّذي يكون مراداً بالالتفات إليه تفصيلا ؛ والواجب التبعي ما يكون مراداً ارتكازاً مع عدم الالتفات إليه تفصيلا وحيث أن التقابل على هذا النحو يقتضي اتصاف كل من الوجوب النفسيّ والغيري بالأصالة والتبعية قيد الوجوب التبعي بما كانت إرادته تبعاً لإرادة غيره فمثل إنقاذ ولد المولى من الغرق مع عدم الالتفات إليه تفصيلا ليس واجباً تبعياً لأن مصلحته نفسية فلا يكون مراداً تبعاً لإرادة أخرى كما سيصرح به لكنه لا يدخل في الواجب الأصلي لعدم الالتفات إليه تفصيلا فلا يكون أصليا ولا تبعياً مع كون ظاهرهم الانحصار في القسمين (٣) (قوله : في مقام الدلالة والإثبات) كما هو

٢٨٨

فانه يكون في هذا المقام تارة مقصوداً بالإفادة وأخرى غير مقصود بها على حدة إلا انه لازم الخطاب كما في دلالة الإشارة ونحوها. وعلى ذلك فلا شبهة في انقسام الواجب الغيري إليهما واتصافه بالأصالة والتبعية كلتيهما حيث يكون متعلقاً للإرادة على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدمة ، وأخرى لا يكون متعلقاً لها كذلك عند عدم الالتفات إليه كذلك فانه يكون لا محالة مراداً تبعاً لإرادة ذي المقدمة على الملازمة ، كما لا شبهة في اتصاف النفسيّ أيضاً بالأصالة ولكنه لا يتصف بالتبعية ضرورة أنه لا يكاد يتعلق به الطلب النفسيّ ما لم يكن فيه مصلحة نفسية ومعها يتعلق الطلب بها مستقلا ولو لم يكن هناك شيء آخر مطلوب أصلا كما لا يخفى. نعم لو كان الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة اتصف النفسيّ بهما أيضاً ضرورة انه قد يكون غير مقصود بالإفادة بل أفيد بتبع غيره المقصود بها لكن الظاهر ـ كما مر ـ أن الاتصاف بهما انما هو في نفسه لا بلحاظ حال الدلالة عليه وإلّا لما اتصف بواحدة منهما إذا لم يكن بعد مفاد دليل وهو كما ترى. ثم إنه إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق به إرادة مستقلة فإذا شك في واجب انه أصلي أو تبعي فبأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة به

______________________________________________________

ظاهر الفصول وحكاه عن القوانين لكن بشرط أن تكون الدلالة لفظية واستشكل عليه بعدم وضوحه (١) (قوله : دلالة الإشارة) وهي ما يكون المدلول فيها غير مقصود بالخطاب كدلالة الآيتين على أقل الحمل (٢) (قوله : ونحوها) كدلالة المفاهيم كما صرح به في الفصول (٣) (قوله : وعلى ذلك) يعني ما ذكره أولا ؛ (٤) (قوله : بها مستقلاً) لكن عرفت بأنه بلا التفات إليه تفصيلا فلا يدخل في الأصلي (٥) (قوله : اتصف النفسيّ) كما صرح به في الفصول (٦) (قوله : إذا لم يكن مفاد) بل لو كان مفاد دليل يكون اتصافه بهما بالعرض والمجاز (٧) (قوله : كما ترى) يعني خلاف ظاهرهم ولا يخلو من تأمل بعد نقل العلمين

٢٨٩

يثبت انه تبعي ويترتب عليه آثاره إذا فرض له أثر شرعي كسائر الموضوعات المتقوِّمة بأمور عدمية. نعم لو كان التبعي أمراً وجودياً خاصاً غير متقوم بعدمي وان كان يلزمه لما كان يثبت بها الا على القول بالأصل المثبت كما هو واضح فافهم (تذنيب) في بيان الثمرة وهي في المسألة الأصولية كما عرفت سابقاً ليست إلّا أن تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد واستنباط حكم فرعي ـ كما لو قيل بالملازمة في المسألة ـ فانه بضميمة مقدمة كون شيء مقدمةً لواجب يستنتج انه واجب ومنه قد انقدح انه ليس منها مثل برء النذر بإتيان مقدمة واجب عند نذر الواجب

______________________________________________________

(رحمهما‌الله) المتقدمين ذلك (١) (قوله : يثبت أنه تبعي) خلافا للتقريرات فانه بعد ما ذكر فيها أن التبعي ما لم تتعلق به إرادة مستقلة ذكر أن أصالة عدم تعلق الإرادة المستقلة بالواجب لا تُثبت أنه تبعي (٢) (قوله : إذا فرض) لم يظهر لهذا الفرض خارجية إلا في النذر ونحوه (٣) (قوله : كسائر الموضوعات) يعني يجري الأصل لإثباتها بإثبات قوامها العدمي (فان قلت) : الواجب قد علم تعلق الإرادة به وإنما الشك في أنها مستقلة أو غير مستقلة ولا أصل يجري لإثبات أحدهما لعدم اليقين السابق به (قلت) : العلم بتعلق الإرادة به لا يوجب انتقاض العلم بعدم تعلق الإرادة المستقلة به أزلاً فلا مانع من استصحابه (٤) (قوله : لما كان يثبت بها) وكأن هذا هو مراد التقريرات (٥) (قوله : وهي في المسألة) تقدم مثل هذا التعبير في الصحيح والأعم (٦) (قوله : يستنتج أنه واجب) ضم هذه المقدمة إلى النتيجة لا يكفي في استنباط الوجوب فانه يقال : الوضوء مثلاً مقدمة للصلاة ، وكل ما هو مقدمة لشيء لزم من وجوب الشيء وجوبه ، ونتيجته : الوضوء يلزم من وجوب الصلاة وجوبه ، وليس ذلك حكما فرعياً بل هو صغرى للمسألة الأصولية المذكورة إلا ان يؤلف مضمون النتيجة المذكورة مع مقدمة أخرى فيقال : إن كانت الصلاة واجبة فالوضوء واجب ، لكنها واجبة فهو واجب ، وهو الحكم الفرعي الكلي (٧) (قوله : مثل برء النذر) لأنه ليس

٢٩٠

وحصول الفسق بترك واجب واحد بمقدماته إذا كانت له مقدمات كثيرة لصدق الإصرار على الحرام بذلك وعدم جواز أخذ الأجرة على المقدمة ـ مع أن البرء وعدمه انما يتبعان قصد الناذر فلا برء بإتيان المقدمة لو قصد الوجوب النفسيّ كما هو المنصرف عند إطلاقه ـ ولو قيل بالملازمة ـ وربما يحصل البرء به لو قصد ما يعم المقدمة ـ ولو قيل بعدمها ـ كما لا يخفى ، ولا يكاد يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب ولو كانت له مقدمات غير عديدة لحصول العصيان بترك أول مقدمة لا يتمكن معه من الواجب ولا يكون ترك سائر المقدمات بحرام أصلا لسقوط التكليف حينئذ كما هو واضح لا يخفى ، وأخذ الأجرة على الواجب لا بأس به إذا لم يكن إيجابه على المكلف مجانا وبلا عوض بل كان وجوده المطلق مطلوباً كالصناعات الواجبة كفائيا التي لا يكاد ينتظم بدونها البلاد ويختل لولاها معاش العباد ، بل ربما يجب أخذ الأجرة عليها لذلك أي لزوم الاختلال وعدم الانتظام لو لا أخذها هذا في الواجبات التوصلية

______________________________________________________

حكما كلياً فرعياً كما تقدم في الصحيح والأعم (١) (قوله : وحصول الفسق) معطوف على قوله : برء النذر ، يعني ليس هو ثمرة أيضا كما تقدم في النذر (٢) (قوله : لصدق) تعليل لحصول (٣) (قوله : وعدم جواز) معطوف على قوله : برء النذر ، وهذه الثلاثة مترتبة على تقدير القول بالوجوب (٤) (قوله : مع ان البرء) هذا مسلم لكن لو قصد مطلق الواجب شرعاً ترتب البرء وعدمه على الخلاف هنا (٥) (قوله : ما يعم المقدمة) بأن يكون المراد من الواجب ما لزم فعله ولو عقلا (٦) (قوله : ولا يكاد يحصل) قدح في الثمرة الثانية (٧) (قوله : لحصول العصيان) هذا لا يتم لو لم تكن مترتبة بل كانت كلها في آن واحد فان ترك الجميع إصرار إلا أن يكون المراد من الإصرار تكرر المعصية في زمانين ولا يكفي فيه تعددها في زمان واحد ولو أبدله بعدم الدليل على كون الإصرار القادح في العدالة يشمل ترك المقدمات لكان أولى (٨) (قوله : وأخذ الأجرة) قدح في

٢٩١

وأما الواجبات التعبدية فيمكن أن يقال بجواز أخذ الأجرة على إتيانها بداعي امتثالها لا على نفس الإتيان كي ينافي عباديتها فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي غاية الأمر يعتبر فيها كغيرها ان يكون فيها منفعة عائدة إلى المستأجر كيلا يكون المعاملة سفهية وأخذ الأجرة عليها أكلا بالباطل ، (وربما) يُجعل من الثمرة اجتماع الوجوب والحرمة إذا قيل بالملازمة فيما كانت المقدمة محرمة فيبتني على جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه بخلاف ما لو قيل بعدمها وفيه (أولا) انه لا يكون من باب الاجتماع كي تكون مبتنية عليه لما أشرنا إليه غير مرة ان الواجب ما هو بالحمل الشائع

______________________________________________________

الثمرة الثالثة يعني أن القول بوجوب المقدمة لا يقتضي القول بعدم جواز أخذ الأجرة عليها لعدم الدليل على ذلك مطلقاً بل الثابت عدم جواز أخذها على الواجب فعله مجانا وحينئذ لا يجوز أخذ الأجرة عليه ولو لم نقل بالوجوب (١) (قوله : على إتيانها بداعي) يعني أن الأجرة (تارة) تبذل بإزاء نفس الفعل (وأخرى) بإزاء صدوره عن داعي امتثال الأمر ، والنحو الأول غير جائز لأنه يمنع من تحقق الإطاعة للأمر بل الفعل يكون إطاعة للمستأجر لا غير أما النحو الثاني فلا بأس به لأن المستأجر عليه الفعل عن داعي الأمر فلا بد في مقام الوفاء بالإجارة من قصد الفعل لله سبحانه ويكون الداعي إليه امره تعالى غاية الأمر يقصد صدور الفعل عن داعي الأمر بداعي أمر المستأجر فيكون من قبيل داعي الداعي ويكون الفعل واجداً لما يعتبر فيه من كونه طاعة وعبادة (أقول) : بنى على هذا جماعة من الأكابر لكنه غير واضح لأن داعي الأمر المعتبر في صدق الطاعة والعبادة يعتبر أن يكون بنحو يستحق به على الآمر الجزاء وبه يكون متقربا إليه والفعل الصادر على النحو المذكور ليس كذلك ولذا لو أمر زيد بكراً بإطاعة عمرو فأطاعه لم يستحق على عمرو ثوابا أصلا ولا يكون إلا مستحقا على زيد لا غير لأنه إطاعة له دون عمرو ، ولأجل هذا ونحوه كانت أوامر الإطاعة إرشادية لا مولوية كما أشرنا إليه سابقا وأوضحناه في محله وكفى شاهداً بما ذكرنا ما في مرتكز المتشرعة من كون العبادة

٢٩٢

مقدمة لا بعنوان المقدمة فيكون على الملازمة من باب النهي في العبادة والمعاملة (وثانياً) أن الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلا فانه يمكن التوصل بها ان كانت توصلية ولو لم نقل بجواز الاجتماع وعدم جواز التوصل بها ان كانت تعبدية على القول بالامتناع قيل بوجوب المقدمة أو بعدمه وجواز التوصل بها على القول بالجواز كذلك أي قيل بالوجوب أو بعدمه ، وبالجملة لا يتفاوت الحال في جواز التوصل بها وعدم جوازه أصلا بين ان يقال بالوجوب أو يقال بعدمه كما لا يخفى.

______________________________________________________

على النحو المذكور من أوضح المنكرات الشرعية وللكلام في المسألة مقام آخر (١) (قوله : لا بعنوان المقدمية) لما عرفت من أن العنوان المذكور من العناوين التعليلية لا التقييدية فلا تكون موضوعا للحكم (٢) (قوله : من باب النهي في العبادة) هذا إذا كان النهي عن العنوان الأوَّلي الذاتي وإلا فلو كان بعنوان ثانوي عرضي كان العنوان الذاتي موضوعا للوجوب ويكون من صغريات الاجتماع (٣) (قوله : ان الاجتماع وعدمه لا دخل) يعني أن مجرد صيرورة المقدمة من صغريات مسألة الاجتماع على القول بالوجوب لا يصلح أن يكون ثمرة للمسألة الأصولية إلا بلحاظ ترتب الثمرة المترتبة على تلك المسألة عليها ـ مع أنها لا تترتب عليها لأن الوجوب الغيري ـ لو قيل به ـ لا يصحح عبادية المقدمة كما تقدم فلا ينفع القول به في صحتها على القول بالجواز أو الامتناع وتقديم جانب الأمر ، وإن قيل بالصحّة هناك بناء على ذلك (٤) (قوله : ولو لم نقل بجواز) لأن التوصل بها ذاتي غير مستند إلى الأمر بها (أقول) : هذا ليس فارقا بين المقام وتلك المسألة بل هو ثابت هناك أيضا (٥) (قوله : قيل بوجوب) لما عرفت من أن الوجوب الغيري لا يجدي في العبادية ولو بني على تقديمه على النهي وبهذا تفترق عن تلك المسألة (٦) (قوله : التوصل بها) يعني ان كانت تعبدية (٧) (قوله : أو بعدمه) لأن عباديتها مستندة إلى غير الوجوب الغيري فهو المصحح لكونها عبادة كان وجوب

٢٩٣

في تأسيس الأصل في المسألة

اعلم انه لا أصل في محل البحث في المسألة فان الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة بل تكون الملازمة أو عدمها أزلية نعم نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقاً بالعدم حيث يكون حادثاً بحدوث وجوب ذي المقدمة فالأصل عدم وجوبها (وتوهم) عدم جريانه لكون وجوبها على الملازمة من قبيل لوازم الماهية غير مجعولة

______________________________________________________

غيري أو لم يكن. نعم التحريم مع الأمر الحافظ لعباديتها يكونان موضوعا للامتناع والاجتماع لو كان لهما مجمع واحد

(تأسيس الأصل)

(١) (قوله : نفس وجوب) لكن الوجوب المذكور ليس مبحوثا عنه في المسألة كما تقدم (٢) (قوله : فالأصل عدم) لكن لا يترتب على الأصل المذكور جواز الترك عقلا والأمن من العقاب عليه كما يترتب عليه في سائر المقامات إذ لا ريب في لا بدية فعل المقدمة في نظر العقل فراراً عن معصية الوجوب النفسيّ ، ومنه يظهر أنه لا تجري البراءة العقلية في نفيه ولا ما هو نظيرها كحديث الرفع ، والكلام في الإرادة هو الكلام في الوجوب بعينه. نعم لو فرض ترتب أثر عملي على وجوبه جرت أصالة عدمه ويترتب عليها نفي ذلك الأثر حينئذ (٣) (قوله : من قبيل لوازم الماهية) المعروف ظاهرا في لوازم الماهية أنها أمور انتزاعية اعتبارية يكون منشأ انتزاعها واعتبارها نفس الماهية مع قطع النّظر عن وجودها ذهنا أو خارجا كالزوجية للأربعة ولأجل ذلك كان جعلها عرضا بجعل الماهية حقيقة فالمجعول في الحقيقة هو منشأ الاعتبار دون الأمر الاعتباري وإن نسب إليه الجعل بالعرض (٤) (قوله : غير مجعولة) يعني فلا يكون الوجوب امراً شرعياً فلا يكون عدمه كذلك لأن العدم تابع للوجود

٢٩٤

ولا أثر آخر مجعول مترتب عليه ، ولو كان لم يكن بمهم هاهنا (مدفوع) بأنه وان كان غير مجعول بالذات لا بالجعل البسيط الّذي هو مفاد كان التامة ولا بالجعل التأليفي الّذي هو مفاد كان الناقصة إلا أنه مجعول بالعرض ويتبع جعل وجوب ذي المقدمة وهو كافٍ في جريان الأصل

______________________________________________________

في ذلك (١) (قوله : ولا أثر آخر مجعول) يعني وليس له أثر آخر مجعول للشارع حتى يكون موضوعا للأثر الشرعي ؛ وعلى هذا فلا يجري فيه الاستصحاب لأنه يعتبر في مجراه أن يكون إما أثراً شرعياً أو موضوعا له كما تكرر بيانه (٢) (قوله : لم يكن بمهم هاهنا) يعني في هذه المسألة الكلية بل يختص بذلك المورد الّذي يكون له فيه أثر (٣) (قوله : بالذات) يعني حقيقة (٤) (قوله : لا بالجعل البسيط) الوجود ينقسم إلى نفسي ورابطي (والأول) وجود الشيء في نفسه ويقال له : الوجود المحمولي ، وقد يسمى بالرابط في لسان بعض وهو مفاد كان التامة مثل قولنا : وجد زيد ، (والثاني) وجوده لا في نفسه وهو مفاد كان الناقصة مثل قولنا : كان زيد قائما ، فالجعل إن تعلق بالقسم الأول يسمى جعلا بسيطاً وإن تعلق بالقسم الثاني يسمى جعلا مؤلفا (٥) (قوله : إلا انه مجعول بالعرض) يعني ينسب إليه الجعل بالعرض والمجاز (أقول) : أما حال الإرادة الغيرية بالإضافة إلى الإرادة النفسيّة فليس حال لازم الماهية بالإضافة إليها فانهما معا أمران حقيقيان خارجيان غاية الأمر أن يكون أحدهما معلولا للآخر وقد عرفت أن لازم الماهية دائما يكون من الاعتباريات وأما حال الوجوب الغيري بالإضافة إلى الوجوب النفسيّ فان أريد من الوجوب نفس إظهار الإرادة بداعي البعث فإظهار الإرادة الغيرية أجنبي عن إظهار الإرادة النفسيّة فانه مثله وهما معا أمران حقيقيان معلولان للإرادتين اللتين إحداهما معلولة للأخرى وأن أريد من الوجوب الأمر الاعتباري المنتزع عن مقام إظهار الإرادة فهو وإن كان أمراً اعتباريا لكنه أجنبي عن الوجوب النفسيّ بل جعله بجعل منشأ اعتباره ، كما أن الوجوب النفسيّ كذلك ، وبالجملة التوهم

٢٩٥

(ولزوم) التفكيك بين الوجوبين مع الشك لا محالة لأصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة (لا ينافي) الملازمة بين الواقعيين وانما ينافي الملازمة بين الفعليين (نعم) لو كانت الدعوة هي الملازمة المطلقة حتى في المرتبة الفعلية لما صح التمسك بالأصل كما لا يخفى إذا عرفت ما ذكرنا فقد تصدى غير واحد من الأفاضل لإقامة البرهان على الملازمة وما أتى منهم بواحد خال عن الخلل والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان حيث انه أقوى شاهدٍ على ان الإنسان إذا أراد شيئاً له مقدمات أراد تلك المقدمات لو التفت إليها بحيث ربما يجعلها في قالب الطلب مثله

______________________________________________________

المذكور لا أساس له ظاهر يبتني عليه ليتكلف الجواب عنه (١) (قوله : ولزوم التفكيك) إشارة إلى إشكال آخر وهو أن إجزاء أصالة عدم وجوب المقدمة يقتضي الحكم بعدم وجوبها فيحصل العلم بالتفكيك بين الوجوب النفسيّ والوجوب الغيري والعلم المذكور ينافي احتمال الملازمة فإذا فرض ثبوت احتمال الملازمة ثبت امتناع العلم بالتفكيك الحاصل من جريان الأصل فيقتضي عدم جريانه (٢) (قوله : لا ينافي) دفع للإشكال يعني أن الأصل إنما يوجب العلم بالانفكاك ظاهرا وهو لا ينافي احتمال الملازمة بينهما واقعاً وإنما ينافي احتمال الملازمة بينهما ظاهرا لكنها غير المدعى (٣) (قوله : أراد تلك المقدمات) الكلام تارة في الإرادة الغيرية ، وأخرى في البعث الغيري مولويا ، وثالثة في الوجوب الاعتباري الغيري ، أما ثبوت الإرادة الغيرية فيكفي فيه وضوحا قياس الإرادة التشريعية على الإرادة التكوينية فان من أراد أن يفعل شيئا له مقدمات أراد مقدماته بإرادة مثل إرادته للشيء غاية الأمر أن إحداهما نفسية والأخرى غيرية ، وكذلك حال من أراد تشريعاً فعل شيء له مقدمات بلا فرق بين المقامين أما صحة البعث مولوياً إلى المقدمة زائدا على البعث إلى ذيها فيدفعها ، ان البعث إلى ذيها كاف في البعث إليها في نظر العقل فيكون البعث إليها لغواً (وما يقال) : من انه يكفي في رفع لغويته صلاحيته للدعوة بنفسه (مندفع) بأنه كيف يصلح لذلك مع ما تقدم من أنه لا يوجب ثواباً ولا

٢٩٦

ويقول مولويا : ادخل السوق واشتر اللحم ، مثلا بداهة أن الطلب المنشأ بخطاب : (ادخل) مثل المنشأ بخطاب : (اشتر) في كونه بعثاً مولوياً وانه حيث تعلقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء ترشحت منها له إرادة أخرى بدخول السوق بعد الالتفات إليه وانه يكون مقدمة له كما لا يخفى ، ويؤيد الوجدان بل يكون من أوضح البرهان وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات لوضوح انه لا يكاد يتعلق بمقدمة امر غيري إلّا إذا كان فيها مناطه وإذا كان فيها كان في مثلها فيصح تعلقه به أيضا لتحقق ملاكه ومناطه والتفصيل بين السبب وغيره والشرط الشرعي وغيره سيأتي بطلانه وانه لا تفاوت في باب الملازمة بين مقدمة ومقدمة ولا بأس بذكر الاستدلال الّذي هو كالأصل لغيره مما ذكره الأفاضل من الاستدلالات وهو ما ذكره أبو الحسن البصري وهو انه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها وحينئذ فان بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق وإلّا خرج الواجب المطلق عن

______________________________________________________

عقاباً فان ذلك مانع عن ثبوت الداعوية له فلا يصلح للبعث والتحريك إلى متعلقه مع انه لو فرض كونه موجباً للثواب والعقاب فانما هو بملاحظة حكايته عن الإرادة الكامنة في نفس المولى ، ومن المعلوم ان البعث إلى الواجب النفسيّ كما يحكي عن الإرادة النفسيّة يحكي عن الإرادة الغيرية لمقدمته فالبعث إليها لا تترتب عليه الحكاية عنها. نعم مع الجهل بالمقدمية يحسن البعث إليها إرشاداً إلى مقدميتها أما مولويا فقد عرفت أنه دائر مدار الثواب والعقاب غير المترتبين على موافقته ومخالفته وأما نفس اعتبار الوجوب فهو ثابت قطعاً لكن منشأ اعتباره الأمر النفسيّ لا الغيري لعدم صلاحيته لاعتباره بعد عدم الداعوية فيه فتكون المقدمة واجبة للأمر النفسيّ فيحصل ثبوت الإرادة الغيرية للمقدمة وثبوت الوجوب لها وعدم صحة البعث إليها فتأمل جيداً (١) (قوله : ويقول مولويا) قد عرفت إشكاله (٢) (قوله : وجود الأوامر الغيرية) في كونها مولوية تأمل ظاهر عرفته بل هي إرشادية كما يشهد به سياقها مساق أوامر الشرائط في المعاملات ، بل استهجان الأمر بالمقدمة المعلومة المقدمية إلا مع غرض آخر غير الإرشاد والتحريك (قوله كان في مثلها)

٢٩٧

وجوبه ، وفيه ـ بعد إصلاحه بإرادة عدم المنع الشرعي من التالي في الشرطية الأولى لا الإباحة الشرعية وإلا كانت الملازمة واضحة البطلان ، وإرادة الترك عما أضيف إليه الظرف لا نفس الجواز وإلا فمجرد الجواز بدون الترك لا يكاد يتوهم معه صدق القضية الشرطية الثانية ـ ما لا يخفى فان الترك بمجرد عدم المنع شرعاً لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين ولا يلزم منه أحد المحذورين فانه وان لم يبق له وجوب معه إلّا انه كان ذلك بالعصيان لكونه متمكنا من الإطاعة والإتيان وقد اختار تركه بترك مقدمته بسوء اختياره مع حكم العقل بلزوم إتيانها إرشاداً إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب

______________________________________________________

(١) يعني من المقدمات فيثبت عموم الحكم للجميع (٢) (قوله : من التالي) يعني قوله : لجاز تركها ، فيراد منه أنه لم يكن منع شرعي عن تركها (٣) (قوله : واضحة البطلان) إذ انتفاء الوجوب لا يقتضي ثبوت الإباحة شرعاً بل يتردد بين الأحكام الأربعة الباقية بناء على عدم خلوِّ الواقعة عن الحكم (٤) (قوله : وإرادة الترك) معطوف على إرادة عدم (٥) (قوله : الظرف) وهو قوله : حينئذ ، يعني أن حينئذ مضاف إلى أمر مقدَّر ناب عنه التنوين وتقديره ـ بحسب ظاهر العبارة ـ حين إذ جاز تركها ، والأخذ بهذا الظاهر يوجب كذب الشرطية الثانية لأن بقاء الواجب على وجوبه على تقدير جواز الترك لا يوجب التكليف بما لا يطاق وإنما يقتضي ذلك على تقدير الترك للمقدمة (٦) (قوله : الثانية) يعني قوله : فان بقي ... إلخ (٧) (قوله : ما لا يخفى) مبتدأ مؤخر لقوله : وفيه ، (٨) (قوله : فان الترك بمجرد) ينبغي ان تكون صورة الإيراد هكذا : إنا نختار أن لا يبقى الواجب على وجوبه ، ولا دليل على بطلان خروج الواجب عن كونه واجبا فان ترك المقدمة يوجب ترك ذيها فيكون معصية ويسقط بها التكليف وقد اشتهر أن التكليف يسقط بالمعصية كما يسقط بالطاعة ولا ضير فيه فيكون محصل الإيراد المنع من بطلان أحد اللازمين مع الالتزام بصدق الشرطيتين معاً لا بطلان إحدى الشرطيتين كما قد يظهر من العبارة (٩) (قوله : ولا يلزم) بل يلزم أحدهما

٢٩٨

(نعم) لو كان المراد من الجواز جواز الترك شرعاً وعقلا يلزم أحد المحذورين إلّا ان الملازمة على هذا في الشرطية الأولى ممنوعة بداهة انه لو لم يجب شرعاً لا يلزم ان يكون جائزاً شرعاً وعقلا لإمكان ان لا يكون محكوماً بحكم شرعاً وان كان واجباً عقلاً إرشاداً وهذا واضح (وأما) التفصيل بين السبب وغيره فقد استدل على وجوب السبب بأن التكليف لا يكاد يتعلق إلّا بالمقدور والمقدور لا يكون إلّا هو السبب وإنما المسبب من آثاره المترتبة عليه قهراً ولا يكون من افعال المكلف وحركاته أو سكناته فلا بد من صرف الأمر المتوجه إليه عنه إلى سببه ، ولا يخفى ما فيه من أنه ليس بدليل على التفصيل بل على ان الأمر النفسيّ إنما يكون متعلقا بالسبب دون المسبب ـ مع وضوح فساده ـ ضرورة أن المسبب مقدور للمكلف وهو متمكن منه

______________________________________________________

إلا انه ليس بمحذور كما عرفت (١) (قوله : يلزم أحد المحذورين) لا يخلو من مسامحة والمراد : يكون كل منهما محذوراً أما الأول فواضح وأما الثاني فلأنه إذا جاز ترك المقدمة عقلا كان ترك ذيها ليس معصية فيكون خروج الواجب عن كونه واجباً بلا طاعة ولا معصية وهو باطل (٢) (قوله : في الشرطية الأولى) يعني قوله : لو لم يجب (٣) (قوله : وهذا واضح) أقول : منه يظهر أن حمل ما أضيف إليه الظرف على الترك ليس إصلاحاً للدليل بعد ما كان مستتبعاً لهذا الإشكال الواضح بل كان الأولى إبقاءه على ظاهره من الجواز ، والإيراد عليه بمنع لزوم التكليف بما لا يطاق من مجرد بقاء التكليف ، أو الترديد في الإشكال بأن يقال : إن أريد. من المضاف إليه الجواز كما هو الظاهر لم يلزم التكليف بما لا يطاق لو بقي التكليف بذي المقدّمة وأن أريد نفس الترك لم يكن اللازم الثاني باطلا فلاحظ (٤) (قوله : الأمر النفسيّ إنما) لأن السبب حينئذ لا يكون وجوبه للتوصل به إلى واجب آخر فيكون وجوبه نفسيا. نعم لو كان الوجوب النفسيّ ما يتعلق بالشيء لنفسه لا لغيره لكان وجوب السبب غيريا لكنه بلا وجوب نفسي (٥) (قوله : مقدور للمكلف) مع أنه لو سلم ذلك فلا يقتضي التفصيل المذكور

٢٩٩

بواسطة السبب ولا يعتبر في التكليف أزيد من القدرة كانت بلا واسطة أو معها كما لا يخفى (واما) التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره فقد استدل على الوجوب في الأول بأنه لو لا وجوبه شرعاً لما كان شرطاً حيث انه ليس مما لا بد منه عقلا أو عادة (وفيه) ـ مضافا إلى ما عرفت من رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي ـ أنه لا يكاد يتعلق الأمر الغيري إلّا بما هو مقدمة الواجب فلو كان مقدميته متوقفة على تعلقه بها لدار ، والشرطية وإن كانت منتزعة عن التكليف إلّا انه عن التكليف النفسيّ المتعلق بما قيِّد بالشرط لا عن الغيري فافهم (تتمة) لا شبهة في ان مقدمة المستحب كمقدمة الواجب فتكون مستحبة لو قيل بالملازمة ، وأما مقدمة الحرام والمكروه

______________________________________________________

بل يقتضي البناء على تعلق التكليف بكل ما هو فعل المكلف بالمباشرة سبباً أو شرطاً أو معداً فان الجميع تحت قدرة المكلف بلا واسطة (١) (قوله : لو لا وجوبه) هذا يقتضي ثبوت أحد شقي التفصيل فيبقى الشق الآخر وهو النفي في غير الشرعي لم يسق له دليل (٢) (قوله : من رجوع الشرط) هذا مسلم كما تقدم لكنه لا يدفع الاستدلال لأن رجوعه إليه بعد ثبوت الوجوب حسبما ذكر في الاستدلال (٣) (قوله : إلا بما هو مقدمة) لما عرفت من أن المقدمية علة للوجوب الغيري (٤) (قوله : مقدميته متوقفة) كما هو مقتضى الشرطية في الاستدلال (٥) (قوله : لدار) وعليه فالشرطية في الاستدلال كاذبة ولا موجب لوجوب الشرط الشرعي دون غيره كما ادعي (٦) (قوله : عن التكليف النفسيّ) مثلا إذا وجبت الصلاة عن طهارة انتزع للطهارة عنوان الشرط ولو لا التكليف المذكور لم يكن مصحح للانتزاع هكذا اختيار المصنف (ره) في مبحث الأحكام الوضعيّة ، لكن التحقيق أن الشرطية إما عين التقييد القائم بين الصلاة والطهارة مثلا المتقدم على التكليف وإما منتزعة عن دخل الشرط في ترتب الأثر على المشروط ولا دخل للتكليف فيه (٧) (قوله : لا من الغيري) يعني حتى يتوهم تمامية الدليل المذكور (٨) (قوله : كمقدمة الواجب) لاتحاد المناط في المقامين واعتبار الإيصال جار

٣٠٠