حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

لسبقه [١] فتأمل هذا كله في المقدمة الداخلية واما المقدمة الخارجية فهي ما كان خارجا عن المأمور به وكان له دخل في تحققه لا يكاد يتحقق بدونه وقد ذكر لها أقسام وأطيل الكلام في تحديدها بالنقض والإبرام إلّا انه غير مهم في المقام (ومنها) تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية ، فالعقلية هي ما استحيل واقعاً وجود ذي المقدمة بدونه ، والشرعية ـ على ما قيل ـ ما استحيل وجوده بدونه شرعاً ، ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية إلى العقلية ضرورة أنه لا يكاد يكون مستحيلا

______________________________________________________

للوجوب يلزم اجتماع المثلين (١) (قوله : لسبقه) كان الأولى تعليله بأن الوجوب النفسيّ يمتنع في المقام كونه علة للوجوب الغيري لأن الشيء لا يكون علة لمضاده وليس له علة سواه فينتفي ويثبت الوجوب النفسيّ بوجود علته بلا مانع ، واما التعليل بالسبق فيتوقف على العلية وقد عرفت امتناعها (٢) (قوله : فتأمل) وجهه ما صرح به في حاشيته من منع الملاكين لأن المقدمية تتوقف على تعدد الوجود والجزء عين الكل وجوداً فلا يكون مقدمة له كما أشرنا إليه سابقا (٣) (قوله : لها أقسام) كالعلة والمقتضي والسبب والشرط وعدم المانع والمعد ، وأطال في التقريرات الكلام في تحديدها وصرح بأن الباعث له على ذلك معرفة مراد المفصِّل بين السبب وغيره (٤) (قوله : ولكنه لا يخفى رجوع) كذا ذكر في التقريرات أيضا ، لكن لا يخفى انه إن أريد التنبيه على ما في ظاهر التعريف فحسن ، وإن أريد الرجوع حقيقة فغير ظاهر في التقسيم لأن المراد من العقلية ما يحكم العقل باستحالة وجود الواجب بدونها بالنظر إلى ذاتيهما وهذا المعنى لا ينطبق على الشرعية التي

__________________

[١] وجهه انه لا يكون فيه أيضا ملاك الوجوب الغيري حيث انه لا وجود له غير وجوده في ضمن الكل يتوقف على وجوده وبدونه لا وجه لكونه مقدمة كي يجب بوجوبه أصلا كما لا يخفى ، وبالجملة لا يكاد يجدي تعدد الاعتبار الموجب للمغايرة بين الاجزاء والكل في هذا الباب وحصول ملاك الوجوب الغيري المترشح من وجوب ذي المقدمة عليها لو قيل بوجوبها فافهم منه قدس‌سره

٢٢١

ذلك شرعاً إلا إذا أخذ فيه شرطاً وقيداً واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده يكون عقلياً ، وأما العادية فان كانت بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب العادة بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها إلّا أن العادة جرت على الإتيان به بواسطتها ؛ فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية إلّا أنه لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع (وإن كانت) بمعنى ان التوقف عليها ـ وان كان فعلا واقعياً كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح ـ إلا أنه لأجل عدم التمكن عادة من الطيران الممكن عقلا (فهي) أيضا راجعة إلى العقلية ضرورة ـ استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلا وإن كان طيرانه ممكناً ذاتاً (فافهم) «ومنها» تقسيمها إلى مقدمة الوجود ، ومقدمة الصحة ، ومقدمة الوجوب.

______________________________________________________

يتوقف وجود الواجب عليها بالنظر إلى جعل الشارع الوجوب للواجب مقيداً بها وان أريد المناقشة في الاصطلاح فلا مشاحة فيه (١) (قوله : ذلك شرعا) قد عرفت المراد من الشرعية لا ما يكون وجود الواجب بدونها مستحيلا شرعاً (٢) (قوله : يكون عقليا) هذا مسلم لكن الوجه في حكم العقل حكم الشارع لا نفس الشيئين (٣) (قوله : يمكن تحقق ذيها) يعني عادة لكنه خلاف المتعارف وذلك مثل الصعود على السطح المنصوب عليه سلَّم فان العادة جرت على الصعود إليه بالسلّم المنصوب لا نصب سلم آخر عليه (٤) (قوله : غير راجعة) لعدم التوقف عقلاً أصلاً (٥) (قوله : لا ينبغي توهم) إذ لا توقف عليها (٦) (قوله : كنصب السلم مع عدم إمكان الطيران لعدم الجناح ونحوه (٧) (قوله : ضرورة استحالة) قد عرفت أن هذا المقدار لا يكفي في رجوعها إلى العقلية (٨) (قوله : ممكنا ذاتا) وهو الفارق بينها وبين العقلية ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم ، ثم إنه في التقريرات أرجع الشرعية إلى العقلية لما ذكر المصنف «ره» ولم يتعرض في العادية لذلك مع عدم الفرق بينهما كما أن الظاهر أن العقل في العقلية واسطة في إثبات التوقف ، والعادة في العادية واسطة في الثبوت والشرع في الشرعية محتمل

٢٢٢

ومقدمة العلم. لا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود ـ ولو على القول بكون الأسامي موضوعة للأعم ـ ضرورة أن الكلام في مقدمة الواجب لا في مقدمة المسمى بأحدها كما لا يخفى ، ولا إشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها ، وكذلك المقدمة العلمية وان استقل العقل بوجوبها إلا أنه من باب وجوب الإطاعة إرشاداً ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجز لا مولويا

______________________________________________________

للأمرين وان كان الأول أظهر (١) (قوله : ومقدمة العلم) وتسمى بالمقدمة العلمية وهي التي يتوقف العلم بالواجب على العلم بها كالصلاة في الثوبين المشتبهين المتوقف على العلم بهما العلم بالصلاة بالثوب الطاهر (٢) (قوله : ولو على القول) أما على الصحيح فمقدمة الصحة مقدمة الوجود إذ لا وجود للماهية إلا وهو صحيح (٣) (قوله : لا في مقدمة المسمى) هذا مسلم إلا أن مقدمة المسمى مقدمة للواجب لأن الواجب هو المسمى الصحيح فهذا الإشكال محل نظر كما تقدم نعم بناءً على تقوم الذات بالصحّة لا يكون إلا قسم واحد (٤) (قوله : المشروط بها) فانه على المشهور يحدث بعد وجودها فلا يمكن ان يترشح منه وجوب لها لأنه تحصيل للحاصل (٥) (قوله : وكذلك المقدمة العلمية) يعني خارجة عن محل النزاع لأنها ليست مقدمة للواجب الشرعي بل مقدمة للواجب العقلي وهو العلم بتحقق الإطاعة الّذي استقل العقل بوجوبه للأمن من خطر العقاب على مخالفة الواجب المنجز فتجب وجوبا عقلياً لا غير نعم لو وجب العلم بفعل الواقع شرعا وجبت المقدمة العلمية كذلك ، لكنه خلاف الفرض إذ تكون حينئذ مقدمة وجودية لا علمية «فان قلت» : لم لا تكون المقدمة العلمية مقدمة للواجب «قلت» : يمتنع ذلك لأنها دائما يحتمل كونها نفس الواجب وكونها غيره على نحو لو انكشف الحال لم يتوقف وجود الواجب عليها بل قد تكون ضدّاً كما في الصلاة إلى الجهات الأربع (٦) (قوله : وجوب الإطاعة) بل وجوب العلم بالإطاعة المتوقف عليها

٢٢٣

من باب الملازمة وترشح الوجوب عليها من قبل وجوب ذي المقدمة «ومنها» تقسيمها إلى المتقدم والمقارن والمتأخر بحسب الوجود بالإضافة إلى ذي المقدمة وحيث أنها كانت من أجزاء العلة ـ ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول ـ أشكل الأمر في المقدمة المتأخرة كالأغسال

______________________________________________________

فتجب بالملازمة (١) (قوله : من باب الملازمة) يعنى بين الوجوب المولوي النفسيّ والغيري (٢) (قوله : وترشح) معطوف على الملازمة (٣) (قوله : بالإضافة إلى ذي) فيكون ذو المقدمة متأخراً في الأول ، مقارنا في الثاني ، متقدما في الثالث (٤) (قوله : وحيث انها) يعني المقدمة المنقسمة إلى الأقسام الثلاثة (٥) (قوله : ولا بد من تقدمها) امتناع تأثير المعدوم في الموجود لا يقتضي لزوم تقدم العلة زمانا على المعلول بل لعله يمتنع لأنه يلزم انفكاكها عنه وهو خلف وانما يقتضي كون وجود المعلول عن امر موجود بحيث يقال : وجدت العلة فوجد المعلول. نعم هذا في العلة بمعنى المقتضي الّذي يكون منه الأثر أما بمعنى ما له دخل ما في الوجود وان كان لحفظه قابلية المحل المؤثر أو المتأثر مع عدم كونه مؤثراً فقد صار مورداً للإنكار من جماعة من الأعيان إذ لا مانع عندهم من كون العدم حافظاً لقابلية المحل بشهادة أن عدم المانع من أجزاء العلة التامة نظير الشرط ومع ذلك هو عدم ليس بوجود فإذا جاز مثل ذلك في عدم المانع جاز في الشرط أيضاً ، «أقول» : على هذا يكون الشرط مقارنا لا متأخراً [١] كما انه يصح ذلك لو كان الوجود المتأخر على تقدير كونه مقارناً مانعاً من وجود المعلول إذ لو كان حافظاً لوجوده كان المؤثر هو الجامع بين الوجود والعدم وهو محال إذ لا جامع بينهما ، وان شئت قلت : لو كان العدم مقدمة للوجود كان الوجود علة للعدم لأن المقدمة ما يلزم من عدمها العدم وحينئذ فيختص العدم الّذي يكون مقدمة للوجود بعدم

__________________

[١] لأن تأثير الشرط حال عدمه راجع إلى تأثير العدم وهو مقارن فينقلب المتأخر متقدما ويكون وجود الشرط مانعا لما سيأتي فينقلب الشرط مانعا منه مد ظله

٢٢٤

الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند بعض ، والإجازة في صحة العقد على الكشف كذلك ، بل في الشرط أو المقتضي المتقدم على المشروط زمانا المتصرم حينه كالعقد في الوصية ، والصرف والسلم بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب اجزائه لتصرمها حين تأثيره مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا ، فليس إشكال انخرام القاعدة العقلية مختصاً بالشرط المتأخر في الشرعيات ـ كما اشتهر في الألسنة ـ بل يعم الشرط والمقتضي المتقدمين المتصرمين حين الأثر (والتحقيق) في رفع هذا الإشكال (أن يقال) : إن الموارد التي تُوهِّم انخرام القاعدة فيها لا يخلو إما يكون المتقدم والمتأخر شرطاً للتكليف ، أو الوضع ، أو المأمور به (أما الأول) فكون أحدهما شرطاً له ليس إلا أن للحاظه دخلا في تكليف الآمر كالشرط المقارن بعينه فكما أن اشتراطه بما يقارنه

______________________________________________________

المانع لا غير (١) (قوله : الليلية) يعني للعشاءين (٢) (قوله : صحة صوم) يعني صوم النهار السابق (٣) (قوله : الكشف كذلك) يعني عند بعض والمراد من الكشف الكشف الحقيقي بأن يكون وجود الإجازة كاشفا عن ثبوت أثر العقد من حين وقوعه ، أما على النقل أعني ثبوت الأثر من حين الإجازة فلا يكون مما نحن فيه. نعم يكون العقد من المقدمة المتقدمة حال وجود الأثر (٤) (قوله : كالعقد في الوصية والصرف والسلم إذ ملك الموصى له والمشتري إنما يكون مقارنا للموت في الأول وللقبض في الأخيرين العقد المؤثر متصرم في الجميع (٥) (قوله : غالب أجزائه) فانه من التدريجيات التي لا يوجد جزء منها إلا بعد انصرام ما قبله والأثر لما كان مقارناً للجزء الأخير كان مقارناً لانعدام ما قبله من الاجزاء (٦) (قوله : مقارنتها معه) أي مقارنة الأجزاء مع الأثر لأن جزء المؤثر مؤثر لأن الكل عين أجزائه (٧) (قوله : بل يعم الشرط) فانهما معدومان حال الأثر فيلزم تأثر المعدوم في الموجود (٨) (قوله : اما الأول فكون أحدهما) توضيحه أن هذا الإشكال نشأ من إطلاق لفظ الشرط على الوجود المتأخر وتخيل أنه من قبيل

٢٢٥

ليس إلا أن لتصوره دخلا في أمره بحيث لولاه لما كاد أن يحصل له الداعي إلى الأمر ، كذلك المتقدم أو المتأخر (وبالجملة) حيث كان الأمر من الأفعال الاختيارية كان من مبادئه ـ بما هو كذلك ـ تصور الشيء بأطرافه ليرغب في طلبه والأمر به بحيث لولاه لما رغب فيه ولما أراده واختاره فيسمى كل واحد من هذه الأطراف التي لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته شرطاً لأجل دخل لحاظه في حصوله كان مقارناً له أو لم يكن كذلك متقدماً أو متأخراً فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطاً كان فيهما كذلك ، فلا إشكال ،

______________________________________________________

إطلاقه على سائر الشروط الدخيلة في وجود المشروط مع أنه ليس كذلك اما في شرط التكليف فلان التكليف من الأفعال الاختيارية للمكلِّف ـ بالكسر ـ والفعل الاختياري معلول للإرادة وهي علته التامة بحيث لا يتوقف وجوده منها على شرط غاية الأمر انها لا تتعلق بوجود الشيء إلا بعد ترجحه على عدمه في نظر المريد ، وهذا الترجح قد يكون بملاحظته بذاته وقد يكون بملاحظة ما سواه من متقدم أو متأخر أو مقارن فيكون ملاحظته مقروناً بشيء أو مسبوقا أو ملحوقا به موجباً لترجحه في نظره على عدمه فتتعلق به إرادته فيوجد ، فشرط التكليف يُراد به ما يكون ملاحظة التكليف ـ مضافا إليه ـ شرطاً في ترجح التكليف لا ما يكون وجوده العيني شرطاً في وجود التكليف ليتوجه الإشكال المذكور ولزوم تأثير المعدوم في الموجود فالمسامحة واقعة في مقامين (في إطلاق) الشرط على الوجود الخارجي مع أن الشرط هو الوجود العلمي (وفي) جعله شرطاً للتكليف وإنما هو شرط لترجح وجوده على عدمه الموجب لإرادته والمصحح للمسامحة في الأول كون الوجود العلمي حاكياً عن الخارج فانياً فيه فيسري إليه وصفه وفي الثاني كونه من مقدمات وجود التكليف ولو بالواسطة (١) (قوله : ليس إلا أن) سبك العبارة يقتضي كون المراد من الأول شرط التكليف وما في نسختي من قوله : وأما الثاني ؛ يقتضي أن يكون أصله : وأما الثالث (قوله : لتصوره)

٢٢٦

وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقاً ـ ولو كان مقارناً ـ فان دخل شيء في الحكم به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن وأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن؟ فتأمل تعرف (وأما الثاني) فكون شيء شرطاً للمأمور به ليس إلّا ما يحصِّل لذات المأمور به بالإضافة إليه وجها وعنوانا به يكون حسناً ومتعلقاً للغرض بحيث لولاه لما كان كذلك ، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه ، والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلا كما لا يخفى على المتأمل ، فكما تكون إضافة شيء إلى مقارن له موجباً لكونه معنوناً بعنوان يكون بذلك العنوان حسنا ومتعلقا للغرض كذلك

______________________________________________________

(١) لا لوجوده (٢) (قوله : وكذا الحال في شرائط) إذ الوضع كالملكية ونحوها اعتبارات من المعتبر والاعتبار أيضاً فعل اختياري ينشأ عن الإرادة فلا يكون الوجود المتأخر شرطاً فيه بل لحاظه شرط في ترجحه حسبما تقدم في التكليف بعينه (٣) (قوله : في الحكم به) يعني بالوضع كالملكية ونحوها من الوضعيات (فان قلت) : ترجح التكليف أو الوضع بنظر المكلف والجاعل وان كان ناشئاً عن ملاحظة الأمر المتأخر لا عن نفسه إلا أنه ما لم يكن ذلك الأمر المتأخر دخيلا في ترتب أثر مرغوب فيه عليه لم تكن ملاحظة وجوده المتأخر موجبة لاعتقاد الرجحان وحينئذ يرجع الإشكال (قلت) : ترجح الوجود على العدم أمر اعتباري يكفي فيه كون الوجود مما يترتب عليه أثر محتاج إليه ولو في المستقبل (مثلا) : نزول الضيف غداً موجب لكون تهيئة الا واني اليوم راجحاً حيث انه يوجب ترتب أثر مرغوب فيه ولو بعد نزول الضيف ولأجله تكون تهيئة الأواني قبل نزول الضيف فعلا راجحا فتتعلق به الإرادة ولا يتوقف الرجحان على ترتب أثر محتاج إليه حال الفعل (٤) (قوله : ليس إلا ما يحصل) يعني ليس

٢٢٧

بمعنى كونه شرطاً لوجود ذات المأمور به بحيث لولاه لم توجد بل بمعنى أن المأمور به في مقام موضوعيته للأمر قد أخذ مقيداً به ومضافا إليه إضافة التقارن أو التقدم أو التأخر (فان قلت) : أخذ المأمور به مضافا إليه في مقام موضوعيته للأمر لا يكون جزءا فالقبح الترجيح بلا مرجح (قلت) : لا بد أن تكون إضافته إليه موجبة لترجح وجود المأمور به وحسنه كما اشتهر أن الحسن والقبح بالإضافات والاعتبارات (فان قلت) : هذا ـ مع أنه راجع إلى ما ذكر صاحب الفصول من أن الشرط نفس التعقب لا الوجود المتعقب به وظاهر المصنف (ره) مغايرته له يرد عليه ما أورده في فوائده على الفصول من أن التعقب ونحوه من الأمور الاعتبارية لا تصلح للتأثير فلا بد أن يكون دخلها بدخل منشأ الانتزاع وهو الوجود المتأخر فيرجع الإشكال (قلت) : ظاهر الفصول جعل التعقب شرطاً بالمعنى المشهور أعني ما له الدخل في نفس الوجود المشروط (فتأمل) لا بمعنى ما يكون طرفا للإضافة الموجبة للحسن كما اشتهر أنه بالإضافات والاعتبارات ، وأيضا فان الإضافة ملحوظة بالمعنى الاسمي على ظاهر الفصول وبالمعنى الحرفي عند المصنف (ره) فتأمل (فان قلت) : الالتزام بتأثير الإضافة في الحسن يتوقف إما على الالتزام بأن للإضافة نحو خارجية تصلح للتأثير وهو محل إشكال أو بتأثير الأمر المتأخر فيرجع الإشكال (قلت) : إنه لا مانع من تأثير الإضافة في حسن المتقدم لأن الحسن أيضاً من الأمور الاعتبارية (فان قلت) : الحسن وإن كان من الأمور الاعتبارية إلا انه ناشئ عن خصوصية في الموضوع واقعية حقيقية فدخل الإضافة فيه لا بد أن يكون لدخل منشأ الإضافة أعني الوجود المتأخر في وجود تلك الخصوصية وإلا كان أخذه قيداً للمأمور به بلا وجه مصحح ، وحينئذ يلزم أن يكون المتأخر دخيلاً في وجود الخصوصية المتقدمة ويرجع الإشكال (قلت) : لا مانع من الالتزام بكون الخصوصية مقارنة لوجود الشرط ولا يعتبر في حسن الشيء أن يكون ذا أثر مقارن له بل يكفي في حسنه كونه مما يترتب عليه أثر محتاج إليه ولو في المستقبل ، فالصوم النهاري إذا كان يترتب عليه أثر في المستقبل يكون حسنا راجحا ـ كما عرفت سابقا ـ

٢٢٨

إضافته إلى متأخر أو متقدم ، بداهة أن الإضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلك أيضا فلو لا حدوث المتأخر في محله لما كانت للمتقدم تلك الإضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والأمر به كما هو الحال في المقارن أيضا ، ولذلك أطلق عليه الشرط مثله بلا انخرام للقاعدة أصلا لأن المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس إلا طرف الإضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن ، وقد حُقق في محله أنه بالوجوه والاعتبارات ، ومن الواضح أنها تكون بالإضافات ، فمنشأ توهم الانخرام إطلاق الشرط على المتأخر وقد عرفت أن إطلاقه عليه فيه كإطلاقه على المقارن انما يكون لأجل كونه طرفا للإضافة الموجبة للوجه الّذي يكون بذلك الوجه مرغوباً ومطلوباً كما كان في الحكم لأجل دخل تصوره فيه كدخل تصور ساير الأطراف والحدود التي لو لا لحاظها لما حصل له الرغبة في التكليف ، أو لما صح عنده الوضع ، وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الإشكال في بعض فوائدنا ، ولم يسبقني أحد إليه فيما أعلم فافهم

______________________________________________________

بلا فرق بينهما إلا في أن المتأخر يوجب الاحتياج إلى الأثر المفروض الترتب فيما سبق ، ويوجب نفس ترتب الأثر المفروض الاحتياج إليه هنا ، كما هو الفارق بين شرط الوجوب وشرط الواجب «فالمتحصل» في دفع الإشكال أن الشرط في المقام ليس بالمعنى المعروف أعني ما له الدخل في قابلية الفاعل أو القابل ، بل بمعنى ما كان لحاظه دخيلاً في ثبوت المشروط بنحو الداعي إلى إرادة ثبوته أو بمعنى ما لوحظ قيداً للمشروط حين أخذه موضوعا للحكم ، ومنشأ الإشكال توهم أن الرضا المتأخر شرط في تأثير العقد في الملكية نظير يبوسة الحطب التي هي شرط في تأثير النار في الاحتراق ، وقد عرفت أن الملكية من مجعولات الشارع لا من آثار العقد. نعم لم يجعل الشارع الملكية عند العقد مطلقاً بل خصوص العقد المرضي بمضمونه ولو بالرضا اللاحق فتأمل تعرف حقيقة الحال إن شاء الله والله سبحانه أعلم (١) (قوله : لما كانت) لأن المتأخر مقوم للإضافة فلا تكون بدونه ، (٢) (قوله : أنها تكون) يعني الوجوه والاعتبارات (قوله : دخل تصوره)

٢٢٩

واغتنم ، ولا يخفى أنها بجميع أقسامها داخلة في محل النزاع وبناء على الملازمة يتصف اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق إذ بدونه لا يكاد يحصل الموافقة ويكون سقوط الأمر بإتيان المشروط به مراعى بإتيانه فلو لا اغتسالها في الليل ـ على القول بالاشتراط ـ لما صح الصوم في اليوم (الأمر الثالث) في تقسيمات الواجب «منها» تقسيمه إلى المطلق والمشروط ، وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود تختلف بحسب ما أخذ فيها من القيود وربما أطيل الكلام بالنقض والإبرام في النقض على الطرد والعكس مع انها ـ كما لا يخفى ـ تعريفات لفظية لشرح الاسم ، وليست بالحد ولا بالرسم

______________________________________________________

(١) اختلاف البيان حيث ذكر هنا ذلك وفي شرط المأمور به كونه طرفاً للإضافة من حيث أن الشرط في الثاني أخذ قيداً للمأمور به وفي الأولين يمتنع أخذه قيداً فيه فلا يكون طرفا للإضافة إليه وإلّا ففي الجميع الدخل إنما هو للحاظ والتصور كما يظهر بملاحظة الفوائد (٢) (قوله : إذ بدونه) تعليل لاتصاف اللاحق يعني أن المناط في الوجوب الغيري ـ وهو المقدمية ـ حاصل في الجميع بنحو واحد ، (٣) (قوله : لما صح الصوم) إذ لا يكون حينئذ مطابقاً للمأمور به فيبطل ، والله سبحانه اعلم.

(المطلق والمشروط)

(٤) (قوله : تعريفات وحدود) مثل ما عن عميد الدين من أن الواجب (المطلق) ما لا يتوقف وجوبه على أمر زائد على الأمر المعتبرة في التكليف من العلم والعقل والقدرة والبلوغ ، (والمشروط) بخلافه ، وما عن التفتازاني والشريف من أنه ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده (والمشروط) بخلافه وما عن آخر من زيادة قيد الحيثية في الحدين ، وما عن رابع من أنه ما لا يتوقف تعلقه بالمكلّف على أمر غير حاصل والمشروط بخلافه (٥) (قوله : تعريفات لفظية) هذا في الجملة مسلم إلا أن عدول بعض عن تعريف آخر معتذراً بعدم المنع أو الطرد

٢٣٠

والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط ، بل يطلق كل منهما بماله من معناه العرفي ، كما أن الظاهر أن وصفي الإطلاق والاشتراط وصفان إضافيان لا حقيقيان وإلّا لم يكد يوجد واجب مطلق ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأمور لا أقل من الشرائط العامة كالبلوغ والعقل ، فالحري أن يقال : إن الواجب مع كل شيء يلاحظ معه (إن) كان وجوبه غير مشروط به (فهو) مطلق بالإضافة إليه ، وإلا فمشروط كذلك وان كان بالقياس إلى شيء آخر كانا بالعكس ثم الظاهر أن الواجب المشروط كما أشرنا إليه أن نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط بحيث لا وجوب حقيقة ولا طلب واقعاً قبل حصول الشرط

______________________________________________________

يدل على خلاف ذلك ولا سيما بملاحظة الاهتمام في تكثير القيود (١) (قوله : والظاهر انه ليس) هذا خلاف ظاهر جملة من التعريفات فلاحظ (٢) (قوله : من معناه العرفي) وهو ما يكون الوجوب فيه مطلقاً غير منوط بشيء آخر وما يكون مشروطاً منوطا (٣) (قوله : وصفان إضافيان) بحيث يثبت كل منهما بالإضافة إلى شيء بعينه كما سيأتي بيانه في المتن (٤) (قوله : لا حقيقيان) بأن يكون الإطلاق عبارة عن عدم اشتراط الوجوب بشيء أصلا ويكون الاشتراط بخلافه (٥) (قوله : لم يكد يوجد) يعنى ولا يمكن الالتزام به (أقول) : مقتضى تعريف ابن العميد وغيره عدم لزوم ذلك (٦) (قوله : كل شيء) يعنى بعينه ، مثلا الصلاة الملحوظة مع الطهارة لما لم يكن وجوبها مشروطا بوجودها فوجوبها مطلق بالإضافة إليها وإن كان بالإضافة إلى البلوغ مشروطا (٧) (قوله : كذلك) يعني بالإضافة إليه أيضا (٨) (قوله : كانا بالعكس) بأن يكون المطلق مشروطا بالنسبة إلى الشيء الآخر والمشروط مطلقا بالنسبة إليه فضمير (كانا) راجع إلى المطلق والمشروط واسم (كان) الأولى ضمير الشأن (٩) (قوله : بحيث لا وجوب حقيقة) هذا يصح لو كان الجزاء معلقا على الشرط بوجوده العيني الخارجي أما لو كان معلقا عليه بوجوده الفرضي اللحاظي الّذي يكون موضوع الاستعمال والإرادة والكراهة

٢٣١

كما هو ظاهر الخطاب التعليقي ضرورة ان ظاهر خطاب : إن جاءك زيد فأكرمه ، كون الشرط من

______________________________________________________

وغيرها فانها لا تتعلق بالخارج إذ قد لا يكون المستعمل فيه له وجود خارجي ، ولأن الوجود الخارجي في الإرادة والكراهة ملازم لسقوطهما لا مقوم لهما ، بل موضوع هذه الأمور نفس الوجود اللحاظي الّذي يُرى خارجيا غير ملتفت إلى كونه لحاظيا فهو فان فيه فناء الحاكي في المحكي ، وكذلك حال الشرط المنوط به الجزاء في القضايا الشرطية فانه بوجوده الفرضي اللحاظي قد أنيط به الجزاء ولازمه ثبوت الجزاء فعلا ثبوتا منوطاً معلقا لا مطلقا غير معلق ، بل هو الحال في سائر القضايا الحملية الإنشائية أو الخبرية مثل : يحرم الخمر ، ويحل التمر ، فان الحرمة والحل قائمان بالخمر والتمر بوجودهما اللحاظي لا الخارجي وإلا فقد لا يكون خمر أو تمر ومع ذلك يحكم بثبوت الحرمة والحل لموضوعيهما ولا فرق بين النسب الحملية والشرطية ، إذ كما ان الجزاء منوط بشرطه كذلك المحمول منوط بموضوعه ، وكما أن المحمول منوط بموضوعه الفرضي اللحاظي كذلك الجزاء منوط بشرطه كذلك ، فالوجوب حينئذ يكون ثابتا حقيقة قبل حصول الشرط لكنه على نحو خاص من الثبوت أعني ثبوتا منوطاً لا مطلقا ، ولأجل ذلك جرى فيه الاستصحاب كما سيأتي في محله إن شاء الله. نعم مثل هذا الوجوب الثابت على النحو المذكور لا يصلح للبعث إلى متعلقه إلا بعد ثبوت الشرط المناط به لا قبله ، لكنه لا ينافى ما ذكرنا من ثبوت الوجوب قبله إلا أن يدعى أن الوجوب إنما يكون منتزعا عن مقام المحرِّكية التحقيقية التي عرفت توقف تحققها على وجود الشرط كذلك لكنه غير ظاهر كما لعله يأتي توضيحه فانتظر (١) (قوله : كما هو ظاهر الخطاب التعليقي) اعلم أن مفهوم قولنا : ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، يحتمل بدوا أمورا (الأول) محض الملازمة بين الشرط والجزاء نظير قولنا : طلوع الشمس ملزوم لوجود النهار (الثاني) تعليق الاخبار بالجزاء على وجود الشرط نظير قولنا : إذا طلعت الشمس أخبرتك بوجود النهار (الثالث) تعليق الخبر ـ به عليه أعنى

٢٣٢

قيود الهيئة وأن طلب الإكرام وإيجابه معلق على المجيء لا أن الواجب فيه يكون مقيداً به بحيث يكون الطلب والإيجاب في الخطاب فعليا ومطلقا وإنما الواجب يكون

______________________________________________________

إناطة النسبة الخبرية بالشرط نظير قولنا : يوجد النهار على تقدير طلوع الشمس (الرابع) تقييد النسبة الخبرية بالشرط فيكون المخبر به نسبة خاصة نظير قولنا : يوجد النهار بعد طلوع الشمس (الخامس) تقييد موضوع الجزاء به نظير قولنا : النهار الكائن عند طلوع الشمس موجود وهكذا الحال لو كان الجزاء إنشاء مثل : ان جاءك زيد فأكرمه فيجوز أن يكون لإنشاء الملازمة ، وتعليق الإنشاء وتعليق المنشأ ، وتقييده وتقيد موضوعه ، والمنسوب للمنطقيين هو الأول والمختار لبعض الأعيان هو الثاني ، وظاهر بعض المنطقيين والمنسوب لأهل العربية هو الثالث ـ وهو ظاهر المصنف (ره) ـ والمختار لشيخنا الأعظم (ره) هو الخامس ، ولم أعرف من بنى على الرابع ، والتحقيق مختار المصنف (ره) لأنه الظاهر (والإيراد) عليه بأنه يستلزم الكذب في مثل قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، لأن صدق الخبر يتوقف على ثبوت النسبة الواقعية وهو باطل ـ مع أنه خلاف المقصود ، ولأجل ذلك اختار بعض الأعيان الثاني وغيره الأول (مندفع) بالخلط بينه وبين الرابع فان الكذب في مثل ذلك إنما يلزم عليه وعلى الخامس لا على الثالث إذ عليه تكون القضية حاكية عن الوجود التقديري ويكفي في صدقها ان تكون جهة مصححة للتقدير وان لم يصر فعليا إلى الأبد مع أن البناء على كونه من تعليق الخبر يقتضي كونه قبل وجود الشرط غير خبر مع أنه محتمل للصدق والكذب اللهم إلّا ان يكون منوطا بالوجود اللحاظي كما عرفت (١) (قوله : من قيود الهيئة) يعني قيداً لها بنحو التعليق والإناطة لا مثل تقييدها بالمادة كما هو مفاد الاحتمال الرابع الّذي عرفت بطلانه (٢) (قوله : وان طلب) بيان لمفاد الهيئة لكن عرفت سابقاً ان الظاهر من مفاد الهيئة هو النسبة التكوينية لا الطلبية (٣) (قوله : لا ان الواجب) الّذي هو مفاد الاحتمال الخامس

٢٣٣

خاصاً ومقيداً وهو الإكرام على تقدير المجيء فيكون الشرط من قيود المادة لا الهيئة كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة أعلى الله مقامه مدعياً لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعاً ولزوم كونه من قيود المادة لبا مع الاعتراف بأن قضية القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ظاهراً ، أما امتناع كونه من قيود الهيئة فلأنه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح القول بتقييده بشرط ونحوه فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الّذي يدل عليه الهيئة فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة ، وأما لزوم كونه من قيود المادة لبا فلان العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت إليه فاما ان يتعلق طلبه به أولا يتعلق به طلبه أصلا ، لا كلام على الثاني ، وعلى الأول فاما أن يكون ذاك الشيء مورداً لطلبه وأمره مطلقاً على اختلاف طوارئه أو على تقدير خاص ، وذلك التقدير (تارة) يكون من الأمور الاختيارية (وأخرى) لا يكون كذلك ، وما كان من الأمور الاختيارية قد يكون مأخوذا فيه على نحو يكون مورداً للتكليف ، وقد لا يكون كذلك على اختلاف الأغراض الداعية إلى طلبه والأمر به من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد والقول بعدم التبعية كما لا يخفى هذا موافق لما أفاده بعض الأفاضل المقرر لبحثه بأدنى تفاوت ، ولا يخفى ما فيه ، أما حديث عدم الإطلاق في مفاد الهيئة

______________________________________________________

(١) (قوله : مع الاعتراف) صرح بذلك في غير موضع من كلامه «أقول» : إذا امتنع تقييد الهيئة كيف يكون مقتضى القواعد العربية؟ (٢) (قوله : لا إطلاق في) لذهابه «قدس‌سره» إلى أن الموضوع له في الحروف خاص (٣) (قوله : الاختيارية) ومثل له بقولك : إن دخلت الدار فافعل كذا (٤) (قوله : من غير فرق) إذ على القول بالتبعية يقرر الترديد المذكور بالنسبة إلى المصلحة التي تتبعها الإرادة ، وعلى القول بعدم التبعية يقرر بالنسبة إلى الإرادة نفسها كما قرر المصنف «ره» (٥) (قوله : موافق لما أفاده) ذكر ذلك في التقريرات في ذيل هداية عقدها

٢٣٤

فقد حققناه سابقاً أن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاماً كوضعها وإنما الخصوصية من قبل الاستعمال كالأسماء ؛ وإنما الفرق بينهما أنها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنى بما هو هو ، والحروف وضعت لتستعمل وقصد بها معاينها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى بل من مشخصات الاستعمال كما لا يخفى على أولى الدراية والنُّهى ، والطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق قابل لأن يقيد ـ مع أنه لو سلم أنه فرد فانما يمنع عن التقييد لو أنشئ أولا غير مقيد لا ما إذا أنشئ من الأول مقيداً غاية الأمر قد دل

______________________________________________________

لدفع الإشكال في وجوب مقدمات الواجب المشروط قبل وقته (١) (قوله : فقد حققنا سابقا) لكن عرفت ان مختار شيخنا الأعظم «قدس‌سره» أن الموضوع له فيها خاص لا عام فالإشكال المذكور يكون في المبنى (٢) (قوله : يكون عاما) لكنك عرفت إشكاله سابقا. نعم يمكن الإشكال على شيخنا الأعظم «ره» بان كلامه لا يتم لو كان الطلب مستفادا من مادته أو نحوها مثل : إذا زالت الشمس وجب الطهور والصلاة ، لعدم المانع حينئذ من تقييد الطلب (٣) (قوله : مع انه لو سلم انه) ينبغي ان يكون مراده انه لو سلم كون المستعمل فيه خاصا وهو خصوص النسبة الطلبية إلا ان تخصص النسب إنما هو بتخصص أطرافها فالنسبة المستعمل فيها هيئة «أكرم زيدا» غير النسبة المستعمل فيها هيئة «علّم زيدا» وهما غير النسبة المستعمل فيها هيئة (اضرب زيدا) فهذه المغايرة إنما جاءت من خصوصيات الأطراف فإذا كان تخصص النسبة بتخصص أطرافها جاز تخصصها بخصوصية الشرط وكما أن تخصصها بخصوصية الإكرام أو العلم أو الضرب لا يمنع من كون المستعمل فيه خاصا كان تخصيصها بالشرط كذلك ، وأما ما قد يظهر من العبارة من أن كون المعنى فردا إنما يمنع عن تقييده بعد الإنشاء لا قبله ، وأنه قبل الإنشاء قابل للإطلاق والتقييد فلا ينبغي ان يكون مرادا لما عرفت من ان المعنى الحرفي على رأي شيخنا الأعظم غير قابل للإطلاق والتقييد لا قبل الاستعمال ولا بعده أو انه أشار إلى ما ذكر ، بقوله : فافهم

٢٣٥

عليه بدالين وهو غير إنشائه أولا ثم تقييده ثانياً فافهم (فان قلت) على ذلك يلزم تفكيك الإنشاء عن المنشأ حيث لا طلب قبل حصول الشرط (قلت) : المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله فلا بد أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث وإلّا لتخلف عن إنشائه ، وإنشاء أمر على تقدير كالاخبار به بمكان من الإمكان كما يشهد به الوجدان فتأمل جيداً ، وأما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لباً ففيه أن الشيء إذا توجه إليه وكان موافقاً للغرض بحسب ما فيه من المصلحة

______________________________________________________

(١) (قوله : عليه بدالين) دل أحدهما على نفس المطلق وهو الهيئة وثانيهما على التقييد وهو الشرط بل جميع خصوصيات النسب إنما تدل عليه أطرافها (٢) (قوله : على ذلك يلزم) يعني على ما ذكرت من كون الشرط قيداً للطلب (٣) (قوله : لا طلب قبل) قد عرفت الإشارة إلى ان هذا انما يلزم لو كان المعلق عليه الشرط بوجوده الخارجي أما لو كان بوجوده الذهني الحاكي عن الخارجي بنحو لا يلتفت إلى ذهنيته يكون الطلب حاصلا قبل حصول الشرط لكن معلقا عليه لا مطلقا وهو نحو خاص من الثبوت نظير الثبوت المطلق كما صرح به في الاستصحاب التعليقي (٤) (قوله : المنشأ إذا كان) يعني ان التفكيك بين الإنشاء والمنشأ انما يمتنع حيث يؤدي إلى عدم وجود المنشأ بالإنشاء وهو غير لازم في المقام لأن المفروض كون المنشأ هو الطلب بعد الشرط فلو حصل قبله كان خلفا ممنوعا لأن ما قُصد لم يقع وما وقع لم يُقصد. نعم يبقى الإشكال في انه كيف يمكن إنشاء الأمر المتأخر عن زمان الإنشاء لأنه إن وجد بعد الشرط يلزم تأثير المعدوم في الموجود وان لم يوجد يلزم التفكيك. ويندفع بأن المنشأ لما كان أمرا اعتباريا جاز أن يكون منشؤه متقدما كما جاز ان يكون متأخراً كما تقدم في الشرط المتأخر بيانه (٥) (قوله : كالاخبار به) لا مجال لقياس الإنشاء بالخبر لأن الاخبار غير مؤثر بالمخبر به والإنشاء مؤثر بالمنشإ فلا بد من التعرض لدفع الإشكال بما عرفت (٦) (قوله : كما يشهد به الوجدان) يظهر ذلك بملاحظة الوصية التمليكية والتدبير بناءً على أنهما تمليك وتحرير بعد الموت ، واشتراط الخيار المتأخر ، والنذر

٢٣٦

أو غيرها كما يمكن ان يبعث فعلا إليه ويطلبه حالا لعدم مانع عن طلبه كذلك يمكن أن يبعث إليه معلقا ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لأجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله فلا يصح منه الا الطلب والبعث معلقاً بحصوله لا مطلقاً ولو متعلقاً بذاك على التقدير ، فيصح منه طلب الإكرام بعد مجيء زيد ، ولا يصح منه الطلب المطلق الحالي للإكرام المقيد بالمجيء هذا بناءً على تبعية الأحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح ، وأما بناءً على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها فكذلك ، ضرورة ان التبعية كذلك انما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية لا بما هي فعلية فان المنع عن فعلية تلك الأحكام غير عزيز.

______________________________________________________

المعلق على شرط غير حاصل وغير ذلك (١) (قوله : أو غيرها) يعني مطلق الجهة الموجبة للبعث والطلب وان لم تكن مصلحة كما يراه الأشعري (٢) (قوله : كما يمكن أن يبعث) يعني أن الطلب من الأفعال الاختيارية وكما أن وجوده يتوقف على عدم المانع كذلك وجوده الخاصّ أعني كونه مطلقا أو معلقا فإذا كان مقتض لوجوده ومنع مانع عن وجوده مطلقاً يوجد حينئذ معلقا ولا يكفي في جوده مطلقاً مجرد وجود مقتض له وان كان مع المانع (٣) (قوله : على تقدير) متعلق بقوله : (يطلبه) (٤) (قوله : لأجل مانع) متعلق بقوله : (معلقا) (٥) (قوله : بحصوله) يعنى على حصول الشرط (٦) (قوله : لا مطلقا) مدخول (لا) معطوف بها على قوله : (معلقا) يعني لا يصح منه الطلب مطلقاً غير معلق سواء أكان متعلقا بالفعل مطلقاً أم بالفعل مقيداً بتقدير الشرط فقوله : (ولو معلقا) ليس بيانا للإطلاق بل هو بيان لإطلاق المنفي وهو صحته مطلقاً وقوله : (بذاك) إشارة إلى الفعل المطلوب ، وقوله : على التقدير ، قيد له (٧) (قوله : في غاية الوضوح) لوضوح إمكان وجود المانع عن طلبه مطلقاً (٨) (قوله : فكذلك) يعني في غاية الوضوح أيضا (٩) (قوله : ضرورة ان التبعية) يعني لو قلنا بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها فالمراد بها الأحكام

٢٣٧

كما في موارد الأصول والأمارات على خلافها وفي بعض الأحكام في أول البعثة بل إلى يوم قيام القائم عجل الله فرجه مع ان حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، ومع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الأحكام باقيا مرَّ الليالي والأيام إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع الظلام كما يظهر من الاخبار المروية عن الأئمة عليهم‌السلام (فان قلت) : فما فائدة الإنشاء إذا لم يكن المنشأ به طلباً فعلياً وبعثاً حالياً (قلت) : كفى فائدة له أنه يصير بعثاً فعلياً بعد حصول الشرط بلا حاجة إلى خطاب آخر

______________________________________________________

الواقعية الإنشائية أما الفعلية فتابعة لما فيها من المصالح وحينئذ فقد يمنع من فعلية الطلب مانع فلا يكون فعليا بل يكون تعليقياً كما تقدم فلا يتم ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) (١) (قوله : كما في موارد) فان مصلحة الترخيص ـ ولو كانت هي التسهيل ـ مانعة من فعلية الحكم الواقعي وكذا الحال في بعض الأحكام في أول البعثة فانها لم تكن فعليته لمانع منع عن فعليتها ، وكذا الحال في بعض الأحكام من أول البعثة إلى زمان ظهور الحجة عجل الله تعالى فرجه فانها عند ظهوره عليه‌السلام تكون فعلية بعد ما لم تكن ، ولا يتوهم أن زمان ظهوره زمان ثبوت تلك الأحكام لا زمان فعليتها لأن ذلك يستلزم تبدل الأحكام بظهوره وهو خلاف ما دل على أن حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال ... إلخ (أقول) : هذا وان سلم من جهة ان المقتضيات في المتعلقات ليست عللاً تامة لفعلية الأحكام بل يمكن ان يكون مقدار اقتضائها مجرد إنشاء الحكم فلا موجب لفعليته أو تكون مقتضيات لفعليتها إلّا انه منع عنها مانع ولو كانت مصلحة التسهيل إلا أن البناء على كون الأحكام الواقعية تابعة للمقتضيات في متعلقاتها كاف في تمام برهان شيخنا الأعظم بالنسبة إلى الحكم الواقعي إذ يعلم حينئذ أن الطلب الواقعي ليس معلقا على الشرط وإذا علم ذلك كان فعلياً وهو المطلوب ولا مجال لجعل حكم على خلافه للزوم التناقض فان الحكم الواقعي وان كان لا ينافيه الحكم الظاهري إلّا أنه ما دام الجهل بالحكم

٢٣٨

بحيث لولاه

______________________________________________________

الواقعي لا ما لو علم به. هذا مضافا إلى أن ما ذكره من الإشكال انما يتم بالإضافة إلى الطلب الّذي هو فعل اختياري لا بالإضافة إلى الإرادة فانها ليست بإرادته وحينئذ فإذا كان الفعل مشتملا على المصلحة بلا مزاحم كما هو المفروض تعلقت به الإرادة فعلا ولا مجال لتعلقها معلقة على شرط غير حاصل والبناء على امتناع تعلق الإرادة بالأمر الاستقبالي خلاف ما سيصرح به عن قريب (فالتحقيق) في وجه الإشكال على شيخنا الأعظم أن ما ذكره (ره) مبني على عدم الفرق بين شرط الواجب وشرط الوجوب في إمكان الأخذ قيداً للواجب مع ثبوت الفرق بينهما فان الأول ما يكون دخيلا في ترتب أثر الواجب عليه ، والثاني ما يكون دخيلاً في الاحتياج إلى ذلك الأثر مثلاً : المرض شرط في وجوب استعمال المسهل واستعمال المنضج شرط لنفس استعمال المسهل فشرطية الأول للوجوب ناشئة من دخله في ثبوت الاحتياج إلى استعمال المسهل وشرطية الثاني في الواجب ناشئة من دخله في ترتب الأثر المحتاج إليه عليه فموضوع الأثر المحتاج إليه شرب المسهل المسبوق بشرب المنضج ، والعلة في ثبوت هذا الاحتياج هو المرض ولأجل هذا الاختلاف اختلفا في موضوع التقييد فكان أحدهما قيداً للوجوب والآخر قيداً للواجب حيث أن تعلق الإرادة بالمراد إنما يكون في ظرف ثبوت الحاجة إلى أثره فتكون منوطة بعلل الحاجة ومقدماتها ومعلولة لها بحيث لا تكون الإرادة في الخارج إلا في ظرف الفراغ عن ثبوتها بخلاف مقدمات ثبوت الأثر المحتاج إليه فان الإرادة تكون علة لها ، ولأجل ذلك امتنع أخذ مقدمات الاحتياج قيدا في موضوع الإرادة كما امتنع أخذ مقدمات الأثر قيداً لنفس الإرادة أما امتناع الأول فلأنه تحصيل الحاصل لأن الإرادة تكون بعد حصولها فإذا تعلقت بها حينئذ لزم المحذور ، واما امتناع الثاني فلأنه في ظرف ثبوت الاحتياج لا بد من تعلق الإرادة بها قهراً لأنه علة للإرادة وفي ظرف عدمه تكون الإرادة بلا مرجح وهو ممتنع (قوله : بحيث لولاه)

٢٣٩

لما كان فعلا متمكنا من الخطاب هذا ـ مع شمول الخطاب كذلك للإيجاب فعلا بالنسبة إلى الواجد للشرط فيكون بعثاً فعلياً بالإضافة إليه وتقديرياً بالنسبة إلى الفاقد له فافهم وتأمل جيداً. ثم الظاهر دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط في محل النزاع أيضاً فلا وجه لتخصيصه بمقدمات الواجب المطلق غاية الأمر تكون في الإطلاق والاشتراط تابعة لذي المقدمة كأصل الوجوب بناءً على وجوبها من باب الملازمة وأما الشرط المعلق عليه الإيجاب في ظاهر الخطاب فخروجه مما لا شبهة فيه ولا ارتياب أما على ما هو ظاهر المشهور والمنصور فلكونه مقدمة وجوبية ، وأما على المختار لشيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ فلأنه وان كان من المقدمات الوجودية للواجب إلّا انه أخذ على نحو لا يكاد يترشح عليه الوجوب منه فانه جعل الشيء واجباً على تقدير حصول ذاك الشرط فمعه كيف يترشح عليه الوجوب ويتعلق به الطلب؟ وهل هو إلا طلب الحاصل؟ نعم على مختاره ـ قدس‌سره ـ لو كانت له مقدمات وجودية غير معلق عليها وجوبه لتعلق بها

______________________________________________________

(١) يعني الإنشاء قبل الشرط (٢) (قوله : كان فعلا) يعني بعد حصول الشرط (٣) (قوله : مع شمول) يعني قد يترتب عليه فائدة ثانية وهي فعلية الطلب بالنسبة إلى المكلف الواجد للشرط (٤) (قوله : الظاهر دخول) لإطلاق عنوان المبحث مع وجود ملاك البحث ومساواتها لمقدمات الواجب المطلق في المقدمية للواجب (٥) (قوله : فلا وجه لتخصيصه) يعني ان بعضهم اعتبر الإطلاق في عنوان النزاع (٦) (قوله : تكون في) يعني تكون واجبة مطلقة أو واجبة مشروطة كذي المقدمة فيكون وجوبها الغيري مطلقا أو مشروطاً كالوجوب النفسيّ (٧) (قوله : مقدمة وجوبية) يعني وإذا كانت مقدمة للوجوب كان وجوده بعد وجودها فتعلقه بها يلزم منه تحصيل الحاصل (٨) (قوله : فانه جعل الشيء) ضمير إن للشأن يعني : ان الشرط لم يؤخذ شرطاً للواجب

٢٤٠