حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

فالمتبع هو الإطلاق لو كان وإلّا فالأصل وهو يقتضي البراءة من إيجاب الإعادة لكونه شكا في أصل التكليف ، وكذا عن إيجاب القضاء

______________________________________________________

عليه الإجزاء فتأمل جيداً (١) (قوله : فالمتبع هو الإطلاق) ينبغي أن يكون المراد من الإطلاق إطلاق دليل البدل لو كان ومع عدمه فإطلاق دليل المبدل الّذي قد عرفت اقتضاءه عدم الاجزاء لدلالته على تعين المبدل في مقام الوفاء بالغرض ، كما أنه لو فرض قيام الدليل على عدم وجوب عبادتين في وقت واحد أو في الوقت وخارجه فدليل البدل يدل على نفي وجوب الإعادة في الأول ونفي وجوب القضاء في الثاني (٢) (قوله : لكونه شكا في أصل التكليف) يمكن أن يدعى كون أصل البراءة محكوما باستصحاب تعليقي فانه قبل فعل البدل لو صار مختاراً وجب عليه الفعل الاختياري فيستصحب ويحكم به بعد فعل البدل أيضاً ولا فرق بين كون الاضطرار شرعياً وعقلياً «ودعوى» أن الملازمة في الثاني عقلية فلا مجال للاستصحاب التعليقي معها «مدفوعة» بأن التصرف العقلي انما كان في رفع التكليف حال الاضطرار لا ثبوته حال الاختيار بل هو شرعي فيستصحب ، «فان قلت» : الاختيار مما لم تثبت إناطة التكليف به في السابق حتى تستصحب تلك الإناطة وانما الثابت مجرد التكليف حاله «قلت» : يكفي في الاستصحاب التعليقي ثبوت التكليف في حال الاختيار وان لم يكن سبباً لثبوته فتأمل ، بل يمكن أن يرجع إلى الاستصحاب التنجيزي لأن الاضطرار كالجهل لا يرفع نفس التكليف ، وانما يرفع باعثيته فإذا كان المبدل منه قبل طروء الاضطرار واجباً تعيينياً يبنى على بقائه كذلك إلى زمان طروء الاختيار. نعم إذا كان الاضطرار ثابتاً من أول الوقت أشكل جريان الاستصحاب المذكور فافهم. كما قد يدعى أن المقام من الدوران بين التعيين والتخيير لكون الشك في أن موضوع التكليف هو الجامع بين البدل والمبدل أو خصوص المبدل فيلحقه حكمه من البراءة أو الاحتياط. نعم مع استمرار الاضطرار إلى آخر الوقت يعلم بوجوب البدل على التعيين ويشك في وجوب القضاء فلا يكون من الدوران بين التعيين والتخيير أما مع ارتفاع الاضطرار

٢٠١

بطريق أولى. نعم لو دل دليله على أن سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة كان القضاء واجباً عليه لتحقق سببه وان أتى بالغرض لكنه مجرد الفرض (المقام الثاني) في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه «والتحقيق» أن ما كان منه يجري

______________________________________________________

فهو من صغرياته. نعم يفترق عن سائر موارده بأن الفرد غير المحتمل التعيين مما يشك في وجوبه في ظرف عدم محتمل التعيين فيجري فيه أصالة عدم وجوبه وفي المقام يعلم بوجوبه إذ لا ريب في وجوب البدل ووفائه بمقدار من المصلحة ـ كما هو محل الفرض ـ فلا مجال لأصالة عدم وجوبه ، ومن هنا يمكن الفرق بينهما في الحكم إذ يعلم بوجوب الجامع بين البدل والمبدل منه بنحو يكون كل منهما فرداً للواجب ويشك في وجوب خصوصية في المبدل زائدة على ذلك الجامع والأصل البراءة ؛ ومن هنا يظهر عدم صحة القول بالاحتياط من جهة الشك في حصول الغرض حتى لو قيل بالاحتياط لأجله في باب الأقل والأكثر ، وفي باب التعيين والتخيير لكون الشك في المقام في أصل ثبوت الغرض زائداً على المقدار الحاصل في الجامع لا في حصوله بعد العلم بثبوته نظير موارد الأقل والأكثر الاستقلاليين فتأمل جيداً (١) (قوله : بطريق أولى) لأن القضاء تابع للأداء ولا عكس فإذا جاز ترك الإعادة في الوقت جاز ترك القضاء بطريق أولى (٢) (قوله : فوت الواقع) يعني الواقع الاختياري وكان الأولى التعبير بعدم فعل الواقع لاختصاص صدق الفوت بفوت المصلحة والمفروض خلاف ذلك (٣) (قوله : مجرد الفرض) لعدم وفاء أدلة القضاء به.

(تنبيه)

ابتناء وجوب الإعادة وعدمه على كون البدل غير واف بالغرض أو وافياً به إنما هو بعد الفراغ عن مشروعية البدار إليه أما لو لم تثبت مشروعيته فلو بادر إليه كان اللازم وجوب الإعادة للشك في بدليته حينئذ فلا مجال لاحتمال وفائه بتمام الغرض

٢٠٢

حتى يرجع إلى إطلاق دليله أو أصالة البراءة وحينئذ نقول : إن دل على جواز البدار دليل بالخصوص فهو المتبع وإلا فلا يبعد صلاحية إطلاق دليله في الجملة لإثباته «وتوضيح» ذلك أن الواجب الموسع لما أمكن فرض أفراد تدريجية له بحسب حصص الزمان الممتد كفى في تعلق القدرة به القدرة على بعض تلك الافراد فلا يصح سلب القدرة عليه إلا مع عدم القدرة بالإضافة إلى كل فرد من تلك الأفراد التدريجية كما هو الحال أيضا في القدرة على الماهية ذات الافراد العرضية الدفعيّة فإذا دل الدليل على أن من لم يقدر على الركوع أومأ برأسه «فتارة» يقيد بزمان معين مثل أول الوقت ، أو تمام الوقت ، أو نحوهما «وأخرى» يطلق بأن تجتمع مقدمات الحكمة المقتضية للإطلاق «وثالثة» يهمل بفقد بعضها ، ففي الأول يتبع ظاهر التقييد فيعمل عليه ، وفي الثاني يجوز البدار بلا فرق بين أن يكون متعلق القدرة مطلقاً ومهملا ، أما في الأول فلان العاجز عن الركوع أول الوقت يصدق عليه أنه عاجز في تلك الحال عن صرف الماهية فيثبت حكمه من مشروعية البدل «ودعوى» أنه إذا ارتفع الاضطرار في آخر الوقت يصدق انه قادر على الركوع في آخر الوقت والقدرة على بعض الافراد قدرة على صرف الماهية فلا يصدق عدم القدرة المأخوذة في موضوع المشروعية «مندفعة» بأن القدرة على الركوع إنما تكون ـ على الفرض ـ في آخر الوقت أما في أوله فهو عاجز عن الماهية بجميع أفرادها حتى الفرد الّذي يكون في آخر الوقت ؛ وأما في الثاني «يعني ما لو أخذ موضوع القدرة مهملاً» فلأن غاية ما يقتضيه الإهمال احتمال إرادة خصوص حصة من تلك الحصص التدريجية وهو لا يمنع من صدق عدم القدرة عليه أول الوقت إذ كل ما يفرض من الحصص المذكورة فهو غير مقدور في أول الوقت فيترتب حكمه بعد فرض إطلاق القدرة ، وأما في الثالث «أعني فرض إهمال القدرة» فاللازم عدم الحكم بالمشروعية لاحتمال كون عدم القدرة المأخوذ موضوعاً لتشريع البدل هو خصوص عدم القدرة في آخر الوقت ولا رافع لهذا الاحتمال بعد فرض الإهمال ، ولا فرق في ذلك بين إطلاق متعلق القدرة وإهماله

٢٠٣

في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره كقاعدة الطهارة أو الحلية بل واستصحابهما

______________________________________________________

(الأمر الظاهري)

(١) (قوله : في تنقيح ما هو موضوع التكليف) يعني أن الحكم الظاهري على نحوين (أحدهما) ما يكون مفاد دليله جعل نفس موضوع الحكم الشرعي حقيقة (وثانيهما) ما يكون مفاد دليله ثبوت موضوعه الواقعي «والأول» هو الأصل مثل قاعدتي الطهارة والحلية واستصحابهما ونحوها مما يكون مفاده جعل مؤداه فان مفاد قوله عليه‌السلام : كل شيء نضيف حتى تعلم أنه قذر ، جعل النظافة حقيقة ، وكذا قوله عليه‌السلام : كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ، فان مفاده جعل الحلية حقيقة (والثاني) الأمارات الشرعية فان مفاد البينة القائمة على طهارة شيء ثبوت نفس الطهارة الواقعية المشهود بها فدليل الحجية إنما يقتضي إمضاء مضمونها لا غير فيدل على ثبوت الطهارة الواقعية أيضا ، ويترتب على هذا الاختلاف في المؤدى الاختلاف في ناحية الإجزاء وعدمه ، فان لازم الأول هو الإجزاء لثبوت موضوع الواقع حقيقة وقد عرفت استقلال العقل بالاجزاء في إتيان المأمور به بالأمر الواقعي ، ولازم الثاني عدم الإجزاء لأن مقتضى الدليل الواقعي أن موضوع المصلحة الواقعية هو الموضوع الواقعي وقد انكشف عدم حصوله وليس لدليل الحجية دلالة على تدارك مصلحة الواقعي بالمأتي به الظاهري لكي يجزئ عنه (٢) (قوله : بلسان تحقق) يعني بلسان جعل ما هو شطر أو شرط (٣) (قوله : كقاعدة الطهارة) يعني قوله عليه‌السلام : كل شيء نضيف ... إلخ وما ذكره لا يخلو من خفاء فانه يتوقف على أمرين (الأول) كون الموضوع للأثر الشرعي الأعم من الواقع والظاهر (والثاني) كون مفاد القاعدة جعل الطهارة حقيقة ، وكلاهما محل تأمل (اما الأول) فهو خلاف الظاهر جداً ، ودعوى أنه مقتضى الإطلاق مدفوعة

٢٠٤

بانصرافه إلى خصوص الطهارة الواقعية ، ويشهد به ارتكاز التساوي عملاً بين شرطية الطهارة ومانعية النجاسة ـ مع أن مقتضى الأخذ بإطلاق شرطية الطهارة الاكتفاء بإحدى الطهارتين ، ومقتضى الأخذ بإطلاق مانعية النجاسة مانعية كل منهما وهما مختلفان عملا جداً ، بل أكثر الأدلة الدالة على آثار الطهارة إنما تضمنت مانعية النجاسة تكليفا أو وضعا فلاحظها (وأما الثاني) فلان صدر الحديث وان تضمن جعل الطهارة حقيقة إلا أن ذيله لما كان دالا على ثبوت القذارة واقعا في زمان الشك وكانت القذارة والطهارة من قبيل المتضادين في نظر العرف اللذين يمتنع اجتماعهما في زمان واحد ولو في رتبتين وجب التصرف إما في الذيل بحمله على القذارة الاقتضائية أو في الصدر بحمله على الطهارة التنزيلية ، (والثاني) أولى لأمور (منها) ظهور الدليل في التوسعة وجعل المؤمِّن عن احتمال النجاسة ومن المعلوم ان العلم بالقذارة الاقتضائية لا أثر له فضلا عن احتمالها (ومنها) ظهور الذيل في انتهاء الحكم بالعلم بالقذارة مع أن العلم بالقذارة الاقتضائية لا يصلح لرفع الطهارة الواقعية فضلا عن الظاهرية ـ مع أن ذلك مما لم يقل به أحد (ومنها) أن القذارة ملحوظة في رتبة سابقة على الطهارة فظهورها في الفعلية مقدم على ظهور الطهارة في الحقيقية والتقدم الذكري مما لا أثر له في قبال الأخير فضلا عما قبله ـ مع أنه لو بني على عدم التضاد بين الطهارة والقذارة أو على جواز اجتماعهما فجعل الطهارة حقيقة لا يجدي في البناء على صحة العمل ولو ظاهراً بعد ما عرفت من أن موضوع الأحكام الواقعية الطهارة الواقعية فاحتمال عدمها لا رافع له إلّا بجعل الطهارة الواقعية في ظرف الشك تنزيلا ادعاء لا حقيقة لامتناعه فيتعين حمل الكلام عليه لأنه ناظر إلى تلك الأحكام ثم إن إطلاق التنزيل وان اقتضى القيام بالمصلحة والوفاء بالغرض إلّا أن الارتكاز في الأصول العقلائية مانع من الأخذ بهذا الظهور فان الشك في جميع الأصول العقلائية مما لا يوجب كسب المشكوك عنوانا ذا مصلحة يتدارك بها الواقع. نعم هو منشأ للأخذ بأحد الاحتمالين بعينه من حيث جواز العمل لا غير فلا وجه للاجزاء ، وأما مثل : كل شيء لك حلال ، فلا ريب في اقتضائه الحلية الظاهرية سواء أكان

٢٠٥

في وجه قوي ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجزئ فان دليله

______________________________________________________

مفاده جعل الحلية في قبال الحلية الواقعية أم جعل الحلية الواقعية في ظرف الشك ادعاءً ، أما على الأول فواضح ، واما على الثاني فلان أدنى مراتب التنزيل المذكور هو الترخيص في العمل على خلاف الواقع وهو عين الحلية وحينئذ فان كان موضوع الأثر الواقعي مطلق الحلية الشامل للظاهرية فلا ريب في الإجزاء لأن المجعول فرد حقيقي لموضوع الأثر كالفرد الواقعي ، وإن كان موضوعه خصوص الحلية الواقعية فعلى الأول لا يجوز العمل لعدم ثبوت موضوع الأثر لا حقيقة ولا تنزيلا فلا مجال لاحتمال الإجزاء ، وعلى الثاني يجوز العمل ، أما الإجزاء فيتوقف على دلالته على التنزيل حتى بلحاظ الغرض وقد عرفت وجه الإشكال فيه ، ولا تبعد دعوى ظهور الرواية في الأول وأما الاستصحاب ـ فلا يظهر من دليله جعل المؤدى حقيقة بل ولا جعله تنزيلا مطلقاً بل بلحاظ العمل لا غير فلا موجب للاجزاء ومثله حال بقية الأصول مثل قوله عليه‌السلام : فشكك ليس بشيء ، في قاعدة التجاوز ، وقوله عليه‌السلام : إذا شككت فابن علي الأكثر ، في قاعدة البناء على الأكثر في الصلاة ، وقوله عليه‌السلام : فأمضه كما هو ، في قاعدة الفراغ ، وغيرها فان ظاهر الجميع عدم الاعتناء باحتمال الخلاف من حيث العمل لا غير بلا نظر إلى تدارك الواقع ولذا لا مجال لتوهم التنافي بينها وبين ما دل على وجوب ترتيب آثار الواقع من أول الأمر لو انكشف الخطأ ، وأما حديث رفع ما لا يعلمون فالمرفوع فيه هو الآثار لا نفس المجهول وإلا كان خلفا ـ مضافا إلى وحدة السياق مع الباقي وليس المرفوع فيها إلا آثارها ويمتنع التفكيك بينها عرفاً لأن نسبة الرفع إلى التسعة نسبة واحدة وهذا المقدار من الرفع أجنبي عن الإجزاء وتفصيل الحال في جميع ما ذكرنا يطلب من محله فلاحظ وتأمل (١) (قوله : في وجه قوي) يعني أنه من جعل المؤدى حقيقة لا تنزيلا بلحاظ العمل ، ولا من جعل اليقين (٢) (قوله : ونحوها) كقواعد الفراغ والتجاوز وغيرهما مما أشرنا إليه

٢٠٦

يكون حاكما على دليل الاشتراط ومبينا لدائرة الشرط وانه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجباً لانكشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل وهذا بخلاف

______________________________________________________

(١) (قوله : أو الحلية) يعنى أو غيرهما مما هو مفاد الأصل (٢) (قوله : يكون حاكما على دليل) الحكومة عند شيخنا الأعظم (ره) كون الدليل الحاكم متفرعا على المحكوم وناظراً إليه موسعاً لموضوعه أو مضيقا تنزيلا ، وعند المصنف (ره) : سوق الدليل الحاكم بنحو يصلح للنظر إلى كمية موضوع الآخر فقوله (ره) : ومبيِّناً لدائرة الشرط ، تفسير للحاكم (٣) (قوله : وأنه أعم من) (أقول) : إن كان موضوع الشرطية الأعم من الشرط الواقعي والظاهري فإذا كان مفاد القاعدتين والاستصحاب ونحوها جعل الشرط حقيقة فهي واردة على دليل الشرطية وليس فيها تعرض لبيان عموم موضوع الشرطية ، بل عمومه مستفاد من دليل الشرطية لا غير نعم لو كان موضوعه خصوص الشرط الواقعي وكان مفاد القواعد جعل الشرط الواقعي تنزيلا كانت حاكمة على دليل الشرطية لكنه خلاف ما اختاره ثم ان في إطلاق الورود والحكومة في المقام مسامحة لاختصاصهما بالدليلين المتحدين رتبة (٤) (قوله : من قبيل ارتفاعه) لما ذكره قدس‌سره من جعل الشرط حقيقة في حال الجهل فيرتفع بارتفاعه (أقول) : لو سلم ذلك فلا دليل على ثبوت الشرط حقيقة من أول الأمر بعد ارتفاع الجهل ، والحكم بثبوته حال الجهل لا ينافي عدم الحكم بثبوته في حال الجهل بعد ارتفاعه «مثلا» إذا كان الماء مشكوك النجاسة يوم الجمعة فجعل الشارع طهارته يوم الجمعة فإذا انكشف يوم السبت نجاسته يوم الجمعة فلا دليل على الحكم يوم السبت بطهارته يوم الجمعة كيف ونجاسته يوم الجمعة معلومة يوم السبت ، ولا مجال للتعبد مع العلم فليس إلّا النجاسة الواقعية يوم الجمعة فيترتب آثارها من أول الأمر ونظيره الكشف المشهوري على التحقيق في العقد الفضولي فان العين بعد العقد قبل الإجازة ملك للمالك الأول وبعد الإجازة يحكم بأنها من حين العقد ملك للمشتري ، بل لا يظن التأمل فيما ذكرنا لو فرض الشك في طهارة أمر مستقبل له

٢٠٧

ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعاً ـ كما هو لسان الأمارات ـ فلا يجزئ فان دليل حجيته حيث كان بلسان انه واجد لما هو الشرط الواقعي فبارتفاع الجهل ينكشف انه لم يكن كذلك بل كان لشرطه فاقداً. هذا على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات من ان حجيتها ليست بنحو السببية ، وأما بناء عليها وأن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره يصير حقيقة صحيحاً كأنه واجد له مع كونه فاقده فيجزئ لو كان الفاقد له في هذا الحال كالواجد في كونه وافياً بتمام الغرض ، ولا يجزئ لو لم يكن كذلك ، ويجب الإتيان بالواجد لاستيفاء الباقي ان وجب وإلا لاستحب هذا مع إمكان استيفائه وإلا فلا مجال لإتيانه كما عرفت في الأمر الاضطراري

______________________________________________________

له أثر حالي فانه يرجع إلى قاعدة الطهارة فيه فيحكم في الحال بطهارته في المستقبل ثم لو علم بعد ذلك بنجاسته قبل مجيء زمانه يحكم في ذلك الوقت بنجاسته في وقته فتأمل جيداً (١) (قوله : ما كان منها) يعنى من الأوامر الظاهرية (٢) (قوله : انه ما هو) يعني إذا كان لسان الأمر الظاهري أن الشيء ـ كالماء مثلا ـ هو الطاهر واقعا (٣) (قوله : كما هو لسان الأمارات) قد عرفت أن مفاد حجية الأمارة إمضاء مفاد الأمارة وإنشاء ما تحكيه الأمارة فإذا كانت البينة مثلا تحكي أن الماء المتوضأ به طاهر فدليل حجيتها ينشئ الطهارة الواقعية في حال الشك وحيث امتنع ذلك وجب حمله على التنزيل فلا يكون من إنشاء الشرط حقيقة كما في الأصول ثم إن هذا التنزيل يمكن ان يكون بلحاظ العمل لا غير فلا يقتضي إلا ترخيصا في مخالفة الواقع ما دامت الأمارة قائمة على خلافه ، ويمكن أن يكون بلحاظ الغرض والمصلحة بحيث يكون قيام الأمارة على خلاف الواقع من العناوين الموجبة لطروء مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع أو بعضها ، وهذا هو القول بالسببية والأول هو القول بالطريقية وحيث أن الأول هو المختار للمصنف (ره) بل للمشهور بنى على عدم الاجزاء (٤) (قوله : ليست بنحو) يعنى بل علي الطريقية كما عرفت (٥) (قوله : وان العمل بسبب) تفسير للسببية (٦) (قوله : فيجزئ) جواب إما

٢٠٨

ولا يخفى أن قضية إطلاق دليل الحجية ـ على هذا ـ هو الاجتزاء بموافقته أيضا. هذا فيما إذا أحرز ان الحجية بنحو الكشف والطريقية أو بنحو الموضوعية والسببية ، وأما إذا شك ولم يُحرز أنها على أي الوجهين فأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للإعادة في الوقت ،

______________________________________________________

(١) (قوله : قضية إطلاق) الكلام في مقتضى الإطلاق هنا بعينه الكلام في مقتضى إطلاق دليل البدل الاضطراري فراجع (٢) (قوله : على هذا) يعني السببية (٣) (قوله : فأصالة عدم الإتيان) قد عرفت أن الشك في دليل البدل إنما يقتضي الرجوع إلى الأصل العملي لو لم يكن إطلاق لدليل المبدل يقتضي تعينه في مقام حصول الغرض وإلا فهو المرجع لا الأصل. ثم لو بني على الرجوع إلى الأصل العملي فلا مجال لأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف لتردد المسقط بين معلوم الثبوت لو كان هو المأتي به ومعلوم العدم لو كان الفعل الواقعي ، وفي مثله لا يجري الأصل كما حقق في محله ـ مضافا إلى ما ربما يقال من أن السقوط وعدمه ليس من الآثار الشرعية لوجود الموضوع وعدمه بل من الآثار العقلية حيث أن ثبوت الإرادة تابع للعلم بالمصلحة فمع حصولها تسقط بذاتها وإذا لم يكن من الآثار الشرعية كانت أصالة ثبوت الموضوع وسقوطه من الأصول المثبتة ، لكنه مندفع (بالنقض) بالأصول المثبتة للموضوع كقواعد الطهارة والحلية والتجاوز والفراغ والصحة ونحوها فانها لا ريب في أنها ليست من الأصول المثبتة ، كما أنه لا ريب في عدم الفرق بينها وبين أصالة عدم الإتيان «وبالحل» بأن مرجع الأصول المثبتة للموضوع أو النافية له إلى توسعة موضوع الأمر وتضييقه الراجع إلى جعل الأثر للمشكوك فيترتب عليه السقوط عقلا ، أو نفيه عنه فيترتب عليه عدمه كذلك بل المرجع أصالة البراءة من وجوب الإعادة أو أصالة عدم التكليف بالواقع بلا فرق بين أن تقوم الأمارة على تنقيح الصغرى ـ كما لو قامت على طهارة الماء المتوضأ به ـ أو تنقيح الكبرى ـ كما لو قامت على عدم اعتبار طهارة محالِّ الوضوء مثلا ـ

٢٠٩

واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعلياً في الوقت لا يجدي ولا يثبت كون ما أتي به مسقطاً إلا على القول بالأصل المثبت

______________________________________________________

(وتوهم) أنه في القسم الأول يعلم بالكبرى فتكون فعلية وتتنجز فالشك يكون في الخروج عن عهدة التكليف المنجز والمرجع فيه الاحتياط (مدفوع) بما عرفت في دفع التوهم السابق من أن الأصل الجاري في تنقيح الصغرى لا بد ان يرجع مفاده إلى توسعة في موضوع الأثر فيشك في فعلية الأثر لخصوص الواقع ويكون كما لو شك في نفس الكبرى من احتمال فعلية الواقع ـ على أن الأمارة الدالة على ثبوت الأصغر تدل بالالتزام على ثبوت الأكبر فتوسع بمدلولها الالتزامي فلا يكون الواقع بخصوصه مما يعلم بثبوت الأثر له حتى يكون فعلياً منجزا والأصل البراءة منه بعد انكشاف الخلاف. نعم لو طرأ الجهل في أثناء الوقت أمكن الرجوع إلى استصحاب تعيين الواقع كما تقدم في البدل الاضطراري إلا أن يقال : إن الشك في التكليف ناشئ من الشك في وجود المزاحم والمرجع فيه الاحتياط ، لكنه غير ظاهر الا في الاعذار العقلية عند الشك فيها كما في موارد الشك في القدرة اما الشك في المزاحم الّذي يوجب تبدل عنوان الحسن بالقبيح مثلا فلا موجب للاحتياط فيه فتأمل ، ومنه يظهر أنه لا مجال لأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف لكون الشك في ثبوت التكليف لا في سقوطه مضافا إلى ما سبق (١) (قوله : واستصحاب عدم كون) يعني قد يقال : انه لو انكشف الخلاف في الوقت يرجع إلى استصحاب عدم فعلية التكليف الثابت ذلك العدم حال الجهل بالتكليف وقيام الحجة على خلافه ومقتضاه عدم وجوب الإعادة ، ويدفعه أن الأصل المذكور لا يجدي في إثبات كون المأتي به مسقطا لأن ذلك من اللوازم غير الشرعية فيتوقف إثباته له على القول بالأصل المثبت الّذي لا نقول به ، وإذا لم يثبت به كونه مسقطاً يكون الشك في سقوط ما اشتغلت به الذّمّة والمرجع في مثله أصالة عدم الإتيان ، «أقول» : إن جرى استصحاب عدم فعلية التكليف لاجتماع أركانه من

٢١٠

وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي. وهذا بخلاف ما إذا علم انه مأمور به واقعاً وشك في أنه يجزئ عما هو المأمور به الواقعي الأولي كما في الأوامر الاضطرارية أو الظاهرية بناءً على أن يكون الحجية على نحو السببية فقضية الأصل فيها ـ كما أشرنا إليه ـ عدم وجوب الإعادة للإتيان بما اشتغلت به الذّمّة يقيناً وأصالة عدم فعلية التكليف الواقعي بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف ، وأما القضاء فلا يجب بناء على انه فرض جديد وكان الفوت المعلق عليه وجوبه لا يثبت بأصالة عدم الإتيان

______________________________________________________

اليقين والشك كفى نفسه في ترتب الأثر عليه عقلاً نظير استصحاب عدم التكليف ولا يحتاج إلى إثبات كون المأتي به مسقطاً ـ مع أن الجمع بينه وبين دعوى كون الشك شكا في المسقط لما اشتغلت به الذّمّة لا يخلو من إشكال لأن الاشتغال المعلوم إن كان حال الجهل فالمفروض العلم بعدم فعلية التكليف حينئذ وان كان حال الانكشاف فلا مقتضي له كيف والكلام في إثبات الاشتغال وعدمه في حال الانكشاف؟ وإن لم يجر لفقد بعض أركانه فاللازم منعه لذلك لا لأنه من الأصل المثبت فلاحظ ؛ (١) (قوله : وقد علم) تحقيق لكون الشك في المسقط (٢) (قوله : وهذا بخلاف) يعني الشك في الاجزاء للشك في الطريقية والموضوعية ليس مثله الشك في الاجزاء للشك في وفاء المأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بناءً على السببية فان المرجع فيه البراءة بعد ارتفاع الاضطرار أو انكشاف الخلاف كما سبق ، لكن عرفت تحقيق الحال فيهما (٣) (قوله : كما في الأوامر) يعني المأمور به بالأوامر الاضطرارية (٤) (قوله : بناء على) قيد للظاهرية (٥) (قوله : وأما القضاء فلا) يعني ما سبق كان حكم انكشاف الخلاف في أثناء الوقت أما لو كان بعد خروج الوقت فالقضاء المحتمل وجوبه إما أن يكون بفرض جديد وإما ان يكون بالفرض الأول فان كان بالفرض الأول فحكمه حكم الإعادة ، وان كان بفرض جديد فان كان موضوعه وهو الفوت يثبت بأصالة عدم الفعل في الوقت لأنه مجرد ترك الواجب فاللازم الحكم بوجوبه

٢١١

إلا على القول بالأصل المثبت وإلّا فهو واجب كما لا يخفى على المتأمل فتأمل جيداً. تم إن هذا كله فيما يجري في متعلق التكاليف من الأمارات الشرعية والأصول العملية ، وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف كما إذا قام الطريق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها فلا وجه لإجزائها مطلقاً غاية الأمر أن تصير صلاة الجمعة فيها أيضا ذات مصلحة لذلك ، ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة كما لا يخفى

______________________________________________________

اعتماداً على أصالة عدم فعل الواجب المحرزة لموضوعه وان كان لا يثبت موضوعه بالأصل لأن الفوت حقيقة ذهاب المطلوب فهو كناية عن ترك ما من شأنه أن يُفعل مع عدم إمكان فعله فلا يصدق إلا في آخر الوقت فلا حالة له سابقة ليستصحب فاللازم الحكم بعدم وجوبه اعتماداً على أصالة البراءة «أقول» : قد عرفت الإشكال في جريان أصالة عدم الإتيان (١) (قوله : إلا على القول بالأصل) فان عدم الإتيان في تمام الوقت يلازمه عدم إمكان التدارك في الوقت فيثبت المعنى الكنائي للفوت (أقول) : موضوع القضاء لا يختص بالفوت بل المذكور في جملة من نصوصه نسيان الفريضة أو النوم عنها أو نحو ذلك مما يفهم منه كون الموضوع تركها في تمام الوقت فلو جرت أصالة عدم الإتيان في نفسها كفت في وجوب القضاء فراجع (٢) (قوله : وجوب صلاة الجمعة) يعني على نحو لا تكون الأمارة متعرضة لنفي وجوب صلاة الظهر أما لو كانت متعرضة لذلك ولو لأجل أنها في مقام تعيين الواجب أو في مقام آخر فتدل ولو بالدلالة الالتزامية العقلية على نفيه كان مقتضى القول بالسببية عدم وجوب الإعادة أو القضاء كما سبق وكذا لو كان المعتمد في نفي وجوب صلاة الظهر الأصل الشرعي (٣) (قوله : لإجزائها مطلقاً) يعني سواء أقلنا بالطريقية أم بالسببية (٤) (قوله : ولا ينافي هذا بقاء) لأن المفروض عدم تعرض الأصل أو الأمارة لنفي وجوب الظهر ليكون

٢١٢

إلا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد (تذنيبان) (الأول) لا ينبغي توهم الاجزاء في القطع بالأمر في صورة الخطأ فانه لا يكون موافقة للأمر فيها وبقي الأمر بلا موافقة أصلا وهو أوضح من أن يخفى. نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأموراً به مشتملا على المصلحة في هذا الحال أو على مقدار منها ولو في غير الحال غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقي منه ومعه لا يبقى مجال لامتثال الأمر الواقعي وهكذا الحال في الطرق فالاجزاء ليس لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعي أو الطريقي

______________________________________________________

ذلك موجباً لانقلاب الحكم الواقعي (١) (قوله : إلا أن يقوم دليل) وحينئذ فإذا ثبت وجوب إحداهما بالأصل أو الأمارة ثبت عدم وجوب الأخرى للتلازم بين وجوب إحداهما وعدم وجوب الأخرى (٢) (قوله : لا ينبغي توهم الإجزاء) لأن منشأ توهم الاجزاء كشف الأمر الشرعي عن مصلحة في متعلقه يتدارك بها مصلحة الواقع فحيث لا أمر شرعي بل اعتقاد الأمر لا طريق إلى الإجزاء بعد انكشاف خطئه (٣) (قوله : في هذا الحال) يعني حال القطع وانما قيده بذلك لأنه لو كان مشتملا على المصلحة مطلقا كان واجباً في عرض الواقع ويكون الإتيان به إتياناً بأحد فردي الواجب الواقعي (فان قلت) : إذا كان مشتملا على المصلحة في حال القطع يكون أيضا أحد فردي الواجب فلا يكون من إجزاء غير الواقع عن الواقع الّذي هو محل الكلام (قلت) : يمتنع أن يكون واجباً حينئذ لأنه يمتنع أخذ القطع في موضوع متعلقه على ما يأتي في مبحث القطع إن شاء الله تعالى (٤) (قوله : ولو في غير الحال) يعني غير حال القطع (فان قلت) : إذا كانت المصلحة كذلك كان واجباً مطلقاً (قلت) : المضادة بينه وبين تمام مصلحة الواقع مانعة من الأمر به في عرض الأمر بالواقع بل وعلى نحو الترتب على مختار المصنف (ره) (٥) (قوله : ومعه لا يبقى مجال) يعني مع كون ما قطع بكونه مأموراً به على الوصف المذكور لا بد من الإجزاء (٦) (قوله : الحال في الطرق) يعني إذا قطع بطريقية

٢١٣

للاجزاء بل انما هو لخصوصية اتفاقية في متعلقهما كما في الإتمام والقصر والإخفات والجهر (الثاني) : لا يذهب عليك أن الاجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والأمارات على ما عرفت تفصيله لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد فان الحكم الواقعي بمرتبة محفوظ فيها ، فان الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأولية بحسب ما يكون فيها من المقتضيات ، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات وإنما المنفي فيها ليس إلا الحكم الفعلي البعثي وهو منفي في غير موارد الإصابة وان لم نقل بالاجزاء ، فلا فرق بين الاجزاء وعدمه إلا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الأمر الظاهري وعدم سقوطه بعد انكشاف عدم الإصابة وسقوط التكليف بحصول غرضه أو لعدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الأمارة

______________________________________________________

شيء فعمل على طبقه (١) (قوله : للاجزاء) متعلق باقتضاء (٢) (قوله : كما في الإتمام والقصر) فان المعروف أن من أتم في موضع القصر جاهلاً أجزأه ويعاقب لو كان مقصراً ، وكذا لو جهر في موضع الإخفات أو بالعكس والمستند في ذلك النصوص المعتبرة في المقامين ولهم في ذلك إشكال وفي التفصي عنه وجوه تُذكر في شرائط الأصول (٣) (قوله : فان الحكم الواقعي بمرتبة) هذا مناسب تقريباً لعدم التنافي بين تضاد الأحكام الواقعية والظاهرية وبين التخطئة فان لازم التخطئة ثبوت الحكم المشترك بين العالم والجاهل ومثله لا يضاد الأحكام الظاهرية لأنه إنشائي وهي فعلية ، ولا تضاد بين الحكم الإنشائي والفعلي لاختلاف المرتبة ، وأما ما يناسب المقام من عدم منافاة الاجزاء للتخطئة فهو ما أفاده بقوله في آخر بيانه : وسقوط التكليف ... إلخ (٤) (قوله : أو لعدم إمكان) كما في بعض الصور المشار إليها في الأمر الاضطراري وفي الظاهري (٥) (قوله : غير التصويب) بل ينافيه لأن السقوط فرع الثبوت والثبوت غير التصويب الّذي هو عدم الثبوت

٢١٤

كيف وكان الجهل بها بخصوصيتها أو بحكمها مأخوذا في موضوعها فلا بد من ان يكون الحكم الواقعي بمرتبة محفوظا فيها كما لا يخفى

فصل في مقدمة الواجب

وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم أمور (الأول) الظاهر أن المهم المبحوث عنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فتكون مسألة أصولية لا عن نفس وجوبها كما هو المتوهم من بعض العناوين كي تكون فرعية ، وذلك لوضوح أن البحث كذلك لا يناسب الأصولي ، والاستطراد لا وجه له بعد إمكان ان يكون البحث على وجه تكون من المسائل الأصولية ثم الظاهر أيضا أن

______________________________________________________

أصلا لغير مؤدى الأمارة (١) (قوله : كيف وكان) هذا يشبه أن يكون رداً على التصويب لا عدم المنافاة بين الاجزاء والتخطئة (٢) (قوله : بخصوصيتها) أي بخصوصية الواقعية فتكون موردا للأصل الموضوعي (٣) (قوله : أو بحكمها) فتكون مجرى للأصل الحكمي (٤) (قوله : في موضوعها) أي موضوع الأمارات. والله سبحانه أعلم.

(مقدمة الواجب)

(٥) (قوله : فتكون مسألة) لوقوعها في طريق استنباط الحكم الفرعي فيقال مثلا : الصلاة واجبة ، وكل واجب تجب مقدماته ، فالصلاة تجب مقدماتها (٦) (قوله : تكون فرعية) لأن موضوعها فعل المكلف ومحمولها أحد الأحكام التكليفية إلا أن يقال : عنوان المقدمية لما كان من الجهات التعليلية كان الموضوع مصداق المقدمة وحيث كان متعددا لم تكن فرعية لاعتبار وحدة الموضوع في المسألة الفرعية بل تكون المسألة كمسألة جواز خلو الواقعة عن الحكم بملاحظة عموم البحث لمقدمة الحرام والمكروه والمستحب فتأمل جيداً (قوله : ثم الظاهر أيضا أن)

٢١٥

المسألة عقلية والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه لا لفظية كما ربما يظهر من صاحب المعالم حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ـ مضافا إلى أنه ذكرها في مباحث الألفاظ ضرورة انه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ثبوتا محل الإشكال فلا مجال لتحرير النزاع في الإثبات والدلالة عليها بإحدى الدلالات الثلاث كما لا يخفى (الأمر الثاني) انه ربما تقسم المقدمة إلى تقسيمات (منها) تقسيمها إلى داخلية وهي الأجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها والخارجية وهي الأمور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه (وربما) يشكل كون الاجزاء مقدمة له وسابقة عليه بأن المركب ليس إلّا نفس الاجزاء بأسرها (والحل) أن المقدمة هي

______________________________________________________

(١) يعني بعد البناء على كونها أصولية فالظاهر كونها عقلية لا لفظية إذ مرجع البحث فيها أن العقل يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته لا أن اللفظ الدال على وجوب شيء يدل على وجوب مقدماته (٢) (قوله : بانتفاء الدلالات) إذ المراد من الدلالات الثلاث هي الدلالات اللفظية المطابقة والتضمن والالتزام ، ومن المعلوم أن انتفاء هذه الدلالات إنما يقتضي نفي الدلالة اللفظية لا الدلالة العقلية والفرق بين الدلالة الالتزامية اللفظية وبين اللزوم العقلي المدعى كونه محل النزاع أن الدلالة الالتزامية يعتبر فيها إما اللزوم العرفي أو العقلي البيِّن بالمعنى الأخص بحيث يلزم من تصور الملزوم تصور اللازم واللزوم العقلي في كلام المصنف (ره) أعم من ذلك ومن البين بالمعنى الأعم وهو ما يجب معه الحكم باللزوم عند تصور الطرفين ومن غير البيِّن وهو ما لا يكون كذلك (٣) (قوله : مضافا إلى انه) لكن هذا لا يختص به (٤) (قوله : ضرورة انه) تعليل لقوله : ثم الظاهر ... إلخ (٥) (قوله : في الإثبات) لأنه متفرع على الثبوت فالكلام فيه ينبغي ان يكون بعد الكلام في الثبوت (٦) (قوله : الخارجة) كالشروط (٧) (قوله : وسابقة عليه) يعني في الوجودين الذهني والخارجي كما نصّ عليه بعض المحققين من أهل المعقول (٨) (قوله : بأسرها) وعليه فلا اثنينية بينهما خارجا فضلا عن تقدم أحدهما على الآخر

٢١٦

نفس الاجزاء بالأسر وذو المقدمة هو الاجزاء بشرط الاجتماع فيحصل المغايرة بينهما وبذلك ظهر انه لا بد في اعتبار الجزئية من أخذ الشيء بلا شرط كما لا بد في اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع

______________________________________________________

(١) (قوله : بشرط الاجتماع) يعني انضمام بعضها إلى بعض (٢) (قوله : فتحصل المغايرة) ولو بالاعتبار ، وكذا يظهر وجه تقدم الجزء على الكل فان الاجتماع من قبيل الإضافة المتأخرة عن المتضايفين فإذا كان الاجتماع دخيلا في الكل كان متأخراً عن الجزء تأخر المقيد بما هو مقيد عن الذات التي هي معروض التقييد (أقول) : ما ذكر في رفع الإشكال وان سبقه إليه بعض المحققين من أهل المعقول إلا أن هذا المقدار من التغاير الاعتباري المحض لو سلم لا يجدي في صحة مقدمية الجزء للكل خارجا لأنها تتوقف على الاثنينية في الخارج فكما لا يكفي في العلية والمعلولية التغاير الاعتباري مع الاتحاد خارجا كذلك لا يكفي في المقدمية ذلك مع الاتحاد وجوداً فيبقى الإشكال بحاله وسيأتي التنبيه عليه في حاشية المصنف (ره) (٣) (قوله : وبذلك ظهر انه لا بد) التحقيق أن الجزئية والكلية اعتباران متضايفان بحيث متى صح اعتبار الكلية للكل صح اعتبار الجزئية للجزء ومنشأ اعتبارهما معا أمر واحد وهو طروء وحدة للمتكثرات فالأمور المتكثرة إذا لوحظت في نفسها فلا كلية لها ولا جزئية لأبعاضها فإذا لوحظت مجتمعة تحت وحدة ما يعتبر حينئذ للمجموع عنوان الكلية وللأبعاض عنوان الجزئية (وما) يظهر من عبارة المتن من تضاد منشأ اعتبار الجزئية لمنشإ اعتبار الكلية (غير ظاهر) لما عرفت من اتحاد منشئهما كما عرفت أن التغاير بين الجزء والكل من جهة ان الكل نفس تمام الأجزاء والجزء نفس أحدها فالجزء ان لوحظ بشرط الباقي الّذي هو معنى (بشرط شيء) كمفهوم لفظ اثنين يكون كلا لأنه عين تمام الأجزاء (وبشرط) لا الاعتباري كمفهوم لفظ أحد الاثنين يكون جزءاً ، وإذا أخذ «لا بشرط» أمكن ان يتحد مع الكل كما يمكن أن يتحد مع الجزء ، ومنه

٢١٧

وكون الاجزاء الخارجية كالهيولى والصورة هي الماهية المأخوذة بشرط لا ، لا ينافي ذلك فانه انما يكون في مقام الفرق بين نفس الاجزاء الخارجية والتحليلية من الجنس والفصل وان الماهية إذا أخذت بشرط لا تكون هيولى أو صورة وإذا أخذت لا بشرط تكون جنساً أو فصلا

______________________________________________________

يظهر أن الاجتماع أجنبي عن معنى الكل كما عرفت أن الاجزاء بأسرها عين الكل وهي ذو المقدمة ، وأما المقدمة ـ بناء على ثبوت المقدمية بين الجزء والكل ـ فهو نفس أحد الأجزاء لا الاجزاء بالأسر (١) (قوله : وكون الاجزاء الخارجية) هذا إشارة إلى إشكال ودفع «أما الأول» فهو أن المذكور في فن المعقول أن الأجزاء الخارجية مأخوذة بشرط لا وهو ينافي ما ذكرت من أن الجزء مأخوذ لا بشرط «واما الثاني» فلان تنافي لا بشرط وبشرط لا انما يكون بالإضافة إلى شيء واحد مع كونهما جاريين علي اصطلاح واحد ، وليس الأمر هنا كذلك فان المراد من (بشرط لا) فيما ذكر أهل المعقول «بشرط لا» الاعتباري في مقابل الجزء التحليلي المأخوذ «لا بشرط» الاعتباري بشهادة ذكر ذلك في مقام الفرق بين الجزء التحليلي والجزء الخارجي في صحة الحمل وعدمه ـ كما تقدم في مبحث المشتق ـ والمراد مما ذكرنا هنا من «لا بشرط» اللابشرط الخارجي في مقابل «بشرط الاجتماع» فأحد الاعتبارين جار على اصطلاح وثانيهما جار على اصطلاح آخر فلا تنافي بينهما «أقول» : بل مقتضى ما ذكره في مبحث المشتق أن قولهم : الأجزاء الخارجية مأخوذة لا بشرط ، ليس جاريا على أحد الاصطلاحين بل بمعنى ان مفهومها يأبى عن الحمل ، وحينئذ فلا مجال لتوهم التنافي بينه وبين ما ذكره هنا لكن عرفت الإشكال فيه فتأمل جيداً (٢) (قوله : كالهيولى والصورة) يعني الّذي يتركب منهما الجسم عند المشائيين ، والهيولى ـ وتسمى المادة والطينة وغير ذلك ـ هي الجوهر الّذي يكون محل الصورة أعني الصورة الجسمية وهو الجوهر المتصل (٣) (قوله : الخارجية والتحليلية) يعني بين كل

٢١٨

لا بالإضافة إلى المركب فافهم ثم لا يخفى أنه ينبغي خروج الأجزاء عن محل النزاع كما صرح به بعض وذلك لما عرفت من كون الاجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتا وانما كانت المغايرة بينهما اعتباراً فتكون واجبة بعين وجوبه ومبعوثا إليها بنفس الأمر الباعث إليه فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر لامتناع اجتماع المثلين ولو قيل بكفاية تعدد الجهة وجواز اجتماع الأمر والنهي

______________________________________________________

جزء خارجي وجزء تحليلي (١) (قوله : لا بالإضافة إلى) يعني لا في مقام الفرق بين تمام الأجزاء الخارجية وبين نفس المركب كما هو محل الكلام هنا «أقول» : قد عرفت في الحاشية السابقة حقيقة الحال ، وبالتأمل فيه يظهر عدم المنافاة أيضا فتأمل (٢) (قوله : عن محل النزاع) يعنى لا يقع النزاع في انها واجبة بالوجوب الغيري أو لا بل هي واجبة بالوجوب النفسيّ لا غير (٣) (قوله : المغايرة بينهما اعتبارا) والجهة الاعتبارية وهو الاجتماع لو سلم أخذه قيداً في معنى الكل فلا نسلم دخله في موضوع الأمر لأنه إنما يطرأ على ذوات الأجزاء بلحاظ امر آخر زائد عليها وهي جهة الوحدة إذ لا يقال : اجتمع زيد وعمرو ، إلا بلحاظ أمر ثالث زائد عليهما فتكون الاجزاء مجتمعة إما بلحاظ الأمر أو الغرض أو اللحاظ أو الوجود أو المكان أو الزمان أو غيرها. والاجتماع في الأمر مما لا يعقل أخذه في موضوعه لما تقدم في قصد الامتثال ، وكذا الاجتماع في اللحاظ لما تقدم في معنى الحرف وكذا الاجتماع في الغرض لأن الأمر إنما يتعلق بموضوع الغرض لما سيأتي في الفرق بين الجهات التعليلية والتقييدية من بيان امتناع أخذ الأول قيداً ومن المعلوم أن الغرض منها لا من الجهات التقييدية ، واما الاجتماع في الوجود فان أريد به نفس وجود الاجزاء بتمامها فليس هو امراً زائداً على ذوات الاجزاء كي يعتبر قيداً فيها ، وإن أريد به اتصال الوجودات بمعنى الموالاة بين الأجزاء فهو كالاجتماع في الزمان والمكان وغيرهما مما يمكن أن يؤخذ قيداً بل أخذ قيداً في كثير من المركبات ، إلا أنه لم يؤخذ في كثير منها فليس معياراً للفرق بين الكل

٢١٩

معه لعدم تعددها هاهنا لأن الواجب بالوجوب الغيري ـ لو كان ـ إنما هو نفس الاجزاء لا عنوان مقدميتها والتوسل بها إلى المركب المأمور به ضرورة ان الواجب بهذا الوجوب ما كان بالحمل الشائع مقدمة لأنه المتوقف عليه لا عنوانها. نعم يكون هذا العنوان علة لترشح الوجوب على المعنون ، فانقدح بذلك فساد توهم اتصاف كل جزء من اجزاء الواجب بالوجوب النفسيّ والغيري باعتبارين فباعتبار كونه في ضمن الكل واجب نفسي وباعتبار كونه مما يتوسل به إلى الكل واجب غيري ، اللهم إلا أن يريد أن فيه ملاك الوجوبين وان كان واجباً بوجوب واحد نفسي

______________________________________________________

والجزء ولا تصح دعوى كونه قيداً في المركبات مطلقاً كما هو محل الكلام هذا كله ـ مضافا إلى أن قيد الاجتماع بلحاظ جملة مما ذكر ليس دخيلا في الغرض فان محصِّل الغرض نفس ذوات الاجزاء في حال الاجتماع لا مقيدة بالاجتماع فكيف يؤخذ قيداً في موضوع الوجوب ، ولو سلم ذلك كله فقد تقدم في مبحث التوصلي أن التقييد لما كان اعتباريا لم يكن موضوعا للوجوب فليس الموضوع الا ذات المقيد وهو نفس الاجزاء فلا مجال لتعلق الوجوب الغيري لامتناع اجتماع المثلين وهذا الأخير هو مصب كلام المصنف (ره) فتأمل جيداً (١) (قوله : معه) يعنى تعدد الجهة (٢) (قوله : هو نفس) الّذي هو موضوع الوجوب النفسيّ (٣) (قوله : لا عنوان مقدميتها) لما سيأتي تفصيله إن شاء الله من ان العنوان التعليلي مما لم يؤخذ في موضوع الوجوب بخلاف العنوان التقييدي وعنوان المقدمية من الأول وهكذا كل ما له دخل في كون الشيء ذا مصلحة وغرض مقصود بخلاف ما كان له دخل في ترتب المصلحة على ما هو مصلحة فانتظر (٤) (قوله : فباعتبار) وجه فساده أنه إن أريد من هذا أن الاعتبار بنفسه موضوع للوجوب فقد عرفت ان اعتبار كونه مما يتوسل به إلى الواجب يمتنع ان يكون موضوعا للوجوب ، وان أريد أنه علة

٢٢٠