حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

ان علق الأمر بزوال علة النهي ... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فانه قلَّ مورد منها يكون خالياً عن قرينة على الوجوب أو الإباحة أو التبعية ، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعدُ كون عقيب الحظر موجباً لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الأمر يكون موجباً لإجمالها غير ظاهرة في واحد منها إلا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الأمر مطلقاً لا دلالة لها على المرة ولا التكرار ، فان المنصرف عنها ليس إلا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها ، والاكتفاء بالمرة فانما هو

______________________________________________________

(١) (قوله : إن علق النهي بزوال) كما في قوله تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ، وقوله تعالى : فإذا تطهرن فأتوهن ، وقوله تعالى : وإذا حللتم فاصطادوا (٢) (قوله : لا مجال للتشبث) إشارة إلى إبطال استدلال بعضهم على مدعاه ببعض موارد الاستعمال كالآيات المتقدمة (وحاصله) أن الكلام في المقام في أن وقوع الأمر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلا بدليل الموجبة لظهور الصيغة في الإباحة مطلقاً أو الوجوب أو رجوع الحكم السابق على النهي أو غير ذلك؟ والاستعمال لا يدل على شيء من ذلك لإمكان استناد الظهور فيه إلى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر فلا يصح الاستناد إليه في إثبات الدعوى (٣) (قوله : ومع فرض) يعني لو فرض التجريد عن القرائن الخاصة لم يظهر أن الوقوع عقيب الحظر من القرائن الموجبة لظهور الصيغة في غير الوجوب الّذي تكون ظاهرة فيه لو لا الوقوع عقيب الحظر (٤) (قوله : لإجمالها) وعليه فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له الأبناء على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد لا من باب حجية الظهور

(المرة والتكرار)

(٥) (قوله : مطلقاً) يعنى حيث لا يقيد بمرة أو تكرار (٦) (قوله : على المرة والتكرار) سيأتي منه شرحهما (٧) (قوله : لا بهيئتها ولا بمادتها) إذ

١٨١

لحصول الامتثال بها في الأمر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق على أن المصدر المجرَّد عن اللام والتنوين لا يدل إلا على الماهية ـ على ما حكاه السكاكي ـ لا يوجب كون النزاع هاهنا في الهيئة ـ كما في الفصول ـ فانه غفلة وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية ، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها

______________________________________________________

الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط ، وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما (١) (قوله : لحصول الامتثال) إذ الامتثال يحصل بوجود المأمور به فإذا كان المأمور به صرف الطبيعة وكان يتحقق بالمرة كانت امتثالا للأمر ، ومنه يظهر بطلان استدلال القائل بالمرة بصدق الامتثال بها (٢) (قوله : لا يذهب عليك) قال في الفصول : الحق أن هيئة الأمر لا دلالة لها على مرة ولا على تكرار ... إلى أن قال : وانما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه ، ولأن الأكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها ، ولأنه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل الا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه ... إلخ فأشكل عليه المصنف (ره) بان الاتفاق على عدم دلالة المصدر المجرد الا على الماهية لا يدل على كون النزاع في المقام في الهيئة لا في المادة إذ المصدر ليس مادة للمشتقات التي منها صيغة الأمر بل هو مشتق مثلها ، والمادة هي الأمر المشترك بينه وبينها حسبما حققه (أقول) : ما في الفصول يرجع إلى أمرين أحدهما أن المصدر مادة للمشتقات وثانيهما ان الاتفاق على عدم دلالته على المرة والتكرار يقتضي الاتفاق على عدم دلالة مادة (افعل) عليه ويكون النزاع في مدلول الهيئة أما الأول فيمكن أن يكون جاريا على المشهور ، وأما الثاني فلا غبار عليه لأن المصدر إذا لم يدل على المرة والتكرار دل ذلك على عدم دلالة مادته عليهما فيصح الاستدلال به على عدم دلالة مادة (افعل) عليهما فيلزم الاتفاق على الأول الاتفاق على الأخير (٣) (قوله : غفلة وذهول) قد عرفت أنه في محله (قوله : ضرورة أن)

١٨٢

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى؟ فكيف بمعناه يكون مادة لها؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى (إن قلت) : فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت): ـ مع أنه محل الخلاف ـ معناه أن الّذي وضع أولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وُضع نوعياً أو شخصياً ساير الصيغ التي تناسبه مما جمعه معه مادة لفظٍ متصورة في كل منها ومنه بصورة ومعنى كذلك ، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والأفراد؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع

______________________________________________________

(١) هذا لا يثبت الإشكال على الفصول إلا من جهة ظهور كلامه في كون المصدر مادة للمشتقات ، وقد عرفت إمكان حمله على الاصطلاح المشهوري (٢) (قوله : فعليه يمكن) قد عرفت أنه لا يمكن (٣) (قوله : مع أنه محل) هذا لا دخل له في دفع السؤال إذ قول الكوفيين : ان الفعل هو الأصل في الاشتقاق آكد في توجه الإشكال فتأمل (٤) (قوله : معناه أن) إذا كان هذا معنى كلامهم فليكن هو معنى كلام الفصول (٥) (قوله : جمعه معه) الضمير الأول راجع إلى (ما) التي هي عبارة عن سائر الصيغ والثاني راجع إلى (الّذي) ويمكن العكس (٦) (قوله : ومعنى) معطوف على قوله : لفظ ؛ يعني ومادة معنى متصورة في كل منها ومنه (٧) (قوله : هو المصدر) خبر أن (٨) (قوله : أو الفعل فافهم) لعله إشارة إلى وجوب حمل كلامهم على ما ذكر بقرينة دعوى الكوفيين ان الفعل هو الأصل إذ لا يراد منه أن الفعل مادة للمشتقات بالمعنى الحقيقي «ثم» ان الموجود في بعض النسخ الضرب على لفظة : وهو أولى (٩) (قوله : الدفعة والدفعات) الفرق بين الدفعة والفرد أن الدفعة تصدق على الأفراد المتعددة الموجودة في وقت واحد ولا يصدق عليها أنها فرد واحد ، وأن الفرد الموجود تدريجاً مثل الكلام الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة فبينهما عموم من وجه كما بين الأفراد والدفعات أيضاً (١٠) (قوله : والتحقيق أن يقعا) الّذي استظهره في الفصول أن النزاع

١٨٣

وان كان لفظهما ظاهراً في المعنى الأول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الأنسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الأمر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال عند ذلك : وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئاً منهما؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث ـ كما فعلوه ـ وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى (فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب ـ على القول بالطبيعة ـ إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي

______________________________________________________

فيهما بالمعنى الأول ، ونُسب إلى القوانين كونه فيهما بالمعنى الثاني ، والظاهر ان مراد المصنف (ره) إمكان كون النزاع فيهما بالمعنيين لا تحقق النزاع فيهما بهما معاً إذ ليس له وجه ظاهر (١) (قوله : وان كان لفظهما) هذا من القرائن التي اعتمد عليها في الفصول لإثبات ما استظهره (٢) (قوله : وتوهم انه لو أريد) هذا التوهم للفصول والباعث له عليه ظهور لفظ الفرد المذكور في المسألتين بمعنى واحد وهو ما يقابل الطبيعة (٣) (قوله : فاسد لعدم العلقة) حاصله أن المراد بالفرد هنا غير المراد به في تلك المسألة إذ المراد به في تلك المسألة ما يتقوم بالخصوصية المميزة له عن بقية الافراد والمراد به هنا الوجود الواحد للمأمور به فان كان المأمور به هو الطبيعة يقع النزاع في أن صيغة الأمر تدل على وجوب وجود واحد للطبيعة أو وجود متعدد لها أو مطلق وجودها فيتأتى النزاع على القول بتعلق الأمر بالطبيعة بعين ما يتأتى به على القول بتعلقه بالفرد ، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الفرد جعله في قبال الدفعة (٤) (قوله : باعتبار وجودها) هذا ذكره المصنف (رحمه‌الله) تمهيداً لتأتي النزاع على القولين لا رداً على الفصول إذ لم يتوهم خلافه في الفصول كما يشهد به دعواه تأتي النزاع على القولين بناء على كون المراد الدفعة إذ لا يخفى أن القائل بالطبيعة لو كان مراده الطبيعة من حيث هي لا معنى لتأتي النزاع في المقام بكل معنى (٥) (قوله : ضرورة ان الطبيعة من) قد يقال : الماهية

١٨٤

ليست إلا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة ، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها ، أما بالمعنى الأول فواضح ، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات ، وإنما عُبّر بالفرد لأن وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الأمر خصوصيته وتشخصه ـ على القول بتعلق الأمر بالطبائع ـ يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقوِّمه(تنبيه) لا إشكال ـ بناء على القول بالمرة ـ في الامتثال وأنه لا مجال للإتيان بالمأمور به ثانياً على أن يكون أيضا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الإهمال أو الإجمال

______________________________________________________

من حيث هي ليست إلّا هي ، ويراد منه معنى أن كل ما هو خارج عنها فليس هو هي لا عينها ولا جزؤها ، وبهذا المعنى يقال : الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا واحد ولا كثير ولا غيرها ، وقد يقال ذلك بمعنى أن الخارج عنها ليس عارضاً لها بما هي هي بل بشرط الوجود ، ويختص النفي بعوارض الوجود كالكتابة والحركة وبهذا المعنى يقال : الماهية من حيث هي لا كاتبة ولا متحركة ولا لا كاتبة ولا لا متحركة ، فان الكتابة لما كانت في الرتبة اللاحقة للوجود كان نقيضها هو العدم في الرتبة اللاحقة له أيضا لوحدة رتبة النقيضين فجاز ارتفاع النقيضين في غير تلك الرتبة وحيث أن الطلب ليس من عوارض الماهية من حيث هي بل بشرط الوجود صح أن يقال : الماهية من حيث هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة فتأمل (١) (قوله : وبهذا الاعتبار) أي اعتبار الوجود (٢) (قوله : في الامتثال) يعني يتحقق بالمرة (٣) (قوله : من الامتثال بعد الامتثال) يعني وهو ممتنع لأن الامتثال فعل المأمور به وبالامتثال الأول يسقط الأمر فلا يكون فعله ثانياً امتثالا وسيجيء له

١٨٥

فالمرجع هو الأصل ، وإما أن يكون إطلاقها في ذاك المقام فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال ، وإنما الإشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها هو الإتيان بها مرة أو مراراً لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى (والتحقيق) أن قضية الإطلاق إنما هو جواز الإتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد فيكون إيجادها في ضمنها نحواً من الامتثال كإيجادها في ضمن الواحد لا جواز الإتيان بها مرة ومرات فانه مع الإتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الأمر فيما إذا كان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانياً بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالا واحداً لما عرفت من حصول الموافقة بإتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الأمر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا ، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض

______________________________________________________

تتمة (١) (قوله : فالمرجع هو الأصل) يعني الأصل العملي فلو تردد الأمر بين الطبيعة والتكرار فالأصل البراءة عن وجوب الزائد على المرة مع تعدد الوجود أما مع اتصاله ـ بناءً على تحقق التكرار به ـ فاستصحاب الوجوب هو المرجع ، ولو تردد بين الطبيعة والمرة فلا أثر للشك ، ولو تردد بين المرة والتكرار والطبيعة فالحكم كما لو تردد بين الطبيعة والتكرار ، وكذا لو تردد بين المرة والتكرار ، وربما يختلف الأصل باختلاف تفسير المرة من حيث كونها لا بشرط أو بشرط لا فلاحظ (٢) (قوله : في ذاك المقام) أي في مقام البيان (٣) (قوله : في الاكتفاء بالمرة) لصدق الطبيعة على المرة (٤) (قوله : في جواز ان لا يقتصر) يعني في جواز الإتيان ثانياً بقصد امتثال الأمر لا مجرد الإتيان ثانياً بلا قصد الأمر فانه لا ريب في جوازه (٥) (قوله : أو مراراً) فيجوز الإتيان ثانياً وثالثاً بقصد الامتثال (٦) (قوله : فرد أو أفراد) يعني افراداً دفعية (٧) (قوله : فانه مع الإتيان بها) هذا تعليل لعدم كون مقتضى الإطلاق جواز الإتيان زائداً على المرة ؛ ومرجعه إلى إبداء المانع العقلي عن ثبوت

١٨٦

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقاً كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الإجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة

______________________________________________________

الإطلاق المذكور لأن الوجود الأول إذا كان علة تامة لسقوط الغرض كان علة تامة لسقوط الأمر أيضا فيمتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للأمر كي يجوز الإتيان به بقصد امتثال الأمر ، وإذا امتنع كون الإتيان الثاني موضوعا للأمر امتنع ان يكون إطلاق الصيغة شاملا للمرة والمرات «أقول» : يمكن منع الإطلاق المذكور مع قطع النّظر عن المانع العقلي وذلك لأن إطلاق المادة يقتضي أن يكون المراد بها صرف الوجود الصادق على القليل والكثير وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق فانه وجود بعد وجود لا صرف الوجود الّذي هو بمعنى خرق العدم فتأمل ، وأما المانع الّذي ذكره فهو يتوقف على امتناع التخيير بين الأقل والأكثر بكل وجه ، وسيأتي الكلام فيه (١) (قوله : كما إذا امر بالماء ليشرب) الغرض من الأمر بإحضار الماء : تارة يكون مجرد تمكن الآمر من شربه ولا ريب في حصوله بمجرد إحضاره ، وأخرى يكون هو الشرب الفعلي فيشكل الامتثال ثانياً من جهة امتناع بقاء الأمر مع حصول موضوعه الّذي هو صرف الإحضار ، فلا بد اما من الالتزام بأن موضوع الأمر ليس مطلق الإحضار بل الإحضار المترتب عليه الشرب ، والباعث على هذا الالتزام لزوم المساواة عقلاً بين الغرض وموضوع الأمر سعةً وضيقاً لامتناع التفكيك بينهما ، وعليه فلا يتعين الإحضار الحاصل لأن يكون مأموراً به الا بعد ترتب الغرض عليه ، ولازمه ان المكلف في مقام الامتثال انما يأتي بالإحضار الأول رجاء كونه مأموراً به لا بقصد ذلك ، وحينئذ فللمكلف الإتيان ثانياً وثالثاً بهذا القصد بعينه ولا يكون فرق بين الوجود الأول وبقية الوجودات اللاحقة في كيفية الامتثال لكن لازم ذلك القول بالمقدمة الموصلة ، واما من الالتزام بأن الغرض كما يبعث إلى الأمر أولا بالإحضار يبعث ثانياً إلى صرف الإحضار المنطبق على بقاء الفرد الأول وإحضار فرد آخر إذ لا يتعين للدخل في

١٨٧

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها بأحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية ، وفيه منع ضرورة أن سياق آية : (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية : (واستبقوا الخيرات) انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعاً للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى «فافهم» مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه إرشاداً إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على أصل الإطاعة فيكون الأمر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن

______________________________________________________

الغرض الفرد الأول بخصوصه بمجرد وجوده بل كما لم يتعين أولا قبل وجوده لم يتعين بعد وجوده ، ولازم ذلك الالتزام بأوامر طولية بحسب الزمان ما دام الغرض باقياً ويكون المراد من بقاء الأمر هذا المعنى لا بقاء الأمر الشخصي بحدوده لامتناع بقائه بحصول موضوعه فتأمل جيداً.

(الفور والتراخي)

(١) (قوله : لا على الفور ولا على) كما هو المشهور وعن الشيخ (ره) وجماعة القول بالفور ، وعن السيد (ره) الاشتراك بين الفور والتراخي ، وعن آخرين التوقف ، والتحقيق الأول ويظهر ذلك بملاحظة ما تقدم في المرة والتكرار (٢) (قوله : قضية إطلاقها) يعني إطلاق المادة بالإضافة إلى الزمان (٣) (قوله : تبادر طلب) يعني ولو كان الوجه في التبادر مقدمات الإطلاق (٤) (قوله : ضرورة ان تركهما) يعني أن ظاهر تعليق المسارعة والاستباق بالمغفرة والخير كون تركهما

١٨٨

هناك أمر بها كما هو الشأن في الأوامر الإرشادية «فافهم» (تتمة) بناء على القول بالفور فهل قضية الأمر الإتيان فوراً ففوراً بحيث لو عصى لوجب عليه الإتيان به فوراً أيضاً في الزمان الثاني أو لا؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة ـ على هذا القول ـ هو وحدة المطلوب

______________________________________________________

لا ينافي تحقق المغفرة والخير كما هو الحال في كل فعل متعلق بمفعوله ، ولازم ذلك عدم وجوب المسارعة والاستباق وإلا كان تركهما موجباً للغضب والشر كما هو شأن ترك الواجب وهو خلف ، بل كان الأنسب حينئذ أن يقال : احذروا من الغضب والشر بالمسارعة والاستباق ، لا التعبير بما في الآية ، إلا أن يقال : ان الغضب الحاصل بترك المسارعة لا يضاد المغفرة التي هي موضوع المسارعة فوجوب المسارعة لا ينافي كون تركها لا يؤدي إلى الغضب بل إلى المغفرة ، وكذا الحال في الآية الأخرى ، ولكن هذا لو سلم لا ينافي ظهور السياق فيما ذكره المصنف (ره) فتأمل جيداً (والأولى) أن يقال : المغفرة في الآية الأولى يراد منها سببها وهو الإطاعة وكما يمتنع أخذ الإطاعة قيداً للواجب الشرعي يمتنع أخذ المسارعة إليها كذلك وكما أن الأمر بالإطاعة إرشادي كذلك الأمر بالمسارعة فيها ، مع أن الآية على تقدير دلالتها على وجوب المسارعة لا تدل على تقييد الواجب بالفورية بل هي على خلاف ذلك أدل لأن مادة المسارعة إلى الشيء إنما تكون فيما هو موسع كما لا يخفى ، وكذا الحال في الآية الأخرى على تقدير كون المراد من الخيرات الخيرات الأخروية كما هو الظاهر ، ولعله إلى بعض ما ذكرنا أشار بقوله : فافهم (١) (قوله : الإرشادية فافهم) لعله إشارة إلى لزوم الالتزام به لما عرفت ، (٢) (قوله : فهل قضية الأمر) ينبغي ان يجعل الاحتمال ثلاثي الأطراف فيقال : هل ظاهر الأمر الإتيان به فوراً فلو تركه عصى وسقط الأمر أو الإتيان به فوراً على نحو لو تركه في الزمان الأول عصى في ترك الفورية وبقي الأمر بصرف الطبيعة أو الإتيان به فوراً ففوراً فلو تركه في الزمان الأول عصى ووجب الإتيان به بعد ذلك

١٨٩

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيداً

الفصل الثالث

الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء في الجملة بلا شبهة ، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والإبرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر ان المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الّذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعاً

______________________________________________________

فوراً أيضا ... وهكذا ، ومبنى الاحتمال الأول ان الفورية في الزمان الأول مقومة لأصل المصلحة فتفوت بفوتها ، وهذا هو المراد من وحدة المطلوب ، ومبنى الثاني ان يكون مصلحتان إحداهما قائمة بذات الفعل مطلقاً والأخرى قائمة بالفورية في الزمان الأول لا غير ، ومبنى الثالث كذلك إلّا ان مصلحة الفورية ذات مراتب مختلفة يكون ترك الفورية في كل زمان مفوتا لمرتبة من مصلحتها لا لأصلها كما هو مبنى الثاني (١) (قوله : أو تعدده) قد عرفت ان تعدده على نحوين يكونان مبنيين لاحتمالين (٢) (قوله : لو قيل بدلالتها على) اما لو كان الدليل على الفورية غير الصيغة فيختلف باختلاف تلك الأدلة ، وفي المعالم بنى القول بالسقوط على الاستناد لغير الآيتين والقول بعدمه على الاستناد إليهما ، ولا يخلو من تأمل ليس هذا محل ذكره والله سبحانه اعلم. ثم انه حيث كان إطلاق يعتمد عليه في نفي الفور والتراخي فلا إشكال واما إذا لم يكن إطلاق كذلك فالمرجع الأصل فلو كان التردد بين الفور والتراخي فالواجب الجمع بين الوظيفتين للعلم الإجمالي بالتكليف بأحدهما ، ولو كان بين الفور والطبيعة فالمرجع أصل البراءة لو كان وجوب الفورية على نحو تعدد المطلوب ولو كان بنحو وحدة المطلوب فالحكم هو الحكم مع الشك بين الأقل والأكثر ، وكذا الحكم لو كان التردد بين الطبيعة والتراخي والله سبحانه أعلم

١٩٠

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة ، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعاً فانه عليه يكون (على وجهه) قيداً ـ توضيحياً وهو بعيد ـ مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الإطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعاً ، ولا الوجه المعتبر عند بعض الأصحاب فانه ـ مع عدم اعتباره عند المعظم ، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات ، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار فلا بد من إرادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى

______________________________________________________

(الكلام في الاجزاء)

(١) (قوله : مثل ان يؤتى به) بيان للنهج اللازم عقلاً بناء على خروج قصد التقرب عن موضوع الأمر (٢) (قوله : لا خصوص) معطوف على النهج وفيه تعريض بما قد يظهر من عبارة التقريرات فتأملها (٣) (قوله : قيدا توضيحيا) لأن ذكر المأمور به يغني عنه ثم إن كون القيد توضيحيا لازم للقائلين بأن قصد التقرب داخل في المأمور به (٤) (قوله : مع انه يلزم خروج) إذ لا إشكال في عدم الاجزاء لو كان المأمور به في العبادات فاقداً لقصد التقرب وان كان واجداً لجميع ما يعتبر فيه شرعا (٥) (قوله : بناء على المختار) أما على القول بكون قصد التقرب قيداً للمأمور به فهي داخلة في محل النزاع لدخولها في العنوان ويكون عدم الاجزاء مع فقد التقرب لعدم الإتيان بالمأمور به شرعا (٦) (قوله : ولا الوجه المعتبر) يعني الوجوب والندب (٧) (قوله : عند المعظم) فلا وجه لذكره في العنوان في كلام المعظم إلا أن يكون المقصود من ذكره الاحتياط في ذكر القيود لكنه بعيد (٨) (قوله : لا مطلق الواجبات) فلا وجه لأخذه قيداً في دعوى الاجزاء مطلقاً (٩) (قوله : لاختصاصه) يعني من دون سائر القيود المعتبرة في الإطاعة مثل التقرب والتمييز إلا أن يدَّعى الاكتفاء به عنهما على بعض

١٩١

(ثانيها) الظاهر ان المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة ، ولذا نُسب إلى الإتيان لا إلى الصيغة (ان قلت) : هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى امر آخر كالإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت) : نعم لكنه لا ينافي كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان الإتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته ، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا بخلافه في الاجزاء بالإضافة إلى أمره فانه لا يكون إلا كبروياً لو كان هناك نزاع

______________________________________________________

التقادير فتأمل (١) (قوله : المراد من الاقتضاء هاهنا) الواقع في القوانين والفصول وغيرهما في تحرير العنوان قولهم : الأمر بالشيء هل يقتضي الاجزاء أولا؟ ، وحيث أن ظاهر الاقتضاء فيه الكشف والدلالة كما في قولهم : الأمر يقتضي الوجوب ، والنهي يقتضي التحريم ، نبه المصنف (ره) على ان الاقتضاء في العنوان المذكور في المتن ليس بمعنى الكشف والدلالة بل بمعنى العلية والتأثير كما في قولهم : الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ، والوجه في ذلك نسبة الاقتضاء في عنوان المتن إلى الإتيان وفي عنوان غيره إلى الأمر وحيث أنه لا معنى لتأثير الأمر في الاجزاء وجب حمله على الدلالة يعني يدل الأمر على أن موضوعه وافٍ بتمام المصلحة بخلاف الإتيان فان تأثيره في الاجزاء ظاهر إذ لو لا كونه علة لحصول الغرض لما كان مأموراً به (٢) (قوله : هذا إنما يكون) يعني أن حمل الاقتضاء على العلية إنما يصح بالإضافة إلى نفس الأمر المتعلق بالمأتي فان إجزاءه يلازم سقوط امره لا بالنسبة إلى الأمر المتعلق بغيره إذ النزاع في الحقيقة يكون في دلالة الدليل فالاقتضاء فيه بمعنى الدلالة (٣) (قوله : نعم) يعني كما ذكرت من أن النزاع في دلالة الدليل (٤) (قوله : صغرويا) صورة القياس في المقام هكذا : المأمور به

١٩٢

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر ان الاجزاء هاهنا بمعناه لغة وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفي عنه فان الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي يكفي فيسقط به التعبد به ثانياً ، وبالأمر الاضطراري أو الظاهري الجعلي فيسقط به القضاء لا انه يكون هاهنا اصطلاحاً بمعنى إسقاط التعبد أو القضاء فانه بعيد جداً

______________________________________________________

بالأمر الاضطراري مأمور به بالأمر الواقعي ـ ولو تنزيلا ـ والمأمور به بالأمر الواقعي يقتضي الاجزاء ، ينتج : المأمور به بالأمر الاضطراري يقتضي الاجزاء. والنزاع في هذه المسألة بالنسبة إلى الأمر الواقعي في الكبرى وبالنسبة إلى الأمر الاضطراري في الصغرى بالنسبة إلى الأمر الواقعي ، وفي الكبرى بالنسبة إلى أمر نفسه والمحكم في الكبرى مطلقاً العقل والمحكم في الصغرى الدليل الشرعي فإذا كان الاقتضاء في الكبرى بمعنى العلية كان في النتيجة كذلك ، ومنه يظهر أن إثبات الاجزاء في الفعل الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي يتوقف على إثبات الصغرى والكبرى معاً ، وفي الفعل الواقعي على إثبات نفس الكبرى لأنه عينها (١) (قوله : فافهم) يمكن ان يكون إشارة إلى ان النزاع في مثل هذه الصغرى ليس نزاعا في المسألة الأصولية لأن شأن المسائل الأصولية تنقيح الكبريات وأما الصغريات فوظيفة الفقيه ، ولذا لم يتعرض في هذا المبحث لصغريات الأفعال الاضطرارية والظاهرية تفصيلا فلاحظ (٢) (قوله : الظاهر ان الاجزاء) قد تضمنت جملة من العبارات كون الاجزاء له معنيان (أحدهما) إسقاط التعبد بالفعل ثانياً (وثانيهما) إسقاط القضاء ، وأن المراد هنا أي المعنيين؟ وقد دفع المصنف (ره) ذلك ـ تبعا للتقريرات ـ بان لفظ الاجزاء لم يستعمل في المقام إلا بمعناه اللغوي وهو الكفاية غاية الأمر أن ما يكفي عند المأتي به تارة يكون هو التعبد به ثانيا فيكون مسقطا للتعبد به وأخرى الأمر به قضاء فيكون مسقطا للقضاء لا أن له معنى اصطلاحيا ليتردد في أنه إسقاط التعبد أو إسقاط القضاء (٣) (قوله : يكفي فيسقط) يعني يكفي في حصول الغرض فلا يحتاج إلى التعبد به ثانيا لتحصيله (٤) (قوله : فيسقط به) يعنى يكفي أيضا في حصول

١٩٣

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى ، فان البحث هاهنا في أن الإتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فانه في تعيين ما هو المأمور به شرعاً بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة أخرى (نعم) كان التكرار عملا موافقاً لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه ، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للأداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف هذه المسألة فانه كما عرفت في ان الإتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن إتيانه ثانياً أداء أو

______________________________________________________

الغرض فلا يثبت الأمر بالقضاء ثم إن إجزاء المأمور به الواقعي لما كان بلحاظ الأمر به ناسب التعبير بإسقاط التعبد به ثانيا وإجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري والظاهري لما كان بلحاظ الأمر به قضاءً ناسب التعبير بإسقاط القضاء (١) (قوله : الفرق بين هذه) قد يتوهم أن القول بالمرة قول بالاجزاء والقول بالتكرار قول بعدم الاجزاء (٢) (قوله : بما هو المأمور به) يعني بعد الفراغ عن تعيين تمام المأمور به (٣) (قوله : فانه في تعيين) وحينئذ فيكون النزاع في الاجزاء مترتباً على النزاع في المرة والتكرار لا أن النزاع فيهما نزاع في الموضوع والنزاع فيه نزاع في الحكم (٤) (قوله : بحسب دلالة) يعني فيكون النزاع في أمر لفظي (٥) (قوله : عملا) متعلق بقوله : موافقا ، يعني هما من حيث العمل سواء لكنه موقوف على أن المراد بالتكرار فعل كل فرد ممكن بعد آخر أما لو كان المراد ما يشمل تكرار الصلاة اليومية وصوم رمضان كما يقتضيه استدلال بعضهم فلا ملازمة بينهما عملا ثم إن هذا بالنسبة إلى أمره أما بالنسبة إلى أمر غيره فلا مجال للتوهم ولا للموافقة عملاً (٦) (قوله : لا بملاكه) إذ ملاك عدم الاجزاء عدم وفاء المأمور به بالغرض المقصود منه وملاك التكرار عدم حصول تمام المأمور به (٧) (قوله : وهكذا الفرق) يعني قد يتوهم أن القول بعدم الاجزاء عين القول بتبعية القضاء للأداء ، والقول بالاجزاء قول بعدم تبعية القضاء للأداء (٨) (قوله : فان البحث حينئذ) يعني أن البحث في تبعية القضاء للأداء بحث في ان الأمر بشيء في وقت

١٩٤

قضاء أو لا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسألتين أصلا (إذا) عرفت هذه الأمور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الأول) أن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي بل بالأمر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به ثانياً ، لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الأمر بإتيان المأمور به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانياً. نعم لا يبعد أن يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانياً بدلاً عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما أشرنا إليه في المسألة السابقة ، وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى

______________________________________________________

هل يدل على لزوم فعله في خارج الوقت على تقدير عدم الإتيان به في الوقت بحيث يرجع إلى الأمر به مطلقاً لكونه في الوقت أو لا يدل؟ فيكون النزاع في تعيين المأمور به من حيث دلالة الأمر ، وأين هو من النزاع في المسألة؟ (١) (قوله : فلا علقة بين) أولا من جهة أن إحداهما متضمنة لتعيين نفس المأمور به والأخرى متضمنة لتعيين مقتضاه (وثانيا) من جهة أن النزاع في إحداهما لفظي وفي الأخرى عقلي «وثالثا» من جهة أن القول بعدم الإجزاء انما في ظرف الإتيان بالمأمور به والقول بالتبعية انما هو في ظرف عدم الإتيان به (٢) (قوله : بالأمر الاضطراري) يعني بالإضافة إلى أمره (٣) (قوله : أو الظاهري) يعني بالإضافة إلى أمره (٤) (قوله : لاستقلال العقل بأنه) قد عرفت أن الأمر الحقيقي لا بد ان يكون حاكياً عن الإرادة وأن الإرادة حدوثا وبقاءً تتوقف على العلم بالمصلحة المعبر عنها بالداعي تارة وبالغرض أخرى فالمأتي به في الخارج إما أن لا يترتب عليه الغرض فلا يكون مأموراً به فهو خلف أو يترتب عليه الغرض فبقاء الأمر حينئذ إن كان بلا غرض فهو مستحيل كما عرفت وان كان عن غرض آخر غير الغرض الحاصل من المأتي به أولا فيلزمه أن يكون المأمور به فردين في الخارج يترتب على كل منهما غرض خاص فيكون الأمر منحلا إلى أمرين يسقط كل منهما بالإتيان بمتعلقه وهو عين الإجزاء المدعى غاية الأمر أنه لا يكون فعل أحدهما مسقطا لأمر الآخر ومجزئا عنه ولكنه غير محل الكلام إذ الكلام ـ كما عرفت ـ في أن فعل المأمور به مجزئ عن الأمر به ثانيا (قوله : لا منضما إليه)

١٩٥

به كما إذا أتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعدُ فان الأمر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ولذا لو أهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه إتيانه ثانياً كما إذا لم يأت به أولاً ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه وإلّا لما أوجب حدوثه فحينئذ يكون له الإتيان بماء آخر موافق للأمر كما كان له قبل إتيانه الأول بدلا عنه. نعم فيما كان الإتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع للتبديل كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه ، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال ان لا يكون علة فله إليه سبيل ، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب إعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار أحبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه مقامان (المقام الأول) في ان الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري هل يجزئ عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادة وفي خارجه قضاء أو لا يجزئ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان ما يمكن ان يقع عليه الأمر الاضطراري من الأنحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الإجزاء وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم انه يمكن

______________________________________________________

(١) قد يمكن أن يكون منضما إليه كما في الأفراد الدفعيّة التي تكون امتثالا واحداً لعدم المرجح. فتأمل (٢) (قوله : وجب عليه) يعني بعين وجوبه أولا كما تقدم الكلام فيه (٣) (قوله : بدلا عنه) قد عرفت أنه يمكن أن يكون منضما إليه (٤) (قوله : فلا يبقى موقع) إذ الثاني مما يُعلم بعدم ترتب الأثر عليه (٥) (قوله : ما ورد من الروايات) كرواية أبي بصير قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال عليه‌السلام : صل معهم يختار الله أحبهما إليه ، ورواية هشام عنه عليه‌السلام : في الرّجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال عليه‌السلام : يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء الله ، ونحوها رواية حفص ، وفي مرسلة الصدوق : بحسب له أفضلهما وأتمهما

١٩٦

ان يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافياً فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافياً به كذلك بل يبقى منه شيء أمكن استيفاؤه أولا يمكن ، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب ، ولا يخفى انه ان كان وافياً به فيجزئ فلا يبقى مجال أصلا للتدارك لا قضاءً ولا إعادة ، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لو لا مراعاة ما هو فيه من الأهم فافهم

______________________________________________________

(الأمر الاضطراري)

(١) (قوله : ان يكون التكليف) يعني موضوعه (٢) (قوله : كالتكليف الاختياري) يعني كموضوعه (٣) (قوله : وما أمكن كان) يعني أن المقدار الباقي من المصلحة الّذي يمكن استيفاؤه قسمان فانه تارةً يكون واجب التدارك وأخرى يكون مستحب التدارك (أقول) : ما لا يمكن استيفاؤه أيضا قسمان تارة يكون محرم التفويت وأخرى لا يكون كذلك فالأقسام خمسة وإنما لم يتعرض للقسمين المذكورين لعدم اختلافهما في الإجزاء وإن كانا يختلفان في جواز البدار وعدمه (٤) (قوله : ولا يخفى) شروع في حكم الأقسام من حيث الإجزاء (٥) (قوله : أصلاً للتدارك) لأن التدارك إنما يكون في ظرف الفوت والمفروض عدمه (٦) (قوله : ولا يكاد يسوغ) يعني حيث يكون الفائت مما يحرم تفويته أما إذا لم يكن فلا تحريم للبدار كما أن نسبة التحريم إلى البدار لا تخلو من مسامحة إذ المحرم هو تفويت ذلك المقدار والبدار ليس تفويتا ولا مقدمة له وإنما هو ملازم له فلا ينسب إليه التحريم إلا بالعرض والمجاز ولذا لم تفسد العبادة ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم (٧) (قوله : إلا لمصلحة) يعني إذا كانت مصلحة في البدار تصلح لمزاحمة المقدار الفائت لم يحرم التفويت الملازم للبدار حينئذ

١٩٧

(لا يقال) : عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لإمكان استيفاء الغرض بالقضاء (فانه يقال) : هذا كذلك لو لا المزاحمة بمصلحة الوقت ، وأما تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصورة الأولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طروء الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض ، وان لم يكن وافيا وقد أمكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج

______________________________________________________

(١) (قوله : لما فيه من) تعليل لعدم جواز البدار لكن عرفت أن البدار لا تفويت فيه لغرض المولى وإنما هو يلازم التفويت (٢) (قوله : فلا مجال لتشريعه) يعني إذا كان البدل الاضطراري غير واف بمصلحة المبدل الاختياري كيف جاز تشريعه ولو في آخر الوقت؟ لأن في تشريعه تفويتا للمصلحة (٣) (قوله : هذا كذلك) (أقول) : تشريع الاضطراري إنما جاز لاشتماله على المصلحة مع عدم كونه مقدمة للتفويت فالمنع عن تشريعه غير ظاهر الوجه إلّا ان يكون المراد من تشريعه الأمر بفعله في الوقت أو الإذن كذلك الملازمين للإذن في التفويت (٤) (قوله : لو لا المزاحمة) يعني انما يكون تفويت التشريع ممنوعا عنه حيث يؤدي إلى تفويت المصلحة مع عدم مزاحمتها بمصلحة أخرى وإلا فلو فرض كون خصوصية الفعل في الوقت مشتملة على مصلحة تزاحم المقدار الفائت لم يكن مانع عن تشريعه كما تقدم مثل ذلك في جواز البدار ثم إنه حيث كان في خصوصية الوقت مصلحةٌ يتدارك بها ما يفوت جاز البدار أول الوقت إذا علم الاضطرار في تمام الوقت ولا موجب للانتظار فتأمل (٥) (قوله : في الصورة الأولى) وهي ما كان الاضطراري فيها وافيا بتمام المصلحة (٦) (قوله : الاضطرار مطلقاً) وعليه يجوز البدار مطلقاً (٧) (قوله : أو بشرط الانتظار) وعليه فلا يجوز البدار (٨) (قوله : أو مع اليأس) فلا يجوز البدار الا مع اليأس ثم إن هذه الأقسام لا تختص بالصورة الأولى بل تجري في الثانية أيضا إذ قد تكون خصوصية الوقت مطلقا ذات مصلحة تزاحم المقدار الفائت ، وقد تكون بشرط الانتظار ، وقد تكون بشرط اليأس وقد يكون بغير ذلك فيتبع كلا حكمه (قوله : وان لم يكن وافيا)

١٩٨

الوقت ؛ فان كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من إيجاب الإعادة أو القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الأمر يتخير في الصورة الأولى بين البدار والإتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار ، وفي الصورة الثانية يتعين عليه استحباب البدار وإعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الأنحاء ، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى : (فان لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً) وقوله عليه‌السلام : (التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الإجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء ولا بد في إيجاب الإتيان به ثانياً من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : إن كان وافيا (٢) (قوله : فلا بد من إيجاب) لأجل تدارك الباقي (٣) (قوله : وإلّا فاستحبابه) الظاهر أن أصل العبارة : وإلّا فيجزئ ، بمعنى عدم وجوب الإعادة والقضاء وان كان يستحب (٤) (قوله : ولا مانع عن) إذ لا تفويت فيهما (٥) (قوله : في الصورة الأولى) وهي ما يكون الباقي فيها مما يجب تداركه (٦) (قوله : وفي الصورة الثانية) وهي ما كان الباقي فيها مما يستحب تداركه (٧) (قوله : استحباب البدار) هذا الاستحباب بنحو الكلية غير ظاهر الوجه إلا أن يستند فيه إلى مثل آيتي المسارعة والاستباق فتأمل (٨) (قوله : وأما ما وقع عليه) التعرض لذلك ينبغي أن يكون في الفقه لا هنا إذ ليس لدليله ضابطة كلية فقد يختلف الدليل باختلاف قرينة الحال أو المقال من حيث الدلالة على الوفاء وعدمه وكأن مقصود المصنف (ره) الإشارة إلى ما يكون كالأنموذج لأدلة البدل الاضطراري (٩) (قوله : هو الإجزاء) أما اقتضاء ما كان بلسان البدلية مثل : أحد الطهورين ، ونحوه فظاهر ، فان إطلاق البدلية يقتضي قيام البدل مقام المبدل منه بلحاظ جميع الآثار والخواصّ فلا بد من أن يفي بما يفي به المبدل من المصلحة بمرتبتها ويترتب عليه الاجزاء «فان قلت» : هذا الإطلاق

١٩٩

وان كان ثابتا إلّا انه معارض بإطلاق دليل المبدل منه فانه يقتضي تعينه في جميع الأحوال ولازمه وجوب حفظ القدرة عليه الكاشف عن عدم وفاء البدل بمصلحته وإلّا جاز تفويت القدرة عليه ، وكما يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن إطلاق دليل المبدل فيحمل على تعينه في ظرف القدرة عليه جاز رفع اليد عن إطلاق دليل البدل فيحمل على وفائه ببعض مراتب المصلحة التي يفي بها المبدل وإذ لا مرجح يرجع إلى الأصل ويسقط الإطلاق عن المرجعية «قلت» : نسبة دليل البدل إلى دليل المبدل منه نسبة الحاكم إلى المحكوم لأنه ناظر إليه موسع لموضوعه فيجب تقديمه عليه وجوب تقديم الحاكم على المحكوم. هذا كله بالنظر إلى طبع الكلام نفسه أما بملاحظة كون البدلية في حال الاضطرار فلا يبعد كون مقتضى الجمع العرفي كون البدل من قبيل الميسور للتام ولأجل ذلك نقول : لا يجوز تعجيز النّفس اختيارا لأنه تفويت للتام ، فتأمل جيداً. وأما ما كان بلسان الأمر فقد يشكل إطلاقه المقتضي للاجزاء إذ الأمر انما يدل على وفاء موضوعه بمصلحة مصححة للأمر به أما أنها عين مصلحة المبدل أو بعضها فلا يدل عليه الأمر ولا يصلح لنفي وجوب الإعادة أو القضاء. نعم لو كان المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول الغرض المترتب على الاختياري مع عدم الأمر بالإعادة أو القضاء أمكن الحكم بالاجزاء حينئذ اعتماداً على هذا الإطلاق المقامي المقدم على إطلاق دليل المبدل للحكومة ، أو كون الأمر وارداً مورد جعل البدل فيجري فيه ما تقدم ؛ اللهم إلا أن يقال : دليل المبدل ظاهر في التعيين في حال التمكن وعدمه ودليل البدل ظاهر في تعينه في حال عدم التمكن من المبدل وهما متنافيان للعلم بعدم تعينهما معا فيدور الأمر (بين) رفع اليد عن ظهور دليل البدل في التعيين ودليل المبدل فيه بالإضافة إلى بعض مراتب المصلحة ولازمه الحكم بتعين المبدل في تحصيل تمام مرتبة الغرض والتخيير بينه وبين البدل في تحصيل بعضها ويترتب عليه عدم الاجزاء (وبين) رفع اليد عن إطلاق دليل المبدل بالإضافة إلى حالتي التمكن وعدمه وحيث أن الثاني أقرب يكون هو المتعين ولازم ذلك اشتراط وجوب المبدل بحال التمكن فيترتب

٢٠٠