حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

على معناها من الإخبار بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها الظاهر الأول ، بل يكون أظهر من الصيغة ، ولكنه لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام «أي الطلب» مستعملة في غير معناها بل تكون مستعملة فيه إلا أنه ليس بداعي الاعلام بل بداعي البعث بنحو آكد

______________________________________________________

تكفي القرينة بالعموم كما لعله كذلك في مثل قاعدة الحرج والضرر ونحوهما مما كان مخصِّصاً لكثير من العمومات بلسان الحكومة وقد يكون بغير ذلك أيضا.

(١) (قوله : على معناها من الاخبار) قد تقدم أن الاخبار والإنشاء من طوارئ الاستعمال لا من قيود المعنى المستعمل فيه وحينئذ فاستعمال هذه الجمل في الإنشاء لا الاخبار ليس استعمالا لها في غير معناها. نعم يبقى الإشكال في أنه لو استعملت في الإنشاء كيف تكون لإنشاء الطلب ـ مع أن الطلب ليس معنى للمادة إذ مادة (يعيد) و (يتوضأ) الإعادة والوضوء وليس معنى للهيئة لما عرفت من أنه ليس معنى نسبياً ، وكون معنى الهيئة النسبة الطلبية كما في هيئة (افعل) على المشهور غير ممكن بشهادة عدم دلالة الهيئة على النسبة المذكورة عند استعمالها خبراً «فالتحقيق» أنها لو استعملت إنشاءً فهي لإنشاء النسبة الصدورية ادعاءً نظير إنشاء النسبة الحملية في قول المولى لعبده : أنت حر ، و : زوجتي طالق ، وهذا الإنشاء لما كان مظهراً للإرادة كان موجباً للبعث ، ومنه ـ بضميمة عدم ثبوت الترخيص ـ ينتزع عنوان الوجوب في نظر العقلاء (٢) (قوله : الظاهر الأول) يعني أنها ظاهرة في الوجوب (٣) (قوله : معناها) يعني الاخبار لكن عرفت التأمل فيه (٤) (قوله : مستعملة فيه) يعني مستعملة في الخبر لكن لا يبعد انها مستعملة في معناها بقصد إنشائه ادعاء ، ويحتمل ان يكون بقصد الاخبار عنه ادعاء لا حقيقة فلا يتوجه الإشكال الآتي (٥) (قوله : إلّا انه ليس بداعي) يعني أن الإخبار عن شيء قد يكون المقصود منه إعلام المخاطب بمضمونه كما في غالب الجمل الخبرية ، وقد يكون المقصود

١٦١

حيث أنه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه إظهاراً بأنه لا يرضى إلا بوقوعه فيكون آكد في البعث من الصيغة كما هو الحال في الصيغ الإنشائية على ما عرفت من أنها أبداً تستعمل في معانيها الإيقاعية لكن بدواع أخر كما مر (لا يقال) : كيف ويلزم الكذب كثيراً لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علواً كبيراً (فانه يقال) : إنما يلزم الكذب إذا أتي بها بداعي الاخبار والاعلام لا لداعي البعث ، كيف وإلا يلزم الكذب في غالب الكنايات فمثل : زيد كثير الرماد ، أو مهزول الفصيل ، لا يكون كذباً إذا قيل كنايةً عن جوده ولو لم يكن له رماد وفصيل أصلا ، وإنما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ فانه مقال بمقتضى الحال. هذا

______________________________________________________

إعلامه بأن المخبر عالم بمضمون الخبر كما في قولك : قد حفظت القرآن ، وقد يكون المقصود إعلامه بالإرادة وعدم الرضا بالترك ليترتب عليه البعث كما في الأمثلة المتقدمة فلا تكون مجازاً بل حقيقة لأنها مستعملة في الاخبار عن الغسل والوضوء والإعادة بداعي البعث لا بداعي الإعلام (١) (قوله : حيث انه أخبر) تعليل لكونه آكد في الاخبار عن الطلب ، ووجه ما ذكره أن الوقوع يلازم الطلب غير المزاحم بالدواعي الشهوية ، فيدل الوقوع على ثبوت الطلب المذكور فضلا عن أصل الطلب (٢) (قوله : كما هو الحال) تمثيل لاستعمالها في الاخبار لغير داعي الإعلام (٣) (قوله : كيف ويلزم) يعني لو كانت مستعملة في الاخبار لا الإنشاء يلزم الكذب لعدم تحقق المخبر عنه غالباً (٤) (قوله : إذا أتي بها بداعي) يعني أن الكذب والصدق ليسا من صفات مطلق الخبر بل خصوص الخبر المقصود به الاعلام فإذا فرض أن الجمل المذكورة لم يقصد منها الاعلام فلا تتصف بالكذب ليلزم من حملها على الخبر الكذب الممتنع «أقول» : هذا خلاف ظاهرهم من حصر الخبر في الصادق والكاذب ومن تعريف كل من الصدق والكذب فراجع ، (٥) (قوله : في غالب الكنايات) المعنى المكنى به في الكنايات لم يقصد الاخبار

١٦٢

مع أنه إذا أتي بها في مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب فان تلك النكتة ان لم تكن موجبة لظهورها فيه فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده فان شدة مناسبة الاخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعين إرادته إذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره «فافهم» (المبحث الرابع) انه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا أو تكون؟ قيل بظهورها فيه إما لغلبة الاستعمال فيه أو لغلبة وجوده

______________________________________________________

عنه ولا الحكاية بل المقصود فيها الإخبار والحكاية عن المعنى المكنى عنه فالكلام الكنائي بالنسبة إلى المعنى المكنى به لا إخبار ولا إنشاء بل محض استعمال لفظ في معناه لينتقل إلى لازمه فلا يتصف بالصدق والكذب وبالنسبة إلى المكنى عنه خبر يتصف بالصدق والكذب فلا مجال للاستشهاد على المقام بباب الكنايات ، ولعل مقصود المصنف (ره) من كون الجمل المذكورة مستعملة في الاخبار أنها مستعملة في معانيها بلا قصد الاخبار نظير باب الكنايات فلا يرد عليه الإشكال. نعم إذا كانت الجمل موضوعة للاخبار فليس استعمالها كذلك استعمالا لها في الاخبار فلا يتم كونها حقيقة (١) (قوله : مع أنه إذا أتي) يعني أنه لو بني على عدم اقتضاء ما ذكرناه ظهور الجملة في الوجوب فلا أقل من كونها صالحة لأن يعتمد عليها في تفهيم الوجوب فإذا وردت الجملة في مقام البيان ودار الأمر بين الوجوب والندب وجب أن يحمل الكلام على إرادة تفهيم الوجوب اعتماداً على تلك الجهة الصالحة للاعتماد عليها في تفهيمه إذ لو أراد المتكلم تفهيم الندب كان بلا قرينة ولو لم يرد تفهيم أحدهما بعينه كان خلفاً لأن المفروض كونه في مقام تفهيم أحدهما (٢) (قوله : غيره فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى ما عرفت من أن الوجوب منتزع من الطلب وعدم الترخيص في تركه وأنه يكفي في الحكم بعدم الترخيص مجرد عدم ثبوت الترخيص (٣) (قوله : إما لغلبة الاستعمال) يعني ولو مع قلة الوجود بدعوى تكرر الاستعمال في الوجوب للتأكيد (٤) (قوله : أو لغلبة وجوده) يعني ولو مع قلة الاستعمال

١٦٣

أو أكمليته ، والكل ـ كما ترى ـ ضرورة أن الاستعمال في الندب وكذا وجوده ليس بأقل لو لم يكن بأكثر ، وأما الأكملية فغير موجبة للظهور إذ الظهور لا يكاد يكون إلا لشدة أنس اللفظ بالمعنى بحيث يصير وجهاً له ومجرد الأكملية لا يوجبه كما لا يخفى (نعم) فيما كان الآمر بصدد البيان فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب فان الندب كأنه يحتاج إلى مئونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك بخلاف الوجوب فانه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان كافٍ في بيانه فافهم (المبحث الخامس)

______________________________________________________

بأن يكون الندب مع قلة وجوده يكون استعمال الصيغة فيه أكثر للتأكيد (١) (قوله : أو أكمليته) هذا مبني على ما هو المشهور بين المتأخرين من أن المائز بين الوجوب والاستحباب هو المائز بين الضعيف والقوي لأن الوجوب هو الطلب الأكيد والاستحباب هو الطلب الضعيف ، لكن عرفت ان ليس المائز بينهما إلا الترخيص في المخالفة وعدمه فالطلب غير المرخص في مخالفته منتزع منه الوجوب عقلاً والطلب المرخص في مخالفته منتزع منه الاستحباب كذلك فالطلب الحقيقي وان كان ذا مراتب مختلفة متفاوتة بتفاوت الدواعي في القوة والضعف إلا أن الضعيف منه ينتزع الوجوب عقلا من مقام إظهاره إذا لم يكن ترخيص في مخالفته ومجرد ضعفه لا يكون عذراً للعبد في مخالفته في نظر العقل (٢) (قوله : إذ الظهور لا يكاد) مضافا إلى أن ذلك موجب للحمل على أعلى مراتب الطلب لأنها أكمل ، كما أنه لو قامت قرينة على الاستحباب فاللازم حمله على أعلى مراتب الاستحباب لأنها أكمل أيضاً مع أن التفاوت بين أعلى مراتب الندب وأدنى مراتب الوجوب ليس بأكثر من التفاوت بين أدنى مراتب الوجوب وأعلاها (٣) (قوله : نعم فيما كان الآمر) يعني أن الطلب المستفاد من الصيغة وان كان في نفسه أعم من القوي والضعيف إلا أن الضعيف لما كان محتاجا إلى تحديده ببيان عدم المنع من الترك والقوي غير محتاج إلى بيان لأن المميز له هو الشدة التي هي من سنخ الطلب ويمكن الاعتماد في بيانها على بيان ماهية الطلب المنطبقة عليها كان صدور الكلام في مقام

١٦٤

أن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصّلياً؟ فيجزئ إتيانه مطلقاً ولو بدون قصد القربة أو لا؟ فلا بد من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصّليته إلى الأصل لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات (إحداها) الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه

______________________________________________________

البيان مع عدم بيان عدم المنع من الترك موجباً لحمله على القوي إذ لو أريد الندب كان بلا قرينة ولو أريد المردد بينهما كان خلفا لأن المفروض كونه في مقام بيان أحدهما بعينه «أقول» : لازم هذا التقرير الحمل على الاستحباب لأنه منتزع عن صرف الطلب المحكي بالصيغة ، والوجوب منتزع عن تأكد الطلب وهو لا تحكيه الصيغة كما هو الحال في قوله : أنا طالب منك كذا ، ولعله أشار إلى هذا بقوله : فافهم ، فالعمدة في استفادة الوجوب ما ذكرناه.

(التعبدي والتوصلي)

(١) (قوله : ان إطلاق الصيغة) الكلام في المسألة (تارة) من حيث الأصل اللفظي (وأخرى) من حيث الأصل العملي (والأول) تارة يكون بالنظر إلى غير الصيغة من الأدلة ، وأخرى بالنظر إلى نفس الصيغة ولم يتعرض المصنف (رحمه‌الله) لمقتضى الأصل اللفظي بالنظر إلى غير الصيغة ـ مع أن المشهور تمسكوا لإثبات أصالة التعبد بالآيات التي منها قوله تعالى : (وَما أُمِروا إلَّا لِيعبدوا اللهَ مُخلصينَ لَهُ الدين) وبالروايات التي منها : لا عمل إلا بنية ، لأن التعرض لذلك يناسب الفقيه ولذا تعرض له الفقهاء في مباحث النية (٢) (قوله : ما كان الغرض منه) أي ما كان الغرض الأصلي من الوجوب وهو الأثر المترتب على الواجب فان الغرض من الوجوب توصلياً كان أو تعبديا وان كان هو احداث داع عقلي للمكلف إلى فعل الواجب إذ هو الّذي يترتب على الوجوب إلا أن هذا الغرض لما كان مقصوداً بداعي حصول الأثر المترتب على الواجب الّذي كان بوجوده العلمي داعياً إلى إرادته النفسيّة كان أثر الواجب غرضاً أصليا للوجوب أيضا ،

١٦٥

يحصل بمجرد حصول الواجب ويسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدي فان الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الإتيان به متقرباً به منه تعالى (ثانيتها) أن التقرب المعتبر في التعبدي (إن كان) بمعنى قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره كان مما يعتبر في الطاعة عقلا لا مما أخذ في نفس العبادة شرعاً ، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى الا من قِبَل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقاً شرطاً أو شطرا

______________________________________________________

(١) (قوله : بمجرد حصول الواجب) يعني من دون حاجة في حصوله إلى قصد التقرب (٢) (قوله : من الإتيان به) يعني بالواجب (٣) (قوله : التقرب المعتبر) التقرب عبارة عما يترتب على الإطاعة من القرب المعنوي الشبيه بالقرب المكاني ؛ فهو قد يكون من العلل الغائية المقصودة للمتعبد ، ولا ينبغي التأمل في أنه لا يُعتبر قصده في مقام الإطاعة ، بل لعل قصده لا يخلو عن إشكال نظير قصد الثواب ، وما وقع في كلمات الفقهاء من اعتبار القربة في العبادة لا بد أن يكون محمولا على اعتبار أن يكون الفعل مأتيا به بنحو يكون مقربا ، لا أنه يعتبر قصد التقرب إذ لا إشكال في صحة الفعل المأتي به بداعي الأمر مع الغفلة عن التقرب بالمرة (٤) (قوله : في التعبدي) يعني في ترتب الغرض منه (٥) (قوله : إن كان بمعنى) يعني أن المعنى الّذي يترتب عليه التقرب (تارة) يفسر بكون الفعل ناشئا عن داعي أمره (وأخرى) يفسر بمعنى آخر كما سيأتي التعرض له في كلام المصنف (ره) فان فسر بالأول امتنع أن يؤخذ قيداً في موضوع الوجوب الشرعي لأن داعوية الأمر للفعل متأخرة عن الأمر ويستحيل أخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الأمر قيدا في متعلق ذلك الأمر لأن الأمر بحسب اعتبار العقل متأخر عن موضوعه رتبة فما يتأتى منه متأخر عن الموضوع بمرتبتين فلو أخذ في الموضوع كان الشيء الواحد بحسب اعتبار العقل متقدما متأخراً بالإضافة إلى شيء واحد وهو ممتنع ، ولأن الأمر معلول للمصلحة فيمتنع أن يكون مقوِّما لها فإذا صدق قولنا : الصلاة لكونها مصلحة

١٦٦

فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها (وتوهم) إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر وإمكان الإتيان بها بهذا الداعي ضرورة إمكان تصور الآمر لها مقيدة والتمكن من إتيانها كذلك بعد تعلق الأمر بها ، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الأمر إنما هو في حال الامتثال لا حال

______________________________________________________

كانت مأمورا بها ، امتنع صدق قولنا : الصلاة لكونها مأموراً بها صارت مصلحة ، ولأن اعتبار داعوية الأمر بالشيء لذلك الشيء مبني على فرض كون الشيء بنفسه موضوعا للأمر ، فلو كانت الداعوية المذكورة ملحوظة قيداً لذلك الشيء كان خلفا إذا الأمر ـ على هذا ـ لا يكون أمراً بذلك الشيء بنفسه بل بقيد الداعوية المذكورة ، ولأن الأمر يدعو إلى متعلقه بقيوده فلو كان من قيود متعلقه داعويته يلزم أن يكون الأمر داعيا إلى داعويته فيكون علة لعليته والشيء إنما يكون علة لمعلوله لا لعليته ، ولأن الأمر إذا لم يتعلق بذات المأمور به بل بها مقيدة بداعي الأمر امتنع الإتيان بها لأمرها لعدم الأمر بها فيكون التكليف بالإتيان بها لأمرها تكليفا بغير المقدور وهو قبيح أو ممتنع على ما يأتي وهذا هو الّذي أشار إليه (ره) بقوله : فما لم تكن نفس ... إلخ كما أن الظاهر إرادة الوجه الأول من صدر عبارته كما قد يظهر مما يأتي (١) (قوله : وتوهم إمكان تعلق) إشكال على الوجه الأول (٢) (قوله : وإمكان الإتيان) إشكال على الوجه الأخير (٣) (قوله : ضرورة إمكان تصور) تعليل للتوهم الأول يعني أن التكليف إنما يتوقف على تصور الآمر للمأمور به ومن المعلوم إمكان أن يتصور الآمر الصلاة المقيدة بكونها عن داعي الأمر فيورد عليها التكليف فيكون التكليف الوارد موضوعه الصلاة المقيدة ، فلفظ الآمر اسم فاعل ولها ـ باللام ـ كما هو الظاهر متعلق بتصور (٤) (قوله : والتمكن من إتيانها كذلك) تعليل للتوهم الثاني يعني أنا نمنع ما ذكرت من أن التقييد بما ذُكر يوجب عدم القدرة على الامتثال المعتبرة في صحة التكليف إذ القدرة المعتبرة في صحة التكليف في نظر

١٦٧

الأمر (واضح الفساد) ضرورة أنه وان كان تصورها كذلك بمكان من الإمكان إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها لعدم الأمر بها فان الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر ولا يكاد يدعو الأمر الا إلى ما تعلق به لا إلى غيره (ان قلت) : نعم ولكن نفس الصلاة أيضا صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة (قلت) : كلا لأن ذات المقيد لا تكون مأمورا بها فان الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا فانه ليس إلا وجود واحد واجب بالوجوب النفسيّ كما ربما يأتي في باب المقدمة

______________________________________________________

العقل هي القدرة في ظرف الفعل لا في ظرف التكليف وهي في المقام حاصلة لأنه بعد الأمر بالصلاة المقيدة تكون لصلاة مأمورا بها فيمكن المكلف أن يأتي بها لأمرها (١) (قوله : واضح الفساد) خبر توهم (٢) (قوله : إلا أنه لا يكاد يمكن) ظاهره الإضراب عن دفع الإشكال الأول والتعرض لخصوص دفع الإشكال الثاني ـ مع انك قد عرفت تقريب المنع بوجه لا يتوجه الإشكال المذكور عليه فان إمكان تصور فعل الصلاة عن أمرها لا يصحح ترتب الشيء على نفسه ولا غيره من وجوه المنع كما يظهر بالتأمل فيها (وتوضيح) ما ذكره في دفع الثاني : أن المعتبر في صحة التكليف وإن كان هو القدرة حال الفعل إلا أن هذه القدرة غير حاصلة إلى الأبد فان الأمر إذا كان متعلقا بذات الصلاة المقيدة بداعي الأمر فلا يدعو إلا إلى الصلاة المقيدة بداعي الأمر لا إلى نفس الصلاة إذ الأمر إنما يدعو إلى ما تعلق به وإذا لم يدع إلى نفس الصلاة تعذر الإتيان بها لأمرها إلى الأبد (٣) (قوله : نعم ولكن نفس) يعني أن الأمر بالمقيد ينحل إلى الأمر بالذات المعروضة للتقييد والأمر بنفس التقييد وإذا تعلق الأمر بالذات أمكن الإتيان بها بداعي أمرها (٤) (قوله : كلا لأن ذات المقيد) يعني أن المقيد لما كان في الخارج أمراً واحداً لا تكثر فيه وإنما يعرضه التكثر في الذهن بتحليله إلى أجزاء هي الذات والتقيد امتنع تحليل الأمر به إلى أمرين ليكون أحدهما متعلقا بالذات وباعثا إليها والآخر

١٦٨

(ان قلت) : نعم لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطاً ، وأما إذا أخذ شطرا فلا محالة نفس الفعل الّذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقاً للوجوب إذ المركب ليس إلا نفس الأجزاء بالأسر ويكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل ويصح أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ضرورة صحة الإتيان باجزاء الواجب بداعي وجوبه (قلت) : مع امتناع اعتباره كذلك فانه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري فان الفعل وان كان بالإرادة اختيارياً إلّا ان إرادته حيث لا تكون بإرادة أخرى وإلا لتسلسلت ليست باختيارية كما لا يخفى

______________________________________________________

متعلقا بالتقييد وباعثا إليه ولو بمنشإ انتزاعه وإذ لا يكون أمر بالذات يمنع الإتيان بها بداعي أمرها (أقول) : يكفي في الدعوة إلى نفس الذات الأمر التحليلي ولو بلحاظ الذهن ولا يتوقف على الانحلال خارجا فالعمدة في الجواب عن الإشكال المذكور ما يأتي في الجواب عن أخذ التقرب جزءاً (١) (قوله : نعم لكنه إذا) يعني ان ما ذكرت من عدم انحلال الأمر إلى الأمر بنفس الذات إنما يتم لو أخذ قصد التقرب شرطاً أما لو كان جزءاً للمأمور به فلا بد من الانحلال لأن الأمر بالكل عين الأمر بالأجزاء لأن الكل عين اجزائه فينحل الأمر بالكل إلى أوامر ضمنية يتعلق كل واحد منها بواحد من الأجزاء فإذا كانت نفس الذات جزءاً للمأمور به كانت موضوعا للأمر الضمني فيمكن الإتيان بها بداعي أمرها (٢) (قوله : يوجب تعلق الوجوب) يعني لو كان قصد امتثال الأمر موضوعا للوجوب يلزم التكليف بغير الاختياري لأن القصد المذكور عين إرادة الفعل عن الأمر بحيث يكون هو الداعي إليها والإرادة ليست اختيارية وإلا لتسلسل لأن اختياريتها تقتضي أن تكون موضوعا للإرادة ثانيا ، وهكذا في الإرادة الثانية فلا بد من الانتهاء إلى ما ليس بالاختيار وإذا كانت الإرادة غير اختيارية امتنع تعلق التكليف بها عقلا (أقول) : إن تم هذا الإشكال امتنع أخذ قصد الامتثال شرطا إذ كما لا يجوز التكليف بغير الاختياري لا يجوز التكليف بما هو مقيد بغير الاختياري أيضا بل امتنع أن تكون

١٦٩

انما يصح الإتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيانه بهذا الداعي ولا يكاد يمكن الإتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره (ان قلت) : نعم لكن هذا كله إذا كان اعتباره في المأمور به بأمر واحد وأما إذا كان بأمرين تعلق أحدهما بذات الفعل وثانيهما بإتيانه بداعي أمره فلا محذور أصلا كما لا يخفى فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده بلا منعة (قلت): ـ مضافا إلى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد كغيرها

______________________________________________________

قيداً للإطاعة الواجبة عقلا إذ لا فرق بين موضوع الحكم الشرعي والعقلي في لزوم كونه اختياريا (وحله) أن التسلسل إنما يقتضي لزوم الانتهاء إلى ما ليس بالاختيار بمعنى أن الإرادة لا بد أن تكون مستندة إلى ما لا بالاختيار ولو بواسطة ولا يقتضي أن كل إرادة خارجة عن الاختيار فيمكن تكليف العبد بأن يكون فعله عن إرادة موافقة الأمر لا عن إرادة رضا الناس فيكون رياءً أو عن إرادة التبريد مثلا في الوضوء فيكون بلا إخلاص (١) (قوله : إنما يصح الإتيان) هذا مقول قوله : قلت ، فهو الجواب عن الإشكال وما تقدمه ضميمة إليه (وتوضيحه) أن انحلال الأمر بالكل إلى الأمر بكل واحد من الاجزاء من جهة أن الكل عين الاجزاء يقتضي أن تكون داعوية كل من الأوامر الضمنية التحليلية المتعلقة بالاجزاء عين داعوية الأمر بالكل ، ويمتنع أن يكون الأمر بالكل داعيا إلى ذات الصلاة وإلى الإتيان بها بداعي أمرها لأنه يلزم منه أن يكون الأمر داعيا إلى داعوية نفسه وقد عرفت أن الشيء لا يكون علة لعليته فتتوقف صحته على تعلق أمر بذات الصلاة غير الأمر بالكل والمفروض عدمه (٢) (قوله : فلا محذورا أصلا) أما انتفاء المحاذير المتقدمة في صدر المبحث فظاهر ولكن اندفاع محذور التكليف بما هو مقيد بغير الاختيار غير ظاهر لأن الأمر الأول يتعلق بذات الصلاة ، والأمر الثاني يتعلق بالإتيان بها عن إرادة الأمر الأول فإذا كانت الإرادة غير اختيارية يكون التكليف بالمقيد بها تكليفا بغير المقدور (٣) (قوله : مضافا إلى القطع) وقد استدل عليه

١٧٠

من الواجبات والمستحبات غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجودا وعدماً فيها المثوبات والعقوبات بخلاف ما عداها فيدور فيه خصوص المثوبات وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة ـ ان الأمر الأول إن كان يسقط بمجرد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال ـ كما هو قضية الأمر الثاني ـ

______________________________________________________

في تعليقته على مباحث القطع بما لا يخلو من تأمل فلاحظ ، ويمكن الاستدلال عليه بما أوضحناه فيما علقناه على مباحث الانسداد من امتناع كون أوامر الإطاعة شرعية فراجع (١) (قوله : من الواجبات) يعني التوصلية (٢) (قوله : ما عداها) أي ما عدا العبادات من الواجبات (٣) (قوله : ومطلق الموافقة) معطوف على الطاعة عطف تفسير ولا بد منه لئلا يوهم ترتب العقاب على ترك الطاعة ولو مع الموافقة ولا يكون في التوصليات (٤) (قوله : ان الأمر الأول) هذا مقول قوله : قلت ، والأمر الأول الأمر بذات العبادة (٥) (قوله : إن كان يسقط بمجرد) الأمر ان المتعلق أحدهما بذات العبادة والآخر بفعلها عن داعي الأمر (تارة) يكونان ناشئين عن غرضين مستقلين أحدهما قائم بذات العبادة والآخر قائم بفعلها عن داعي الأمر (وأخرى) يكونان ناشئين عن غرض واحد ، وعلى الأولى فهما إما متلازمان أو غير متلازمين وعلى الثانية فاما أن يكون موضوع الغرض الواحد هو الحصة الملازمة لفعلها عن الداعي أو الفعل المقيد بالداعي فعلى الصورتين الأوليين يكون الأمران مولويين حقيقيين ، وعلى الثالثة يكون الأمر بالمقيد إرشاديا إلى ضيق موضوع الأمر الأول ، وعلى الرابعة يكون الأمر الأول تهيئياً ناشئاً عن مصلحة في نفسه فالالتزام بسقوط الأمر مبني على الصورة الثانية بأن يكون الأمر الأول ناشئا عن مصلحة في ذات العبادة مستقلة تحصل بمجرد فعل ذات العبادة دون بقية الصور إذ على الأولى يمتنع سقوطه بعد ملازمته لغرض الأمر الثاني غير الحاصل لعدم حصول موضوعه ، وكذا على الثالثة لعدم كون المأتي به هو الحصة الملازمة للداعي ومع عدم الموضوع يمتنع حصول الغرض ومثله الحال في الرابعة (قوله : كما هو قضية)

١٧١

فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله ، فلا يتوسل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة ، وإن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد يكون له وجه إلا عدم حصول غرضه بذلك من أمره لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله وإلّا لما كان موجباً لحدوثه ، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الأمر لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الآمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه فيسقط امره. هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال ،

______________________________________________________

(١) تمثيل للمنفي ، (٢) (قوله : فلا يبقى مجال لموافقة) لأنها تكون بإطاعة الأول الموقوف على ثبوته والمفروض سقوطه (٣) (قوله : فلا يتوسل الآمر إلى) لكون المفروض العجز عن تحصيله (أقول) : الأمر الثاني بإطاعة الأمر الأول (تارة) يكون منوطاً بوجود الأول بحيث يكون وجوده شرط ثبوته (وأخرى) يكون قيداً لموضوعه ؛ فعلى الأولى يتم ما ذكره المصنف (ره) أما على الثانية فيشكل لأن عدم حصول الغرض يكون بالعصيان بتفويت الشرط ومثله لا ينافي الغرض من الأمر الثاني كما هو الحال في سائر موارد العصيان فتدبر (٤) (قوله : وإن لم يكد يسقط) يعني إذا كان الأمر لا يسقط بمجرد موافقته فلا بد أن يكون بقاؤه لأجل عدم حصول الغرض وحينئذ لا حاجة إلى الأمر الثاني لكفاية حكم العقل بوجوب تحصيل الغرض ولو بالإتيان بالمأمور به بداعي أمره (أقول) : هذا يتم مع العلم بعدم حصول الغرض وكذا مع الشك لو قيل بحكم العقل بالاحتياط ، اما لو قيل بحكمه بالبراءة في المقام كما سيأتي فلا مانع من الأمر الثاني مولويا ليكون رافعا لحكم العقل كما في سائر موارده بل لو قيل بان حكم العقل بالاحتياط تعليقي على عدم البيان من قبل الشارع الأقدس صح الأمر مولويا وكان وارداً على حكم العقل ، ثم إن سوق عبارة المتن يقتضي إرادة الصورة الرابعة من الصور المتقدمة التي قد عرفت أن لازمها عدم السقوط ، فترديد المصنف (ره) في الجواب بين

١٧٢

واما إذا كان بمعنى الإتيان بالفعل بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة أو له تعالى فاعتباره في متعلق الأمر وان كان بمكانٍ من الإمكان إلّا أنه غير معتبر فيه قطعاً لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال الّذي عرفت عدم إمكان أخذه فيه بديهة ، تأمل فيما ذكرناه في المقام تعرف حقيقة المرام كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الاعلام (ثالثها) انه إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور

______________________________________________________

القول بالسقوط وعدمه لأجل تسجيل الإشكال على كل حال (والتحقيق) منها هو الصورة الثالثة إذ الأولتان لازمهما تعدد العقاب ولا يظن إمكان الالتزام به ، بل لازم الثانية منها صحة ذات العبادة لو أتى بها لا بداعي الامتثال واشكاله ظاهر وأما الرابعة فقد عرفت أن لازمها أن يكون الأمر بذات العبادة تهيئيا ناشئا عن مصلحة في نفسه وهي مقدميته لإمكان الإتيان بالمأمور به وليس حاكيا عن الإرادة النفسيّة ، ومثله لا يصلح للداعوية إلى متعلقه ، فالمتعين هي الثالثة فيكون المأمور به بالأمر العبادي هو الحصة الخاصة من المأمور به الملازمة للداعوية خارجا لا المقيدة بها ولا المطلقة بحيث تشمل حال عدمها (١) (قوله : وأما إذا كان بمعنى) معطوف على قوله (ره) في صدر التنبيه : إن كان بمعنى ، يعني وإن فسر المعنى الّذي يترتب عليه التقرب بكون الفعل مأتيا به بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة أو بداعي ذاته تعالى فلا مانع من اعتباره قيداً في موضوع الأمر ، إلا أنه لا يصح تفسيره بذلك لعدم اعتبار الداعي بالمعنى المذكور في صحة العبادة ، بشهادة صحة العبادة إذا أتي بها بداعي امتثال الأمر لا بداعي ذاته تعالى أو حسن الفعل أو مصلحته ، فان ذلك كاشف عن عدم اعتبارها في الغرض فضلا عن اعتبارها في المأمور به (٢) (قوله : بمكان من الإمكان) لم يتضح الفرق بين داعي الأمر والدواعي المذكورة ، لأن داعي المصلحة إذا كان مقوِّما للمصلحة لزم خلو الفعل في نفسه عن المصلحة فيمتنع الإتيان به بداعي المصلحة ، وهكذا الحال في داعي الحسن وداعي ذاته تعالى (٣) (قوله : إلا أنه غير معتبر فيه قطعا) بل في الاكتفاء به

١٧٣

به أصلا فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ولو كان مسوقاً في مقام البيان

______________________________________________________

مجال إشكال ، أما داعي المصلحة أو الحسن فلعدم اقتضائه المقربية المعتبرة في العبادة وليست نسبة الفعل المأتي به بالداعي المذكور إليه سبحانه الا كنسبته إلى سائر العقلاء فكما لا يكون عبادة لهم لا يكون عبادة له تعالى ، وكما لا يستحق به عليهم ثوابا لا يستحق عليه تعالى ثوابا أيضا. نعم لا يبعد الاكتفاء به بما أنه طريق إلى لبّ إرادته تعالى ، وبما أنه مناط لها ، وحينئذ يرجع الإشكال ، وأما داعي ذاته تعالى فالظاهر عدم إمكانه في نفسه فضلا عن الاكتفاء به فان نسبة ذاته تعالى إلى الفعل الخاصّ كنسبتها إلى سائر أفعال العبد فلا تصلح للدعوة إلى شيء منها (١) (قوله : فلا مجال للاستدلال بإطلاقه) أما بناءً على أن الإطلاق مستفاد من مقدمات الحكمة فلان من جملة المقدمات أن يكون المتكلم في مقام البيان بالخطاب فإذا امتنع التقييد امتنع أن يكون في مقام بيانه فلا مجال للإطلاق وأما بناءً على أن الإطلاق مستفاد من نفس اللفظ (أعني المادة) لكونه موضوعا للماهية الملحوظ فيها الإطلاق والإرسال ، فلأن امتناع التقييد موجب لامتناع لحاظ الإطلاق من حيث القيد الملحوظ بحسب اعتبار العقل في الرتبة اللاحقة لرتبة المطلق فكما يمتنع أن يقول : افعل فعلا ناشئاً عن أمري ، يمتنع أن يقول : افعل فعلاً سواء أكان ناشئاً عن أمري أم لا عن أمري ، لجريان المحاذير المتقدمة فيه أيضاً (فان قلت) : إذا تعلق الأمر بشيء دل على كونه واجباً بالمطابقة ، وعلى كونه موضوعا للمصلحة بالالتزام ، فإذا قام دليل عقلي أو غيره على امتناع إطلاقه من حيث كونه موضوعا للوجوب فلا مانع من الأخذ بإطلاقه من حيث كونه موضوعا للمصلحة لأن الدلالة الالتزامية إنما تتبع الدلالة المطابقية في مقام الثبوت لا في مقام الحجية ولذا بني على حجية الخبرين المتعارضين في نفي الحكم الثالث مع سقوطهما عن الحجية في مضمونهما ، وحينئذ فاللازم في المقام الأخذ بإطلاق المادة في إثبات كونها مطلقا تمام موضوع المصلحة (قلت) : هذا يتم لو دل الكلام بالمطابقة على إطلاق موضوع الوجوب ليترتب عليه دلالته على إطلاق موضوعٍ

١٧٤

على عدم اعتباره كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا يكاد يصح التمسك به إلا فيما يمكن اعتباره فيه ، فانقدح بذلك انه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما هو ناشئ من قبل الأمر من إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتبار فيها. نعم إذا كان الآمر في مقام بصدد بيان تمام ما له دخل في حصول غرضه وان لم يكن

______________________________________________________

المصلحة أما لو لم يدل على الأول لامتناع الإطلاق امتنع ان يدل على الثاني أيضا فلا مجال لاستفادة التوصلية من إطلاق المادة (١) (قوله : على عدم اعتباره) متعلق بالاستدلال (٢) (قوله : لاستظهار التوصلية) تعريض بشيخنا الأعظم (ره) حيث قال : إن ظاهر الأمر يقتضي التوصلية ، إذ ليس المستفاد من الأمر إلا تعلق الطلب الّذي هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول المادة وبعد إيجاد المكلف نفس الفعل في الخارج لا مناص من سقوط الطلب لامتناع طلب الحاصل ، «أقول» : ذكر هذا الاستظهار بعد بيان امتناع الإطلاق كما ذكر المصنف (ره) والظاهر ان مراده وجوب الحكم بعدم تقييد موضوع المصلحة بمجرد عدم بيان تقييده لأصالة عدمه كما صرح به فلاحظ (٣) (قوله : عدم اعتبار مثل الوجه) يعني لو شك في اعتبار نية الوجه وهو الوجوب أو الندب في صحة العبادة ومثله التمييز بين الواجب من الأجزاء وغيره لا مجال للرجوع إلى الإطلاق في نفيه لورود المحذور السابق من التقييد به لأن اعتبارهما يرجع إلى اعتبار قصد الامتثال على نحو خاص فإذا امتنع اعتباره امتنع اعتبارهما أيضا (٤) (قوله : نعم إذا كان الآمر في) يعني يمكن التمسك لنفي اعتبار قصد الامتثال في موضوع المصلحة بالإطلاق المقامي ولا ريب في صحته لو تمت مقدماته فان المتكلم إذا كان في مقام بيان تمام ما له دخل في موضوع المصلحة ولم يبيّن دخل شيء فيه علم عدم دخل ذلك الشيء فيه وإلا كان نقضا للغرض وهو ممتنع إلا أن الشأن في إثبات مقدمتيه وهما كونه في مقام البيان وعدم البيان ، ويمكن إثبات عدم البيان بأصالة عدمه المعول عليها عند العقلاء في

١٧٥

له دخل في متعلق أمره ومعه سكت في المقام ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه وإلّا لكان سكوته نقضاً له وخلاف الحكمة ، فلا بد عند الشك وعدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل (فاعلم) أنه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين وذلك لأن الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم

______________________________________________________

أمثال المقام ؛ وأما المقدمة الأولى فيمكن الإشكال فيها بالاتكال على حكم العقل بلزوم الاحتياط فلا يلزم من ترك البيان تفويت الغرض الأصلي للأمر المترتب على المأمور به ، لكن حيث تعرف عدم حكم العقل بالاحتياط فلا مجال للإشكال فيها أيضا فلاحظ (١) (قوله : له دخل) لامتناعه كما عرفت (٢) (قوله : كان هذا) يعني السكوت في مقام البيان ، والفرق بين الإطلاق المقامي والإطلاق اللفظي المتقدم منه : أن الأول إطلاق حال والثاني إطلاق مقال ، وأن إحراز كونه في مقام البيان في الأول يتوقف على قرائن خاصة ، ويكفي في إحراز كونه كذلك في الثاني الأصل العقلائي فانه مهما شك في كون المتكلم في مقام البيان يحكم بأنه كذلك ، كما سيأتي في محله.

(تأسيس الأصل)

(٣) (قوله : وذلك لأن الشك هاهنا في) يعني أن المقام يفترق عن مسألة الشك بين الأقل والأكثر بان الشك هناك شك في نفس التكليف فإذا ترددت الصلاة الواجبة بين المشتملة على السورة وغيرها فالشك في الحقيقة يرجع إلى الشك في التكليف بالسورة والشك في التكليف موضوع للبراءة عقلاً بخلاف الشك في المقام فان قصد الامتثال ليس جزءاً أو شرطاً في الواجب لما تقدم من امتناعه بل موضوع التكليف معلوم وهو ذات العبادة وإنما الشك في سقوط أمرها بمجرد الفعل لحصول

١٧٦

مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها فلا يكون العقاب مع الشك وعدم إحراز الخروج عقاباً بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان ضرورة أنه

______________________________________________________

الغرض به أو عدم سقوطه لعدم حصول الغرض به وسيأتي في محله أنه مهما كان الشك في سقوط التكليف فالمرجع فيه الاحتياط «وبالجملة» : الشك في المقام في سقوط التكليف المعلوم وفي تلك المسألة في ثبوته والأول مجرى الاحتياط والثاني مجرى البراءة «أقول» : الغرض الأصلي للوجوب الارتباطي إنما يحصل بفعل الواجب بتمام ما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط فإذا كان الواجب واقعاً هو الأكثر لم يحصل الغرض بفعل الأقل فإذا شك في وجوب السورة فقد شك في حصول الغرض بفعل الأقل فيشك في سقوط التكليف المعلوم بالأقل فلا يبقى فرق بين المقام وبين تلك المسألة ؛ وقد اعترف المصنف بوجوب الاحتياط عقلاً لذلك في تلك المسألة فلا يناسب إبداءه الفرق بينهما بما ذكر و ، البناء على البراءة في تلك المسألة لا يكون إلا مع البناء على عد الاعتناء باحتمال عدم سقوط الغرض بفعل ما علم التكليف به كما سيأتي توضيحه في محله ، ولازمه القول بالبراءة هنا عقلاً أيضا «وبالجملة» : إن كان الشك في حصول الغرض أو سقوط التكليف المعلوم هو الموجب للاحتياط في المقام فمثله حاصل في الأقل والأكثر ؛ وإن كان مثله لا يوجب الاحتياط هناك لأن العلم بالتكليف إنما يصلح حجة على فعل متعلقه لا غيره والشك في حصول الغرض انما يقتضي الاحتياط لو كان راجعاً إلى الشك في سقوط التكليف المعلوم ولا يقتضي الاحتياط زائداً عليه فلا يجب في المقام أيضا فلاحظ وتأمل «نعم» يفترق المقام عن تلك المسألة بأن ما يحتمل دخله في الغرض في تلك المسألة مما يحتمل كونه جزءاً أو شرطاً للواجب فيكون مجرى للبراءة الشرعية وهنا لا يحتمل فيه ذلك فلا يكون مجرى لها لكنه لا يصلح فارقا في وجوب الاحتياط وعدمه في نظر العقل لما سنشير إليه هنا ويأتي تحقيقه في محله ، والله سبحانه أعلم (١) (قوله : مع استقلال) يعني والحالة أن العقل يستقل ،

١٧٧

بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة وعدم الخروج عن العهدة لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة وهكذا الحال في كل ما شك في دخله في الطاعة والخروج به عن العهدة مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه والتمييز (نعم) يمكن أن يقال : ان كل ما يحتمل بدواً دخله في الامتثال وكان مما يغفل عنه غالباً العامة كان على الآمر بيانه ونصب قرينة على دخله واقعاً وإلا لأخل بما هو همه وغرضه ، أما إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة حيث ليس منهما عين ولا أثر في الأخبار والآثار وكانا مما يغفل عنه العامة وان احتمل اعتباره بعض الخاصة فتدبر جيداً «ثم» إنه لا أظنك أن تتوهم وتقول : ان أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار وان كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار

______________________________________________________

(١) (قوله : بالعلم بالتكليف) يعني والمفروض حصوله (٢) (قوله : لو اتفق عدم) يعني ولو اتفق عدم الخروج عن العهدة كان لأجل فقد القربة مع الإتيان بذات العبادة ، (٣) (قوله : وهكذا الحال) يعني يجب الاحتياط فيه أيضا لما ذكر (٤) (قوله : وكان مما يغفل) إذ الغفلة مانعة من اتكال الشارع الأقدس على حكم العقل حينئذ إذ لا حكم للعقل حينئذ فاما أن لا يكون غرض الشارع يتوقف على ما ذكر أو يكون له غرض ولم يعتن هو بفوته وحيث أن الثاني ممتنع فيتعين الأول (أقول) يتم هذا في حق الغافل لا في حق الملتفت ولو كان نادراً فاستكشاف عدم الغرض مطلقا غير ظاهر إلا أن يعد ذلك طريقاً عرفا إلى عدمه وهو كما ترى (٥) (قوله : لا أظنك أن تتوهم) حيث أن المصنف (ره) في باب الأقل والأكثر بنى على الاحتياط عقلاً والبراءة شرعاً لحديث الرفع ونحوه من أدلة البراءة الشرعية فقد يتوهم إلحاق المقام بذلك فيدَّعى أن العقل وان كان يحكم بالاحتياط في المقام إلا أنه يمكن التمسك بمثل حديث الرفع لإثبات البراءة وحصول الأمن من العقاب المحتمل ، لكنه مندفع بما أشار إليه من أن حديث الرفع إنما يجري في رفع ما يكون وضعه شرعياً

١٧٨

لوضوح أنه لا بد في عمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعاً وليس هاهنا فان دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي بل واقعي ودخل الجزء والشرط فيه وان كان كذلك إلا أنهما قابلان للوضع والرفع شرعاً فدليل الرفع ولو كان أصلا يكشف انه ليس هناك أمر فعلي بما يعتبر فيه المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا بخلاف المقام فانه علم بثبوت الأمر الفعلي كما عرفت فافهم (المبحث السادس) قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضييق دائرته ، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضي كونه مطلقاً وجب هناك شيء آخر أولا أتي بشيء آخر أولا أتى به آخر أولا

______________________________________________________

وليس المقام كذلك فان المرفوع إن كان دخل قصد الامتثال في الواجب فقد عرفت أنه مما يمتنع دخوله فلا يدخل تحت حديث رفع ما لا يعلمون ، وإن كان دخله في الغرض والمصلحة فذلك الدخل واقعي من قبيل دخل العلة في المعلول فلا يصح رفعه من الشارع (١) (قوله : لوضوح) تعليل لقوله : لا أظنك (٢) (قوله : ودخل الجزء) يعني قد يقال : ان دخل الجزء والشرط في الغرض ليس شرعيا أيضا فكيف جاز رفعه بالحديث (والجواب) أن دخلهما فيه وان كان كذلك إلّا أن دخلهما في الواجب لما كان شرعيا جرى الحديث لرفعه وإذا ارتفع دخلهما في الواجب انكشف عدم دخلهما في الغرض الموجب للأمر الفعلي ولا مجال لجريان ذلك في المقام لما عرفت (٣) (قوله : عرفت فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى ان الغرض الواحد المترتب على الواجب المردد بين الأقل والأكثر مما لا يمكن الحكم بعدم فعليته مع الحكم بوجوب فعل الأقل لتنافيهما واستكشاف تعدد الغرض بحديث الرفع ممتنع لأنه ليس في رتبة الأدلة الواقعية حتى يصلح للحكومة عليها كما أوضحنا ذلك كله في محله فيما علقناه على مباحث البراءة (٤) (قوله : قضية إطلاق) يعني إذا شك في وجوب شيء من حيث انه نفسي أو غيري ، أو تعييني أو تخييري ، أو عيني أو كفائي ، فإطلاق

١٧٩

كما هو واضح لا يخفى (المبحث السابع) انه اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعاً أو إطلاقاً فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال نسب إلى المشهور ظهورها في الإباحة ، وإلى بعض العامة ظهورها في الوجوب ، وإلى بعض تبعيته لما قبل النهي

______________________________________________________

الصيغة يقتضي كونه نفسيا لا غيريا ، تعيينيا لا تخييريا ، عينياً لا كفائيا ، وذلك لأن كل واحدة من الغيرية والتخييرية والكفائية تقييد في الوجوب إذ معنى كونه غيريا أنه منوط بوجوب شيء آخر ، كما أن معنى كونه تخييريا أنه منوط بعدم فعل شيء آخر ومعنى كونه كفائياً أنه منوط بعدم فعل مكلف آخر ، وهذه الإناطة تقييد في الوجوب ينفيه إطلاق دليله (١) (قوله : كما هو واضح لا) في وضوحه تأمل فان المولى إذا قال : يجب على زيد أن يقوم ، فظاهر الهيئة الكلامية دخل كل من خصوصيتي القيام وزيد في موضوع الوجوب على نحو لا يكفي القعود عن القيام ، ولا عمرو عن زيد ، فيكون الوجوب تعيينياً عينياً ولا يتوقف على مقدمات الإطلاق ، وأما كون الوجوب نفسيا ناشئا عن مصلحة في متعلقه أو غيريا ناشئا عن مصلحة في غيره فلا دلالة للكلام ولا لمقدمات الحكمة على أحدهما نعم إطلاق البعث نحو الشيء يكون حجة عند العقلاء على وجوبه ، واحتمال عدم إرادته لعدم القدرة على ما يحتمل كونه واجباً لأجله لا يصلح عذراً في نظر العقلاء ؛ ولعل هذا هو المراد بالإطلاق لكن في اسناده إلى الصيغة تأمل

(الأمر عقيب الحظر)

(٢) (قوله : وضعا أو إطلاقا) قيد لقوله : ظهور (٣) (قوله : فيما إذا) متعلق بقوله : اختلف ، يعني أن القائلين بظهور الأمر في الوجوب اختلفوا فيه إذا وقع عقيب الحظر أو عقيب ما يتوهم منه الحظر من حيث انه ظاهر في الوجوب أو في الإباحة أو غير ذلك (٤) (قوله : في الإباحة) يعني بالمعنى الأخص المقابل للوجوب (٥) (قوله : لما قبل النهي) يعني من وجوب أو إباحة أو غيرهما

١٨٠