حقائق الأصول - ج ١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

حقائق الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

الإشكال بأن كون الناطق ـ مثلا ـ فصلا مبني على عرف المنطقيين حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات وذلك لا يوجب وضعه لغة كذلك (وفيه) أنه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلا بلا تصرف في معناه أصلا بل بماله من المعنى كما لا يخفى «والتحقيق» أن يقال : إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه وانما يكون فصلا مشهوراً منطقياً يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه بل لا يكاد يعلم كما حقق في محله ولذا ربما يجعل لا زمان مكانه إذا كانا متساويي النسبة إليه كالحساس والمتحرك بالإرادة في الحيوان ، وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق فانه وان كان عرضا عاماً لا فصلا مقوماً للإنسان إلا انه بعد تقييده بالنطق واتصافه به كان من أظهر خواصه «وبالجملة» : لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق إلا دخول العرض في الخاصة التي هي من العرضي لا في الفصل الحقيقي الّذي هو من الذاتي فتدبر جيداً

______________________________________________________

الممكنة الخاصة وهو باطل بالضرورة (١) (قوله : مبني على عرف) يعني أن مفهوم الناطق عند المنطقيين غير مفهومه عند اللغويين فعند الأولين تدخل فيه الذات وعند الآخرين تخرج عنه ، لكن هذا لا يدفع الإشكال عن شارح المطالع لأن كلامه كان في الفصل المنطقي الّذي يكون معرفا ، فافهم (٢) (قوله : قد اعتبر فصلا بلا) هذا غير ظاهر بل الظاهر منهم كون الفصل هو النطق وكون العرض العام والخاصّ هو المشي والضحك ؛ والتعبير عنها بالمشتقات لتصحيح الحمل في التعريف حداً أو رسما مع الإشارة بها إلى مباديها التي هي اجزاء الماهية أو أعراضها في الحقيقة (٣) (قوله : كما حقق في محله) فقد ذكر الشريف نفسه في بعض حواشيه على شرح الشمسية : ان الحقائق الموجودة يتعسر الاطلاع على ذاتياتها والتمييز بينها وبين عرضياتها تعسراً تاماً وأصلا إلى حد التعذر (٤) (قوله : ولذا ربما يجعل) يعني مع بنائهم على امتناع فصلين لنوع واحد في عرض واحد (٥) (قوله : في مثل الناطق) الإشكال لا يختص بالناطق بل هو جار في جميع المشتقات التي لا يتميز

١٢١

ثم قال : إنه يمكن ان يختار الوجه الثاني أيضا ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقاً بل مقيداً بالوصف وليس ثبوته للموضوع حينئذ بالضرورة لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضرورياً. انتهى ، ويمكن أن يقال : إن عدم كون ثبوت القيد ضرورياً لا يضر بدعوى الانقلاب فان المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجاً وان كان التقييد داخلاً بما هو معنى حرفي ، فالقضية لا محالة تكون ضرورية ضرورة ضرورية ثبوت الإنسان الّذي يكون مقيداً بالنطق للإنسان ، وان كان المقيد بما هو مقيد على ان يكون القيد داخلاً فقضية : الإنسان ناطق ، تنحل في الحقيقة إلى قضيتين إحداهما قضية : الإنسان إنسان ، وهي ضرورية والأخرى قضية : الإنسان له النطق ، وهي ممكنة وذلك لأن الأوصاف قبل العلم

______________________________________________________

الفصل منها عن الخاصة ولا الجنس عن العرض العام فيرجع الإشكال لا على التفصيل بل على الإجمال فتأمل (١) (قوله : ثم قال) يعني في الفصول (٢) (قوله : وليس ثبوته للموضوع) سيأتي بيانه في الإيراد عليه (٣) (قوله : داخلا بما هو معنى حرفي) حمل المقيد يتصور على وجوه (أحدها) ان يكون ملحوظا عبرة إلى نفس الذات فالنسبة الحملية قائمة بنفس الذات لا غير (ثانيها) أن يكون ملحوظا بما هو مضاف إلى القيد فالمحمول يكون هو الذات المضافة إلى القيد مع خروج القيد ودخول التقيد (ثالثها) ان يكون المقيد ملحوظاً بنحو يكون القيد داخلا في المحمول وتتقوم به النسبة الحملية فقوله : بما هو معنى ، ان كان إشارة إلى الأول فما ذكره من ان لازمه انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية واضح لما عرفت من أن المحمول نفس ذات الموضوع وحمل الشيء على نفسه ضروري وان كان إشارة إلى الثاني فلا يتم كما سيأتي (٤) (قوله : على أن يكون القيد داخلا) ظاهره إرادة الصورة الثالثة ، وعليه تكون القضيتان المنحلة إليهما القضية الممكنة قضيتين عرضيتين موضوعهما واحد ومحمولهما متعدد ، وهما المصداق المأخوذ في المشتق ونفس الوصف نظير قولنا زيد شاعر كاتب وبكر عالم عادل ، لكن ظاهر قوله : لأن الأوصاف ... إلخ

١٢٢

بها اخبار كما ان الأخبار بعد العلم بها تكون أوصافاً ، فعقد الحمل ينحل إلى القضية كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ وقضية ممكنة عند الفارابي «فتأمل» لكنه قدس‌سره تنظر فيما أفاده بقوله : وفيه نظر

______________________________________________________

وقوله : فعقد الحمل ... إلخ إرادة التصوير الثاني فتكون القضية الأولى قائمة بين الذات والوصف والأخرى قائمة بين الذات الموصوفة وذات الموضوع نظير قولنا : زيد قائم الأب ، ثم انه لم يتضح إشكال المصنف (ره) على الفصول على كل من التقديرين إذ مرجع الإشكال ان كان إلى ان الانحلال لا يقول به في الفصول فهو غير ظاهر وان كان إلى انه لا يقول به أحد لأن الانحلال عندهم في عقد الوضع لا عقد الحمل ، ففيه ان بناءهم على عدمه كان من جهة بنائهم على كون المحمول في جميع القضايا هو المفهوم لا المصداق ، والكلام هنا مع الشريف بعد فرض كون المحمول هو المصداق. وكيف كان فالظاهر أن مراد الفصول هو التصوير الثاني وان الانحلال يكون إلى قضيتين إحداهما ينحل إليها نفس مفهوم المشتق نظير انحلال عقد الوضع إلى الفعلية أو الممكنة ، وثانيتهما تتقوم بالنسبة التامة القائمة بين الموضوع وذات المحمول المضافة إلى الوصف بقيد كونها كذلك ، وجهة القضية الثانية هي جهة فعلية القيد لذات المقيد فان كانت فعلية القيد الذات بالإمكان ففعلية المقيد للذات كذلك ولا يلزم انقلاب الممكنة إلى الضرورية لأن ذات زيد المقيدة بفعلية العدالة ليست عين زيد ، كما أن الكلي المقيد بقيد ليس عين ذلك الكلي فالإنسان المقيد بالضحك ثبوته للإنسان بالإمكان كثبوت نفس الضحك للإنسان ، وزيد المقيد بالعدالة ثبوته لزيد بالإمكان كما أن ثبوت نفس العدالة له كذلك ، والوجه في ذلك : ان الذات المقيدة بقيد حاكية عن فعلية المبدأ لها فإذا كانت فعلية المبدأ للذات بالإمكان امتنع ثبوت الذات المقيدة بالضرورة لأن ثبوتها كذلك عين فعلية المبدأ للذات بالضرورة ، وهو خلف (١) (قوله : بها أخبار) يعني تفيد فائدة الخبر (٢) (قوله : تكون أوصافا) يعني تفيد فائدة التوصيف لأن

١٢٣

لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ان كانت مقيدة به واقعاً صدق الإيجاب بالضرورة ، وإلا صدق السلب بالضرورة مثلا لا يصدق : زيد كاتب

______________________________________________________

المحمول يصح به الإشارة إلى الموضوع كالوصف (١) (قوله : لأن الذات المأخوذة مقيدة) من المعلوم اختلاف مادة القضية واقعا باختلاف كون الوصف ملحوظاً فعليا أو ملكة فيصدق قولنا : زيد كاتب بالضرورة بمعنى ان له ملكة الكتابة ولا يصدق زيد كاتب بالضرورة بمعنى ان له فعلية الكتابة ، كما أشار إليه المصنف (ره) سابقاً ، ولأجل ذلك يصدق زيد كاتب بالإمكان بالضرورة ، بمعنى ان الكتابة بالإمكان ضرورية الثبوت لزيد ، ولا يصدق زيد كاتب بالضرورة ، بمعنى ان فعلية الكتابة ضرورية لزيد فمراد الفصول والرد على قوله سابقا : وليس ثبوته للموضوع حينئذ بالضرورة ، بأنه لا يتم لو أخذ الوصف مقيداً بمادة نسبته الواقعية قيداً للذات ، فان ذات الموضوع ان كانت واجدة للوصف المذكور صدق الإيجاب بالضرورة وإلا صدق السلب بالضرورة فيلزم الانقلاب الّذي ذكره الشريف مثلا ذات زيد إذا كانت كاتبة بالإمكان صدق زيد كاتب بالإمكان ولازمه صدق قولنا : زيد الكاتب بالإمكان بالضرورة ، وإذا لم تكن كاتبة بالإمكان لم يصدق انه كاتب بالإمكان فيصدق زيد ليس بكاتب بالإمكان بالضرورة وهذا معنى قوله : ان كانت مقيدة به واقعاً ... إلخ يعني إن كانت الذات واجدة للوصف المقيد بمادته الواقعية من القوة أو الفعل صدق إيجاب الذات المقيدة بذلك الوصف بالضرورة وان كانت فاقدة له واقعاً صدق السلب بالضرورة وهذا الكلام متين جداً إلا انه لا دخل له بأخذ الذات في مفهوم المشتق إذ ليس انقلاب الممكنة إلى الضرورية جاء من قبل أخذ الذات في مفهوم المشتق وانما جاء من قبل تقييد الوصف بمادة نسبته واقعا ، ولذا لو فرض إخلاء القضية من لفظ المشتق كان اللازم ذلك إذ كلما صدق زيد له الكتابة بالإمكان يصدق زيد له الكتابة الممكنة بالضرورة وأين هذا مما نحن فيه (٢) (قوله : قوة أو فعلا) قيد للوصف (قوله : لا يصدق زيد)

١٢٤

بالضرورة ، لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة. انتهى ، ـ ولا يذهب عليك أن صدق الإيجاب بالضرورة بشرط كونه مقيداً به واقعاً لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ضرورة صدق الإيجاب بالضرورة بشرط المحمول في كل قضية ولو كانت ممكنة كما لا يكاد يضر بها صدق السلب كذلك بشرط عدم كونه مقيداً به واقعاً لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلك لوضوح أن المناط في الجهات

______________________________________________________

(١) لعدم كون فعلية الكتابة ضرورية (٢) (قوله : لكن يصدق) لكون الكتابة بالقوة أو بالفعل ضرورية لزيد (٣) (قوله : ولا يذهب عليك) قد عرفت مراد الفصول ، لكن حمله المصنف (ره) على إرادة الضرورية بشرط المحمول فأورد عليه بأنه خارج عن محل البحث في المقام إذ البحث في أن أخذ الذات في مفهوم المشتق يوجب انقلاب القضية الممكنة ضرورية ، والانقلاب إلى الضرورية فيما ذكره ليس من جهة أخذ الذات في مفهوم المشتق بل من جهة أخذ المحمول شرطا في الموضوع إذ لا ريب في انه يوجب انقلاب القضية ولو كانت ممكنة إلى الضرورية ولو لم يؤخذ الذات في مفهوم المشتق لأن الشيء بشرط ثبوته ضروري الثبوت ، كما أن أخذ عدم المحمول شرطاً يوجب انقلاب كل قضية إلى السالبة الضرورية لأن الشيء في ظرف عدمه ممتنع الثبوت ، وكأن الباعث للمصنف (ره) على هذا الحمل قوله : إن كانت مقيدة به ، إذ لو كان مراده ما ذكرنا كان المناسب أن يقول : إن كانت واجدة له ... إلخ ، لكن قوله : (واقعاً) آب عن ذلك إذ لو أراد القضية بشرط المحمول كان اللازم أن يقول ان كانت مقيدة به في القضية وكذا قوله (ره) : وإلا صدق ... إلخ كان اللازم أن يقول بدله : وان كانت مقيدة بعدمه ... إلخ ، وبالجملة : ظاهر أكثر فقرات العبارة ـ ولا سيما التمثيل ولا سيما تقييد الوصف المذكور في صدر العبارة بقوله : قوة أو فعلا ـ إرادة ما ذكرنا وان توجه عليه الإشكال أيضا (٤) (قوله : وذلك لوضوح) تعليل

١٢٥

ومواد القضايا انما هو بملاحظة ان نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأي جهة منها ومع أية منها في نفسها صادقة؟ لا بملاحظة ثبوتها له واقعاً أو عدم ثبوتها له كذلك وإلّا كانت الجهة منحصرة بالضرورة ضرورة صيرورة الإيجاب أو السلب بلحاظ الثبوت وعدمه واقعاً ضروريا ويكون من باب الضرورة بشرط المحمول. (وبالجملة) : الدعوى هو انقلاب مادة الإمكان بالضرورة فيما ليست مادته واقعاً في نفسه وبلا شرط غير الإمكان وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده (ره) بإبطال الوجه الأول كما زعمه ـ قدس‌سره ـ فان لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما انما يكون ضرورياً مع إطلاقهما لا مطلقاً ولو مع التقيد إلا بشرط تقيد المصاديق به أيضاً وقد عرفت حال الشرط فافهم ؛ ثم إنه

______________________________________________________

لعدم صحة دعوى الانقلاب بمجرد أخذ المحمول شرطاً في الموضوع ، يعني : ان المراد من الممكنة وغيرها من القضايا الموجهة ما كانت نسبة المحمول إلى نفس الموضوع موجهة بجهتها المعينة من الإمكان أو غيره من دون أخذ المحمول شرطاً فيها ، فأخذ المحمول شرطاً يوجب خروجها عن كونها ممكنة (١) (قوله : ومواد القضايا) المراد من مادة القضية كيفية النسبة الواقعية ، ومن الجهة اللفظ الدال عليها كلفظ الضرورة والإمكان وغيرهما (٢) (قوله : ثبوتها له) هذا التعبير جار على تعبير الفصول وإلّا فالثبوت الواقعي وعدمه إنما يكونان معيارين للصدق والكذب لا لكون القضية ضرورية سلبية أو إيجابية بل المعيار في ذلك شرط الثبوت وشرط عدمه (٣) (قوله : وبلا شرط) يعني والانقلاب الّذي ذكرناه انما هو بالشرط (٤) (قوله : عدم نهوض ما أفاده) قال في الفصول بعد كلامه المتقدم ـ : ولا يذهب عليك انه يمكن التمسك بالبيان المذكور على إبطال الوجه الأول أيضا لأن لحوق مفهوم الذات أو الشيء لمصاديقهما أيضا ضروري ولا وجه لتخصيصه بالوجه الثاني. انتهى ، والمصنف (ره) لما حمل عبارته المتقدمة على إرادة شرط المحمول حمل هذه العبارة أيضا على ذلك فأورد عليها بما تقدم من أن

١٢٦

لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ضرورة أن مصداق الشيء الّذي له النطق هو الإنسان كان أليق بالشرطية الأولى بل كان الأولى لفساده

______________________________________________________

الانقلاب إلى الضرورية بشرط المحمول وان كان صحيحاً إلّا انه خارج عن محل الكلام ، وحيث عرفت مراده مما سبق تعرف مراده هنا وان الانقلاب إلى الضرورية لا يختص بأخذ المصداق بل يتم ولو أخذ مفهوم الشيء المقيد بالوصف المقيد بمادته الواقعية إذ يصدق الإنسان شيء كاتب بالإمكان بالضرورة لأن الشيء الممكن له الكتابة ضروري الثبوت للإنسان ، لكنه سابقا ردد بين الإيجاب الضروري والسلب الضروري لتردد الذات بين الواجدة للوصف الخاصّ والفاقدة له ، وهنا عين الانقلاب إلى الإيجاب الضروري لتعين كون الشيء واجداً للوصف المذكور ، «وفيه» ـ مضافا إلى ما عرفت من خروجه عن محل الكلام ـ أن مفهوم الشيء مما لا يقبل الوصف المذكور فاللازم الانقلاب إلى الضرورية السالبة ، اللهم إلا أن يقال : هذا الانقلاب مبني على صدق الممكنة مع أخذ الشيء في مفهوم المشتق المتوقف ذلك على البناء على اقتضاء مفهوم الشيء للكتابة بالإمكان ، ومنه يظهر أن أخذ مفهوم الشيء في المشتق يوجب بطلان جميع القضايا أو أكثرها إذ الأوصاف المحمولة فيها مما لا تثبت لمفهوم الشيء فتأمل جيداً (١) (قوله : لو جعل التالي) أقول : يمكن جعل التالي في الشرطية الأولى قولنا : لزم عدم صحة التعبير عن مفهوم الناطق بموجود له النطق أو ذات لها النطق أو نحو ذلك ، لمباينة هذه المفاهيم لمفهوم الشيء والتالي باطل ، أو لزم دخول الأمر الاعتباري في الفصل بناءً على أن الشيء من المفاهيم الاعتبارية ودخول الاعتباري في الفصل أشكل من دخول العرضي فيه ، أو قولنا : لكان اما داخلا في مفهوم المادة أو في مفهوم الهيئة أو في مفهوم المركب والتالي باطل بأقسامه (أما الأول) فلان لازمه دخوله في مفهوم جميع المشتقات حتى الفعل والمصدر لوجود المادة فيها (وأما الثاني) فلان الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة (وأما الثالث) فلان لازمه خروجه عن كونه مشتقا بل يكون موضوعا وضع الجوامد بوضع واحد لمادته وهيئته (قوله : ضرورة أن مصداق)

١٢٧

مطلقا ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه وخاصته فتأمل جيداً. ثم إنه يمكن أن يستدل على البساطة بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل : زيد كاتب ، ولزومه من التركب وأخذ الشيء مصداقا أو مفهوما في مفهومه (إرشاد) لا يخفى أن معنى البساطة بحسب المفهوم وحدته إدراكا وتصوراً بحيث لا يتصور عند تصوره إلا شيء واحد لا شيئان وان انحل بتعمل من العقل إلى شيئين كانحلال مفهوم الشجر أو الحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية مع وضوح بساطة مفهومهما (وبالجملة) : لا تنثلم بالانحلال إلى الاثنينية بالتعمل العقلي وحدة المعنى وبساطة المفهوم كما لا يخفى ، وإلى ذلك يرجع الإجمال والتفصيل الفارقين بين المحدود والحد مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا فالعقل بالتعمل يحلل النوع ويفصله إلى جنس وفصل بعد ما كان أمراً واحداً إدراكا وشيئاً فارداً تصوراً فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق.

______________________________________________________

(١) مفهوم الشيء كمفهوم لفظ المفهوم حاك عن معنى يصدق على الكلي بعين صدقه على الجزئي ويحمل على كل منهما بالحمل الشائع فيقال : زيد شيء والإنسان شيء والحيوان شيء ... وهكذا ، فجميع هذه الأشياء مصاديقه ، فإذا جعل كناية عن المصداق فالمصداق المكنى به عنه ، ان كان نفس الإنسان في قولنا : الإنسان ناطق ؛ لزم دخول النوع في مفهوم الفصل ، وان كان نفس الجنس لزم دخول الجنس في مفهوم الفصل ، وان كان نفس الفرد الخارجي لزم دخوله في مفهوم الفصل ... وهكذا ، ومن هنا يظهر الإشكال في صحة الانقلاب إلى الضرورية لجواز أن يراد من المصداق غير ذات الموضوع بل مفهوم لا يأبى الاتحاد مع الذات. فتأمل جيداً (٢) (قوله : بضرورة عدم تكرار) هذه الضرورة غير ظاهرة بعد ما اشتهر وارتكز في الأذهان : أن معنى المشتق ذات لها المبدأ (٣) (قوله : البساطة بحسب المفهوم) يعني ان البساطة (تارة) تكون بحسب المفهوم فيراد بها كون حضور المفهوم حضوراً لمعنى واحد في قبال المركب المفهوم

١٢٨

وهو الّذي يكون حضوره حضوراً للمتعدد (وأخرى) تكون بحسب الحقيقة فيراد بها كون المفهوم الواحد بحيث لا ينحل إلى اثنين ولو بالتعمل العقلي ولو كانا جنسا وفصلا في قبال المركب بحسب الحقيقة وهو ما يمكن أن ينحل بنظر العقل وتعمله إلى اثنين ، والبساطة بحسب الثاني أخص منها بحسب الأول فمفهوم الإنسان بسيط بالمعنى الأول ومركب بالمعنى الثاني ، كما أن مفهوم قولنا : حيوان ناطق ، مركب بالمعنيين ، ثم إن الظاهر من دليل الشريف كون مفهوم المشتق بسيطا بمعنى آخر وهو مجرد عدم دخول الذات فيه لا بالمعنى الأول وإلّا فوضوح كونه كذلك يغني عن إقامة الدليل ، وكذا ما ذكره المصنف (ره) في قوله : ويمكن ان يستدل ... إلخ. فلاحظ «والّذي» ينبغي ان يقال ـ جريا على المتفاهم عرفا من لفظ المشتق ـ : انه مركب من مادة وهيئة فمادته المشتركة بين جميع المشتقات حاكية عن المعنى المشترك بينها المعبر عنه في لسان العرف بالعلم والضرب وغيرهما وان كان يأتي أنها أيضا مشتقات ، إلّا أن الوجه في التعبير بها عنها كونها اقرب إلى أداء تلك المفاهيم المشتركة من غيرها من المشتقات (وهيئته) حاكية عن انتساب مادته إلى الموصوف وهذا الانتساب المحكي بالهيئة لما كان معنى حرفياً لا يتصور إلّا بتصور طرفيه كانت الهيئة حاكية عن الذات فالذات ليست داخلة في معنى المشتق وانما تفهم لتكون مقومة لمعناه الملحوظ تبعا لها ودلالته عليها أشبه بالدلالة الالتزامية وهذا هو المطابق للارتكاز العرفي ، ومنه يظهر أن الفعل أيضا لا يخلو من الدلالة على الذات لعين الوجه المذكور وان اختلف مع المشتق في كيفية الدلالة من جهة أخرى يأتي الإشارة إليها في التنبيه الآتي إن شاء الله ، ثم لما كان الاحتياج إلى الذات في الدلالة من الجهة المذكورة وكان يكفي في تقوم النسبة كل أمر ولو كان مبهما لم يُفهم من المشتق الا أمر مبهم فيصح ان يعبر عنه بذات لها الوصف وشيء له الوصف وغيرهما ، كما أشرنا إلى ذلك سابقا والله سبحانه أعلم.

١٢٩

(الثاني) : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوماً أنه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدإ ولا يعصي عن الجري عليه لما هما عليه من نحو من الاتحاد بخلاف المبدأ فانه بمعناه يأبى عن ذلك بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره لا هو هو ، وملاك الحمل والجري انما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما من أن المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط (لا) أي يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ومفهوم المبدأ يكون آبياً عنه ، وصاحب الفصول (ره) حيث توهم ان مرادهم انما هو بيان التفرقة بهذين الاعتبارين

______________________________________________________

(التنبيه الثاني)

«الفرق بين المشتق ومبدئه»

(١) (قوله : الفرق بين المشتق ومبدئه) اعلم ان هنا إشكالا وهو أن المشتق إذا كان موضوعا بمادته للمبدإ وبهيئته للنسبة كيف صح حمله على الذات مع انه لا يصح حمل المبدأ عليها إذ كما لا يصح حمل المبدأ عليها ينبغي أن لا يصح حمل المبدأ المنتسب ، وقد دفع المصنف (ره) الإشكال بنحو لا يخلو عن إجمال وإشكال فقال : الفرق بين المبدأ والمشتق ان المبدأ مفهومه لا يقبل الحمل على الذات بل يأبى الجري عليها وليس كذلك مفهوم المشتق فانه يقبل الحمل والجري ثم بين الوجه في الفرق المذكور وهو أن مفهوم المشتق متحد مع الذات في الوجود نحواً من الاتحاد ومفهوم المبدأ ليس كذلك ، وحيث ان المعيار في صحة الحمل هو الاتحاد في الوجود أمكن حمل مفهوم المشتق على الذات ولم يمكن حمل مفهوم المبدأ عليها (٢) (قوله : وصاحب الفصول) قال فيه : زعم جماعة من أهل المعقول أن الفرق بين المشتق ومبدئه هو الفرق بين الشيء لا بشرط وبينه بشرط لا فحدث الضرب ان اعتبر بشرط لا كان مدلولا للفظ الضرب وامتنع حمله على الذات الموصوفة به وان اعتبر لا بشرط كان مدلولا للفظ الضارب وصح حمله عليها وعلى هذا القياس

١٣٠

بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد أورد عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك لأجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات وإن اعتبرا لا بشرط وغفل عن ان المراد ما ذكرنا كما يظهر منهم

______________________________________________________

فجعلوا الفرق بين العرض والعرضي كالفرق بين الهيولى والجنس وبين الصورة والفصل ، وهذا عندي غير مستقيم ... إلى أن قال : إذا تبين عندك هذا فنقول أخذ العرض لا بشرط لا يصحح حمله على موضوعه ... إلى أن قال : فيمتنع حمل العلم والحركة عليه وان اعتبرا لا بشرط. انتهى (١) (قوله : بلحاظ الطوارئ والعوارض) اعتبارات الماهية الثلاثة أعني لا بشرط وبشرط شيء وبشرط لا (تارة) تكون بلحاظ الخارج كما يقال : الماء لا بشرط أو بشرط البرودة أو بشرط عدم الحرارة رافع للعطش (وأخرى) تكون بلحاظ الاعتبار فيكون معنى بشرط شيء : الشيء الملحوظ معه شيء ، ومعنى بشرط لا الشيء الملحوظ وحده ، ومعنى لا بشرط : الشيء الملحوظ مع تجويز كونه وحده ولا وحده ، قال الشيخ الرئيس : إن الماهية قد تؤخذ بشرط لا شيء بأن يتصور معناها بشرط أن يكون ذلك المعنى وحده بحيث يكون كل ما قارنه زائداً عليه فيكون جزءاً لذلك المجموع مادة له متقدما عليه في الوجودين فيمتنع حمله على المجموع لانتفاء شرط الحمل وهو الاتحاد في الوجود ، وقد تؤخذ لا بشرط بأن يتصور معناها مع تجويز كونه وحده وكونه لا وحده بأن يقترن مع شيء آخر فيحمل على المجموع وعلى نفسه وحده ... إلخ «وحاصل» إشكال المصنف (ره) على الفصول : ان المراد من لا بشرط وبشرط لا المذكورين في الفرق بين المشتق ومبدئه ليس معناهما الجاري على الاصطلاح الأول ولا الاصطلاح الثاني بل المراد منهما الإشارة إلى اختلاف نفس المفهومين بنحو يكون أحدهما متحداً مع الذات وصالحا للحمل عليها والآخر ليس كذلك (أقول) : هذا خلاف ظاهر العبارة المحكية عنهم (٢) (قوله : مع حفظ مفهوم واحد) يعني مع كون مرادهم أن

١٣١

من بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة فراجع.

(الثالث): ملاك الحمل كما أشرنا إليه

______________________________________________________

المفهوم متعدد من غير جهة الاعتبارين (١) (قوله : من بيان الفرق بين الجنس ... إلخ) حيث فرقوا بين الجنس والمادة بأن الجنس كالحيوان مأخوذ لا بشرط فصح حمله ، والمادة مأخوذة بشرط لا فلا يصح حملها ، وكذا الفصل والصورة (أقول) الظاهر من من كلماتهم هو ما فهمه في الفصول قال المحقق السبزواري في شرح قوله :

جنس وفصل لا بشرط حملا

فمدة وصورة بشرط لا

: وفيه إشارة إلى أن كلا من هاتين مع كل من هذين متحد ذاتا مختلف اعتباراً ، (وقال) القوشجي في كلام له في الفرق بين الاصطلاحين : ولذلك يقال : الجنس بشرط شيء هو عين النوع فالحيوان بشرط الناطق هو عين الإنسان وبشرط الصاهل عين الفرس وهكذا وليس معنى أخذه هاهنا بشرط لا شيء أن يكون مجرداً عن كل شيء على ما ذكر في الماهية المجردة بل معناه أن يؤخذ من حيث أنه قد انضم إليه شيء خارج عنه وقد حصل منهما أمر ثالث وبهذا الاعتبار يكون كل واحد منهما جزءاً له وجزء الشيء من حيث هو جزء له لا يكون محمولا عليه مواطاة إذ لا يصح أن يقال : هذا الكل هو هذا الجزء فلذلك قيل : الحيوان بشرط لا شيء جزء ومادة لما تركب منه وغير محمول عليه ... إلى أن قال : أما أخذ الحيوان لا بشرط شيء فهو أن يعتبر من حيث هو من غير أن يتعرض لشيء آخر أي لا يؤخذ معه شيء من حيث هو داخل فيه ولا من حيث انه خارج عنه ينضم إليه بل يؤخذ من حيث هو فيكون صالحا لكل واحد من الاعتبارين ويكون محمولا على الأنواع المندرجة تحته ، وقس على ذلك حال الناطق وكذا حال غيرهما من الأجزاء المحمولة على الماهيات. انتهى ، فان ظاهر هذين الكلامين ـ مضافا إلى المحكي عن الشيخ سابقاً ـ يعطى ما ذكره في الفصول لا غيره «وكيف كان» فالظاهر أن الفارق بين المشتق ومبدئه أن المبدأ حاك عن المعنى المنحاز عن الذات في مقام اللحاظ الّذي لو نسب إلى الذات كانت نسبته إليها نسبة الصادر إلى المصدور عنه والمضاف

١٣٢

هو الهوهويّة والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر كما يكون بين المشتقات والذوات ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب بين المتغايرين واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا ،

______________________________________________________

إلى المضاف إليه والمشتق بهيئته يحكي عن مبدأ منتسب إلى الذات نسبة العنوان إلى المعنون بحيث يكون للذات نحو جلوة في مقام اللحاظ يرى بها المبدأ طوراً من أطوارها فيكون مؤدى المشتق ذاتا لها القيام لا قيام صادر عن الذات فيرجع حمل المشتق على الذات إلى حمل الذات على الذات لا حمل العرض على معروضه هذا هو المطابق للمرتكزات العرفية والله سبحانه أعلم

(التنبيه الثالث)

(١) (قوله : هو الهوهويّة والاتحاد) إذ مع الاتحاد من جميع الجهات لا اثنينية ليصح الحمل الّذي هو نسبة بين شيئين كما انه مع المغايرة من جميع الجهات يكون الحمل بينهما حكما بوحدة الاثنين ومنه يظهر ان هذا مختص بالحمل الإيجابي أما السلبي فلا مانع من مغايرة طرفيه من جميع الجهات (٢) (قوله : كما يكون بين المشتقات) قد عرفت المصحح لحمل المشتقات على الذوات الموجب لاتحاد مؤدياتها مع الموضوعات في ظرف الحمل وأوضح منه حمل النوع على افراده كحمل الإنسان على زيد وحمل كل من الجنس والفصل على النوع وان كان منشأ اعتبار أحدهما غير منشأ اعتبار الآخر واقعا كما ان منشأ اعتبار تحصص الحصص الإفرادية غير منشأ اعتبار الكلي إلا انه لما لم يمنع ذلك من كون المحمول فيها عنوانا للموضوع صح الحمل (٣) (قوله : ولا يعتبر معه ملاحظة) قال في الفصول بعد تحقيق ما يعتبر في صحة حمل المتغايرات : فقد تحقق مما قررنا ان حمل أحد المتغايرين بالوجود على الآخر بالقياس إلى ظرف التغاير لا يصح إلّا بشروط ثلاثة ، أخذ المجموع من حيث المجموع وأخذ الاجزاء لا بشرط ، واعتبار الحمل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع ، إذا تبين عندك هذا فنقول : أخذ العرض لا بشرط لا يصحح حمله على موضوعه ما لم يعتبر المجموع المركب منهما شيئا واحداً ويعتبر الحمل بالقياس إليه ،

١٣٣

ولا خفاء في أنا إذا قلنا : زيد عالم أو متحرك لم نرد بزيد المركب من الذات وصفة العلم أو الحركة وانما نريد به الذات وحدها فيمتنع حمل العلم والحركة عليه وان اعتبر لا بشرط بل التحقيق ان مفاد الهيئة مفاد (ذو) ولا فرق بين قولنا : ذو بياض وقولنا : ذو مال فكما ان المال إن اعتبر لا بشرط لا يصح حمله على صاحبه كذلك البياض ... إلخ وقد أورد المصنف (ره) عليه بأنه مع تحقق الاتحاد من وجه لا يعتبر في صحة الحمل ملاحظة المجموع امراً واحداً مع ان ذلك يوجب المغايرة بين الموضوع والمحمول بالكلية والجزئية لأن الكلية قائمة بالمجموع فيكون الحمل حملا للجزء على الكل مضافا إلى صحة الحمل في القضايا الحملية مع عدم ملاحظة المجموع فيها امراً واحداً فان الموضوع في قولنا : زيد قائم ، نفس زيد بلا ملاحظة المجموع منه ومن القيام (أقول) : ظاهر كلام المصنف (ره) لا يخلو من إشكال من جهة ان ما ذكره في الفصول من التحقيق إنما كان في تحقيق الاتحاد المعتبر في صحة حمل المتغايرات وجودا بعضها على بعض لا في مطلق الحمل زائداً على اعتبار الاتحاد ومنه يظهر انه لا مجال للإشكال عليه بعدم ملاحظة التركيب في التحديدات وسائر القضايا العرفية فان الحمل فيها ليس من حمل أحد المتغايرين على الآخر ، واما لزوم المغايرة بالكلية والجزئية فهو غير ظاهر أيضا إذ هو انما يتم لو أخذ الجزء بشرط لا لا ما لو أخذ لا بشرط فان الجزء لا بشرط عين الكل وقد صرح في الفصول أيضا باعتبار لا بشرط في الجزء المحمول. نعم يمكن الإشكال عليه بأنه يكفي في صحة الحمل بين المتغايرين ملاحظة كل منهما لا بشرط ولا يحتاج إلى ملاحظة التركيب في الموضوع الراجع إلى ملاحظته بشرط الآخر مثلا كل من زيد وعمرو إذا كان بشرط لا الاعتباري امتنع حمله على الآخر لمباينته له خارجا وإذا لوحظ كل منهما مع الآخر صح الحمل بينهما لتحقق الاتحاد إذ زيد وعمرو عمرو وزيد بالضرورة فإذا لوحظ أحدهما لا بشرط صح حمله على الآخر بشرط كما ذكره في الفصول وتقدم في كلام الشيخ الرئيس لأن بشرط شيء أخص من لا بشرط وصحة حمل الأخص تستدعي صحة حمل الأعم في الجملة ولازم ذلك جواز حمل كل منهما على الآخر أيضا لو أخذا

١٣٤

بل يكون لحاظ ذلك مخلا لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية ، ومن الواضح أن ملاك الحمل لحاظ بنحو الاتحاد بين الموضوع والمحمول مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعات بل لا يلحظ في طرفها الا نفس معانيها كما هو الحال في طرف المحمولات ولا يكون حملها عليها إلا بملاحظة ما هما عليه من نحو من الاتحاد مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار ، فانقدح بذلك فساد ما جعله في الفصول تحقيقا للمقام ، وفي كلامه موارد للنظر تظهر بالتأمل وإمعان النّظر

______________________________________________________

معاً لا بشرط والمتحصل من ذلك ان صحة حمل أحد المتغايرين على الآخر تتوقف على عدم اعتبار أحدهما بشرط لا لا غير ، ثم انه ينبغي ان يراد من المتغايرين في الخارج ما يعم مثل زيد وعمرو ومثل نقطتين من خط واحد فانه لا يجوز حمل إحداهما على الأخرى الا مع عدم ملاحظتهما بشرط لا والله سبحانه اعلم (١) (قوله : لاستلزامه المغايرة) يعنى والمغايرة كذلك مانعة من صحة الحمل (٢) (قوله : بنحو الاتحاد) يعني في الظرف الّذي يكون الحمل بالقياس إليه من ذهن أو خارج كما في الفصول (٣) (قوله : لحاظ ذلك) يعني ملاحظة المجموع امراً واحداً (٤) (قوله : في التحديدات) يعني التعريفات مثل الإنسان حيوان ناطق (٥) (قوله : في طرف) متعلق بلحاظ (٦) (قوله : المحمولات) يعني مع اعتراف الفصول بعدم ملاحظة التركيب فيها (٧) (قوله : موارد للنظر) لعل (أحدها) جعله الناطق والحساس من قبيل المتغايرين اعتبارا المتحدين حقيقة مع ان التغاير بينهما بحسب المفهوم فتأمل (وثانيها) جعله حمل كل واحد من الاجزاء على الكل من الحمل بين المتغايرين حقيقة المتحدين اعتبارا مع أنهما من المتحدين حقيقة أيضا بالتقريب الّذي ذكره (وثالثها) دعواه كون الإنسان مركبا من البدن والنّفس وقد قيل انه لم يتوهمه أحد فتأمل (ورابعها) ما يظهر من كلامه من عدم الفرق بين الجسم والبدن ، وبين النّفس والناطق ، إلّا باعتبار لا بشرط ، وبشرط لا مع أن الأوليين أعم من الآخرين مفهوما فتأمل.

١٣٥

(الرابع) لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوماً وان اتحدا عينا وخارجا فصدق الصفات مثل العالم والقادر والرحيم والكريم ... إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال عليه تعالى على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته يكون على الحقيقة فان المبدأ فيها وان كان عين ذاته تعالى خارجاً إلّا انه غير ذاته تعالى مفهوماً (ومنه) قد انقدح ما في الفصول من الالتزام بالنقل أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ـ بناء على الحق من العينية ـ لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوماً ولا اتفاق على اعتبار غيرها ان لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره كما لا يخفى وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادئ الصفات

______________________________________________________

(التنبيه الرابع)

(١) (قوله : في كفاية مغايرة) يعني في صحة الجري. ثم الظاهر من كلمات الأشاعرة ابتناء اعتبار المغايرة خارجا بين المبدأ والذات على اعتبار قيام المبدأ في صدق المشتق فانهم استنتجوا أموراً منها زيادة الصفات على الذات فكان الأنسب جعل هذا التنبيه من متعلقات التنبيه الآتي ومما ذكرنا يظهر عدم تأتي دعوى الاتفاق على عدم اعتبار المغايرة عينا كما قد يشعر به قوله : ان لم نقل بحصول الاتفاق ... إلخ (٢) (قوله : من عينية صفاته) بحيث تكون ذاته المقدسة بما هي مصداق لكل واحدة من الصفات بلا تعدد ولو بالحيثية (٣) (قوله : المعتبرة بالاتفاق) قال في الفصول : إذ الظاهر إطباق الفريقين على ان المبدأ لا بد ان يكون مغايراً لذي المبدأ وانما اختلفوا في وجوب قيامه به وعدمه ، فالوجه التزام وقوع النقل في تلك الألفاظ بالنسبة إليه تعالى.

١٣٦

(الخامس) انه وقع الخلاف ـ بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة كما عرفت بين المبدأ وما يجري عليه المشتق ـ في اعتبار قيام المبدأ به في صدقه على نحو الحقيقة وقد استدل من قال بعدم الاعتبار بصدق الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ والتحقيق أنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولي الألباب في أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها من التلبس بالمبدإ بنحو خاص على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارة واختلاف الهيئات أخرى من القيام صدوراً أو حلولاً أو وقوعاً عليه أو فيه أو انتزاعه عنه مفهوماً مع اتحاده معه خارجاً كما في صفاته تعالى ـ على ما أشرنا إليه آنفاً ـ أو مع عدم تحققٍ الا للمنتزع عنه كما في الإضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها ولا يكون بحذائها في الخارج شيء وتكون من الخارج المحمول لا المحمول بالضميمة ، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايرا له تعالى مفهوماً وقائما به عيناً لكنه بنحو من القيام لا بأن يكون هناك اثنينية وكان ما بحذائه غير الذات بل بنحو الاتحاد والعينية وكان ما بحذائه عين الذات (وعدم) اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية (لا يضر) بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ولو بتأمل وتعمل من العقل (والعرف) إنما يكون مرجعاً في تعيين المفاهيم لا في تطبيقها على مصاديقها و (بالجملة) يكون مثل العالم والعادل وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره جارية عليهما بمفهوم واحدٍ ومعنى فارد وان اختلفا فما

______________________________________________________

(التنبيه الخامس)

(١) (قوله : اختلاف المواد) كضارب وجائع (٢) (قوله : واختلاف الهيئات) مثل ذاهب ومذهب وضارب ومضروب (٣) (قوله : في الإضافات والاعتبارات) كالزوجية والملكية (٤) (قوله : مثل هذا التلبس) يعني الّذي هو بنحو العينية

١٣٧

يعتبر في الجري من الاتحاد وكيفية التلبس بالمبدإ حيث انه بنحو العينية فيه تعالى وبنحو الحلول أو الصدور في غيره (فلا وجه) لما التزم به في الفصول من نقل الصفات الجارية عليه تعالى عما هي عليها من المعنى كما لا يخفى كيف ولو كانت بغير معانيها العامة جارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة لسان وألفاظ بلا معنى ، فان غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلا بما يقابلها ففي مثل ما إذا قلنا : انه تعالى عالم ، إما أن يعني أنه من ينكشف لديه الشيء فهو ذاك المعنى العام ، أو أنه مصداق لما يقابل ذاك المعنى فتعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وإما أن لا يعني شيئاً فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة وكونها بلا معنى كما لا يخفى (والعجب) أنه جعل ذلك علة لعدم صدقها في حق غيره وهو كما ترى وبالتأمل فيما ذكرنا ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين

______________________________________________________

فان عدم إحاطة العرف به الموجب لعدم تطبيق المشتق بلحاظ لا يقدح في كون التطبيق بلحاظه حقيقيا واقعاً لأن المعيار في الحقيقة كون الصدق ولو عقليا بلحاظ مفهوم اللفظ عرفا فالعرف مرجع في تحديد المفهوم لا في تحديد المصداق (١) (قوله : صرف لقلقة) هذا انما يلزم لو كان مراد الفصول التصرف في المادة بالنقل أو التجوز أما لو كان بالهيئة لا غير فلا يلزم ذلك ولا يظن من الفصول احتمال التصرف في المادة فضلا عن دعواه فلتلحظ عبارته السابقة (٢) (قوله : فهو ذلك المعنى العام) يعني فيكون حقيقة بلا نقل ولا تجوز لكن عرفت ان المراد من العالم مثلاً من ينكشف لديه الشيء انكشافا بعين ذاته لا بغيره كما هو المفهوم عرفا فلا يكون حقيقة (٣) (قوله : انه جعل) حيث قال بعد كلامه المتقدم : ولهذا لا تصدق في حق غيره ، لكن مراده انها لا تصدق في حق غيره بالنحو الّذي تصدق به في حقه سبحانه (٤) (قوله : كما ترى) يعني لوضوح انها تصدق في حق غيره أيضا

١٣٨

والمحاكمة بين الطرفين فتأمل

(السادس) الظاهر أنه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة التلبس بالمبدإ حقيقة وبلا واسطة في العروض كما في الماء الجاري ، بل يكفي التلبس به ولو مجازا ومع هذه الواسطة كما في الميزاب الجاري فإسناد الجريان إلى الميزاب وان كان إسناداً إلى غير ما هو له وبالمجاز إلا أنه في الإسناد لا في الكلمة ، فالمشتق في مثل المثال بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي وان كان مبدؤه مسندا إلى الميزاب بالإسناد المجازي ولا منافاة بينهما أصلا كما لا يخفى ، ولكن ظاهر الفصول بل صريحه اعتبار الإسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة

______________________________________________________

(التنبيه السادس)

(١) (قوله : والمحاكمة بين) يعني إن أراد من يدعي اعتبار قيام المبدأ بالذات ما يعم القيام بنحو العينية فهو في محله وإن أراد ما لا يعمه ففيه المنع (٢) (قوله : لا يعتبر في صدق المشتق) لفظ المشتق تارة يستعمل في المفهوم وأخرى في المصداق كقولك جاءني عالم تريد زيداً (والأول) تارة يكون موضوعا كقولنا العالم من تلبس بالعلم وأخرى محمولا كما يقال زيد عالم ثم إن الذات المجرى عليها المشتق في الأول والمحمول عليها في الثاني ان كانت متلبسة بالمبدإ حقيقة فلا إشكال في كون استعمال المشتق حقيقة وان لم تكن متلبسة به حقيقة فإجراء المشتق أو حمله عليها بماله من المعنى الحقيقي لا يمكن ان يكون حقيقة بل لا بد من التصرف في لفظه بأن يراد منه معنى مجازي أو في اسناده بادعاء كون الذات مصداقا لمفهومه كما يراه السكاكي في باب الاستعارة وحينئذ فيصح أن يقال لا يعتبر في استعمال لفظ المشتق حقيقة تلبس الذات بالمبدإ حقيقة لإمكان استعماله حقيقة مع التصرف في جريه وحمله وهذا ظاهر جداً (٣) (قوله : في الميزاب الجاري) إذ الجريان ليس قائما بالميزاب بل بالماء لكن في كون الماء من الواسطة في العروض تأملا عرفته سابقا (قوله : ولا منافاة)

١٣٩

وكأنه من باب الخلط بين المجاز في الإسناد والمجاز في الكلمة. قد انتهى هاهنا محل الكلام بين الأعلام والحمد لله وهو خير ختام

المقصد الأول في الأوامر

وفيه فصول (الأول) فيما يتعلق بمادة الأمر من الجهات وهي عديدة (الأولى) أنه قد ذكر للفظ الأمر معاني متعددة ، منها (الطلب) كما يقال : أمره بكذا ، ومنها «الشأن» كما يقال : شغله أمر كذا ، ومنها «الفعل» كما في قوله تعالى : (وما أمر فرعون برشيد) ومنها «الفعل العجيب» كما في قوله تعالى : «فلما جاء أمرنا» ومنها «الشيء» كما تقول : رأيت اليوم أمراً عجيباً ، ومنها «الحادثة» ومنها «الغرض» كما تقول : جاء زيد لأمر كذا ، ولا يخفى أن عدَّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم

______________________________________________________

(١) إذ قد عرفت ان الاستعارة عند السكاكي من هذا القبيل (٢) (قوله : وكأنه من باب الخلط) هذا يتم لو أراد الفصول من صدق المشتق استعمال لفظه اما لو أراد حمله وجريه كما هو الظاهر منه فلا إشكال عليه ولا خلط منه بل ينبغي توجه الإشكال على المصنف (ره) حيث صدَّر العنوان بقوله : لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات ... إلخ فان التزامه (ره) بكون التجوز في الإسناد في المثال المذكور لا في الكلمة التزام منه باعتبار التلبس حقيقة في كون الجري حقيقة فلاحظ والحمد لله رب العالمين كما هو أهله

(المقصد الأول في الأوامر)

(٣) (قوله : منها الطلب) الطلب عرفا هو السعي نحو الشيء كما يظهر من ملاحظة موارد استعماله مثل طلب الماء والغريم والضالة ، وقوله عليه‌السلام اطلبوا العلم ولو بالصين ، ونحوها قول الشريف الرضي (ره):

١٤٠