منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

الطلب الناشئ عن ارادة لم تكن تلك الارادة تامة بل كانت ناقصة اتضح لك فساد ما ربما يتوهم من عدم معقولية الطلب لكل من الضدين طلبا مشوبا بالترخيص ولعل منشأ هذا التوهم هو انه لا يعقل انشاء ارادتين فعليتين متعلقتين بالضدين كما لا يعقل ذلك فى الارادة التكوينية والحاصل ان الارادة التشريعية كالارادة التكوينية فكما لا يعقل تعلقها بالضدين كذلك لا يعقل تعلق الارادة التشريعية بهما ولكن لا يخفى انه فرق بين الارادتين فان الارادة التكوينية لا يعقل تعلقها بشيئين متضادين لان الارادة التكوينية بالنسبة الى المراد علة تامة لحصوله والعلة التامة يستحيل تعلقها بشيئين متضادين إذ لو صح ذلك لصح اجتماع المتضادين في الخارج وهو محال بخلاف الارادة التشريعية بالنسبة الى المراد كما فى المقام فانها بالنسبة اليه من قبيل المقتضي لحصوله فاذا حكم العقل بالامتثال والطاعة وجب عليه امتثاله واذا تعذر لاجل اقتضائه التكليف بما لا يطاق سقط امتثاله من جميع الوجوه ان تعذر من جميع الوجوه وإلّا اي وان لم يتعذر من جميع الوجوه بل من وجه واحد سقط امتثاله من ذلك الوجه وبقي له جهة اقتضاء من غير ذلك الوجه فيحصل من هذا تكليف ناقص لكونه ناشئا عن ارادة ناقصة فيحكم العقل بامتثاله على هذا النحو من التكليف فالفرق بين الارادتين اوضح من ان يخفى اذا عرفت ما ذكرنا لك من معنى التخييري الذي هو صريح عبارة بعض المحققين من غير فرق بين المقام وغيره فاعلم ان في معنى التخييري اوجها بل اقوالا أخر لا بأس بالاشارة اليها وما فيها احدها ان الواجب في الواجب التخييري هو القدر الجامع بين الافراد ولم يكن تكليفان بل تكليف واحد تعلق بذلك القدر الجامع وفيه انه مسلم فيما لو كانت الافراد من سنخ واحد واما لو كانت من

٨١

سنخيين كان يكون احدهما من سنخ الوجود والآخر من سنخ العدم فالظاهر انه لا جامع بين السنخين فكيف يتصور قدر جامع فى البين لكي يتعلق به التكليف ثانيها الواجب فى الواجب التخييري هو احد الافراد لا على التعين فيكون الترك في كل واحد منهما فى حال ترك الآخر منهيا عنه وتركه في حال وجود الآخر غير منهي عنه وفيه انه ان كان المراد من التكليف على نحو يكون تمام الوجود بمعنى ان يكون حافظا لجميع انحاء تروكه فقد عرفت انه يستحيل بالنسبة الى الضدين وان كان المراد من التكليف اتمام الوجود الذي هو عبارة عن المحافظة عليه من انحاء تروكه من غير ناحية ضده فيكون حينئذ طلبا ناقصا فيرجع الى ما حققناه وثالثها انه لما كان توجه التكليف بكل من الضدين محالا فلا بد من سقوطه فى احدهما واعتباره فى الآخر من دون تعيين فى ذلك وفيه ان الباقي بلا خصوصية مستحيل لان كل شيء ما لم يكن مع خصوصية ومع تشخص لا يعقل وجوده في الخارج. نعم يتعقل ذلك بالنسبة الى الوجود الذهني فان الذهن يتصور الكليات معراة عن الخصوصيات والجزئيات غير المعراة عن الخصوصيات ومن ذلك ظهرا وسعية الذهن من الخارج فان الخارج لا يكون إلّا ظرفا للجزئيات والذهن يكون ظرفا للجزئيات والكليات فان قلت هذا مناف لما ذكره الاستاذ قدس‌سره في غير هذا المقام من ان الحجتين المتعارضتين يبنى فيها على اعتبار احدهما وسقوط الآخر مع عدم التعين وينفى الاحتمال الثالث الخارج عن مؤدي الحجتين لاعتبار احدهما قلت اولا ان الاحتمال الثالث منفي ويستند نفيه الى كليهما لا لأحدهما لأن التعارض وقع بين المدلول المطابقي للخبرين وبالنسبة الى المدلول الالتزامي الذي هو خارج عن مؤدي الخبرين فلا تعارض إذ كل واحد منهما ينفيه كما لا يخفى

٨٢

وثانيا فرق بين مقامنا وبين مسألة الحجية فان مسألة الحجية من الامور التي تلحق الشيء باعتبار ان يكون ظرف لحاظه الذهن ومقامنا من الامور التي يكون ظرفها الخارج لأنه تكليف وصادر من المولى الباعث على ايجاد متعلقه في الخارج ولا يعقل وجوده في الخارج بغير الخصوصية لأن ما لم يتشخص لم يوجد بخلاف ذلك لما عرفت منا سابقا من اوسعية الذهن فى الخارج فيجوز تعزية الملحوظ عن الخصوصيات كتصور الكليات مثلا فيبطل حينئذ جميع الاقوال فى الواجب التخييري الا ما حققناه وملخصه انه ان كان تعلق التكليف بكل من الضدين ناقصا وكان لهما ثالث فالضد الثالث ينفى بكل منهما ولم يكن مانع من تعلق التكليف بالضدين الا ما يتوهم من امتناعه وقد عرفت امكانه إذ لا محذور فى تعلقه بهما واضعف من هذا التوهم توهم ان في تعلق التكليف بهما يرجع الى الامر بشيء والنهي عنه وقد عرفت ان ذلك يلزم لو كان المراد من الامر المطلق التام الذي هو عبارة عن كونه حافظا لجميع انحاء تروكه وسادا لجميع انحاء انعدامه المعبر عنه بتمام الوجود فانه على هذا التقدير يكون الامر بشيء يقتضي ايجاده وحفظه عن جميع تروكه حتى حفظه عن الترك المستند الى وجود الضد فلو امر بالضد كان مقتضاه النهي عن جميع تروكه ومن جملة تروكه ما كان ناشئا عن وجود ضده الذي كان مطلوبا فيكون منهيا عنه بخلاف ما نحن فيه من كون التكليف ناقصا فلم يكن الامر بذلك الضد مقتضيا لنهي الترك الناشئ عن ذلك الضد الآخر فلا يكون منهيا عنه بل صرف انه مأمور به. نعم فى الضدين الذين لا ثالث لهما لا يعقل تعلق التكليف بهما مطلقا اما تاما فقد ظهر امتناعه في الضدين الذي لهما ثالث فهنا بالطريق الاولى واما ناقصا فان التكليف بشيء شرطه

٨٣

أن يكون المكلف مختارا فى فعله وليس ذلك فيهما كالحركة والسكون إذ مع عدم احدهما يكون المكلف متلبسا بالآخر قهرا فلا معنى لتوجه التكليف بهما بل هما كالنقيضين فتلخص من جميع ما ذكرنا عدم معقولية التكليف الناقص الى الضدين الذين لا ثالث لهما وعدم صحة توجه التكليف التام الى الضدين اللذين لهما ثالث ومعقولية توجه التكليف الناقص الى الضدين اللذين لهما ثالث بالتوجيه المتقدم.

(الترتب)

ثم انك قد عرفت مما ذكرنا ان الامر بالشىء لا يقتضى النهى عن ضده الخاص وبعد الفراغ من هذه الجهة فقد وقع الكلام والبحث فى ان الامر بالشىء هل يوجب سقوط الامر بضده لو كان مهما كالامر بازالة النجاسة عن المسجد فانه يوجب سقوط الامر بالصلاة المزاحمة مع الازالة ام لا يقتضى سقوط الامر بالمهم قولان قيل بالاول لرجوعه الى الامر بالضدين فى عرض واحد في زمان واحد وذلك بديهي البطلان وعليه يبنى بطلان الترتب وهو ان يكون الامر بالصلاة مشروطا بعصيان الازالة بناء على جواز الشرط المتأخر او العزم على العصيان بناء على بطلانه لاستلزام جوازه استحالة الامر بالضدين فى عرض واحد في زمان واحد قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه (ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد آت فى طلبهما كذلك فانه وان لم يكن فى مرتبة طلب الاهم اجتماع طلبهما إلّا انه كان في مرتبة الاهم الامر بغيره اجتماعهما بداهة فعلية الامر بالاهم في هذه المرتبة (١) توضيح ذلك هو

__________________

(١) قال بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف ان طلب الضدين انما يكون مستلزما لطلب الجمع بينهما اذا كان المطلوب من المكلف ، صرف القدرة في إحداهما

٨٤

ان الضدين لما كان بينهما تمانع. بحسب الوجود في زمان واحد لذا قدرة

__________________

في ظرف صرف قدرته فى الآخر فان مرجعه الى ان صرف القدرة في كل منهما غير مقدور لانه عبارة اخرى عن الجمع بينهما اما اذا كان طلب احدهما وهو المهم معلقا على عدم الاتيان بالآخر وهو الاهم كان ذلك عبارة اخرى عن ان المهم لا يكون مطلوبا في ظرف صرف القدرة في الاهم بل انما يكون مطلوبا في ظرف عدم صرف القدرة في الاهم كما ان طلب الاهم وان كان متحققا في ظرف طلب المهم إلّا انه لما لم يكن صرف القدرة في المهم لازما بقول مطلق لم يلزم منه الا لزوم صرف القدرة في الاهم في ظرف القدرة على المهم وعدم الاتيان في الاهم وذلك لا ضير فيه اذ لم يكن صرف القدرة في المهم وعدم الاتيان بالاهم لازما في نظر الشارع وبالجملة ان طلب الاهم لا يزاحم موضوعه وهو عدم الاتيان بالاهم وصرف القدرة في المهم وبعبارة اوضح ان مرجع طلب الضدين الى طلب صرف القدرة في كل منهما عند صرفها في الآخر فيكون ممتنعا لكونه من طلب الجمع بين الضدين وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل اذ اقصى ما فيه انه في ظرف صرف القدرة في احدهما وهو المهم يكون المكلف مأمورا بصرف القدرة في الآخر وهو الاهم وهو لا محذور فيه مع عدم العكس بل اغلب الواجبات من هذا القبيل فان كل من اشتغل بعمل غير مطلوب منه وكان المطلوب منه عملا آخر يطلب منه صرف القدرة في العمل الآخر المطلوب في ظرف صرف المقدورية في العمل الذي اشتغل به ونظير ما نحن فيه التخيير الشرعي بناء على ان كل فرد قد تعلق به الامر بمعنى انه يجب ان تصرف قدرتك في الفرد عند عدم صرفها في الفرد الآخر وان كان فرق بين ما نحن فيه والتخيير الشرعي عن حيث انه على الاخير هذا المعني اي لزوم صرف القدرة في احدهما في ظرف عدم صرفها في الآخر متحقق في جميع اطراف التخيير بخلاف

٨٥

المكلف لم تسع الا تعلقها بأحدهما والقدرة في متعلق الامر معتبرة فمع فرض كون احدهما المعين اهم قد تعلق به امر المولى فيجب على المكلف صرف القدرة فيه بالخصوص لكي يجري على مقتضى امره وذلك يستلزم الجري على خلاف مقتضى الآخر اذ لا يعقل ان يكون فيه انبعاث نحو متعلقه مع تحقق الانبعاث نحو الاهم فلو تحقق امر في حين انبعاث الامر نحو الاهم لزم تحققه من دون

__________________

ما نحن فيه فان هذا المعنى متحقق في طرف المهم فقط وبالجملة طلب صرف القدرة ـ في كل من الفعلين في ظرف صرفها في الآخر وبالعكس يكون مستلزما لطلب الجمع بين الضدين اما طلب صرفها في احدهما عند عدم صرفها في الآخر وبالعكس فانه لا ضير فيه ولا يرجع الى طلب الجمع بين الضدين وهو الواجب التخييري المسلم عند الجميع لا يقال اذا كان الامر الثاني معلقا على عصيان الآمر الأول فان كان المراد به العصيان الخارجي فهو موقوف على مدة تسع الاهم ولم يفعله فيها ليتحقق فيها العصيان وهو خلاف الفرض حيث ان القرض ان الزمان لا يسع إلّا احدهما وان كان المراد انه يعصي فيما بعد بأن الشرط هو العنوان المنتزع من المعصية المتأخرة كان العلم بتحقق ذلك العنوان متوقفا على انقضاء المدة فيكشف للمكلف انه كان واجدا لذلك العنوان وقبل انكشاف ذلك لا يكاد يتأتى منه نية التقرب بالنسبة الى المهم لانا نقول انه اذا كان عازما على العصيان وعدم الاتيان بالاهم كان ذلك عبارة اخرى عن كونه عالما بانطباق ذلك العنوان عليه لا انا نقول ان الشرط هو العزم على العصيان بل نقول ان الشرط هو العنوان المنتزع من العصيان فيما بعد وان العزم على العصيان يكون كاشفا للمكلف بحسب قطعه بعدم الاتيان بالاهم انه واجد لذلك العنوان واذا قطع بكونه واجدا لذلك العنوان حصل له القطع بتوجه الامر بالمهم اليه وحينئذ يتمكن من ايجاد ذلك بنية التقرب كما لا يخفى

٨٦

المعين وقد تعلق الامر به فيلزم صرف قدرة المكلف به بالخصوص ويجب ان يجري المكلف على مقتضى ذلك الامر ولازمه الجرى على خلاف مقتضى الآخر لعدم تحقق الانبعاث نحو الامر بالاهم فلو تحقق الامر حينئذ يلزم تحققه من دون انبعاث اذ لا يعقل تحقق الانبعاث نحو الضدين في آن واحد ودعوى تحقق الامر بالمهم فى ظرف عصيان الامر بالاهم ينحو الشرط المتأخر او العزم علي المعصية بنحو الشرط المقارن ممنوعة اذ فى ذلك الظرف لم يسقط الامر بالاهم وحينئذ يكون من الامر بالضدين في عرض واحد في آن واحد وهو غير معقول للزوم الامر بالجمع بين الضدين مع ما بينهما من المطاردة والمعاندة في الوجود فلا تصح العبادة حينئذ بناء على احتياجها الى قصد الامر كما يقوله الشيخ البهائي (قدس‌سره) وعدم كفاية قصد الامر المتوجه الى الطبيعة كما ينسب الى بعض المحققين إلّا ان بعض من تأخر صحح العبادة بالامر الترتبي بدعوى ان الامر المتوجه الى المهم لا يزاحم الامر بالاهم وليس ذلك من استحالة الامر بالضدين فى عرض واحد لعدم كونهما في عرض واحد فان الامر بالمهم في طول الامر بالاهم وليس في عرضه وهو الحق وبيان ذلك يتوقف على ذكر امور. الاول ان الاهم مع المهم من باب التزاحم الذي هو عبارة عن ان لكل من الاهم والمهم ملاكا ومصلحة لا يكون من باب التعارض الذي هو عبارة عن تكاذب الخطابين فى اصل الاقتضاء زائدا على اصل الفعلية والفرق بين باب التزاحم والتعارض ظاهر من حيث الترجيح ومن حيث الحكم اما الترجيح في باب التزاحم فهو باقوى الملاكين فيؤخذ باقواهما ولو كان اضعف سندا وفي التعارض يؤخذ بالاقوى سندا واما من حيثية الحكم فالعقل هو الحاكم في باب التزاحم

٨٧

بانه مع تساوي الملاكين يحكم بالتخيير ومع اقوائيتهما يحكم بتعيين الاخذ به وفي التعارض العقل منعزل عن الحكم بالتخيير وانما يحكم بالتساقط واما التخيير فمرجعه الى الشرع وهو يحكم به بين الحجيتين لو لم يكن احدهما اقوى سندا. الثاني ان التزاحم تارة يكون بين المقتضيين الذي هو عبارة عن وجود ملاكين متضادين فى شىء واحد واخرى يكون بين الحكمين الذي هو عبارة عن امكان جعل كل على موضوع خاص والتزاحم نشأ من عدم قدرة المكلف والذي هو محل الكلام في المقام هو التزاحم بين الحكمين فانه بعد امكان جعل كل حكم على موضوع خاص إلّا انه لما لم يمكن امتثالهما لذا لا بد من ترك احدهما لعدم القدرة على امتثالهما لا من جهة الملاك (١) كما لا يخفى.

__________________

(١) بل ربما يقال ان تزاحم المقتضيين ليس من تزاحم الحكمين اذ مع تساويهما ينشأ حكم تخييري على طبقهما ومع اقوائية احدهما فبعد الكسر والانكسار ينشأ حكم على طبق الملاكين وكيف كان فقد ذكر بعض الاساطين لمرجحات باب التزاحم امورا الأول تقديم ما ليس له بدل على ماله بدل من غير فرق بين كون البدل عرضيا كما اذا كان المال لا يفي باداء الدين واطعام ستين مسكينا اذا كان عليه دين وكفارة مخيرة بين الخصال الثلاث او طوليا كما اذا كان الماء لا يكفي للوضوء او الغسل مع ازالة الخبث عن ثوب المصلي او بدنه لحكم العقل بذلك لأن بالتقديم يدرك كلا الواجبين ولو كان درك احدهما ببدله بخلاف ما لو قدم ما له بدل كما لو صرف الماء فى الوضوء او الغسل فانه يوجب ترك الواجب الآخر الذي هو ازالة الخبث عن الثوب او البدن بالمرة ومن ذلك يعلم وجه تقديم الواجب المضيق على الموسع فان الموسع له بدل دون المضيق الثاني تقديم ما ليس مقيدا بلسان الدليل على

٨٨

الامر الثالث : ان الارادة الشرعية تارة تكون تامة بمعنى ان المولى

__________________

فان الموسع له بدل دون المضيق الثاني تقديم ما ليس مقيدا على ما قيد به لدخل التقييد المأخوذ في لسان الدليل فى الملاك فما ليس بمقيد فيه ملاكه غير مقيد فوجوبه يتبع الملاك فتقديم الواجب المطلق من حيث القدرة يوجب رفع الموضوع المقيد بالقدرة الشرعية لاعتبارها فى موضوعه فلو بقى الوجوب حينئذ بقي بلا ملاك. الثالث : الاهمية ملاك احد الواجبين لقبح ترجيح المرجوح على الراجح الرابع ـ تقديم ما هو متقدم زمانا فان العقل يحكم بوجوب صرف القدرة بإتيان المتقدم مع فعلية خطابه كما في الواجبين المتزاحمين اذا كان بينهما ترتب طولي بحسب الزمان مثلا لو تمكن من القيام في احدى ركعات صلاته فانه يجب عليه القيام في الركعة الاولى من صلاته لما عرفت من ان العقل حاكم بوجوب صرف القدرة في ما هو مقدم زمانا وحينئذ يوجب التعجيز عن الاتيان بالواجب المتأخر فيكون غير مقدور لو لم يكن احدهما اهم لان الخطاب بالنسبة الى الاول فعلي مع تحقق القدرة عليه فيجب امتثاله وبامتثاله يوجب العجز عن امتثال الخطاب الثاني مع فرض امكان الجمع بينهما واما لو كان احدهما اهم فيجب حفظ القدرة للواجب المتأخر لو كان اهم واما بالنسبة الى المهم فهل يجري الامر الترتبي ام لا ادعى بعض الاساطين عدم جريانه لان موضوعه العصيان وحينئذ ان كان المراد منه عصيان الواجب المتأخر فلا يتم الايتاء على الشرط المتأخر او الواجب المعلق للذين لا نقول بهما وان كان خطاب احفظ قدرتك فيلزم منه اما طلب الحاصل او طلب الممتنع لأن عصيان حفظ القدرة لا يمكن إلّا بصرفها في المهم فيلزم طلب الحاصل او بغير المهم فهو من طلب الممتنع وهكذا الكلام في المرجح الثاني فانه لم يجر فيه الترتب لأن فى ظرف عصيان الامر المشروط بالقدرة العقلية لا ملاك لما هو مشروط بالقدرة الشرعية فمع عدم وجود الملاك لا يتحقق الامر الترتبي إلّا ان ذلك محل نظر

٨٩

يريد الفعل بنحو يسد ابواب انعدامه من جميع انحاء انعدامه ويطلق عليها ارادة مطلقة واخرى تكون ناقصة اي يريد سد ابواب انعدامه من غير ناحية انعدامه من وجود ضده الخاص وهذه هي التى تكون في الواجبات التخييرية فان اطلاق الامر فيها وان اقتضى الاول الا انا خرجنا عنه فى الواجبين المتزاحمين ودعوى سقوط الخطابين ويعد سقوطهما يحكم العقل بوجود خطاب تخييري بين المتزاحمين ممنوعة اذ لا موجب لرفع اليد عن الخطابين مع امكان الجمع العرفي برفع اطلاقهما اذ الضرورة تقدر بقدرها ولذا قلنا بالتخيير الشرعي بين الواجبين المتزاحمين المتساويين فان حقيقته هو التخيير بين امرين متباينين بما هما متباينان بخلاف التخيير العقلي الذي حقيقته ان يكون بين امور تندرج تحت جامع هو متعلق الامر وحيث لم يجد العقل تفاوتا بين تلك الامور فى ايجاد تلك الطبيعة المتعلقة للتكليف فيحكم العقل بالتخيير بينها اذا عرفت ذلك فاعلم ان المصلحة في احد الضدين لو كانت اهم بنظر الشارع كاهمية الازالة فى نظره مع الصلاة فى سعة الوقت فلا اشكال فى وجوب مراعاة الاهم لان التكليف بالاهم كان طاردا لكل ترك ناشئ من اي ضد كان حتى الترك الناشئ من وجود الصلاة والامر بالاهم مانع عن جميع انحاء تروكه ولا يجوز مخالفته ولو خالفه

__________________

اذ الاخير مبني على بطلان الشرط المتأخر والواجب المعلق كما ان الثاني لا وجه للترجيح به اذ الاتيان بالواجب المطلق تخصيص بلا مخصص وترجيح بلا مرجح مع ان المكلف قادر على اتيان كل واحد منهما منفردا فكل واحد منهما واجد للشرط شرعا وعقلا على ان القول باشتراط الوضوء بالقدرة الشرعية لمقابلته للتيمم محل نظر على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية.

٩٠

كان عاصيا ويعاقب على الترك وحينئذ يصح تعلق الأمر بالصلاة لكن تعلقه على نحو لا يكون منافيا لذلك الأمر حتى يقال بمنع تعلق التكليف بالضدين لان صدوره ممتنع او يقال بلزوم الامر بشىء والنهي عنه بل يكون تعلقه على نحو يجامع الامر المتعلق بالاهم ولا يناقضه بان كان الأمر بالاهم ناقصا وكان ظرف حدوثه عصيان ذلك الامر بالاهم نعم لو كان الامر بالمهم ايضا تاما وكان مثل الأمر المتعلق بالاهم صح ما ذكر من كونه من قبيل التكليف بالضدين وهو محال ، ومعنى التكليف الناقص هنا ان ترك الصلاة ناشئ من اضداد متعددة ، فالترك المستند الى غير فعل الإزالة منهي عنه. واما الترك المستند الى فعل الازالة غير منهي عنه فالأمر بالإزالة يجامع الأمر بالصلاة ولا ينافيه.

فان قلت ان نقيض الواحد واحد فنقيض الصلاة عدم الصلاة فاذا صارت الصلاة مأمورا بها لا بد وان يكون نقيضها منهيا عنه ومبغوضا ونقيضها امر واحد ولا يكون الترك منهيا عنه مع الأكل وغير منهي عنه مع الازالة إذ هو واحد فكيف يتصور فيه جهتان واذا كان غير مرخص فيه فيمتنع اجتماعه مع الامر المتعلق بالصلاة.

قلت مسلم ان عدم الصلاة نقيض الصلاة ولم يكن فيه جهة تعدد بل التعدد انما هو بحسب اضافته فان عدم الصلاة بالاضافة الى فعل الإزالة غير منهي عنه وبالاضافة الى فعل غير الازالة منهي عنه فالعدم المضاف الى فعل الازالة تحت اختيار العبد فانه له ترك الصلاة وفعل الإزالة.

وبالجملة لا اشكال في صحة مثل هذا التكليف المتعلق بالضدين إذ غاية ما يتوهم في هذا المقام انه يلزم مع توجه التكليف بالضدين التكليف بما لا يطاق إذ بين امتثال التكليفين تدافع لان موافقة هذا التكليف يمنع من موافقة الآخر وقد

٩١

عرفت مما ذكرنا سابقا فساد هذا التوهم إذ لا اشكال في صحة تعلق الأمر الذي هو حافظ لوجود الشىء بالاهم وتعلق الأمر بالمهم مشروط بعصيانه للأمر الأول او اتفاق عدم موافقة التكليف الأول اذ التكليف المتعلق بالإزالة لا يمانع الصلاة ولا يدافعها بل انما هو لو اطاعه ارتفع موضوع الأمر الثاني المتعلق بالمهم. نعم لو عصى الامر الاول لحصل بعصيانه له توجه تكليفين احدهما بلسان أزل والآخر بلسان ان لم تزل صل وليس بينهما تمانع ولا تنافي اصلا كما لا يخفى.

ان قلت ان المشروط بعد وجود الشرط يكون مطلقا اذ لو وجد الشرط صار مطلقا فيكون هناك تكليفان مطلقان يمتنع اجتماعهما للزوم التكليف عند ذلك بما لا يطاق وهو محال.

قلت التكليف بالصلاة دائما باق على مشروطيته ولا يخرج عن ذلك بعد ارادة فعل الازالة فانه لو بدا له فعل الإزالة وترك الصلاة جاز له ذلك وارتفع التكليف بالصلاة ثم انه يمكن تقريب جواز الترتب بوجه آخر وهو ان الامر بالاهم يحكم العقل بموافقته وحينئذ لو تحققت تكون تلك المخالفة ناشئة من هوى نفسه وشهوته وتكون رتبة المخالفة مع الموافقة واحدة لاتحاد الرتبة بين النقيضين فاذا رتب الشارع الامر بالصلاة على المخالفة المتأخرة عن الامر بالازالة بمرتبتين فمع الاختلاف بالمرتبة يرتفع استحالة تعلق الامر بالضدين وان شئت توضيح ذلك فاعلم ان الارادة التشريعية قد تعلقت بايجاد الازالة على نحو العلية بالنسبة الى المراد نظير الارادة التكوينية غاية الامر في الارادة التكوينية بنحو العلة التامة للمراد وفي الارادة التشريعية بنحو المقتضي للمراد فهى لا تؤثر الا مع انتفاء المانع ولازم ذلك ان تاثيرها يكون في رتبة سابقة على المراد ولا يعقل ان يكون تأثيرها في

٩٢

رتبته إذ هو في رتبة المعلول كما هو شأن جميع العلل مثلا فعل الازالة فى مرتبة المعلول بالنسبة الى الامر المتعلق بها ولا يعقل ان يكون تاثيره في حين الازالة وهكذا بالنسبة الى عدم الازالة فانه في مرتبة الازالة لاتحاد الرتبة بين النقيضين فيكون هذا العدم متاخرا عن الامر المتعلق بالازالة فلو كان عدم الازالة موضوعا للامر بالصلاة يكون الامر بالصلاة متأخرا عن الامر بالازالة بمرتبتين ومع الاختلاف بالمرتبة يرتفع استحالة الامر بالضدين حيث ان ذلك انما ينشأ مع الاتحاد في الرتبة ومع الاختلاف والطولية بينهما فلا محذور فى البين وعليه فلا مجال لدعوى عدم صحة الترتب للزوم اجتماع خطا بين في حال عصيان الامر بالاهم إذ لم يجتمع الخطابان فى مرتبة واحدة لما عرفت ان مرتبة الامر بالمهم متاخرة عن عصيان الأمر بالاهم تاخر الحكم عن موضوعه ومرتبة العصيان مع الاطاعة فى مرتبة واحد لكونها نقيضها والنقضان فى مرتبة واحدة ومن الواضح تاخر الاطاعة عن الامر تاخر المعلول عن علته فيكون الامر بالمهم متأخرا عن الامر بالاهم بمرتبتين. وبالجملة مناط الاستحالة اجتماع الخطابين في رتبة واحدة وان اختلفا زمانا كما لو وجه خطابه بصوم يوم الجمعة وصوم السبت وكان عاجزا عن صومهما او شرط صوم يوم السبت بمجىء عمرو مع العلم بمجيئه واما لو اختلفا رتبة بان لم يجتمعا في مرتبة واحدة فلا استحالة وان اتفقا زمانا كما في المقام فان خطاب المهم متاخر عن خطاب الاهم بمرتبتين فهو نظير خطاب الصوم مع الكفارة على من افطر عمدا فانه لا اشكال في صحة هذين الخطابين وان اتفقا زمانا فان الامر بالكفارة مقيد بعصيان الامر بالصوم ففى زمان واحد اجتمع الخطابان فى المثال ولم يكن بينهما تمانع وتنافي لما بينهما من الطولية بحسب الرتبة وبذلك ترتفع استحالة

٩٣

الامر بالجمع بين الضدين لاجل ذلك جوز الترتب جملة من الاساطين كالمحقق الثانى قدس‌سره وايده سيد الاساطين الميرزا الشيرازي قدس‌سره وتبعه جملة من اساتذة العصر رضوان الله عليهم ولذا سمي هذا البحث بالترتب لما بين الامرين من الترتب الطولي إلّا انه يمكن ان يقال بصحة الامر بالمهم مع الامر بالاهم مع كونهما في عرض واحد من دون ان يكون بينهما ترتب طولي وان كان تسمية ذلك بالترتب مسامحة ، إذ غائلة استحالة الجمع بين الضدين ترتفع مع حفظ الرتبة بين الامرين بتقريب ان عصيان كل واحد منهما في رتبة امتثاله لكونه نقيضه والنقيضان في مرتبة واحدة ولا اشكال في تاخر امتثال كل امر عن نفس الامر لكونه من علل امتثاله وهكذا عصيانه فاذا كان العصيان كالامتثال له تاخر عن الامر تاخر المعلول عن علته فلا يكون للامر حينئذ اطلاق بالنسبة الى مرتبة العصيان لا بالاطلاق اللحاظى لما عرفت ان الامر بالنسبة الى مرحلة ايجاد المتعلق من قبيل المقتضي ولازمه ان يكون من طرف ايجاد المتعلق من قبيل تحصيل الحاصل ومن جهة تركه من قبيل طلب النقيضين ولا بنتيجة الاطلاق او التقييد بان يكون الاطلاق او التقييد يستفاد من جعل آخر يسمى بمتمم الجعل فان ذلك يستلزم في التقييد تحصيل الحاصل او طلب الجمع بين النقيضين وفي الاطلاق يستلزم الجمع بين المحالين فينتج من ذلك ان الامر بالاهم ليس له نظر لظرف الامتثال والعصيان فلو تعلق الامر بالمهم في ذلك الظرف فلا يكون الامر بالاهم مطاردا له ولا يكون ذلك من طلب ما لا يطاق او الجمع بين الضدين وان شئت توضيح ذلك فلاحظ المتزاحمين المتساويين فان العقل يحكم بالتخيير بينهما من دون ان يكون كل واحد منهما مقيدا بعصيان الآخر وتركه لما عرفت ان عصيان كل

٩٤

مرتبة في رتبة اطاعته لاتحاد الرتبة بين النقيضين فلو قيد كل منهما بترك الآخر لزم ان يتاخر كل امر عن مرتبة اطاعته مع انه بديهى البطلان إذ الاطاعة عبارة عن الانبعاث والامر عبارة عن البعث ومن الواضح تاخر الانبعاث عن البعث تاخر المعلول عن علته وعليه التخير بين المتزاحمين ليس لاجل ذلك بل السر فى الحكم بالتخير بينهما هو ان الامر الناشئ عن ارادة لم تكن تامة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه مطلقا وانما هي ارادة ناقصة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه من غير ناحية عدمه في ظرف وجود ضده المزاحم له وبذلك يرتفع التمانع والتنافى بين الامرين لعدم المطاردة بينهما ولا يكونان حينئذ من باب التكليف بما لا يطاق او من الجمع بين الضدين فاذا عرفت حال المتزاحمين المتساويين فاعلم ان فيما اذا كان احدهما اهم والآخر المهم من ذلك القبيل لا يكون بين الامرين مطاردة وتمانع إذ الارادة المتعلق بالاهم والمهم لو كانت تامة لحصلت المطاردة والتمانع بين الامرين لكونهما نشأ كل واحد منهما من ارادة تامة فيكون من طلب الضدين اما اذا كانت الارادة المتعلقة بالمهم لم تكن تامة بل ناقصة بمعنى انها تسد ابواب انعدامه من غير ناحية وجود الاهم فليس للامر المهم تعرض لامر الاهم بل لو اتى بالاهم فالمهم غير مطلوب اصلا وبذلك يرتفع التنافي والتمانع والمطاردة بين الامرين من دون اعتبار ان يكون امر المهم مشروطا بعصيان امر الاهم. ودعوى ان المهم وان كان لا يطارد امر الاهم إلا ان امر الاهم يطارد امر المهم بمعنى ان امر الاهم يدعو الى ايجاد متعلقه في ظرف فعلية الامر بالمهم ويكفى في تحقق المطارد بين الامرين ولو من جانب واحد ممنوعة بان فى ذلك الظرف اى ظرف ايجاد الاهم ليس للامر بالمهم اقتضاء لكون امره ناشئا عن ارادة ناقصة وكيف يكون الامر

٩٥

بالاهم طاردا لمثل هذه الارادة الناقصة فلا مطاردة بينهما اذ كما رفعت المطاردة بنقصان الارادتين كما فى المتزاحمين المتساويين كذلك ترفع بنقصان احدى الارادتين كما لو كان احدهما مهما والآخر اهم فان الارادة التامة التى فى الاهم لا تزاحم الارادة الناقصة فى المهم.

فظهر مما ذكرنا ان ارادة كل واحد من الامرين فى عرض الآخر مع عدم التمانع بينهما من غير حاجة الى اشتراط امر المهم بعدم اتيان امر الاهم بل امر المهم لما كان ناشئا من ارادة ناقصة ارتفع التمانع والتنافى بين الامرين وبالجملة يحتاج رفع التنافي الى ارتكاب خلاف الظاهر اما باشتراط امر المهم بعدم اتيان الاهم او يرفع اليد عن ظهور الامر في التمامية ولا يبعد كون الظاهر هو الاخير. وعليه يبقى التمسك بالاطلاق لرفع الاشتراط ولازمه كون امر المهم مع امر الاهم فى رتبة واحدة وبالنسبة الى المطلوبية فى عرض واحد فلا طولية بينهما (١)

__________________

(١) يرد عليه ان كل واحد من الامرين فى المتزاحمين المتساويين وان لم يكن اخذ فى احدهما عدم اتيان متعلق الامر فى موضوع الآخر للمحذور المذكور إلّا انه من الممكن ان يؤخذ عدم احدهما بالخصوص فى موضوع الآخر كالمقام فان عدم الاتيان بالاهم قد اخذ موضوعا للامر بالمهم ولا محذور فيه اصلا على ان النقص او التمام في الارادة بالمعنى المذكور غير متصور لكونها من الكيفيات النفسانية فان الارادة الناشئة من الشوق المؤكد لا يفرق فيها بين ان يريد منها سد ابواب انعدام المتعلق مطلقا اي من جميع انحاء الانعدام او سد انعدامه من غير ناحية انعدامه من وجود ضده الخاص وبالجملة ان رجع سد ابواب انعدامه من غير انعدامه من ناحية ضده الى اشتراط الامر بالمهم بعصيان امر الاهم فهو وإلا فلا معنى محصل له فالعمدة في الجواب هو ما ذكر من الترتب الطولى وبه يرتفع محذور لزوم المحال

٩٦

هذا كله كان الكلام فى الأمر المتعلق بالأهم والمهم وكانا مضيقين. واما الكلام في الموسعين فهل يقتضي بقاء الامر المتوجه الى الضدين على الاطلاق ام

__________________

للقول بالترتب وهو فعلية الامر بالضدين في آن واحد إذ القائل بالترتب يقول بفعلية امر الاهم لصورة الاتيان بالمهم وصورة تركه ففي ظرف اتيان المهم يكون كلا الامرين فعليا ولازم ذلك الامر بالضدين في آن واحد ، ولكن لا يخفى ان المحذور في الحقيقة هو الجمع بين الضدين في آن واحد ولا الامر بالضدين في آن واحد فانه لا مانع منه اذا لم يستلزم الجمع بين الضدين فالقول بالترتب يقتضي عدم الجمع بينهما لانه عند اتيان الاهم لا امر للمهم لكى يزاحمه كما انه مع الاتيان بالمهم وان كان امر الاهم فعليا ايضا إلّا انه حسب الفرض مشروط بترك الاهم ففى هذا الظرف امر المهم يدعو الى اتيانه فى حال ترك الاهم فحينئذ كيف يكون داعيا الى الجمع بينهما فى آن واحد.

بيان ذلك ان احد الخطابين اما ان يكون رافعا لموضوع الآخر كما اذا لم يكن المال وافيا لاداء الدين والاستطاعة فلا اشكال فى ان خطاب أد الدين يرفع موضوع الحج الذى هو الاستطاعة ففى هذا الفرض لم يجتمع الخطابان لكى يكون من قبيل طلب الضدين واخرى يكون بامتثاله رافعا لموضوع الخطاب الآخر وحينئذ اما ان بقيد اطلاق كل واحد من الخطابين بعدم امتثال الآخر فلا اشكال فى وقوعه كالواجبات التخييرية واما ان تكون فعلية احدهما مقيدة بعصيان الآخر مع عدم تقييد الآخر كالمقام فان خطاب المهم مقيد بعصيان الاهم مع عدم تقييد خطاب الاهم بترك المهم بل كان من هذه الحيثية مطلقا ولا يخفى انه بذلك ارتفع محذور طلب الجمع بين الضدين إذ امر الاهم فى رتبة عصيانه ولو كان موجودا إلّا انه لا يدعو الى ايجاد متعلقه مع حفظ عصيانه بل يدعو الى هدم موضوع امر المهم

٩٧

لا بد من تصرف فى احد الامرين بالخصوص اذا كان اهم او التصرف بكليهما اذا كانا متساويين في المصلحة الظاهر هو الثاني لان مقتضى التوسعة التخيير فى جميع

__________________

وامتثال امر المهم يتوقف على وجوده وهو يتوقف على عصيان امر الاهم وبعبارة اوضح ان امر الاهم فى ظرف عصيان امره يدعو الى هدم موضوع امر المهم وامر المهم الى ايجاد متعلقه فى ظرف عدم الاتيان بالاهم فلا يكون من الجمع بين امرين متضادين بل لا يعقل ان يكون مثل هذين الامرين من طلب الجمع بين الضدين بل يمكن ان يقال بصورة قضية مانعة الجمع اما ممتثل لامر الاهم واما المهم مطلوب فيظهر ذلك ان امتثال الاهم مع مطلوبية المهم متنافيان على انه قد ذكرت فروع لا تصح إلّا بالامر الترتبي كمن حرم عليه قصد الاقامة لجهة من الجهات وعصى ونوى الاقامة وجب عليه الصوم كما انه يجب عليه اتمام الصلاة او كان قصد الاقامة واجبا وعصى ولم ينو الاقامة وجب عليه القصر كما ان بعض الفروع لا تصح لعدم مجىء الامر الترتبي كما لو كان احد التكليفين مشروطا بالقدرة العقلية والآخر بالقدرة الشرعية مثلا لو كان عنده ماء يكفى للوضوء او لرفع العطش عمن هو مشرف على الهلاك او كصرفه فى الوضوء او اعطائه للعيال الواجب النفقة فان المشروط بالقدرة العقلية يقدم على المشروط بالقدرة الشرعية وظاهر ان القدرة الشرعية لها دخل فى الملاك وحينئذ بالتقديم لا ملاك للمشروط بالقدرة الشرعية فلا يحدث الامر الترتبي لعدم تحقق الملاك ولذا لم يفت بعض الاساطين بصحة الوضوء فى الفرضين إلّا ان ذلك مبنى على اعتبار القدرة فى الوضوء شرعا المستفاد من اشتراط التيمم بفقدان الماء وعدم التمكن بقرينة المقابلة وان التفصيل قاطع للشركه وهو محل نظر اذ تقييد احد المتقابلين لا يوجب تقييد المقابل الآخر كما انه يكفى فى قطع الشركة عدم كون التكليف بالوضوء فى عرض التيمم بل يصح فى ظرف عصيان التيمم كما

٩٨

الوقت فيجوز له ترك المأمور به لأن الاول اذا أتي به في الزمان الثاني فالطلب بحسب ترك الفرد الأول من الوقت بعد ناقصا لجواز تركه فيه واتيانه فى الوقت الثاني فلا يقتضي المحافظة على اتيان متعلقه على الاطلاق واما هو بالنسبة الى غير هذه الافراد كالتكليف بالصلاة اليومية واتفق ان عليه صلاة الآيات فمقتضى الاخذ باطلاقه ان يكون مانعا من التشاغل بتلك الصلوات وان كان بالنسبة الى تلك الافراد تكليفا ناقصا وكذلك اطلاق تلك الصلوات يقتضى المنع من التشاغل من صلوات اليومية فتقع المزاحمة والمطاردة من الجانبين فلا بد من التصرف في احدهما اذا كان احدهما هو المهم وابقاء الآخر او فى كل واحد منهما اذا كانا متساويين كما رفعنا اليد من كل واحد منهما بالنسبة الى افرادهما وبالجملة يكون تخيير فى تخيير فله ترك صلاة اليومية في الجزء الاول اما بداعي اتيان تلك الصلاة اليومية فى الجزء الثاني من الوقت او بداعي اتيان صلاة الآيات في الجزء الثاني من الوقت ثم لا يخفى ان مقامنا لا يفرق فيه بين كون احدهما اهم او متساويين في الامرين الموسعين اذ غاية ما يقال انه يجب مراعاة الاهم ويجب تقديمه على المهم وفي مقامنا لا يلزم ذلك

__________________

انه يمكن ان دعوى الفروع المذكورة لا دخل لها بالامر الترتبي فانه انما يجري فيما يكون التضاد بين متعلقي التكليف سابقا عليه كالازالة وفعل الصلاة واما لو كان التضاد ناشئا من تقييد احد الطلبين بعدم الآخر كما في الفروع المذكورة فلا محالة تقع المعارضة بين دليلهما فيرجع الى ادلة العلاج بين الدليلين. والحاصل ان محذور الامر بالجمع بين الضدين انما ياتى فيما لو كان التضاد ذاتيا سابقا على التكليف وحينئذ امكن النزاع في جريان الترتب بدعوى ارتفاع ذلك المحذور بنحو الأمر الترتبى. واما لو كان التضاد ناشئا من جعل الشارع فلا يكون من طلب الجمع بين الضدين فيرجع الى التعارض بين الدليلين كما لا يخفي.

٩٩

اذ المكلف في سعة من الوقت ويمكن الجمع بين الامرين فيه لو ترك الاهم واتى بالمهم ، فى اول الوقت ثم ياتي بالاهم في الثاني هذا كله فيما اذا كان الامران موسعين واما اذا كان احدهما مضيقا والآخر موسعا فلا اشكال في وجوب مراعاة المضيق وهو انه لو عصى فيبنى على الخلاف المتقدم في الترتب فإن قلنا بالترتب كما هو التحقيق يكون في الموسع امر فيأتي به بداعي هذا الأمر وان لم نقل بالترتب كان الفرد الذي هو مزاحم للمضيق خارجا عن حيز الأمر وخارجا عن الطلب ولكن هل يجوز الإتيان بهذا الفرد بداعي الأمر بالطبيعة قولان واحتمل الأستاذ جوازه قال ما لفظه (يمكن ان يقال انه حيث كان الأمر بها على حاله وان صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الاهم من افرادها من تحتها امكن ان يأتي بما زوحم منها بداعي ذلك الأمر فانه وان كان خارجا عن تحتها بما هي مأمور بها إلّا انه لما كان وافيا بغرضها كالباقى تحتها كان عقلا مثله فى الإتيان به في مقام الامتثال والاتيان به بداعي ذلك الأمر ... الخ) محل نظر إذ المراد من الداعوية في الاوامر في العبادات هي ما كانت داعية الى متعلقها فعلا وباعثة ومحركة نحو المطلوب وهذا انما يتم فى الامر المتعلق بالافراد واما الذي لم يتعلق بها الأمر لم يكن لذلك الامر المتعلق بذلك الفرد صلاحية لداعوية الفرد غير المتعلق به نعم انما يستقيم لو كان الامر في العبادات علة غائية يمكن ان يكون الفرد الذي لم يتعلق به الأمر مسقطا عما تعلق به الامر لكن الانصاف ان هذا المعنى لم يعتبر في داعوية الاوامر المتعلقة بالعبادات لظهور ان ذلك قد يتفق مع العصيان كما في مثل المقام وهذا لا يجوز ان يكون غرضا في الأوامر العبادية.

١٠٠