منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

فردت الشمس له حتى يتوجه اليه التكليف الادائي وربما يؤيد ذلك انه روى عنه انه قال ان الجلسة في الجامع خير من الجلسة في الجنة لان الجلسة فى الجنة فيها رضى نفسي وفي الجامع فيه رضى ربي. ثم لا يخفى انه وقع البحث فى الموقت من غير فرق بين كونه موسعا أو مضيقا في ان الامر المتعلق به هل يدل على لزوم الاتيان بالواجب فى خارج الوقت مع عدم الاتيان به في الوقت أم لا يجب الاتيان به في خارج الوقت بل يحتاج وجوب الاتيان به الى دليل آخر ومرجع ذلك الى أن القضاء بالأمر الاول أم بامر جديد قولان مبنيان على ان المستفاد من التكليف الادائي تعدد المطلوب بان يكون الشيء مطلوبا بنفسه والخصوصية مطلوبة بدال آخر أو ان المستفاد من ذلك التكليف شيء واحد ومطلوب فارد فيبقى ببقاء الوقت ويفوت بفواته فالاول يبنى على الاول والثاني يبنى على الثاني ، هذا كله لو لم يكن لوجوب القضاء دليل مستقل كمثل قوله عليه‌السلام (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت) فهل يستفاد منه وجوب آخر ثابت بهذا الدليل او يدل على ان نفس الواجب هو الاول وان ايجاده في الوقت واجب آخر غير اصل وجوبه ومرجع ذلك الى ان الدليل الدال على وجوب القضاء هل يدل على تعدد المطلوب أم لا ، وجهان تظهر الثمرة فيمن علم بفوائت كثيرة من الفوائت اليومية ولم يعلم مقدارها وهو يتصور على انحاء لأن الجاهل بمقدار الفوائت اما ان يكون منشأ جهله بزمان بلوغه وأما ان يكون منشأ جهله هو الجهل بمقدار الفوائت وان علم تاريخ البلوغ وعلى كلا التقديرين اما ان يكون شكه قد حدث من هذا الحين أو يكون في هذا الحين مسبوقا بشك في الوقت وقد غفل عنه فلم يلتفت اليه حتى مضى عليه برهة من الزمان على هذا الحال وهو لا يزال بشك ويغفل عن مراعات شكه

٦١

فيه فهذه صور اربعة الاولى ان يعلم تاريخ بلوغه ويشك في مقدار الفوائت ومع ذلك كان شكه مسبوقا بشك في الوقت ، الثانية ان يعلم تاريخ بلوغه ويشك فى كميتها إلّا انه لم يكن شكه مسبوقا بشك في الوقت بل حدث فى خارج الوقت ، الثالثة ان لا يعلم بتاريخ بلوغه وكان شكه مسبوقا بشك فى الوقت ، الرابعة ان لا يعلم بتاريخ بلوغه وكان شكه بتمامه حاصلا في خارج الوقت اما الصورة الاولى فالحكم فيها على قولين قول بالبراءة وقول بالاحتياط ويبنى الثاني على ان المستفاد من الامر الادائي تعدد المطلوب فحينئذ يلزمه الاحتياط للعلم بتوجه التكليف بالشيء وانما الشك فى الخروج عن عهدة التكليف وهو مجرى الاحتياط ودعوى ان الشك فى خارج الوقت لا يعتد به كما يستفاد من قوله عليه‌السلام فقد حال حائل مدفوعة بانه ينصرف الى حدوث الشك فى خارج الوقت ومبنى الاول على وحدة المطلوب فاذا استفدنا من التكليف الادائي وحدة المطلوب يصير التكليف بالنسبة الى القضاء شكا في التكليف فتجري البراءة ، وأما الصورة الثانية فقد عرفت ان الشك حاصل في خارج الوقت ومثله لا يعتد به وهكذا الصورة الرابعة فان الشك فيه ايضا حدث فى خارج الوقت ، واما الصورة الثالثة فالشك فيه انما هو بأزيد مما يعلمه من مقدار فوات الواجب فلا يجب عليه الا ما تيقن بفواته ولكن الاقوى ان الاولى كبقية الصور ولا يجري فيها التفصيل المتقدم. بيان ذلك انه على مقتضى تعدد المطلوب المستفاد من التكليف الادائي لا يكون الفرد القضائي من افراد المأمور به لأن تحقق فردية القضائي منوط بعصيان الفرد الادائي ومع هذه الاناطة لا يعقل اندراج هذا الفرد فى المأمور به لأنه لو فرض ورود تكليف في القضاء يكون تكليفا مستقلا لا يكشف عن تعدد المطلوب فى الامر الادائي وحينئذ لو شك في

٦٢

مقدار الفائت كان شكه راجعا الى الشك في التكليف بالقضاء وهو من موارد جريان البراءة ثم انه هل يمكن اثبات عنوان فوت الواجب لو شككنا فى فوته باستصحاب عدم الاتيان في الوقت ام لا وجهان مبنيان على ان الفوت الموجود في لسان الدليل امر وجودي أو عبارة عن عدم الاتيان به فى الوقت فعلى الاول لا تجري البراءة لكونها من الاصول المثبتة وعلى الثاني فلا مانع من جريانها.

(مسألة الضد)

الفصل السادس : في ان الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ام لا؟ وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم امور :

الاول : الظاهر ان هذه المسألة من المسائل العقلية وليست من المسائل اللفظية لأن البحث فيها ليس مختصا بصورة تحقق الامر من اللفظ بل مطلقا حتى ولو كان مستفادا من دليل لبى كالاجماع ونحوه فلذا يشكل عدها من مباحث الالفاظ إلا باعتبار ان الغالب من الادلة ان تكون لفظية.

الثاني : ان عد هذه المسألة من المسائل الاصولية لاشتمالها على ملاكها لكونها من القواعد الكلية الواقعة فى طريق الاحكام الكلية التي هي ملاك المسألة الأصولية وان امكن عدها من المبادي الاحكامية باعتبار ان البحث فيها يرجع الى ان الحكم فى احد المتلازمين يستلزم الحكم على الملازم الآخر فيكون البحث فيها عن عوارض الاحكام ، نعم لا وجه لعدها من المسائل الفقهية وان

٦٣

توهم اخذا بظاهر العنوان لعدم تحقق ملاكها على ما تقدم تفصيله في مقدمة الواجب

الثالث : ان الاقتضاء المأخوذ فى العنوان يراد به ما يعم الجزئية واللزوم والعينية بمعنى ان الامر بالشيء يدل على النهي عن الضد بالتضمن او بالالتزام او بالمطابقة لما هو معلوم ان عموم النزاع وخصوصه يتبع عموم الغرض وخصوصه ولا ينافي كون البحث في الاقتضاء في عالم الثبوت لان الاقتضاء في عالم الاثبات والدلالة انما هو من تبعات ذلك.

الرابع : ان المراد في الضد عند الاصوليين هو مطلق المعاند والمنافى الاعم من الوجودي والعدمي خلافا لاصطلاح اهل المعقول من ان المراد بالضد هو ما يكون التقابل بين الوجودين مع عدم التلازم بينهما بالتصور فلا يشمل تقابل الوجود والعدم كالسلب والايجاب او تقابل العدم والملكة او تقابل المتضايفين قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه : (المراد بالضد هاهنا هو مطلق المعاند والمنافى وجوديا كان او عدميا) إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في الضد يقع في مقامين ، المقام الاول في الضد الخاص (١).

__________________

(١) الأقوال فى مسألة الضد الخاص اربعة : الاول توقف وجود كل واحد من الضدين على عدم الآخر ، الثاني عدم كل واحد منهما على وجود الآخر الثالث التفصيل بين الضد الموجود وبين الضد المعدوم مثلا وجود الازالة تتوقف على عدم وجود الصلاة لو كانت الصلاة موجودة بان كان المكلف مشغولا بالصلاة ومع عدم اشتغاله بها لا يتوقف وجود الازالة على عدم الصلاة لعدم كون الصلاة مانعة من الازالة في ظرف عدمها ، الرابع عدم التوقف من الجانبين المشهور هو الاول باعتبار ان وجود الضد مانع عن الضد الآخر وعدم المانع من اجزاء العلة ولازم ذلك توقف وجود الضد على عدم الآخر توقف الشيء على عدم المانع

٦٤

فنقول اختلف الاصحاب في دلالة الامر بالشيء على النهي عن ضده مثلا

__________________

ولا توقف لعدم احدهما على وجود الآخر لعدم استناد العدم الى وجود الشيء لا يقال انه كما لا يعقل ان يستند العدم الى الوجود كذلك لا يعقل ان يستند الوجود الى العدم لانا نقول لا مانع من جعل العدم من شرائط الوجود بارجاعه الى كونه مصححا لفاعلية الفاعل او متمما لقابلية القابل والى ذلك يرجع جعل عدم المانع من اجزاء وجود الشيء وبهذا المعنى يستند الوجود الى العدم ولا يعقل جعل الوجود من شرائط العدم لعدم كونه صادرا من الفاعل او يتحقق فى مورد لكي يكون الوجود مصححا للفاعل او متمما للقابل. وعليه فعدم الضد انما يستند الى عدم المقتضي.

بيان ذلك ان العدم تارة يراد منه العدم الازلي واخرى العدم الطارئ اما العدم الازلي فلا ريب في تحققه لعدم مقتضيه ، واما الطارئ فهو انما يتحقق مع اشتغال المحل باحد الضدين فعدم الضد الآخر انما هو لعدم ارادته اذ لا يعقل ارادة الضد المعدوم مع تعلق الارادة بالضد الموجود وإلّا لزم ارادة الضدين وهو غير معقول. مثلا لو كان مشتغلا بالازالة فعدم الصلاة الذي هو عدم طارئ لا يعقل ان يستند الى وجود الازالة اذ وجودها موجب لعدم تعلق الارادة بالصلاة التي هي مقتضي لوجودها فعدم الصلاة لعدم مقتضيها. ودعوى ان كون الشيء مانعا يتحقق في ظرف وجود المقتضى فالرطوبة تكون مانعة لاحتراق الخشب مع تحقق النار المقتضية للاحراق إذ مع عدمها لا معنى لكون الرطوبة مانعة من الاحراق وعليه لا يكون الضد مانعا للضد الآخر إلا بتحقق مقتضيه ولا يعقل إلّا بتحقق المقتضي للضدين وهو غير معقول في غير محلها إذ اجزاء العلة التي هي المقتضي والشرط وعدم المانع في عرض واحد فعدم المعلول يستند الى عدم وجود المانع مع عدم فرض المقتضي. ودعوى ان حفظ الرتبة بين الضدين

٦٥

لو امر المولى عبده بازالة النجاسة عن المسجد فهل لهذا الامر دلالة على النهي عن الصلاة التي هي ضد خاص لها فيحرم ايقاعها حين الامر بالازالة. او لا؟ قولان استدل للاول باحد امرين : الاول ان ترك احد الضدين مقدمة لفعل ضده

__________________

يوجب منع مقدمية عدم احدهما لوجود الآخر إذ لا تقدم ولا تأخر بين الضدين بما هما ضدان فنقيض كل واحد منهما الذي هو لعدم البديل للوجود لا تقدم له على وجود الآخر. وبعبارة اخرى لو كان عدم احدهما مقدما على وجود الآخر لكان وجوده مقدما على وجود الآخر حفظا لوحدة الرتبة بين النقيضين ولازمه تقدم الشيء على نفسة وهو واضح البطلان ممنوعة إذ حفظ الرتبة بين الضدين لا يوجب حفظها بين عدم احدهما ووجود الآخر مع تحقق ملاك التقدم بالعلية او بالطبع اذ لا يسري ذلك الى نقيضه الذي هو بديله ولذا لا اشكال بتقدم العلة على المعلول ولا تقدم لها على عدمه كما ان المعلولين لهما معية بحسب الرتبة ولا معية مع عدمهما. وبالجملة نفي التقدم بين الضدين لا يوجب نفي تقدم عدم احدهما على وجود الآخر مع وجود ملاكه إلّا ان هذا لا يوجب القول بالمقدمية بنحو يسري الوجوب من ذيها الى المقدمة لعدم كون التقدم الرتبي موجبا لذلك وانما الموجب للسراية هو التقدم بالزمان.

وعليه يتجه الجواب عن المقدمية بتقريب ان المقارنة الزمانية محفوظة بين الضدين وذلك يقتضي حفظ المقارنة مع ما معه فى الزمان فاذا كان زمانا شيء متقدما على زمان الآخر فلا محالة ما معه فى الزمان متقدما فيتوجه حينئذ اشكال الدور وحاصله انه لو توقف وجود احد الضدين على عدم الآخر توقف عدمه على وجوده لحفظ الرتبة بين النقيضين فيلزم توقف الشيء على نفسه وهو محال فالقول بالمقدمية يلزم الدور فاذن الحق عدم التوقف من الجانبين.

٦٦

الآخر ومقدمة الواجب واجبة ، الثانى ان ترك احد الضدين ملازم لفعل ضده الآخر فاذا وجب فعل احد الضدين لزم الحكم بوجوب ترك الضد الآخر ، اما الامر الاول فبيانه هو انه لا اشكال فى ان وجود الضد مانع عن وجود الضد الآخر فاذا كان احد الضدين مانعا عن الآخر كان عدم احد الضدين شرطا فى وجود الآخر فيكون ترك احد الضدين مقدمة للآخر فاذا وجب احد الضدين وجبت مقدمته ايضا فيكون فعل الضد الذي هو مانع حراما وقد اجيب عنه بوجوه :

احدها : ان مقدمية ترك احدهما لم يكن ناشئا من مضادة احدهما للآخر بل المقدمية انما تنشأ من التمانع بين الضدين لا من جهة التضاد في الوجود بينهما إذ فرق واضح بين الضد والمانع ، فان الضد إنما يزاحم الضد الآخر فى الوجود ، والمانع انما يمنع من تأثير المقتضي ولو كان الضد من قبيل المانع لصح ما ذكر من المقدمية لكن المفروض ان الضد مانع عن ضده الآخر فى الوجود مثلا الرطوبة مانعة من تأثير النار في احتراق الخشب فتكون الرطوبة مزاحمة لتأثير اقتضاء النار فيه. بخلاف السواد بالنسبة الى البياض فانه مزاحم له في الوجود وهذا هو المسمى بالضد فعدمه حينئذ شرط فى وجوده لا في تأثيره حتى يكون مقدمة.

ثانيها : انه يلزم من القول بمقدمية ترك احد الضدين لفعل الضد الآخر تقدم الشيء على نفسه بيان الملازمة ان رتبة النقيضين محفوظة فترك الصلاة مثلا وفعل الصلاة فى مرتبة واحدة فاذا تقدم شيء على شيء برتبة لا بد وان يكون متقدما على نقيضه رتبة لملاحظة حفظ الرتبة بين النقيضين مثلا اذا فرض تقدم ترك الصلاة على فعل الازالة فلا بد وان يتقدم ايضا على ترك الازالة للتوافق بين

٦٧

النقيضين بحسب الرتبة حسب الغرض ثم نقول ان ترك الازالة يقتضي ان يكون شرطا لتحقق الصلاة من جهة المضادة بين الازالة والصلاة وقد عرفت ان ترك كل ضد شرط لفعل الضد الآخر فاذا كان ترك الازالة مقدما رتبة على فعل الصلاة كان ايضا مقدما على ترك الصلاة لما عرفت من ان حفظ التوافق بين النقيضين بحسب المرتبة وحينئذ يكون ترك الازالة مقدما على ترك الصلاة وقد كان ترك الصلاة مقدما على ترك الازالة فيكون ترك الازالة مقدما على نفسه هو محال بالضرورة :

الثالث : ليس جعل ترك الصلاة مقدمة الى فعل الازالة باولى من جعل الازالة مقدمة لترك الصلاة إذ فعل الازالة علة تامة لترك الصلاة فلذا يتوجه محذور الدور لأن الازالة تتوقف على ترك الصلاة على ما ذكره من كونه شرطا لتحقق الازالة وترك الصلاة يتوقف على فعل الازالة لكونها علة تامة لترك الصلاة فيلزم الدور وهو لازم على القول بترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة واللازم باطل فالملزوم مثله لا يقال ان ترك الصلاة ليس مستندا الى فعل الازالة بل مستندا الى الى عدم ارادة الصلاة لانا نقول انها وان كانت مستندة الى عدمها الذي هو الصارف لكن منضما مع فعل الازالة لا اليه وحده ، إذ لو أردت ايجاد الصلاة مثلا توقف ايجادها على الارادة وترك المانع الذي فرضه هذا القائل مقدمة لها فيكون ترك المانع مع الارادة علة تامة لايجاد الصلاة ومن المعلوم ان انتفاء احدهما علة تامة لانتفائها فانه إذ انتفى ارادة الصلاة تحقق تركها ولو لم يوجد المانع وحينئذ يستند الترك اليه ، واما لو انتفت الارادة وعدم المانع بان لم توجد ارادة للصلاة ووجدت الازالة فيكون الانتفاء مستندا اليهما معا لا الى احدهما

٦٨

المعين لبطلان الترجيح من غير مرجح ولا الى غير معين لامتناع استناد التأثير من واحد مبهم واقعا فانقدح مما ذكرنا ان ترك الصلاة ليس مستندا الى خصوص عدم الارادة الذي هو الصارف بل اليه والى الازالة فاذا استند الى الازالة ولو منظما اليه جاء محذور الدور من غير فرق فى انتهاء الارادة الى شخص واحد او الى شخصين كما إذا كان كل منهما لارادة شخص مثلا اراد احد الشخصين حركة شيء واراد الآخر سكونه فيكون المقتضي لكل منهما موجودا فالعدم حينئذ لا محال يستند الى وجود المانع لا لعدم المقتضي اللهم إلّا ان يقال بانه لا فرق بين الانتهاء الى شخص واحد والانتهاء الى شخصين بتقريب ان العدم يستند الى عدم المقتضي لا الى وجود المانع لان عدم كل واحد منهما يستند الى عدم المقتضي لأن وجود المراد يحتاج الى شيئين قدرة وارادة فاذا انتفت القدرة انتفى الاقتضاء ففي المغلوب منهما تنتفي القدرة فاذا انتفت استند العدم الى عدم المقتضي ثم قد يشكل بانه كيف يكون استناد التأثير فى عدم تحقق المراد اليهما معا اي الى عدم الارادة ووجود الضد والمفروض ان الاثر يستند الى المتقدم منهما كما فرض في مثال الحركة لأن المانع فيه مسبوق بعدم القدرة على ايجاد الإرادة فالترك حينئذ في المثال المتقدم يستند الى عدم القدرة الذي هو الصارف خاصة لا الى الصارف مع وجود الضد ، ولكن لا يخفى ان عدم القدرة على ايجاد مراده اما ان يكون علة لعدم حصول المراد في الزمان الاول الذي لم يكن قادرا عليه فقط لا في الزمان الذي بعده بحيث لو تجددت ذلك له قدرة على الايجاد لتمكن من حصول المراد وتحرك نحو المطلوب فاذا كانت العلة في عدم الحركة مثلا في الزمان الثاني هو عدم القدرة على الايجاد في ذلك الزمان وفرضنا اقتران تلك العلة في الزمان الذي اثر في عدم تحقق المراد

٦٩

مع الضد الخاص كان الاثر مستندا الى وجود الضد وعدم القدرة لا الى عدم القدرة فقط.

فتحصل مما ذكرنا ان الضد يتوقف على ترك ضده لو اخذنا ترك الضد مقدمة شرطا لوجود الضد الآخر وترك الضد الآخر يتوقف على وجود الضد الذي هو مشروط اما بالتوقف الاستقلالي توقف المعلول على علته او بالتوقف الضمني اي يتوقف على وجود الضد المنضم الى الصارف فيكون توقفه توقف المعلول على جزء علته.

وقد انقدح مما ذكرنا لزوم التوقف الفعلى من الجانبين ولو سلمنا عدم التوقف الفعلي إلّا ان ملاك الاستحالة متحققة اما بالوجه الذي سمعته منا سابقا فى الوجه الثاني او لما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله ان الشيء لما كان صالحا لان يكون موقوفا عليه شيء لا يعقل ان يكون الشيء موقوفا عليه مثلا لو كان صالحا لان يتوقف ترك الازالة على الصلاة لا يعقل ان تتوقف الصلاة على ترك الازالة وإذا توقف يلزم محذور الدور وهو تقدم الشيء على نفسه ثم ان بعض الاصحاب قرب المقدمية بان الضد مانع من الضد الآخر ولا اشكال ان عدم المانع من اجزاء علة وجود الشيء فيكون وجود الضد متوقفا على عدم ضده توقف الشيء على عدم المانع وقد التزم المحقق الخونساري قدس‌سره ذلك في الضد الموجود دون الضد المعدوم بدعوى ان الضد الموجود يتوقف على عدمه دون المعدوم مثلا وجود الازالة يتوقف على عدم الصلاة لو كانت الصلاة موجودة لتحقق المانعية فيها حينئذ واما مع عدم الصلاة فلا معنى لكون الصلاة مانعة لكي تتوقف الازالة على عدمها ، وقد اشار الى ذلك الاستاذ قدس‌سره في الكفاية

٧٠

ما لفظه (وبان التوقف من طرف الوجود فعلي بخلاف التوقف من طرف العدم (١)

__________________

(١) وهو المنسوب الى المحقق الخونساري قدس‌سره بما حاصله ان التوقف من طرف الوجود فعلى بخلاف الترك فان توقفه على الوجود تقديري أي معلق على وجود المقتضى للضد والشرط فحينئذ يتوقف الترك على وجود الضد ومع عدم ذلك يكون الترك مستندا الى عدم المقتضى أو عدم الشرط لا لوجود المانع أي الضد وربما يكون وجود المقتضى ممتنعا وأما ما أضافه قدس‌سره من قوله (ولعله كان محالا لأجل انتهاء وجود أحد الضدين مع وجود الآخر الى عدم تعلق الارادة الازلية به) فليس من كلام المحقق الخونساري وانما ذكره قدس‌سره تتميما لكلامه واثباتا للمحالية وتفصيله ان الضدين الذين وجد احدهما وعدم الآخر أما ان يكونا من الافعال التكوينية وأما ان يكونا من الافعال الاختيارية للمكلف والثاني أما ان يكون فعل شخص واحد أو فعل شخصين بان يريد احدهما حركة جسم مثلا والآخر يريد سكونه فهذه صور ثلاث لوجود أحد الضدين مع عدم الآخر أما الصورة الاولى وهي ما إذا كان الضدان المعدوم احدهما مع وجود الآخر من الافعال التكوينية كالسواد والبياض فلا اشكال في ان عدم أحدهما لا يكون مستندا الى وجود الآخر وانما يستند عدمه الى عدم اشتماله على صلاح موافق للنظام وعدم ذلك الصلاح مقتضى لعدم تعلق الارادة التكوينية بوجوده وكذا في الضدين الذين هما من افعال العباد وكان وجود أحدهما وعدم الآخر بارادة شخص واحد وبفعله فان عدم أحدهما انما يكون مستندا الى عدم اشتماله على ما لا يلائم المكلف ويوجب تعلق ارادته به لا الى وجود الضد الآخر ففي هذين القسمين لم يكن عدم أحد الضدين متوقفا على وجود الآخر بل انما يكون مستندا أو متوقفا على عدم وجود المقتضى له وهو عدم الصلاح فى الأول الموجب لعدم تعلق الارادة التكوينية وعدم اشتماله على ما لا يلائم الشخص فى

٧١

ولكن لا يخفى ما فيه إذ كون الضد مانعا لا يفرق فيه بين كونه موجودا أو معدوما

__________________

فى الثاني الموجب لعدم تعلق ارادته به وحيث ثبت ان المقتضى غير موجود فى هاتين الصورتين فيكون العدم مستندا الى عدم المقتضى لا الى وجود المانع ويكون استناده الى وجود المانع تقديرا بمعنى انه لو وجد المقتضى لكان هذا مانعا عن وجود مقتضاه ولا يمكن العكس بان يجعل استناده فعلا الى وجود المانع والى عدم المقتضى تقديرا بمعنى لو لم يوجد المانع لكان العدم يستند الى عدم المقتضى لأن مرتبة المقتضى قبل مرتبة المانع فيستند الى عدم المقتضى لسبق مرتبته.

وأما الصورة الثالثة وهى ما إذا كان أحد الضدين مرادا لشخصين ففي هذه الصورة ايضا العدم يستند الى عدم المقتضي له وهو قدرة المغلوب فى ارادته لا الى وجود المانع وهو وجود الضد الآخر وانت خبير بما فيه فان عدم قدرة المغلوب ليس من قبيل عدم المقتضي فان ارادة المغلوب مقتضية لوجود مراده إلّا انه حيث زاحمها ارادة الغالب ويستند العدم الى ارادة الغالب المانعة من تأثير ارادة المغلوب في الضد الآخر لا الى عدم المقتضي وبالجملة المقتضي فيما نحن فيه موجود وهو ارادة المغلوب وكونه لو خلى ونفسه قادرا على الاتيان بمراده ولكن منع من تأثير ذلك المقتضي مانع وهو وجود ارادة الغالب فيكون العدم مستندا الى وجود المانع ولكن لما لم يكن المانع هو وجود الضد الآخر وانما هو ارادة الغالب لم يكن أحد الضدين متوقفا على وجود الآخر حتى يلزم الدور ومنه يظهر الجواب عن شبهة الكعبى وحاصلها ان ترك الحرام واجب وهو يتوقف على فعل من الافعال الوجودية توقف عدم الضد على وجود أحد الاضداد لما عرفت ان ترك الحرام مستند الى عدم المقتضي لا الى وجود المانع الذي هو الضد إذ لو أراد الحرام لا يعقل تعلق ارادته باحد الاضداد وإلّا لزم تعلق ارادتين بالضدين وهو

٧٢

إذ ليست المانعية منوطة بوجود الضد إذ ليس عدمه من قبيل المانع لان كون الشيء مانعا بمعنى انه مانع لو كان موجودا لا انه مانع في حال وجوده.

وكيف كان فقد ذكر بعض الاعاظم قدس‌سره من ان المانعية لا توجب توقف احد الضدين على عدم الآخر بما حاصله ان المانعية لا تتحقق إلا بعد وجود المقتضى مع جميع شرائطه مثلا الرطوبة لا تتصف بالمانعية لاحتراق الجسم الا بعد وجود النار ومماستها للجسم فيظهر من ذلك ان توقف الازالة على عدم الصلاة مثلا لا بد وان يكون من جهة عدم المانع ولا تكون الصلاة مانعة الا مع وجود المقتضي للازالة وحينئذ لا يمكن ان يوجد مقتض للصلاة لعدم امكان اجتماع المقتضيين للضدين فتكون الصلاة معدومة لعدم وجود المقتضي لها. ومع انعدامها كيف تكون مانعة عن وجود الازالة وبالجملة احد الضدين لا يتوقف على عدم الآخر من جهة المانعية إذ مانعية احدهما للآخر لا يمكن إلّا فى ظرف وجود

__________________

غير معقول بالنسبة الى شخص واحد وبالنسبة الى ما لو كانا مرادا لشخصين فهو وان امكن تصوره إلّا انه لا يستند الترك الى الضد المانع وانما يستند الى ارادة الغالب التي هي المانعة من ارادة المغلوب.

وقد ظهر مما ذكرنا بطلان ما ذكر من الدور ودعوى وجود ملاكه وهو عدم جواز تقدم الشيء على ما يصلح ان يكون علة له لما هو معلوم انه مع فرض وجود الضد لا يعقل وجود المقتضى للضد المعلوم لكي يقال بان وجوده حينئذ مانع ويكون عدمه من قبيل عدم المانع.

وبالجملة ان المانعية لما كانت محالا فلا توقف اصلا من الجانبين أي لا وجود الضد يتوقف على عدم الضد الآخر ولا عدم الضد المعدوم يتوقف على الضد الموجود لاستناد العدم الى عدم المقتضى على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية

٧٣

المقتضي للاثنين وهو غير معقول ولكن لا يخفى ان استناد عدم المعلول الى عدم كل جزء من اجزاء علته كاستناد وجوده الى كل واحد منها في عرض واحد وعليه بنينا مانعية عدم المأكولية في لباس المصلي وبالجملة ان عدم المعلول يستند الى وجود المانع حتى مع فرض عدم المقتضي فظهر لك مما ذكرنا انه ينحصر عدم توقف احد الضدين على عدم الآخر بان عدم كل واحد من الضدين في رتبة وجود الضد الآخر لما هو معلوم من وحدة المرتبة بين النقيضين على ما عرفته منا سابقا هذا كله على التقريب الاول اي فى المقدمية واما الثاني فتقريبه ان يقال ان فعل الضد ملازم لترك ضده الآخر فاذا صار فعل الضد واجبا كان لازمه وهو ترك الضد الآخر ايضا واجبا فاذا صار واجبا حرم فعل الضد الآخر وقد اجاب عنه الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما هذا لفظه (واما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود فى الحكم فغايته ان لا يكون احدهما فعلا محكوما بغير ما حكم به الآخر لا ان يكون محكوما بحكمه وعدم خلو الواقعة عن الحكم انما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي فلا حرمة للضد من هذه الجهة ايضا بل على ما هو عليه لو لا الابتلاء بالمضاد للواجب الفعلي من الحكم الواقعي) لأن الحكم يتبع تحقق ملاكه فمناطه في احدهما لا يوجب تحقق الملاك في الآخر ، فلو قلنا بتحققه لأجل الملازمة فيلزم تحققه جزافا لعدم تحقق ملاكه ودعوى الملازمة فى الجعل بديهي البطلان من غير فرق بين الضدين الذين لا ثالث لهما وبين غيره فدعوى بعض الاعاظم بتحقق الملازمة العرفية فى الضدين الذين لا ثالث لهما كالحركة مثلا فان وجوبها ملازم عرفا لعدم السكون محل نظر لما عرفت ان الحكم يناط وجوده بتحقق ملاكه فلو تحقق الحكم فى الملازم الآخر مع عدم التحقق الملاك يكون حكما بلا

٧٤

ملاك ولازمه ان يكون وجوده عبثا فلا يكون ارادة احدهما موجبا لارادة الآخر

ثمرة هذه المسألة

ثم انه ذكر الاصحاب ان ثمرة البحث عن اقتضاء الامر النهي عن ضده الخاص وعدمه هو فساد الضد المنهي عنه اذا كان عبادة بناء على الاقتضاء لانه حينئذ يكون منهيا عنه فلا يمكن ان يتقرب به فتقع العبادة باطلة وصحتها على القول بعدم الاقتضاء وقد انكر هذه الثمرة شيخنا البهائي قدس‌سره بدعوى بطلانها على القول بعدم الاقتضاء إذ العبادة تحتاج الى قصد الامر ومع عدم الامر لا يمكن التقرب بها ومن المعلوم عدم تعلق الامر بالعبادة وإلّا لزم طلب الضدين وهو محال وقد اجاب الاستاذ قدس‌سره بانه لا حاجة الى قصد الامر بل يكفي قصد المحبوبية والملاك (١) إذ سقوط الامر في المقام ليس ناشئا من النقص فى الملاك

__________________

(١) لا يخفى انه انما يحتاج الى الرجحان والمحبوبية فى تصحيح العبادة التي امر بضدها فيما اذا كان وقت العبادة مضيقا فانه حينئذ يمتنع الامر بضدها فى ذلك الوقت وتحتاج في تصحيحها الى الرجحان والمحبوبية اما إذا كان وقتها موسعا فلا حاجة الى ذلك لكونها حينئذ مأمورة بها لانها فرد من تلك الطبيعة المأمور بها والامر بالطبيعة لم يكن مخصوصا بما عدا هذا الفرد فان هذا الفرد كغيره من الافراد محصل لطبيعة المأمور بها غاية الامر من جهة انه في وقت هذا الفرد قد امر بضده فالعقل يحكم بانه حيث يمكنك امتثال الامر بهذا الضد بايقاعه في محله وامتثال الامر بتلك الطبيعة بتأخيرها الى ما بعد هذا الضد لكي يحصل

٧٥

والمصلحة وانما نشاء من عدم امكان الامر بالضدين مع فرض اهمية احدهما بل لو قلنا بان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده يمكن لنا تصحيح العبادة لان النهي المتعلق بالعبادة ليس ناشئا من مفسدة فى المتعلق وانما هو نهي غيري نشأ من الامر بالضد الاهم ولكن لا يخفى ان النهي اذا كان مولويا ولو غيريا يكون ناشئا عن ان مخالفته توجب هتك المولى فحينئذ كيف يمكن ان يتقرب بذلك بل ربما يقال بانه لا يمكن استكشاف الملاك بناء على عدم الاقتضاء لكون الامر المتعلق بالطبيعة المقيدة بعدم مزاحمة الاهم مثلا الامر المتعلق بالصلاة قد تقيد بان لا يزاحم الازالة فالفرد المزاحم للازالة خارج عن متعلق الامر لكونه غير مقدور

__________________

امتثال الامرين وظاهر ان هذا ليس تقييدا في الطبيعة المأمور بها وتخصيصا لها بما بعد فعل هذا الضد وحينئذ فلو عصى المكلف الامر بالضد فعلى هذا العقل يحكم بانه لو اتى بفرد من افراد تلك الطبيعة المأمور بها لم يكن قصورا في هذا الفرد الذي جاء به في صدق الطبيعة المأمور بها عليه فيكون مأمورا به فعلا فيكون صحيحا ولا يحتاج في تصحيحه الى رجحان او كونه محبوبا للمولى هذا بناء على تعلق الاوامر بالافراد واما بناء على تعلقها بالطبائع فالامر اوضح حيث ان الامر قد تعلق بصرف وجود الطبيعة باعتبار القدرة على سائر الافراد فحينئذ يمكن الاتيان بالفرد المزاحم الذي ليس له امر بالخصوص بداعي الامر المتعلق بالطبيعة لانطباقها عليها قهرا ودعوى ان متعلق الامر مقيد بالقدرة فيكون الفرد المزاحم غير مقدور فيخرج عن متعلق الامر في غير محلها اذ سقوط الامر بالفرد المزاحم لأجل المزاحمة وهي لا توجب التقييد في متعلق الامر على ان هذا الحكم العقلي غير صالح لتقييد المأمور به لتحققه بعد تعلق الامر بالاهم فكيف يكون صالحا لتقييد متعلق الامر كما لا يخفى.

٧٦

فالعقل يحكم بقبح التكليف به ودعوى ان الفرد المزاحم للاهم مع سائر الافراد على حد سواء في ايجاد الطبيعة المأمور بها فحينئذ لا مانع من اتيان ذلك الفرد بقصد التقرب بالامر المتوجه الى الطبيعة (١) فتصح العبادة حتى على القول باحتياج العبادة الى قصد الامر لا مكان التقرب بالامر المتعلق بطبيعة العبادة محل نظر بل منع إذ التكاليف مشروطة بان يكون متعلقها مقدورا فالفرد المزاحم خارج عن متعلق الامر اللهم إلّا ان يقال بان القدرة على الموسع في الزمان الثاني اي بعد ارتفاع المزاحمة بالمضيق كافية في فعلية الامر فى الزمان الاول بناء على ما حققنا من

__________________

(١) لا يخفى انه فرق بين باب المزاحمة والتخصيص العقلي فان باب المزاحمة الامر باق على ما هو عليه من تعلقه بنفس الطبيعة وان الاشتغال بالاهم ليس تصرفا فى ناحية الامر ولا في ناحية الطبيعة المأمور بها وانما هو تصرف في ناحية الامتثال اي ان الافراد لطبيعة الصلاة المأمور بها المزاحمة للازالة باقية على كونها مشمولة للامر وانها داخلة تحت الطبيعة المأمور بها غاية الامر ان العقل لما رأى ان الامتثال للامر بالصلاة فى هذا الحال مفوت لامتثال الامر بالاهم حكم يلزم تأخير امتثال الامر بالصلاة والاشتغال فعلا بالازالة تحصيلا لكلا الطلبين فمورد هذا الحكم العقلي وموضوعه هو امتثال الامر بالصلاة فهو اي العقل يعترف ان الصلاة فعلا تقع امتثالا للأمر بطبيعة الصلاة ولكنه يحكم بلزوم تأخير هذا الامتثال والاشتغال فعلا بالاهم فاذا خالف المكلف هذه الحكومة العقلية واشتغل بالصلاة فعلا كانت تلك الصلاة امتثالا للأمر بطبيعة الصلاة وكانت مشمولة للأمر بداعيه وهذا هو معنى المزاحمة بخلاف ما لو قلنا بان المقام من باب التخصيص العقلي بمعنى ان تلك الافراد خارجة عن دائرة الامر لكون متعلقه مشروطا بالقدرة والعقل حاكم بقبح تكليف العاجز فلا تغفل.

٧٧

تعقل الشرط المتأخر او القول بالواجب المعلق بان يكون الواجب الموسع وجوبه فعلى حال المزاحمة إلّا ان ظرف امتثاله والاتيان بمتعلقه يكون متأخرا أي بعد ارتفاع المزاحمة وحينئذ لا ثمرة في البين بناء على المختار من صحة الشرط المتأخر والواجب المعلق لصحة العبادة مطلقا اي قلنا بالاقتضاء ام بعدمه بناء على ان قصد الملاك كاف فى التقرب واما بناء على ان قصد الامر هو المحقق للعبادية فالعبادة تكون باطلة حينئذ مطلقا من غير فرق بين القول بالاقتضاء وبين القول بعدمه لعدم الامر بها كما لا يخفى فافهم وتأمل. هذا كله فى الضد الخاص.

(الضد العام)

المقام الثاني فى الضد العام الذي هو بمعنى الترك فنقول لا اشكال ولا ريب في ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن تركه كما ان محبوبية كل شيء يستلزم ترك ضده وهذا مما لا ينبغي ان يقع الكلام فيه بين الاعلام نعم ينبغي ان يقع الكلام في ان هذا الاقتضاء هل هو بنحو العينية او التلازم والظاهر انه بنحو العينية مطلقا ان كان المراد بالنهي عن الشيء طلب الترك بحسب الانشاء والمفهوم لان طلب الايجاد عين طلب ترك الترك والعينية بحسب الانشاء فقط ان كان المراد من النهي عن الشيء بمعنى الزجر عنه بان يكون الامر بالشيء والنهي عن نقيضه العام متحدين بحسب الانشاء فقط واما بحسب المفهوم فهما مفهومان مختلفان وهما ارادته للمطلوب وبغضه عن نقيضه وهذان المفهومان منتزعان من انشاء واحد كمثل قوله (افعل) ،. ثم لا يخفى ان وجود كل شيء يناقض عدمه ولو تعلق ارادة المولى بوجود شيء لا بد في تحصيل ذلك الشيء الى تحصيل المقتضي له وطرد

٧٨

مزاحمه فى الوجود فان الوجود يستند الى وجود المقتضي مع سد جميع ابواب عدمه والعدم ربما يستند الى عدم وجود المقتضي وربما يستند الى وجود المانع مع بقاء المقتضي للوجود فلو فرضنا ان للشيء ضدين وكانا بحسب المصلحة متساويين لم يصح من الآمر تخصيص امره باحد الضدين معينا بل يكون في طلبه للضدين على حد سواء ويحصل من طلبه لهما التخيير فليس للحكيم فى المقام ايجاب غير التخييري بل لا بد لو اراد ان يوجه طلبه ان يكون على نحو التخيير فالمأمور فى مقام الامتثال له اختيار كل منهما والى ذلك يرجع ما افاده بعض المحققين في معنى الواجب التخييري انه طلب الشيء مع المنع عن بعض انحاء تروكه بيان ذلك هو انه لما فرض اشتراكهما في اداء المصلحة على حد سواء ولم يكن في المقام ما يكون احدهما اهم فللمكلف ترك احد الضدين والاشتغال بالآخر وفي المقام لما كان الترك مستندا الى المزاحم والمانع لا الى عدم المقتضي فلا بد فى حصول الامر على نحو يكون من قبيل متمم الوجود الذي مآله الى حفظ الوجود من ناحيته عن الاشتغال بالضد المساوي له بالمصلحة بمعنى اني لا اريد انعدام المأمور به من قبيل انتفاء مقتضيه او من قبيل الاشتغال بضد آخر غير الضد المساوي فى المصلحة ففي الحقيقة يرخص في انعدام الضد مع الاشتغال في الضد الآخر ولا يرخص انعدامه من سائر الاضداد وبعبارة اخرى لو فرض انعدام الازالة تتساوى مع الصلاة في المصلحة ولم يكن هناك اهم في جهات الانعدام فمرة ينعدم من عدم الارادة للازالة واخرى ينعدم من قبل الصلاة فالمأمور به يمنع من الانعدام الناشئ من عدمه ولم يكن مانعا من الانعدام الناشئ من وجود الصلاة ومرجع ذلك الى التبعيض فى مطلوبية الوجود وهذا بخلاف ما لو كان من قبيل اتمام الوجود الذي هو عبارة عن كونه

٧٩

طاردا لجميع انحاء انعدامه حتى ما كان انعدامه من قبيل الاشتغال بالضد المساوي الذي هو مفاد الطلب التعييني وذلك لا يعقل جريانه هاهنا فعلى هذا تكون العقوبة لو تركها عقوبتين بترك الضدين لا يقال العقوبة تدور مدار القدرة ولا قدرة على فعل الضدين وانما القدرة على فعل احدهما فمثوبة واحدة على احدهما وعقوبة واحدة على تركهما لانا نقول لم يكن استحقاق العقاب على المخالفة على قدر الامتثال بل على قدرة رفع التكليف باحد الوجوه المقبولة عند الشارع ولذا ترى ان تكليف الكافر بالقضاء مع انه في حال الكفر لا يمكن امتثاله ولو اسلم فالاسلام يجب ما قبله مع انه لو مات استحق العقوبة على مخالفة ذلك التكليف إذ يتعقل فى حقه انه قادر على رفع ذلك التكليف ولو بالاسلام الموجب لرفع التكليف ولو امتنانا منه سبحانه وتعالى والمقام من هذا القبيل من حيث انه يمكن رفع استحقاق العقوبتين بان ياتي باحد الضدين ويسقط الآخر بوجه مقبول عند الشارع والعقل في المقام لا يستقبح توجه العقوبتين على المخالفة من حيث التمكن على الخروج عن عهدتها بان يمتثل احدهما ويسقط الآخر ، ثم لا يخفى ان تعدد التكليف انما نشأ من تعدد الغرض فيستحق على المخالفة عقوبتين بخلاف الواجبات التخييرية كخصال الكفارة فانه يستحق عقوبة واحدة لوحدة الغرض لما عرفت ان تعدد العقوبة وعدمها دائرة مداره تعدد الغرض ووحدته إذا عرفت ما ذكرنا من معقولية توجه التكليف الى كل من الضدين غاية الامر انه لما كان الطلب غير معقول بنحو تمام الوجود صار الطلب فى كل منهما متوجها على نحو متمم الوجود وبمعنى ان التكليف بشيء يشترط ان يكون المكلف مختارا في فعله ومع عدمه تلبسه بالحركة مثلا يكون تلبسه بالسكون قهريا فلا معنى توجه التكليف بهما بل هما يكونان

٨٠