منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

عباديته ذاتية كالخضوع والركوع والسجود لعدم احتياج ذلك فيها الى قصد العنوان على انه يمكن الاشارة اليه فيها بنحو التوصيف لا بنحو الغاية.

ثانيهما ان عبادية الطهارات ليست من مقتضيات الامر الغيري بل من جهة ان الغرض منها لا يترتب إلّا بذلك ولكن لا يخفى ان ذلك خلاف امتثال عامة المتشرعة فانهم كما عرفت لا يقصدون بامتثالهم الا امتثال الامر الغيري من دون اشارة الى شيء ، وذلك ليس إلّا انه من مقتضيات الامر الغيري فقط. فما افاده الاستاذ (قدس‌سره) ما لفظه : (والاكتفاء بقصد امرها الغيري فانما هو لاجل انه يدعو الى ما هو كذلك فى نفسه حيث انه لا يدعو إلّا الى ما هو المقدمة) بما توضيحه ان المتعلق في الطهارات ليست ذوات الافعال بل هي مع قصد امرها النفسي وقد تعلق الامر الغيري بالافعال مع هذا القصد ، فحينئذ يكون قصد امرها الغيري قصدا للامر النفسي الذي هو جزء من متعلق الامر الغيري محل نظر لما عرفت انه من الممكن الاتيان بذوات الافعال المسمّاة بالطهارات الثلاث بقصد امرها الغيري من دون التفات الى كونها مستحبات نفسية وقد عرفت مع عدم الالتفات الى كونها كذلك فلا معنى لكون قصد الامر النفسي يحصل من دون قصد الامر الغيري ، ثم ان بعض الاعاظم قد صحح عبادية الطهارات الثلاث بما صحح عبادية الواجب النفسي لبنائه على ان الامر المتعلق بذي المقدمة المركب من الاجزاء ينحل الى اوامر ضمنية بعدد الاجزاء كذلك له تعلق بشرائطه ، غاية الامر في الاجزاء تكون الاجزاء داخلة تحت الأمر قيدا وتقييدا وفى الشرائط تقييدا لا قيدا ، ولكنه لا يخفى انك قد عرفت ان ذلك يوجب خروج الشرط عن الشرطية ويجعله جزءا مع انه لو كانت الشرائط

٤١

تجب بالوجوب النفسي فلا مجال لترشح الوجوب الغيري عليها كما لا يخفى. فالحق في الجواب ان يقال هو ان العقلاء يرون من تلبس بالمقدمة مطيعا وينطبق عليه عنوان الانقياد ويستحق المدح والثواب بالشروع بالمقدمة ويترتب ثواب الواجب النفسي عند الشروع فيها كما انه يترتب عقابه بترك المقدمات. ولازم ذلك ان يكون الآتي بالمقدمة بقصد التوصل بها اليه قدم عدم ترتب ثواب الواجب النفسي والمدح على اتيانه به والعقاب والذم على تركه ما لم يقصد الايصال. ولكن لا يخفى ان هذا الوجه يتم بناء على اعتبار قصد الايصال في المقدمة. واما على القول بعدم الاعتبار كما هو المختار فلا يتم ذلك فى بعض الفروض فعليه يشكل ترتب الثواب والعقاب فيما اذا لم يقصد الايصال ، فالذي يكون رافعا للاشكال بحذافيره هو ان الامر الغيري يترشح على ما هو مقدمة وهي ذوات الافعال مع قصد التقرب فينبسط الامر الغيري على ذوات الافعال وعلى قصد التقرب كما ينبسط الامر النفسي المتعلق بمركب ذي اجزاء فيكون لكل جزء امرا ضمنيا بنحو يكون بالنسبة للامر الآخر المتعلق بجزء آخر بنحو يكون توأما معه فالامر المتعلق بذوات الافعال يكون مع الامر المتعلق بقصد التقرب بنحو التوأمية من غير فرق بالنسبة الى اجزاء المركب بين كونها كلها خارجية ، او بعضها خارجية ، وبعضها ذهنية كالمقام ، لاشتماله على الجزء الذهني وهو قصد التقرب فالامر الغيري ينحل الى امرين : امر تعلق بذوات الافعال من الطهارات ، وامر تعلق بها مع قصد التقرب ، وهذا الانحلال اليهما كان بنحو الطولية لطولية متعلقهما ، فان الجزء الذهني الذي هو قصد التقرب ليس فى عرض ذوات الافعال وانما نسبتها اليه نسبة العرض الى معروضه وبذلك يرتفع محذور الدور ، بيان ذلك ان الامر الغيري كما تعلق

٤٢

بمركب او بمقيد فينبسط على ما تركب من الاجزاء الخارجية كانت او عقلية ولازم ذلك انحلال ذلك الامر الى اوامر ضمنية غيرية فيأخذ كل جزء امرا ضمنيا غيريا فتكون ذوات الافعال من الطهارات الثلاث متعلقة للامر الضمني ، فلو اتى بها يوجب سقوط الامر المتعلق بها لحصول متعلقه. ودعوى ان ذلك من لوازم القول باعتبار قصد الايصال فى المقدمة في غير محلها اذ انبساط الامر الغيري على الاجزاء الموجب لانحلاله الى اوامر عديدة فيكون كل جزء مأمورا به بامر ضمني بمعنى ان الامر الغيري الضمني المتعلق بذات الفعل التوأم مع قصد القربة ، وحينئذ الامر الغيري لم يتوجه الى ذوات الافعال من الطهارات باعتبار ايصالها او بما انها عبادة بل تعلق بذوات الافعال الصرفة من دون دخل شيء فيها ، وحيث انها متعلقة له بنحو التوأمية يكون الاتيان بها موجبا لسقوط الامر المتعلق بها ولا يسقط إلّا إذا اتى بها منضمة الى بقية الاجزاء.

والحاصل ان دفع اشكال عبادية الطهارات من ناحية انها مقدمة اما بقصد التوصل الى ذيها ففي ظرف الاتيان بالمقدمة حينئذ ينطبق على المكلف عنوان الانقياد ومع الترك ينطبق عليه عنوان العصيان واما بقصد الامر الغيري المتعلق بذوات الافعال من الطهارات مع قصد التقرب المنحل الى اوامر ضمنية (١)

__________________

(١) يرد عليه ان الامر المتعلق به ناشئ عن ارادة شخصية فهو غير قابل للانحلال لعدم قبول انحلال تلك الارادة الشخصية الى ارادتين كما انه لا يصح عبادية الطهارات الثلاث إلّا بتعلق امر نفسي بها ناشئ عن مصلحة نفسية تكون بذلك مستحبا نفسيا كسائر المستحبات التي يستحق فاعلها الاجر والثواب واحتياج امتثالها الى قصد القربة من هذه الجهة ثم يتعلق الامر الغيري بذوات الافعال من

٤٣

ويأخذ كل جزء من المتعلق حصة منه بنحو التوأمية لان الاوامر الضمنية ناشئة من ارادة واحدة فلذا لا يسقط كل امر باتيان متعلقه الا بضمه الى بقية الاجزاء

(الاصلى والتبعى)

المبحث الرابع : ينقسم الواجب الى الاصلي والتبعي (١) وبيان ذلك

__________________

الطهارات الثلاث مع قصد التقرب من غير فرق بين الطهارات إذ لا مانع من دعوى كون التيمم من المستحبات النفسية كما يستفاد من بعض الاخبار ولا محذور فيما ذكرناه سوى ما يقال بان لازم ذلك انعدام الاستحباب النفسي بعد ورود الوجوب الغيري وإلّا لزم اجتماع الضدين للتضاد الموجود بين الاحكام الخمسة ، ولكن لا يخفى انه انما يلزم ذلك لو كان المتعلق للاستحباب النفسي والوجوب الغيري واحدا مع ان متعلقيهما مختلفان فان متعلق الاستحبابي نفس ذوات الافعال والوجوب الغيري ذوات الافعال مع قصد التقرب على ان ذوات الافعال ليس فيها ملاك الوجوب الغيري لعدم توقف الغير عليها فلذا لا يمكن تصحيح عبادية الطهارات الثلاث بتعدد الامر الغيري بدعوى ان امرا غيريا تعلق بذوات الافعال وامرا غيريا تعلق بها مع قصد التقرب لعدم وجود الملاك فيها الموجب لترشح الوجوب عليها وقد ذكرنا ذلك على التفصيل في حاشيتنا على الكفاية.

(١) لا يخفى ان الفرق بين الواجب الاصلي والواجب التبعي كالفرق بين المدلول التضمني والالتزامي وبين المطابقي فكما ان الجزء واللازم ويكونان تابعين في الدلالة للكل والملزوم بمعنى ان الجزء واللازم يحصل الدلالة عليهما بنفس الدلالة على الكل والملزوم لكونهما من توابع الكل والملزوم فالدلالة على الكل والملزوم

٤٤

يتوقف على معرفة ان هذا التقسيم راجع الى الارادة ام الى ابرازها. فنقول الظاهر انها ترجع الى ابراز الارادة لا الى نفسها لانك قد عرفت فيما سبق انها دائما تكون تابعة للغرض الذي ينزف عليها فلا يكون التقسيم راجعا اليها إذ التقسيم ناظر الى الواجب الغيري لا مطلق الواجب بان يكون الواجب النفسي من قبيل الاصلي والواجب الغيري من قبيل التبعي وإلّا لكان اصطلاحا فى تسمية الواجب النفسي بالاصلي والغيري بالتبعي وهو لا يناسب جعله في مقابل النفسي والغيري كما انه لم يكن ملحوظا فى حال التقسيم كيفية لحاظ الموضوع ، فان كان لحاظه اصليا كان الحكم مثله اصليا ، وان كان لحاظه تبعيا كان الحكم مثله تبعيا لما نجد

__________________

وارادتهما من اللفظ دلالة قهرية عليهما وان لم يكونا مقصودين بأنفسهما فكذا فيما نحن فيه تكون ارادة الواجب الاصلي ارادة لما يدخل في توابعه وان لم يكن المريد متعلقا الى ذلك التابع بنفسه لا انا نقول ان الواجب التبعي يكون واجبا من دون التفات اليه اصلا فان ذلك غير معقول فعدم معقولية ايجاب شيء مع عدم الالتفات اليه ، بل نقول ان الواجب التبعي هو ما كان وجوبه وارادته فى ضمن ارادة الغير ووجوبه فالفرق الحقيقي بين الواجب الاصلي والتبعي هو ان الواجب التبعي بالنسبة الى الاصلي يعد من توابعه بحيث يكون ارادته تبعا لارادته فليس غرضنا من قولنا من دون التفات اليه نفي مطلق الالتفات حتى يرد ما تقدم من عدم المعقولية بل غرضنا من ذلك نفي مطلق الالتفات الموجب لتعلق الارادة به مستقلا من دون الالتفات اليه على نحو يوجب ان يكون متعلقا للارادة على نحو الاستقلال وبذلك صرح المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته بقوله (واخرى متعلقا للارادة تبعا لارادة غيره لاجل كون ارادته لازمة لارادته من دون التفات اليه بما يوجب ارادته).

٤٥

من الاختلاف بين الحكم ولحاظ موضوعه فربما يكون اللحاظ اصليا والحكم تبعيا مثلا المولى قد يلحظ المقدمات لحاظا أصلا ويخص الحكم بذي المقدمات فيكون الحكم على المقدمات حكما تبعيا مع ان اللحاظ اصلي وقد ينعكس الحال فتكون المقدمات ملحوظة تبعا لكن الحكم يكون اصليا كما في المتلازمات فان لحاظ احد المتلازمين بلحظ فيه ملازمه تبعيا والحكم بان كل واحد منهما اصلي فانما هو راجع الى مقام التحميل ومقام التكليف.

فتحصل من هذا ان مرجع التقسيم ليس الى لب الارادة ولا الى كيفية اللحاظ بل يرجع الى مرحلة التحميل وابراز الارادة فان ابرز إراداته المتضمنة للتكليف بنحو الاستقلال كان اصليا وإلا كان تبعيا. هذا كله فيما لو علم كون الواجب اصليا او تبعيا ، واما لو شك في واجب انه اصلي او تبعي (١) قيل

__________________

(١) لا يخفى ان الاختلاف بين الوجوب الاصلي والتبعي سواء كان راجعا الى الارادة او راجعا الى كيفية اللحاظ أو راجعا الى الدلالة فانما هو من اوصاف الواجب وان اختلف منشؤه فعليه لا يجري اصالة العدم لكي يثبت ان الواجب تبعيا لعدم كونه عدميا لما عرفت انه عبارة عن كون الواجب على هذه الصفة وهو انه لم يكن متعلقا للارادة المستقلة أو لخطاب مستقل أو للحاظ تفصيلي وبعبارة اخرى العدم المأخوذ فيه انما هو عدم نعتي على نحو مفاد ليس الناقصة ومثله لا يثبت باصالة العدم المحمولي إذ من المعلوم ان استصحاب العدم المحمولي لا يثبت بعدم النعتي والعدم النعتي ليس له حالة سابقة لكي يستصحب فما ذكره المحقق الخراساني (قدس‌سره) من جريان اصالة العدم إذا كان له اثر شرعي كسائر الموضوعات المقومة بامور عدمية محل نظر إذ قد عرفت ان التبعي عبارة عن امر وجودي وهو الواجب المتعلق بعدم تعلق ارادة مستقلة أو لخطاب مستقل

٤٦

ان التبعية تثبت باصالة عدم تعلق خطاب به مستقلا اذا فرض له اثر شرعي (١) إلّا انه محل نظر لعدم جريانها الا على القول بالاصل المثبت.

ثم لا يخفى على ما ذكرنا من رجوع التقسيم الى مقام الدلالة اتضح جريان التقسيم فى الواجبات النفسية كما يجري في الواجبات الغيرية اذ كما ان الواجب الغيري تارة يكون مستقلا بابراز الارادة فيكون اصليا واخرى لا يكون مستقلا فيكون تبعيا كذلك الواجبات النفسية فتارة تستقل بالخطاب كما في جل الواجبات النفسية واخرى تستقل كما انه لو لاحظ احد المتلازمين وحكم على ما لاحظه ونشأ منه الحكم على الملازم الآخر حكما تبعيا لا اصليا بناء على جواز الحكم على المتلازمين بحكمين فاتضح بذلك ان التبعية لا تتحقق بالنسبة الى الواجبات النفسية الا في المتلازمين دون غيرها.

__________________

أو للحاظ تفصيلي مضافا الى انه معارض باصالة عدم تعلق الارادة غير الاستقلالية

(١) هذا ان قلنا بان الاصول العدمية اصول شرعية مجعولة من الشارع فلا بد ان يكون مجراها اثرا شرعيا او ذا اثر شرعي. واما ان قلنا بانها اصول عقلائية قد جرى عليها العقلاء في امورهم فالظاهر انه لا يتوقف اجراؤها على ذلك بل يكفي فيه ان يكون حادثا مسبوقا بالعدم غاية الامر لا بد من اجرائها من اثر عملي وإلا كان ذلك لغوا ولا يلزم ان يكون شرعيا. نعم فى الشرعيات يلزم ان يكون الاثر العملي شرعيا لا انه شرط فى اجرائها بل يمكن ان يقال انها وان كانت اصولا عقلائية إلا انها حيث كان اجراؤها في الشرعيات موقوفا على امضاء من الشارع ولو بعدم الردع فلا بد وان يكون مجراها اثرا شرعيا أو ذا اثر شرعي بل قد يقال ان مجرد كونها موقوفة على الامضاء من الشارع لا يوجب اجرائها ما لم تكن مجعولة وسيأتي ان شاء الله تعالى التفصيل في الاصول العملية.

٤٧

(تنبيه) : الغرض المقصود من هذا التقسيم في كلمات القوم هو دفع الاشكال الوارد عليهم وهو انه كيف يحكم على الغير الملتفت اليه بالحكم الخاص كما فى مثل مقامنا فان المقدمة غير ملتفت اليها مع انه يقال انها محكومة بحكم خاص كالوجوب مثلا ووجه كون هذا التقسيم دافعا لذلك بان يقال انه عندنا وجوب تبعي وتتصف المقدمة به ولو كانت غير ملتفت اليها فلا منافات بين ترشح الحكم وبين عدم الالتفات لظهور ان الالتفات الى الملازمة كاف في ايجابها.

(التعيينى والتخييرى)

المبحث الخامس : ينقسم الواجب الى التخييري والتعييني لان الامر ان تعلق بمعين خاص من دون ان يكون له عدل فهو التعييني كالامر المتعلق بالصلاة والزكاة في قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ، واما ان يتعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء فهو الواجب التخييري لا اشكال ولا ريب فى تصوير الاول وانما الكلام فى الواجب التخييري فنقول لو تعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء ففي وجوب كل منهما على التخيير او وجوب الواحد لا بعينه او وجوب كل منهما مع السقوط بفعل احدهما او وجوب المعين عند الله اقوال وقبل الخوض فى تنقيح المقام يستدعي بيان مقدمة وهي ان التخيير تارة يكون ارشاديا والحاكم بذلك هو العقل ولا يمكن تعلق الامر بهذا النحو من التخيير على نحو الالزام كما في الضدين الذين لا ثالث لهما أو بين النقيضين إذ في هذه الصورة لا موقع للحكم الالزامي المولوي إذ عليه يترتب مثوبة على الموافقة وعقوبة

٤٨

على المخالفة وهما لا يترتبان إلا فيما يمكن فيه العصيان أما فيما لا يحصل العصيان فلا يعقل أن يتعلق به امر تخييري بين الفعل مطلقا وبين الترك مطلقا نعم لو كان في احد الطرفين تقييد كأن كان احد الطرفين عبادة على القول بامكان اخذ قصد التقرب في المأمور به فيمكن تعلق الامر بهما إذ بالتقييد يخرج عما نحن فيه إذ يكون له حينئذ ضد ثالث لتحقق العصيان لو خالف الامر التخييري بان يأتي بالفعل مطلقا هذا على القول بامكان اخذ قصد القربة.

وأما على مختار الاستاذ (قدس‌سره) من عدم امكان اخذ قصد القربة في المتعلق فلا يمكن تعلق الامر به تخييرا لأن الذات صارت مطلقة على ذلك التقدير وكذلك على ما اخترناه من ان الذات التي هى مع قصد القربة ليست مطلقة ولا مقيدة بل ذات مهملة اخذت توأما مع القيد لأن الذات التي مع القيد تكون حينئذ عين تلك الذات التي بدون القيد فلم يتحقق ضد ثالث فلذا لا يتحقق العصيان على ما اخترناه واخرى تخييرا فرعيا وهو ما أمكن تعلق الامر التخييري الالزامي به كما فى مورد الامر به تخييرا وثالثه تخييرا اصوليا كما في التخيير في باب تعارض الخبرين مع فقد المرجح فانه يحكم بالتخيير بين الاخذ باحد الخبرين وفرق واضح بين الاخيرين ، إذ الاول منهما التخيير فيما يتعلق به الامر وفى الثاني التخيير فى مدرك الموضوع للامر التعييني بحيث لو اختار احد الخبرين تعين عليه كالتخيير بين السفر والحضر ، فان سافر وجب القصر وان لم يسافر وجب تمام ففي الحقيقة الشخص يكون مخيرا بين موضوعي الامر والذي هو محل الكلام هو القسم الثاني من اقسام التخيير المسمى بالتخيير الفرعي وقد عرف بالواجب الذي له بدل وانه يسقط بفعل احد طرفى التخيير وهما اما ان يكونا من قبيل

٤٩

المتواطي او من قبيل المشكك المختلفين بحسب القلة والكثرة أو من قبيل المتباينين لأنه اما ان يكون بين الطرفين جامع أو لا وعلى الاول فاما ان ينطبق الجامع على الطرفين بالسوية كالتخيير بين زيد وعمر فهو المتواطي وإلّا فهو المشكك كالتخيير بين الاقل والاكثر مثل التخيير بين الواحد والاكثر في التسبيحات الاربع وكالخط بين الطويل والقصير وعلى الثاني أي لا يكون بينهما جامع كخصال الكفارة فهو المتباينين. اذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان حقيقة الواجب التخييري هو تعلق الارادة بكل من الطرفين إلّا انها ليست ارادة تامة التي هي عبارة عن سد ابواب العدم من جميع الانحاء وانما هي ارادة ناقصة تتعلق بكل واحد من الطرفين التي هي عبارة عن سد ابواب العدم إلا من ناحية وجود الطرف المقابل بمعنى انها تسد ابواب عدمه الا باب عدمه فى ظرف وجود الطرف المقابل بنحو لا تكون الارادة المتعلقة بكل واحد من الطرفين محركة فى حال وجود الطرف الآخر ولازم ذلك هو جواز ترك احدهما في ظرف وجود الآخر وعليه تكون كل خصوصية من الطرفين او الاطراف متعلقة للارادة وحينئذ يكون التخيير بين الطرفين شرعيا لتعلق الامر الناشئ عن الارادة بكل واحد من الطرفين او الاطراف مع الخصوصية المقومة للفردية.

وبما ذكرنا لا يلزم من الالتزام بالواجب التخييري الشرعي محذور صدور الواحد من الكثير اذ ذلك لو سلم في مثل المقام فانما هو لو فرض كون الارادة المتعلقة بالطرفين ارادة تامة وقد عرفت انها ارادة ناقصة تتعلق بكل من الطرفين فما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما ملخصه انه ان كان كل من الطرفين وافيا بغرض واحد ولم يكن لخصوصية كل واحد منهما دخل فى الغرض بل كلاهما

٥٠

مشتركان فى مقام التأثير فيكون الواجب فى هذه الصورة هو الجامع بينهما بمناط انهما يشتركان فى التأثير لأن الواحد لا يصدر منه إلا شىء واحد فلا يصدر الواحد من الاثنين لظهور السنخية بين العلة والمعلول فيكون التخيير عقليا محل تأمل بل منع لما عرفت ان ذلك يتم لو كانت الارادة المتعلقة بالاطراف ارادة تامة ولا يعقل تحققها فى كل واحد من الطرفين إلا بارجاعهما الى ارادة متعلقة بالقدر الجامع بين الطرفين ولازم ذلك أن يرجع التخيير الى كونه عقليا لا شرعيا مضافا الى أن هذا الكلام يتم بناء على تعلق الاوامر بالطبائع ، وأما على ما اخترنا من سراية الاوامر والنواهي من تلك الطبائع الى تلك الحصص فتكون تلك الحصص مأمورة بالامر الشرعي الناشئ عن الارادة إلّا انها حسب ما عرفت انها ناقصة بمعنى انها ناقصة في محركيتها اي ليست محركة للاتيان بمتعلقها فى ظرف وجود الطرف الآخر فيكون التخيير بين الطرفين أو الاطراف شرعيا من غير فرق بين أن تكون الاطراف تشترك في غرض واحد او لكل واحد منها غرض (١) وليس في المقام اشكال سوى الالتزام بتعدد العقوبة لو تركت

__________________

(١) لا يخفى ان النقص في الارادة بمعنى النقص فى محركيتها وداعويتها فى بعض الظروف والحالات امر غير معقول إلّا بتقيدها بغير حال وجود الطرف الآخر فيرجع حينئذ الى القول في الواجب التخييري بان وجوب كل واحد من الطرفين مشروط بعدم وجود الآخر إذ لا يعقل ان تكون الارادة المتعلقة بشيء موجودة من دون تقيدها بقيد ومع ذلك لا تكون الارادة محركة. فالحق ان الواجب التخييري الشرعي عبارة عما يكون التخيير بين الشيئين أو الاشياء فى لسان الدليل إذ لا معنى لاتصاف الشيء بالواجب ما لم يتعلق به الطلب فان كان الطلب

٥١

الاطراف ، ولكن لا يخفى انه لا مانع من الالتزام بذلك لتعدد الارادات الموجية لتعدد العقوبات على ان العقاب وعدمه يتبع فوت المصلحة فان كانت المصلحة فى الجميع واحدة فبترك جميع الاطراف تفوت مصلحة واحدة فيترتب عليه عقاب واحد ، والاستاذ (قدس‌سره) لم يتعرض لمرحلة للعقوبة بل اعرض

__________________

قد تعلق بكل واحد في لسان الدليل كان كل واحد منه هو الواجب في الظاهر والواقع وليس القدر الجامع هو الواجب ان لم يكن متعلقا للطلب فما ذكر المحقق (قدس‌سره) فى كفايته ما لفظه (كان الواجب في الحقيقة هو القدر الجامع بينهما) محل نظر إذ لا معنى لجعل الواجب هو القدر الجامع مع عدم اخذه في لسان الدليل لما عرفت من ان اتصاف الشيء بالواجب ما لم يكن متعلقا للطلب الالزامي مضافا الى ان ذلك خلاف الظاهر من كلمة (أو) في قوله افعل هذا أو ذلك فان ظاهرها دخول خصوصية كل واحد من الاطراف في المراد. ودعوى ارجاع التخيير الشرعي الى العقلي لكون الغرض الواحد يحصل من كل واحد من الطرفين أو الاطراف فلا بد ان يكون بين الاطراف جامع ويكون بذلك الجامع مؤثرا في الغرض الواحد وإلّا يلزم صدور الواحد من المتعدد ممنوعة بان هذه القاعدة لو سلمت فانما هى بالواحد الشخصي لا بالواحد النوعي مضافا الى انه لا يلزم ان يكون متعلق الطلب هو القدر الجامع لكي يكون التخيير عقليا لان اشتراكها فى ان كلا من الطرفين أو الاطراف مسقط للغرض لا يدل على ذلك بل يجوز ان يكون ذلك لاجل اشتراكها في قدر جامع بينها يكون هو الغرض من الطلب وملاكه مع كون متعلق التكليف هو كل واحد من الطرفين أو الاطراف لا ذلك القدر الجامع وبالجملة غاية ما دلت تلك القاعدة ان يكون بينهما قدر جامع هو ملاك الطلب والغرض وكون القدر الجامع هو ملاك الطلب والغرض منه لا يستلزم ان يكون هو متعلق الطلب فلم يثبت كون التخيير بين تلك الاشياء عقليا فافهم واغتنم

٥٢

عنها ويمكن ان يكون قد اعتمد على ما سيجيء في مسألة الترتب حيث قال ما لفظه (لا اظن ان يلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق فى صورة مخالفة الامرين لعقوبتين ضرورة قبح العقاب ... الخ.)

وحاصله اناط وحدة العقوبة وتعددها بالقدرة ولما لم يكن في هذا المقام قادرا فيكون العقاب واحدا وقد عرفت منا غير مرة انه لم تكن وحدة العقوبة وتعددها منوطين بالقدرة وانما هما منوطان بموافقة الامر ومخالفته.

ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه لارجاع التخيير الشرعي الى العقلي يجعل متعلق التكليف هو القدر الجامع أو العنوان الانتزاعي لما عرفت انه خلاف ظاهر الخطاب المتعلق بكل واحد من الاطراف على ان الامر الناشئ من الارادة لا يتعلق بالعنوان الانتزاعي الا يجعله آلة لما ينطبق ذلك العنوان فالمعنون بخصوصيته قد تعلق به الطلب وحينئذ يكون التخيير شرعيا وقد صحح بعض الاعاظم (قدس‌سره) التخيير الشرعي بتعلق الارادة التشريعية بكل من الاطراف إذ كما انها تتعلق بالامر المعين تتعلق بالامر المبهم القابل للانطباق على كل من الطرفين وفرق بين الارادتين وقال بان الارادة التكوينية لا يمكن ان تتعلق بالامر المبهم وانما تتعلق بالفرد لما هو معلوم انها لا تتعلق بالكلي في الخارج إلا مع الخصوصيات واستدل على ذلك بان الارادة التكوينية محركة لعضلات المريد نحو الفعل ولا يعقل تحريكها نحو الفعل المردد بخلاف الارادة التشريعية حيث انها عبارة عن احداث الداعي للمكلف نحو الفعل وذلك كما يمكن تعلقه بمعين يمكن تعلقه بامر مردد ، بمعنى ان المطلوب ليس خصوص واحد منهما بعينه وانما المطلوب امر مبهم قابل للانطباق على أي واحد من الاطراف ، ولذا ترى ان المولى يأمر عبده باتيان أحد الشيئين

٥٣

أو الاشياء فالعرف يرى ان كل واحد من الشيئين أو الاشياء امر مطلوب ، ولكن لا يخفى ان الارادة التشريعية كالارادة التكوينية لا يمكن ان تتعلق بالمردد حيث انها محركة لارادة المأمور به فى مقام الامتثال إذ لا معنى للامتثال إلا اتيان مراد المولى ولا يعقل ان تتعلق ارادة المأمور به في مقام الامتثال إلا بامر معين فعليه ان الارادة التشريعية لا يعقل ان تتعلق بامر مبهم إلا انك قد عرفت انها اذا كانت تامة أي بمعنى سد ابواب انعدامه من جميع الجهات. واما إذا كانت ناقصة بمعنى نقصا في محركيتها فتوجب سد ابواب العدم إلا من ناحية وجود الطرف الآخر فلا يكون مطلوبا مع وجود الطرف الآخر وقد صححنا الواجب التخييري بذلك.

ثم لا يخفى انه وقع الكلام فى التخيير بين الأقل والاكثر فقد يقال بعدم امكانه فان التخيير بين الطرفين لا يحصل إلا بان يتحقق لهما عدمان وهما عدم الضد في حال وجود الضد الآخر وعدمه فى حال عدم الآخر حتى يكون احد العدمين مرخصا فيه وبالآخر منهيا عنه كما ترى ذلك في المتباينتين ، ومقامنا ليس من ذلك القبيل فان الاكثر له عدمان عدم فى حال عدم الاقل وعدم مع وجود الاقل والاقل ليس كذلك فان له عدما واحدا وهو عدم الاقل في حال عدم الاكثر وليس له عدم في حال وجود الاكثر لانه موجود في ضمن الاكثر بعينه فاذا صار موجودا فيكون ذات الاقل واجبا بالوجوب التعيينى فلم يبق لنا معنى للتخيير إلا بين حد الاقل وحد الاكثر ، فان ذلك يمكن تصور التخيير بينهما إلّا انه يخرج عن التخيير بين الاقل والاكثر ويكون من قبيل المتباينين ويتحقق في الاقل حينئذ عدمان ، ولكن لا يخفى ان التخيير الشرعي فيما اذ لم يكونا

٥٤

ضدين لا ثالث لهما إذ لو كان كذلك فلا يعقل جريان التخيير الشرعي بل يكون التخيير ارشادا الى حكم العقل اذ الحدان ضدان لا ثالث لهما لأنه بعد ما وجب الاقل على ما عرفت تعيينا فبعد وجوده لا يعقل توجه التخيير الشرعي لانهما ضدان لا ثالث لهما لأنه ان اقتصر على الاقل تحقق حد الاقل وإلا تحقق حد الاكثر.

وقد انقدح بما ذكرنا انه لا يعقل التخيير بين الاقل والاكثر. نعم يمكن التخيير بنحو الارشاد بان يكون التخيير بين الحدين. وبما ذكرنا يمكن المصالحة بين من يقول بعدم الجواز مراده التخيير المولوي والقائل بالجواز مراده الارشادي ولا يخفى ان ما ذكرنا من التخيير الشرعي بين الاقل والاكثر فيما اذا لم يكن الاقل مأخوذا بشرط لا كالتخيير بين القصر والاتمام في اماكن التخيير إذ هو في الحقيقة يرجع الى التخيير بين المتباينين لأخذ الاقل بشرط لا.

وبالجملة محل البحث فى التخيير بين الاقل والاكثر هو اعتبار الاقل لا بشرط فان اخذ الأقل بذاته اي اعتبر لا بشرط فتحقق التخييري في التدريجيات محل نظر إذ اتيان الاقل بذاته يوجب سقوط الامر التخييري فلا يبقى وجه لوجوب الباقي فلذا لا يجتمع وجوب الاقل لا بشرط مع وجوب الاكثر واما فى الدفعيات فتصوره مشكل إذ يجوز ترك الزائد على الاقل لا الى بدل فحينئذ يخرج عن كون الاكثر عدلا لعدم وجوبه اصلا لا تعيينيا ولا تخييرا اما عدم كونه تعيينيا لجواز تركه والتعيينى لا يجوز تركه اصلا واما تخييرا لجواز ترك الزائد الذي هو محصل لعنوان الاكثر لا الى بدل.

٥٥

العينى والكفائى

المبحث السادس : ينقسم الواجب الى العيني والكفائي لأن الامر ان كان متوجها الى آحاد المكلفين بالخصوص بنحو لا يكون الاتيان من بعض يوجب سقوطه عن الآخرين كالصلاة والصوم وغيرهما فهو الواجب العينى وان كان يسقط الواجب بفعل بعض عن الآخرين ولو تركوا جميعا استحق جميعهم العقاب فهو الواجب الكفائي اما الاول فلا اشكال في تصويره كما هو اغلب الواجبات العبادية وغير العبادية وانما الكلام فى تصوير الواجب الكفائي قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية انه سنخ من الوجوب وله تعلق بكل واحد بحيث لو أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعا وان سقط عنهم لو اتى به بعضهم ... الخ الظاهر ان غرض الاستاذ من كونه سنخا من الوجوب انه نظير سنخ الوجوب التخييري وان كانا يفترقان من حيث لتعدد فان التعدد هناك في متعلق التكليف مع كون المكلف واحدا وهنا التعدد في المكلف ثم قال لانه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الكل أو البعض كما ان الظاهر هو امثال الجميع لو أتوا به دفعة واستحقاقهم للمثوبة ويسقط الغرض بفعل الكل

٥٦

كما هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد (١) ولكنك قد عرفت منا

__________________

(١) لأن العلل المجتمعة يوجب ان يكون الاثر مستندا الى الجامع بينهما لامتناع الاستناد الى كل منهما ففي المقام لما كان فعل المكلف علة لحصول الغرض فعند فعل الجميع يكون الاثر مستندا الى الجامع ولا ينافي ذلك ما تقدم من ان الواحد لا يصدر من الاثنين بما هما اثنان فان ذلك لا دخل له فى اجتماع العلل المتعددة على معلول واحد فان حاصل الاشكال كما اشار اليه الاستاذ في الكفاية بل صرح به مرارا في انه لا يمكن ان يكون الشيء الواحد صادرا تارة من هذه العلة وتارة من علة اخرى لأنه لا بد من مناسبة وربط خاص يحصل بين العلة والمعلول وإلّا لاثر كل شيء في كل شيء وحينئذ فاذا كان هذا الشيء الواحد صادرا من هذه العلة كان مناسبا لها فلا يمكن ان يكون صادرا تارة من علة وتارة من علة اخرى إذ لا يمكن ان يكون الشيء الواحد مناسبا لامرين متباينين بمحذور هذه القاعدة فى مسألة صدور الواحد من اثنين هو الذي ذكرناه بمعنى عدم معقولية مناسبة الشيء الواحد لشيئين متباينين لا لزوم تحصيل الحاصل كما يتوهم إذ ليس الغرض من صدور الواحد عن اثنين انه بعد ان يوجد بالعلة الاولى بمناسبة فكيف تكون الثانية موجدة له ايضا لكي يكون من تحصيل الحاصل بل المراد ان ذلك الشيء الواحد لا يمكن ان يوجد تارة بهذه العلة واخرى بعلة اخرى مثلا تارة يسقط الغرض باتيان الاطعام واخرى بالعتق حيث انه مقتضى حصوله بالاطعام ان يكون بينه وبين الاطعام مناسبة خاصة وربط خاص واذا كان مناسبا للاطعام فلا يعقل ان يكون مناسبا للعتق مع كون العتق مناسبا للاطعام كما يكون مناسبا للصيام مثلا فلذا لا بد من القول فيما لو اتحد الغرض فى الامور الثلاثة من ان يكون بينهما جامع هو المؤثر في اسقاط الغرض على ان محذور صدور الواحد عن اثنين بما هما اثنان هو لزوم وجود سنخيتين متباينتين لشيء واحد مع شيئين مختلفين لا لزوم

٥٧

سابقا ان الارادة المتعلقة بافعال المكلفين في الواجب التخييري لم تكن ارادة مطلقة وانما هي ارادة ناقصة فبذلك صححنا الواجب التخييري وبه نصحح الواجب الكفائي فان الارادة المتعلقة بفعل كل واحد من المكلفين لم تكن مطلقة بنحو يسد باب انعدامه مطلقا اي مطلقا من حيث وجود فعل الآخر وعدمه وانما تكون مشروطة بعدم فعل الآخر والحاصل ان الواجب الكفائي مع الواجب التخييري يشتركان فى طلب الفعل على تقدير دون تقدير ويفترق عنه ان في الواجب التخييري التخيير واقع بين الاشياء كلها وفي الواجب الكفائي واقع بين اشخاص المكلفين فانهم لو جاءوا بالمأمور به سقط الامتثال والتكليف وهذا السقوط تارة ينشأ من جهة ارتفاع موضوع التكليف كتغسيل الميت فانه لو غسل يسقط عن الآخرين لارتفاع موضوعه فلا معنى لتكليف الآخرين واخرى ينشأ من كون الغرض متعلقا بالجامع فبإتيان البعض يرتفع مقتضى التكليف عن الباقين وثالثة ينشأ من اشتراط الامتثال من احدهم بعدم القيام به من الغير وفرق بين المنشأ في الاخير وما قبله فانه على الاخير يمتنع امتثال الجميع دفعة واحدة بخلاف الصورة التي قبلها وعلى الصورة الاخيرة يجوز ان يكون عدم امتثال الغير شرطا في الواجب كما انه يصح ان يكون شرطا للوجوب هذا كله بحسب مقام الثبوت وأما بحسب مقام الاثبات لا بد من ملاحظة لسان الدليل فان كان دالا على احد تلك الانحاء المتقدمة فيجب الأخذ به وان لم يدل لسان الدليل على نحو خاص فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية للشك في قيام الغير بالمأمور به فانه على تقدير جعل عدم امتثال الغير شرطا للوجوب فالشك فى قيام الغير يوجب

__________________

تحصيل الحاصل على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

٥٨

الشك في الشرط وهو من الشك في اصل التكليف فمع عدم وجود اصل موضوعي ينقح عدم قيام الغير يكون حينئذ مجرى للبراءة وأما لو كان هناك اصل موضوعي فيجب الاتيان على وفقه لتقدمه على اصل البراءة وأما على تقدير جعل عدم امتثال الغير قيدا للواجب فلا تجري البراءة لانه على ذلك التقدير يكون شكا في سقوط الامر واذا رجع الشك اليه فالقاعدة تقتضي الاتيان به لاشتغال الذمة في المأمور به وبما ذكرنا تظهر الثمرة في رجوع القيد الى الواجب أو الى الوجوب اللهم إلّا ان يقال انه لا ثمرة فى المقام في ذلك لانه قل ما يوجد مورد خال من الأصل الموضوعي ينقح به الشرط المترتب عليه التكليف وأما لو حصل الشك في قيام الغير على الصورة المتقدمة فالحكم فيها كالحكم في الاخير من جريان قاعدة الاشتغال لانه يكون حينئذ من الشك في القدرة والعقل حاكم بالاتيان حتى يعلم اليقين بالعجز.

الموسع والمضيق

المبحث السابع : ينقسم الواجب الى الموسع والمضيق لانه أما ان يعين له وقت فهو الموقت أو لا يوقت بوقت فهو غير الموقت وعلى الأول أما ان يكون الوقت الذي عين له بمقدار امتثاله كالصوم الذي عين له مقدارا من الزمان وهو من طلوع الفجر الى دخول الليل المطابق ذلك الزمان لامتثال الصوم من دون زيادة أو نقيصة فيسمى بالمضيق وان كان ما عين له من الوقت اوسع من مقدار الامتثال فيسمى بالموسع وأما كون مقدار الامتثال ازيد من الزمان المعين له فهو غير معقول إذ هو من قبيل تكليف ما لا يطاق إلّا ان يكون الوقت مجعولا لبعض

٥٩

اجزاء المطلوب كما لو صلى في آخر الوقت ولم يدرك إلا ركعة فبدليل الجعل اي قوله (ع) (من ادرك ركعة من الوقت فكأنما أدرك الوقت بتمامه) يصحح ذلك الامتثال وأما الموسع فقد نوقش بانه مستلزم لترك الواجب لجواز تأخيره الى آخر الوقت ولكن لا يخفى ان الواجب هو الجامع بين الافراد الطولية ولم يكن المطلوب الجامع بنحو السريان وانما هو بنحو صرف الوجود فالعقل حينئذ يخير بين تلك الافراد إذ لا فرق عنده بين الافراد العرضية والطولية كما انه اشكل على المضيق بانه لا بد ان يكون الزمان المعين له ازيد من ظرف امتثاله ولو بآن ما ، لان البعث لا بد ان يتحقق قبل الانبعاث ، ولكن لا يخفى فان تقدم العلة على المعلول تقدم رتبي ولا يحتاج الى التقدم الزماني وكيف كان فلا اشكال في وقوعهما شرعا فالاول كاكثر الواجبات كالصلاة اليومية والثاني كالامر بالصيام والوقوع ادل شيء على الامكان ثم لا يخفى انه لا ثمرة عملية للتعرض الى ان الوقت من قيود الواجب او من قيود الوجوب بعد ما فرض كون الوقت امرا غير اختياري للعبد ولا بمناط تحققه باختيار العبد فحينئذ ان حصل الوقت وجب امتثال التكليف المتوجه في ذلك الوقت وإلّا فلا من غير فرق بينما فرض قيدا للواجب أو للوجوب نعم لو كان امرا اختياريا يمكن جريان الثمرة وأما قصة مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام في رد الشمس كما ردت الى يوشع بن نون فهي معجزة خارجة عن قدرة البشر فاذا عرفت ذلك فاعلم انه ربما توهم ان قصة مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام تكون دليلا على كون الوقت شرطا للواجب لانه لو كان شرطا للوجوب لكان التكليف ساقطا بخروج الوقت وبعبارة اخرى ان تلك القصة تكشف عن كونه شرطا للواجب وربما يجاب عن ذلك بان رد الشمس له شوقا الى العبادة ليدرج نفسه فى موضوع التكليف

٦٠