منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

فلذا صح انطباقه على القليل والكثير فهو كاسم الجنس وان كان فرق بينهما من حيث التعريف باعتبار انه قد أخذ فى مفهوم علم الجنس الاشارة الذهنية وذلك يوجب ترتب أحكام المعرفة عليه فان حقيقة الاشارة نحو توجه النفس الى الصور وهو غير مرتبط بعالم اللحاظ لكي يشكل بانه لا ينطبق على ما في الخارج ولذا ترى عند لحاظ صور متعددة توجه النفس الى بعضها دون البعض الآخر وتشير الى ان بعضها أحسن من البعض فحينئذ يكون التقييد بمثل ذلك لا يضر بانطباقه على ما في الخارج فدعوى ان التقييد بمثل ذلك يوجب عدم انطباقي المقيد به على ما في الخارج فى غير محلها لما عرفت أن ذلك لو كان من سنخ اللحاظ لأوجب ذلك عدم الانطباق إلا أنك قد عرفت ان توجيه النفس والاشارة ليست من سنخ اللحاظ على انه لو كان من سنخ اللحاظ قلنا بان علم الجنس موضوع للطبيعة بلحاظ التعيين لكي يترتب عليه احكام المعرفة حقيقة لا لفظا (١) فيشكل عليه

__________________

(١) الذي يظهر من بعض كلمات اعلام أهل العربية هو أن تعريف اسم الجنس لفظى كالتأنيث اللفظي كمثل غرفة وبشرى وصحراء قال الشيخ نجم الائمة (قدس‌سره) فالحق ان العلمية فى مثل اسامة لفظي وقال في مبحث العلم اذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء ونسبة لفظية نحو كرسي فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي اما باللام كما ذكرنا قبل وأما بالعلمية كما في اسامة وبذلك قال الاستاذ المحقق الخراساني في كفايته ما لفظه : (لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه اصلا كاسم الجنس والتعريف فيه لفظي) والظاهر أن المراد من التعيين الذهني فى كلمات القوم كون المعنى له مطابق فى الذهن وذلك يوجب نحوا من التعيين كالتعيين الحاصل للمعهود الذكرى والخارجي غاية الأمر ان منشأ حضور المطابق الذهني يختلف فتارة يكون منشؤه تقدم الذكر

٣٤١

بعدم الانطباق على ما فى الخارج ولكن لا يخفى إن هذا الاشكال انما يتم لو كان التعيين جزء أو قيدا للموضوع له إذ لا يعقل انطباق ما هو مقيد بخصوصية لا توجد إلا في الذهن على ما في الخارج واما اذا لم يؤخذ القيد على هذا النحو بل أخذ على نحو المرآتية بان يكون مرآة واشارة الى المعنى الموضوع له الذي هو الطبيعة وليست بما هي هى بل بما هي حصة مساوقة للخصوصية الذهنية بنحو خروج القيد والتقييد بان يكون لفظ علم الجنس موضوعا لنفس ذات المعنى التي تعلق بها الاشارة ويكون المعنى قد أخذ بالنسبة اليها على نحو التوأمية وبذلك يفرق عن اسم الجنس فانه موضوع لنفس المعنى غير المقيد لما يشار اليه أو بما لا يشار اليه وبما ذكرنا من الفرق عد علم الجنس من المعرفة حقيقة ولا يخفى أن الفرق بين الجنس واسم الجنس هو الفرق بين المعاني الاسمية والحرفية على ما ذكرنا في المعنى الحرفي من أنه عبارة عن معنى توأم مع اللحاظ الآلي والمعنى الاسمي هو التوأم مع اللحاظ الاستقلالى وعلى ذلك يحملنا عبارة الفصول فلذا لم ترد عليه الاشكالات الثلاثة التي

__________________

اما صريحا أو ضمنا ، واخرى حضوره الخارجي وثالثة غير ذلك كأسامة مثلا فانها موضوعة لنفس الأسد المتعين حضوره في ذهن السامع قبل الكلام كالمعرف بلام الجنس فانه كعلمه غاية الأمر ان فى المعرف بلام الجنس يستفاد التعيين من لامه وفى علم الجنس يستفاد من لفظه وهكذا لام العهد الذهني فانه كلام الجنس غاية الأمر الفرق بينهما ان مدلول الأول الفرد المنتشر ومدلول الثاني نفس الجنس.

وبالجملة الموضوع في علم الجنس هو المعنى الذي له مطابق فى الذهن وبذلك بعد علم الجنس من المعرفة حقيقة كما هو شأن المعارف من كونها حاكيات عن المفاهيم بما انها لها مطابق فى الذهن فلا تغفل.

٣٤٢

ذكرها الأستاذ (قدس‌سره).

ومنها الجمع المحلى بالالف واللام فقد قيل بدلالته على العموم لأجل دلالة اللام على التعيين ولا تعيين إلا للمرتبة الأخيرة والظاهر استفادة ذلك من الاطلاق لا من الوضع فدعوى دلالته عليه بالوضع فى غير محلها لعدم وضع المدخول لذلك كما ان دعوى ان دلالته على العموم ناش من التعيين حيث لا تعيين إلا للمرتبة الاخيرة محل اشكال فلذا الحق استفادة المرتبة الاخيرة التي هى الاستغراق من الاطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة وفاقا للاستاذ (قدس‌سره) في العام والخاص ما لفظه (بل انما يفيده فيما اذا اقتضته مقدمات الحكمة) فلا تغفل.

ومنها النكرة كرجل مثلا فانه قيل انها من المطلق بتقريب أن معناه هو مفهوم الواحد الصالح للانطباق على القليل والكثير ولكن لا يخفى ما فيه للفرق بين النكرة ومفهوم الواحد فان النكرة يعتبر فيها التشخص الخارجي وانما التردد حصل من عدم معرفة الحد الخارجي بخلاف الواحد فانه لم يؤخذ فيه الخصوصية الخارجية فينطبق على القليل والكثير ولذا عد الواحد واسم الجنس من قبيل الكلي والنكرة من قبيل الجزئي الحقيقي ، فلو قيل اكرم واحدا فانه يحصل الامتثال لو اكرم جماعة بخلاف ما لو قال اكرم رجلا فانه لا يمتثل بالجميع بل باحدهم وقد عرفت سر ذلك فان النكرة لما كانت الخصوصية الخارجية داخلة من مفهومها صارت مأخوذة فى حيز الطلب بخلاف الواحد فانه لما لم تكن الخصوصية داخلة في مفهومه فلذا لم تكن مأخوذة في حيز الطلب فما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما لفظه (من كونها قابلا للانطباق) مبني على كون معنى النكرة كليا طبيعيا قد قيد بمفهوم الوحدة فيكون كمثل الرجل العالم العادل الصالح للانطباق

٣٤٣

على الكثير انطباقا عرضيا ولكنه محل منع اذ الوحدة المأخوذة فى معنى النكرة هى الحاكية عن التشخص الخارجي وحينئذ غير صالح للانطباق على الواحد على البدل وبذلك يمتاز عن اسم الجنس ولفظ الواحد وبتقريب آخر ان مفهوم النكرة هى الطبيعة المقيدة يكونها فى ضمن أحد الشخصيات بنحو يكون القيد هو التشخص غير المعين فينطبق على الخارج على البدل وذلك يلازم الفرد وحينئذ يكون قابلا للصدق على كثيرين بواسطة عدم تعينه واقعا وبذلك يمتاز عن اسم الجنس فان قبوله للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا فالنكرة هى وسط بين اسم الجنس والفرد فهي تشارك اسم الجنس في قبولها الصدق على كثيرين وتمتاز عنه بان الصدق فيها على البدل وفيه صدقا عرضيا كما انه تمتاز عن الفرد بقبولها للصدق على كثيرين دونه لعدم صدقه على ذلك ولذا عبر عنه بالفرد المنتشر لأخذ التشخص في مفهومه وبذلك يكون فردا ولأجل عدم تعيين القيد كان القيد منتشرا بالنسبة الى الخصوصيات المتعينة بنحو يصلح للانطباق على كل منها انطباقا بدليا.

ودعوى ان النكرة كاسم الجنس في قبولها للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا فهي انما تتم هذه الدعوى بناه على أخذ مفهوم الوحدة في مفهوم النكرة ولكنك قد عرفت فساده إذ ذلك ينافي كون النكرة فيها معنى الفردية ولازم ذلك أخذ مصداق التشخص في مفهومها فحينئذ يكون انطباقها على كثيرين انطباقا تبادليا وهى كالفرد المنتشر من حيث أخذ مصداق التعيين الذاتي في قبال الفرد المعين فان أخذ التشخص فيه بنحو يكون عرضيا ملحوظا في قبال الغير الطارد لغيره وبذلك صح اطلاق المطلق عليه بهذا اللحاظ بخلاف الفرد المعين فانه لا يطلق عليه المطلق لعدم شيوع له من حيث الفردية.

٣٤٤

نعم لا مانع من صحة اطلاق المطلق من حيث الحالات. ثم لا يخفى ان النكرة تطلق على اسم الجنس باعتبار كونها حاكية عن نفس الطبيعة العارية عن أداة التعريف بلام أو غيره كما هو المعروف عند علماء العربية أن اسم الجنس نكرة فى قبال علم الجنس أو المعرف بلامه فحينئذ يكون هذا الاطلاق على اسم الجنس القابل للصدق على كثيرين صدقا عرضيا وبهذا الاطلاق تمتاز النكرة عن الفرد المنتشر لكونها أوسع منه إذ لا يطلق الفرد المنتشر على الاطلاق الثاني بل ربما يقال بان تعريفها بالمعنى الثاني يغاير تعريفها بالمعنى الأول حيث انها على الثاني تكون من الماهيات البسيطة ويكون تعريفها كعلم الجنس أو المعرف بلامه قابلا للانطباق على كثيرين انطباقا عرضيا بخلاف تعريفها على المعنى الاول فانه غير صالح للصدق على كثيرين وهو المعبر عنه بالفرد المعين.

كما أن النكرة تطلق على الفرد المعين كما لو قال جاءني رجل حيث أن الأخبار تحكي عن واقع معلوم.

فتحصل مما ذكرنا أن النكرة لها اطلاقات ثلاث تطلق على الفرد المنتشر وعلى مفهوم اسم الجنس ، وعلى الفرد المعين ، وعلى الأولين يطلق عليها اسم المطلق لقبولها الانطباق على كثيرين في قبال المعنى الاخير غير قابل للانطباق عليها ، غاية الأمر أن الاطلاق بالمعنى الأول قبولها للانطباق على كثيرين انطباقا بدليا ، وعلى الثاني انطباقا عرضيا. ومما ذكرنا ظهر الفرق بين جئني برجل وجاءني رجل فان الأخبار تحكي عن واقع معلوم والانشاء لا يحكيه بل يتعلق برجل لا تعين له فى عالم الخارج فالفرق بينهما ناشئ من الخصوصية الكلامية وهي لا توجب تغايرا في الحقيقة والذات كما لا يخفى.

٣٤٥

مقدمات الحكمة

الفصل الثالث في بيان جريان مقدمات الحكمة فنقول ان دلالة المطلق كرجل مثلا على الماهية المبهمة المعبر عنها باللابشرط المقسمي بالوضع وان الشياع والسريان خارج عما وضع له ويستفاد من دال آخر وهو الحكمة وهي تتوقف على مقدمات وهي كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده بهذا الكلام ولم تقم قرينة ولم يكن هناك قدر متيقن فمع هذه المقدمات (١) يحكم العقل بالاطلاق جزما. إن

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) في بيان مقدمات الحكمة انها على ثلاثة أقسام :

الأول أن يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد فلا يجري ما اذا لم يكن كذلك كالتعبدية والتوصلية فانهما غير قابلين لطرو الاطلاق والتقييد.

الثاني ان يكون المولى فى مقام البيان لا في مقام التشريع أو فى مقام بيان حكم آخر فاذا لم يكن في مقام البيان بل كان في مقام التشريع كمثل (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ونحو ذلك مما يكون لبيان أصل التشريع فلا يجوز التمسك بالاطلاق وكذلك اذا كان فى بيان التعرض لحكم آخر كقوله (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) فانه في بيان حلية الاكل وليس فى بيان طهارة محل العضو الذي عضه الكلب المعلم حتى يتمسك بالاطلاق فيحكم بجواز أكل موضع العض من دون تطهير ، واما فيما اذا لم يكن فى مقام التشريع ولا لبيان حكم آخر فبأي شيء يتمسك الاطلاق فنقول يمكن ذلك بالأصل العقلائي الجاري فى كل متكلم ، فان الأصل فى كل من تكلم بكلام ان يكون كلامه كاشفا للمراد وانه ليس في مقام الاجمال والاهمال

٣٤٦

كانت المقدمات جزمية وإلا فظنية فبجريان هذه المقدمات نستكشف مراد المولى وربما يستشكل ويقال أن عندنا مرحلتين ومقامين مقام الواقع ومقام الحجية

__________________

الثالث عدم وجود قيد وانه من عدم وجود القيد يستكشف انه اراد الاطلاق وإلا لأخل بغرضه ولا يفرق بين استفادة القيدية من المتصل والمنفصل وان كان فيه فرق من جهة اخرى حيث ان المتصل يرفع الظهور المساوق لما قال والمنفصل يرفع الدلالة التصديقية المساوقة لما أراد إلا انه بالنسبة الى ما نحن فيه لا يفرق الحال فيه اذا تمت هذه المقدمات يستكشف من العدم في مقام الاثبات العدم فى مقام الثبوت فاذا حصل ذلك تم الإطلاق ويؤخذ به وبذلك يكون حجة ولا يحتاج الى اضافة ما هو المنقول عن شريف العلماء حتى صار متداولا في ألسنة تلامذته كصاحب الضوابط وغيره بانه لو كان للبعض لكان ترجيحا بدون مرجح ولو كان للبعض المعين لبينه فان هذه المقدمة وان كانت صحيحة في نفسها إلا انه لا يحتاج اليها فى هذا المقام وانما يحتاج اليها فيما لو علم اجمالا بخروج بعض الافراد ولكن شك في انه اي شيء هو المراد فيحتاج الى ذلك من غير فرق بين الأدلة اللفظية والاصول العملية كما انه ايضا لا يحتاج الى احراز كون المتكلم حكيما كما يستفاد من بعض العبارات لجريان الأصل الذى ذكرناه فى كل كلام صدر عن متكلم من غير فرق بين كونه حكيما وغيره ولعل منشأ هذا التوهم هو التعبير عن تلك المقدمات بمقدمات الحكمة فتوهم اعتبار كون المتكلم حكيما ولعل المراد بالحكمة هو حكمة المتكلم أي ان طبع المتكلم اذا تكلم لا بد وان يبين تمام مراده ثم ان صاحب الكفاية (قدس‌سره) جعل من المقدمات انتفاء القدر المتيقن ولكن لا يخفى انه لا يتم إلا بناء على مختاره من أن الاطلاقات والعمومات من باب ضرب القاعدة والارادة فيها ارادة استعمالية ولكن لا يخفى ان استفادة الارادة الاستعمالية وضرب القاعدة من دليل آخر دال على صرف التعبد في الظهور

٣٤٧

والمقدمات سواء أكانت جزمية أم ظنية انما تثبت مقام الحجية وليس لها دخل بمقام الواقع فان الكلام الذي يتلقاه المخاطب بجريان المقدمات يصير حجة لو لم

__________________

والعمومات والاطلاقات ليست إلا لبيان الحكم الواقعي والغرض الاصلي مضافا الى انه لا يلتزم به فى جميع الموارد. نعم فى مسألة التجاوز خصص الدليل بالمورد.

فنحصل مما ذكرنا ان التمسك بالاطلاقات تحتاج الى المقدمات الثلاثة فعند جريانها يستكشف من العدم فى مقام الاثبات العدم في مقام الثبوت بالدليل الآتي.

اقول الظاهر ان كلام المحقق الخراساني فى الكفاية غير مبني على ضرب القاعدة والارادة الاستعمالية إذ ليس المراد من القدر المتيقن هو التخصيص بالمورد بل الظاهر أن مراده هو قسم من الانصراف الذي لا يبلغ حد التقييد بل يكون من قبيل المحفوف بالقرينة ثم ان مقدمات الحكمة انما تجري للعلم بمراد المتكلم واستكشاف مراده ثبوتا لا أنها تجري لرفع تحير المخاطب فان ذلك اجنبي عن استفادة تلك المقدمات إذ الاستفادة منها ربما تتوقف على جريانها في مصب الاطلاق مرتين الأول من حيث الأنواع بمعنى ان الحكم الوارد على العالم فى قولنا اكرم العالم بالنسبة الى جميع انواعه الثاني من حيث كل نوع باعتبار افراده بمعنى انه ليس لبعض الافراد جهة مانع أو مزاحم وجريان مقدمات الحكمة من الجهة الأولى لا تغني عن الجهة الثانية بل تحتاج مع ذلك الى جريان مقدمات الحكمة ايضا ولا فرق بين العمومات والاطلاقات في احتياجها الى مقدمات الحكمة في الجهة الأولى. نعم فرق بينهما بالنسبة الى الجهة الثانية فان استفادة العموم من لفظ العام بالنسبة الى تلك الجهة بالوضع بخلاف الاطلاق فان استفادة الاطلاق من لفظ المطلق يحتاج الى جريان مقدمات الحكمة ثم أن الاستاذ الشريف (قدس‌سره) ذكر للانصراف خمسة عشر قسما العمدة منها ثلاثة اقسام أحدها الانصراف

٣٤٨

يكن هناك جهة اخرى فيمكن تخلفه عن الواقع ولذا لو ظفر بالمقيد انكشف له الواقع والى ذلك اشار الاستاذ (قدس‌سره) في كفايته ما لفظه : (ثم لا يخفى ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك واظهاره وافهامه ولو لم يكن عن جد بل قاعدة وقانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة اقوى على خلافه لا البيان فى قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم فى مقام البيان ولذا لا ينثلم به اطلاقه وصحة التمسك به اصلا) ولكن لا يخفى أن معنى حجية المطلق كشفه عن مراده فاذا كانت المقدمات جزمية كان المطلق كاشفا تاما عن الواقع عن مراد المولى ولم يحصل التفكيك بين الحجية ومراد المولى فمع ورود المقيد اما أن يطرح أو يئول ولا يكون

__________________

الناشئ من كثرة الوجود ويسمى انصرافا بدويا ثانيها ما يكون ناشئا من قبيل التشكيك فى الماهية وحينئذ تارة يكون بالغا حد القيدية واخرى لا يكون بالغا حدها بل يكون نظير الكلام المحفوف بما يحتمل القرينية وعلى الاخيرين لا يجوز التمسك بالاطلاق لانتفاء المقدمة الثالثة التي هي عبارة عن القيد أو ما يحتمل القيدية ثم انه مما يتفرع على النزاع بين سلطان العلماء والمشهور في اطلاق المطلق على المقيد فعلى الاولى حقيقة وعلى الثاني مجازا وقد اخترنا القول الاول فتعين كون الاطلاق اطلاقا حقيقيا واستفادة القيد من دال آخر ويكون حاله حال استعمال العام فى المخصص فقد اخترنا كونه حقيقة فيه ففى المطلق بطريق أولى من غير فرق بينهما فى كون التقييد بالمتصل أو بالمنفصل واما على مسلك المشهور فلا بد من القول بالمجازية لان الذي كان موضوعا للاطلاق كالرقبة الموضوعة للرقبة أي رقبة فلما قيد زال ذلك الاطلاق واستعمل فى غير الموضوع له فيكون مجازا لانه تعدى عن موضوعه الاصلى وعليه ايضا لا يفرق بين أن يكون التقييد بالمتصل أو بالمنفصل كما لا يخفى

٣٤٩

من باب تعارض الحجتين بل من باب تعارض الحجية واللاحجية.

ان قلت ان الأصحاب كلهم اجمعوا على انه قبل الظفر بالمقيد يعملون بالمطلق ومع الظفر يطرحون المطلق ويعملون بالمقيد. قلت العمل بالمطلق قبل الظفر بالمقيد من جهة الأصل العقلائي فبجريانه يحرز الاطلاق ومع الظفر به يترك ذلك الأصل وهو ظهور كونه في مقام البيان ويعمل بمقتضى الظفر لأنه يكشف أن اتيان المطلق معه لم يكن فى مقام البيان فيرتفع الأصل هذا وربما يستشكل على القوم بان مقتضى جريان مقدمات الحكمة اثبات الاطلاق بنفسها من دون احتياجها الى مقدمة زائدة مع انها بالنسبة الى النواهي لا تثبت الطبيعة السارية التي لا تتحقق بصرف الوجود بل تحتاج الى تعدد الوجود الذي هو مقتضى ذلك فى النواهي نعم بالنسبة الى الأوامر يكون جريانها تثبت الاطلاق حيث انه مقتضاه أن يكون الموضوع فيها صرف الوجود وهو يتحقق باول وجود وبعبارة اخرى أن مقدمات الحكمة تقلب موضوع الحكم من نفس الطبيعة المهملة أي المعراة من جميع الحيثيات المعبر عنها باللابشرط المقسمي الى اللابشرط القسمي الذي هو الشياع بمعنى الصرف ولازمه سقوط الحكم قهرا باول وجوده أما بالاطاعة كما في الأوامر أو بالعصيان كما فى النواهي لاستحالة انطباق صرف الوجود على ثاني الوجودين مع أن استفادة الطبيعة السارية خصوصا في النواهى تحتاج الى مقدمة زائدة مع أن ظاهر المشهور عدم احتياج استفادة الاطلاق فى النواهى الى ازيد من ذلك وبالجملة يلزم الفرق بين الأوامر والنواهى باحتياج استفادة الاطلاق في النواهى الى مقدمة زائدة عليها دون الأوامر مع أن القوم لا يظهر منهم الفرق بينهما ولكن لا يخفى أن هذا الاشكال يتم لو كان طبع مقدمات الحكمة قلب موضوع الحكم من اللابشرط

٣٥٠

المقسمي الى خصوص اللابشرط القسمي واما لو قلنا بان طبعها لا يقتضي أزيد من أن مدلول لفظ المطلق هو الجامع بين اللابشرط وبشرط شيء الذي هو تمام الموضوع للحكم بلا دخل لخصوصية زائدة فيه وحينئذ أن هذا المعنى في طرف الأوامر ينطبق على أول الوجود كما عرفت أن الأمر عبارة عن طلب الوجود وذلك يحصل قهرا باول وجود الطبيعة وفي طرف النهى حيث أن المطلوب فيه عدم هذا الوجود فيكون تمام الموضوع فيه عدم الوجود الصادق على الوجودات المتعاقبة وذلك لا يحصل إلا بترك تمام افراده العرضية والطولية وبالجملة طبع المقدمات جعل الموضوع بتمامه نفس مدلول اللفظ غاية الأمر المدلول فى طرف الايجاد يتحقق بتمامه لأول الوجود وفي طرف الترك لا يتحقق إلا بترك تمام الافراد.

وبالجملة ان منشأ هذا التوهم كون المطلوب هو اللابشرط المقسمي وان طبع المقدمات الناشئة عن كون المولى بصدد البيان مع عدم ذكر القيد كون الوجود فى الذهن هو الطبيعة المجردة وانها تمام المطلوب الموجب ذلك ضيقا في انطباقها على ثاني الوجود ولكن عند التأمل انك تجد ان تلك المقدمات لا توجب كون الموجود الذهنى هو تمام المطلوب بل ان طبعها يقتضي أن مدلول اللفظ تمام الموضوع للخطاب وذلك يختلف بحسب الخطابات من كونها ايجادية كما فى الأوامر واعدامية كما في النواهي لاختلاف اقتضاء نفس الخطاب عقلا من دون اختلاف فى ناحية موضوع الحكم فان موضوع الحكم الأوامر والنواهى نفس الطبيعة المجردة إلا ان في الأوامر حيث انه يقتضي خطابها ايجاد موضوع الحكم وذلك عقلا ينطبق على أول الوجود ولا معنى لانطباقه على ثانيه وفي النواهي حيث انه المطلوب فيها اعدام تلك الطبيعة المجردة ولا يحصل ذلك إلا بخلو صفحة الوجود عنها الذي هو عبارة

٣٥١

عن ترك جميع الافراد العرضية والطولية نعم للشبهة مجال لو قلنا بان طبع المقدمات تقتضي قلب الطبيعة المعراة عن جميع الحيثيات المعبر عنها باللابشرط المقسمي الى اللابشرط القسمي ولكنك قد عرفت أن طبعها لا يقتضي ذلك.

ثم لا يخفى أن طبع مقدمات الحكمة يقتضي قلب ما هو الموضوع له من الطبيعة المعراة الى الطبيعة المجردة وبتلك يكون لفظ المطلق ظاهرا فيه ظهورا اطلاقيا كسائر الظواهر اللفظية غاية الأمر انه ليس هذا الظهور من الظواهر الظنية بل مرجعه الى الحكم العقلي الجزمي بالملازمة بين تلك المقدمات وبين الاطلاق إذ مع جريانها يحصل الجزم قهرا بذلك الاطلاق كما ان القيد يوجب الحكم العقلي بالملازمة بين ذكر القيد بالكلام مع التقييد وإلا لزم عدم فائدته بان يكون واردا مورد الغالب أو لبيان جهة اخرى. وبذلك يظهر ان كل عنوان يؤخذ في موضوع الحكم لا بد وان يكون بخصوصيته له دخل في المقصود زيادة على ما يستفاد من الكلام اطلاقا أو تقييدا.

وبالجملة دعوى ان جريان المقدمات لا يوجب الجزم بتحقق الظهور خلاف الانصاف نعم لا مانع من دعوى كون الظهور فى المقام كسائر الظواهر اللفظية بناء على جريان اصالة البيان فحينئذ يكون احراز هذا الظهور من الأصل العقلائي ويكون طريقا لاحرازه بناء على ان تلك المقدمات بوجودها الواقعي موجبة لظهور اللفظ كما انه لو قلنا بان اصالة البيان موجبة لكسب اللفظ ظهورا في المعنى المراد يكون ايضا من الظواهر اللفظية الظنية وحينئذ لا مانع في الصورتين من الاتكال عليه في مقام الاحتجاج نعم يشكل الاتكال على هذا الكلام فيما لو لم يكن ظهور في مقام البيان لعدم انعقاد بناء العقلاء على الأخذ بالاطلاق معه لرجوعه الى الظن بالظهور واتباعه محل اشكال إلا بناء على حجية الظن المطلق فلا تغفل

٣٥٢

تنبيهات المطلق والمقيد

وينبغي التنبيه على أمور : الأول : انه على مذهب سلطان العلماء يختلف انحاء الاطلاق فنحو يكون الاطلاق بحسب الافراد فقط وآخر يكون بحسب الحالات وثالثا يكون بحسب الأسباب ورابعا يكون من جميع الجهات ومقتضى الأصل هو الأخير وعلى المشهور لا يختلف حاله وسر ذلك ان سلطان العلماء التزم بالاطلاق بالقرينة والقرينة مختلفة فتارة تثبت الاطلاق من جميع الجهات واخرى تثبته من بعض الجهات ولكن المشهور لما قالوا بالوضع التزموا بالاطلاق من جميع الجهات فلا يعقل التفكيك بين انحاء الجهات بل إذا كان هناك اطلاق لا بد وأن يكون من جميع الانحاء.

التنبيه الثاني : ان الإطلاق على مذهب سلطان العلماء (ره) قد عرفت أنه محتاج الى مقدمات منها ان لا يكون ما يدل على تعيين الموارد فان كان ما يدل فلا يكون هناك اطلاق والقيد اذا كان عاديا للافراد بان يكون لازما بحسب العادة لا يمكن التمسك بالاطلاق كحال عدم القيد فمن ذلك ما لو قيل باختصاص الخطاب بالمشافهين فانه لا يعقل شموله للمعدومين بمجرد اطلاق اللفظ لاحتمال دخل الحضور في الخطاب وانما لم يذكر هذا الشرط لأحتمال الاستغناء عن ذكره.

التنبيه الثالث : قد عرفت مما ذكرنا أن من المقدمات أن لا يكون قدر متيقن في مقام التخاطب ولكن ربما يقال انه على اطلاقه محل نظر فان كونه في مقام البيان امر له انحاء فتارة يكون في مقام البيان بهذا اللفظ أو بغيره تمام مراده

٣٥٣

ولم يكن قاصدا الى أن يتفطن المخاطب الى ذلك واخرى يكون في مقام بيان تمام مراده بهذا اللفظ ولم يكن قاصدا الى تفطن المخاطب وثالثة يكون فى مقام بيان تمام مراده بهذا اللفظ ولكن كان قاصدا الى تفطن المخاطب والتفاته وهذا الشرط المذكور انما يتم فى الصورة الثانية واما على الصورة الأولى فمطلق ما يكون قدر المتيقن ولو كان من الخارج فهو يضر بالاطلاق إذ يصح للمولى أن يعتمد عليه وكذلك على الصورة الاخيرة ولكن لا يخفى ان الشروط انما اعتبرت مع التجرد عن القرينة ومع عدمه لا تجري لأن الصورة الأولى لا يكون الكلام وافيا بتمام المراد لأن ظاهر المتكلم أن يكون بخصوص هذا الكلام واف لمراده وعلى الصورة الأخيرة مما يندر ان يتعلق غرض المولى بالتفهيم ولم يبق من هذه الصور إلا الصورة الثانية وعليه جرت سيرة العقلاء ولذا جرى الاصل العقلائي وقد أخذ به في محاوراتهم.

وبتقريب آخر ان المتكلم اذا كان فى مقام البيان فتارة يكون في بيان تمام المراد بنحو يفهم المخاطب بانه تمامه واخرى يكون بصدد تمام المراد واقعا ولو لم يفهم المخاطب انه تمامه فعلى الاول لا بد من الاخذ بالاطلاق ولو كان في البين قدر متيقن لعدم احتمال دخل الخصوصية في المقصود إذ لو كان لها دخل لا خلت بالمقصود فدعوى اتكال العقل على الاخذ بالمتيقن في غير محلها إذ الاطلاق والتقييد بينهما تباين لرجوع الاطلاق الى عدم دخل الخصوصية في الغرض بخلاف التقييد لرجوعه الى دخل تلك الخصوصية فهما فى عالم الذهن متباينان لرجوعهما الى العدم والوجود فكيف يتصور وجود قدر متيقن بينهما فمع فرض كون المتكلم في بيان تمام المراد بنحو يفهم المخاطب بذلك لا يبقى مجال لاتكال المتكلم فى بيان غرضه

٣٥٤

على الاخذ بالقدر المتيقن واما كون الخاص هو القدر المتيقن لا يوجب دخل تلك الخصوصية فى الفرض مع ان المتكلم فى مقام بيان تمام مراده بهذا الكلام على نحو يفهم المخاطب واما على الاول فلا قصور في الاخذ بالقدر المتيقن لاحتمال كون خصوصية الخاص لها دخل فى تمام المراد وان لم يفهم المخاطب انه تمامه.

وبالجملة ان القدر المتيقن يضر بالاطلاق اذا كان المتكلم فى مقام تمام مراده الواصل الى المكلف ولو من الخارج وان لم يفهم انه تمامه واما اذا كان فى مقام بيان تمام مراده الواصل الى المكلف بالكلام الذي خاطبه به فلا يضر وجود القدر المتيقن بالاطلاق من قبل ذلك الكلام وفاقا للاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية كما لا يخفى.

التنبيه الرابع : لو تعارض عام ومطلق قالوا بتقديم العام بدعوى ان دلالة العام بالوضع ودلالة المطلق بمقدمات الحكمة ولا تجري تلك المقدمات مع دلالة العام لان دلالته بالوضع دلالة تنجيزية بخلاف دلالة المطلق فانها تعليقية أي فيما لم يكن هناك ما يدل على التعيين وحينئذ يصلح أن يكون العام بيانا ولكن لا يخفي على اطلاقه محل نظر بل انما يتم لو كان المتكلم بصدد أنه في مقام البيان بهذا الكلام أو بغيره فانه حينئذ يكون دلالة العام تنجيزيا والمطلق تعليقيا ، واما لو كان المتكلم في مقام البيان بهذا الكلام بالخصوص فلا بد من التعارض فيقدم ما هو اقوى ظهورا لانه يكون على ذلك الفرض كالعام تنجيزيا كما لا يخفى.

التنبيه الخامس : لا يخفى أن عمدة مقدمات الحكمة كون المتكلم فى مقام البيان وهو تارة يكون فى مقام بيان تمام المراد بهذا اللفظ المطلق فلا شبهة انه يكون مضادا مع التقييد إذ التقييد حينئذ مخالف لما هو بصدد البيان فعليه لا حاجة الى

٣٥٥

المقدمة الاخرى وهو عدم القرينة على التقييد إذ من لوازم البيان المذكور لزوم الاطلاق الموجب لظهور اللفظ بلا توقف على امر سلبي وهو عدم ذكر القيد وعليه لو وجد القيد فى كلام آخر يلزم طرحه ولا يصح الاخذ به لكون ظهور اللفظ بالاطلاق جزميا بل لو فرض احرازه باصالة البيان فيكون ظاهرا في عدم اقامة قرينة على التقييد وحينئذ لو ورد التقييد بكون مزاحما له فلا معنى للقول يكون ورود القيد موجبا لرفع الاطلاق حيث أنه يتوقف على عدمه فمع وجوده يكون رافعا له واخرى يكون المراد من كونه فى مقام البيان بيان تمام المراد بتمام كلام قد خاطبه به لا بخصوص اللفظ المطلق وحينئذ يكون البيان مقيدا بعدم ذكر القيد ولازمه دخل العدم في الاطلاق فمع حصول القيد يوجب رفع الاطلاق لكون حصوله متوقفا على عدمه ومما ذكرنا يظهر الاشكال فى اطلاق كلام الاستاذ فى الكفاية كما لا يخفى.

التنبيه السادس : للانصراف مراتب ثلاث فتارة ينصرف الذهن الى بعض الافراد بالنظر الاول ولكن يزول بالتأمل ويسمى باصطلاحهم بالانصراف البدوي واخرى تكون تلك الافراد المنصرف اليها متيقنة ولكن الشك في غيرها فانه يضر بالتمسك بالاطلاق لاحتمال اتكال المولى على ذلك وثالثة يكون المنصرف الى تلك الافراد المتيقنة مع القطع بعدم ارادة غيره من اللفظ فيسمى بالمبين.

وبالجملة ان الاول لا يمنع من التمسك باطلاق اللفظ وعلى الاخيرين يمنع من التمسك بالاطلاق وان أمكن الفرق بينهما فانه على أول الاخيرين لو جاء دليل آخر يشمل الافراد فمع وحدة المطلوب يقدم الثاني لانه يكون من باب تعارض

٣٥٦

الحجة مع اللاحجة بخلاف ثانيهما فانه لو جاء دليل آخر يكون من باب تعارض الحجتين فيؤخذ باقواهما ثم لا يخفى ان الانصراف ربما يكون في حالة دون اخرى كما لو كان المطلق منصرفا في حالة التمكن الى غير ما هو منصرف اليه في حال العجز كما في التيمم فى ضرب اليدين على التراب فان فى حالة الاختيار ينصرف الى باطن الكف وفي حالة الاضطرار ينصرف الى ظاهر الكفين والانصراف فى حالة الاختيار غير الانصراف فى حال التعذر وعليه لا وجه لما اعترضه بعض الاجلة كما لا يخفى.

ورود المطلق والمقيد

الفصل الرابع : اذا ورد مطلق ومقيد فلا يخلو اما أن يكونا في كلام واحد أو فى كلامين وعلى كلا التقديرين اما ان يكونا مثبتين أو منفيين أو مختلفين فان كان الأول وكانا في كلام واحد مثلا قال : اعتق رقبة ثم قال : اعتق رقبة مؤمنة المشهور على حمل المطلق على المقيد (١) ولكن التحقيق انه ان قلنا على ان صيغة

__________________

(١) توضيح المقام يتوقف على بيان امور الاول ان نسبة القيد الى المقيد نسبة القرينة الى ذيها فيقدم ظهور القيد على ظهور المقيد وان كان ظهوره اضعف لا أنه يقدم أقوى الظهورين مطلقا أو يفصل بينما يكون أمرين أو نهيين لما عرفت أن نسبة القيد الى مقيده نسبة الحاكم الى المحكوم ومن الواضح تقديم الحاكم على المحكوم ولو كان ظهوره اضعف فهنا دعويان الأول ان نسبة القيد الى المقيد نسبه القرينة الى ذيها الثانية أن نسبتها الى ذيها نسبة الحكومة.

٣٥٧

الامر تدل على الوجوب بالوضع فحينئذ يقدم على الاطلاق لان الاطلاق انما يكون معتبرا حيث لا يكون في قباله بيان على خلافه ومع فرض دلالة الصيغة على الوجوب

__________________

اما الأول : فان الظاهر أن جميع الفضلات من الحال والتمييز والمفعول فيه والمطلق من قبيل القرينة لان المستفادة منها بيان اجزاء الكلام لا العكس فحينئذ يمكن دعوى أن هناك ضابطا بالنسبة الى جميع تلك الفضلات ويعبر عنها بمتمم الكلام واما بالنسبة الى اجزاء الكلام كالمفعول به وغيره مما يعد من اجزاء الكلام فليس له ضابط بنحو يجمع تلك الاجزاء بل يختلف الحال فيه لو حصل التعارض فى نفس الاجزاء بخلاف ما هو متمم الكلام فانه صالح لان يكون جامعا ونسبته الى اجزاء الكلام نسبة القيد الى ذيها.

واما الثاني : وهو أن نسبة القيد الى ذيه كنسبة الحاكم الى المحكوم بيان ذلك ان اطلاق يرمي في قولنا رأيت اسدا يرمي على رمي النبال له ظهور اطلاقي واطلاق الاسد على الحيوان المفترس بالوضع ومن الواضح ان ظهور الوضع اقوى بمراتب من الظهور الاطلاقي مع ان القوم لا يشكون في تقديم ظهور (يرمي) على ظهور (أسد) وسر ذلك هو أن الشك في ارادة الحيوان المفترس من الاسد ام الرجل الشجاع مسبب من المراد من لفظة يرمي هل هو رمي النبال أم غيره ولما كان لفظه (يرمي) ظاهرة فى رمى النبال بالاطلاق فيكون حاكما عليه فيؤخذ به لما هو معلوم من أن الأصل الجاري فى السبب يكون حاكما على الأصل الجاري فى المسبب وهذا شأن كل حاكم أن يقدم ويؤخذ به ويترك المحكوم وإلا لو قدم لزم الدور الواضح بخلاف تقدم الحاكم فانه لا يبقى موضوع للمحكوم ولذا قلنا أن اصالة الظهور في طرف القيد تكون مقدمة على اصالة الحقيقة فى طرف المطلق حتى لو قلنا بان الاصول اللفظية مثبتاتها حجة إلا أنه لما كان محكوما يلزم من تقديمه الدور الجارى في جميع الموارد التي قدم فيها المحكوم. فان قيل هذا يتم

٣٥٨

بالوضع صلح لان يكون بيانا واما اذا استفدنا الوجوب منها بالاطلاق أو فرض كونهما من كلامين فالمتضح فيهما ما هو الاظهر وعليه لا وجه لاطلاق قول المشهور

__________________

لو كان القيد متصلا أما اذا كان منفصلا فلا يعامل معاملة القرينة قلنا لا يفرق بين المتصل والمنفصل فى تعيين المراد غاية الامر أنه فى المتصل يرفع الدلالة التصورية المساوقة (لما ذا قال) والمنفصل يرفع الدلالة التصديقية المساوقة (لما ذا اراد) وهذا لا يوجب فرقا فانه في كل منهما في مقام بيان المراد.

الامر الثاني : يشترط في حمل المطلق على المقيد أن يحرز وحدة التكليف ولا يجب احراز معرفة الوحدة من الخارج بل الظاهر أن الموجب لحمل المطلق على المقيد هو احراز الوحدة من نفس القضية لا من الخارج لان احرازه من الخارج عبارة اخرى عن الحمل واحراز الوحدة انما يكون فيما لم يكن الاطلاق والتقييد مختلفين بحسب الاشتراط وعدمه كأن يكون احدهما المطلق مقيدا بسبب دون المقيد مثلا إن ظاهرت فاعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة.

بيان ذلك ان في هذه الصورة في كل واحد من الخطابين اطلاق من جهة وتقييد من جهة أخرى فمن جهة الوجوب اطلاق في أحد الخطابين وتقييد في الخطاب الآخر ومن جهة المتعلق اطلاق في احدهما وتقييد فى الآخر ففى بادئ النظر يمكن دعوى ان كل واحد من الاطلاقين يقيد بالآخر ولكن عند التحقيق أنه لو قيد كل اطلاق بتقييد الآخر يلزم الدور المحال.

بيان ذلك : أن التقييد فى ناحية الهيئة التي هي الوجوب تتوقف على وحدة المتعلق اذ مع تعدد المتعلق يستلزم تعدد الوجوب فلا وحدة للوجوب الذى هو شرط الحمل ووحدة المتعلق يستلزم وحدة الوجوب فيلزم الدور وغاية ما يمكن فى دفعه أن يقال بان مرتبة الوجوب سابقة على مرتبة المتعلق فحينئذ لا يتوقف تقييد الوجوب على احراز وحدة المتعلق حيث انا نعلم بايجاد عتق فى الجملة

٣٥٩

في حمل المطلق على المقيد كما أنه لو احرز ملاك المطلق وكان ذلك ايضا محرزا في المقيد كما في رقبة الكافرة مثلا فلا وجه لحمل المطلق على المقيد بناء على القول

__________________

ولكن لا يخفى ان العلم بوجوب عتق مردد بين الواحد والمتعدد لا يوجب احراز وحدة التكليف وانما يحرز وحدته فيما اذا كان المتعلق واحدا ووحدة المتعلق تتوقف على احراز وحدة الوجوب فيلزم الدور فلذا كانت هذه الصورة خارجة عن محل الكلام وتبقى الصور الاخرى داخلة فيه وهي ما اذا كانا مطلقين بحسب الاشتراط أو مقيدين بالسبب اذ في هاتين الصورتين يمكن احراز وحدة التكليف من نفس الخطاب حيث أن متعلق كل واحد منهما صرف الوجود ولازمه كون التكليف متحدا بخلاف ما اذا اختلفا بحسب السبب بان يكون السبب متعددا كقولنا ان ظاهرت فاعتق رقبة وان جاءك زيد فاعتق رقبة مؤمنة فان تعدد السبب يوجب تعدد المسبب الذي هو التكليف فلا تغفل.

الامر الثالث : قد اشرنا الى ان المطلق والمقيد المتنافيين يعتبر فى تنافيهما وحدة التكليف يشترط ان يكونا الزاميين فلو كانا غير الزاميين كأن يكونا استحبابيين أو المقيد استحبابيا فلا يوجب حمل المطلق على المقيد اذ لما كانا استحبابيين لعدم التنافى للوجوب لحمل المطلق على المقيد وكذا اذا كان المقيد استحبابيا لا تنافى بينهما ايضا بخلاف ما اذا كانا الزاميين فانه يحصل التنافي بينهما الموجب لحمل المطلق على المقيد نعم يتصور المنافاة فى المستحبات فيما اذا احرز أن كل واحد من الدليلين متعرض الى درجة مخصوصة وانى لنا باثبات ذلك فى ادلة المستحبات بل ليس هذا إلا خيالا لا واقع له.

فانقدح مما ذكرنا انما عليه المشهور بل هو المجمع عليه عند الاصوليين في المستحبات من عدم حمل المطلق على المقيد فيها في غاية التحقيق وقد عرفت سر ذلك مما ذكره بعضهم من التشنيع عليهم بانهم لا يحملون المطلق على المقيد فى غير

٣٦٠