منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

وهما عندنا ممنوعتان. أما الأولى : فتأخير البيان عن وقت الحاجة غير معقول فالخاص الوارد بعد حضور وقت العمل لا يعقل أن يكون مخصصا بل ناسخا وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يخفى من منع هذه المقدمة فان من الممكن أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة لمصلحة ولحكمة تقتضي ذلك ثم ما المراد بالحاجة إن كانت حاجة المكلف فهو فى غاية المعقولية إن كانت هناك مصلحة وإن كانت حاجة المولى وهي أن يكون بصدد بيان مرامه فهو في غاية عدم المعقولية وظاهر كلماتهم الأولى.

واما الثانية أن النسخ رفع الحكم الفعلى الثابت في الواقعة المنسوخة فلا يصلح الخاص الوارد قبل حضور وقت العمل إلا وأن يكون مخصصا لامتناع النسخ مع هذا الفرض ولا يخفى ما فيه فان البداء فى الأحكام كالبداء في التكوينيات فانه كما يجوز للمولى أن يظهر شيئا لمصلحة ثم يتبين خلافه فكذلك يجوز للمولى أن يظهر حكما مشروطا بشيء ثم يتبين خلافه قبل حصوله فيكون على مسلك المشهور في الواجب المشروط رفع حكم غير فعلى وعلى مسلكنا أنه رفع لحكم فعلى فلو ورد الخاص بعد العام يحتمل أن يكون مخصصا سواء أكان قبل حضور وقت العمل أم بعده وكذلك ايضا إذا كان العام بعد الخاص فيحتمل أن يكون ناسخا ويحتمل أن يكون مخصصا نعم لو كان الخاص مقرونا بالعام لا يعقل هنا النسخ ، لان النسخ يفتقر أن يمضي زمان على الحكم المنسوخ وبالجملة فلا فرق في الخاص بين أن يكون متقدما على حضور وقت العمل أو بعده في كونه ناسخا أو مخصصا فلا مجال للتفصيل وتقديم التخصيص على النسخ لأن اكثر المواضع لو لم يكن الكل هو التخصيص حتى اشتهر وقيل «ما من عام إلا وقد خص» مبنى على تلك

٣٢١

المقدمتين التين منعناهما فلا بد من الرجوع الى الاصول العملية ويمكن دعوى أرجحية التخصيص لا من جهته بل من جهة اخرى فيقال فرق بين التخصيص والنسخ فان فى التخصيص يستهجن خروج اكثر الأفراد بخلاف النسخ فانه لا يستهجن خروج اكثر الأفراد مثلا لو قال المولى اكرم العلماء ثم اخرج منهم فلم يبق إلا اثنين أو ثلاثة استهجن بخلاف ما لو قال أكرم زيدا ونسخه بعد يوم وان لزم خروج اكثر الافراد لظهور القضية في الاستمرار.

وسر الفرق بينهما يحتاج الى بيان مقدمة وهي : أن المتكلم ربما يلقي كلامه بلا غرض له الى قصد معناه بل ألقاه لأجل أن يتلقى السامع منه ويفهم من ظاهر كلامه ويتبع ذلك الظهور وربما يذكر اللفظ ويريد منه المعنى المجازي ويسمى تصرفا في اللفظ وربما يلقى الى المخاطب كلاما لا يعتقده أي المتكلم ولكن انما أتى به والقاه لأجل تصديق المخاطب مثل الأقوال الكاذبة ومثلها صدور الأخبار التي لا يعقل عليهم الكذب فيسمى بالتقية ويسمى تصرفا في الجهة وليس مثل هذا التصرف مستعملا في غير ما وضع له فلم يجز موضوعه الاصلي بل التصرف فى الجهة إذ ظاهر المتكلم أن يكون بصدد بيان حكمه الواقعي فاذا لم يكن كذلك لم يرتكب مجازا والنسخ من التصرف في الجهة فيمكن أن يبرز الحكم بما ظاهره الاستمرار ثم ينسخه وليس فيه محذور ولو كان الخارج بالنسخ اكثر من الداخل وباب التخصيص من التصرف بالدلالة. إذا عرفت أن باب النسخ غير باب التخصيص فاعلم انه فيما لو دار الامر بين النسخ والتخصيص يرجع الدوران الى التصرف في الدلالة أو فى الجهة والمعروف عند الأصحاب تقديم جانب التصرف في الدلالة ولكن اختلفوا فى وجهه فمنهم جعل وجهه شيوع التخصيص وقد عرفت ان ذلك مبنى على مقدمتين ممنوعتين عندنا ومنهم من قال انه كما كانت اصالة

٣٢٢

الظهور معتبرة فى الألفاظ كذلك اصالة الجهة فلو دار الأمر تعين رفع اليد عن الأولى لأن التعبد باصالة الظهور انما يتأتي بعد الفراغ عن اصالة الجهة إذ بعد التصرف في الجهة لا معني لاصالة الظهور ولما لم يمكن جمعهما روعي جانب اصالة الجهة حتى يمكن التعبد باصالة الظهور فاذا بنى على عدم التصرف بالجهة فلا بد من التخصيص ويرد عليه أما اولا فالمراد من اعتبار الجهة والدلالة إن كان المراد منه الجري على مقتضاه والعمل على طبقه فالجهة والدلالة متساويان إذ نسبتهما الى العمل كنسبة اجزاء تركيبه الى المركب المؤتلف منها ليس لبعضها تقدم على بعض فان المركب ينعدم بانعدام جزء منه واما ثانيا ان هذا انما يتم فيما لو كان هناك دليل واحد لو تعارض فيه الجهتان لا فى الدليلين كما هو مفروض الكلام.

وتحقيق المقام ان الخاص ان كان مقدما على العام فاصالة العموم فى ناحية العام انما تتم إذا فرض كون الخاص اضعف من العام واما مع فرض كون الخاص اقوى كان ذلك تخصصا فى اعتبار العام ولا يكون تخصيصا بخلاف ما اذا بنى على النسخ واعتبر العام بالنسخ يكون ذلك تخصيصا ومعلوم انه لو دار الأمر بين التخصيص والتخصص اخذ بالتخصص وإن كان قبل حضور وقت العمل بالعام لزم العمل على مقتضى التخصيص ويطرح النسخ لأن النسخ لا بد من حضور وقت العمل وقبل حضوره لا اثر حتى ينسخ وان ورد يعده يعامل معاملة النسخ بلا تزاحم لأن اصالة الجهة جارية في العموم الى ان يعلم الخاص فيكون قبل مجيء الخاص العام مبينا للحكم الواقعي وبصدد البيان الى مجىء الخاص ففي المدرك مع القوم مختلف فمدركنا اصالة الجهة في الخاص لوروده بعد حضور وقت العمل وعدم اعتبارها لو ورد قبل حضور وقت العمل واما مدركهم فقد عرفت انه مبني على مقدمتين غير مسلمتين عندنا.

٣٢٣

(تنبيه) إن ما ذكرنا من الخاص بعد حضور وقت العمل لو كان لسان الخاص انه محكوم عليه من حين صدوره فانه يحكم بالنسخ وأما لو كان لسانه محكوما عليه من حين الأزل فتقع المعارضة بين العام والخاص والخاص لما كان اقوى فيقدم على العام.

فان قلت كيف يعقل ان يكون دليل الخاص فيه دلالة على محكومية الخاص من الأزل وهل هو إلا كالمنشآت الوضعية حيث ان مضامينها من حين صدور الانشاء كالملكية والزوجية والحرية والرقية قلت قياس مع الفارق فان المقام فيه جهة حكاية عما قبل كما يروي الراوي عن الامام (ع) بخلاف الانشاءات الوضعية فانها لم يكن فيها جهة حكاية عن مضامينها من حين صدور الانشاء. هذا كله فيما اذا علم بتاريخهما واما لو جعل تاريخهما فان كان الخاص دالا على تقدم حكمه من الازل بنى على التخصيص إذ لا يخرج أمره من الفروض المحتملة فيه وكلها تبني على التخصيص دون النسخ واما اذا كان غير ناظر الى الازلية فيجىء احتمال النسخ او التخصيص من جهة احتمال انه قبل وقت العمل او يعده وإن كان قيل وقت العمل يبني على التخصيص وإن كان بعده يبني على النسخ وحيث لم يكن معين لاحد الاحتمالين ولم يكن مرجح فى البين تعين الرجوع الى الاصول العملية. هذا ما اردنا بيانه من المقصد الرابع في العام والخاص والحمد لله رب العالمين.

٣٢٤

المقصد الخامس فى المطلق والمقيد

وفيه فصول :

الفصل الاول فى تعريف المطلق فنقول عرف المطلق بما دل على شائع في جنسه والمراد بالجنس ما يشمل النوع والصنف أي مطلق ما كان سنخ الشيء المحفوظ في ضمن قيود طارئة عليه من غير فرق بين كونه موجودا بين وجودات متعددة أو وجود واحد لا الجنس المنطقي أو النحوي المعبر عنه باسم الجنس أو علمه المخصوص بالكليات الصادقة على الكثير والمراد بالشيوع ما احتمل انطباقه على القليل والكثير وهذا مما لا اشكال فيه وانما الكلام فى ان الشيوع داخل في حقيقة المطلق (١) أم يفهم ذلك من مقدمات الحكمة على قولين ينسب الأول

__________________

(١) وبيان حقيقته يتوقف على بيان امور الأول الظاهر ان معنى المطلق قد استعمل بما له من معناه اللغوي الذي هو الارسال والتقيد ضد الارسال وليس للاصوليين معنى آخر والتعاريف المذكورة له على ما ذكرنا ليست إلا تعاريف لفظية وهذا الاطلاق الذي هو بمعنى الارسال والتقيد ضده انما هو من أوصاف المعاني حقيقة والألفاظ إنما يتصف بها بالعرض وهو تارة يتحقق فى المعاني الافرادية واخرى يتحقق فى المعاني التركيبية وليس الاطلاق في المعاني الافرادية مثل الاطلاق فى المعاني التركيبية بل يختلفان فان الاطلاق بين المعاني الافرادية يقتضي التوسعة بخلاف الاطلاق فى المعاني التركيبية فانه يقتضي التضييق كما ان اطلاق الأمر يقتضي الوجوب العيني التعيني النفسي واطلاق العقد يقتضي نقد البلد واخرى يقتضي التوسعة فانقدح بذلك ان الاطلاق فى المعاني التركيبية

٣٢٥

الى المشهور والثاني الى المحقق سلطان العلماء (قدس‌سره) وهو الحق وفاقا لاكثر من تأخر من المحققين وبيانه يحتاج الى تمهيد مقدمه وهى أن الوجود الذهني

__________________

ليس تحت جامع واحد ومن هذا يعلم أن محل الكلام انما هو فى المعاني الافرادية دون المعاني التركيبية كما لا يخفى الأمر الثاني ان المطلق تارة يكون من قبيل الطبيعة واخرى يكون من قبيل الفرد المنتشر وهو النكرة وعلى أي تقدير اما أن يكون فى حيز النفي واخرى يكون في خير الاثبات فان كان الحكم الوارد على النكرة في حيز الاثبات يستفاد الايجاب الجزئي وان كان في حيز النفي يستفاد السلب وان كان الحكم الوارد على الطبيعة فى حيز النفي يستفاد السلب الكلي وإلا فتارة يستفاد الايجاب الجزئي كأن يكون متعلقا للامر وربما يستفاد الايجاب الكلي كما فى مثل الوضعيات وهذه الأقسام ليست داخلة في حقيقة المطلق وانما هي تنشأ من الحكم الوارد في حيز النفي أو في حيز الاثبات وكيف كان فقد عرفوا المطلق بما دل على شائع فى جنسه فقد أشكل عليه بانه لا يشتمل اقسام المطلق جميعها فانه لا يشمل الحكم الوارد على الطبيعة ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال يرد على من فسر الشيوع بالتردد واما لو فسرناه بما انتشر فى جنسه لشمل القسمين ولعل هذا التعريف نشأ من الطبقة الوسطى كالتفتازاني القائلين بعدم وجود الكلي الطبيعي وايده بقية الأصحاب بالتسليم بتأويل الشيوع بالمعنى الثاني مضافا الى ان الذي يستفاد من قوله (بما دل) هو ان الاطلاق والتقييد من صفات الألفاظ لا من صفات المعاني مع انك قد عرفت انها كالكلية والجزئية من صفات المعاني لا الالفاظ فانقدح مما ذكرنا ان معنى الاطلاق ليس إلا الارسال وهذا المعنى تارة يكون في الطبيعة واخرى فى النكرة فان كان فى الطبيعة فان كانت فى حيز النفى افاد العموم الشمولي وإلا فلا والفرق بين العموم الشمولي في المطلق والعام الاصولي من وجهين الاول ان استفادة العموم من المطلق من جهة عدم البيان ولو احرز من

٣٢٦

كالوجود الخارجي فكما انه يشخص الماهية ويحددها ويجعلها جزء حقيقيا بعد ما كانت كليا عقليا ويصيرها مصداقا لكلي معرى عن قيد التشخص فكذلك الوجود الذهنى فانه ايضا يحدد الماهية ويجعلها جزئيا ذهنيا بنحو لا ينطبق على

__________________

الأصل العقلائي وليس مدلول للفظه بخلاف العام الاصولى فان الشمول مدلوله اللفظى ولذا قلنا بتقديم العام الاصولي على المطلق الشمولي حيث انه يصلح لان يكون بيانا.

الثاني ان استفادة الشمول من المطلق بمجرد عدم البيان لا يكفي بل يحتاج الى مقدمة خارجية وهي كون الافراد متساوية الاقدام بالنسبة الى انطباق الطبيعة بخلاف العام الأصولي فان تساوي الاقدام فيه من مدلوله اللفظي ولذا قدم العام الاصولى على المطلق الشمولي حيث انه يصلح بيانا وبذلك ايضا قلنا بتقديم المطلق الشمولي على المطلق البدلي حيث ان استفادة الاطلاق فيه انما يتم بعد احراز كون الافراد متساوية الاقدام بالنسبة اليه ومع شمول الاطلاق لبعض الافراد يخرجه عن كونه متساوية الاقدام مع باقي الافراد وهذا بخلاف الاطلاق فانه لا يصلح لان يوجب خروج بعض ما ينطبق عليه المطلق الشمولي بمعنى كونه متساويا مع باقى افراده وبالجملة الاطلاق الشمولي قابل لان يكون بيانا للمطلق البدلي فيكون حاكما عليه كما لا يخفى.

الامر الثالث ـ ان التقابل بين الاطلاق والتقييد هل هو من باب الضدين أو من باب تقابل الايجاب والسلب أو من باب تقابل العدم والملكة والمراد من تقابل الضدين امران وجوديان وبتقابل الايجاب والسلب ما يرد على الماهية الامكانية بحيث لا يعتبر فيها شيء من الاشياء وبتقابل العدم والملكة ما يعتبر شيء زائد من طرف الوجود بحيث يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد فحينئذ بناء على مسلك المشهور من انه الموضوع للا بشرط القسمي أي بقيد الارسال يكون

٣٢٧

كثيرين في الذهن إذ الوجود الذهنى مع الوجود الخارجي يرتضعان من ابن واحد. فالماهية الموجودة فى عالم الذهن لا بد وان تحدد بحد التجرد أو بحد عدمه

__________________

التقابل بينهما من قبيل تقابل الضدين لان الاطلاق والتقييد يكونان وجودين واما على ما هو التحقيق وفاقا لسلطان العلماء (قدس‌سره) من انه موضوع للا بشرط المقسمي وان السريان يستفاد من مقدمات الحكم يكون التقابل تقابل العدم والملكة لانه عليه لا بد وان يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد ولذا قلنا لو امتنع التقييد امتنع الاطلاق وبالعكس حيث انك قد عرفت انهما امران اضافيان ولا يحتاج الى اقامة برهان لامتناع الآخر بل مجرد امتناع احدهما يوجب امتناع الآخر كما قلنا نظير ذلك فى مبحث المقدمة الموصلة ومبحث التعبدي والتوصلي نعم لو كان التقابل تقابل الوجود والعدم الطارئين على نفس الماهيات الامكانية كان لذلك وجه ولكن على ما هو التحقيق التقابل بينهما على ذلك الوجه لانهما يردان على الاشياء بعد وجودها نظير الصفات الطارئة على الماهيات الموجودة كالقيام وغيره فان التقابل بينها يكون من تقابل العدم والملكة فان له باب عريض ومنه العدم النعتي وكالمشتقات فان التقابل بينها وبين نقيضها تقابل الوجود والعدم الطارئين على الموضوع الموجود فانقدح مما ذكرنا ان تقابل العدم والملكة يحتاج الى امرين الاول ـ ان يكون المحل قابلا لورود الاطلاق والتقييد.

الثاني ـ ان يكونا عارضين على الموضوع الموجود وإلا كان من تقابل الايجاب والسلب فافهم وتأمل.

الامر الرابع ـ الاطلاق الذى هو محل النزاع بين المشهور وسلطان العلماء ليس بالنسبة الى الجمل التركيبية فان الاطلاق فيها مستفاد من مقدمات الحكمة ولا يدعي احد انه مستفاد من الوضع نعم لو قلنا بالوضع فى المركبات كان لذلك القول وجه إلا ان الالتزام بالوضع للمركبات بديهي البطلان وانما النزاع بينهما

٣٢٨

مثلا الرقبة لو لوحظت اما ان تلاحظ مجردة أي سارية في جميع الافراد أو تلاحظ مقيدة اي لم تكن سارية في جميع الافراد. والمراد بالمجرد مصداقه لا مفهومه فلا يعقل وجود الماهية فى عالم الذهن بدون هذين الشيئين بل لا بد وان تكون مقيدة بالتجرد أو بعدمه ولا وجود لها مستقلا منحازة عن هذين إلا وأن تكون مندكة في أحدهما والماهية بلحاظ حد التجرد هي من المعقولات الاولية التي هي قابلة للانطباق على القليل والكثير وان كانت بلحاظ التقييد تكون من المعقولات الثانوية لان عنوان ضيق الطبيعة يمنع عن الانطباق على كثيرين فلذا عد من المعقولات الثانوية بخلاف الوجود الخارجي فانه ليس من المعقولات اصلا وانما هو من الموجودات الخارجية المباينة للموجودات الذهنية. ولا يخفى انه لا جامع

__________________

فى المعاني الافرادية اذا عرفت ذلك فاعلم ان المعاني الافرادية تارة تلاحظ بما انها شخصية واخرى تلاحظ حالاتها وثالثة تلاحظ بمفاهيمها الكلية اما على الأول فهو خارج عن محل النزاع لعدم قبوله للاطلاق والتقييد لوضعه لشخص خاص وعلى الثاني ايضا خارج عن محل النزاع فانه وان أمكن الاطلاق والتقييد بالنسبة الى الحالات إلا انه من المسلم عند الكل انها ليست موضوعة لها فان الاطلاق بالنسبة اليها على القولين يستفاد من مقدمات الحكمة ولا يدعى أحد بان الاطلاق فيها مستفاد من الوضع وعلى الثالث فما كان من قبيل المعاني الحرفية خارج عن محل النزاع لملاحظة الآلية فيها وبذلك يخرجها عن قبولها للاتصاف بالاطلاق والتقييد فينحصر النزاع في المعاني الافرادية التي هي مفاهيم كلية على نحو المعاني الاسمية ومرجعه الى ان الاطلاق الذي هو بمعنى الارسال في قولنا اعتق رقبة بمعنى اي رقبة الى انه مدلول لفظي أم يستفاد من مقدمات الحكمة والمشهور على الاول وسلطان العلماء (قدس‌سره) ومن تأخر على الثاني فافهم.

٣٢٩

بين حد التجرد والتقييد إذ لا يعقل أن يكون جامع بين شيئين متناقضين وهما الواجد والفاقد إلا بحفظ الماهية بين الحدين وبه يمكن تصور جامع بينهما إلا انه لا وجود له مستقلا بنحو ينحاز عنهما بل وجوده مندك فى احدهما وقد ذكرنا نظير ذلك فى بحث المشتق بالنسبة الى تصور مبدأ الاشتقاق. فقد ذكرنا انه لا يعقل وجود مبدأ جامع بين اسم المصدر وغيره اذ يلزم ان يكون شيء واحد جامعا بين الواجد والفاقد إلا بحفظ المبدأ بينهما بنحو يكون مندكا في المشتقات وبذلك صورنا جامعا بينهما اذا عرفت ذلك فاعلم ان سلطان العلماء (قدس‌سره) ذهب الى ان الموضوع له في المطلق هو الجامع المجرد من كلا الحدين وان كان في عالم الذهن لا بد وان يقترن باحدهما وهو الحق للتبادر فان المتبادر من حاق لفظ المطلق هو تلك الماهية المعراة عن كلا الحدين وذلك علامة وضع لفظ المطلق لها (١) والمشهور ذهب الى ان الموضوع له هو الماهية المجردة والفرق بين المذهبين

__________________

(١) وقد ذكرنا فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قده) بان تحقيق ما هو الحق يحتاج الى تمهيد مقدمات الأولى أن أهل المعقول قسموا الماهيات الكلية الى اللابشرط وبشرط لا وبشرط شيء وهذا التقسيم يكون دليلا قطعيا على أن هناك مقسما جامعا لهذه الأقسام وأمرا قابلا للانقسام لهذه الاقسام ولا اشكال أن ذلك المقسم غير تلك الاقسام هو المسمى بلا شرط المقسمي وفي الحقيقة هذه المقدمة من الاصول الموضوعة المسلمة عندهم المقدمة الثانية ذكروا ان بشرط لا له معنيان الاول أن يطلقوا بشرط لا على الماهية المعراة عن جميع الخصوصيات القابلة للانضمام اليه الخارجية والذهنية فحينئذ لا يكون إلا كليا عقليا لا موطن له إلا في الذهن وبهذا المعنى يكون قابلا لحمل المعقولات الثانوية عليه من الكلية والجنسية ونحوها الثاني يطلق بشرط لا على المبادي المشتقات في قبال المشتقات ويجعلون الفرق بين

٣٣٠

هو انه على مذهب السلطان يكون استعمال لفظ المطلق في المقيد حقيقة وعلى مذهب المشهور مجازا وبعبارة اخرى ان للماهيات اعتبارات تارة تلاحظ غير مقيدة بشيء

__________________

المشتقات ومباديها لا بشرط وبشرط لا ويعنون من لا بشرط هو لا بشرط عما يتحلى به فيكون مشتقا وبشرط عدم الاتحاد فيكون مبدأ كالفرق بين الجنس والهيولى والفصل والصورة والمراد من بشرط لا في المقام هو المعنى الاول حتى يكون من أقسام اللابشرط المقسمي وحينئذ يكون المراد من لا بشرط ما يقابل هذا المعنى.

المقدمة الثالثة اضطربت كلمات أهل المعقول فى المراد من الكلي الطبيعي الواقع فيه النزاع هل هو من الامور المتأصلة فيكون موجودا في الخارج أم يكون من الامور المنتزعة وليس في الخارج إلا الافراد وهل هو اللابشرط القسمي أم اللابشرط المقسمي ادعى المحقق السبزواري في المنظومة ان الكلي الطبيعي هو اللابشرط المقسمي دون القسمي قال وان أوهم بعض الكلمات كونه من اللابشرط القسمي وتبعه على ذلك فى التقريرات وصاحب الكفاية على ما يظهر منه حيث جعل اللابشرط القسمي كليا عقليا وعبارة الاساطين كلها مصرحة في ان الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي كصاحب الشوارق والخواجة والقوشجي وليست عباراتهم موهمة كما ادعاه المحقق السبزواري بل مصرحة بذلك والحق ان الكلي الطبيعي عبارة عن اللابشرط القسمي لا المقسمي وفاقا لاكثر الاساطين بيان ذلك هو أنك قد عرفت من المقدمة الاولى أن اللابشرط المقسمي هو الجامع بين اللابشرط القسمي الذي هو عبارة عن الجامع بين الخصوصيات الخارجية وبين بشرط شيء الذي هو عبارة عن المقيد ببعض الخصوصيات وبين بشرط لا الذي هو عبارة عن المعرى عن جميع الخصوصيات الذي لا موطن له الا في الذهن وما يكون جامعا بين ما هو وعائه في الذهن والخارج لا وجود له إلا في الذهن فلا يعقل أن يكون له محقق فى الخارج فحينئذ كيف يجعل كليا طبيعيا الذي وقع

٣٣١

من اعتبارات الماهية وتسمى باللابشرط المقسمى واخرى تلاحظ مرسلة وهي المعبر عنه باللابشرط القسمي وثالثة تلحظ مقيدة بشيء خاص وهي المعبر عنه بالمقيد فلو

__________________

فيه النزاع فى تحققه فى الخارج أم أنه كالانتزاعية مع أن الكلي الطبيعي يحمل على افراده في الخارج بالحمل الشائع الصناعي ولو جعل الكلي الطبيعي عبارة عن اللابشرط المقسمي فلا يحمل على ما فى الخارج إلا باعتبار اللابشرط القسمي ثم ان الفرق بين لا بشرط القسمي ولا بشرط المقسمي بحسب اللحاظ وإلا بحسب الواقع لا فرق بينهما كما ذكره فى التقريرات لما عرفت من عدم معقولية أخذ اللحاظ في الموضوع له ولا المستعمل فيه والعجب من صاحب الكفاية بعد جعل اللابشرط القسمي كليا عقليا بني على كون اللابشرط المقسمي هو الكلي الطبيعي ما لفظه (وبالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شيء أصلا الذي هو المعنى بشرط شيء ولو كان ذلك الشيء هو الارسال والعموم البدلي ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى على الخارجيات بلا عناية التجريد كما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها كما لا يخفى مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد ... الخ).

أقول ليس المراد باللابشرط القسمي إلا الجامع بين الافراد الخارجية القابلة للانطباق عليها حقيقة بلا احتياج عناية التجريد وليس من الكلي العقلى بل هو فى الحقيقة مناف للكلي العقلي إذ ليس المراد من التقييد بالارسال إلا أن ذات المرسل في قوة قوله سواء كان هذا أو ذاك وهذا المعنى من لوازم كونه جامعا بين الافراد اذا عرفت ما مهدناه لك من المقدمات فاعلم انه وقع النزاع بين المشهور وسلطان العلماء فى أن معنى المطلق هو اللابشرط القسمي أو معنى المطلق هو اللابشرط المقسمي وأن استفادة اللابشرط القسمى من مقدمات الحكمة بخلافه

٣٣٢

استعمل لفظ المطلق في المقيد على الأول كما يقول سلطان العلماء يكون حقيقة وهو من قبيل تعدد الدال والمدلول وعلى الثاني يكون مجازا إذ استعماله فى المقيد

__________________

على الاول فانها يستفاد بالوضع والحق هو ما اختاره سلطان العلماء لان الانسان مثلا تارة يحمل عليه المعقولات الثانوية كالانسان كلي أو الانسان نوع واخرى تحمل عليه الامور الخارجية كالانسان قائم أو قاعد ومن الواضح ان نحو الاستعمال لا يختلف بل تراه فى الجميع مستعملا على نحو واحد فلا بد وان يكون مستعملا في القدر الجامع القابل للانطباق على كل واحد من الافراد مضافا الى أن مرتبة اللابشرط وبشرط شيء مرتبة الحكم بالنسبة الى الموضوع فحينئذ كيف يكون اللفظ موضوعا للمعنى المقيد مما يكون من مراتب الحكم. توضيح ما ذكرنا هو انه لو حصل الشك والتشكيك. فلا نشك فى امور الاول ان معنى الاطلاق الذي لا بد من احرازه فى باب المطلقات عبارة عما يرجع الى أي فرد مثلا رقبة اي رقبة سواء كان هذه الاستفادة بالوضع أو بمقدمات الحكمة الثاني أن مرجع النزاع بين السلطان والمشهور أن هذه الاستفادة التي هي عبارة عن اي رقبة هل هي بالوضع كما عليه المشهور أم بمقدمات الحكمة كما عليه السلطان.

الثالث ان هذه الانقسامات التي ذكرها أهل المعقول من اللابشرط وبشرط لا وبشرط شيء لا بد وان يكون بينها التباين حتى يكون كل واحد قسيما للآخر ولا يرجع أحدهما الى الآخر وإلا يلزم تثنية الأقسام ولا يحصل التثليث وجعل اللابشرط القسمي من الكلى العقلي ارجاع اللابشرط الى بشرط لا وكذلك ارجاعه الى بشرط شيء يوجب تثنية الأقسام مع أن الاقسام عند القوم ثلاثة فلا بد من عدم تداخل بعضها مع بعض بيان ذلك ان المراد من لا بشرط عبارة عن لا بشرط عن الخصوصيات الخارجية أو ما هو أعم من الخارجية والذهنية وبشرط لا عبارة عن كون الماهية معراة عن جميع الخصوصيات من الذهنية

٣٣٣

لا يكون مستعملا فيما وضع له بل يكون في غير ما وضع له لكونه على ذلك موضوع للارسال والتقييد غير الارسال ان قلت كيف يمكن ان يضع الواضع

__________________

وبشرط شيء عبارة عن التقييد بخصوصية خارجية وفى الحقيقة لا بشرط الذي هو مقابل لهذين القسمين هو لا بشرط عن هذين القسمين فان قلت قد ذكرت ان بشرط لا عبارة عن التجرد عن جميع الخصوصيات ولكن لا بد من لحاظه كذلك فحينئذ يكون مقيدا بتلك الخصوصية فيخرج عن بشرط لا ويدخل تحت بشرط شيء. قلنا ان لحاظه كذلك وان كان نحو وجوده في الذهن ولكن لم يلحظ اليه نظرا استقلاليا بل يكون لحاظه اليه مرآة الى بقية الصور ومنه يعلم رفع الاشكال على ما يقال الانسان معدوم فان الحكم على معدومية الانسان هو نحو لوجود الانسان فكيف يحكم عليه بانه معدوم فان وجود الانسان انما أخذ مرآة للافراد المعدومة فى الخارج. فالنظر اليه ليس إلا نظرا مرآتيا وبالجملة هذه الاقسام الثلاثة لا بد وان يكون لها جامع واقعي هو المقسم وكان نسبته الى الاقسام نسبة الكل الى افراده فحينئذ لا بد ان يكون الفرق بين اللابشرط القسمي والمقسمي واقعيا لا بحسب اللحاظ كما فى التقريرات. ثم ان الكلي الطبيعي هل هو عبارة عن اللابشرط القسمي أم المقسمي قد تقدم انه محل للانظار والمحقق السبزوارى جعله عبارة عن اللابشرط المقسمي وتبعه الشيخ الأنصاري كما في التقريرات ، وصاحب الكفاية (قدس‌سرهما) ولكن الاساطين ذهبوا الى خلاف ذلك فجعلوه عبارة عن اللابشرط القسمي وتحقيق الكلام فيه هو أن الكلي الطبيعي عبارة عما يقع في جواب السؤال عن حقيقته هو هو فحينئذ ان جعلنا بشرط لا من أفراد الماهية ولو كان وجوده ذهنيا فلا بد من القول بكون الكلي الطبيعي هو اللابشرط المقسمي وان لم نجعله من افرادها وانما هو من المفاهيم المحضة فلا بد من القول بان الكلي الطبيعى هو اللابشرط القسمي والحق ان بشرط لا من المفاهيم المحضة وليس مصداقا للا بشرط المقسمي. بيان ذلك ان مفهوم كل شيء عبارة عما يكون

٣٣٤

لشيء مع انه لا وجود له مستقلا فان الماهية المهملة لا وجود لها فى نفسها فمن الواضح ان الواضع عند وضع اللفظ لها لا بد وان يتصورها مستقلا لكي يضع اللفظ لذلك الملحوظ. قلت لا يلزم من وضع لفظ لمعنى ان يتصوره مستقلا بل يكفي ملاحظته لنفس المعنى الموضوع له تبعا مثلا يتصور ماهية محدودة بحد التجرد ولكن لم يضع اللفظ لتلك الماهية المجردة بل للاعم منها ومن المخلوطة لا يقال كيف يمكن الامتثال على مذهب السلطان لانا نقول أن المقيد في عالم الذهن يرى شيئين متعددين والمجرد يرى شيئا واحدا. والذي هو موضوع حكم العقل هو ما يرى شيئا واحدا الذي هو من المعقولات الاولية كما انه هو الذى تعينه

__________________

مدركا عقلائيا في مقام التصور والمدرك العقلائي انما يصير بشرط لا اذا لوحظ مجردا عن كل خصوصية ولحاظه كذلك ليس إلا لحاظه انه مفهوم محض وليس لحاظه كذلك مرآة الى ما فى الخارج وبهذا الاعتبار لا يكون مصداقا للطبيعة النوعية فلا يحمل عليه المعقولات الثانوية مثل النوعية والجنسية ولو كان فردا ومصداقا لحمل عليه ذلك ولا يتوهم ان هذا من المثل الافلاطونية لأنه على تقدير تفسيرها بالافراد العقلية فهي في الحقيقة افراد ومصاديق وما نحن فيه من المفهوم المحض الذي هو ليس فردا ومصداقا اذا عرفت ما ذكرناه من التوضيح فحينئذ يترتب عليه النزاع بين المشهور وسلطان العلماء ومرجع ذلك الى ان الاطلاق على المشهور يستفاد من الوضع بخلافه على قول سلطان العلماء فانه عليه يستفاد من مقدمات الحكمة وقد عرفت ان الحق هو ذلك لما ذكرناه من الدليلين وحاصل الاول الوجدان الذي هو لا يختلف فيه انحاء الاستعمالات فى انطباقه على الافراد العقلية والخارجية والثاني ان مرتبة لا بشرط وبشرط شيء وبشرط لا هي من مراتب الحكم فكيف تؤخذ في الموضوع فلا تغفل.

٣٣٥

مقدمات الحكمة فتكون مقدمات الحكمة على مذهبه معينة للمراد وبالجملة أن الماهية مع الحد إن عدت هناك اثنينية لم تكن من المعقولات الأولية التي هي قابلة للقليل والكثير فلم تنطبق على الخارجيات وان لم يكن هناك اثنينية بل ترى مع القيد شيئا واحدا فتكون من المعقولات الأولية وتنطبق على ما في الخارج وبتقريب آخر أن الشياع المأخوذ فى التعريف تارة يراد منه معنى قابلا للانطباق بتمام معناه على القليل والكثير وبهذا المعنى قد اخذ في متعلق الأمر ولازمه انطباق تمامه على أول الوجود وذلك يقتضي السقوط واخرى يراد منه الساري فى ضمن الموجودات المتعددة ولازمه عدم انطباقه بتمام معناه على القليل بل لا ينطبق إلا على الكثير ولازمه تعدد الامتثال وعدم سقوط التكليف وبهذا المعنى قد أخذ فى النواهي بل وغالب الأحكام الوضعية كمثل (أحل الله البيع) وبين هذين النحوين تباين بنحو لا يتصور جامع بينهما اذ كيف يتصور جامع بين الواجد أي المأخوذ فيه خصوصية السريان الذي هو المعنى الثاني منها المعبر عنه بالطبيعة السارية وبين الفاقد غير المأخوذ فيه خصوصية بل اعتبر معرى عن جميع الخصوصيات القابلة للانطباق على القليل والكثير الذي هو المعنى الأول إلا بدعوى كون الجامع هو المعنى المحفوظ في ضمن الواجد والفاقد وحينئذ كما يمكن تصور الجامع بين هذين المعنيين من الشياع كذلك يمكن لنا دعوى تحقق جامع يجمع جميع تلك الصور المتصورة وهو المعنى المحفوظ بين الشياع الجامع لمعنييه وبين غيره الذي هو المحفوظ فى ضمن المقيد غير القابل للصدق إلا على القليل وهذا الجامع كالمادة المحفوظة في ضمن هيئات المشتقات الحاكية عن مفهوم واحد ومنه يعلم أنه ليس نسبة الجامع المحفوظ بين المعاني المتصورة الثلاث المعبر عنه باللابشرط المقسمي بالنسبة الى ما هو

٣٣٦

المعبر عنه باللابشرط القسمي نسبة الكل الى الفرد بل نسبته اليه كنسبة منشأ الانتزاع الى ما في الخارج فكما لم يكن منشأ الانتزاع الجامع فى ضمن الافراد الخارجية له وجود في الخارج فى قبال مصداقه في الخارج كذلك اللابشرط المقسمي بالنسبة الى القسمي ليس له وجود فى عالم الذهن فى قبال وجوده وانما هو جهة محفوظة فى ضمن المعاني المتصورة المتعددة ولذا أمكننا أن نعبر عن تلك الجهة المحفوظة بان وجوده عين الوجودات الذهنية المتصورة وليست لتلك الجهة وجود مستقل في الذهن في قبال تلك الصور الذهنية المتعددة كما لا يخفى.

وبيان أوضح ان بناء الأصحاب على ان اطلاق المطلق على أحد المعنيين ليس على نحو المجازية ولازمه ان يكون المراد به الجهة المحفوظة بين نحوي الشياع بنحو لا يكون له وجود مستقل فى الذهن عاريا عن الجهتين نعم بناؤهم على مجازية المطلق لو اريد منه التقييد بغير الشياع فاذا صح ذلك قلنا دعوى ان يراد من المطلق معنى أوسع من ذلك بنحو يشمل النحو الثالث بان يراد منه معنى محفوظ بين الجهتين وما هو فى ضمن القيد غير جهة الشياع فحينئذ يرد على المشهور بانه لا وجه لاختصاص مفهوم المطلق بالشياع وذلك لانسياقه الى الذهن من حاق اللفظ المعبر عنه بالطبيعة المهملة المناسب لكل لون وبتعبير آخر هو اللابشرط المقسمي الجامع لما هو مقيد بقيد غير الشياع والفاقد لجميع الخصوصيات الزائدة عن الطبيعي القابل للانطباق على القليل والكثير المعبر عنه بالشياع واللابشرط القسمي المحتاج اثباته الى مقدمات الحكمة ولذا يكون استعمال اللفظ فى جميع المقامات بنحو الحقيقة بنحو تكون الخصوصية مستفادة من دال آخر وقد عرفت ان تلك الجهة المحفوظة في ضمن اللابشرط القسمي ويشرط شيء المعبر عنها باللابشرط المقسمي

٣٣٧

ليست لها وجود في الذهن مستقل فى قبال افراده بل هي موجودة في الذهن بعين وجود افراده.

ومما ذكرنا ظهر بطلان ما قيل من الفرق بين اللابشرط المقسمي واللابشرط القسمي بدعوى ان المقسمى الماهية المجردة حتى عن قيد التجرد والقسمي هو الماهية المقيدة بقيد التجرد الذهني لوضوح ان مع هذا القيد كيف يعقل انطباقه على ما في الخارج على ان بناء الأصحاب ان اللابشرط القسمي قابل للانطباق على القليل والكثير وصلاحيته لذلك يحصل من مقدمات الحكمة كما هو قضية أخذ المطلق فى حيز الأمر كما انه ظهر بطلان الفرق بينهما بدعوى ان المقسمي عبارة عن ان الملحوظ نفس ذاته بما له من الذاتيات والقسمي هو الملحوظ معه أمر خارج عن ذاته من غير فرق بين كون الخارج عن الذات أمرا عدميا أم وجوديا أو الاعم منهما لبداهة ان الماهية مع لحاظ تجردها عن عوارضها الخارجية تكون قابلة للانطباق على القليل والكثير وهو الذي نثبته مقدمات الحكمة بالنسبة الى ما أخذ فى حيز الأوامر المعبر عنه باللابشرط القسمى فعليه ليس لنا لا بشرط المقسمي إلّا ان يدعى كما ينسب الى البعض بانه عين وجود افراده في الذهن وليس له وجود مستقل فى قبال الافراد فحينئذ يرجع الى ما قلنا من ان تلك الجهة المحفوظة في ضمن الافراد الذهنية ليس لها وجود فى الذهن في قبال الافراد فى الذهن بل وجودها معنى وجود الافراد وهذا الجامع المحفوظ بين اللابشرط القسمي وبشرط شيء هو المتبادر من لفظ المطلق بنحو تستفاد تلك الخصوصيات من دال آخر وليست تلك الخصوصيات مستفادة من حاق اللفظ ولذا قلنا ان الحق هو قول سلطان العلماء (قدس‌سره) كما لا يخفى.

٣٣٨

ما يدل على المطلق

الفصل الثاني فى بيان ما يدل على المطلق وقد ذكروا له امورا : منها اسم الجنس كرجل وفرس وانسان ، وعرف بانه صرف المفهوم من غير ملاحظة شيء معه ومقتضى ذلك ان يكون اسم الجنس موضوعا لذات الماهية المحفوظة في الذهن في ضمن صور متباينة حسب تباين اعتبارات الماهية من دون أخذ خصوصية الفقدان والوجدان وان كانت تلك الماهية لا تنفك في الذهن عن تلك الاعتبارات فيكون المعنى فى الذهن متحققا بنفسه ولا يكون له حد خاص وصورة مخصوصة فيه فحاله في الذهن كالكلي الطبيعي في حال اجتماعه مع الخصوصيات الشخصية وحينئذ فطبع اللفظ ليس فيه اقتضاء لمعنى صالح للانطباق على القليل والكثير أو لمعنى مضيق غير صالح لذلك بل ذلك المعنى ذات المبهم يجتمع مع كل من اعتبارات الماهية ككونها فاقدة لجميع الخصوصيات أو مقيدة بخصوصية من تلك الخصوصيات قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما لفظه (الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شىء اصلا (١) ... الخ) وتكون تلك

__________________

(١) توضيحه ان للماهية اعتبارات متعددة فتارة تلحظ بذاتها من دون اعتبار زيادة عليها واخرى مع اعتبار زيادة من سنخها وثالثة اعتبار زيادة من غير سنخها وعلى الاخير اما أن يكون وجوديا ام عدميا فان كان وجوديا فتسمى الماهية بشرط شيء وان كان عدميا فتسمى بشرط لا شيء وهما نوعان من المقيد ، وعلى الثاني فما كان من سنخ الماهية فتارة بنحو الاستيعاب فتسمى بالماهية السارية

٣٣٩

الخصوصيات مستفادة من دال آخر كمثل مقدمات الحكمة أو لفظ يدل على تقييد الماهية باحد القيود والى ذلك يرجع كلام سلطان العلماء (قدس‌سره) من ان لفظ المطلق موضوع الى الماهية المعراة عن حيثية السعة والضيق فان المراد من عرائها في مقام الوضع لا فى مقام الذهن وقد عرفت أن ذلك مما يقتضيه الوجدان من تبادر المعنى المناسب مع جميع تلك الخصوصيات وذلك هو المعنى المحفوظ فى ضمن جميع الاعتبارات والحدود بلا استقلال بنفسه فى مقام الذهن المعبر عنه بالماهية المبهمة باعتبار كون تلك الماهية متحققة في الذهن بلا حد في نفسها مستقلا بل هي متحققة في ضمن الحدود الزائدة عن حيز الوضع وتكون كالمادة السارية في ضمن المشتقات فانها متشكلة باحد صور الاشتقاقية فلذا قلنا في مبحث المشتق بوضع لفظ المادة الى المعنى المبهم السارى فى ضمن الصور المتباينة وهو الجامع لجميع تلك الخصوصيات المتباينة من دون وجود لها مستقلا بنفسها بل وجودها فى ضمن تلك الهيئات الخاصة كما لا يخفى.

ومنها علم الجنس كاسامة فانه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء فيه

__________________

والمطلق الشمولي وان كان بنحو البدلية فتسمى بالماهية على البدل والمطلق البدلي وعلى الأول فتارة تلحظ بذاتها تفصيلا فهي المسماة باللابشرط القسمي والماهية قد اخذت بنحو صرف الوجود وهذا القسم مع ما قبله من الماهية المطلقة واخرى تلحظ الماهية من حيث الاطلاق والتقييد فهي الماهية المهملة المعبر عنها باللابشرط المقسمي وهو الجامع بين جميع اقسام الماهية وقد ذهب سلطان العلماء وجملة ممن تأخر عنه بوضع لفظ المطلق له خلافا للمشهور على تفصيل ذكرناه فى حاشيتنا على الكفاية

٣٤٠