منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

التنبيه الرابع : انه يظهر من بعضهم جواز التمسك بالعموم فيما لو شك في صحته كما لو شك فى صحة الوضوء او الغسل بمائع مضاف فيستكشف صحته بعموم (١) (اوفوا بالنذور) لو وقع متعلقا للنذر بان يقال انه يجب الاتيان بهذا

__________________

(١) لا يخفى ان ذلك لو تم لما كان مختصا بالفرد المشكوك بل يتأتى بالفرد المعلوم الفساد فيقال بصحته اذا نذر فعله على انه مقتضى التمسك بادلة وجوب الوفاء اثبات جواز ذلك الفعل الذي تعلق به النذر لعدم معقولية التفكيك بين الوجوب والجواز فان الفعل اذا لم يكن جائزا كيف يجب ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو كان بين الوجوب والجواز محض التلازم فيستكشف الأول من ثبوت الثاني إلا ان المقام ليس من ذلك القبيل فان الأول يكون بمنزلة الموضوع للثاني فلا بد من احرازه بدليل آخر ولو باصل عملي وحينئذ فنقول ان كان الغرض من اثبات التمسك الجواز في نفس ذلك الفعل ولو فى غير مورد النذر فلا يخفى بشاعته وان كان الغرض اثبات جوازه في خصوص مورد النذر فلا يخفى ما فيه من اللغوية لان الفعل اذا ثبت وجوبه فى مورد النذر فاي حاجة الى اثبات جوازه وان كان الغرض اثبات جواز المنعقد نذره من جهة اشتراطه الجواز في انعقاد النذر فعليه لا بد من احراز الجواز مع قطع النظر عن تعلق النذر لتقدمه رتبة فيتوقف انعقاد النذر عليه فلو اريد اثباته بانعقاده لزم الدور الواضح ولاجل ذلك قربه بعض السادة الأجلة بما يدفع ذلك فقال ما حاصله بانه ليس غرضه اثبات ذلك الحكم المشكوك فيه من الجواز او الصحة بل الغرض انه بعد فرض تعليق النذر بمثل هذه الاشياء يحصل الشك في انعقاد النذر ولو من جهة الشك فى جواز ذلك الفعل المنذور وعدم جوازه وبادلة وجوب الوفاء فالنذر يصحح انعقاده لا اصل جواز ذلك الفعل ولكن لا يخفى انه بهذا التقرير وان رفع اكثر الاشكالات ولكن لا يمكن الالتزام به لان تلك الأدلة

٣٠١

الوضوء لاجل الوفاء بالنذر وكل ما يجب وفاؤه لا محالة يكون صحيحا لما هو معلوم انه لو لا صحته لما وجب الوفاء به ولكن لا يخفى ما فيه لما عرفت منا سابقا من الفرق بين العام المخصص والمطلق المقيد فان العام بعد التخصيص كما هو قبل التخصيص تمام المطلوب مثلا قولنا «يجب اكرام كل عالم» قبل التخصيص لفظ العام تمام الموضوع لوجوب الاكرام وهو العالم وبعد مجيء يحرم اكرام الفساق منهم ايضا تمام الموضوع العالم واتيان التخصيص لا يغير الموضوع الذي كان قبل التخصيص بخلاف القيد فانه قبل ورود التقييد الموضوع وهو المطلق وبعد وروده بكون الموضوع المقيد فبالتقييد ينقلب الموضوع عما هو عليه ويصير جزء الموضوع بعد ان كان تمامه.

اذا عرفت ذلك فاعلم : ان ادلة الوفاء بالنذر بعد دليل التقييد يكون الموضوع فيها مقيدا بالرجحان فلا يمكن التمسك بعموم الوفاء بالنذر في الفرد المشكوك صحته لو تعنون بعنوان النذر ما لم يحرز انضمامه الى القيد وهو الرجحان إذ مع عدم احرازه لا يحرز موضوع الوفاء فكيف يتمسك بالعموم ما لم يحرز

__________________

التى دلت على اعتبار كون متعلق النذر مباحا فى انعقاده ان كان على نحو التقييد لم يصح التمسك باطلاق دليل الوفاء بالنذر على انعقاده لعدم احرازه فيه نعم لو احرز القيد ولو باصل عملى صح التمسك بالاطلاق على الانعقاد بان كان مثل استصحاب الاباحة لو كان المقام من موارده واما اصالة الاباحة الثابتة بالبراءة ونحوها فالظاهر انها غير نافعة فى احراز ذلك القيد حيث ان القيد هو الاباحة الواقعية الثابتة للشيء بعنوانه الاولى واصالة الاباحة انما ثبتت الاباحة الثابتة له بعنوانه الثانوي وان كان مفاده على نحو التخصيص فهو نظير التخصيص بامر منفصل ويدخل تحت المسألة السابقة كما لا يخفى.

٣٠٢

موضوعه ومن ذلك يظهر أن ما التزم به الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية في مقام الجواب عن هذا التوهم من الفرق بين العناوين الاولية والثانوية محل نظر بل منع إذ لو كان من قبيل الاطلاق والتقييد لا يفرق بين العناوين الأولية والثانوية كما انه لو كان من قبيل العام والخاص فائضا لا يفرق بينهما وبعبارة اخرى انه لو صح التمسك بالعموم فيما لو شك فى صحته وكان من قبيل التقييد لزم صحة التمسك بالاطلاق لاحراز ما يؤخذ في الموضوع وهو محل منع. وإلا لزم صلاحية اصالة الاطلاق لاحراز قيده الثابت بدليل منفصل فضلا عن القيد المأخوذ في نفس متعلق نذره لرجوع الشك فيه الى الشك فى تطبيق عنوان المطلق على المورد من غير فرق بين العناوين الاولية والعناوين الثانوية كما لا يخفى.

التنبيه الخامس : لو شك فى مصداقية فرد للعام مع العلم بخروجه عن حكم العام مثلا يعلم بحرمة اكرام زيد ولكن يشك في كونه عالما لكي يكون خروجه من العام بنحو التخصيص بمعنى انه قد خرج عن حكم العام او ليس بعالم لكي يخرج عن العام بنحو التخصص بمعنى يخرج عن موضوع العام ففي هذه الصورة هل يتمسك بعموم العام في ذلك الفرد المشكوك مصداقيته أم لا وجهان. ربما ينسب الى الشيخ الانصاري (قدس‌سره) تمسكه باصالة العموم فيما شك في مصداقيته للعام مع القطع بخروج ما شك عن حكم العام كما في الاطلاقات الواردة في ماء الاستنجاء لاثبات طهارته وكما يظهر من الاستاذ (قدس‌سره) في الصحيح والأعم من الرجوع الى اصالة العموم في رفع الشك في المصداق والحق عدم حجية اصالة العموم فيما لو شك في المصداقية للعام إذ مدرك ذلك هو السيرة وبناء العقلاء ولم يعلم بناؤهم على العمل بالعموم في مشكوك المصداقية وانما علم انها حجة فيما علم

٣٠٣

بالفردية وشك في الخروج عن الحكم إن قلت مقتضى أن لكل قضية عكس النقيض بنحو يكون من لوازمها فقولنا كل عالم يجب اكرامه ينعكس بعكس النقيض الى قولنا كل ما لا يجب اكرامه ليس بعالم فاذا ثبت أن زيدا لا يجب اكرامه وجب الحكم بانه ليس بعالم بعكس النقيض ولا ينافيه كون ذلك من اللوازم لان اصالة العموم تستفاد من الظهور وهو من الامارات وهي كما تكون حجة بالنسبة الى مدلولها المطابقي تكون حجة بالنسبة الى مدلولها الالتزامي فيكون العموم دالا بمدلوله الالتزامي على ان كل ما لا يكون محكوما بحكمه لا يكون من افراده لانا نقول ان اصالة الظهور من الامارات فلذا تكون مثبتاتها حجة إلا ان حجة كل شيء يكون بمقدار دلالة دليله ومن الواضح ان حجية الظهور بالنسبة الى مدلوله منشأه بناء العقلاء وبما انه من الادلة اللبية فلذا يقتصر فيه على القدر المتيقن ولذا لا تثبت حجيته بالنسبة الى ما دل عليه بالالتزام وهو عكس نقيض القضية لعدم معلومية بناء العقلاء عليه فلا يحكم بحجيته بل يرجع الى اصالة عدم الحجية ولا مانع من التفكيك بين دلالة القضية على معناها المطابقي ودلالتها على عكس النقيض بالدلالة الالتزامية. ودعوى ان بين القضية وعكس نقيضها تلازما واقعيا فكيف يدعى التفكيك بينهما ممنوعة. إذ التلازم بينهما ولو كان واقعيا عقليا ، ولا يمكن انكاره إلّا أن الغرض هو انه ليس لنا طريق مثبت للحجية بالنسبة. الى الدلالة الالتزامية فلا مانع لدعوى التفكيك فى الحجية فلذا فى جميع القضايا الظنية التعبدية بالنسبة الى الموجبة الكلية نقول بثبوت العموم فيها لجريان الاصل فيها ولا نقول به فى عكس نقيضها لما عرفت من حجية اصالة العموم فى الموجهة دون العكس كما لا يخفى.

٣٠٤

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

الفصل السادس هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص مطلقا ام لا مطلقا ام يفصل بين ما كان العام في معرض التخصيص فيجب الفحص عن المخصص أم لم يكن في معرض التخصيص فلا يجب الفحص عنه اقوال قيل بالتفصيل استنادا الى ان بناء العقلاء على اتباع ظهور العام فيما ينطبق عليه لكشفه نوعا عن ارادة المتكلم لما ينطبق عليه بنحو يستقر ذلك الظهور التصديقى النوعي وذلك سيرة العقلاء على وجوب الأخذ بذلك الظهور إلا انه اذا كان في معرض التخصيص لا يرون العقلاء حجيته وليس ذلك من جهة عدم جريان مقدمات الحكمة بناء على فقد أحد المقدمات وهو لم يكن المولى في مقام البيان بل لما عرفت ان الاستدلال بالظهور ليس بسبب جريانها وانما الأخذ بالظهور لاجل سيرة العقلاء على الاخذ به وان العام اذا كان فى معرض التخصيص لا ينعقد له ظهور.

ودعوى ان ذلك يوجب عدم الأخذ بالعام حتى بعد الفحص ممنوعة إذ احتمال التخصيص لا يرفع الظهور وإنما المعرضية توجب عدم تحقق الظهور بل ربما يقال بعدم العمل بالعام قبل الفحص مطلقا للعلم الاجمالى بوجود مخصصات ومقيدات للعمومات الواردة في الكتاب والسنة كما هو الشأن بالنسبة الى الأصل العملي فانه لا يعمل به ما لم يتفحص عن الحجة للعلم الاجمالي بوجود محرمات وواجبات ودعوى انه يلزم ان يعمل بالعام من دون فحص بعد الظفر بمقدار المعلوم اجمالا لانحلال العلم الاجمالي بذلك مع ان الأصحاب يلزمون الفحص حتى فى الشبهة الواحدة مع الظفر باكثر ما علم اجمالا ممنوعة إذ العلم بالمقيدات والمخصصات وان

٣٠٥

أوجب انحلال العلم الاجمالي لتردد المقيدات والمخصصات بين الأقل والاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو الأقل وينفي الاكثر بالأصل إلا ان الأقل هو مردد بين المتباينات فى جميع ابواب الفقه فلذا لا يمكن الأخذ بالعام ما لم يفحص وما ذكرنا أولى مما ذكره بعض الاعاظم من أن المعلوم بالاجمال اذا كان معنونا بعنوان غير عنوان الكمية وكان بذلك العنوان منجزا فلا يوجب انحلاله وان أوجب انحلاله بحسب الكمية فاذا تنجز بذلك العنوان وهو كون المعلوم فى الكتب الأربعة أو التي بايدينا وكان ذلك منتشرا فى ابواب الفقه فلذا يجب الفحص عن المقيدات والمخصصات ولكن لا يخفى ان تعنون المقيدات والمخصصات بعنوان خاص وكان ذلك مرددا بين الأقل والأكثر فانه يوجب انحلال العلم الاجمالى الى قدر متيقن وشك بدوي ولذا قلنا في الجواب عن هذه الشبهة لا يجب الفحص لانحلال العلم الاجمالي الى قدر متيقن وشك بدوي بما حاصله ان الأقل هو مردد بين المتباينين المنتشر في ابواب الفقه فلذا يجب الفحص عن ذلك.

الفصل السابع ـ فى خطاب المشافهة

اختلفوا في أن الخطاب هل هو مختص بالحاضرين أم يشمل الحاضرين والغائبين بل المعدومين؟ فنقول إن الخطاب على انحاء تارة يكون بخطاب مثل (يا زيد يجب على الحاضرين كذا وعلى الغائبين كذا) وهذا النحو من الخطاب لا خلاف من أحد أنه يعم الغائبين والمعدومين ، واخرى يكون بلسان الحكاية عن موضوع التكليف كقوله يجب عليكم الصيام أو يجب عليكم الصلاة مثلا. فان ظاهر هذا التكليف يشعر بخصوص الحاضرين فقط ومثل هذا في الأخبار كثير.

٣٠٦

وفى مثله وقع النزاع ولكن بناء الأصحاب في الفقه على الغاء الخصوصيات ولا يبعد أن يكون ذلك جاريا بحسب التفاهم العرفي فينعقد لذلك ظهور ثانوي ، وثالثا يكون الخطاب من قبيل يا أيها الذين آمنوا ، ويا أيها الناس فان الخطاب يشتمل على كلمتين كلمة (يا) وهي تفيد الحضور وكلمة (أيها الناس) تفيد العموم ، فهاتان الكلمتان كل منهما يقتضي نفي الآخر فلا بد أن يأخذ باحدهما والظاهر انه كسائر الخطابات يقتضي الغاء الخصوصيات.

فان قلت إن المعدومين لما لم يكونوا موجودين في مجلس الخطاب بل ولا موجودين أصلا لا يعقل توجه التكليف إليهم.

قلنا هو في غاية المعقولية لو كان المقصود التكليف التعليقى لا التكليف الفعلى فيكون من قبيل الواجب المشروط فيكون التكليف للمعدومين متوجها اليهم على فرض وجودهم (١) فتحصل مما ذكرنا أنه ينعقد ظهور ثانوي للكلام بالغاء

__________________

(١) لا يخفى ان محل النزاع فى صحة توجيه الخطاب للغائبين فضلا عن المعدومين أم لا يصح ، الظاهر امكانه عقلا من غير فرق بين كون القضايا خارجية أو حقيقية كما انه لا يفرق بين كون الخطاب مفاد الهيئة أو مفاد الحرف لاحتياج الخطاب الى مخاطب ولا يلزم أن يكون موجودا خارجيا بل لا يلزم أن يكون قابلا للخطاب بل يكفى ادعاء شعوره كمثل (ايا جبل نعمان) ودعوى وضع أداة الخطاب (كيا) موضوعة لمن حضر مجلس الخطاب ممنوعة فانها موضوعة للخطاب واما بخصوص من حضر فلم يثبت على ان استعمالها على نحو العناية والمجاز يكفي لاثبات المطلوب من صحة توجيه الخطاب للمعدومين فضلا عن الغائبين بان يفرض وجودهما واما بالنسبة الى ثبوت الحكم الكلي للطبيعة فشمولها للمعدومين فضلا عن الغائبين مما لا اشكال فيه وينبغي ان يخرج عن محل النزاع لان نسبة الطبيعة الى الافراد الموجودة والمعدومة على حد سواء فافهم وتأمل.

٣٠٧

الخصوصيات كما هو ديدنهم فى مثل صحيحتي زرارة لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك فان هذه القاعدة ليست مخصوصة لزرارة بل تعمه وغيره فالاصحاب ألغوا الخصوصية فالحق فى المسألة هو القول بالتعميم ولا يختص بالحاضرين وقد ذكروا للتعميم وجوها غير ما ذكرنا ، الأول : ان المخاطب لا بد وأن يكون موجودا في مجلس الخطاب ولكن توسع في وجوده بأن كان موجودا فعليا أو موجودا تنزيليا فيكون المعدومون مشمولين بهذا الخطاب بسبب التوسعة فى الوجود.

وفيه أن هذا خلاف المحاورات العرفية إذ هي مبنية على انهم لا يخاطبون إلا وان يكون المخاطب موجودا فعليا في مجلس الخطاب ولا يكتفون بالمجلس الادعائي الثاني : أن ادوات الخطاب موضوعة للخطاب الإيقاعي الانشائي وهو غير مختص بالحاضرين بل يعم المعدومين وفيه ما لا يخفى فان وضع لفظة (يا) وان كان كذلك إلا انه بواسطة الكلام والخطاب صار له ظهور ثانوي بالخطاب الفعلى الحقيقى وهو لا يعم المعدومين.

الثالث : ان الخطاب وإن كان مختصا بالحاضرين إلا أن ملاك الحكم والمصلحة موجودة حتى في غير الحاضرين فيكون ملاك الحكم والمصلحة أوسع من نفس التكليف.

فان قلت : القدرة شرط فى التكليف فمع عدم القدرة لا مصلحة والمعدومون لما كانوا غير موجودين لم يكونوا قادرين على امتثال التكليف فلا يكون فيه مصلحة وملاك المحبوبية.

قلت : فرق بين اعتبار القدرة في التكليف شرعا وبين اعتبارها عقلا

٣٠٨

فان اعتبرت شرعا أوجب زوال المصلحة فى التكليف مع انتفاء القدرة وان اعتبرت عقلا فلا توجب زوال المصلحة عند انتفائها ، فلذا يتحقق الحكم عند وجود القدرة لتحقق ملاكه ولأجل ذلك ذهب الأصحاب الى صحة الصلاة المبتلاة بالمزاحم الأهم لأن الضد انما يزاحم فعلية التكليف وهذا هو المراد من اطلاق المادة فانها شاملة لحالتي العجز والقدرة بخلاف الصيغة. اذا عرفت ذلك فاعلم ان المقام من هذا القبيل فان الخطاب وإن كان مختصا بالحاضرين ولا يشمل المعدومين ولكن المولى لم يجعله قيدا في متعلق حكمه فيكون من قبيل القدرة المعتبرة عقلا لا شرعا هذا غاية ما يوجه به هذا الوجه ولكن لا يخفى ما فيه فانا لا نتعقل اطلاقا للمادة مع التقيد في طرف الهيئة لأن المادة الواقعة في حيز الحكم لا يعقل اطلاقها مع تخصيص الحكم بل اطلاقها وتقييدها منوطان بالحكم فكذلك الخطاب الملقى الى الحاضرين فانه لا يعقل تخصيصه بالحاضرين مع كون متعلقه عاما للحاضرين والمعدومين وغاية ما يتصور من اطلاق المادة أن تفرض القدرة من القيود المنفصلة إذ جعلها من المتصلة لا يعقل معه اطلاق المادة ومع جعلها من المنفصلة يمكن دعوى الاطلاق فى طرف المادة للقادرين وغيرهم ولكن لا يمكن دعوى الاطلاق بلحاظ المكلفين فالتزام الاطلاق بالنظر اليهم في غاية البعد.

ثمرة المسألة : ربما قيل بظهور الثمرة في هذا النزاع بانه على القول بالتعميم يتمسك بظهور الكتاب بالنسبة الى المعدومين لكونه حجة بالنسبة اليهم بخلافه لو قلنا بأنه مختص بالحاضرين فلا يكون حجة بالنسبة الى المعدومين.

وفيه ما لا يخفى. بانه حجية الظواهر شاملة للمعدومين سواء كان الخطاب مختصا بالحاضرين أم عاما للمعدومين.

٣٠٩

وربما قيل بظهور الثمرة بانه على القول بالتعميم يمكن التمسك للمعدومين بالاطلاقات القرآنية ولا يحتاج الى تسرية الحكم بقاعدة الاشتراك وأما لو قلنا بانه لا تشمل المعدومين بل تختص بالحاضرين فلا يمكن التمسك بالاطلاقات القرآنية فلا بد على هذا من تسرية الحكم للمعدومين من قاعدة الاشتراك وهي ايضا لا تنفع لانها إنما تفيد رفع مدخلية الاشخاص واما احتمال الصفات العرضية التى تحتمل الدخل لا ترفعها وفيه ما لا يخفى اما اولا : ان هذه الثمرة عين تلك الثمرة وقد عرفت الجواب عن الاولى بان الاطلاقات هي حجة ويصح للمعدومين التمسك بها ولو قلنا باختصاص الخطاب للمعدومين ، واما ثانيا : لو سلمنا بان هذه الثمرة غير تلك الثمرة فنقول انه لو قلنا باختصاص الخطاب للحاضرين فهو انما يمنع عن التمسك بالاطلاق بالنظر الى المعدومين واما التمسك بالاطلاق في حق المشافهين حتى يثبت التكليف الذي فهمناه من الخطاب للمشافهين الى انفسنا بقاعدة الاشتراك فلم يكن من التمسك بالاطلاق فى حق المعدومين فانقدح مما ذكرنا انه لا ثمرة للنزاع بين القولين فان الحكم للمعدومين على القول بالتعميم يتمسك بالاطلاق من اول الأمر وعلى القول بالاختصاص يتمسك بالاطلاق في حق المشافهين ثم بواسطة قاعدة الاشتراك يثبت للمعدومين فلا ثمرة عملية تترتب على هذا النزاع فلا تغفل.

٣١٠

تعقب العام بالضمير (١)

الفصل الثامن : إذا تعقب العام ضمير يرجع الى بعض افراده فهل يوجب تخصيصه ام لا؟ وجهان بل قولان. والذي ينبغى ان يعلم ان تحرير المسألة على

__________________

(١) لا يخفى ان العام إذا تعقب ضميرا يرجع الى بعض افراده كمثل قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) الى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) فان ضمير بعولتهن يراد منه الرجعيات التي هي بعض أفراد المطلقات فحينئذ يدور الأمر بين ان يراد من المرجع الذي هو المطلقات العموم فهو الاستخدام أو خصوص الرجعيات فهو التخصيص وكلاهما خلاف الظاهر ولكن لا يخفى أن ارتكاب خلاف الظاهر فى التخصيص مبني على كون استعمال العام في الباقي مجازا واما بناء على ان الاستعمال فى الباقي على نحو الحقيقة فلا يكون خلاف الظاهر كما ان الاستخدام انما يتصور فيما اذا كان استعمال العام في العموم مع ارادته للخصوص باعتبار كونه مرجعا للضمير يوجب استعمال اللفظ في معنيين واما لو قلنا بان اللفظ دائما مستعمل فى معنى واحد وان القيود والخصوصيات تستفاد من دال آخر فليس في البين استخدام لكي يكون اصالة عدم الاستخدام معارضا لاصالة العموم على ان التخصيص لا يوجب تجوزا في العام فلا موضوع للاستخدام مضافا الى ان اصالة عدم الاستخدام انما تجري فيما اذا شك في المراد لانها من الاصول اللفظية ومن الواضح ان الاصول اللفظية تجرى للكشف عن المرادات الواقعية ولا تجري فيما لو شك فى كيفية المراد مع القطع باصل المراد كما في العام فان المراد منه معلوم فى أن بعولتهن لخصوص الرجعيات وانما الكلام في انه يلزم التخصيص أم لا فحينئذ لا يجري فى أصل المراد لحصول القطع فكيف يجري فى لازم المراد وهو التخصيص

٣١١

اطلاقه باطل فان الضمير المتعقب بالعام وراجع على بعض افراده اما ان يكون من التوابع ويعد ملحقا به بان كان في كلام واحد فلا يبقى للعام ظهور بل يكون العام من المجمل لاقترانه بما يصلح للقرينية اللهم إلّا ان يقال ان اصالة العموم حجيتها من باب التعبد لا من باب بناء العقلاء وهو خلاف التحقيق ، فالذي ينبغي ان يحرر موضوع النزاع فيما لو كان العام فى كلام ثم عقب بكلام آخر فيه ذلك العام ومتعقبا بضمير راجع الى بعض افراده حتى يبقى للعام الأول ظهور فيجري ذلك النزاع بانه هل مثل هذا العام الثاني المتعقب بالضمير الذي يعدانه

__________________

ان قلت انه مع فرض لا مجرى بالنسبة الى أصل المراد لم لا يجري بالنسبة الى لازم المراد كما هو كذلك بالنسبة الى الأصل العملى فانه يجري بالنسبة الى لازم المراد مع عدم جريانه في أصل المراد الذي هو الملزوم كما بالنسبة الى اللحم المفقود وبقى الصوف والوبر وان الأصل لا يجري في اللحم لفقده مع جريانه في صوفه ووبره من جهة كونه لازما ولا يلزم من عدم جريانه فى الملزوم عدم جريانه فى اللازم قلت فرق بين الأصول العملية والاصول اللفظية فان الأصل العملي تجري في اللازم ولو لم يجر فى الملزوم بخلاف الأصل اللفظي فانه يجرى فى اللازم مع جريانه فى الملزوم لكون مثبته حجة بيان ذلك ان اللازم الشرعي انما هو فى عرض ملزومه بالنسبة الى التعبد فكما ان التعبد يرد على نفس الملزوم يرد على نفس اللازم فينحل الأصل العملى الى تعبدين فمع عدم جريان احدهما لا يلزم عدم جريان الآخر وليس كذلك مثبته فان اثباته فى طول اثبات الملزوم فاذا لم يجر بالنسبة الى الملزوم فكيف يجري بالنسبة الى اللازم فظهر مما ذكرنا ان الحق عود الضمير الى بعض افراد العام لا يوجب تصرفا في العام كما هو واضح إذ تقييد الحكم فى الجملة المشتملة على الضمير لا يوجب تقييد العام كما لا يخفى فافهم.

٣١٢

مخصص له فهل يخصص العام الأول ام لا لأن العام الأول لما كان ظهوره غير زائل فيكون حجة والحق في المسألة ان يقال بان العام الأول باق على ظهوره والعام الثاني بتخصيصه لم يرفع الظهور ولا يسري اجمال الثاني الى الاول.

تخصيص العام بمفهوم المخالفة

الفصل التاسع إذ اورد عام ثم ورد خاص دال بمفهوم المخالفة (١) فهل

__________________

(١) الذي يظهر من كلمات الأصحاب حصر الكلام فى مفهوم المخالفة ولكن ينبغي تعميمه إذ نظر القائل بتقديم العام على المفهوم هو كونه من المنطوق والمنطوق اقوى من المفهوم وهذا لا يختص بمفهوم المخالفة بل يجري حتى فى مفهوم الموافقة.

وتنقيح المقام هو انك قد عرفت فى باب المفاهيم ان المفهوم لازما بينا للمنطوق وهو ينقسم الى الموافق والمخالف والمراد بالموافق هو ما يكون موافقا بالايجاب والسلب كما في قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) يستفاد منها انه لا تضربهما والموافق تارة يستفاد من الأولوية واخرى يستفاد من المساوات. اما الأول مثل حرمة الضرب المستفادة من حرمة التأفيف وهذه الاستفادة تحصل باحد وجهين أحدهما ان يكون من قبيل دلالة الألفاظ كأن يكون من باب التنبيه بالخاص على العام وهذه تكون من الدلالة اللفظية ثانيهما تكون من قبيل الدلالة العقلية كما لو دل على وجوب اكرام خدام العلماء بالمطابقة وحينئذ العقل يحكم بان اكرام العلماء بالاولوية واما ما يكون مستفادا من التساوي فهو على قسمين أما أن يكون من العلة المنصوصة أو من العلة المستنبطة وضابط العلة المنصوصة هي ما يكون كبرى كلية على وجه يكون موضوع الحكم الخبري المعلل جزئيا حقيقيا لذلك الكبرى كقولنا الخمر حرام لانه مسكر والعلة المستنبطة تارة تكون علة للحكم

٣١٣

يخصص ذلك العام أم لا؟ وجهان بل قولان : وتحقيق الحال ان العام والخاص إما ان يكونا فى كلام واحد أو فى كلامين وعلى كلا التقديرين فاما أن يكونا دلالتهما على العموم والخصوص بحسب الوضع أو بالاطلاق أو مختلفين فان كان في

__________________

واخرى علة لتشريعه وحيث ابحر الكلام الى ذلك فلا بأس ببيانه وهو يقع في مقامين المقام الاول فقد قسم أهل المعقول الواسطة على قسمين واسطة في العروض وواسطة في الثبوت ونعني بالواسطة في العروض ما يكون المحمول منسوبا الى عنوان كلي وذلك العنوان لما كان متحدا مع شيء ينسب الى ذلك الشيء بالعرض والمجاز والواسطة في الثبوت عبارة عن جهة مقتضية لثبوت صفة لذات المعروض كما في عروض الادراك على الانسان لمكان اشتماله على النفس الناطقة والفرق بينهما ان الواسطة في العروض هو انها فى قوة كبرى كلية تطرد مع الافراد بخلاف الواسطة في الثبوت فانها تختلف الحال فيها فتارة تكون مطردة واخرى غير مطردة وبالجملة الواسطة فى الثبوت يكون فيها الاطراد وعدمه بخلاف الواسطة فى العروض فانها تختص بالاطراد واما علل الشرعية فهي من الوساطة الثبوتية فتارة تكون علة لنفس الحكم فتكون مطردة واخرى تكون علة للتشريع فلا تكون مطردة كمسألة اختلاط المياه بالنسبة الى العدة وأما تسريته الى بقية الافراد فيحتاج الى دليل آخر فتحصل مما ذكرنا ان منصوص العلة انما يكون على نحو الواسطة فى العروض التي هي فى قوة كبرى كلية فتكون مطردة بخلاف علة التشريع فانها لم تكن في قوة كبرى كلية فلا تكون مطردة. المقام الثاني في بيان احراز ان العلة المذكورة من أي قسم هل هي من العلة المنصوصة أو العلة التشريعية أو غيرهما فنقول ان كون العلة المنصوصة التي هي عبارة عن كبرى كلية احرازها موقوف على كون العلة من الموضوعات القابلة لالقائها الى المخاطب لا انها من الملكات التي احرازها بيد علام الغيوب كمثل ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فان النهي عن ذلك

٣١٤

كلام واحد وفرضنا دلالتهما بحسب الوضع كانا من باب التزاحم وحصل الاجمال إن تساويا بحسب الظهور وإلا فان كان هناك أظهر يؤخذ به وكذلك إذا كانت دلالتهما بالاطلاق أما اذا كانت دلالة أحدهما بالوضع والآخر بالاطلاق

__________________

ليس قابلا لان يلقى الى المخاطب فلو كانت العلة المذكورة من قبيل ذلك فليست من العلة المنصوصة فاذا احرز كون العلة من الموضوعات القابلة للالقاء الى المخاطب فحينئذ يقع الترديد في انها من قبيل العلة المنصوصة أو من قبيل علة الحكم ان استكشفنا اطراد العلة من الامور الخارجية كتنقيح المناط أو غير ذلك أو يكون علة للتشريع ان لم نستفد ذلك فحينئذ يقع الكلام فى وجه الاستفادة بيان ذلك ان العلة المذكورة فى الكلام تارة تكون لها جهة اضافة الى المورد مثل الخمر حرام لاسكاره واخرى لا يكون كذلك مثل الخمر حرام لانه مسكر فان كان من قبيل الأول فذكر العلة لا يحتاج الى مئونة بل علة الحرمة هو الاسكار الموجود فى خصوص المورد ولا يتوقف صحته على ازيد من ذلك بخلاف الثاني فان صحته موقوفة على الفراغ من وجود كبرى كلية حتى يكون المورد من مصاديق تلك العلة ولو لم تحرز الكبرى الكلية بل كان بعضه حراما وبعضه ليس بحرام لا يصح هذا التعليل لان التعليل بنحو الكبرى الكلية.

والحاصل ان التعليل ان كان لا يحتاج الى احراز كلية الكبرى بل صرف اضافة الى المورد بالخصوص فليس من قبيل منصوص العلة فان استفدنا من الامور الخارجية ان العلة مطردة فهو علة الحكم وإلّا فعلة التشريع وان كان صحة التعليل تتوقف على احراز الكبرى كما فى المثال الثاني فهو من باب منصوص العلة لا من باب علة التشريع وهذا النحو يقال له مفهوم الموافق وان لم يصطلحوا عليه لانطباق تعريفه عليه وهو ما كان الحكم بغير المذكور أولى من ثبوته للمذكور

٣١٥

فيؤخذ ما كانت دلالته بالوضع لأن دلالته بالوضع تنجيزية والدلالة بحسب الاطلاق تعليقية لانها منوطة بعدم وجود البيان ولا اشكال فى تقدم التنجيزية على التعليقية بل لا تعارض بينهما ولذا قلنا بعدم صلاحية الظهور الاطلاقي للقرينة بالنسبة الى الظهور الوضعى فلا يضر بظهور العام لو اتصل به فى الكلام وان كانا في كلامين فان كان المتكلم بصدد بيان مراده فهذا الكلام بالخصوص فيقع التعارض بين الظهورين سواء كان بحسب الوضع أو بحسب مقدمات الحكمة أو مختلفين وتوهم

__________________

وفي العلة المنصوصة استفادة الحكم لغير المذكور من علة الخطاب كما عرفت ان ذلك ينطبق ايضا على ما كانت بالدلالة اللفظية وعلى ما كانت بالدلالة العقلية القطعية.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان التعارض بين المفهوم الموافق مع العام يرجع الى التعارض بين المنطوق والعام لانه بعد تسليم ان المنطوق من افراد المفهوم فكيف يعقل ان لا يحصل التعارض بين العام والمنطوق مثلا الآية لما دلت بالمطابقة على حرمة التأفيف بالمطابقة ودلالة ذلك على حرمة ايذاء الوالدين اما بالدلالة اللفظية أو بالدلالة العقلية القطعية فاذا قيس الى قوله مثلا اضرب كل أحد لا بد وان يكون التعارض بالقضية بما لها من المفهوم ولا يعقل التفكيك فاذا قدم المنطوق على العام لا بد وان يقدم المفهوم ايضا وإلا لزم التفكيك بين اللازم والملزوم هذا كله في مفهوم الموافقة واما الكلام في مفهوم المخالفة فبعد الفراغ من استفادة المفهوم فاذا كان اخص فيقدم في غير ما استفيد العموم والمفهوم من مقدمات الحكمة واما مع استفادتهما منها فيشكل تقديم كل واحد منهما لصلاحية كل واحد منهما لبيانية الآخر ولكن لا يخفى ان الخاص لما كان هو الاقوى فيصلح للبيانية للعام بخلاف العكس على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

٣١٦

تقديم الظهور الوضعي على الاطلاقي فيما اذا كانا في كلامين ففيه ما لا يخفى فان ذلك مسلم لو كان البيان المانع عن الاطلاق مطلق البيان ولو كانا في كلامين واما لو قلنا بان البيان المانع عن الظهور الاطلاقى هو البيان الذي فى كلام التخاطب لا مطلقا فلذا يكون كل منهما ظهورا تنجيزيا فلذا قلنا لا بد ان يعامل معهما معاملة اقوى الظهورين وذلك قد يختلف بحسب خصوصيات المورد فى الفقه لعدم اندراجه تحت ضابط فافهم.

تعقب الاستثناء جملا

الفصل العاشر إذا تعقب الاستثناء جملا فهل هو راجع الى الجميع أو الى الاخير؟ أقول أولا فليعلم انه لا اشكال في أن الاخيرة متيقنة على كل حال ولا أحد يشك فيه وينازع ثم ظاهر عبارة القوم النزاع فى المخصص المتصل وان ظاهر عباراتهم ان الاستثناء من الجملة الاخيرة ، ذلك وايضا لو كان النزاع فى المنفصل لما كان الاخيرة متيقنة بل هي كغيرها وعلى كل حال فقد اشكل بالرجوع الى الجميع بانه يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى لأن كل جملة مستقلة بنفسها فارجاع الاستثناء الى الجميع يلزم ذلك المحذور ويدفعه ان الاخراج من الجميع يعد أمرا واحدا وانما تختلف خصوصيات الاخراج باختلاف كيفياته فان لوحظ المخرج والمخرج منه متكثرات انضمامية كان ذلك معنى واحدا من معاني (إلا) وان لوحظ متكثرات استقلالية كان ذلك معنى آخر فان الاستقلال والانضمام يختلف بهما الاخراج فهما نظير كون العموم الاستقلالي والمجموعي فاستعمال اللفظ بأحد هذين النحوين لم يكن من قبيل استعمال اللفظ فى اكثر من معنى

٣١٧

نعم لو استعملت في كلا النحوين صار استعمال اللفظ في اكثر من معنى لكن خلاف الفرض ولو اغمضنا عن ذلك فنقول هذا على خلاف المبنى من وضع الحروف فان التحقيق وضعها بالوضع العام والموضوع له عام وفاقا للاستاذ وان كان اختلافنا فى كيفية الاعتبار فالاستاذ (قدس‌سره) يقول بالوضع العام والموضوع له عام بحيث تراه منعزلا عن الخصوصيات منطبقا عليها انطباق الكلي على جزئياته ومختارنا بالوضع العام والموضوع له عام ولكن يرى مندكا مع الخصوصيات ملحوظا معها تبعا وعلى كلا المسلكين فلا يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى والتحقيق أن رجوعه الى الاخيرة متيقنة وغيره لا دليل عليه فتجري اصالة العموم فيما عدا الاخيرة (١) هذا اذا كان العموم وضعيا فلا يكون القيد صالحا

__________________

(١) لا يخفى ان صلاحية رجوع الاستثناء الى الجميع مما لا يكاد ينكر ولا مانع من اتكال المتكلم عليه اذ الارجاع الى الجميع لا يلزم فيه محذور من ارتكاب خلاف الأصل أو لانه مجازا من غير فرق بين القول بان وضع الحروف عاما أو خاصا اذ تعدد المخرج لا يلزم منه تعدد الاخراج بل يمكن اخراج المستثنى من الجميع باخراج واحد من غير فرق بين ان يكون الاستثناء بواسطة الحرف (كالا) أو بواسطة الاسم كمثل (سوى) فالحق في المقام هو عدم التمسك باصالة العموم فى الجميع لسقوطها عن الظهور لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينية من غير فرق بين ان تكون الجمل السابقة مذكور فيها الموضوع والمحمول جميعا كقوله اكرم العلماء وضيف السادات ووقر الكبار إلا الفساق وبين ما لم يكن كذلك بل يكون الموضوع واحدا لم يتكرر كقوله اكرم العلماء واضفهم ووقرهم بدعوى ان الاستثناء انما هو اخراج من الموضوع باعتبار الحكم ففى صورة ذكر الموضوع مستقلا وقد ذكر فى الجملة الاخيرة فحينئذ الاستثناء يأخذ محله لانه المتيقن بالرجوع

٣١٨

للقرينية واما اذا كان اطلاقيا فلا يكون في الجمل اطلاق لا لكونها متعقبة بما يصلح للقرينية بل لكون كل ظهور متوقفا على عدم ظهور الغير وهو الدور الواضح هذا اذا كان المتعقب حرفا (كالا) واما لو كان المتعقب اسما مثل لفظة (سوى) فيما كان المستثنى قابلا للانطباق على المخرج فى كل جملة فاذا كان العام اطلاقه وضعيا يؤخذ به ويقدم على اطلاق الاستثناء والمستثنى ولو قلنا برجوع اصالة العموم الى اصالة الظهور لورود ذلك على ذلك الاطلاق نعم يشكل الأمر لو قلنا بكون العموم اطلاقيا فجريان اصالة العموم يتوقف على عدم جريان الاطلاق كما ان جريان الاطلاق يتوقف على عدم جريان العموم فحينئذ ينتفي الظهور لا لاجل اتصال الكلام بما يصلح للقرينية كما لا يخفى.

__________________

اليه وليس هناك ما يدل على الرجوع الى سائر الجمل فلا مانع من جريان اصالة العموم في الجمل السابقة سوى توهم وجود ما يصلح للقرينية وهو غير صالح لذلك إذ بعد ما كانت الجملة الأخيرة مشتملة على الموضوع ورجع الاستثناء اليها فقد اخذ الاستثناء محله فحينئذ لا يكون ما يوجب تضييق الموضوعات بخلاف ما اذا لم يذكر الموضوع إلا فى صدر الكلام فرجوعه اليه مما لا اشكال فيه فلازمه رجوعه الى الجميع ممنوعة اذ هي دعوى بلا برهان فان الكلام ما دام لم ينقطع للمتكلم له ان يلحق به ما يشاء والجملة الفاصلة ليست بمنزلة السكوت فى الحيلولة ولا يخفى ان المقام من اظهر موارد احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية كما لا يخفى.

٣١٩

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

الفصل الحادى عشر اختلفوا فى جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد أم لا على قولين والمانع ناظر الى أن الخبر ظني والكتاب قطعي والقطعي لا يعارض الظني ولكن لا يخفى أن الخبر أيضا قطعي بحسب الدلالة فكل واحد منهما قطعيا من وجه وظنيا من وجه آخر وثانيا أن التعارض انما يكون بحسب الدلالة ولا اشكال فى قطعية الخبر فيقدم وربما يمنع من جهة الأخبار فان الأخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب وانه زخرف وانه اطرحه على الجدار ولكن لا يخفى أن المراد بالمخالفة التباين لا بنحو العموم والخصوص وهذا كثير واقع؟ فى لسانهم (ع) وربما يمنع بدعوى ان التعبد في سند الخبر يعارضه التعبد فى دلالة الكتاب وليس أحدهما أولى وأقوى من الآخر حتى يقدم وفيه ما لا يخفى أن هذا يجري فى كل خاص تعبدي سواء كان العام من عمومات الكتاب أم لا وقد بينا أن الخاص مقدم على العام من جهة قوة دلالته كما لا يخفى.

تعارض العام مع الخاص

الفصل الثاني عشر إذا ورد خاص وعام متخالفان بحسب الحكم فهل يكون الخاص مخصصا للعام أو ناسخا لحكمه أو منسوخا بالعام؟ فيه أقوال وربما فصل بين ما كان مقارنا للعام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل وبين ما كان واردا بعد حضور وقت العمل فيكون في الاول مخصصا لا ناسخا وفى الثاني ناسخا لا مخصصا ولكن لا يخفى أن هذا التفصيل انما يصح بعد تسليم مقدمتين

٣٢٠