منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

الفرد لما كان مشكوك الدخول تحت الخاص فلا يكون الخاص ظاهرا فيه ولا حجية له بالنسبة اليه كما ان تقديم الخاص على العام تحكيما للنص على الظاهر او الاظهر على الظاهر لا يوجب ارتفاع ظهور العام فى الفرد المشكوك لما عرفت من

__________________

العام بعد ورود التخصيص قد انحصرت في نوعين عالم وفاسق الفاسق محكوم بعدم وجوب اكرامه والعالم غير الفاسق محكوم بوجوب اكرامه فعليه لا يكون العام متعرضا لحال الشك لكي يتمسك بالعموم فى ظرف الشك ثم انه ربما يتوهم بان حكم الأصحاب ان اليد المشكوكة العدوان بانها يد عادية استند الى عموم (على اليد) يكون من التمسك بعموم العام فى الشبهة المصداقية ولكن لا يخفى ما فيه اذ بناء على ان المستفاد من كلمة على هو العدوان فحينئذ تخرج الايادي غير العادية من العموم خروجا موضوعيا فعليه لا يمكن التمسك بالعموم ولو قلنا بجواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية لكون الشك فيها يرجع الى الشك في انطباق العنوان كما لو شك فى كون الفرد الخاص عالما أم لا فبلا اشكال لا يتمسك بعموم (اكرم العلماء) على انه لو قلنا بعدم استفادة العدوان من كلمة على فليس مدرك حكم الاصحاب بذلك هو القاعدة بل المدرك فى كونها عادية هو استصحاب كونها عادية ويكون من قبيل ما احرز أحد الجزءين بالأصل والآخر بالوجدان حيث ان موضوع الغصب استيلاء الغاصب ورضى المالك وليسا من قبيل العرض ومحله بل هما عرضان لمحلين فان الاستيلاء عرض قائم بالغاصب والرضا عرض قائم بنفس المالك وليس هناك بينهما سوى الاجتماع فى الزمان والاثر مترتب على نفس اجتماعهما وليس له دخل في التأثير كعنوان الحال فحينئذ فى الشك فى كون اليد مضمنة فيستصحب تضمين الغاصب فان له حالة سابقة وهو قبل وضع يده وضم ذلك الى الاستيلاء الذي هو امر وجداني فيترتب الاثر وهو الضمان على تفصيل ذكرناه فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره)

٢٨١

ان المخصص المنفصل لا يوجب رفع ظهوره في الافراد وانما يزاحم حجيته فيها فيما علم بفرديته له ففى الفرد المشكوك لا يزاحمه فى الحجية بالنسبة اليه فلذا لا مانع من التمسك بالعام بالنسبة الى الفرد المشكوك لا يقال ان الشك المتعلق بالفرد المشكوك تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية واخرى يكون من جهة الشبهة الموضوعية فما كان من الجهة الاولى فالشك ينشأ من احتمال مطابقته للحكم الواقعي وعدم مطابقته له وكان من الجهة الثانية فالشك انما يكون ناشئا من تردد زيد مثلا بين كونه من افراد الخاص او من غيره ولا يخفى ان اصالة العموم انما ترفع الشك من الجهة الاولى لا الثانية لان الشارع وظيفته بيان الحكم الواقعي لا بيان الموضوع وإنما تشخيصه راجع الى المكلف فعليه لم يكن العام متعرضا لاخراج الفرد المشكوك من الخاص ويعين انه ليس من افراده لكي يكون العام حجة فيه بلا مزاحم من الخاص لانا نقول ان الفرد المشكوك قد احرز انه فرد للعام قطعا وذلك كاف فى اندراجه تحت العام وكونه من مصاديقه ولا يحتاج الى احراز انه غير الخاص وحينئذ يكون العام حجة فى جميع مصاديقه الى ان يعلم المخصص وما يقال ان المخصص المنفصل بتخصيصه يعنون الموضوع ويجعله مركبا من العام والمخصص وبعبارة اخرى ان التخصيص يقلب العام من تمام الموضوع الى جزء الموضوع فحينئذ كيف يتمسك في العام فى الفرد المشكوك للزوم التمسك بعموم الحكم مع الشك في تحقق موضوعه وهو بديهي البطلان ولكن لا يخفى انه مسلم لو كان التخصيص كالتقييد إلا انه محل منع اذ التخصيص من قبيل فقد بعض الافراد لا يوجب تعنون العام بيان ذلك ان افراد العام بعد التخصيص على ما هو عليه قبل التخصيص مثلا افراد العلماء العدول لم تكن قبل التخصيص تمام الموضوع لوجوب الاكرام وبعد التخصيص صارت جزء

٢٨٢

للموضوع بل هي تمام الموضوع للوجوب قبل التخصيص وبعده من غير فرق بين الحالتين نعم الفرق انه قبل التخصيص قد انضم الى تلك الافراد افراد الفساق وبعد التخصيص لم تنضم اليها هذه الافراد ولا يوجب ضمها اليها تقييدها كما لا يوجب عدم ضمها اليها ذلك مثلا اخراج الفساق من العلماء لا يوجب تقييد افراد العام بعدم الفاسق وبالجملة افراد العلماء هو تمام الموضوع قبل التخصيص بالعدول وبعده لا يوجب تقييدها بالعدول او بغير الفساق وانما الموضوع فيه هي الافراد اللازمة للعدالة أو عدم الفسق والتخصيص يوجب قصر الحكم على ما كان ثابتا قبل التخصيص وقد عرفت ان تلك الافراد لم تكن مقيدة بعنوان المخصص فليس الباقى إلا تلك الافراد الملازمة لعنوان القيد ويكون التخصيص نظير موت احد افراد العام فانه لا يوجب تقييد العام وتعنونه بما عدا ذلك الفرد المفقود كما ان الافراد الباقية تحت العام على حالتها من كونها تمام الموضوع للحكم بعد فقد بعض الافراد وبذلك يمتاز التخصيص عن التقييد ودعوى ان قصر الحكم على الباقي يوجب تضييق العام وتحديده بحد خاص فان اخراج الفساق من العلماء عبارة اخرى عن قصر وجوب الاكرام على العلماء غير الفساق فيكون حينئذ كالتقييد في تعنون الباقى بعنوان الخاص ممنوعة بانه خلط بين التقييد والتخصيص فان التقييد عبارة عن قلب ما هو تمام الموضوع الى جزء الموضوع فان الرقبة التى هي كانت تمام الموضوع صارت بقيدها جزء الموضوع ويكون الموضوع هو الرقبة المؤمنة فان الفرد الذي هو ملازم للعدالة قبل التخصيص هو تمام الموضوع وبعد التخصيص هو بنفسه تمام الموضوع والضيق انما جاء من قصر الحكم على الباقى وحيث ان ذلك ناشئ من الحكم فكيف يكون موجبا لانقلاب الموضوع بنحو

٢٨٣

يكون العام جزءا للموضوع لاستحالة اخذ الضيق الناشئ من الأمر المتأخر الذي هو الحكم فى الأمر المتقدم الذى هو الموضوع اذا عرفت ان التخصيص لا يوجب تعنون العام فلا مانع من التمسك بعموم العام بعد تخصيصه في الفرد المشكوك دخوله في الخاص لعدم مزاحمة الخاص له في ظهوره ولا فى حجيته ولو سلمنا ان التخصيص كالتقييد وانه يوجب تعنون العام بعنوان ولو عنوان غير الخاص فحينئذ يحتاج الى احراز ذلك العنوان فنقول يمكن احراز ذلك باصالة العموم المقتضية لرفع الشك في كونه من الخاص مثلا لو قال اكرم العلماء ثم ورد دليل آخر لا تكرم النحويين ومقتضى تقديم الخاص هو تعنون العام بوجوب اكرام غير النحويين فيتمسك بعمومه لرفع الشك في كونه نحويا ويكون العام ظاهرا فيه وللشارع جعل امارة على تشخيص الموضوعات كما جعلت اليد والبينة والسوق لذلك ودعوى انه لا يمكن جريان اصالة العموم بالنسبة الى الشبهة المصداقية لرجوعها الى الشبهة في الموضوع وهي في طول الشبهة في الحكم لانها تنقح موضوعه ولازم ذلك ان يكون العام حجة فى المقامين ومرجعه الى كون العام موضوعا لتعبدين طوليين وذلك غير معقول اذ يستحيل ان يكون ظهور واحد يتحمل حكمين متماثلين يردان على موضوع واحد إذ هو في الاستحالة كالضدين بل الظهور الواحد لا يتحمل إلا حكما واحدا ممنوعة فان مفاد التعبد هو وجوب العمل على مقتضاه فيتم ما ذكره ولكن يمكن أن يكون المراد هو الغاء احتمال الخلاف وحينئذ يمكن ان يكون دليل واحد يكون متكفلا لالغاء الاحتمالين ولو كان أحدهما فى طول الآخر اذ لا قصور فى شمول الدليل لهما كما هو كذلك في آية النبأ وانها تشمل الأخبار بالواسطة مع ان التقييد بكل سابق ينقح موضوع اللاحق فظهر مما ذكرنا انه

٢٨٤

لا مانع من جريان اصالة العموم فى الشبهة الحكمية والموضوعية مع ان احدهما ينقح موضوع الآخر ودعوى انه لا مجال للتمسك بالعام في مقام الشك في المصداق وان الخاص وان لم يكن مزاحما للعام في ظهوره إلا انه لما كان مزاحما له في الحجية فيكون العام حجة في غير مورد الخاص والفرد المشكوك وان كان فردا للعام إلا انه بما هو عام لا بما هو حجة واذا لم يعلم انه فرد بما هو حجة فلا يكون حجة لاختصاص حجيته بما عدا الخاص وليس مندرجا تحت الخاص للشك في اندراجه به فحينئذ يشك في اندراج الفرد المشكوك في احدى الحجتين فلذا يرجع فيه الى الاصول ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم إلا ان يكون دليل الخاص يوجب ان تكون حجية العام مقصورة على قطعة من مدلوله مثلا بسبب ورود دليل لا تكرم الفساق منهم يوجب ان يكون دليل اكرم العلماء مقصورا على العلماء العدول فحينئذ يشك فى انطباق العام على الفرد المشكوك إلّا انه محل منع اذ ذلك مبنى على كون العام عبارة عن مرتبة خاصة لكي يوجب حصر الحجية بالباقى بعد التخصيص مع انك قد عرفت ان العام ليس عبارة عن ذلك وانما هو عبارة عن معنى قابل لانطباقه على خصوص العدول او على جميع الافراد فاذا كان معنى قابلا للانطباق على القليل والكثير فبعد التخصيص بالنسبة الى الفرد المشكوك قبوله للانطباق فحينئذ يتمسك بعمومه وبذلك لا يقع الشك ويحكم عليه بحكم العام هذا غاية ما يمكن ان يقرب جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية وبالتمسك باصالة العموم موجب لرفع الشك فى الموضوع ولكن التحقيق ان اصالة العموم غير قابلة لرفع ذلك الشك حيث ان الظهور الكاشف عن كون المتكلم قاصدا للافادة والاستفادة ولازم ذلك كون المتكلم بقصد بهذا الظهور ابراز مرامه بهذا اللفظ فحينئذ لا يكون

٢٨٥

ذلك في مقام افادة ما كان مشتبها فيه فلا يكون الظهور كاشفا عنه فاذا لم يكن كذلك فلا يكون حجة فيه وبالجملة معنى كون الظهور حجة هو كشفه عن كون المتكلم في مقام الافادة ومع كون الشيء مشتبها كيف يعقل ان يكون المتكلم مريدا له لكي يشمله الظهور فيكون حجة نعم لو كان منشأ الشبهة هو الشبهة الحكمية امكن دعوى ان رفع الجهل بيد المولى فحينئذ باصالة العموم يوجب رفع الشك اذ الظهور يكشف عن كون المولى مريدا وقاصدا للافادة والاستفادة فيكون اصالة العموم من قبيل الامارات الرافعة للشك هذا كله في المخصص اللفظي واما اذا كان المخصص لبيا فتارة يكون عرفا يعد من القرائن المتصلة الموجبة لصرف الظهور واخرى لا يكون كذلك اما الاول فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك لعدم انعقاد ظهور العام إلا في الباقي فهو كالمخصص اللفظي من دون فرق بينهما واما الثاني فهل يجوز التمسك بالعام به في الفرد المشكوك مثلا لو قال المولى اكرم جيراني وقطع العبد بانه لا يريد اكرام من كان عدوا له فيجب اكرام كل جيرانه إلا من قطع بكونه عدوا له أم لا يجوز التمسك بالعموم فى الفرد المشكوك فلا يجب اكرام من شك في كونه عدوه قولان قال الاستاذ (قدس‌سره) بالاول ما لفظه (كان اصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة الى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعداوته لعدم حجة اخرى بدون ذلك على خلافه) وحاصله ان المخصص في اللبي هو العلم فلذا لا ينطبق على المشكوك قطعا وحينئذ تجري اصالة العموم بلا معارض بخلاف المخصص المنفصل اللفظي فانه لما كان من الالفاظ وهى موضوعة لمعانيها الواقعية ليست منوطة بالعلم فلذا يكون الفرد المشكوك محتمل الاندراج تحت أحد الحجتين فلذا لا تجري اصالة العموم في الفرد المشكوك

٢٨٦

هذا والتحقيق ان المخصص اللبي كالمخصص اللفظي من دون فرق بينهما لما عرفت ان الظهور انما يكون تصديقيا الذي هو مناط حجيته فيما اذا كشف عن كون المتكلم في مقام الافادة والاستفادة ومن الواضح ان الجهل بالموضوع يمنع المولى فى ان يكون بصدد الافادة والاستفادة فحينئذ لا يعقل ان تكون اصالة العموم ترفع الشك عن الفرد المشكوك فى مقام الشك فى الموضوع للجهل ولا معنى للتعبد به بما لا يكون بصدد الافادة فعليه لا مجال للتفصيل بين المخصص اللفظي واللبي كالاجماع والعقل (١) كما لا يخفي.

__________________

(١) وينسب الى الشيخ الانصاري (قدس‌سره) جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية اذا كان المخصص لبيا مطلقا وفصل المحقق صاحب الكفاية (قدس‌سره) بين ما كان المخصص اللبي من قبيل الأمور الضرورية التي تصح ان يتكل المولى في بيان مراده ويكون كالمتصل في عدم انعقاد ظهور له فى العموم فلا يجوز التمسك به فيها وبين ما لم تكن كذلك فيجوز التمسك به فيها بل ربما يستكشف من جريان اصالة العموم ان الفرد المشكوك ليس فردا للخاص كما فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (لعن الله بنى امية قاطبة) فما علم بان الشخص مؤمنا يخرج عن العموم وما شك فى ايمانه يجوز لعنه وكل من جاز لعنه فليس بمؤمن فينتج من الشكل الأول ان هذا الشخص ليس بمؤمن قيل فى توجيهه ان المخصص اللبي هو العلم وهو حجة عند العقل وذلك لا ينطبق على الفرد المشكوك للتضاد بين العلم والشك فمشكوك الفسق مما لم يعلم بحرمة اكرامه فما يعلم بانه ليس موضوعا للحجة على خلاف العام اي العلم بحرمة الاكرام فحينئذ لا يجوز رفع اليد عن عموم العام ويحكم بعدم كون الفرد المشكوك فردا للخاص فعليه يترتب الشكل الاول الذي هو الفرد المشكوك ايمانه من بني امية يجوز لعنه وكل من جاز لعنه فليس بمؤمن فينتج ان هذا الشخص ليس بمؤمن وبذلك

٢٨٧

تنبيهات الشبهة المصداقية

ينبغي التنبيه على أمور : الأول : أن للحجة اطلاقين ، اطلاق يراد منها

__________________

يمتاز عن المخصص اللفظي فان المخصص فيه هو اللفظ الكاشف عن الحجة الواقعية فيكون المولى القى الى عبده حجتين العام والخاص ويكون الفرد المشكوك يشك في دخوله تحت احدى الحجتين فلذا لا يصح التمسك باحدهما فى ذلك الفرد بخلاف المخصص اللبي فان المولى قد القى الى عبده حجة واحدة وهو العام والمخصص هو العلم ليس ملقى من المولى وانما العقل حاكم بحجيته والفرد المشكوك مما يقطع بعدم دخوله تحت المخصص للتضاد الواقع بين العلم والشك.

ولكن لا يخفى ان هذا يتم بناء على عدم سراية العلم الى الخارج واما على ما يظهر منه فى الاستصحاب من سرايته الى الخارج فالفرد المشكوك مما يحتمل كونه موضوعا للعلم بحرمة الاكرام الذي هو حجة على خلاف العام فالاولى توجيهه بما ذكره بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف بما حاصله ان المخصص اللبي اذا كان بلسان الاجماع او العقل وحصل الشك في بعض المصاديق مثلا لو قال اكرم جيراني وعلم قطعا انه لا يريد اكرام عدوه وشك في عدواة بعض الجيران فالعام يكون محكما فيه من دون معارض وسره ان العقل حاكم بعدم وجوب اكرام الجار انما هو على نحو التعليق بمعنى انه لو كان فيهم عدو وفهو لا يريد اكرامه قطعا فمن علم بكونه عدوا منهم لا يجوز الحكم عليه بحكم العام وهو وجوب الاكرام للقطع بان المولى لا يريد اكرامه فالحكم العقلى في نفسه لا يكون مزاحما للعام لما عرفت انه تقديرى وانما يزاحمه القطع بعدم ارادة وجوب اكرام بعض الافراد

٢٨٨

ما يندفع منها احتمال الخلاف. واطلاق يراد منها قاطعية العذر وهي المصحح

__________________

وهو لا يحصل إلا اذا علم بان هذا الفرد مثلا عدو له وحينئذ يحصل لنا صغرى وكبرى يتولد منهما ذلك القطع فيقال هذا عدو وكل عدو لا يريد اكرامه فهذا لا يريد اكرامه قطعا وحينئذ لا يصح الحكم عليه بحكم العام اما الصغرى فوجدانية واما الكبرى فهي بحكم العقل واما ما شك في كونه عدوا فلا يتحقق فيه الصغرى فلا يحصل القطع بكونه لا يريد اكرامه ومجرد وجود الكبرى لا ينفع في حصول ذلك القطع ما لم تتحقق الصغرى واذا كان ذلك الفرد غير مقطوع بان كان المولى لا يريد اكرامه فلا مانع من جريان حكم العام فى حقه للشك فى وجود المخصص فان غايته ان يتولد من الشك فى كونه عدوا الشك فى ارادة وجوب اكرامه والعام يكون مزيلا لذلك الشك لما عرفت من رجوعه فى الحقيقة الى الشك في المخصص ولذا جاز لعن من شك في كونه مؤمنا من بني امية بخلاف المخصص اللفظي فانه لما كان منوعا لافراد العام وحاصرا لها فى قسمين قسم لا يجب اكرامه وهو العالم الفاسق وقسم يجب اكرامه وهو ما بقى فالفرد المشكوك لا بد وان يكون داخلا تحت أحد القسمين فعمدة الفرق بين اللفظي واللبي هو التنويع وعدمه ولكن لا يخفى ما فيه فان الاجماع لما قام على خروج بعض الافراد ولو كان بنحو التعليق يوجب تقييد العام واقعا ويكون كالمخصص اللفظي في تقييد المراد الواقعى من العام بعدم كونه من مصاديق الخاص فعليه لا بد من احراز هذا العنوان لكى يكون مشمولا بحكم العام ومع الشك فى المصداق لا يمكن التمسك في العام لعدم احراز العنوان كما في مثل (ارجعوا الى رجل روى حديثنا وعرف حلالنا وحرامنا) فان هذه الرواية دالة على الرجوع الى الرجل الموصوف بهذه الصفة ولا تدل على مدخلية العدالة فى موضوع الرواية ولكن الاجماع قام على اعتبار العدالة فيكون الموضوع مقيدا بالعدالة فمع الشك فيها كيف يرجع الى عموم (ارجعوا الى

٢٨٩

للعقوبة والمثوبة والمراد فى محل البحث هو الحجية بالمعنى الأول لا بالمعنى الثاني لأن العام حجة فى بيان معناه أي يوجب الغاء احتمال الخلاف ولكن لا يكون قاطعا للعذر ، لأن قاطعية العذر منوطة؟ بسد جميع أبواب الاعتذار مع وجود الخاص لا اشكال في انه ليس بحجة بالمعنى الثاني وعليه بنى من قال بعدم جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك وعلى الأول بنى من قال بالجواز ، ولكن التحقيق حسب ما يؤدي اليه النظر الدقيق انه التفصيل بينما لو كان الباقي بعد التخصيص معلوم الحكم وبينما لم يكن كذلك فان كان من قبيل الأول كان العام حجة في الفرد المشكوك لأن العام قد صدر من الشارع لتشريع الحكم وإذا لم يكن متكفلا لرفع الشك من ناحية الموضوع فيكون تشريع الشارع بهذا العموم لغوا ، إذ لا اشكال ان حكم الخاص معلوم بغير هذا العموم وان كان من قبيل الثاني

__________________

رجل ... الخ) نعم لو كان المخصص لم يكن فى مقام استكشاف تقييد الموضوع وانما ادرك ملاك حكم الشارع واقعا او قام الاجماع على كونه ملاكا لحكم الشارع كما في قوله (ع) (لعن الله بني امية قاطبة) فان العقل قد ادرك ان ملاك اللعن هو بغض أهل البيت وحينئذ يدرك العقل بانه ليس فيهم مؤمن. فعليه تقييد العام بما عدا المؤمن منهم ليس من تقييد العام بعدم كونه مؤمنا بل هو تقييد الملاك واذ رجع ذلك الى تقييد الملاك فيكون احرازه بيد المولى بنحو لو لم يأت بالقيد يكشف كشفا إنيا ان الملاك في العموم مثلا في مثل قوله (ع) لعن الله بني امية قاطبة ابرزه بصورة العموم كشف كشفا إنيا ان الملاك في العموم فلذا يكون رافعا للشك فيمن شك في ايمانه من بني امية لكون المخصص في مثله لا يوجب عنوان العام كما فى صورة تقييد الموضوع على تفصيل ذكرناه فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره).

٢٩٠

فالعام لم يكن حجة فيه لأن التعبد بالعموم موجب لترتيب الأثر على غير الخاص وهو الحكم والتعبد بأنه غير نحوي ـ مثلا ـ فرع ترتب الأثر فيكون متأخرا عن ترتب الاثر على هذا العنوان وترتبه عليه انما حصل من التعبد بالعموم فلا يعقل أن يكون مع شموله لترتب الاثر أن يشمل ما يتفرع عليه وبالجملة : أن حكم غير النحوي ـ مثلا ـ انما فهم من العام والتعبد بالظهور بحسب الموضوع إنما هو متأخر عن التعبد بالحكم فمع شموله للتعبد بالحكم لا يعقل شموله للموضوع وبعبارة أخرى ان الشبهة إما في الموضوع فقط أو فيه وفي الحكم أما اذا كانت الشبهة في الموضوع مع القطع فى الحكم فلا بد من شموله لرفع هذه الشبهة إذ لو لم يحمل على رفعها كان اتيان العام لغوا وإن كان مع كونه مشتبها فى الموضوع ، أيضا مشتبها في الحكم فنقول : أن التعبد بالظهور بحسب الموضوع فرع ترتب الاثر على الموضوع لأن كل تعبد بلسان الموضوع لا بد وان يلحظ بلسان ترتب الأثر ومع عدم وجود الأثر لا معنى للتنزيل في طرف الموضوع فاذا كان التعبد بالظهور يشمل الحكم ورفع الشك من ناحية الحكم لا يعقل مع شموله أن يكون شاملا لرفع الشك فى الموضوع هذا كله فيما اذا كان المخصص لفظيا وأما اذا كان لبيا يتمسك بالعموم لان التعبد بالعموم لا يعارض التعبد بالخاص لان التعبد انما يتصور فى الألفاظ وحيث أن المخصص اللبي ليس من سنخ الألفاظ فلذا لا معنى للتعبد به ولاجل ذلك التزم الاستاذ (قدس‌سره) بجواز التمسك بالعام فيما اذا كان المخصص لبيا هذا غاية ما يقال في جواز التمسك بالعام في المخصص اللبى ولكنك قد عرفت انه بالنسبة الى الشبهة المصداقية الراجعة الى الشبهة في الموضوع لا مجال للتمسك بالعموم بالنسبة الى الفرد المشكوك إذ لا معنى للتعبد بما كان جاهلا فيه إذ التعبد انما يتصور

٢٩١

فى الدلالة التصديقية اي ما يكون المتكلم فى مقام الافادة والاستفادة ومع تحقق الجهل بالموضوع فهو غير قابل لأن يكون فى ذلك المقام ولو لا هذه الجهة لأمكن حمل كلام العلمين الفقيه الحجة الطباطبائي والمحقق الحجة الاستاذ (قدس‌سرهما) على التفصيل المذكور كما انه بذلك يمكن جعل النزاع بينهما لفظيا كما لا يخفى.

التنبيه الثاني : ذكر الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه (ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن ذلك بعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعى في غالب الموارد إلا ما شذ ممكنا فبذلك يحكم عليه بحكم العام (١) وإن لم يجز التمسك به بلا كلام ضرورة انه قلما يوجد عنوان يجري فيه

__________________

(١) قيل فى تقرير مرامه أن الافراد الباقية لما لم تكن معنونة بعنوان خاص فبأي عنوان تعنونت تدخل تحت العام ما لم يكن ذلك العنوان هو عنوان الخاص مثلا : إذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق منهم كان الباقي تحت العام لم يؤخذ فيه عنوان خاص فالفرد بأي عنوان تعنون يكون من جملة أفراد الباقي إلا إذا تعنون بالخاص فلا يكون من جملة الباقي فالفرد المشكوك كونه فاسقا وان لم يكن له حالة سابقة من فسق أو عدالة إلا انه لما كان اتصافه بالفسق حادث وهو مشكوك فالأصل عدمه وحينئذ يكون هو الفرد بهذا العنوان اعني انه لم يتصف بالفسق دخلا في جملة الافراد الباقية لا أنا نقول الأصل عدم كونه فاسقا حتى يرد علينا أن الفرد حسب الفرض ليس له حالة سابقة بان كان ولم يكن فاسقا حتى يستصحب تلك الحالة وهو عدم الفسق بل نقول أن اتصاف هذا الفرد بالفسق حادث فالاصل عدمه وبعبارة اخرى عدم الفسق تارة يؤخذ على نحو ليس التامة بمعنى عدم اتصاف هذا الشخص بل يكفي فيه أن يكون اتصاف الشخص بالفسق

٢٩٢

فيه اصل ينقح انه ما بقي تحته مثلا اذا شك ان امرأة تكون قرشية فهي وان

__________________

مسبوقا بالعدم حتى أن الشخص لو لم يكن له وجود سابق اصلا بل فرض وجوده فعلا للشك في اتصافه بالفسق فالأصل عدمه بمعنى الأصل عدم عروض الفسق عليه واتصافه به ولكن لا يخفى ما فيه. أولا : أن الخاص انما اخرج ما هو المتصف بعنوان الفسق مثلا من الافراد فالباقي تحت العام من الافراد هو ليس بفاسق واقعا وهو لا تزيد الافراد إذا دخل فيه هذا العنوان المحرز بالأصل وحينئذ لا وجه لجريان قاعدة العموم في هذا الفرد المشكوك بعد اجراء الأصل الموضوعى فيه كما هو كذلك لو شك في التخصيص ابتداء كما لو قال : اكرم العلماء وشككنا فى أن زيدا خارج أم لا ولو لم يجر اصالة العموم تنقص افراد العام بمقداره للحكم على العام بما عدا زيد وبجريانها تزيد أفراد العام وبالجملة في المقام الباقي تحت العام بعد ورود التخصيص لو جرى الاصل الموضوعي في الفرد المشكوك كما لو جرت اصالة العموم لا يوجب زيادة الافراد بل الافراد على حالها قبل جريانها فلا فائدة فيها ولا أثر لها فلا يصح اجراؤها وثانيا : انه لو كان الغرض من اجراء هذا الاصل الموضوعي نفي آثار عنوان الخاص كان مثبتا فان اصالة عدم عروض الفسق على هذا الشخص لا يثبت كون هذا الشخص مسلوبا عنه الفسق ولاجل ذلك قال بعض السادة الأجلة قدس‌سره (يمكن أن نقرر الأصل الموضوعي بنحو لا يرد عليه ذلك بان نقول يكفي في المقام نفي عنوان الخاص وهو حاصل باصالة عدم الاتصاف فيجرى حكم العام من غير مانع فان المانع انما هو عنوان الخاص فاذا نفى بالاصل بقى بلا مانع ولا يرد عليه ما ذكر أولا إذ على هذا التقرير لا يوجب ادخال الفرد في العام ليحكم عليه بحكمه ليكون من قبيل الدليل الاجتهادي وانما الغرض بالاصل نفى عنوان الخاص وبذلك يجرى عليه حكم العام فيكون ذلك من قبيل الدليل الفقاهتي أقول : إن ذلك لا يوجب دفع الاشكال فان مجرد جريان الاصل الموضوعي

٢٩٣

كانت وجدت إما قرشية أو غيرها فلا أصل يحرز أنها قرشية أو غيرها إلا أن اصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش يجدي في تنقيح انها ممن لا تحيض إلا الى الخمسين .. الخ).

أقول : إن ما ذكره (قدس‌سره) من عموم ان المرأة ترى الدم الى الخمسين إلا القرشية مبني على أن يكون ناظرا الى العموم الافرادي والاحوالي لكي يكون اصالة عدم الانتساب منقحا لموضوع حكم العام ولكنه محل منع ، إذ العموم المذكور ليس ناظرا الى ذلك بل لم يكن ناظرا إلا الى العموم الافرادي بيان ذلك : ان المرأة المنتسبة الى قريش انما هي مرآة لبعض الافراد ولم تؤخذ

__________________

لا يوجب جريان حكم العام عليه ما لم يتمسك بالعموم لان غاية اصالة عدم الفسق ان لا يكون هو الشخص فاسقا لحكم الاصل إلا ان الحكم عليه بوجوب الاكرام يتوقف على كونه من افراد العام وذلك لا يتم إلا بجريان قاعدة العموم في حقه واما اصالة عدم الانتساب فقد ذكر المحقق النائينى (قدس‌سره) بانه مبني على الاصل لا يجري في الأمر المتأصل ككون المرأة قرشية مثلا لعدم وجود حالة سابقة ولكن يمكن أن يشرع عنوان كمثل الانتساب ولعدمه حالة سابقة فيقال لم يتحقق عدم الانتساب الى قريش وقد اشكل على ذلك بانه من باب تبديل الامر المتأصل بالامر الانتزاعي ولو سلم فالانتساب من العرضي وهو ليس له حالة سابقة ثم قال ان مفاد ليس تارة يكون غير محمولي واخرى محموليا وهو المسمى بالعدم النعتي والاول وان كان له حالة سابقة إلا انه لا يفيد لعدم ترتب الاثر عليه والثاني وان ترتب عليه الاثر إلا انه لا يجري لعدم وجود حالة سابقة واستصحاب العدم غير المحمولي المسمى بالعدم الازلي لاثبات العدم المحمولي المسمى بالعدم النعتي من الاصول المثبتة فلا تغفل.

٢٩٤

بنحو العنوان فحينئذ يكون الباقي مندرجا تحت العام من دون كونه معنونا بما عدا القرشية فعليه ليس فى العموم تعرض إلا للافراد وليس له تعرض للاحوال والاصل المذكور المنقح انما يتعرض لحالة الفرد فحينئذ الأصل المذكور غير صالح لان ينقح موضوع حكم العام نعم لو كان العام متعرضا للاحوال أيضا كانت اصالة عدم الانتساب ينقح موضوع حكم العام ولكنه خلاف الغرض كما عرفت انه متعرض لخصوص الافراد وبالجملة موضوع العام هو الفرد والأصل ينقح حالة الفرد فلم يكن جريانه على طبق حكم العام نعم يمكن جريان استصحاب نفي حكم الخاص وبيانه يحتاج الى تمهيد مقدمات ثلاثة :

الأولى : انه لا يشترط فى الاستصحاب ترتب الاثر على نفس المستصحب بل يكفي أن يترتب على نقيضه مثلا : لو كان الاكرام مترتبا على زيد العادل ولم يكن زيد عادلا وحصل الشك في عدالته يستصحب عدمها فيترتب عدم وجوب الاكرام.

الثانية : أنه في الاستصحاب يكفى ترتب الأثر على البقاء ولا يلزم في جريان الاستصحاب ترتبه على الحدوث.

الثالثة : أن نسبة العرض الى المعروض كنسبة العلة الى المعلول فكما ان عدم المعلول يستند الى عدم العلة فكذلك عدم العرض يستند الى عدم المعروض ووجوده الى وجوده بان يقال وجد زيد فوجد وعدم فعدم وليس المراد بالاستناد هو التأثير بل المراد هو التوقف وإلا العدم لا يؤثر في نفسه. إذا عرفت ذلك فاعلم : أن مشكوكة القرشية يمكن دعوى استصحاب عدم كونها قرشية أي العدم السابق على وجود المرأة فيستصحب ذلك الى حين وجودها والأثر وإن لم يكن مترتبا على

٢٩٥

نفسه إلا أنه يترتب في ظرف بقائه وهو حين وجود المرأة على ما عرفت من المقدمة الثانية والاثر لم يكن مجعولا على العدم ولكن يكفي في جريانه ترتبه على نقيضه بمقتضى المقدمة الأولى إن قلت إن الأثر مترتب بمقتضى حكم العام قلت نحن قد اجرينا الاستصحاب مع الغض عن العموم والغرض من الاستصحاب نفي الآثار المترتبة على عنوان الخاص لا ترتب آثار العام إلا أن يكون بين حكم العام مع الخاص تناقض فنفى الآثار المترتبة على الخاص بعينه تشريع الآثار المترتبة على العام مثلا لو قال المولى : (يجب اكرام العلماء) ثم قال بدليل منفصل (يحرم اكرام الفساق منهم) فلو شك بان زيد عادل أولا يستصحب عدم فسقه فهو بعينه تشريع ترتب الآثار المترتبة على العام وهو الذي نقوله غير التمسك بالعام إذ لو لم يكن هناك عام بالاستصحاب تترتب الآثار وأما إذا كان حكم الخاص مع العام مضادة فلا يترتب عليه حكم العام الابناء على جريان الأصل المثبت ولم يثبت كما لا يخفى :

وبالجملة نحن مع الاستاذ من حيث النتيجة متفقون في خصوص المناقضة دون المضادة ولكن من حيث الملاك متخالفون فهو يقول : الاصل ينقح شمول العام ويصحح التمسك به مطلقا أي سواء كان هناك مضادة بين الحكمين أم مناقضة ونحن نرتب آثار العام على المشكوك بمقتضى الاصل العملي فى خصوص ما كان بين الحكمين مناقضة وبعبارة اخرى : هو يتمسك مطلقا بالدليل الاجتهادي ونحن نرتب الآثار التي هي للعام في المناقضة بالخصوص بمقتضى الدليل الفقاهتي وكيف كان الاصل الجارى في الفرد المشكوك المصداق كاصالة عدم المخالفة في الشروط المشكوكة المخالفة وكالشروط في الصلح الموجبة لاجراء احكام العام عليه يغني عن

٢٩٦

التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وربما يحمل ما نسب الى المشهور من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية على ذلك ودعوى ان هذا الاصل من العدم الازلي وجريانه فيه من الاصول المثبتة بتقريب ان موضوع الاثر هو العدم الملحوظ بالمرتبة المتأخرة عن الوجود وهو العدم النعتي الذى هو مفاد ليس الناقصة وهو مباين للعدم الازلى السابق على الوجود الذي هو مفاد ليس التامة فما هو موضوع الاثر ليس له حالة سابقة وما هو له حالة سابقة ليس موضوع الاثر فلو اريد اثبات العدم النعتي باستصحاب العدم الازلي فهو من الاصل المثبت الذي لا نقول به ولكن لا يخفى ان مرجع التقييد الى قيام اضافة بين الشيئين فتارة تلاحظ تلك بين الذاتين واخرى تلحظ باعتبار الوجود وعلى الاخير الاضافة لم تكن منوطة بالوجود الخارجي إذ هو ظرف سقوط الارادة والكراهة لا ظرف ثبوتهما وإن قيام الاعراض بموضوعاتها انما هو باعتبار الوجود الذهنى ففى صقع الذات قبل الخارج ليست متصفة بتلك الصفة فحينئذ لا مانع من جر ذلك العدم المحفوظ في مقام الذات الى ما بعد الوجود الخارجي وببقاء هذا العدم الى ما بعد الوجود الخارجي يترتب الاثر وليس العدم قبل الوجود مفاد ليس التامة وبعد الوجود مفاد ليس الناقصة وانما هو عدم لمفاد ليس الناقصة نستصحبه ونرتب عليه الاثر نعم بالنسبة الى الصورة الاولى التي كانت الاضافة من لوازم الذات فليس له حالة سابقة لعدم كونه مسبوقا باليقين فى مرحلة صقع الذات قبل الوجود إلا بجر العدم الازلي المحصل مع عدم الموضوع لاثبات العدم المحمولي وهو من الاصول المثبتة وبالجملة الاعدام الازلية التي هى محل لجريان الاصل هى الاوصاف العارضة على الذات بتوسط وجودها كالمرأة المشكوك كونها من قريش وكالشرط المشكوك مخالفته للكتاب لا بالنسبة الى ما هو من لوازم الذات فانه لا مجال

٢٩٧

لجريان الاصل العدمي لعدم وجود حالة سابقة ولكن الانصاف ان الاصل المذكور وان قلنا بجريانه إلا انه لا ينفع إلا نفي حكم الخاص وأما اثبات الحكم العام فمحل منع الابناء على ان التخصيص كالتقييد في انه يقلب العام عن تمامية الموضوع وجعله جزء الموضوع ولكنك قد عرفت فساده وان التخصيص كفقد بعض الافراد لا يغير العام عما هو عليه فالافراد الباقية تحت العام هي تمام الموضوع بعد التخصيص كما كانت قبل التخصيص فعليه لا ينفع جريان الاصل بالنسبة الى الفرد المشكوك بل هو من موارد العلم الاجمالي لكونه محكوما اما بحكم العام او بحكم الخاص ونفي احد الحكمين بالاصل لا يثبت الحكم الآخر إلا بالاصل المثبت وقد عرفت أنه لا يمكن التمسك بالعموم بالنسبة الى ما كان من الجهل بالموضوع فى مثل المقام ولعدم امكان التقييد بالظهور في ما لم يكن بصدد الافادة والاستفادة لعدم امكان إبراز مرامه لعدم وجوب رفع الجهل الناشئ من الموضوع على المولى نعم بالنسبة الى ما كان من الشك في مخالفة الشرط للكتاب فانه يمكن دعوى التمسك باصالة العموم لكون ذلك امر رفعه بيد المولى وما كان بيده فيمكن ابراز مرامه بالتعبد بالظهور فبجريان اصالة العموم يوجب رفع الشك من دون حاجة الى جريان الاصل ولعل بناء المشهور على التمسك بالعموم فى الشبهة المصداقية في مثل هذه الموارد فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث : ربما يتوهم انه يجوز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية استنادا الى قاعدة المقتضى والمانع بتقريبين الاول ان العام حجة فى كل ما يشمله من الافراد بمعنى انه مقتض للحجية والمخصص المنفصل يكون مانعا للتمسك بالعام في الافراد الثابت كونها من المخصص لكون تقديمه على العام من باب تقديم ما هو اقوى

٢٩٨

الحجتين فلذا لا يرفع اقتضاء العام حجيته فى افراد الخاص ففي الفرد المشكوك كونه من افراد الخاص يشك فى تطبيق المانع عليه فلذا يؤخذ بالمقتضى وهو العام فشأنه شأن كل حجة يتمسك به الى أن يتحقق المانع وبالجملة المقتضى للتمسك بالعام بالنسبة الى الافراد متحقق والمخصص مشكوك المانعية بالنسبة اليه ولكن لا يخفى ان ذلك من الشك فى الاقتضاء بناء على ما اخترناه من أن وجه عدم الجواز بان حجية العام انما هو إذا كان المتكلم بصدد مقام الافادة والاستفادة وما كان المتكلم يشارك المخاطب فى الجهل بها فلا يمكن رفعها بالتمسك بعموم العام لعدم تحقق الدلالة التصديقية فى العام إذ انها تتحقق فيما لو كان المتكلم يستهدف رفع الشبهة عن المخاطب بالنسبة الى كشف المتكلم عن مقصوده ، كما هو كذلك بالنسبة الى الشبهات الحكمية إذ المتكلم فيها في مقام كشف مراده وهو يحصل بالدلالة التصديقية والشارع نهج في كشف مراده على نهج أهل العرف فعليه يرجع الامر في التمسك بالعام فى الفرد المشكوك الى الشك في أصل الاقتضاء ولا يكون العام بالنسبة اليه مما احرز منه المراد والشك في المانع لكي يكون من موارد قاعدة المقتضى والمانع نعم على بعض الوجوه الأخر يكون من الشك في تطبيق الحجة على المورد بدعوى ان الخاص يوجب قلب موضوع الحجة فيكون المورد مشكوك الدخول تحت احدى الحجتين فحينئذ يمكن تطبيق القاعدة على الفرد المشكوك بان العقل يحكم باجراء العلم بالعدم عليه وان كان حجيته فعلا مشكوكة كما هو الشأن فى كل حكم يشك فى فعليته من جهة وجود المزاحم ، واما التقريب الثاني هو ان مقتضى ظهور العام فى الافراد هو كون الافراد واجدة للملاك والخاص لما كان منفصلا لا يرفع ظهوره وانما زاحم حجيته في خصوص افراد الخاص

٢٩٩

ورفع الحجية يلزم منه رفع الحكم الفعلي ولا يوجب رفع الملاك والمحبوبية إذ هما من لوازم الظهور وهو متحقق وانما ارتفعت الحجية بالنسبة الى افراد الخاص مع بقائها على ما لها من الملاك والمحبوبية ففي الفرد المشكوك يكون المقتضى فيه محرزا وهو الملاك والشك فى تحقق المانع لكونه مما يشك في انه من مصاديق الخاص فحينئذ يكون التمسك بالعام فى الفرد المشكوك من موارد قاعدة المقتضى والمانع ولكن لا يخفى ما فيه فان الخاص لو كان بنحو المانع يكون عدمه مأخوذا في الملاك بنحو الشرطية فيكون متمما لاقتضاء المقتضى فمع الشك في الفرد يكون شكا في تحقق الملاك الذى فرض مقتضيا فلا يمكن التمسك بالعام في الفرد المشكوك للشك فى تحقق مقتضيه فيخرج من قاعدة المقتضى والمانع إذ هي تجري فيما احرز المقتضى لكي يكون المانع مانعا من تأثر المقتضى ولو سلم وقلنا بانه يمكن احراز المقتضى ولو باصالة عدم المانع لكي يمكن التمسك بالعام فى الفرد المشكوك ولكن نمنع من تحقق القاعدة فى المورد إذ هى انما تتأتى فيما لو تعلق غرض المولى بكل من الموردين المتزاحمين بنحو لا يمكن تحققهما لعدم القدرة من وجودهما اما لذاتهما أو لعدم قدرة العبد على ايجادهما فحينئذ يعلم بان فى كل منهما ملاكا إلا أنه لم يوجدا لعدم تحقق القدرة عليهما لا مثل المقام الذي لم يتعلق غرض المولى بوجود المانع وانما الخاص مانع عن فعلية غرض الآخر بنحو لا ينتهي امره الى الشك فى القدرة على حفظ الغرضين وبالجملة نمنع حكم العقل بالاتيان فى الفرد المشكوك إذ ليس مرجعه الى الشك فى القدرة لكي يعلم بتحقق الملاك إذ الخاص لا يكشف عن وجود ملاك ملزم غير الذي دل عليه العام وانما يدل على المانع الذي دل عليه العام كما لا يخفى.

٣٠٠