منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

المفهوم والمائز بينهما من جهة كيفية تعلق الحكم.

ومما ذكرنا تعرف الاشكال على تثليث الأقسام إذ التقسيم إنما يكون التغاير مع بين الأقسام بحسب الحقيقة والمفهوم وقد عرفت ان التمايز بين الاستغراقي والمجموعي بلحاظ كيفية تعلق الحكم لا لخصوصية فى الاستيعاب يقتضي عد كل واحد قسما على حدة اذ التقسيم باعتبار التغاير فى الحقيقة فلذا لا ينبغي تقسيم العموم الى الأقسام الثلاثة وإنما ينبغي تقسيمه الى العموم البدلي (١) وغيره فلا تغفل.

__________________

(١) لا يخفى انه لا وجه لعد العموم البدلي من أقسام العموم اذ هو عبارة عن نتيجة تعلق الحكم بنفس الطبيعة اعنى حكم العقل بكفاية اول وجودها كما ان الاستغراقي والمجموعي اعتباران طارئان على نفس الطبيعة مع قطع النظر عن الحكم حيث ان الاول عبارة عن لحاظ كل فرد فرد من افراد الطبيعة اجمالا ثم يورد عليها الحكم والثاني عبارة عن ملاحظة تلك الافراد منضما بعضها الى بعض ولحاظها شيئا واحدا ثم يرد عليها الحكم ومن الواضح ان ذلك اللحاظ قبل الحكم فلا يكون باعتباره وإلا لكانت العمومات لاحقة للحكم نفسه باعتبار شموله لكل فرد فرد أو وروده على الجميع مع انه واضح الفساد وكيف كان فقد وقع الكلام فيما لو دار الأمر بين كون العام استغراقيا أو مجموعيا قيل الأصل كونه استغراقيا بدعوى ان العام المجموعي يحتاج الى عناية زائدة وهو لحاظ المجموع أمرا واحدا وهو أمر زائد بخلاف العام الاستغراقى فانه لا يزيد على أصل لحاظ الاستيعاب بالنسبة الى الافراد ولازم ذلك استقلال كل فرد بموضوعيته لحكم مستقل فلو جاء لحاظ آخر تعلق بمجموع الافراد فلا يكون كل فرد موضوعا على حدة فذلك لحاظ زائد ينتفي باصالة الاطلاق فيتعين الاستغراق وقيل يقدم

٢٦١

الفاظ العموم

الفصل الثاني في الالفاظ الدلالة على العموم فنقول لا اشكال في ان للعموم الفاظا تخصه وهي اما بالوضع أو بالاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة فمنها (كل)

__________________

المجموعي إذ الاستغراق يحتاج الى مئونة زائدة والانصاف ان المائز بين الاستغراقي والمجموعي باللحاظ كما تقدم منا كان وجها لتقديم الاستغراقي على المجموعي لاحتياج المجموعي الى لحاظ زائد ينفي بالاصل ولكن يمكن منعه بدعوى ان اللحاظ لم يؤخذ بنحو الموضوعية وانما أخذ بنحو الطريقية الى المصلحة المتحققة في المتعلق فان كانت المصلحة منحلة الى مصالح بعدد الافراد فالعام استغراقي وان لم تنحل الى المصالح بل كان طريقا الى مصلحة واحدة تتحقق في ضمن الافراد باجمعها لذا تكون الافراد ارتباطية وحينئذ يكون التمايز بينهما واقعيا فليس لنا أصل يعين أحدهما واما لو دار الأمر بين العموم البدلي أو الاستغراقي فلا أصل بعين أحدهما اذ كل واحد منهما يحتاج الى عناية ليست متحققة في الاخرى فان البدلي يحتاج الى ملاحظة موضوع الحكم صرف الوجود والعام الاستغراقي الى ملاحظة موضوع الحكم الطبيعة السارية ولا معين لاحد الاحتمالين لكون كل واحد من الاحتمالين فيه عناية زائدة نعم لو دار الامر بين المطلق الشمولي والعام الاصولي فيقدم العام على المطلق الشمولي لكون العام الاصولي يصلح ان يكون بيانا للمطلق الشمولي لان الشمول في العام مستفاد من نفس اللفظ بخلاف المطلق الشمولي فانه يحصل من مقدمات الحكمة وهو صالح لان يكون بيانا فلا تعارض بينهما بل هما في مرتبتين وليستا فى مرتبة واحدة وبالجملة ظهور العام فى العموم

٢٦٢

فانها تدل على الاستيعاب بالوضع لتبادر ذلك منه بنحو يحتاج في استعمالها فى غيره الى قرينة ولا يستفاد منها التكرر بحسب الوجود ففي مثل أكلت السمكة كلها أو أكلت كل جزء من السمكة يراد منه محض استيعاب الطبيعة بلا تعدد فى الوجود الخارجي وان كان في المثال الثاني فيه تعدد إلا انه اعتباري نعم فى مثل اكلت كل سمكة فيها تعدد خارجي إلا انه ليس دخيلا فى مفهوم كل لكي يتوهم ان لفظة كل لها معان متعددة والاطلاق يكون بنحو الاشتراك اللفظي فظهر مما ذكرنا ان لفظه كل موضوعة لمطلق الاستيعاب من غير اعتبار تعدد خارجى وانما الاختلاف بين المصاديق ومثل كل في الدلالة على العموم (الجميع وتمام واي ومجموع) بنحو يحتاج فى استعمالها في غيره الى قرينة فمن هذه الجهة تشترك في دلالتها على العموم إلا انها يفترق بعضها مع بعض.

بيان ذلك ان الافراد التي هي متكثرات بحسب الوجود اما ان يكون لحاظها منضما واما ان يكون لحاظها مستقلا فما كان منضما فهو مفاد لفظ الجميع ولذا يضاف الى جماعة فيقال جميع الناس ولا يقال جميع انسان بخلاف لفظة كل فانها تستعمل مرة بلحاظ الافراد منضما واخرى مستقلا فيقال اكرم كل انسان يراد بالانسان الطبيعة السارية الملغى فيها الخصوصية فيصدق عليه المتكثرات فيكون مفاد كل اوسع من مفاد الجميع كما ان مفاد اي اوسع من مفاد كل فان كل مختص بالعموم الشمولي ولكن لفظة أي تستعمل في العموم البدلي ايضا فيقال اكرم

__________________

مقدم على اطلاق المطلق حيث ان الظهور في العموم تنجيزي يحصل من الوضع وظهور المطلق تعليقى يحصل من مقدمات الحكمة ولا اشكال فى تقديم ما يقتضيه التنجيزي على ما يقتضيه التعليقى لعدم المعارضة بينهما كما لا يخفى.

٢٦٣

رجلا أي رجل ولا يقال اكرم رجلا كل رجل واما المجموع فانه يشترك مع الجميع في كون كل منهما يلحظ منضما ولكن يفترقان بان الجميع يتبادر منه العموم الاستغراقي والمجموع يتبادر منه العموم المجموعي وسره الفرق بين اسم الفاعل واسم المفعول فان اسم الفاعل ما تلبس بالمبدإ من قبل نفسه واسم المفعول ما تلبس به من قبل غيره فان لفظة جميع من الصفات المشبهة باسم الفاعل فهي نظير اسم الفاعل بدلالته على الاستيعاب من قبل نفسه بخلاف لفظ المجموع فان دلالته على الاستيعاب من قبل الغير الذي هو لحاظ الوحدة والمصلحة وبالجملة لفظة كل تستعمل في مورد العام الاستغراقي والعام المجموعي والجميع لخصوص الاستغراقي والمجموع للمجموعي واوسع الكل لفظه (اي) فانه يستعمل فى العام الشمولي والبدلي.

وكيف كان فتعيين هذه الامور من الاستغراقية أو المجموعية أو البدلية يحتاج الى معين وإلا فنفس ألفاظ العموم ليس فيها دلالة إلا على نفس الاستيعاب من دون تعيين لاحدها وبذلك يمتاز عن اسماء الاعداد فان لفظة العشرة بنفسها تدل على استيعاب محدود وهذا التحديد يستفاد من لفظ العشرة بلا حاجة الى قرينة تدل عليها نعم العموم يطرأ عليها كما يطرأ على اسم الجنس حيث انه يدل على نفس الطبيعة والعموم يطرأ عليه بدخول الفاظ العموم وان كان فرق بينهما باعتبار ان العموم الطارئ على اسماء العدد يكون مجموعيا بخلاف الطارئ على اسم الجنس فانه لا يستفاد منه إلا الشمول واما كونه استغراقيا او مجموعيا فيحتاج الى معين وذلك من جهة ان المتعلق اذا كان عددا يلاحظ بلحاظ واحد فيكون فيها جهة اقتضاء لان يكون العموم مجموعيا بخلاف ما اذا كان المتعلق اسم الجنس فانه من هذه الجهة لا اقتضاء فلذا يحتاج فى تعيين العموم الطارئ عليه الى معين

٢٦٤

واما الجمع فهو برزخ بين اسم الجنس والعدد فبالنسبة الى طرف القلة محدود بحد خاص وهو الثلاثة وهو كالعدد وبالنسبة الى طرف الزيادة فهو كاسم الجنس واما الفاظ العموم الواردة على الجمع كمثل اكرم كل الرجال فهل يستفاد منها استيعاب العنوان الذي هو عبارة عن ثلاثة لكونها أقل مراتب الجمع او استيعاب الآحاد أي كل فرد فرد الظاهر الثاني لكون الأول يلزم التداخل فلذا تعين صرف النظر عن العنوان وجعل العموم بلحاظ الآحاد ومما يدل على العموم النكرة فى سياق النفي او والنهي فهل هو بالاطلاق ومقدمات الحكمة او بالوضع؟ احتمالان (١) مبنيان على ان المطلق هل هو موضوع للطبيعة السارية فى الافراد كما

__________________

(١) بل ثلاثة احتمالات باضافة وقوعها في سياق النفي فانه مقتضي للعموم اما احتمال الوضع فضعيف جدا إذ النكرة لم تكن موضوعة لذلك وكذا حرف النفي كما أن المجموع منهما لا يدل إلا على نفي ما يراد من المدخول فلذا يتعين الاحتمالين الآخرين وربما يختار ان اطلاقها مستفاد من مقدمات الحكمة بتقريب ان ادخال حرف النفى على الماهية لا يوجب نفي جميع افرادها ما لم يثبت الاطلاق فيها ولذا لو صرح بتقييدها فلا يدل النفي إلا على نفى ذلك المقيد ولكن لا يخفى انه لا حاجة الى ذلك بل يكفى في الاطلاق مجرد وقوع الطبيعة فى حيز النفى فالعقل يحكم بعدم وجود جميع افرادها وإلا لما صدق نفي الطبيعة نعم لا بد فى ذلك من أن لا يكون هناك قيد لها لا انه لا بد من احراز عدم القيد وفرق واضح بين احراز عدم القيد وعدم احراز القيد والذي يتوقف على التمسك بالاطلاق هو الاول والذي يتوقف عليه دلالة النكرة فى سياق النفى على العموم هو الثاني والحاصل انه فرق واضح بين ثبوت الحكم للطبيعة وبين سلبها عنها ففى الثبوت يكون مفاده هو الأمر بايجاد الطبيعة وايجادها يكون باول وجودها ونتيجة ذلك هو العموم

٢٦٥

يقوله المشهور أو للطبيعة المهملة كما يقوله سلطان العلماء فان قلنا بالاول فتكون دلالتها على العموم بالوضع وان قلنا بالثاني فلا تدل على العموم إلا بالاطلاق

__________________

البدلي فلا يكون مقتضيا للاستيعاب واما فى النفى فنفيها عبارة عن سد ابواب جميع افرادها وذلك يقتضي الاستيعاب من دون حاجة الى جريان مقدمات الحكمة اذ استفادة الاطلاق فى ذلك الحال عقلي ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو اخذت الطبيعة صرف الوجود قد تعلق بها الحكم من غير ملاحظة الافراد واما اذا لم نؤخذ كذلك فلا يقتضى مجرد تعلق النفى بها الاستيعاب بل يحتاج فى ذلك الى جريان مقدمات الحكمة بل ربما يقال بان تشخيص كون المتعلق للنفى هو صرف الطبيعة لا الطبيعة الخاصة يحتاج الى جريان مقدمات الحكمة ليرتفع احتمال تلك الخصوصية وعليه فالحق هو عدم دلالة وقوع النكرة فى حيز النفي على العموم إلا بالاطلاق وجريان مقدمات الحكمة وكذا في المفرد المحلى باللام فان العموم يستفاد منه بسبب مقدمات الحكمة وكذا فى الجمع ولا يخفى ان الاستغراق فيه بلحاظ الآحاد لا بلحاظ المراتب بتوهم ان اللام تدل على عموم ما يراد من المدخول ، والمدخول هو الجمع فيكون قول القائل اكرم الرجال عبارة اكرم جماعة جماعة كما في التثنية في قوله اكرم كل عالمين اي كل اثنين من العلماء.

ولكن لا يخفى انه فرق بين الجمع والتثنية تدل على الاثنين المحدود من طرف القلة والكثرة والجمع يدل التحديد من طرف القلة لا الكثرة فان اقل الجمع ثلاثة ولا حد لا كثرة وحينئذ كل ما يفرض من طرف الكثرة فهو مرتبة من الجمع حتى لو كان الحد الاقصى فهو مرتبة منه لا انه مجموع المراتب فعليه الاستغراقية فيه باعتبار آحاد تلك المرتبة الاقصى لا مراتبها المتعددة فهو كاستغراق الآحاد فى المفرد المحلى باللام غاية الامر انه باعتبار عدم الاستغراق بينهما فوق ففى المفرد يقتصر على واحد وفي الجمع يقتصر على الثلاثة التي هي أقل الجمع فلا تغفل.

٢٦٦

ومقدمات الحكمة وحيث اخترنا فى المطلق هو ما قاله سلطان العلماء لذا نحتاج في اثبات دلالتها على العموم في المقام الى تمامية مقدمات الحكمة واما المفرد المحلى باللام فلا يستفاد منه العموم كما فى الجمع المحلى باللام لعدم تبادره ولذا كان استعماله فى غيره لم يكن بعناية كما لا يخفى.

العام المخصص

بالمتصل او بالمنفصل

الفصل الثالث في العام المخصص بالمتصل أو بالمنفصل فنقول يقع الكلام فيه في مقامين المقام الأول في ان استعمال العام في الباقي بعد التخصيص هل هو حقيقة مطلقا أو مجاز مطلقا (١) ام يفصل بين كون المخصص متصلا فحقيقة أم

__________________

(١) لا يخفى ان منشأ توهم المجاز يحصل من امور ثلاثة اما التجوز في الاداة بدعوى وضعها للعموم وقد استعملت في غيره أو التجوز في المدخول بدعوى انه موضوع للطبيعة المرسلة ولم تستعمل في غيرها أو التجوز فى المركب منهما بدعوى انهما موضوعان معا للعموم وقد استعمل المركب منهما في غيره ولكن ذلك توهم فاسد اما الاخير فمنعه ظاهر إذ لا وضع للمركبات بعد وضع المفردات واما الاداة فلانها موضوعة لشمول الحكم لكل ما ينطبق عليه المدخول وسعة الانطباق وضيقه لا يغير شيئا من مفاد الاداة والاستعمال كان فيما وضع له فلم يكن في الاداة تجوز واما المدخول فانه قد استعمل فيما وضع له وهو الطبيعة المهملة من غير

٢٦٧

منفصلا فمجاز أقوال الحق هو القول الأول لعدم التجوز فى المدخول ولا في الاداة اما المدخول فبناء على ما هو المختار وفاقا لقول سلطان العلماء من ان الموضوع له هو الطبيعة المهملة والقيد قد استفيد من دال آخر فيكون المدخول قد استعمل فيما وضع له الذي هو اللابشرط المقسمي المعبر عنه بالطبيعة المهملة بنحو يكون الارسال مستفادا من مقدمات الحكمة والتضييق مستفاد من القيد والتخصيص واما الاداة فهي موضوعة لاستيعاب ما ينطبق عليه المدخول وقد استعملت في ذلك من غير فرق بين أن يكون المخصص متصلا أو منفصلا غاية الامر مع كونه

__________________

فرق بين التخصيص بالمتصل والمنفصل غاية الأمر في المتصل لم تنفك الارادة الاستعمالية عن الجدية ، وفي المنفصل قد انفكت الارادة الاستعمالية عن الجدية ومناط الحقيقة والمجاز هى الارادة الاستعمالية.

بيان ذلك انه عندنا مقامات ثلاثة : الأول معرفة معنى اللفظ ، الثاني انه مستعمل فيه ام فى غيره ، الثالث ان المستعمل فيه مراد جدا والمتكفل للاول هو العرف فانه المرجع في تعيين المعنى ، واما الثاني فالمرجع هو الأصل العقلائي اي الأصل في كل كلام ان يكون مستعملا فى معناه لا في غيره وهو المعبر عنها باصالة الحقيقة ، اما الثالث فالمرجع ايضا الأصل العقلائي وهو الأصل فى كل كلام مستعمل فى معناه ان يطابق ارادة المتكلم فحينئذ لو جاء دليل مثل اكرم العالم ثم ورد لا تكرم العالم الفاسق فان مقتضى تقديم الخاص هو وجوب رفع اليد عن المقام الثالث بان يقال بان الارادة الجدية لم تتعلق بالعموم واما بالنسبة الى المقام الثاني فلا مقتضى لرفع اليد عنه ويحكم بعدم استعماله فى العموم كما انه لا مقتضى لرفع اليد عن المقام الأول ويحكم بعدم كون العموم معنى له فان المقامين الاولين لا يقتضي رفع اليد عنهما بتقديم الخاص على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

٢٦٨

متصلا لكون دائرة ما استعمل فيه لفظ المدخول مضيقا مرادا بالارادة الجدية ومع كونه منفصلا لا يكون ذلك الاستيعاب مرادا بالارادة الجدية وإنما استعمل لمصلحة دعت الى ذلك. ودعوى ان استعمال الاداة فى الباقي خلاف ما وضعت له لانها وضعت للاستيعاب ومع فقده يكون الباقي غير ما وضع له فيكون الاستعمال فيه مجازا بل ربما يشكل حمله على الباقي لكونه مجملا لتعدد المجازات وان اجيب عنه بانه يحمل على الباقي لانه أقرب المجازات ممنوعة لان الاداة موضوعة لما ينطبق عليه المدخول وحينئذ بالتخصيص ينطبق المدخول على الباقي وعليه تكون الاداة مستعملة فيما وضع له ودعوى ان ذلك يتم فيما اذا كان المخصص متصلا واما اذا كان منفصلا فالمدخول قد استعمل في الخصوص لكونه هو المراد واقعا فيكون مجازا ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المدخول لما كان عبارة عن الطبيعة المهملة وإنما التقييد والاطلاق يستفاد ان من دليل آخر وتكون الادوات بمثابة مقدمات الحكمة يستفاد العموم منها غاية الامر انه بالنسبة الى المتصل يكون اللفظ المستعمل فيه تمام مراد المتكلم وبالنسبة الى المنفصل لا يكون المستعمل فيه تمام المراد بل يحتاج الى تتميم المراد ببيان منفصل وبالجملة فى المتصل تتفق الارادة الاستعمالية مع الجدية وفى المنفصل تنفك الارادة الاستعمالية عن الجدية ومناط الحقيقة والمجاز هي الارادة الاستعمالية لا الارادة الجدية.

المقام الثاني : في ان العام هل هو حجة فيما بقي أو ليس بحجة قيل بالثاني لكونه بعد التخصيص يكون مجملا لتعدد المجازات والظاهر حجيته في الباقي بعد التقييد أو التخصيص.

بيان ذلك ان الباقي أما ان يكون بنحو التقييد فلا شبهة انه بعده حجة

٢٦٩

لان التقييد ليس إلا تضييق ما يوهم السعة فما أوهم السعة في اطلاق اعناق الرقبة فبإتيان القيد ينطبق المطلق ولم ينازع أحد فى ذلك نعم جرى الخلاف فى التخصيص بالاستثناء فقيل بحجيته وقيل بعدمه وقيل بالتفصيل بين المتصل والمنفصل فيكون حجة فى الباقي على الاول دون الثاني وسر الفرق بين التقييد بالوصف والتخصيص بالاستثناء مع انهما بحسب الظاهر من باب واحد والمفروض انهم اتفقوا في الاول واختلفوا في الثاني هو ان التقييد يوجب تغير العنوان الذي كان تمام الموضوع للحكم مثلا موضوع اعتق رقبة هو مطلق الرقبة وهو تمام الموضوع ولما قيد بالايمان انقلب الموضوع وجعل الموضوع للاعتاق هو الرقبة المقيدة بالايمان بخلاف الاستثناء فانه بالاخراج لا يتغير الموضوع ولا يجعل المخصص معنونا في قبال موضوع العام ومن هذا يظهر لك الفرق فى وجه تخصيص اشكال التناقض بالتخصيص بالاستثناء دون الاخراج بالوصف ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال مع تخصيصه بباب التخصيص بالاستثناء مدفوع لان العام وان كان قاضيا بدخوله تحت العام بحسب الاقتضاء ويكون محكوما بحكمه ولكن ذلك بحسب الاقتضاء وهو منوط بما اذا لم يكن مانع بمنع من الدخول والاستثناء مانع فمع وجود الاستثناء يمنع دخول الخاص في العام فقط واما غيره فلا يمنع فيكون حجة فى الباقي بتقريب ان الالفاظ بلحاظ معانيها مرآة وحكايات لمعانيها فان طبعها حاك عن جميع المتكثرات ما لم يمنع هناك مانع ومع وجود المانعية ترتفع الحكاية بمقدار المانع ويبقى الباقي تحت اللفظ بمقتضى مرآتيته الأولية فلذا يحمل على الباقى ويكون حجة فيه.

ودعوى ان للعام ظهورا واحدا وحكاية واحدة تكشف عما يصلح ان ينطبق عليه وعند ورود دليل خاص يسقط هذا الظهور عن الحجية لتقدمه عليه وحينئذ

٢٧٠

لا يبقى للعام دلالة على الباقي لسقوط ذلك الظهور ممنوعة فان الظهور وان كان واحدا إلا انه يكشف عن احكام متعددة حسب تعدد الافراد وبعد مجىء دليل الخاص يسقط ذلك الظهور عن الحجية بالنسبة الى ذلك البعض ولم يسقط بالنسبة الى الباقي لعدم المعارضة بينهما وبالجملة في القطعة المعارضة يسقط عن الحجية وفى القطعة غير المعارضة يبقى العام حجة فيه وببيان أوضح ان دلالة العام على الاحكام المتعددة تنحل الى دلالات وحكايات وبعد مجىء دليل الخاص يعارض بعض الدلالات فيسقط بعضها ولا يسقط البعض الآخر لكونها في عرض واحد ولم يكن بينها ارتباط بنحو لو سقط بعضها يسقط الجميع وبالجملة بالنسبة الى الحجية الدلالات في عرض واحد ولا يوجب سقوط بعضها عدم دلالة لفظ العام على الباقي من غير فرق بين كون المخصص متصلا أو منفصلا ودعوى ان بينهما فرقا من حيث انه فى المتصل بعد التخصيص ينعقد ظهور للفظ في المخصص من الأول فكأن العام لم يخصص وفى المنفصل ينعقد الظهور في العام من اول الأمر وبعد التخصيص ينكشف ان العام لم يستعمل فى معناه فيكون مجازا وحينئذ لم يكن له ظهور فى الباقي لان مراتب المجاز متعددة ولا موجب لتعيين أحدها ممنوعة لما عرفت منا سابقا بان التخصيص مطلقا لا يوجب التجوز في المدخول وفي المنفصل انما يزاحم العام فى الحجية ولا يصادم الظهور فحينئذ يبقى العام ظاهرا فيما لا يزاحمه وهو الباقي بل ربما يقال بان ظهور العام في الباقى ليس من مقتضيات القرينة وانما هو من مقتضيات الوضع حيث ان الباقي لما كان من المحكي فكون اللفظ ظاهرا فيه مقتضى وضعه والمتصل انما يمنع عن افادة الوضع لأعلى مراتب الظهور فيبقى اقتضاؤه للمرتبة الاخرى بحاله وفى القرائن المنفصلة ترفع اليد عن حجية

٢٧١

المرتبة الاعلى فتحصل مما ذكرنا ان الدلالة وان كانت واحدة إلا انها لما كانت تحكي عن مصاديق متعددة فيكون المحكي بذلك متعددا ولازمه تعدد الحكاية ومع تعددها وكانت عرضية وليس منوطا بعضها ببعض لذا مع مجىء دليل المخصص يرتفع بعضها فلا يوجب رفع بقية الدلالات واما ما ينسب الى الشيخ الانصاري (قدس‌سره) من انه على تقدير تسليم المجازية تكون دلالة العام على كل فرد غير منوطة بدلالته على الفرد الآخر من افراده إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله فالمقتضى للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود فمحل منع حيث انك قد عرفت أن المدخول لا تجوز فيه وعلى تقدير المجازية يشكل تعيينه بالباقي فلذا الحق ما ذكرنا من تقريب الحجية واما تقريبها بان الاستثناء ان كان متصلا فهو انما يقتضي تضييقا في دائرة المدخول ويكون الاستغراق بحسب ما يراد من المدخول (١) فلم تخرج (الا) عن وضعها وان

__________________

(١) وبذلك قال المحقق الخراساني (قدس‌سره) في كفايته بما لفظه (كما لا ينافى دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة) توضيح ذلك ان لفظة (كل) مثلا موضوعة لعموم معناه انه موضوع لشمول افراد ما يراد من مدخوله فان كان مدخوله لفظة عالم مثلا كان لشمول جميع افراد العالم وان كان مدخوله العالم المقيد بالعادل كان لفظ كل لشمول افراد العالم العادل فتقييد مدخوله لا يوجب خروجه عما يقتضيه وضعه من الدلالة على شمول جميع ما يراد من مدخوله وحينئذ فاطلاق التخصيص على مثل كل رجل عالم من التسامح بل هو من قبيل ضيق فم الركية اي اوجده ضيقا وهكذا الكلام فى جميع افراد الالفاظ الموضوعة للعموم وقد أورد بعض السادة الاجلة بما حاصله ان ذلك يتم في مثل (كل) واما فى

٢٧٢

كان الاستثناء منفصلا فهو انما يزاحم حجيته ويكون تضييقا في حجته وان كان الاستعمال أوسع ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم اذا كان التخصيص من قبيل التقييد فقد عرفت الفرق بينهما ودعوى انها حجة في الباقي مع التزام بالمجاز فى

__________________

في مثل الجمع المحلى باللام فلا يتم فانه لو قيد بقيد واريد منه خصوص بعض افراده لكان مجازا ولا ينافيه ما ذكر وحينئذ فلا بد من أن يقال في وجه كونه حقيقة انه بعد التقييد لا يكون اللفظ مستعملا في الباقي بل هو مستعمل فيما وضع من الشمول بجميع الافراد ولكن لما كان الحكم على مثل العلماء مختلفا فتارة يكون على نحو يسري الى جميع افراده وهذا النحو لا يحتاج الى بيان بل يكفي فيه مجرد تعليق الحكم على لفظ العلماء لكونه موضوعا لجميع الافراد واخرى يكون على نحو يسرى الى بعض دون بعض وهذا النحو لا بد من بيانه من قرينة وتلك القرينة هي مثل لفظ العدول وهو لا دخل له فيما استعمل فيه اللفظ وانما له دخل في كيفية تعلق الحكم على مثل هذا الموضوع وبعبارة اخرى لفظ العلماء يكون محضرا لمعناه وهو جميع الافراد واحضاره تارة يكون لاجل الحكم على تمامه وتارة لاجل الحكم على بعض تلك الافراد وهذان كيفيتان للحكم على ذلك المعنى الذي احضره اللفظ والكيفية الاولى محتاجة الى الدليل كالكيفية الثانية ولكن الفرق بينهما ان الاولى موافقة لوضع اللفظ فيكفي فيها مجرد عدم الدليل على التقييد فعدم التقييد دليل عليها والكيفية الثانية لا يكفي فيها مجرد اللفظ بل لا بد من دليل عليها وتلك القرينة هي التقييد باللفظ ففي الجميع مستعمل في معنى واحد وهو شمول جميع الافراد وانما اختلفت كيفية الحكم عليه فلا تجوز فيه اصلا لا فى الصورة الاولى ولا في الثانية ومنه يظهر لك امكان القول بالحقيقة فى مثل كل رجل عالم وان قلنا ان كل موضوع لشمول جميع افراد مدخوله لا خصوص ما يراد منها فافهم.

٢٧٣

استعمال اللفظ فى الباقي لانه أقرب المجازات (١) ممنوعة بان ذلك اذا كان

__________________

(١) لا يخفى انه على القول بالمجاز في الباقى لا بد من الالتزام بالحجية فيه لان اصالة الظهور قبل التخصيص كانت شاملة لجميع الافراد وبعد التخصيص ارتفعت اصالة الظهور بالنسبة الى المخصص لورود دليل اقوى منها وبقيت حجيتها بالنسبة الى ما بقى بيان ذلك ان المجاز تارة يطلق على ما استعمل فى المعنى المجازي بحيث يكون مباينا للمعنى الحقيقي كالاسد المستعمل في الرجل الشجاع واخرى يطلق على ما كان موضوعا للعموم ثم خرج منه شيء واستعمل في الباقي كالعشرة فانه موضوع لتمام العشرة فلو خرج الواحد أو الاثنين فقد استعملت العشرة في التسعة أو الثمانية وليس استعمالها فيما بقى استعمالا فى غير ما وضع له بل شمولها لما بقى على نحو شمولها فيما قبل التخصيص وانما الذي اوجب المجازية هو خروج البعض فخروج البعض لا يوجب رفع الظهور بالنسبة الى ما بقى والى ذلك يرجع كلام الشيخ الانصارى (قدس‌سره) بان دلالة العام على الافراد ليست ارتباطية توضيح ذلك هو انه على القضايا الحقيقة يكون للقيود اطلاق فيها مثلا اكرم كل عالم سواء كان فقيها ام لا ، متكلما أم لا ، فاسقا أم لا وبعد مجيء التقييد بالعادل ارتفع ذلك الاطلاق ولا يرتفع اطلاقه بالنسبة الى باقي القيود فحينئذ المجازية تحصل من خروج البعض لا شموله للباقي فيكون حجة فى الباقي ولو كان مجازا واما على القضايا الخارجية فكذلك لان شموله للافراد لم يكن على وجه الارتباط وبعد مجيء التخصيص ارتفع ذلك الارتباط فخروج البعض اوجب المجازية لا شموله للباقي ومجازية هذا ليست كمجازية اطلاق لفظ الاسد على الرجل الشجاع فان بين المجازين فرقا فان المجازية في مثل الاسد قد استعمل اللفظ في خلاف المعنى الحقيقي بالكلية بخلاف ما نحن فيه فان شموله للباقى على نحو شموله للمعنى الحقيقي قبل التخصيص والذي

٢٧٤

الاستثناء قرينة على دخول الباقي فى الحكم وخروج الخارج وهو محل منع بل قد عرفت انه قرينة على عدم ارادة اعلى مراتب الظهور وظهوره فى الباقي مقتضى وضع الاداة وربما يجاب بأن للمريد ارادتين ارادة جدية وارادة استعمالية فمن (كل) يراد الارادة الاستعمالية وهو العموم ومن (الا) الاستثنائية الارادة الجدية وهو الخصوص فيتغاير الارادتين يندفع اشكال التناقض ولكن لا يخفى ما فيه لانه يلزم خروج إلا عن وضعها للاخراج لانه ان كان الاخراج من الارادة الجدية لم يكن هناك عموم حتى يخرج وان كان من الارادة الاستعمالية فهي عامة ولم يخرج منها الخاص لأن المفروض ان الارادة الاستعمالية تتعلق بالعموم فالحق انه لا يندفع اشكال التناقض بذلك لعدم تماميته وقد عرفت منا سابقا اندفاعه بما ذكرنا.

تخصيص العام بمجمل

الفصل الرابع تخصيص العام بمخصص مجمل فهل يسري اجماله الى العام أم لا فنقول المخصص المجمل أما متصل أو منفصل وعلى اي تقدير أما ان يكون اجماله مرددا بين الأقل والأكثر او بين المتباينين اما اذا كان المخصص متصلا وكان اجماله مرددا بين الاقل والاكثر كمثل عنوان الفاسق فى قولك اكرم

__________________

اوجب ـ المجازية هو خروج البعض الآخر على تفصيل ذكرناه فى تقرير بحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

٢٧٥

العلماء إلا الفساق المردد بين خصوص مرتكب الكبيرة او مطلق المرتكب فيشمل مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة والأول اخص اي اقل افرادا من الثاني فلا شبهة في سراية اجمال الخاص الى العام فلا يتمسك بعمومه فى الأقل لتيقن خروجه كما انه لا يتمسك به فى الفرد المشكوك كالمرتكب للصغيرة لما عرفت ان المخصص اذا كان متصلا لا ينعقد للعام ظهور مما لم يعلم خروجه عن عنوان المخصص وحينئذ يرجع فيه الى الاصول العملية نعم يتمسك بالعام بناء على جريان اصالة الحقيقة تعبدا ولكن قد عرفت منا سابقا ان الرجوع الى مثل ذلك من باب بناء العقلاء وقد منعنا بنائهم على ازيد من العمل بالظهور فلا مجال للتمسك بالعموم بالنسبة الى الفرد المشكوك نعم هو حجة بالنسبة الى ما عدا المخصص واما ان يكون اجماله مرددا بين المتباينين كقولنا اكرم العلماء الا زيدا وتردد زيد بين شخصين فلا اشكال فى سراية الاجمال الى العام بالنسبة الى كل واحد منهما بعينه اذ التخصيص لما كان مجملا يكون مورد العام مجملا لعدم انعقاد ظهور له في ذلك المورد فمع عدم ظهوره في ذلك ترتفع حجيته نعم هو حجة فى غير مورد الخاص من غير فرق بين القول بان المخصص المتصل كالتقييد يعنون العام بعنوان خاص او القول بعدمه كما هو الظاهر ان حال التخصيص كفقد بعض الافراد لا يوجب تعنون العام وبالجملة بالنسبة الى كل واحد بعينه لا يتمسك بالعام لارتفاع ظهوره بالنسبة الى خصوص كل واحد منهما فيكون حاله حال الاقل والاكثر واما الواحد المردد فلا يخلو اما ان يعلم بدخول الآخر المردد مع العلم بخروج احدهما بسبب التخصص او نحتمل دخوله تحت العام فان كان الاول فيكون كل واحد من المتباينين من اطراف العلم الاجمالى ويكون نظير الشبهة الوجوبية المحصورة

٢٧٦

وان كان الثاني فوجهان فمن انه محتمل دخوله تحت العام وان المخصص انما دل على احدهما مع القطع بان المخصص لم يخرجهما فمن هذه الجهة يمكن التمسك بالعام في غير مقطوع الخروج فلو شك فى ذلك يكون من قبيل ما لو علم بدخوله ويكون كل واحد منهما من اطراف العلم الاجمالى ويجب العمل على مقتضاه وقد عرفت انه نظير الشبهة الوجوبية المحصورة لانه في الفرد المحتمل دخوله قد قامت الحجة على دخوله تحت العام فيكون كالمقطوع بالدخول ويجب العمل على مقتضى قيام الحجة ولا يخفى ان هذا الوجه غير جار في الأقل والاكثر للفرق بينهما فان في الأقل والاكثر احتمال خروج الاكثر بلسان المخصص لا بلسان آخر غير لسان المخصص بخلاف المتباينين فان الزائد لو كان خارجا فبلسان آخر غير لسان المخصص بل شيء آخر خارج عن المخصص ففي الاقل والاكثر بنفس اتيان المخصص يرتفع ظهور العام بالنسبة الى الاكثر بوجود ذلك الاحتمال الموجب لاحتمال اندراجه تحت المخصص ولكن فى المتباينين الزائد ان كان خروجه فهو بغير لسان التخصيص مع القطع بعدم دلالة الخاص عليه فلذا لا مانع من التمسك بعموم العام.

فظهر مما ذكرنا وجه جواز التمسك بالعام فى المتباينين واما وجه عدم جواز التمسك بالعام فيهما هو ان ظهور العام في كل شيء فرع كونه مرآة له ومع عدم كشفه لا يكون ظاهرا فيه بيان ذلك ان العام انما يكشف عن العناوين التفصيلية ولا يكشف عن العناوين الاجمالية مثلا اذا قال المولى اكرم كل عالم وفرض انه منحصر في اربعة اشخاص وهم زيد وعمرو وخالد وبكر مثلا فالعام إنما يكشف عن هذه العناوين التي هي مرآة لمعانيها تفصيلا بلا اجمال في مرآتيتها ولا يكشف عن عناوينها الاجمالية مثل الذي كان في المسجد او في الصحن

٢٧٧

ونحوهما وعنوان أحدهما من العناوين الاجمالية فلا يكون العام ظاهرا فيه ومرآة وكاشفا عنه والمباين الآخر انما هو معلوم بعنوانه الاجمالى وهو عنوان أحدهما ومع فرض عدم كشف العام عنه لا يكون ظاهرا فيه فلا يكون مرآة له فلا يكون حجة فيه ولذا الحق انه لا يتمسك بالعام مطلقا اذا كان المخصص متصلا من غير فرق بين ان يكون الاجمال ناشئا من الترديد بين الاقل والاكثر أو بين المتباينين لما عرفت من انه لا ينعقد له ظهور اصلا وحيث لا ظهور فلا حجة واما اذا كان المخصص منفصلا فلا يخلو اما ان يكون الاجمال في المفهوم أو في المصداق اما اذا كان الاجمال بحسب المفهوم فتارة يكون بين الاقل والاكثر أو بين المتباينين وعلى اي تقدير قد عرفت ان العام يكون ظاهرا في العموم والخاص لا يزاحمه في ظهوره وانما يزاحمه في الحجية فيبقى ظهوره وترتفع حجيته فيما يزاحمه فبالنسبة الى الاقل يؤخذ بالخاص لمزاحمته له وبالنسبة الى الاكثر لم يكن الخاص مزاحما لحجيته لان احتمال اندراجه تحت الخاص يعارضه ظهور العام فيتمسك بظهوره واما في المتباينين فبالنسبة الى كل واحد منهما بخصوصه العام ظاهر فيه والخاص نص فيقدم لوجوب تقديم النص على الظاهر وكذا لو كان اظهر وإلا فيكون من باب تعارض الظاهرين فيرجع الى الامور المقررة في تعارض الظاهرين هذا كله بالنسبة الى كل واحد منهما بالخصوص واما بالنسبة الى الواحد المردد أي الواحد لا بعينه فنقول ان حكم العام اما ان يكون حكما طلبيا ومحلا للابتلاء فالظاهر عدم قصور في التمسك بالعام بالنسبة الى الواحد المردد وحينئذ يجب العمل بالاحتياط لانه يكون من باب العلم الاجمالى واما ان لم يكن حكم العام طلبيا أو لم يكن أحد الطرفين من محل الابتلاء فلا يجب العمل بعموم العام لعدم حجية اصالة الظهور في مثل

٢٧٨

ذلك إذ لا معنى للتعبد بشيء ما لم يكن هناك اثر عملى على ذلك.

ثم لا يخفى ان الظهور له مراتب مختلفة فمرتبة منه خفيف المئونة وهو عبارة عن حصوله من نفس اللفظ فانه ينتقل الى المعنى مع العلم بالوضع وتسمى هذه المرتبة بالظهور التصوري وهذا الانتقال يحصل فى الذهن ولو من خفقان الطير ومرتبة اخرى يكون فى مقام الافادة والاستفادة وحينئذ لا بد من العلم بالوضع واحراز كون المتكلم فى ذلك المقام وهو المعبر عنه بالظهور النوعي وثالثة يقوى ذلك حتى يحصل منه الظن الشخصى ورابعة يقوى ذلك حتى يحصل القطع وما عدا الأول يعبر عنه بالظهور التصديقي والذى هو محط انظار الاعلام في حجية الظهور هو المرتبة الثانية هذا كله في الشبهة المفهومية واما الشبهة المصداقية فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى فى الفصل الآتي.

الشبهة المصداقية

الفصل الخامس في تخصيص العام بمخصص منفصل وشك فى فرد انه من مصاديق المخصص أم لا مع العلم بانه من مصاديق العام مثلا لو ورد دليل اكرم العلماء ثم ورد لا تكرم الفساق منهم وشككنا في زيد العالم انه فاسق ام لا فهل يتمسك بعموم اكرم العلماء فيجب اكرامه ام لا؟ قولان (١) قيل بالجواز

__________________

(١) وقرب بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) فى بحثه الشريف جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك دخوله في الخاص بانه لما كان امره دائرا بين

٢٧٩

وينسب الى السيد الفقيه الحجة الطباطبائي اليزدي (قدس‌سره) بتقريب ان

__________________

ان يكون محكوما واقعا بحكم العام لاحتمال كونه من افراده الباقية وبين ان يكون محكوما واقعا بحكم الخاص لاحتمال كونه من افراده فيمكن للشارع ان يجعل له حكما على طبق احدهما فى هذا الحال وان اتفق كونه في الواقع محكوما بحكم على خلاف ما يجعله الشارع لما تقرر من جواز مخالفة الاحكام الظاهرية للاحكام الواقعية وحينئذ مع عدم وجود دليل من الشارع على جعل الحكم لهذا المشكوك فيمكن ان يكون هذا الجعل ثابتا بدليل العام بان يكون العام متعرضا لحكم افراده الخارجة عن افراد الخاص واقعا ولحكم افراده المشكوكة كونها من افراد الخاص فيكون المراد من العالم في قولنا اكرم كل عالم بعد ورود لا تكرم العالم الفاسق اعم من أن يكون العالم غير الفاسق واقعا والعالم المشكوك كونه فاسقا وهذا نظير ما يقال فى مثل كل شىء لك طاهر بيان ذلك ان لفظة شيء تشمل الاشياء بعناوينها الاولية فيكون (كل شىء لك طاهر) دليلا اجتهاديا مثبتا للطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الأولية وللاشياء بعناوينها الثانوية اي بما انها مشكوكة الحكم فتكون اصلا عمليا مثبتة للطهارة الظاهرية للاشياء بعناوينها الثانوية ومن هذا القبيل ما نحن فيه فيكون مثل اكرم كل عالم دليلا اجتهاديا مثبتا لوجوب الاكرام الواقعي لما عدا افراد الخاص واصلا عمليا مثبتا لوجوب الاكرام ظاهرا للافراد المشكوك دخولها تحت عنوان الخاص.

اقول : لا يخفى انه فرق بين ما نحن فيه وبين (كل شيء لك طاهر) فان المشكوك بعنوان كونه مشكوكا فرد من افراد الشيء فى عرض بقية افراده اي الاشياء بعناوينها الاولية وحينئذ يمكن دخوله تحت (كل شىء لك طاهر) وبعد دخوله تحته تكون الثابتة له طهارة ظاهرية لكون موضوعها قد أخذ فيه الشك فيكون ذلك دليلا اجتهاديا واصلا عمليا وما نحن فيه لا يتأتى فيه ذلك اذ افراد

٢٨٠