منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

الامتثال باتيان الفعل الواحد اما ان يكون من باب التأكد واما اتيانه مرتين لوجوب تعدد الامتثال الناشي من تعدد الوجوب الناشئ من تعدد الشرط الظاهر في كون كل شرط علة مستقلة فلا محيص من القول بعدم تداخل المسببات كما قلنا فى عدم تداخل الاسباب إذ الدليل الذي اوجب عدم تداخل الاسباب هو الذى اوجب عدم تداخل المسببات فلذا قلنا ان القاعدة تقتضى عدم التداخل فى الاسباب والمسببات إلا ان يقوم دليل على التداخل كما دل على كفاية وضوء واحد عن اسباب متعددة من غير فرق بين تكرر السبب الواحد كما اذا نام مكررا او كان السبب مختلفا كما اذا نام وبال وكما دل على كفاية غسل الجنابة عن بقية الاغسال فلا تغفل.

مفهوم الوصف

الفصل الثالث مفهوم الوصف فقد اختلف الاصحاب في دلالة القضية المشتملة على الوصف على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف وعدمها على قولين الحق عدم دلالة الوصف على المفهوم وفاقا للمشهور على العكس من القضية الشرطية قال الاستاذ قدس في الكفاية ما لفظه : (الظاهر انه لا مفهوم للوصف وما بحكمه (١)

__________________

(١) المراد بحكمه هو الوصف الضمني كقوله (ص) (لان يمتلئ بطن الرجل قيحا خير من ان يمتلئ شعرا فان امتلاء البطن كناية عن الشعر الكثير فيدل بمفهومه على تقدير القول به على عدم البأس بالشعر القليل والمراد بقوله مطلقا سواء اعتمد على الموصوف ام لم يعتمد والظاهر خروج ما لم يعتمد على

٢٤١

مطلقا) نظرا الى كون الاوصاف من قيود الموضوع ومن شئونه وتكون نسبة

__________________

الموصوف عن محل النزاع إذ هو من قبيل مفهوم اللقب وان قال بعض السادة الاجلة قدس‌سره بدخوله فى محل النزاع ولذا ادعي دلالة آية النبأ على حجية الخبر من جهة مفهوم الوصف بل مقتضى استدلالهم على المفهوم بان الوصف مشعر بالعلية من غير تقييد بما اذا اعتمد على موصوف وان لم يوافقه استدلالهم بلزوم اللغوية لو لم يدل على المفهوم فانها انما تكون فيما اذا ذكر الموصوف مع الوصف ولم يكن دالا على المفهوم.

وكيف كان فقد استدل للقول بمفهوم الوصف بان الاصل فى القيود الاحترازية وبلزوم اللغوية وبالوضع وبان تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية وبلزوم حمل المطلق على المقيد وقد اجاب المحقق الخراسانى قدس‌سره عن الاول فى كفايته بما لفظه : (لان الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية الخ).

وتوضيحه ان لنا مقامين الاول كون الحكم المذكور فى القضية واردا على موضوع معين ولا يتناول غيره من الافراد ، الثاني ان تكون القضية تدل على نفى الحكم المذكور عن غير هذا الموضوع ولا يخفى ان بين هذين المقامين فرقا واضحا فانه على الاول لا تكون القضية دالة على نفي الحكم عن غير هذا الموضوع ولا على وجوده بخلافه على الثاني فانها تدل على عدم الحكم في غير هذا الموضوع بنحو لو وجد دليل على ثبوت الحكم لغير هذا الموضوع يكون معارضا وعلى الاول يحمل احترازية القيود والقول بالمفهوم يحمل على المقام الثاني وبالجملة لا منافات بين كون القيود احترازية مع عدم القول بالمفهوم واما الجواب عن اللغوية بعدم لزوم اللغوية بدونه لعدم انحصار الفائدة به لامكان ان تكون الفائدة زيادة الاهتمام بالموصوف واما عن الوضع فبأنه لم يثبت الوضع لذلك لو لم يثبت

٢٤٢

الحكم اليها كنسبة المحمول الى نفس الموضوع وقد عرفت ان المحمول بالنسبة الى الموضوع قد اخذ بنحو الاهمال وهو مما يقتضيه طبع القضايا ومع كونها كذلك لا دلالة للوصف على المفهوم فانه عبارة عن ربط الحكم بخصوصية زائدة على ربط الحكم بموضوعه ولذا يتمسك باطلاق تلك الجهة الزائدة وبذلك يستفاد المفهوم والوصف ليس من ذاك القبيل لما عرفت انه من قيود الموضوع فلا يوجب ربط

__________________

خلافه واما الاشعار بالعلية فلا يقتضي استفادة المفهوم إلّا ان تكون بنحو الانحصار إذ من الممكن ان يكون للحكم علتان تنوب احداهما مناب الاخرى.

واما عن حمل المطلق على المقيد فانما هو من جهة التنافي بينهما من حيث التضييق والتوسعة فان دليل المطلق موسع توسعة موضوعه كمطلق الرقبة في قولنا اعتق رقبة بخلاف موضوع دليل التقييد فى قولنا اعتق رقبة مؤمنة ولا يخفى ان هذا المقدار من التنافى كاف فى حمل المطلق على المقيد وبالجملة حمل المطلق على المقيد راجع الى المقام الاول ولا يتوقف على المقام الثاني فظهر مما ذكرنا ان الحق هو عدم المفهوم للوصف اذ مناط اخذه هو كون الوصف راجعا الى الحكم بمعنى رجوعه الى المحمولات المنتسبة واما لو رجع الى الموضوع فيكون كاللقب من غير فرق بينهما هذا لو علم برجوع القيد الى الموضوع وهكذا لا مفهوم فيما اذا دار امره بين ما يكون قيدا للموضوع او الحكم ولا معين له كما في مفهوم الشرط حيث انه يستفاد منه تعليق جملة بجملة ولازمه تقييد الحكم فيكون له مفهوم بخلاف المقام لعدم وجود المعين لاحدهما نعم يستثنى مورد ان احدهما لو كانت هناك قرينة حالية او مقالية على كونه قيدا للحكم ويدل على المفهوم ولكن لا من جهة الدلالة اللفظية وثانيهما انه بمناسبة الحكم للموضوع يدل على ان الوصف له جهة خصوصية وانه يكون قيدا للحكم فيدل على المفهوم بالدلالة اللفظية فافهم.

٢٤٣

الحكم به زائدا على ربط الحكم بموضوعه وبعبارة اخرى ان في مثل قضية الشرطية يتصور فيها نسبتان نسبة ربط الحكم بموضوعه ونسبة ربط الحكم بتلك الخصوصية الزائدة كالشرط مثلا وحينئذ باطلاق تلك الجهة الزائدة يتحصل المفهوم ولا ينافي الاهمال فى الحكم بالنسبة الى موضوعه وفي مثل القضية الوصفية لم يكن فيها نسبتان وانما هى مشتملة على موضوع وحكم مرتبط بالموضوع مع جميع شئونه والوصف من شئون الموضوع وقيوده.

ودعوى ان ذكر الوصف مشتمل على جهة زائدة توجب ربط الحكم بها زيادة على ربط الحكم بموضوعه فيكون ذكره متمحضا لتلك الخصوصية الزائدة على ما يقتضيه طبع القضية من نسبة الحكم الى موضوعه وذلك يقتضى ان يراد من المحمول سنخ الحكم اي ارادة الطبيعة المرسلة منه لا الطبيعة المهملة ممنوعة لان ذلك يتم لو كان الوصف من قيود الحكم وكونه كذلك محل منع اذ الظاهر ان ذلك من قيود الموضوع فيكون حاله حال اللقب لا يقال ان نسبة الحكم الى الوصف غير نسبته الى الموصوف ولذا قيل بان الوصف يشعر بالعلية وذلك يوجب الاخذ باطلاق الوصف ولا ينافى الاهمال من جهة اخرى لما عرفت من امكان التفكيك بينهما كما هو كذلك في القضية الشرطية لانا نقول ان القضية الوصفية عند تحليلها تنحل الى نسبتين ولكن بحسب الخارج العرف يراها قضية واحدة مشتملة على موضوع ومحمول وان الوصف من مقومات الموضوع وحينئذ فلا معنى للتفكيك بين انتساب الحكم الى الموضوع وبين انتسابه الى الوصف من حيث الاطلاق والتقيد.

ثم لا يخفى انه على تقدير استفادة الظهور من القضية الوصفية فلازمه

٢٤٤

تعليق الحكم على تلك الجهة التي اخذت زائدة على ربط الحكم بموضوعه مع حفظ (١) بقية الخصوصيات ففي مثل قوله : (فى الغنم السائمة زكاة) بناء على استفادة المفهوم هو انتفاء الزكاة عن معلوفة الغنم لا نفي الزكاة عن معلوفة الابل نعم لو استفيد منها عدم خصوصية للموضوع كان له وجه فافهم واغتنم.

مفهوم الغاية

الفصل الرابع مفهوم الغاية والتكلم فى الغاية يقع في مقامين :

الاول فى ان الغاية داخلة في المغيا ام لا؟ فنقول اختلف الاصحاب فى ذلك فبين قائل بدخولها مطلقا وقائل بالعدم مطلقا وثالث بالتفصيل بين ما كانت الغاية من جنس المغيى فقال بدخولها وبين ما لم تكن من جنسها فقال بعدمه

__________________

(١) لا يخفى ان الصفة تارة تكون اعم من الموصوف او اخص او مساوية اما اذا كانت الصفة اخص فلا اشكال في دخولها فى محل النزاع واما فيما كان بينهما عموم من وجه ففيما كان الافتراق من جانب الموصوف فهو داخل فى محل النزاع واما فيما كان الافتراق من جانب الوصف والموصوف كقولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على نفى الزكاة عن معلوفة الابل فالظاهر انه ليس من محل الكلام لما هو معلوم ان المفهوم انتفاء سنخ الحكم عن نفس الموضوع المذكور فى المنطوق لا انتفاؤه عن موضوع آخر غير الموضوع المذكور في المنطوق وهذا هو غرض المحقق في كفايته من الافتراق من جانب الوصف والظاهر ان مثل هذا ليس من قبيل الافتراق من جانب الوصف.

٢٤٥

ورابع التفصيل بين الادوات ، والظاهر هو الاخير إذ الفرق ظاهر بين مثل أداة (حتى وإلى) فان الاولى ظاهرة فى دخول الغاية فى المغيى كما يظهر ذلك من موارد استعمالها كمثل (اكلت السمكة حتى راسها) بخلاف الثانية فان الظاهر من موارد استعمالها عدم دلالتها على دخول الغاية فيه اذ مقتضى الانتهاء ذلك كما ان مثل كلمة (من) التي هي للابتداء تدل على ان ما قبلها خارجة عما بعدها كما هو مقتضى الابتداء. ثم ان الظاهر بالنسبة الى شخص الحكم يقتضى انتفاؤه فى ظرف وجود المدخول نظرا الى ان كلمة (الى) تدل على انتهاء السابق فى ظرف المدخول ولازمه انعدامه في ظرف المدخول من غير فرق بين كون الغاية قيدا للموضوع او للمحمول او للنسبة الحكمية وذلك ليس من المفهوم لما عرفت ان انتفاء شخص الحكم مما يقتضيه طبع القضية وانما المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم فلا تغفل.

المقام الثاني في ان للغاية مفهوما ام لا؟ (١).

__________________

(١) ذكر بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف ان المستفاد من الغاية للشيء هل هو انقطاع ذلك الشيء عليها او مجرد وصوله اليها وعدم انقطاعه قبلها من دون نظر الى انقطاعه عليها والانصاف ان موارد الاستعمال مختلفة فربما كان المراد هو الاول كما فى مثل اجلس في هذا المكان الى الزوال اذا كان المراد تحديد الجلوس وانقطاعه عند الزوال وربما كان المراد هو الثاني كما فى المثال المذكور اذا كان المراد مجرد عدم انقطاع الجلوس قبل الزوال ومحض وصوله الى الزوال من دون نظر الى انقطاعه عليه ولكن لا يبعد دعوى ظهور الغاية فى النحو الاول وان النحو الثاني محتاج الى عناية لان انقطاع الجلوس عند الزوال يلزمه وصوله اليه وعدم انقطاعه قبله ثم بعد البناء على ان المستفاد

٢٤٦

فنقول لا اشكال ولا ريب انه يستفاد المفهوم الذي هو انتفاء سنخ الحكم من الغاية من القرائن الخارجية من غير فرق بين كون الغاية قيدا للموضوع او

__________________

من الغاية هو النحو الاول وقع النزاع فى مفهوم الغاية فنقول اما غاية نفس الحكم مثل يجب عليك الامساك الى غروب الشمس بناء على ان تعلق الى بيجب فغاية دلالتها انما هي على انقطاع الحكم عندها ولا ينافيها وجوب الامساك فيما بعد ذلك بوجوب آخر لمصلحة اخرى تقتضى ذلك فلا يكون هذا المثال معارضا لما يدل على وجوب الامساك من الغروب الى غيبوبة الحمرة المغربية مثلا. نعم فى التحديد بالغاية دلالة على عدم استمرار ذلك الحكم بنفسه الى ما بعد الغاية فلا تكون معارضا الا لما يدل على بقاء ذلك الحكم الى ما بعد الغاية.

وبالجملة ففي المقام احتمالان احدهما احتمال استمرار الحكم المغيّا الى ما بعد الغاية وهذا الاحتمال ينفيه نفس الغاية بناء على ظهورها فيما تقدم من النحو الاول والاحتمال الآخر احتمال حدوث حكم آخر مماثل لهذا الحكم ناش من مصلحة اخرى يكون ثابتا فيما بعد الغاية وهذا الاحتمال لا يمكن نفيه بالغاية إذ لا دلالة لتحديد الحكم الموجود فيها على نفى حكم آخر يكون ثابتا فيما بعدها نعم بعض الاحكام لا يتأتي فيها هذا الاحتمال الثاني مثل الصحة والفساد والطهارة والنجاسة فان مثل هذه الاحكام إذا حددت بغاية مثل الماء طاهر حتى يلاقى النجس لم يحتمل فيها الابقاء ذلك الحكم بنفسه واستمراره الى ما بعد الغاية وهو منتف بمقتضى التحديد بالغاية الدالة على الانقطاع كما عرفت اما احتمال حدوث حكم آخر ثابت فيما بعد الغاية فهو وان لم يمكن نفيه بنفس الغاية إلّا انه منتف في مثل تلك الاحكام في نفسه للقطع بانه على تقدير ان يكون الماء طاهرا فيما بعد الملاقاة فانما هو تلك الطهارة الثابتة قبل الملاقاة لا طهارة اخرى وفرد آخر من الطهارة يكون ثابتا بعد الملاقاة لاجل مصلحة اخرى تقتضى ذلك الفرد من

٢٤٧

للمحمول او للنسب الكلامية وانما الاشكال في ان ذلك هل يستفاد من ظاهر القضية مع قطع النظر عن القرائن الخارجية مطلقا ام لا يستفاد ذلك مطلقا ام

__________________

الطهارة كما قلنا في الوجوب هذا حال غاية الحكم واما غاية موضوع الحكم فيظهر لك حالها مما ذكرنا فى غاية الحكم.

وحاصله ان غاية الموضوع مثل سر الى الكوفة بناء على تعلق الى بالحدث والمادة لا بمفاد الهيئة لا دلالة لها على ازيد من انقطاع السير الذي هو موضوع الحكم عند بلوغ الكوفة من دون تعرض لنفى السير فيما بعد الكوفة موضوعا لوجوب آخر ثابت بمصلحة اخرى فتكون معارضا لما يدل على استمرار السير الذي هو موضوع هذا الحكم الموجود الى ما بعد الكوفة ولا يعارض ما يدل على ان السير فيما بعد الكوفة يكون موضوعا لوجوب آخر لمصلحة اخرى.

فتلخص ان غاية ما تدل عليه الغاية هو انقطاع ما يكون غاية له عليها فتعارض ما يدل على استمرار ذيها الى ما بعدها ولا تدل على نفى فرد آخر مماثل لذيها لكونه متحققا بعدها فلا يكون معارضة لما يدل على تحقق الفرد المذكور بعدها وغرض القائلين بالمفهوم فى باب الغاية هو الثاني وقد عرفت انه لم يثبت ما يوجب دلالتها على ذلك فجعل القول بمفهوم الغاية اقرب من القول بمفهوم الشرط مما لا يعلم وجهه واما النزاع في دخول نفس الغاية فيما قبلها وعدمه فهو مثل النزاع في ان مدخول من الابتدائية يكون دخلا فيما بعدها والظاهر ان موارد الاستعمال مختلفة ولا يمكن الجزم بظهور اللفظ في احد الطرفين مطلقا إلّا انه من الواضح ان النزاع انما يتأتى فيما يمكن فيه الدخول او الخروج اماما لا يمكن مثل الزوال والمرفق بناء على كونه المفصل لا مجمع العظمين فلا يكون داخلا فى النزاع المذكور ثم لا يبعد ان يقال ان الظاهر من كون الشىء الفلاني غاية ان ذلك الشيء بتمامه ومجموع اجزائه يكون غاية فاذا قيل سرت الى الكوفة كانت

٢٤٨

يفصل بين كون الغاية قيدا للموضوع او المحمول او قيدا للنسبة الكلامية فيلتزم بالمفهوم على الاخير دون الاولين الظاهر هو الاخير نظرا الى ان طبع القضية يقتضى الاهمال فى طرف الحكم بالنسبة الى الموضوع والمحمول كما هو كذلك في اللقب مثلا الحكم الوارد على الموضوع الخاص كاكرم زيدا او اكرم الرجل العالم ونحو ذلك مما كان الحكم فيها قد اخذ بنحو الطبيعة المهملة وقد تشخص بالانشاء ومثله الحكم الوارد على موضوع مقيد بغاية كما قيل الوجه من قصاص الشعر الى الذقن يجب غسله واليد من المرفق الى اطراف الاصابع يجب غسلها فان الحكم فيها ليس إلّا طبيعة مهملة بنحو يكون حصة من الوجوب لا سنخه لكي يكون انتفاؤه بانتفاء الموضوع واما بالنسبة الى ما لو كانت الغاية قيدا للنسبة فان ظاهر تقييد الحكم بالغاية هو ارادة سنخه وذلك مقتضى اصالة الاطلاق الحاكمة بالاخذ باطلاق النسبة. ودعوى ان النسبة من المعاني الحرفية لا اطلاق فيها ممنوعة بانك قد عرفت منا سابقا بانها معان كلية يمكن تقييدها فيمكن التمسك باطلاقها وبالجملة الاخذ باطلاق النسبة يوجب ان يؤخذ سنخ الحكم وبذلك يدل على ان طبيعة الحكم تنتفى عند حصول الغاية وهو معنى المفهوم لا يقال ان النسبة الكلامية من المعاني الحرفية والاطلاق والتقييد فيها يتبع الطرفين فحينئذ كيف يمكن الالتزام بالاطلاق في النسبة الكلامية وبالاهمال فى الطرفين لانا نقول ان التفكيك يمكن تحققه في عالم الاثبات إذ القضية تقتضى بحسب طبعها الاهمال

__________________

الكوفة مجموعها غاية ومقتضى ذلك انقطاع السير على اول اجزائها اذ لو لم ينقطع واستمر الى آخر اجزائها لم تكن الكوفة بتمام اجزائها غاية بل كانت الغاية هو الجزء الاخير منها فلا تغفل.

٢٤٩

بالنسبة الى الموضوع والمحمول ولا ينافي وجود مقتضى الاطلاق فيما لو تحقق امر خارجي يقتضيه فان النسبة الكلامية جهة زائدة على الموضوع والمحمول فلا مانع من الاطلاق بالنسبة اليها مع بقاء الجملة على ما لها من عدم الاقتضاء للاطلاق إذ لا منافات بين لا اقتضائية الجملة لاطلاق الموضوع مع اقتضاء الغاية فى النسبة اطلاق تعليق سنخ الحكم ولاجل ذلك قلنا بالمفهوم فيها دون ما لو كانت الغاية للموضوع والمحمول فافهم وتأمل.

مفهوم الحصر

الفصل الخامس فى الحصر ومنه أداة الاستثناء ك (الا) مثلا فانه لا اشكال فى اختصاص الحكم بالمستثنى منه سلبا او ايجابا ولا يعم المستثنى ولاجل ذلك قالوا بان الاستثناء من النفي اثبات ومن الاثبات نفي وذلك مقتضى ظهور كلمة (الا) الاستثنائية هو حصر الحكم في المستثنى منه واخراج المستثنى عن تحت ذلك الحكم المذكور ومثله فى ذلك القيد فانه أيضا يوجب اخراج المفيد به عن حكم المطلق وان فرق بينهما من جهة اخرى وهو ان التقييد يجعل المقيد عنوانا يكون به موضوعا للحكم كمثل اعتق رقبة مؤمنة فان تقييد الرقبة بالايمان جعلها عنوانا في قبال المطلق بخلاف الاستثناء فانه باخراج المستثنى من حكم المستثنى منه لا يوجب تعنونه بعنوان وتظهر الثمرة بينهما في الشك (١) فانه

__________________

(١) كما تظهر بالفرق بين الا الاستثنائية وإلّا الوصفية مثلا او قال المقر في ذمتى لزيد عشرة دراهم الا درهم يجعل الا وصفية فيكون قد اقر له بعشرة

٢٥٠

يمكن جريان الاستصحاب فيما لو شك في القيد بان شك في كون الرقبة مؤمنة

__________________

دراهم موصوفة بانها غير درهم بخلاف ما لو قال بذمتي لزيد عشرة دراهم الا درهما يجعل إلا استثنائية فيكون قد اقر لزيد بتسعة دراهم وهكذا لو قال ليس فى ذمتي عشرة دراهم إلا درهم فان كانت بنحو الوصفية فلا يكون معترفا بشيء من الدراهم وان كانت استثنائية يكون معترفا بدرهم واحد ولا يخفى انه فى المثال الاول يعرف الفرق بين الصورتين بالاعراب فان قرأ المستثنى بالرفع فالا وصفية وان قرأ بالنصب فالا استثنائية وفى المثال الثاني لا يعرف الفرق بين الصورتين لصحة الرفع فيهما لكون الا واقعة فى حيز النفى وكان الاستثناء متصلا فلذا يجوز نصب المستثنى على الاستثناء ويجوز ان يكون من توابع المستثنى منه بالاعراب على البدلية فلذا فى المثال يحتمل ان تكون الا استثنائية كما يحتمل ان تكون وصفية وعليه لا يعلم باشتغال ذمة القائل بانه ليس بذمتى عشرة دراهم الا درهم بشيء من الدراهم إلّا ان يقال بان الاصل فى الا الحصر لكونها موضوعة له فيكون المستثنى بدلا عما قبله وعليه يكون القائل بذلك معترفا بدرهم واحد واما لو قال ، ما له عندي عشرة دراهم الا درهما بالنصب فالمحقق في الشرائع والعلامة فى القواعد قالا لم يكن اقرارا بشيء وقد وجه ذلك فى المسالك بان الاخراج قبل الحكم والاسناد ومرجعه الى ان العشرة الا درهما ليس على وهو معنى كون النفى متوجها الى التسعة ولكن لا يخفى ان الاخراج قبل الحكم والاسناد لا يلائم كون لا استثنائية وانما يلائم كونها وصفية فان الاستثناء انما يتصور من الحكم وبذلك فرق بين الا الوصفية وبين الا الاستثنائية بان الاولى اخراج قبل الحكم والثانية اخراج من الحكم ومن هنا اشكل بالتناقض كما عن نجم الائمة قدس‌سره وحاصله ان القضية المشتملة على الا تنحل الى حكمين حكم في الاثبات وحكم بالنفى ولذا قيل بان الاستثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات وحينئذ يكون

٢٥١

وكانت لها حالة سابقة فى الايمان فيستصحب ايمان الرقبة وبه يتحقق موضوع

__________________

المستثنى محكوما بحكمين مختلفين متناقضين ولكن لا يخفى انه لا وجه لهذا الاشكال اذ المتكلم ما دام متشاغلا بالكلام له ان يلحق به ما يشاء فلو حكم بماله ظاهر ينبغي ان يتوقف الى ان يتم كلامه وبعد تمامه ينعقد له ظهور كما هو ديدنهم في محاوراتهم فى بيان مرادهم يحصل بالمخصصات والمقيدات والقرائن المتصلة والمنفصلة ولذا ترى التعارض يرتفع بالجمع العرفي مضافا الى ان من راجع وجدانه لا يرى شكا في كون الاستثناء من قيود الحكم ومن توابعه فلا يعقل ان يكون من قيود الموضوع قبل الحكم والاسناد وبالجملة الفرق بين الا الاستثنائية وبين الا الوصفية فى ان الاخراج ان كان قبل الحكم والاسناد فالا وصفية وان كان من الحكم فالا استثنائية ففي المثال المذكور لا يمكن توجيهه بما ذكر من كون الاخراج قبل الحكم اذ ذلك مخالف للقواعد العربية فان الا الاستثنائية الواقعة في حيز النفى يجوز فيها نصب المستثنى والاتباع وعلى تقدير النصب كما هو المفروض فى المثال يتعين النصب على الاستثناء ولا يصلح للاتباع لان ما قبله مرفوع ولا يصح اتباع المنصوب للمرفوع فلا بد من ان يحمل على تقدير النصب على الاستثناء ولازم ذلك ان يكون الاخراج من الحكم لا قبله وحيث ان الظاهر من الا هو الاستثنائية فعلى تقديرى الرفع والنصب يكون قد اقر بالدرهم فى المثال المذكور وفاقا للشيخ قدس‌سره في الجواهر وكيف كان فقد ارجع النزاع في دلالة الا وامثالها على المفهوم الى ان الاخراج ان كان قبل الحكم فلا مفهوم لها لكونها من قيود الموضوع وتكون الا وصفية وان كان الاخراج من الحكم فيكون الا استثنائية فتدل على حصر الحكم فيما عدا المستثنى ويستفاد منها المفهوم والظاهر من كلمة الا الاستثنائية هو حصر الحكم فى المستثنى منه واخراج المستثنى من حكم المستثنى منه ولا يبعد دعوى ان منشأ هذا الظهور وضع الاداة لذلك وتوهم

٢٥٢

العتق بخلافه على الاستثناء فانه لا يجري الاستصحاب إذ جريانه لا يوجب الاندراج في المستثنى منه إلّا بناء على القول بالاصل المثبت ولم يثبت وكيف كان فقد وقع الكلام فى دلالة مثل الا وامثالها على المفهوم بل قيل انه اقوى من بقية المفاهيم اذ لا معنى للحصر الا ذلك ولكن لا يخفى ان الملاك في الالتزام بالمفهوم ان كان هو العلة المنحصرة فيتم ما ذكر من كون مفهوم الحصر هو اقوى

__________________

عدم دلالتها على المفهوم فمنشؤه ان المستفاد من كلمة الا وامثالها مطلق الاخراج وقد عرفت انه محل منع بل الظاهر انها فى الاخراج من الحكم واما الاستدلال لعدم المفهوم بمثل لا صلاة إلّا بطهور وبكلمة التوحيد فمحل نظر اما عن الاول فيمكن ان يكون الغرض من مثل هذه الجملة بيان عدم امكان تحقق الصلاة من غير طهور وحينئذ فيمكن ان ينحل الى حكم سلبى على المستثنى منه وهو ان الصلاة بدون طهور لا يمكن تحققها وحكم ايجابي على المستثنى وهو ان الصلاة مع الطهور يمكن تحققها واما عن الثاني فلا يخفى ان مشركي العرب لم يقولوا بنفى الصانع او أن له شريكا فى الخلق والصنع بل انما يقولون بان لله تعالى شريكا فى العبادة فهم يعترفون بوجوده وانه خالق العالم بلا مشارك في خلقه ولكنهم يعبدون اصناما يزعمون انها شريكة له في العبادة لا في الخلق وعليه فيكون معنى لا إله إلّا الله عدم وجود معبود غيره فتكون هذه الجملة فيها معنى التوحيد له تعالى في العبادة وان لم نقل بان الجملة الاستثنائية لها مفهوم وبما ذكرنا يندفع الاشكال الوارد على كلمة التوحيد بعدم استفادته منها بان خبر لا اما يقدر ممكن او موجود وعلى كل تقدير لا دلالة لها على التوحيد اما على الاول فتدل على امكان الوجود على وجوده تعالى واما على الثاني فلانها وان دلت على وجوده تعالى إلّا انه لا دلالة لها على عدم امكان إله آخر. بان يقال ان لا إله معناه المعبود بحق

٢٥٣

المفاهيم واما اذا كان الملاك هو اخذ سنخ الحكم فى القضية قد علق على خصوصية زائدة على ربط الحكم بموضوعه فيشكل اظهرية مفهوم الحصر من سائر المفاهيم إذ يمكن منع ذلك ويدعى بان المراد من الحكم في الحصر شخصه ومع هذا الاحتمال لا ينفي الحصر شخص آخر من الحكم في غير مورده فلا يكون حينئذ له مفهوم وبذلك يكون الحصر مثل بقية المفاهيم ودعوى ان اخذ المفهوم من أداة الحصر اقوى من غيرها فى غير محلها اذ ذلك لا يوجب الاقوائية بعد ما عرفت ان الحصر من لوازم العلة المنحصرة وذلك لا يوجب إلّا رفع الحكم الشخصي والمفهوم الذي هو محل الكلام هو انتفاء سنخ الحكم وحينئذ يكون حاله حال سائر المفاهيم من دون خصوصية له والظاهر دلالة مثل (الا) الاستثنائية (١) ونحوها كانما ، على المفهوم من غير فرق بين كون الا في حيز

__________________

واولئك المشركون يدعون ان في الوجود اشياء تشارك الله تعالى في ذلك فاذا قال القائل لا إله إلّا الله فقد نفى ان يكون في الوجود إله ومعبود واثبت وجود ذلك المعبود المقدس على ما هو مقتضى المفهوم فلا اشكال ان من يقول بذلك هو موحد له تعالى في العبادة وبالجملة ان المشركين يزعمون ان له شريكا في العبادة والموحد ينفى وجود جميع الآلهة ويثبت الله فقط وهو المعنى الحاصل من لا إله إلّا الله التي هي كلمة التوحيد واما جواب المحقق الخراساني قدس‌سره في كفايته فهو مبني على ان معنى الإله واجب الوجود ولم يثبت على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

(١) لا يخفى ان ادوات الحصر تختلف فبعضها كمثل الا الاستثنائية مطلقا ولو كانت في حيز النفى ومثل انما فانها تدل على انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى من غير شك ولا شبهة وانما النزاع وقع في ان دلالتها على ذلك بالمفهوم او

٢٥٤

الاثبات او النفى دون غيرها مما يفيد الحصر ولو كان ذلك من مقدمات الحكمة ولو قلنا بان الاداة ك (الا) يستفاد منها الحصر بالوضع اذ الحصر على ما عرفت لا يلزم منه القول بالمفهوم فانه يدل على انتفاء شخص الحكم والمفهوم عبارة عن

__________________

بالمنطوق على قولين اختار المحقق الخراساني قدس‌سره فى الكفاية بان دلالتها على ذلك بالمفهوم وفاقا للمشهور بتقريب ان أداة الاستثناء تقتضى تضيق دائرة موضوع سنخ حكم المستثنى منه ولازم ذلك انتفاء سنخ الحكم عن المستثنى لا ان مفاد الأداة نفى حكم المستثنى منه عن المستثنى فتكون الدلالة بالمنطوق والانصاف ان الحصر تارة يستفاد من نفس القضية واخرى من نفس كلمة الاداة فان قلنا بالاول فيكون الدلالة على انتفاء سنخ الحكم عن المستثنى بالمفهوم وان قلنا باستفادة ذلك من نفس الاداة فلا يبعد كونها بالمنطوق وتظهر الثمرة بينهما ما لو قلنا بان دلالة المفهوم اضعف من المنطوق على ما هو المشهور ففى ما لو تعارض الاستثناء مع دليل آخر فعلى القول بان ذلك من المفهوم يقدم الدليل الآخر وعلى القول بانها من المنطوق يقدم الاستثناء ولكن لا يخفى ما فيه اولا نمنع كون المفهوم اضعف من المنطوق بل ربما يكون اقوى من المنطوق وثانيا ان المفهوم انما يستفاد من خصوصية فى المنطوق ومن الواضح ان الخصوصية التى اوجبت المفهوم من المنطوق فيرجع التعارض الى التعارض بين المنطوقين فعليه لا فائدة في النزاع في ذلك ولذا قال صاحب الكفاية قدس‌سره ما لفظه وان كان تعين ذلك غير مفيد واما بل للاضراب فما اتى بها للدلالة على ان المضروب عنه وقع عن غفله او بنحو الغلط او اتى بها للدلالة على تأكيد المضروب عنه او تقريره كما في قولنا زيد عالم بل شاعر فلا دلالة لها في الصورتين على الحصر لكى تدل على المفهوم واما إذا أتى بها للدلالة على الردع كما في قوله تعالى

٢٥٥

انتفاء سنخه بل ربما يقال بان هذه الجهة تمتاز عن بقية المفاهيم فان مثل الا تدل على العلة المنحصرة بالوضع ومقدمات الحكمة يستفاد منها المفهوم بخلاف باقي المفاهيم فان الانحصار والسنخية يستفاد ان من مقدمات الحكمة ولكن لا يخفى ان ذلك لا يوجب اقوائية مفهوم الحصر فلا تغفل.

__________________

(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) فتدل على الحصر اذ تدل الآية الشريفة على انتفاء مجيئه بغير الحق فحينئذ إن استفيد حصر سنخ الحكم فتدل على المفهوم وإلّا فلا بل ربما يقال بانها لا تدل على الحصر اذ ابطال الاول والاضراب عنه لا يوجب إلّا كونه مسكوتا عنه واما كونه محكوما عليه بالعدم بنحو يكون مفيدا للحصر كما في الاستثناء فلا يوجب الاضراب ذلك وعلى كل يحتاج تعين ان بل لاى صورة من الصور الثلاثة الى قرينة واما تعريف المسند اليه باللام فان كانت للاستغراق او للطبيعة المرسلة او كون الحمل اوليا ذاتيا فانه يفيد الحصر واما اذا كانت اللام للجنس اي الإشارة الى صرف الطبيعة والحمل يكون على ما هو المتعارف من كونه شايعا صناعيا الذي ملاكه الاتحاد فى الوجود فالظاهر انه لا تدل على الحصر والاصل في اللام الداخلة على الجنس هو الإشارة الى نفس الجنس مع كون الحمل شايعا صناعيا فلذا لا يكون تعريف المسند اليه مفيدا للحصر إلّا ان تقوم قرينة على إرادة الاستغراق او الطبيعة المطلقة او كون الحمل اوليا ذاتيا واما تقديم المفعول كقوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ونحو ذلك فلا دلالة له على المفهوم الا مع قرينة تدل على الحصر وبالجملة ان استفيد الحصر وكان المستفاد من الحكم هو سنخه كان دالا على المفهوم وإلّا فلا فافهم وتأمل.

٢٥٦

مفهوم العدد واللقب

الفصل السادس مفهوم العدد واللقب اما العدد كمثل جئنى بعشرة رجال فلا مفهوم له اذ تحديد الموضوع بعدد خاص لا يدل على انتفاء الحكم عند انتفائه ويكون نظير الوصف فانه لما كان من شئون الموضوع وقيوده فلا يكون الحكم الا مهملا بالنسبة اليه فلو قال صم ثلاثة ايام في كل شهر لا يدل على عدم استحباب صوم آخر فلو جاء دليل آخر يدل على استحباب ما زاد على الثلاثة لا يكون معارضا لهذا الدليل نعم لو كان في مقام تحديد تمام المراد بنحو يلاحظ فى القضية جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه فحينئذ يصح تعليق سنخ الحكم بتلك الجهة الزائدة كان للقول بمفهوم العدد وجه كما لو كان الدليل في مقام الحد الاعلى كمثل الدليل الدال على وجوب صيام ثلاثين يوما من شهر رمضان ولكن ذلك لا يستفاد من العدد بل من خصوصية المورد الدالة عليها بالقرينة وبالجملة لا مفهوم للتحديد بالعدد الا مع قيام القرينة على تحديد تمام المراد واما اللقب وهو كل اسم قد اخذ موضوعا لحكم من غير فرق بين كونه جامدا او مشتقا كمثل قوله تعالى (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ولا يخفى ان نسبة كل حكم الى موضوع لا يستفاد منه المفهوم الذي هو عبارة عن انتفاء سنخ الحكم على انا منعنا دلالة الوصف على المفهوم ففي اللقب بطريق اولى هذا آخر ما اردنا بيانه من المقصد الثالث فى المفاهيم والحمد لله رب العالمين.

٢٥٧

المقصد الرابع فى العام والخاص

وفيه فصول

الفصل الأول تعريف العموم وأقسامه أما تعريفه فقد عرف بتعاريف كثيرة وقد اورد عليها بعدم الاطراد والانعكاس مع عدم المقتضي لذلك لكونها تعاريف لفظية ليس الغرض منها إلا بيان مفهوم يعم جميع ما هو من افراد العام ولكن الاحسن تعريفها باستيعاب مفهوم اللفظ لكل فرد من افراد ما يصدق عليها من غير فرق فى ما يدل على الاستيعاب أداة كانت او كلمة كل أو الجميع أو هيئة كوقوع الطبيعة فى حيز النفي أو حرفا كلام الاستغراق الداخلة على المفرد أو الجمع وأما تعريف الخاص هو ما اشتمل على خصوصية تقتضي عدم الاستيعاب والشمول من غير فرق بين المنع من صدقه على كثيرين فهو الجزئي الحقيقى وبين جواز صدقه على كثيرين فهو الجزئي الاضافي والمراد بالاستيعاب هو شمول المفهوم لخصوصيات الافراد وبذلك يفرق بين العام والطبيعة السارية فانها للسراية فقط من دون شمولها لخصوصية الفردية وتظهر الثمرة لو نوى الامتثال بالخصوصية فعلى العام يعد ممتثلا بخلافه على الطبيعة السارية.

وكيف كان فقد اشكل على هذا التعريف بان الاستيعاب الذي هو عبارة عن الاحاطة غير صالح لان يجعل مدلولا لبعض الفاظ العموم كمثل كل والجميع حيث انها تعد من الأسماء ولذا تقع مسندا اليه مع ان الاحاطة من المعاني

٢٥٨

الحرفية أما لكونها معنى قائما بالغير وغير مستقل بنفسه كما يظهر من عبارة الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية حيث يقول بان كل موضوعه لعموم ما يراد من متعلقة أو ان الاحاطة نسبة قائمة بين المستوعب بالكسر والمستوعب بالفتح ومن الواضح ان النسبة من المعاني الحرفية ولكن لا يخفى ما فيه اذ لا مانع من الالتزام بان مثل كلمة كل من قبيل اسماء المقادير ومن المحدودات كبغض ويكون من قبيل ربع ونصف ويكون العموم مستفادا من انتساب الحكم الى موضوعه على انه ليس مفهوم الاحاطة مدلولا للفظة كل لعدم تبادر المفهوم منها ولا مصداقها لان مصداقها من سنخ الاضافات وهي لا تصلح لان تكون من مداليل الاسماء إلا ان كل وجميع ونحوهما تدل عليها بالدلالة الالتزامية وهي لا تنافى الاسمية فكلمة كل جعلت مسندا اليه بمعناها المطابقي ولذا جعلت بعض الفاظ العموم مثل اللام حرفا كالهيئة الدالة على العموم لدلالتها بالمطابقة على مصداق الاحاطة الذي هو من المعاني الحرفية.

واما اقسام العموم فنقول قسم القول العموم على ثلاثة أقسام استغراقي ومجموعي وبدلي والاستاذ (قدس‌سره) جعل منشأ هذا التقسيم هو اختلاف كيفية تعلق الحكم (١) فقال ما حاصله ان كان كل فرد قد أخذ موضوعا للحكم

__________________

(١) والظاهر ان المراد من الاختلاف الناشئ من كيفية الحكم باعتبار موضوعية الحكم لا أن ذلك يتحقق بتعلق الحكم اذ لا يعقل ان يكون الاختلاف المتقدم بالطبع ناشئا من أمر متأخر بالطبع ولازم ذلك أن يكون الاختلاف ناشئا من أمر متقدم يكون لكل نوع من ذلك موضوعا للحكم فان الافراد لها تكثر ذاتي ووحدة اعتبارية فتارة تؤخذ الكثرة الذاتية موضوعا

٢٥٩

فاستغراقي وان أخذ الجميع موضوعا واحدا فمجموعي وان أخذ كل واحد على البدل فبدلي ولكن لا يخفى ان ما ذكره من المائز يتم بالنسبة الى الاستغراقي والمجموعى لعدم المائز بينهما بحسب الصدق لكون الصدق فيهما عرضيا فحينئذ ينحصر المائز بينهما بجهة تعلق الحكم ، واما بالنسبة الى البدلي وغيره فنمنع ذلك اذ المائز بينهما بحسب المفهوم والحقيقة فان الصدق في غير البدلي من الاستغراقي والمجموعي صدق عرضي بخلاف البدلي فان الصدق فيه بنحو التبادل لا بنحو العرض وبعبارة اخرى امتياز البدلي عن غيره إنما هو من جهة خصوصية في المدخول ففي البدلي الصدق بنحو التبادل وفى غيره الصدق بنحو العرض وبالجملة البدلى مع غيره يختلفان بحسب المفهوم بخلاف الاستغراقي والمجموعي فانهما متفقان من حيث

__________________

بنحو يكون كل واحد من تلك الافراد أخذ موضوعا للحكم فهو المراد من العموم الاستغراقي واخرى تلحظ الوحدة الاعتبارية بنحو تلغى جهة التكثر الذاتي فتؤخذ موضوعا للحكم فهو العام المجموعي فالحكم يكون واردا على أحد النحوين من الكثرة الذاتية أو الوحدة الاعتبارية وهكذا فى العام البدلي الكثرة الذاتية مع الوحدة الاعتبارية محفوظة فيه غاية الأمر اعتبرت الكثرة فيه بنحو البدل أخذت موضوعا للحكم وفي غيره أخذ الكثير اما بتمامه موضوعا للحكم أو جزء موضوع الحكم وبالجملة مفهوم العام متقوم بوحدة اعتبارية وكثرة ذاتية ولكن يختلف باعتبار أخذ أحد النحوين موضوعا للحكم فان اخذت الكثرة الذاتية بنحو الشمول والصدق العرضى على الافراد موضوعا للحكم مع الغاء الوحدة الاعتبارية فالعام استغراقى وان أخذت الوحدة الاعتبارية والغيت جهة الكثرة في موضوع الحكم فالعام مجموعي وان أخذت الكثرة الذاتية وكانت بنحو البدل موضوعا للحكم فالعام بدلي فافهم واغتنم.

٢٦٠