منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

الكلام فى بعض القضايا كالقضية الشرطية او الوصفية أو الغاية أو الحصر حيث يمكن دعوى اشتمالها على تلك الجهة الزائدة التي بثبوتها يثبت المفهوم وبانتفائها ينتفي المفهوم وحاصل ما استفيد من تلك القضايا انها ان لم تشتمل على جهة زائدة على ربط الحكم بالموضوع بان تكون القيود راجعة الى ناحية الموضوع كمثل ان ركب الامير فخذ بركابه او ان رزقت ولدا فاختنه وامثال ذلك مما كانت القيود محققة للموضوع فلا يستفاد منها المفهوم وان اشتملت على جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه كما هو الظاهر من القضية الشرطية مثل ان جاءك زيد فاكرمه حيث ان مقتضى أداة الشرط ربط الحكم بالشرط زائدا على ربطه بموضوعه أو مقتضي جريان مقدمات الحكمة ذلك فحينئذ يمكن دعوى الاطلاق بتلك الجهة الزائدة الموجبة لتولد المفهوم وبذلك يخرج عن الاجمال والاهمال وان كان هناك اجمال واهمال فى الجهة الاخرى إذ لا تنافى بين اطلاق الحكم من جهة واهماله من جهة اخرى لجريان مقدمات الحكمة في تلك الجهة الزائدة دون الجهة الاخرى

بيان ذلك انه لو اشتملت القضية الواحدة على الشرط والوصف كما فى ان جاءك زيد قائما فاكرمه وقلنا بالمفهوم في الشرط ومنعناه في الوصف كما هو الحق

__________________

انشائيا يكون سنخ الحكم من مفاد الهيئة وهي من المعانى الحرفية لا اطلاق فيها لعدم قبولها للتقييد اما لانها جزئية غير قابلة للانطباق على الكثيرين واما لانها مما يغفل عنها. ولكنك قد عرفت منا سابقا بان المعان الحرفية كلية مقصودة بالافادة إلا انها ملحوظة تبعا فهي قابلة للاطلاق والتقييد على ان المعلق هو نتيجة الجملة اى طبيعة وجوب اكرام زيد في قولك ان جاءك زيد فاكرمه وهو معنى اسمي قابل للاطلاق والتقييد على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

٢٢١

من ان الوصف كاللقب بملاحظة كونه من قيود الموضوع فيكون به تمام الموضوع للحكم فلذا لا يكون من الجهة الزائدة على ربط الحكم بالموضوع فلا يكون له مفهوم فتجري مقدمات الحكمة في الحكم بالنسبة الى الشرط الموجب لتولد المفهوم منه ولا تجرى فيه بالنسبة الى الوصف وان كان الحكم واحدا ودعوى ان الحكم المعلق في القضية لما كان واحدا لا يعقل ان يكون مهملا بالاضافة الى الوصف ومطلقا بالاضافة للشرط ممنوعة فان المعنى الواحد يمكن اطلاقه بلحاظ واهماله بلحاظ آخر كما يتصور ذلك في الكلي فان له افرادا واحوالا فيمكن ان تجري مقدمات الحكمة فى افراده فيكون له اطلاق بالنسبة اليها ولا تجري في احواله فلا يكون له اطلاق بالنسبة الى الاحوال كما يمكن ذلك بالعكس بل نادر تحصيل الاطلاق من الجهتين اذ لا يستلزم الاطلاق من جهة ، الاطلاق من سائر الجهات لعدم المنافاة بين الاطلاق من جهة والاهمال من الجهة الاخرى فان الحكم المعلق على الشرط فيه اقتضاء للاطلاق بالنسبة اليه وبالنسبة الى الوصف فلا اقتضاء فيه لذلك ومن الواضح عدم المزاحمة بين الاقتضاء واللااقتضاء فلا تنافي بينهما. هذا اذا امكن انفكاك الوصف عن الشرط كالمثال المتقدم واما اذا لم يمكن انفكاكهما فان الاهمال فى احدهما يستلزم الاهمال في الآخر ولو قلنا بان الشرط يجرد عن المفهوم ويكون فى مقام بيان وجود الموضوع فلازمه الالتزام بالاهمال فى الوصف ويرتفع المفهوم منه لرفعه من الشرط كما التزم ذلك الشيخ الانصاري (قدس‌سره) فى آية النبأ فانها مشتملة على الشرط والوصف فجعل الشرط انما جيء به لبيان وجود الموضوع فرفع المفهوم من الآية المباركة وان كان الاستاذ (قدس‌سره) قال باثبات المفهوم للشرط إلّا انه جعله ملازما لمفهوم اللقب حيث ان الشرط فيها هو موضوع الحكم فبملاحظة كونه

٢٢٢

موضوعا للحكم لا اقتضاء بالنسبة الى المفهوم فيكون مساوقا للقلب وبملاحظة كونه شرطا معلقا يكون ذا اقتضاء ومن الواضح عدم المزاحمة بين الاقتضاء واللااقتضاء فيكون للآية الشريفة مفهوم والتحقيق هو ما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) إلا ان يدعى بان امثال هذه القضايا وردت لبيان وجود الموضوع كما لا يخفى لان لهما مفهوما ويكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

ثم انك قد عرفت مما تقدم ان المفهوم تابع للمنطوق وانه من المداليل الالتزامية للمنطوق لما بينهما من اللزوم البين فيكون من اللوازم العقلية والاحكام العقلية غير المستقلة (١) ولازم ذلك ان يكون المفهوم تابعا للمنطوق بجميع ما له

__________________

(١) ولذا يعتبر فى المفهوم جميع الخصوصيات المأخوذة فى طرف المنطوق بنحو لا يفرق بينهما الا بالايجاب والسلب فان قولنا ان جاءك زيد راكبا فاكرمه مفهومه ان لم يجئك زيد راكبا فلا تكرمه ومن هنا وقع الاشكال فى ادلة الكر كما في قوله (ع) (اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء) فان مفهومه يتنجس الماء بشيء ما عند ارتفاع الكرية وذلك من جهة أخذ السلب الكلي في المنطوق ونقيضه الايجاب الجزئي فمفهوم هذه الرواية لا يدل على تنجس الماء القليل بكل واحد من النجاسات فضلا عن دلالته على تنجسه بالمتنجسات ولكن لا يخفى ان المعلق على الشرط هو الحكم المستفاد من النكرة فى سياق النفي لا عموم الحكم فحينئذ يكون الحكم انحلاليا ففي الحقيقة المنطوق عبارة عن ان الماء الذي بلغ مقدار الكر لا يتنجس بملاقات العذرة والبول والدم وغير ذلك من النجاسات والمتنجسات فعلق في الرواية عدم الانفعال باحد المذكورات على الكرية فيكون مفهومه رفع هذا الحكم بارتفاع الكرية ومعنى عدم الانفعال باحدها عبارة اخرى عن غير الكر ينفعل باحدها ولو سلم ان مفهومه يثبت الايجاب الجزئي فنقول يثبت العموم بعدم

٢٢٣

من الخصوصيات فلا معنى لتخصيصه أو تقييده بنحو لا يتصرف في منطوقه وبالجملة لا بد من التصرف فى المنطوق بالتخصيص او التقييد حيث يقصد تخصيص المفهوم او تقييده لما هو معلوم انه من توابع المنطوق كما لا يخفى.

مفهوم الشرط

الفصل الثاني في مفهوم الشرط فنقول اختلف القوم في ان للقضية الشرطية مفهوما أم لا؟ قال الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية : (فلا بد للقائل بالدلالة من اقامة الدليل على الدلالة باحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة واما القائل بعدم الدلالة ففي فسخه فان له منع دلالتها على اللزوم بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق أو منع دلالتها على الترتب أو على نحو الترتب على العلة أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية لكن منع دلالتها على اللزوم).

وحاصله ان المثبت للقضية الشرطية بان لها مفهوما يستدل باحد امرين الأول ان ادوات الشرط موضوعة لان يكون مدخولها علة منحصرة لثبوت الجزاء المعلق على ثبوته. الثاني جريان مقدمات الحكمة لاحراز كون الشرط اخذ بنحو

__________________

القول بالفصل اذ لم يذهب أحد الى الفصل بين النجاسات وعليه لا يشمل المتنجسات إذ ذلك يشمل ما فرض نجسا واما تنجيس المتنجس فيستفاد من دليل آخر ولا يستفاد من هذا الدليل وقد استوفينا البحث فى تقرير الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

٢٢٤

العلة المنحصرة المترتبة عليه والمنكر فله جهات للانكار اما ينكر اللزوم كالقضية الاتفاقية أو ينكر الترتب أو ينكر العلية مع تسليم اللزوم مع الترتب بان يلتزم بالترتب وينكر العلية كالترتب بالطبع أو يسلم العلية ولكن ينكر الانحصار ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان ظاهر القضية الشرطية بل كل قضية دخل كل عنوان فى شخص الحكم بنحو العلة فلذا لا معنى لجعل البحث في مفهوم الشرط يرجع الى كون الشرط بنحو العلة المنحصرة وعدمه الى عدمه بل مرجعه الى تعليق سنخ الحكم او شخصه فنقول ان طبع القضية من حيث اقتضاء أداة الشرط ربط الحكم بشرطه زائدا على ربط الحكم بموضوعه فاذا اشتملت القضية على تلك الزيادة فحينئذ مقدمات الحكمة تقضي اطلاق الحكم الملازم لتجريده من هذه الجهة فلذا يمكن ان يدعى جريان اصالة الاطلاق وبجريانها يقتضي التجريد من هذه الجهة وان كان بالاضافة الى طرف الموضوع يبقى على حاله من حيث ان طبيعة الاهمال في طرف المحمول بالاضافة الى موضوعه.

وعليه تكون مقدمات الحكمة تثبت المفهوم ان كان المعلق سنخ الحكم وان كان شخص الحكم فلا موقع لجريانها حيث انك قد عرفت ان عنوان الموضوع مع جميع ما له من القيود يكون بالنسبة اليه من العلة المنحصرة فمع انتفائه ينتفي شخص الحكم عقلا بلا حاجة الى جريان مقدمات الحكمة فلذا قلنا ان مرجع النزاع فى الحقيقة فى اثبات المفهوم وعدمه الى ان المعلق شخص الحكم او سنخه فان كان الأول يلزم القول بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وان كان الثاني فالقول ثبوت المفهوم لها والتحقيق هو الثاني.

بيان ذلك ان المعلق في القضية الشرطية هو طبيعي الحكم من غير فرق

٢٢٥

بين أن يكون المنشأ بمادة الوجوب او التحريم او التحريم أو بهيئتهما كصيغة أفعل اما ما كان بالمادة كمثل ان جاءك زيد فيجب عليك اكرامه فلا اشكال في ان المادة موضوعة بالوضع العام والموضوع له عام واما ما كان منشأ بهيئتهما فعلى المختار في وضع الحروف من الوضع العام والموضوع له عام فيكون المنشأ هو طبيعي الحكم فعليه ان احرز اطلاق الحكم بمقدمات الحكمة ثبت ان كل حكم يثبت بثبوت موضوعه ولازمه ان ينتفي بانتفائه فيكون مفاده ان طبيعي الحكم يثبت بثبوت الموضوع وينتفي بانتفائه وليس المفهوم إلا ذلك وهذا المفهوم إنما حصل بمقدمات الحكمة المثبتة للاطلاق من الجهة الزائدة على ربط الحكم بموضوعه وهو الشرط ولا ينافي عدم جريانها بالنسبة الى نفس ربط الحكم بموضوعه فيلتزم بالاهمال من جهة الموضوع والاطلاق بالجهة الزائدة اذ الاخذ بالاطلاق من جهة لا ينافى الاهمال من جهة اخرى لعدم منع الاهمال من جهة التمسك بالاطلاق من سائر الجهات وبهذه العناية ربما نقول بمفهوم الغاية والحصر واما الوصف حيث ان الوصف من شئون الموضوع لذا يصير منشأ للتشكيك في جريان اصالة الاطلاق وان كان الظاهر عدم جريانها لما عرفت من ان مقتضى طبع القضية اهمال الحكم بالنسبة الى موضوعه بجميع شئونه وقيوده والوصف من شئون الموضوع وقيوده فلم يكن في القضية الوصفية ما تكون جهة زائدة على ربط الحكم بموضوعه.

وبالجملة ان المفهوم يستفاد من جريان مقدمات الحكمة لاثبات اطلاق الحكم بالنسبة الى الجهة الزائدة من الشرط وغيره ولا ينافي اهماله بالنسبة الى موضوعه

ان قلت هذا يتم فيما اذا كان الحكم بمادة الوجوب كما لو قال ان جاءك زيد يجب اكرامه بخلاف ما اذا كان بهيئة كما لو قال ان جاءك زيد اكرمه حيث ان

٢٢٦

مفادها معنى حرفى وهو جزء غير قابل للاطلاق. فكيف يثبته مقدمات الحكمة لانا نقول هذا يتم بناء على مختار الشيخ الانصاري (قدس‌سره) من كون معان الحروف جزئية والجزئي لا اطلاق فيه ، واما بناء على المختار من ان وضع الحروف بالوضع العام والموضوع له عالم فلا مانع من جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق ودعوى ان المعنى الحرفي ملحوظ آليا لكونه مما يغفل عنها والاطلاق والتقييد يحتاج الى الاستقلال فى اللحاظ.

قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية اولا هذا فيما لو تمت هناك مقدمات الحكمة ولا يكاد يتم فيما هو مفاد معنى حرفي كما هاهنا وإلّا لما كان معنى حرفيا كما يظهر وجهه بالتأمل ممنوعة فانك قد عرفت منا سابقا بان معان الحروف من خصوصيات المعنى الاسمي وانها معاني مقصودة بالافادة ومع كونها كذلك كيف تكون مما يغفل عنها ولاجل ذلك صححنا ارجاع القيود الى الهيئة مع كونها معنى حرفيا فاذا صح ذلك فلا مانع من جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق فيها كما لا يخفى ثم انه استدل غير واحد على المفهوم باطلاق الشرط بتقريب ان اطلاقه يقتضي ان يكون هو تمام المؤثر وكونه علة تامة اذ لو لم يكن كذلك لقيد فلما لم يقيد يعلم انه تمام المؤثر.

اقول ذكر الشرط من دون تقييد لا يدل على كونه علة تامة لانه يمكن ان يكون المؤثر امرين متضادين بنحو يؤثر أحدهما فلو سبق احدهما لا يبقى مجال لتأثير الآخر وحينئذ لا يدل على انحصار العلة إلا ان يدعى بان هذا الاطلاق بالنسبة الى المعلول والجزاء يثبت المطلوب بتقريب ان ظاهر استناد المعلول والجزاء الى الشرط بنحو الاطلاق يدل على انه لا يستند الى شىء آخر فحينئذ يدل على

٢٢٧

الانتفاء عند الانتفاء وقد يقرب اطلاق الشرط بان اطلاق الشرط يقتضي التعيين كما ان اطلاق الامر يقتضي التعيين للوجوب.

اقول لا يخفى ان قياسه على الوجوب التعييني لا من جهة الاختلاف في انحاء الترتب حتى يتوجه ايراد الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية بما حاصله ان التعيين والتعدد في الشرط من نحو واحد بخلاف التعدد والوحدة فى الوجوب فليسا من نحو واحد. بل من جهة انه لو كان المعلول والجزاء له علة اخرى فلا بد ان يكون فى حال انعدامه لا يكون مستندا الى عدم العلة المذكورة في القضية مطلقا بل يكون مستندا انعدامه الى تلك العلة ولكن عند عدم الآخر فهو نظير ما عرفت فى الواجب التخييري ومن الواضح ان ظاهر القضية الشرطية كون انعدام المعلول مستندا الى انعدام العلة المذكورة مطلقا ولو عند وجود الآخر وهذا لا يتم إلا ان يكون المذكور مؤثرا بتمام جهاته وحدوده وعلى مسلك الاستاذ (قدس‌سره) من ان محل النزاع في المفهوم يرجع الى كون المذكور في القضية الشرطية العلية بنحو الانحصار واما بناء على ما اخترناه من كون الاطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة يثبت كون سنخ الحكم المعلق على الشرط بنحو يوجب ربطه بالجهة الزائدة زائدا على ربط الحكم بالموضوع فلا مجال لكون المذكور فى القضية بنحو العلة المنحصرة ام بنحو اللزوم إذ ذلك ليس محلا للكلام فى كون القضية بالنسبة الى عقد الوضع كان بنحو الانحصار وانما النزاع فى عقد الحمل فان لاحظت الحكم بالنسبة الى الجهة الزائدة مهملا كما انه بالنسبة الى موضوعه فلا مفهوم في البين وان جرت مقدمات الحكمة وتحقق الاطلاق بالنسبة الى تلك الجهة الزائدة يثبت المفهوم ولا ينافى ثبوت الاهمال من جهة الموضوع.

٢٢٨

ومما ذكرنا من كون النزاع فى عقد الحمل يظهر ان مثل الوصايا والاقارير التي توجب انتفاء الحكم عند انتفاء الموضوع ليس ذلك من المفهوم واما على مسلك الاستاد من ان النزاع في عقد الوضع يشكل ذلك في مثل تلك الامثلة.

بيان ذلك هو انه لما استظهرنا كون الموضوع في القضية اخذ على سبيل العلة المنحصرة فبانتفاء الموضوع أو قيد من قيوده ينتفي عقلا كما في الوصايا والأقارير والنذور ونحوها مثلا لو قال يجب اعطاء زيد القارئ للقرآن فبانتفاء القراءة ينتفي الاعطاء بحكم العقل ولا يحتاج الى اثبات المفهوم لما عرفت ان الموضوع يؤخذ بنحو العلية المنحصرة كما هو ظاهر عقد الوضع واما على مسلك الاستاذ حيث جعل النزاع فى عقد الحمل فلا يكون انتفاء الموضوع في مثل هذه الصور عقليا لان الموضوع لم يؤخذ على نحو العلة المنحصرة اذ من المحتمل انتفائها مع بقاء الحكم فلا يكون الانتفاء عقليا.

ان قلت غرض الاستاذ (قدس‌سره) انه لا اشكال في الانشاء المخصوص قيامه بالموضوع قيام العرض بالمعروض والانشاء الشخصي ينتفى مع انتفاء موضوعه ولو لم يكن الموضوع بنحو العلة المنحصرة.

قلت نعم الانشاء كذلك ولكن ليس الكلام فيه بل الكلام فى المنشأ بهذا الانشاء ففى المثال المذكور يصح فيما لو كان زيد ان يعطى في غير حال القراءة وحينئذ لو انتفت القراءة من زيد لا ينتفي الاعطاء عقلا. نعم لا يعطي لعدم الدليل عليه عند عدم القراءة.

وكيف كان فما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) من الوصايا والتقارير والنذور انما هي تصير مؤيدة لما قلنا من ان محل النزاع فى عقد الحمل وليس في عقد الوضع

٢٢٩

نزاع اصلا إذ ظاهر كل قضية تدل على كون الموضوع بما له من القيود له دخل في الحكم دخل العلية بنحو الانحصار كما في تلك القضايا المذكورة وهذا اجنبي على الكلام في المفهوم فانه راجع الى عقد الحمل كما لا يخفى.

تنبيهات مفهوم الشرط

ينبغي التنبيه على امور :

الاول ان المناط فى أخذ المفهوم من تعليق سنخ الحكم على الشرط هو ان يكون له فردان فرد مذكور فى القضية وفرد غير مذكور وكان المقصود من تعليق سنخ الحكم دفع توهم وجود الحكم لفرد آخر اولا يلزم من أخذ المفهوم تحقق فردين للحكم بل ولو كان بنحو انحصار الكلي في الفرد وحينئذ يكفى فى ارادة السنخية من الحكم الذي هو مناط اخذ المفهوم وبعبارة اخرى ان المدار على التجريد في مورد امكان ان يكون له فرد آخر او يكفي امكان التجريد عن الشرط وان لم يكن فرد آخر الظاهر كفاية امكان مجرد التجريد في الاخذ بالمفهوم إذ يمكن تعليق سنخ الحكم على الموضوع ولو كان بنحو انحصار الكلي بالفرد إذ لا مانع من كون اللحاظ كليا من دون ملاحظة الافراد وتظهر الثمرة في مثل قولك إن كان زيد موجودا فاكرمه فما كان الشرط محققا للموضوع فعلى الصورة الاولى لا مجال لاخذ المفهوم اذ ليس لزيد فردان فرد مذكور في القضية وفرد لم يكن مذكورا فيها وعلى الصورة الثانية يمكن تحقق المفهوم بان لوحظ مجردا عن الشرط

٢٣٠

إلا انه يكون كمفهوم اللقب وحينئذ يكون المفهوم من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع لا المحمول ومن هذا القبيل آية النبأ فعلى الصورة الاولى لا مفهوم لها وعلى الثانية يكون لها مفهوم ولكن بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ويكون كمفهوم اللقب على ما فصلنا سابقا ثم لا يخفى ان من التزم بمفهوم الغاية في مثل كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام لا بد وان يلتزم بالمفهوم فى آية النبأ ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلا وجه لتفرقه الاستاذ (قدس‌سره) بينهما فلا تغفل.

التنبيه الثاني ذكر الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية (اشكال ودفع) اما الاشكال فحاصلة كيف يكون المناط في المفهوم سنخ الحكم مع ان الشرط في القضية انما وقع شرطا للمنشإ المتشخص بالانشاء الخاص وحاصل الدفع ان الخصوصية ليست داخلة في الموضوع له ولا في المستعمل فيه وانما هي من شئون الاستعمال كما ان خصوصية الاخبار والحكاية في الجمل الاخبارية ناشئة من الاستعمال وليست داخلة في الموضوع له.

اقول لا يخفى انه يمكن التفرقة بين الاخبار والانشاء وذلك ان الاخبار لما كانت فيها جهة حكاية عن الواقع الثابت فيمكن ان يكون للمحكي سنخية واطلاقه بحيث يشمل المحكي بالحكاية الاخرى فان تعدد الطريقة لا يوجب اختلافا في المحكي وهو بخلاف الانشاء فان المنشأ بهذا الانشاء لا يشمل المنشأ بانشاء آخر فان المنشأ بهذا الانشاء تضييقه بنحو لا يكون له سعة يشمل ما انشاء بانشاء آخر فلا تتحققه السنخية ان قلت هذا لو لم ينشأ تمام الحكم اما لو انشأ تمامه فلا يعقل ان يرد به انشاء آخر إلا ويحمل على التأكيد ومع عدم حمله عليه يبد ناقضا له فعليه مع تحقق انشاء تمام الملكية لا يعقل انشاء آخر مقابل لذلك الانشاء إلا

٢٣١

وان يحمل على التناقض ولا نعنى السنخ إلا ذلك لانا نقول لا اشكال فى امكان انشاء الملكية بسنخها أو بشخصها ثانيا يعد انشائه اولا لوقوعه ثانيا بعد انشائه اولا والوقوع يكشف عن مرحلة الامكان والوقوع مع الامكان يكشفان عن قاعدة التناسب بين العلة والمعلول بحسب الضيق والسعة فالتحقيق في حل الاشكال ان الانشائيات على قسمين قسم لا يكون من سنخ الاخبار اصلا كانشاء الوضعيات مثل الملكية والزوجية ونحوهما فانه ليست لها واقعية قبل الانشاء وانما يكون لها واقعية بسبب الانشاء فهذا القسم من الانشاء من الامور الاعتبارية التي لا يكشف عن شيء لا يكون له اطلاق بحيث يشمل ما لو انشأ بانشاء آخر فلو جاء انشاء آخر يكون معارضا له وقسم يكون فيه جهة حكاية مثل مطلق الاحكام التكليفية فانه وان كان طلبا انشائيا إلا انه فيه جهة حكاية عن الارادة الجدية وحينئذ تارة تحكي عن سنخ الارادة واخرى عن شخصها فعلى الاول تقع المعارضة لو انشأ ثانيا بخلافه على الثاني ومعنى سنخ الارادة هو انطباق سنخها على الارادة القائمة بالنفس ومنحصرة بها انحصار الكلي بفرده وليس المراد ان الارادة القائمة بالنفس تسمى بالسنخ في قبال الشخص لكي يتوجه الاعتراض بان الارادة القائمة بالنفس ليست إلا شخصية كما لا يخفى.

التنبيه الثالث ما اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء مثل اذا خفي عليك الاذان فقصر واذا خفي عليك الجدران فقصر فلا بد من التصرف باحدهما او في كليهما اما بتخصيص مفهوم كل واحد منهما بمنطوق الآخر او رفع اليد عن مفهومهما واما بارجاعهما الى الشرط واحد اما بتخصيص كل واحد بمنطوق الآخر واما بالالتزام بالقدر المشترك يكون هو الشرط هكذا قيل في هذه المسألة لا ان الظاهر انه

٢٣٢

لا حاجة الى هذه التصرفات الأربعة بل لا بد من الالتزام اما بان الشرط كلاهما أو الشرط هو القدر الجامع بينهما اذ تقييد مفهوم كل واحد بمنطوق الآخر لا يثبت المطلوب إلا بارجاعه الى كون الشرط هو القدر الجامع ولكن التحقيق ان هذه المسألة خارجة عن القول بالمفهوم فانها اجنبية عن ذلك إذ ظاهر التعليق هو شخص الحكم لا سنخه الذي هو المناط في أخذ المفهوم فحاله حال الوصايا والتقارير الذي قد أخذ المحمول فيهما هو الشخص وظاهر أخذ الموضوع بما له من القيود ليكون بنحو العلة المنحصرة فيكون انتفاء الحكم عند انتفاء المقدم فى المقام كالموضوع في الوصايا والاقارير من الحكم العقلي فمع وجود دليل آخر يكون معارضا لهذا الدليل فيجب اعمال المعارضة فمع التساوي يسقط كلا الدليلين عن الحجية ليتعين حكم كل منها ويكون المرجع حينئذ هو الأصل وهو يختلف بالنسبة الى الحكم الفرعي فقاصد السفر يتم حتى يخفى عليه الاذان والجدران معا لاستصحاب وجوب التمام والمسافر يقصر حتى يرى الجدران ويسمع الاذان لا استصحاب وجوب القصر وظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) من جعل هذه المسألة من متعلقات القول بالمفهوم لما عرفت انها اجنبية عن المفهوم ولا يخفى ان هذا التنبيه ينبغي ان يعنون بما اذا لم يكن الجزاء قابلا للتكرار لكي يكون التنبيه الآتي بعده معنويا بما يكون قابلا للتكرار ومما ذكرنا ظهر رفع الاشكال على ما ذكره الاستاذ من عدم الفرق بين الأمر الثاني والثالث فى الكفاية مع اتحاد العنوان فان الأمر الثاني فيما اذا لم يكن قابلا للتكرار والثالث فيما كان قابلا للتكرار فافهم.

التنبيه الرابع ما اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء وكان قابلا للتكرار

٢٣٣

لا يخفى ان جميع ما ذكر فى الفرض السابق يجرى في هذا التنبيه ويزيد عليه فى المقام التصرف فى الجزاء وعلى كلا التقديرين لا بد من التصرف فى ظاهر القضية الشرطية اما من جهة الشرط بان تلغى خصوصية الشرطية وجعل الشرط هو القدر الجامع ويكون ذلك على خلاف ظهور القضية فان ظاهرها رعاية الخصوصية واما من جهة الجزاء بان تلغى الخصوصية فى الجزاء يراد مطلق الطلب بنحو الاهمال الذي هو خلاف ظاهر القضية وفرق بين الخصوصية من الطلب وبين مطلق الطلب فان الاول لا يعقل ارادته لاستحالة توارد طلبين نحو شخص بخلاف الثاني فانه لا ينافي توارد طلبين على امر كلي لا يقال انه لا يمكن التصرف فى ناحية الجزاء إذ لا يعقل ارادة مطلق الطلب على سبيل الاهمال لان الطلب من الكيفيات النفسانية والكيفيات النفسانية لها تقرر في الخارج والاشياء ما لم تتشخص لم توجد في الخارج لانا نقول لنا اعتباران فى الطلب المنشأ بالصيغة فباعتبار كونه من الكيفيات النفسية يكون محلى بالخصوصية وباعتبار انشائه يختلف فمرة ينشأ غير ملحوظ مع الخصوصية واخرى ينشأ معها وبالجملة الاهمال أو الخصوصية معتبرة فى الطلب المنشأ بالصيغة لا بما له تقرر خارجي فاذا لم يعتبر فى عالم الانشاء فلا بد من التداخل بالاكتفاء باتيان فعل واحد إلا ان يحصل سبب آخر يوجب تكرر الجزاء كما لو افطر ثم كفر ثم ظاهر وجب عليه كفارة اخرى لانتفاء التأكد والى ذلك يرجع التفصيل بين تخلل الشرطين بالامتثال وعدمه.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المهم في المقام تنقيح ان المتأثر من ناحية الشرط هل هو الطلب الذي هو الجزاء أو متعلقه فنقول ان سنخ الملازمة بين المقدم والتأني في القضايا التشريعية سنخ الملازمات التكوينية ولكن هناك فرق هو انه

٢٣٤

في الاول ادعائي وفى الثاني حقيقي فكما ان بين طلوع الشمس ووجود النهار ملازمة تكوينية كذلك في قول المولى ان جاءك زيد فاكرمه فان المولى لما رأى مصلحة في اكرام زيد حين مجيئه ادعى الملازمة بين المجيء وبين الاكرام ونزل المجيء منزلة العلة التامة فاذا كانت القضايا التشريعية كالقضايا التكوينية ادعاء فحينئذ يشتركان في ان الملازمة التي تذكر فى القضية اللفظية إنما هي تابعة الملازمة الملحوظة بحسب الخارج فيكون الأصل بالملازمة هو الخارج والانشاء اللفظي تابع له ويتفرع عليه ولا اشكال ان الخارج يعتبر فيه الملازمة بين الشرط ومتعلق الحكم لا بينه وبين الحكم فاذا كانت الملازمة بينه وبين متعلق الحكم فان كان المتعلق متحد العنوان والشرط متعدد فيكون تعدده بتعدد الوجود فلا يخرج عن الامتثال إلا بالتكرار وان كان يتعدد العنوان فيجزي اتيان شيء واحد تنطبق فيه العناوين فلا مانع من الاتيان بمجمع تنطبق عليه تلك العناوين كما هو كذلك فى مجمع الصلاتية والغصبية بناء على الجواز وحيث انتهى بنا الكلام الى هذا المقام فلذا ينبغي لنا التعرض على نحو التفصيل الى مسألة التداخل وينبغي لنا التكلم فيها من جهتين الجهة الاولى في تداخل الاسباب فنقول :

اختلف الاصحاب فى تداخل الأسباب بين قائل بعدم التداخل مطلقا وقائل بالتداخل مطلقا وقائل بالتفصيل بين متحد السنخ دون مختلفه فقال بالتداخل بالأول دون الثاني وقائل بالتفصيل بين ما أتي بالجزاء بعد الشرط الاول فقال بعدم التداخل أي بلزوم اتيانه بعد الشرط لو وجد ثانيا وبين ما اذا لم يأت بالجزاء حتى تكرر منه الشرط فقال بالتداخل فيكفي الاتيان بجزاء واحد والتحقيق هو عدم التداخل مطلقا وذلك يقتضي تعدد الشرط فان ظاهر كل شرط ان يكون هو

٢٣٥

المؤثر مستقلا ولازم ذلك تعدد الجزاء مع قرض كون الحكم سنخ الوجود قابلا للتكرار ولا يعارض هذا الظهور إلا ظهور الجزاء فى الوحدة بدعوى انه ظاهر فى صرف الوجود وذلك ينطبق على اول وجود الطبيعة لعدم ظهور الجزاء في الوحدة إذ الواحد انما يجزي لكونه مما يتحقق به المأمور به فحينئذ يصلح تعدد الشرط بيانا لتعدد الجزاء وبالجملة الجزاء بالنسبة الى الوحدة لا اقتضاء والشرط فيه جهة اقتضاء للمؤثرية فيقدم ما فيه الاقتضاء على ما لا اقتضاء فيه من غير فرق بين تكرر الشرط قبل الجزاء وعدمه بان يتخلل امتثال بين الشرطين فدعوى التفصيل بين تكرر الشرط فيلتزم بالتداخل وبين تخلل الامتثال بينهما فيلتزم بعدم التداخل كما هو المنسوب الى العلامة (قدس‌سره) بتقريب ان ظهور الشرط فى الاستقلال فى المؤثرية لا ينافي الاكتفاء بوجود واحد حيث ان تعدد الشرط موجب لحدوث مصالح فيه حسب تعدده وذلك لا يوجب إلا تعدد الطلب حسب تعدد المصالح وهو لا يوجب إلا ان يكون اجتماعها موجبا لتأكيد بعضها بعضا وهو معنى التداخل نعم لو تخلل بين الشرطين امتثال باتيان الجزاء يلزم ان يؤثر فى وجوب آخر فلا يكون حينئذ من التداخل في غير محلها فان ظاهر القضية الشرطية كون الشرط فيها مقتضيا لوجود الموضوع للوجوب ومع تحقق الموضوع له يكون الوجوب من تبعات الموضوع وحينئذ فوجود كل شرط موجب لتحقق الوجوب تشريعا ولازم ذلك ان يكون كل شرط ظاهر فى المؤثرية مستقلا وذلك يقتضي وجودا مستقلا للجزاء ومع كون الجزاء واحدا يخرج كل واحد من الشرطين عن المؤثرية مستقلا بل تكون المؤثرية مستندة الى الجمع وحتى فيما لو قلنا بالتأكد فيما لو تعدد الشرط باعتبار اجتماع اوامر متعددة على جزاء واحد يوجب أن يكون بعضها مؤكدا للآخر فان الجزاء لم يستند الى كل واحد من الشرطين وانما يستند الى المجموع

٢٣٦

إذ الوجوبان المستقلان يقتضيان وجودين مستقلين وهو معنى عدم التداخل.

ثم لا يخفى ان ما ذكرنا هو الموجب لاختيار عدم التداخل لا ما ذكره بعضهم من ان الشرط يدل على تعدد الجزاء بالوضع ومقدمات الحكمة تدل على وحدة الجزاء ولا اشكال في تقدم الدلالة الوضعية على الدلالة بسبب مقدمات الحكمة اذ لا مجال لجريانها مع تحقق الدلالة الوصفية لان تعدد الشرط الموجب لتعدد الجزاء انما هو بمقدمات الحكمة على انه لو اقتضى تعدد الشرط تعدد الجزاء فهو يوجب تعدد الطلب المستفاد من الجزاء مع عدم الالتزام بتعدد المتعلق إذ من الممكن تعدد الطلب مع وحدة متعلقة هذا كله فيما اذا تعدد الشرط وكان الجزاء قابلا للتكرار واما اذ لم يكن قابلا للتكرار وكان المعلق في القضية شخص الجزاء فلا محيص من رفع اليد عن ظهور الشرط فى المؤثرية بنحو الاستقلال فمع التقارن يستند الجزاء الى المجموع خصوصا اذا اقتضى كل واحد منهما بالخصوص وجود الجزاء إذ لا يمكن ان يستند الى كل واحد منهما بالخصوص للزوم الترجيح بلا مرجح فلا بد ان يستند اليهما معا نعم مع تقدم أحدهما وتأخر الآخر يكون التأثير للمتقدم ويلغى تأثير المتأخر لاستناد الاثر لاول الوجودين قهرا كما لا يخفى.

الجهة الثانية في تداخل المسببات (١) بمعنى انه يكفي الاتيان بمسبب واحد

__________________

(١) لا يخفى ان القاعدة فى المسببات هو عدم التداخل اذ تعدد الشرط يوجب ذلك بل مقتضى الاصل فى مقام الشك فى التداخل وعدمه هو عدم التداخل بتقريب ان الشك فى ذلك يرجع الى الشك فى الخروج عن عهدة تكاليف متعددة بالاتيان بالفعل الواحد وحينئذ يكون من الشك في السقوط وهو مجرى الاشتغال وهو معنى عدم التداخل ومن هذه الجهة يفترق عن الشك في تداخل

٢٣٧

في مقام امتثال ما تقتضيه الاسباب المتعددة والظاهر انه بعد معرفة عدم التداخل

__________________

الاسباب فانه يكون من الشك في الثبوت اذ مرجعه الى الشك فى اشتغال الذمة بازيد من واحد فينفى بالبراءة وهو معنى التداخل لا يقال انه لا يمكن الأخذ بتعدد الشرط المقتضي لعدم التداخل في المسببات إذ ذلك يعارض باطلاق المادة فى ناحية الجزاء المقتضى لعدم تكرار العمل لان تكراره يوجب رفع اليد عن مقتضى اطلاق المادة لانا نقول ان اطلاق المادة مقتض لما ذكر لو خلي ونفسه إلا ان اطلاق الشرط فى كل من القضيتين المقتضى لتكرار ايجاد الطبيعة يكون حاكما على اطلاق المادة إذ يعد بيانا فلا معارضه على ان القائل بالتداخل فى المسبب مع اعترافه بالتداخل في ناحية السبب لا بد له من الالتزام بمقدمتين أحدهما أن يكون طبيعة الوضوء الواجبة بالشرط الأول مغايرة للطبيعة الواجبة بالشرط الثانى ولو من جهة إضافته الى السبب والثانية الى الثاني لا ان يكون ذلك بنفسه موجبا للتعدد بل من جهة كشفه عن التعدد الواقعي ولو باعتبار ان تعدد السبب يكشف عن تعدد المسبب ثانيهما ان يقال ان التغاير بين الطبيعتين ليس على نحو التباين بحيث لا يمكن اجتماعهما بل هو من قبيل تعدد العناوين المختلفة القابلة للاتحاد بينها في المصداق الخارجي كالهاشمي والعالم ومع تمامية المتقدمتين للمكلف ان يمتثل الأمرين المتوجهين له بالاتيان بفرد واحد يكون مجمعا للعنوانين مصداقا لكل من الطبيعتين وهو مراد القائل بالتداخل ولكن لا يخفى ان مجرد ذلك لا يكون سببا لتأسيس قاعدة كلية وهي اصالة التداخل فى المسببات لكى تحمل الأخبار الواردة مما ظاهرها التداخل كمثل ما ورد من كفاية غسل واحد لمن عليه اغسال متعددة إذ الاكتفاء بالغسل الواحد كما يحتمل ان يكون من قبيل تداخل المسببات يحتمل ان يكون الاتيان بغسل الجنابة مثلا يكون رافعا لموضوع الباقي أو ان الشارع اكتفى بغسل الجنابة واسقط الباقي على انه لو قلنا يتداخل المسببات لا بد من

٢٣٨

فى الاسباب يظهر عدم التداخل فى المسببات اذ قد عرفت ان ظاهر تعدد الشرط كون كل شرط أخذ علة مستقلة واليه يستند التأثير وذلك يقتضي تعدد الجزاء

__________________

اعتبار القصد فيما يكون امتثالا للجميع مع انه ربما يقال بالاكتفاء مع عدم القصد الى الجميع.

وبالجملة انه بعد البناء على عدم تداخل الاسباب وكون كل سبب مؤثرا فى ناحية الجزاء فيكون فى مثل اذا بلت فتوضأ واذا نمت فتوضأ وجوبات متعددة متعلقة بطبيعة الوضوء حيث ان الطبيعة الواحدة على وحدتها لا يعقل ان تكون مجمعا لحكمين متعددين وعليه لا بد من رفع اليد عن اطلاق المادة في ناحية الجزاء وحينئذ فيكون الواجب بالشرط الاول غير ما وجب بالشرط المتحقق ثانيا فيكون الواجب بالاول فردا من الواجب وبالثاني فردا آخر وحينئذ يظهر لك انه يستحيل الالتزام بتداخل المسببات اذ مرجع ذلك الى صحة ان يكون الواحد اثنين وذلك بعد ان صار الواجب علينا فردين من الوضوء فكيف يمكن القول بان وضؤ واحدا يكفي عن الاثنين وقد عرفت ان القائل بذلك لا بد له من الالتزام بتلك المقدمتين والالتزام بهما حسبما عرفت لا ينفع بنحو يوجب تأسيس قاعدة كلية وهي اصالة التداخل بالنسبة الى المسببات ولا يقاس المقام بما كان من قبيل اكرم عالما واكرم هاشميا مما كان المطلوب صرف الوجود وكان الاطلاق بدليا إذ الاتيان بالمجمع وان اوجب سقوط الوجوبين لاجل ان العقل لا يرى تفاوتا بين الاتيان بالمجمع فيسقط الخطابان أو الاتيان بكل فرد من العالم فقط والهاشمي فقط إلا انه لا يلزم من اجتماع الوجوبين فى الوجود الواحد تأكد أحدهما للآخر نعم لو كان الخطابان شموليين أو أحدهما بدليا أو شموليا لزم من القول بالتداخل اما للتأكد أو لاجتماع المثلين.

وبالجملة الاتيان بالمجمع فيما اذا كان أحدا لخطابين بدليا من غير فرق بين

٢٣٩

من غير فرق بين ما اذا كان بين موضوعي الخطابين عموم وخصوص من وجه كمثل اكرم العالم واكرم الهاشمي أو كان بينهما مباينة كمثل المرأة يجب عليها الغسل من الحيض ومن الجنابة بناء على ان الغسل بنظر الشارع يختلف بحسب الماهية والحقيقة باعتبار ترتب الآثار.

ودعوى انه اذا كان بين موضوعي الخطاب عموم من وجه كالمثال المذكور فالتداخل على وفق القاعدة من غير حاجة الى اقامة دليل عليه بالخصوص بتقريب ان اكرام العالم الهاشمي قد انطبق عليه العنوانان اي عنوان اكرام الهاشمي واكرام العالم وذلك يوجب تعدد الاضافات الموجب لتعدد الامتثال بالنسبة الى التكاليف المتعددة ممنوعة إذ ذلك مناف لظهور القضية الشرطية فان ظاهر كل شرط يقتضي وجوبا مستقلا وهو يوجب امتثاله بوجود مستقل فاتيان الوجود الواحد المجمع للعنوانين يوجب تأكيد بعضها بعضا وذلك خلاف ظاهر تعدد الشرط على ان تعدد الاضافات لا يوجب تعدد الوجود الواحد وبالجملة

__________________

كون الخطاب الآخر بدليا أو شموليا ليس من التداخل كما انه ليس من التداخل ما لم يكن السبب قابلا للتعدد كمثل اذا افطرت فى شهر رمضان فعليك الكفارة فان ناحية الافطار لا تعدد فيها واما مثل الخيار الذي هو غير قابل للتعدد بالنسبة الى عقد واحد من شخص واحد ولكن بالنسبة الى اسباب متعددة كالمجلس وكون المبيع حيوانا والغبن وغير ذلك من اسباب الخيار يمكن تقييده باحد هذه الاسباب فلو قال صاحب الخيار اسقطت خياري من الغبن او المجلس فلا يسقط خياره إلا من حيث اضافته الى ذلك السبب واما من سائر الجهات فيبقى بحاله وحينئذ مثل ذلك يدخل تحت محل النزاع ويلحق بما اذا كان المسبب قابلا للتعدد على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

٢٤٠