منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

التستر والاستقبال فى الصلاة فالنهي المتعلق بهما كالنهي المتعلق بالعبادة فجميع

__________________

كيف يتقرب بقصد الامر بما لم يعلم فيه امر ودعوى ان النهي المستكشف من حكم العقل نهي ارشادي وهو لا يوجب الفساد اذ الموجب له ما كان مولويا ممنوعة إذ ليس كلما رجع الى حكم العقل يكون الأمر أو النهى ارشاديا وانما هو فيما اذا كان منجعلا بالتكوين كوجوب الاطاعة وحجية العلم لا كل ما حكم به العقل وإلا كل الواجبات تكون اوامرها ارشادية لان ما بالعرض ينتهي الى ما بالذات واللازم باطل لا يقال ان النهي المولوي يدل على الفساد حيث انه مع الامر فى مرتبة واحدة لذا يوجب تقييد الامر فتخرج العبادة بالنهي عن دائرة الامر فيوجب تقييد الامر فالعبادة حينئذ بلا أمر تقع فاسدة بخلاف النهي التشريعي فانه لا يوجب تقييد الأمر اذ ليس فى مرتبته وانما هو فى مرتبة متأخرة عن مرتبة الامر فلا ينافى حرمة العبادة مع صحتها لانا نقول النهي التشريعي مع الامر في مرتبتين ولا يوجب تقييد الامر ولذا يكون الفعل حسنا مع تحققه إلا انه بسببه يوجب القبح الفاعلي لاشتماله على جهة التشريع المبغوض ، وقد عرفت ان حسن الفعل فقط غير كاف فى التقرب بل يحتاج فيه الى حسن فاعلي وهو مفقود في المقام.

ان قلت ان التشريع انما هو في نفس النية وذلك لا يسري الى الفعل فهو باق على حسنه واقعا قلت التشريع ليس عبارة عن الخطرات القلبية والتصورات النفسية وانما هو عبارة عن اظهار ما يشرع به اذ لا طريق لنا الى حكم العقل بقبح تلك الخطرات والتصورات بل لا بد وان يرجع الى عالم الاظهار اما بالافتاء أو بايجاد العمل فاذا كان الفعل هو المشرع به فالحرمة متعلقة به لا بالنية والعزم نعم النية تكون سببا الى تحقق التشريع لا ان نفس النية هي التشريع لما عرفت انه يرجع الى عالم الاظهار على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره).

٢٠١

تلك المحتملات من كون النهي لدفع توهم المشروعية او لدفع توهم الايجاب او للارشاد الى مانعية المنهي عنه عن صحة العبادة او كون النهي مولويا محضا غاية الامر ان الشرط يفترق عن الجزء فى ان النهي المتعلق بالشرط ولو كان يكشف عن مفسدة نفسية لا يقتضي الفساد لانه مع كونه كاشفا عن مفسدة لا ينافى وجود مصلحة نفسية في المشروط لان الشرط بالنسبة الى المشروط من مقدماته لا نفسه بخلاف الجزء من الشيء فانه لو كان يكشف عن مفسدة نفسية يوجب فساده وحينئذ يوجب فساد الكل لانتفاء الكل بانتفاء الجزء هذا كله في مقام الثبوت واما الكلام في مقام الاثبات فنقول ان النهي اذا لم يكن في مقام دفع توهم الايجاب وغيره من تلك المقامات فالنهي ظاهر في كونه مولويا ويحتاج الى كونه للارشاد الى قرينة فاذا كان كذلك دل على تحقق المفسدة فان اوجب تخصيص العمومات به وتقيد الاطلاقات به فحينئذ دل النهي على الفساد واما اذا لم يوجب ذلك فيكون فى متعلق النهي مصلحة فيلزم اجتماع المصلحة والمفسدة فيقع التعارض بينها فيتساقطان مع عدم اقوائية احدهما ويرجع الى اصالة الفساد وعليه لا يدل النهي على الفساد وإنما اقتضى اصالة الفساد ذلك واما اذا كان في مقام يوهم أحد هذه الامور من الوجوب والمشروعية الفعلية او الاقتضائية فلا يكون النهى حينئذ ظاهرا في المولوية لوروده في ذلك المقام الموجب لرفع ظهوره في ذلك ويكون من قبيل القرينة العامة الموجبة لعدم الحمل عليه فان كانت قرينة معينة لاحد تلك المقامات فيؤخذ بها وإلا فلا وكيف كان فالنهى لما لم يحمل على المولوية لا يدل على الفساد في جميع تلك المقامات من غير فرق بين تعلق النهي

٢٠٢

بالعبادة (١) أو بجزئها.

__________________

(١) وبعض السادة الاجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف قال بان النهي في العبادة يقتضي الفساد سواء كان تحريميا أو تنزيهيا. نعم لو ثبتت الصحة فى العبادة المنهى عنها تنزيها كما في العبادات المكروهة فلا بد من تأويل لاقتضاء النهي عن شيء ولو تنزيها مبغوضيته وذلك ينافي صحته من غير فرق بين كون النهي فى العبادة ارشاديا أو مولويا اما الاول فلانه يكون ارشادا الى عدم كونها مطلوبة وخروجها عن دائرة الامر فتكون فاسدة لعدم الامر بها فان صحة العبادة تتوقف على الامر واما الثاني فلانه يكون دالا على منقصة فيها وهو مناف لطلبها من غير فرق بين كون النهي تحريميا أو تنزيهيا فالتحريمي المتعلق بالعبادة يتصور على وجهين الاول ان تكون حرمتها ذاتية كصوم يوم العيد فانه بنفسه محرم ومبغوض للمولى فلا اشكال في اقتضائه للفساد سواء كانت الحرمة فعلية أو كانت غير فعلية لكونه خارجا عن المأمور به وهو كاف فى الفساد. الثانى ان تكون حرمتها غير ذاتية بل لاجل ابتلائها بالمحرم كالصلاة فى المكان المغصوب.

ان قلنا ان حرمتها ليست بنفسها بل لاجل اشتمالها على الغصب وفي هذا القسم لا تكون العبادة فاسدة إلا اذا كانت الحرمة فعلية فانه حينئذ يمتنع صحتها والامر بها لكونها مشتملة على الحرام فعلا اما اذا كانت الحرمة غير فعلية فلا مانع من الامر بها والظاهر ان المراد من النهي فى العبادة هو الوجه الاول فيخرج المنهى عنه عن المأمور به ولذا يفسد ولو لم تكن حرمته فعلية.

اقول : هذا يتم بناء على صحة العبادة بالامر واما بناء على ان صحتها بالملاك فلا يتم ما ذكره فالذي يقتضيه الفساد هو ان النهي يكشف عن مبغوضية واقعية وبارتفاع النهي لا ترتفع المبغوضية الناشئة من المفسدة الذاتية ولذا تبطل العبادة فى مورد عدم تنجز النهي كما لا يخفى.

٢٠٣

بيان ذلك انه بالنسبة الى ما لو كان النهي فى مقام توهم المشروعية فانه يدل على عدم تشريعه والعموم يدل على كونه مشروعا فيقع التعارض بينهما فيتساقطان فيرجع الى اصالة عدم التشريع وهي دالة على الفساد من دون اقتضاء النهي لذلك واما بالنسبة الى دفع توهم الايجاب فواضح فى ان النهي لا يدل على الفساد واما بالنسبة الى كونه للارشاد فالنهي حينئذ وان اقتضى مانعية ما تعلق به إلا انه لا يقتضي فساده اذ مع تحقق الاطلاق او العموم يقتضى صحته وان أوجب فساد العبادة المقترنة به وادعى بعض الاعاظم ان النهي المتعلق بالجزء يرجع الى كونه مانعا ولازمه تقييد العبادة بعدمه وذلك يوجب البطلان فمع الاتيان به يكون من الزيادة المبطلة للعبادة ولكن لا يخفى ان هذا يتم لو كان النهي دالا على المانعية واما اذا كان في مقام دفع توهم المشروعية او الحرمة المولوية فلا يستفاد منه تقييد العبادة لكي يكون اشتمالها عليه من الزيادة المبطلة.

بيان ذلك ان النهي فى ذلك لا يوجب فساد متعلقة بل يكون الفساد مستندا الى اصالة عدم التشريع نعم ربما يقال بان فساد ذلك يوجب فساد العبادة المشتملة عليه لكونه زيادة فيها أو يكون موجبا لنقصانها باعتبار انه يشترط عدمها إلا انه لا يكون من جهة دلالة النهي على الفساد وانما هو لدليل آخر يقتضى بطلان العبادة المقترنة به والانصاف انه تحتاج تلك المحتملات الى قرينة تعين واحدا منها واما مع عدم قريبة تعين احدها فالنواهي تكون ظاهرة في المانعية (١)

__________________

(١) لا يخفى ان النهي تارة يتعلق بالعبادة لذاتها واخرى يتعلق بها لاجل جزئها او الوصف المتحد معها أو مع جزئها وثالثة يتعلق بنفس الجزء أو الوصف المتحد مع الجزء او المتحد مع العبادة الظاهر ان النهي المتعلق بالجميع يدل على

٢٠٤

كما يستفاد من الاوامر الواردة في اجزاء العبادة وشرائطها دخلها فيها واما دلالة

__________________

لفساد إلّا ان الملاك يختلف فما تعلق بالعبادة مطلقا ولو كان لاجل جزئها او وصفها بنحو يكون من الجهات التعليلية ملاكه ان النهى يكشف عن منقصة وحزازة في المتعلق بنحو يوجب تخصيص العمومات أو تقييد الاطلاقات ولذا تقول ببطلان العبادة ولو كانت فى ظرف عدم التنجز لكونها مبغوضة واقعا واما تعلقه بالجزء أو الوصف المتحد معه أو مع العبادة فملاك الفساد فيها هو استفادة المانعية من تعلق النهي بها ولذا ينبغي التعرض للمانعية.

فنقول قسموا المانعية على ثلاثة اقسام تارة يستفاد من النهي الغيرى كقوله لا تصل في غير المأكول واخرى يستفاد من النهي النفسي كقوله لا تلبس الحرير وثالثة يستفاد من التزاحم أما المانعية المستفادة من النهي الغيري فهي تتبع واقع النهي ولا يناط بتنجزه واما صحته فى صورة النسيان والجهل والاضطرار فهو لدليل ثانوي يدل على صحته وإلّا فمقتضى الدليل الاولي كون المانعية تقتضي الفساد.

واما القسم الثالث فالمانعية تناط بتنجز النهي ووصوله الى المكلف وبذلك يفرق بين القسم الأول والثالث ويوجد فرق آخر بين القسمين يرجع الى نفس الأصل الجاري في الشك في المانعية فان الشك من التزاحم ليس له موضوعية في مقام العذرية وانما جريان الاصل في الشك في المانعية من جهة التزاحم يوجب ترتب الحكم وحينئذ يكون حكما واقعيا ثانويا وبعبارة اخرى الشك ليس له موضوعية اذ يمكن ان تترتب عليه العذرية كما يمكن ان يتنجز نفس التكليف فبضميمة الأصل يترتب الحكم فيكون الاصل الجارى في الشك بالمانعية من جهة التزاحم له جهة موضوعية بخلاف الشك في المانعية من جهة النهي الغيرى فان جريان الاصل فى صورة الشك انما هو طريق لان المانعية تابعة لواقع النهي فاذا كان كذلك

٢٠٥

النهي على فساد متعلقة فليس له دلالة إلا ان يدعي بان فى امثال هذه النواهي التي

__________________

فيكون بعد انكشاف الخلاف يرجع الى الخلاف في مسألة الاجزاء واما المانعية المستفادة من النهي النفسي فهي برزخ بين القسمين فمن جهة كون المانعية تناط بواقع النهى لا بتنجزه فكالقسم الاول ومن جهة انه ليس للشك حكم بل بجريان الأصل يكون له حكم فكالقسم الثالث ولذا حكموا بصحة الصلاة فى لباس الحرير في مورد النسيان والاضطرار وفي مورد الشك.

اما الاول فلان خطاب النهي اخص من الامر فيقيد اطلاق الامر سواء كان اطلاقه بدليا ام شموليا فاذا قيد تكون المانعية تابعة للنهي وجودا وعدما ومن الواضح ان الناسي والمضطر لا يعقل ان يتوجه اليهما الخطاب فنرتفع المانعية فيبقى الأمر بحاله واما في صورة الشك فلان الشك فى المانعية مسبب عن الشك في الحرمة ومع جريان اصالة الحل في مشكوك الحرمة لا يبقى موضوع للشك فى المانعية ولكن لا يخفى ما فيه ففي مورد النسيان والاضطرار لا يلزم من انتفاء النهي انتفاء المانعية اذ هما معلولان للمفسدة ولا يلزم من انتفاء احد المتلازمين انتفاء الآخر اللهم إلا ان يقال بان الدليل اللفظى الدال على الصحة في مورد النسيان والاضطرار كما رفع الخطاب يرفع الملاك ايضا فمع رفعه للملاك لا تبقى المانعية وذلك الدليل هو حديث الرفع (رفع عن امتي الخطأ والنسيان ... الخ) إلا ان ذلك وان كان ممكنا إلّا ان اثبات ذلك بدليل الرفع محل نظر بل منع واما مورد الشك فنقول الاحكام تارة تكون مترتبة على نفس العنوان الواقعي كمثل لا تصل في جلد الارانب واخرى تكون مترتبة على نفس الاحراز الذي هو حكم ثانوي وان كان واقعيا إلا أنه ثانوي ولو سلمنا الترتب بين المانعية والنهى إلا ان اصالة الحل ترفع المانعية الظاهرية بمعنى انه مرخص فى الفعل وليس ممنوعا عنه ولكن لا ترفع المانعية الواقعية المنوطة بواقع النهى وبالجملة جريان الاصل فى ظرف السبب

٢٠٦

هي في مقام توهم المشروعية ظهور ثانوي يقتضي عدم المشروعية فيكون النهي بلفظه دالا عليه فيدل على الفساد ولكن اثبات هذه الدعوى محل نظر بل منع بل ربما يقال يعدم استفادة المانعية بالنسبة الى النهي المتعلق بالجزء والشرط اذ النهي عنهما لا يستكشف منه المانعية وانما يدل على توهم الجزئية أو الشرطية بلا استفادة مانعية ومخلية كل منهما. نعم يمكن استفادة ذلك من دليل آخر كما دل على كون الزيادة في الصلاة مبطلة ومانعة من صحتها.

واما الوصف المفارق كالغصبية بالنسبة الى الصلاة فهو من باب اجتماع الامر والنهي وهكذا يكون من باب الاجتماع بالنسبة الى الوصف الملازم كالجهر بناء على انه من الكيفيات القائمة بالغير فهو يكون كسائر الاعراض واما بناء على انه من مراتب الموصوف فيمكن دعوى ظهور النهي في الارشاد الى المانعية كما يجري ذلك فى الوصف المفارق إلا اذا كان متعلقا بعنوان آخر مفارق مع العبادة تارة ومجتمعا معها اخرى فانه حينئذ يمنع ظهور النهي في الارشاد الى المانعية اذ على هذا التقدير يمكن دعوى ظهوره فى المولوية وعليه لا يقتضي الفساد واقعا وانما يقتضي الفساد من جهة قصور فى التقرب في صورة الاجتماع مع المأمور به هذا كله في العبادات.

المقام الثانى فى المعاملات

لا يخفى ان التكلم في المعاملة يقع في موضعين :

الاول : المعاملة بالمعنى الاعم فان جميع المحتملات المتقدمة المذكورة فى

__________________

لا يرفع الشك فى المانعية بل يرفع المانعية الظاهرية وقد استوفينا الكلام فى تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره).

٢٠٧

العبادات تجرى فى المعاملات إلا احتمال كون النهي فى مقام دفع توهم الايجاب فان هذا الاحتمال لا يتأتى في المعاملة اذ لا يتوهم أحد وجوبه بالعنوان الاولى ولا يقتضي النهي الفساد فى بقية المحتملات إلا فيما اذا كان في مقام دفع توهم المشروعية فانه ينافي المؤثرية وهو الذي ينبغي ان يقع الكلام فيه فنقول :

النهي ان دل على دفع توهم المشروعية فانه يقتضي الفساد بدعوى ان للنهي ظهورا ثانويا فى الارشاد الى دفع توهم المشروعية وان منعنا هذا الظهور فحينئذ يترجح عدم دلالة النهى على الفساد لكون النهى حينئذ ظاهرا فى المولوية النفسية وقد عرفت ان ذلك لا يوجب الفساد. وبالجملة ان اخذنا بالظهور الاولى وهو كونه مولويا منعنا دلالة النهي على الفساد وان منعنا عن ذلك بدعوى انعقاد ظهور ثانوي في الارشاد الى دفع توهم المشروعية فيلزم القول بدلالة النهى على الفساد لكن اثبات ذلك محل نظر كما لا يخفى.

الموضع الثاني في المعاملة بالمعنى الاخص لا يخفى ان النهى في المعاملة يكون على انحاء فتارة يراد منها المعاملة المعبر عنها بالسبب كالعقد المشتمل على الايجاب والقبول واخرى يراد منها المسبب وهو الاثر المترتب على العقد كالملكية وبعبر عنه بمضمون العقد وثالثة يراد منها التسبب بان يكون النهى واردا على جعل السبب الخاص وصلة الى تحصيل المسبب كان ينهى عن جعل البيع وصلة الى حصول الملكية مع عدم كون البيع منهيا عنه وعدم كون التمليك منهيا عنه فيكون النهى في الحقيقة راجعا الى التسبب بالبيع فكأنه يقول لا تتوصل بالبيع وتوصل اليها بالهبة مثلا ورابعة بنتيجة المعاملة بان يتعلق النهي بنفس الآثار كالنهي عن التصرف فى احد العوضين ومثل هذه الاقسام تجزي في الايقاعات ايضا اما تعلق النهي

٢٠٨

بنفس السبب من عقد أو ايقاع كان يقول لا تبع وقت النداء فالنهي المتعلق به لا يقتضي الفساد اذا كان النهي مولويا سواء كان نفسيا أو غيريا اذ لا تستلزم مبغوضية السبب فساده لعدم المنافاة بين كون البيع محرما وبين ترتب اثره الذى هو الملكية وذلك لعدم اعتبار التقرب في المعاملة ولذا يشكل ذلك في بعض المعاملات التي اعتبر فيها التقرب كالصدقة مثلا إذ لازم التقرب رجحانه ومع تحقق المفسدة ينافي ذلك فما عن ابي حنيفة من دعوى دلالة النهي على الصحة انما يتم فى غير العبادي واما بالنسبة الى ما كان عبادة ففيه اشكال بل منع على ان ذلك لا يتم لو كان النهي فى مقام دفع توهم المشروعية بان يكون في مقام ردع العقلاء فى بنائهم على ترتب الاثر بل ربما يدعى ظهور النهي فى ذلك ظهورا ثانويا وعليه لا مانع من دعوى كون النهي المتعلق بالسبب دالا على الفساد باعتبار هذا الظهور الثانوي اللهم إلا ان يقال بان ذلك ليس من مقتضى طبع النهي وانما دل عليه بهذا الظهور الثانوي باعتبار اقترانه بما يصرف النهي عن الظهور الاولى فيكون من قبيل ما اقترن بما يصلح للقرينة ولو كانت تلك القرينة مقامية.

وبالجملة ان النهي عن السبب ان كان ظاهرا في المولوية فلا يدل على الفساد إلا اذا كان في مقام دفع توهم المشروعية فحينئذ يكون النهي فى مقام الرادعية واذا كان في ذلك المقام يكون النهي دالا على الفساد بظهور ثانوي وكونه في هذا المقام يحتاج الى احراز انه في مقام ردع العقلاء فى بنائهم على ترتيب الاثر ومع الشك في ذلك فلا مانع من جريان اصالة عدم الردع وذلك يقضي بالصحة لانه يستكشف منه عدم الردع فيكون المقام من قبيل التمسك بالاطلاق المقامي على امضاء

٢٠٩

عمل العقلاء من ترتيب الاثر.

والحاصل ان النهي اما ان يكون مولويا فلا دلالة له على الفساد لعدم اخذ قصد التقرب في المعاملة واما ان يكون ارشادا الى الرادعية فيكون فى مقام دفع توهم المشروعية فيدل على الفساد هذا لو احرز ان النهي من احد القبيلين واما مع عدم الاحراز فالشك في ذلك يرجع الى الشك في الرادعية واصالة عدم الرادعية تقضي بالصحة.

واما النهي المتعلق بالمسبب فاذا كان مولويا ربما يقال بانه يقتضى الفساد بدعوى انه يقتضى سلب سلطنة الشخص عن ايجاد الامر ويعجزه شرعا عن ايجاده ولا نعني بالدلالة على الفساد إلا ذلك ولذا افتى الأصحاب ببطلان اجارة الواجبات المجانية ولكن لا يخفى ان النهي المتعلق بالمسبب لا يقتضي إلا كون المسبب مبغوضا للشارع واما انه يسلب سلطنته عن ايجاد الاثر فلا دلالة للنهي عليه شرعا واما فتوى الاصحاب ببطلان اجارة الواجبات المجانية فللدليل الدال على البطلان ولذا قيل بدلالته في هذه الصورة على الصحة بتقريب ان النهى المولوى لو اقتضى عدم ترتب الاثر يوجب ان يكون متعلقه غير مقدور وذلك يوجب انتفاؤه لاعتبار القدرة في المتعلق والانصاف ان ذلك يتم فيما اذا كانت المعاملة مجعولة شرعا حكما وموضوعا واما اذا كانت من المجعولات العرفية فنهي الشارع عن ترتب الاثر على تلك المعاملة يدل على كون الاثر مبغوضا لدى الشارع فنهيه يدل على عدم ترتبه كما هو كذلك بالنسبة الى المعاملة الربوية فمعنى نهى الشارع عنها عدم ترتب الاثر كالملكية المترتبة على تلك المعاملة ولا نعنى بفسادها

٢١٠

إلا عدم ترتب الأثر عند الشارع مع الالتزام بدلالة النهي على ترتب الاثر عند أهل العرف الذي هو الصحة عندهم لان ذلك يجعل المنهى عنه شرعا مقدورا الذي هو شرط فى صحة تعلق النهي هذا اذا احرز كون النهي مولويا. واما مع عدم الاحراز لذلك فيمكن دعوى ظهور ثانوي للنهي بدلالته على الفساد لكونه في مقام الردع وارشادا الى عدم الامضاء ولا نعني بالفساد إلا ذلك على انه لو انكرنا الظهور الثانوي وكان النهي محتملا للمولوية او الارشاد الى المانعية ومع تكافؤ الاحتمالين يكون النهي مجملا فمع عدم عموم او اطلاق يدل على الامضاء فالمرجع هو اصالة الفساد ، واما مع وجود العموم او الاطلاق فلا مانع من التمسك لصحة المعاملة بذلك العموم او الاطلاق لان اجمال النهى لا يسري الى العموم او الاطلاق لكون ذلك منفصلا فيكون من قبيل ما اذا كان المخصص المجمل منفصلا فان اجماله لا يسري الى العموم.

ومما ذكرنا ظهر حال النهي عن التسبب بالعقد ففي الحقيقة يرجع ذلك الى النهي عن التسبب الى الملكية بالمعاملة الخاصة الظاهر انه لا يقتضي الفساد بل قد يقال بان مقتضى ذلك الصحة حيث ان البيع مثلا اذا لم يكن سببا للملكية فلا يمكن التوصل به اليها فلا يصح النهي عن التسبب به لعدم كونه مقدورا هذا اذا كان النهي مولويا كما هو ظاهر ذلك من النهي وهو انما يتحقق فيما اذا لم يكن في مقام الردع لبناء العقلاء بهذا التسبب واما اذا كان في ذلك المقام فيرتفع ظهور النهي في المولوية ويكون ظاهرا فى الرادعية وعليه يكون النهي دالا على الفساد اللهم إلّا ان يقال ان مجرد كونه لدفع الرادعية لا يوجب الظهور في الرادعية اذ

٢١١

الاقتران بما يصلح للقرينة يوجب الاجمال وحينئذ يرجع الى اصالة عدم الرادعية ولكن ذلك محل نظر بل منع إذ مع تحقق العموم أو الاطلاق فى مورد المعاملة يرجع الى ذلك وإلّا فالمرجع اصالة الفساد.

واما النهي المتعلق بنتيجة المعاملة بان يتعلق النهي بنفس الآثار كقولهم ثمن العذرة سحت او ثمن الكلب سحت او لا تتصرف بالثمن الظاهر ان ذلك يدل على الفساد فيكون الثمن باقيا على ملك صاحبه ولم ينقل بسبب هذه المعاملة الى البائع ولذا يأكل البائع ذلك الثمن سحتا من غير فرق بين كون النهى مولويا او ارشادا الى المانعية نعم لو كان المنع عن التصرف لاجل عنوان ثانوي من نذر وغيره فاته لا يقتضي الفساد قطعا هذا كله في النهي المتعلق بنفس المعاملة واما تعلقه بالجزء او الشرط فلا يبعد دعوى كون النهي عنهما دالا على الفساد إذ الظاهر ان النهي عنهما في مقام المانعية كما يستفاد ذلك بالنسبة الى النهي المتعلق بالوصف المفارق او الملازم اذ لا معنى للنهى عنهما مولويا وإنما النهى وارد مورد الارشاد الى المانعية هذا لو احرز كون النهى في مقام دفع توهم المشروعية كما هو ظاهر النواهي المتعلقة بها واما لو احتمل كونها في مقام دفع توهم المشروعية فحينئذ يشك فى كونها وردت فى مقام الرادعية المقتضية للمانعية فالمرجع الى اصالة الفساد. وبالجملة النهي المتعلق بها على عكس النواهي المتعلقة بالاجزاء والشرائط في العبادات.

بيان ذلك ان الظاهر من النهي في العبادات على ما عرفت من المولوية فلذا لا دلالة للنهي فيها على الفساد ومع الشك فى كون النهي للمولوية واحتملنا انه ارشاد

٢١٢

الى المانعية فلا يرجع الى اصالة الفساد لجريان البراءة العقلية والنقلية في نفي المانعية بخلاف المعاملة فانه مع الشك في كون النهي للمولوية يرجع الى اصالة الفساد لعدم جريان البراءة فيها اما البراءة العقلية فلا تجرى لعدم احتمال العقاب فيها واما الشرعية فهي وان كانت شاملة لها إلا انها وارده في مقام الامتنان وذلك يمنع من شمولها اذ لو شملت يجب الوفاء بالمعاملة وذلك خلاف الامتنان هذا آخر ما اردنا بيانه من المقصد الثاني في النواهي والحمد لله رب العالمين.

٢١٣

(المقصد الثالث فى المفاهيم)

وفيه فصول :

الفصل الأول في المفهوم والمنطوق :

فنقول عرف المفهوم بما دل عليه اللفظ لا في محل النطق والمنطوق بما دل عليه اللفظ في محل النطق ولا يخفى ان تعريف المنطوق بذلك يوجب حصره في الدلالة المطابقية والتضمنية لانهما المدلولان للفظ فى محل النطق وتعريف المفهوم بذلك يوجب شموله لمطلق المداليل الالتزامية سواء أكانت من البين بالمعنى الاخص او الأعم أو غير البين من غير فرق بين المداليل الافرادية او التركيبية اذ دلالة المطابقة والتضمن والالتزام كما تكون فى الافرادية تكون فى التركيبية وان اختلفت التسمية ففي الافرادية تسمى الدلالة بالمطابقة والتضمن والالتزام وفي التركيبية تسمى بالمفهوم والمنطوق وعليه تكون جميع مداليل الالفاظ تندرج تحت ما ذكر من تعريف المفهوم والمنطوق حتى مثل دلالة الآيتين على اقل الحمل كما ادعى صاحب الفصول (قده) ان ذلك مندرج تحت منطوق لآيتين وحينئذ لا يخرج شيء من تلك المداليل عنهما نعم مثل الاشارة والايماء ليستا من مداليل الالفاظ فلا يشملهما التعريف لخروجهما من المقسم الذى هو مداليل الالفاظ ولكن لا يخفى ما فيه فان المستفاد من الكلمات حصر المفهوم بقسم خاص من الدلالة الالتزامية وهو ان يكون اللزوم من البين بالمعنى الاخص الذي هو عبارة

٢١٤

عن ان تصور الملزوم كاف فى تصور اللازم فلذا يدل اللفظ عليه بنفسه من دون ضم مقدمة عقلية بخلاف البين بالمعنى الأعم فانه لا يكفي فيه تصور الملزوم بل يحتاج مع ذلك الى مقدمة عقلية فى استفادة اللزوم فلذا لا يعد ذلك من المداليل اللفظية بل من باب الملازمات فضلا عن غير البين كما انه يستفاد من الكلمات حصر المفهوم بالجمل التركيبية فلا تشمل الافرادية كدلالة حاتم على الجود أو الشمس على الضوء فالمفهوم والمنطوق عندهم عبارة عن دلالة قضية لفظية على قضية غير لفظية من غير فرق بين كون القضية غير اللفظية موافقة بالايجاب والسلب للمنطوق فيقال لها مفهوم الموافقة كما تستفاد حرمة الضرب أو الايذاء من قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) او مخالفة لها بذلك فيقال لها مفهوم المخالفة كما تستفاد حرمة اكرام زيد عند عدم مجيئه من قوله ان جاءك زيد فاكرمه ولقد اجاد الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية في تعريف المفهوم بحكم غير مذكور حيث جعله من الجمل التركيبية لا من الافرادية ولم يخصه بالحكم المخالف لكي يختص بمفهوم المخالفة.

ودعوى ان مفهوم الموافقة هو ان الحكم مذكور فى المنطوق فيكون من المنطوق لا من المفهوم في غير محلها اذ الحكم فيها غير مذكور فيه وانما المذكور في المفهوم مثل المنطوق اذا الضرب والايذاء ليسا داخلين تحت التأفيف الذي هو المنطوق نعم يرد عليه انه ينبغي ان يقيد الحكم غير المذكور في التعريف بما بين الحكمين لزوم بين بالمعنى الاخص هذا وان امكن الاعتذار عنه بان هذه التعاريف من قبيل شرح اللفظ وانه تعريف بالاعم ومع هذا فهو من اجود التعاريف خصوصا لو اريد من الحكم سنخ الحكم كما صرح به (قدس‌سره) في الامر الأول بما لفظه (ان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخصه)

٢١٥

وعليه فالعمدة فى تحقق المفهوم هو تعليق سنخ الحكم لا شخصه وذلك يتوقف على معرفة سنخ الحكم وشخصه فنقول الحكم الشخصي يتحقق بنحوين من التشخص نحو يحصل من الانشاء وهو الذي اخرجه من العدم الى الوجود ونحو يتشخص بالعوارض والمقارنات لكونه متعلقا بفعل خاص وموضوع خاص كقولنا اكرم زيدا فان تشخصه حصل بالمقارنات من العوارض والموضوع الخاص وهذا التشخص فى طول التشخص الأول اذ الحكم يتشخص اولا وبالذات بوجوده الانشائي ثم يتشخص بالموضوع وبالمقارنات ثانيا وبالعرض وهذا هو الذي يطلق عليه الحكم الذي هو مورد الاطاعة والعصيان واما سنخ الحكم فهو يحصل بامور ثلاثة الأول ان يراد منه الطبيعة المهملة ، الثانية يراد منه صرف وجود الطبيعة ، الثالث الطبيعة السارية وبعد معرفة ذلك فلا اشكال في ان تشخص الحكم بالنحو الأول غير مراد من الحكم اذ هو ينعدم بانعدام الانشاء وانما المراد هو النحو الثاني من التشخص اذ الانشاء يوجد شخصا خاصا من الحكم متشخصا بمقارناته وبموضوعه حتى لو كان موقتا بوقت فيكون له الداخل فى تشخصه بل كل قيوده يكون لها الدخل في التشخص فكل عنوان اخذ موضوعا للحكم مع ما له من القيود والحالات يكون لها دخل في نفس الحكم بنحو يكون جميع ما ذكر فى ناحية الموضوع تمام الموضوع لذلك الحكم فيكون ظاهر القضية بالنسبة الى الاحكام المترتبة على موضوعاتها يدل على ان جميع ما أخذ في الموضوع يكون له الدخل فى الحكم بنحو تكون باجمعها تمام الموضوع وتكون للحكم بمنزلة العلة المنحصرة مثلا لو قال اكرم الهاشمي يستفاد ان عنوان الهاشمي له الدخل في وجوب الاكرام فلو قيده بيوم الجمعة فيكون تمام الموضوع عنوان الهاشمى في يوم الجمعة كما انه لو

٢١٦

قيد ذلك ببلد مخصوص يكون تمام الموضوع الهاشمي يوم الجمعة فى البلد الخاص فلذا نرى الأصحاب في المطلق والمقيد يحملون المطلق على المقيد مثلا لو قال اعتق رقبة ثم ورد دليل آخر اعتق رقبة مؤمنة لما يرون بين الدليلين تعارضا وذلك يكشف عن أخذ الموضوع فى كل من القضية تمام الموضوع اذ لو أخذ على نحو لا يكون تمام الموضوع فى المطلق لا يكون بينهما تعارض فلا يوجب حمل المطلق على المقيد وكيف كان فلا يبقى الاشكال فى ان ظاهر القضية أخذ الموضوع على نحو التمامية من غير فرق بين القضية الشرطية أو الوصفية بل حتى القضية المشتملة على اللقب اذ كل قضية ظاهرة في كون تمام الموضوع هو ما أخذ فيه على نحو العلة المنحصرة بالنسبة الى الحكم المترتب عليه مما لا ريب فيه ولا شبهه تعتريه.

فدعوى استفادة المفهوم من ظهور القضية فى العلة المنحصرة فى غير محلها اذ هذا المعنى ثابت حتى في اللقب بل فى جميع القضايا فعليه ليس نظر الاصحاب الى الالتزام بالمفهوم راجعا الى ما ذكرنا من ظهور القضية في العلة المنحصرة والمنكر يدعى عدم ظهورها فى ذلك اذ قد عرفت ان الجميع يلتزمون بذلك الظهور وانما نظرهم الى غير ذلك وهو ان من يدعى المفهوم فى بعض القضايا يدعى بان المعلق في القضايا هو سنخ الحكم ومن ينكر المفهوم ان المعلق شخص الحكم فمرجع النزاع في المفهوم وعدمه الى ذلك بعد الفراغ عما ذكرنا من ظهور القضايا باجمعها على أخذ العناوين في جانب الموضوع بالنسبة الى الحكم بنحو العلة المنحصرة وعليه فمركز البحث بين المنكر والمثبت في الخطاب المعلق على العنوان هل هو سنخ الحكم أو شخصه ، بيان ذلك ان اثبات الحكم لموضوعه سواء كان بنحو التعليق اولا مثلا ان جاءك زيد فاكرمه ان كان المراد من الحكم هو صرف

٢١٧

وجود الاكرام فذلك اما بسبب لفظه ان او بمقدمات الحكمة فلا محالة يدل على انه بانتفاء المجيء ينتفى صرف وجود الطبيعة للوجوب لكون المجيء علة منحصرة لذلك وان كان المراد منه الطبيعة المهملة فهي في قوة الجزئية حيث انها قابلة للانطباق على شخص الحكم ولو بقرينة من خارج فلذا لا يستفاد المفهوم من القضية المشتملة على ذلك واما ارادة الطبيعة السارية من الحكم بنحو يكون المعلق فى القضية جميع افراد تلك الطبيعة فهو امر غير معقول كما انه لا يعقل ارادة التشخص بخصوص ما يوجد بإنشائه اذ هو ينعدم بانعدام الانشاء كما انه لا دخل لوجود المنشئ في تشخص حكمه اذ يلزم ان ينعدم بانعدام المنشئ مع أنه يتحقق الحكم الشخصي مع انعدام المنشئ وانما المراد من الحكم الشخصي هو ما يكون تشخيصه بموضوعه مع ما له من القيود بنحو تكون باجمعها تمام الموضوع ويكون ذلك دخيلا فى قوامه وتحققه وبانعدام ينعدم الحكم لفرض ان الموضوع بتمامه بنحو العلة المنحصرة له ولذا لا يعقل يقاؤه وإلا لزم بقاء المعلول من دون علته فلذا كان انتفاء الحكم مع زوال الموضوع من البديهات غير القابلة للانكار فعليه لا مجال لتقرير الانكار من منع العلة تارة أو الانحصار اخرى أو السنخ ثالثة بل لا بد وان يرجع النزاع في المفهوم الى ان التعليق هو السنخ أو الشخص وان شئت توضح ذلك فاعلم ان القضية تنحل الى عقدين عقد الواضع وعقل الحمل مثلا اعتق رقبة مؤمنة فالرقبة المؤمنة عقد الوضع يتصور فيه ثلاث احتمالات.

الاول ان لا يكون للايمان دخل في الموضوعية بل انما اتى به لكونه اكمل الافراد.

الثاني كون الرقبة المؤمنة تمام الموضوع لترتب الحكم.

٢١٨

الثالث ان لا يكون فى مقام البيان لاحتمال وجود قيد آخر لم يذكر ككونها بخفية مثلا وحينئذ بمقتضى الصورة الاولى والثانية انه لو جاء دليل آخر بلسان الموضوع المطلق لا يقع بين الدليلين تعارض اذ لا معارضة بينهما ولكن المعروف عند القوم تحقق المعارضة بين الدليلين وذلك يكشف ان الموضوع اخذ على نحو يكون تمام الموضوع كما هو مقتضى الصورة الثانية وذلك مقتضى ظاهر أخذ الموضوع في القضايا فلذا تجد المعارضة بين الدليلين وعليه كلما ذكر في عقد الوضع من نفس الموضوع وقيوده المأخوذة فيه يكون ظاهرا فى العلية المنحصرة لثبوت المحمول له فلذا ينبغي صرف الكلام عنه وجعل البحث مختصا بعقد الحمل فان عقد الحمل في المثال هو نفس الأمر بالعتق فيتصور فيه الطبية المهملة أو الطبيعة بمعنى صرف الوجود واما الطبيعة السارية فبمعنى جميع افراده فغير معقول نعم بالنسبة الى المراتب المتصورة فلا مانع من ارادتها فالذي يدعى المفهوم يثبت كون المراد هو الطبيعة بمعنى صرف الوجود لكي ينتفي صرف الوجود عند انتفاء ما علق عليه واثبات ذلك اما من لفظة (ان) او بمقدمات الحكمة والمنكر له يدعى ان المراد شخص الحكم او سنخه بمعنى الطبيعة المهملة كما هو طبع القضية فان المراد من المحمول حسب طبعه الاولى هو ارادة الطبيعة المهملة منه وذلك لا يقتضي بنفسه نفي الحكم في غير مورده فلا يكون له مفهوم فمن يدعى المفهوم يحتاج الى عناية زائدة في القضايا من كونها فى مقام تعليق المحمول باطلاقه على الموضوع فتلك الجهة الزائدة تحتاج الى دال آخر يدل عليها زيادة على ما يقتضيه طبع القضية كادوات الشرط او الغاية أو الوصف أو الحصر وإلا فالجميع ليس لها دلالة تزيد على طبع القضية فلا مفهوم لها ويكون حالها كالالقاب فانه لا يتوهم أحد فى دلالتها على المفهوم إلا

٢١٩

اذا قامت قرينة شخصية تدل على خصوصية زائدة عما يقتضيه طبع القضية من كونه في مقام التحديد ينبغي لنا التكلم في تحقق تلك الجهة الزائدة (١) ولذا وقع

__________________

(١) لا يخفى ان المنشأ فى الجملة الخبرية والانشائية انما هي طبيعة الحكم لا شخصه اذ الخصوصية الموجبة للتشخص انما تحصل بعد حصول المنشأ فلا يعقل اخذها فيه نعم ارادته بالخصوص يحتاج الى قرينة خاصة تدل عليه وإلّا القضية بطبعها تقتضي الحكم وحينئذ ان كان ما علق عليه من العلة المنحصرة بطبيعة الحكم يثبت المفهوم لانعدامها بانعدام تلك العلة المنحصرة ومعنى انعدامها انعدامها بانعدام تمام افراد الطبيعة وان لم يكن ما علق عليه من العلة المنحصرة لا يمكن اثبات المفهوم كما انه لا يمكن الالتزام بالمفهوم لو كان المنشأ شخص الحكم حتى لو كان المقدم بنحو العلة المنحصرة اذ انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه عقلي فالقول بالمفهوم يحتاج الى امرين كون المنشأ سنخ الحكم اي طبيعة الحكم وان المقدم من العلة المنحصرة واثبات ذلك يمكن ان يكون بوضع الاداة ويمكن اثباته بالاطلاق اى بمقدمات الحكمة في اطلاق الجزاء بعد كون المنشأ هو طبيعة الحكم اذ لو كان المنشأ في الجزاء الشخصي لما امكن استفادة المفهوم اذ انتفاء شخصه عند انتفاء المقدم عقلي مع ان طبيعة الحكم الذي هو من السنخ لم يكن مذكورا فى المنطوق لكي يدل على انتفائه عند انتفاء المقدم فيكون من المفهوم ومنه يعلم فساد دعوى عدم توقف جعل المنشأ سنخ الحكم في أخذ المفهوم بل اخذه مع كون المنشأ شخصه اذا كان المقدم علة منحصرة لسنخه اذا لو كان المنشأ شخصه لما كان سنخ الحكم مذكورا في المنطوق فلا يدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء المقدم بالدلالة الالتزامية فلا بد عند أخذ المفهوم من كون المنشأ فيه سنخ الحكم وكان المقدم من العلة المنحصرة فحينئذ يكون انتفاء سنخه عند انتفاء المقدم مدلولا التزاميا للمنطوق وكيف كان فالمفهوم يحصل من جريان مقدمات الحكمة لاثبات الاطلاق فى الجزاء والظاهر انه لا محذور فى جريانها سوى ان الجزاء اذا كان

٢٢٠