منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

بالنسبة الى الصلاة الاختيارية ولا اشكال ان حرمة المهم تسقط مع الأهم ولازمه جوز ارتكاب الغصب مقدمة لاتيان الصلاة واللازم باطل فيلزم بطلان الملزوم والتحقيق ان الأهمية لا تقتضي جواز الدخول فى الأرض المغصوبة بيان ذلك ان ترك الصلاة فى ذلك المكان يكون على نحوين فتارة يحصل بترك الدخول فيه واخرى بالتشاغل عن الصلاة بعد الدخول وبين التركين اختلاف بحسب المحبوبية والمبغوضية فيكون ترك الصلاة في الدار المغصوبة من جهة ترك الدخول محبوبا فيكون الدخول ولو مقدمة للصلاة مبغوضا ومعاقبا عليه وترك الصلاة في الدار بعد الدخول مبغوضا ومنهيا عنه فيجب بعد الدخول حفظ مصلحة الصلاة من جهة الأهمية فليس بمستحيل ان يقوم دليل على اهمية الصلاة الاختيارية على غيرها من التصرفات الغصبية ولكن الكلام فى قيام مثل هذا الدليل فنقول لم نقف على دليل دال إلا دليل الصلاة لا تترك بحال وهذا لا يدل إلا على عدم تركها ولم يكن دالا على عدم تركها بنحو صلاة المختار فينتقل في هذا الحال الى ما يكون صلاته اقل تصرفا كصلاة الغريق فيؤمي الى الركوع والسجود والذي يقتضيه النظر الدقيق هو جواز الاتيان بصلاة المختار بتقريب ان شرط التكليف تحقق القدرة على متعلقه اذ لو سقطت القدرة فلا معنى لبقاء التكليف وهو تابع للقدرة فى الاطلاق والتقييد فاذا كانت القدرة مطلقة كان التكليف مطلقا واذا كانت القدرة مقيدة كان التكليف مقيدا ففي المقام ان القدرة على ترك الغصب لم يكن إلا بترك الدخول وبعد الدخول يكون مضطرا الى الغصب فلا يكون مقدورا له ترك الغصب فلا يتوجه نهي حينئذ الى الغصب اذ تعلق النهي بشيء فرع القدرة على تركه ومع عدم القدرة على تركه كيف يعقل توجه النهي اليه فاذن يسقط النهي فلا تكون جهة الغصبية

١٨١

مبعدة اي مانعا من التقرب فيجوز له الاتيان بالصلاة بقصد القربة إلا ان يقال بأن سقوط النهي بسوء الاختيار لا يقتضي سقوط المبعدية كما لو ألقي من شاهق ومع بقائه على المبعدية فيخرج عن الجزئية للصلاة ولذا نلتزم باتيان الصلاة مقتصرا على النية والقراءة والايماء بالرأس للركوع والسجود بناء على عدم عد ذلك تصرفا وإلا فبالايماء بالاجفان وقد احتمل ذلك الشيخ صاحب الجواهر (قدس‌سره) ولكن لا يخفى ان ذلك مناف لما ذكره الأصحاب في ما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار وكان الوقت ضيقا فان بناءهم على اتيان الصلاة بنحو صلاة المختار فيركع ما عدا السجود فانه يومئ له ولا يجلس للتشهد إلا ان يقال بأن اتيان الركوع والسجود بلا مكث لا يعد تصرفا زائدا غصبيا فلا تغفل.

التنبيه الرابع لو تمكن من الخروج فلا ريب في وجوبه (١) ولكن الكلام

__________________

(١) لا يخفى ان الاضطرار الى ارتكاب الغصب تارة يكون لا بسوء الاختيار واخرى بسوء الاختيار اما الاول فلا اشكال فى جواز التصرف فى ملك الغير بدون اذنه مكثا فيما اذا لم يتمكن من الخروج كما اذا كان محبوسا فى ارض الغير وحينئذ يجوز صرف ذلك فى صلاته بنحو صلاة المختار ولو قطع بخروجه بعد ذلك قبل مضي وقتها فضلا عما لو شك بسقوط النهي بالاضطرار والصلاة مشتملة على الملاك فيعمها الأوامر العامة لأن الملاك لما كان مستكشفا من الاطلاق وقد قيد هذا الاطلاق بالنهي النفسي فمع وجوده لا يمكن ان يتقرب به ومع سقوطه امكن ان يتقرب به ولو قلنا بالامتناع ودعوى بقاء المبعدية مع سقوط النهي ممنوعة فان المبعدية جاءت من قبل النهي فمع سقوطه ترتفع المبعدية فيصلي حينئذ صلاة المختار على الجواز مطلقا وعلى الامتناع فكذلك فيما اذا كانت الأرض والفضاء غصبا لأن ما يشغله الانسان من المكان فى حال قيامه لا يزيد على

١٨٢

في ان الحركة للخروج هل هي مقدمة له حتى يكون وجوبها غيريا او يكون مطلوبا

__________________

ما يشغله فى حال جلوسه لأن المحتاج الى الحيز هو الجسم وهو لا يختلف بالنسبة الى الحالات من الوقوف والجلوس والاضطجاع. نعم لو كان الفضاء مباحا والارض مغصوبة يمكن دعوى اتيان الصلاة على رجل واحدة لو لم يستلزم الحرج ويأتي بركوع المختار ولا يسجد على الأرض لعد ذلك تصرفا زائدا عرفا وله ان يسجد سجود المختار لو كان الفضاء مغصوبا والأرض مباحة هذا فيما اذا لم يتمكن من الخروج واما لو تمكن من الخروج فيأتي بالصلاة على ذلك النحو في حال الخروج لو تضيق الوقت كما يجوز له الاتيان مكثا بذلك النحو لو كان مقدار الخروج يساوي اتيانها واما مع عدم ذلك وقد أخرها حتى انقضت مدة الخروج فيكون من صغريات ما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار من غير فرق بين ضيق الوقت وسعته نعم بالنسبة الى ما لو كان مقدار الخروج اقل من مدة الصلاة ففي الضيق يمكن الاتيان بها بما يساوي زمان الخروج على نحو صلاة المختار والباقي يكون بنحو الايماء واما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار فلا اشكال في حرمة التصرف مكثا وانما الكلام في التصرف بنحو الخروج فقد اختلفت الاقوال بالنسبة الى حكمه التكليفي فقيل انه حرام فقط استنادا الى ان النهي يدل على حرمة التصرف مطلقا من غير فرق بين انحاء التصرف دخولا ومكثا وخروجا اذ جميع هذه التصرفات مقدورة لامكان تركها من اول الأمر بترك الدخول وجعل بعض التصرفات غير مقدورة وممتنعة لا ينافي كونها اختيارية اذ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وقيل بالوجوب ايضا وينسب الى ابي هاشم المعتزلي والمحقق القمي باعتبار انه مصداق للتخلص فيكون واجبا وقول ثالث بوجوبه فقط لسقوط النهي بعصيانه بالدخول ولذلك يعاقب على عصيانه وينسب ذلك الى الفصول ورابع وجوبه من دون ان يعاقب لكونه حسنا فلا قبح فيه لا قبل الدخول ولا بعده فلا مانع من تعلق الأمر

١٨٣

لنفسها حتى يكون وجوبه نفسيا وجهان وتحقيق الحال يعلم من ان الحركة للخروج

__________________

لا عقلا ولا شرعا وخامس ليس فعلا مأمورا به ولا منهيا عنه ولكن يجري عليه حكم المعصية من جهة استحقاقه للعقاب بالنهي السابق ولكن العقل يلزمه بالخروج من باب اقل المحذورين والانصاف ان الخروج كالدخول والمكث مبغوض شرعا لكونه من انحاء التصرف المنهي عنه ودعوى سقوط النهي بعد الدخول لاعتبار القدرة فى متعلقه في غير محلها اذ القدرة متحققة فى الخروج والمكث بترك الدخول ولا ينافى عدم تحققها بسوء اختياره اذ ذلك لا ينافي الاختيار والامتناع والوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار اللهم إلا ان يقبح تكليف العاجز وان كان هو عجز نفسه بسوء الاختيار وليس ذلك من موارد القاعدة لانها فيما اذا كان التكليف متوجها الى المكلف وهو قادر على الامتثال وقد عجز نفسه فجعله ممتنعا عليه لا انه حال العجز مكلف بالاتيان اذ هو غير معقول او هو قبيح عقلا على ان هذه القاعدة تجري في الضرورة السابقة لا الضرورة اللاحقة بيان ذلك ان كل ممكن محفوف بضرورتين سابقة في مرتبة العلة التامة فان الشيء ما لم يجب لم يوجد وضرورة لاحقة وهي الضرورة بشرط المحمول كما يقال ان التكليف لا يتعلق بما هو واجب او ممتنع والقاعدة ناظرة الى الضرورة السابقة والوجوب والامتناع في المقام من قبيل الضرورة اللاحقة فلا تكون القاعدة شاملة للمقام وقد ذكر الاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سره) لعدم شمولها للمقام امورا ذكرناها فى تقريرات بحثه وان كانت محل نظر بل منع إلا انها لا توجب جعل الخروج واجبا كما اختاره لعدم ملاك الوجوب فيه اصلا لا النفسي ولا الغيري اما الوجوب النفسي فلعدم انطباق رد المال او عنوان التخلص عن الحرام على الخروج واما الغيري فلأن الخروج ليس مقدمة وليس بمانع عن وجود الحرام لكي يكون عدمه معتبرا على انه لو قلنا بكون الخروج مقدمة لترك الحرام إلا انه لا يوجب تحقق ملاك الوجوب الغيري

١٨٤

من اي مقولة فنقول ان الحركة عبارة عن كون الجسم في مكان بعد كونه في مكان

__________________

فيه لعدم وجوب ترك الحرام لكى تجب مقدمته فلا يقاس المقام بشرب الخمر للتداوي إذ حفظ النفس واجب نفسي ومع فرض انحصار حفظ النفس بشربه لذا يلزم شربه فيكون فى شربه ملاك الوجوب الغيري بخلاف المقام لما عرفت انه لا ملاك لوجوب الخروج لا نفسيا ولا غيريا.

ومما ذكر ظهر ان دعوى وجوبه فقط كما هو المنسوب الى الشيخ الانصاري قدس‌سره محل نظر ، كما ان دعوى كون الخروج منهيا عنه بالنهي السابق ومعاقب عليه محل نظر لما عرفت من اعتبار القدرة فى متعلق التكليف والخروج غير مقدور فعله وتركه شرعا لتنجز النهي عن الدخول والمكث فلذا لم يتعلق النهي به من اول الامر. وبعبارة اخرى النهي لم يتعلق بالخروج للمزاحمة المتحققة بينه وبين المكث ومما ذكرنا ظهر الاشكال فى جميع الاقوال فدعوى ان الخروج ليس بواجب ولا محرم غير مجازفة هذا بالنسبة الى حال الخروج واما الصلاة في حال الخروج فبناء على مختار الشيخ الانصاري والاستاذ المحقق النائيني (قدس‌سرهما) من وقوع الخروج حسنا وانه مأمور به فتقع الصلاة صحيحة قطعا فمع عدم استلزام اتيانها تصرفا زائدا على الخروج كما لو كان راكبا سيارة او سفينة يصح اتيان الصلاة بدون ايماء للركوع والسجود لعدم استلزام ذلك تصرفا زائدا على ذلك. واما فتوى المشهور باتيان الركوع والسجود بالايماء فلعله كان ذلك فيما لو استلزم زيادة التصرف كما يدعى ذلك عرفا مع عدم كونه ذلك دقة وان كان يشكل على ذلك بان العرف متبع فى تعيين المفاهيم وتشخيصها لا فى تطبيقها كالمقام فان معنى الغصب الذي هو التصرف في مال الغير بدون اذنه معلوم إلا ان التصرف الخروجي بهذا الركوع والسجود ينطبق عليه التصرف الغصبي الزائد على الخروج ام لا فلا يرجع في زواله الى العرف.

١٨٥

آخر والخروج تابع للغصب بمعنى ان الغصب من اي مقولة كان الخروج مثله ، فان كان الغصب من مقولة الفعل اي الكون الشاغل للمحل كان الخروج ايضا من مقولة الفعل فيكون معناه شغل الجسم في مكان آخر. وقد عرفت ان الحركة عبارة عن ذلك فتتحد الحركة مع الخروج وان كان الغصب من مقولة الاين اي اشغال المحل الغصبى فيكون الخروج عبارة عن الفراغ المحل والافراغ مغاير للحركة إذ الافراغ غير التبديل بل الحركة مقدمة لفراغ المحل.

وبالجملة الحركة تارة تكون بنحو المقدمية ، للخروج واخرى تكون عين الخروج. وعلى اي تقدير لا اشكال في وجوبها عقلا ولكن هل هو بمناط المقدمية او بمناط اقل القبيحين ومنشأ ذلك هو ان الحركة محبوبة او مبغوضة فالمحبوبية لازمة للمقدمية والمبغوضية لازمة لارتكاب اقل القبيحين وتظهر الثمرة بينهما انه لو قلنا بالمحبوبية يصح للمكلف اتيان الصلاة الاختيارية وإلا اقتصر على اقل الافراد تصرفا كصلاة الغريق. وقد عرفت مما ذكرنا انه لا مانع من الالتزام بالاول باعتبار ان لترك الغصب نحوين من الترك تركه بترك الدخول وتركه بترك التشاغل بالصلاة ولا مانع من التفكيك بين التركين فى المحبوبية والمبغوضية. فاذا

__________________

واما بالنسبة الى بقية الاقوال فبما ان التصرف الخروجي يكون كالتصرف بالدخول والمكث يقع مبغوضا فمع امكان اتيان الصلاة جامعة لجميع الاجزاء والشرائط فلا اشكال فى فساد الصلاة ولو قلنا بجواز الاجتماع لوجود القبح الفاعلي المانع من التقرب واما مع عدم امكان اتيانها كذلك وقد ضاق الوقت فيجب اتيانها لعدم سقوطها بحال ، وسقوط النهي بهذا الحال على تفصيل ذكرناه في حاشيتنا على الكفاية.

١٨٦

عصى المكلف تركه بترك الدخول سقط التكليف لعدم وجود القدرة وقد علمت ان شرط التكليف القدرة فلا يكون فيه مبعدية فيكون فيه صرف المحبوبية فقط فيمكن التقرب بالعبادة إلا ان يقال بانه وان اوجب ذلك سقوط النهي إلا ان المبعدية لم تسقط ولذا انه يأتي بالصلاة بنحو صلاة الغريق. كما انه لو قلنا بان الخروج منهي عنه قبل الدخول لكونه مقدورا بترك الدخول وان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلذا يلزم على المكلف مع الضيق أن يأتي بالصلاة باقل الافراد تصرفا لكونها لا تترك بحال سيما وان حق الناس مقدم على حق الله لو دار الامر بينهما. نعم لو قلنا بان الخروج واجب لكونه مقدمة للتخلص الذي هو واجب شرعا لكان القول بجواز الاتيان بصلاة المختار حال المشي بركوع وسجود ولو مع سعة الوقت كما لا يخفى.

التنبيه الخامس انه على الامتناع ذكر الاصحاب وجوها لترجيح النهي على الأمر والظاهر ان الترجيح انما يتصور في خصوص الصلاة والغصب نظرا الى ان الغصب من حق الناس والصلاة من حق الله ، ومعلوم ان حق الناس مقدم على حق الله مع التزاحم وليس ما ذكر من الترجيح بمطرد بحيث يقدم جانب النهي على الامر في كل مقام إذ ما ذكر في الترجيح لا يعتد به لضعفه فان اقوى ما يستدل به لذلك هو ان النهي دلالته اقوى من دلالة الأمر فان دلالة النهي على الاستيعاب بالوضع ودلالة الأمر على الاستيعاب بالاطلاق وما كان بالوضع اقوى بحسب الدلالة مما كان بالاطلاق فحينئذ يصلح ان يكون ما هو اقوى بيانا وقرينة على تعيين المراد من الاضعف فيكون النهي بيانا على تقييد الأمر بغير مورد الغصب ولكن لا يخفى ما فيه فان الترجيح انما يكون بما هو اقوى ظهورا إذ الاظهر

١٨٧

صالح لان يكون بيانا لظهور الآخر ، واقوائية الظهور لا تختص بالنهي إذ ربما يكون الاقوى ظهورا في خصوص الامر وكونه بالوضع لا يوجب الاقوائية بحسب الظهور ، على ان هذا الكلام انما يلائم التعارض وقد عرفت ان باب اجتماع الأمر والنهي انما هو من باب التزاحم فهذا التوجيه لا ربط له بذلك ، وعن بعض ترجيح النهي برواية ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال فان ظاهر التغلب حصره بالمزاحمة فان الغلبة لا تصدق إلا وان يكون للحلية مقتض حتى تصدق الغلبة ولكن لا يخفى ان الاستدلال بهذه الرواية على الترجيح فى غاية الوهن بعد طرح الاصحاب الاستدلال بها على الترجيح على ان روايات أخر بلسان المعارضة لهذه الرواية كما فى رواية ما حرم حرام حلالا قط.

التنبيه السادس ان الاكثر بل الكل فى باب اجتماع الامر والنهي مثلوا بالغصب والصلاة وذلك مبني على ان الامر بالصلاة بنحو ساري في تمام الافراد والنهي عن الغصب سار فى افراده ففي الصلاة في الدار الغصبية قد اجتمع فيه مقتضى الامر ومقتضى النهي فحينئذ يكون المثال من باب التزاحم وإلا لو لم يكن الامر مأخوذا بنحو السراية بل الامر مأخوذ بنحو صرف الوجود فلا يكون من هذه المسألة بل يكونان من باب الموسع المجتمع مع المضيق حيث ان الغصب لا مندوحة فيه بخلاف الصلاة فان لها مندوحة فيكون الغصب مضيقا بالنسبة الى الصلاة ولا اشكال فى وجوب تقديم المضيق على الموسع ولو كان المضيق مهما إلا ان يكون في آخر الوقت فيكونا من قبيل المضيقين ، فعليه يكون في كل واحد منهما مقتضى فيعدان من باب التزاحم.

فتلخص مما ذكرنا ان مثال الغصب مع الصلاة اما ان يكون المراد من الامر

١٨٨

المتعلق بالصلاة كالنهي المتعلق بالغصب فى كونه ساريا الى الافراد حتى يكون كل واحد منهما فيه مقتضي فيعدان من باب التزاحم او يكونان من باب المضيقين واما في غير هاتين الصورتين لا يكون المثال من باب التزاحم. نعم ربما يقال في خصوص مثال الصلاة والغصب يعد من باب التزاحم لما ورد من ان الصلاة لا تترك بحال. وقد عرفت مما تقدم ان الصلاة الاختيارية تسقط ويصلي ما هو اقل تصرفا فافهم وتأمل فقد زل غير واحد من الاعلام.

التنبيه السابع قد عرفت مما تقدم ان الخلاف فى مسألة الاجتماع يمكن ان يبنى على ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا يوجب تعدده ، كما انه يمكن ان يبنى على سراية الطلب الى الافراد او عدم سرايته اليها وقد عرفت الفرق بين المبنيين.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان مثال اكرم العلماء ولا تكرم الفساق يكون من مسألة اجتماع الامر والنهي اذا بنى على السراية وعدمها واما لو بنى على ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا يوجبه فلا يدخل مثل ذلك تحت مسألة الاجتماع وبما ان المعروف بين الاصحاب ان مبنى مسألة الاجتماع هو اختلاف الجهة وعدم اختلافها فيكون المثال المذكور خارجا عن مسألة الاجتماع.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال فبما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية ما لفظه : (الامر الثالث) الظاهر لحوق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات والجهات فى انه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا في جواز الاجتماع كان تعدد الاضافات مجديا ضرورة انه يوجب ايضا اختلاف المضاف لها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعا فيكون مثل (اكرم العلماء) و (ولا تكرم الفساق) من باب الاجتماع

١٨٩

(كصل ولا تغصب) لا من باب التعارض.

توضيح ما فيه هو انه قد جعل مبنى مسألة الاجتماع ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه او لا يوجب كما هو المعروف بين اكثر من عنون مسألة الاجتماع فعليه لا وجه لدخول مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق فى مسألة الاجتماع إذ دخول مثل ذلك في مسألة الاجتماع يتم لو قلنا بان مسألة الاجتماع مبنية على السراية وعدمها كما هو اوضح من ان يخفى هذا آخر ما اردنا بيانه من مسألة اجتماع الأمر والنهي والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

(اقتضاء النهى للفساد)

الفصل الرابع في ان النهي عن الشيء هل يقتضى الفساد اولا يقتضيه وقبل الخوض فى المقصود ينبغي تقديم امور :

الاول الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة اجتماع الأمر والنهي هو ان في مسألة الاجتماع الفساد والمبغوضية تابع للعلم بالنهي وفي هذه المسألة الفساد تابع لواقع النهي. وبعبارة اخرى فى هذه المسألة النهي بوجوده الواقعي يقتضى الفساد الذي هو عبارة عن عدم ترتب الاثر المقصود من سقوط القضاء والاعادة فى العبادات وعدم ترتب الاثر المقصود بانشائه في المعاملات وفي تلك المسألة النهي بوجوده العلمي يقتضي الفساد الناشئ عن قصور في التقرب مع عدم قصور في المصلحة المقتضية للامر به واقعا ولأجل ذلك عدت تلك المسألة من باب التزاحم

١٩٠

ولذا قلنا بصحة الصلاة في المكان المغصوب مع النسيان والجهل قصورا ولا تعد هذه المسألة من ذلك الباب وانما تعد من باب التعارض لكون الفساد لما كان تابعا لواقع النهي فيكون ناشئا عن قصور في الاقتضاء ومع كونه كذلك يكون التكاذب في عالم الاقتضاء ولازمه خروجه عن باب التزاحم على انه لو قلنا بان تلك المسألة من باب التعارض بدعوى ان التعارض فى الفعلية يوجب التكاذب بين الأمر والنهي الذي هو ملاك التعارض مع تحقق الفرق بين المسألتين بتقريب ان المسألة السابقة التكاذب في فعلية الحكم وهذه المسألة التكاذب فى مقام الاقتضاء ويظهر الفرق بينهما في الجهل قصورا بالنهي لفعلي من حيث الصحة والفساد كما لا يخفى.

الأمر الثاني ان الاقتضاء في العنوان يمكن ان يراد منه الاقتضاء في مقام الثبوت بمعنى ان مدلول النهي بذاته يستلزم الفساد اذا كان عبادة فتكون المسألة من المباحث العقلية ويمكن ان يراد منه الاقتضاء فى مقام الاثبات فيكون البحث فى المقام بحثا لفظيا والظاهر هو الثاني لشمول البحث فى هذه المسألة لما كان النهي ارشادا الى عدم المشروعية بلا مبغوضية فى المتعلق فيختص البحث في ذلك بدلالة اللفظ فتكون هذه المسألة من مباحث الالفاظ وحينئذ يكون النهي فى العنوان يعم النهي الحقيقي الكاشف عن المبغوضية والمفسدة في المتعلق والنهي الارشادي الكاشف عن عدم المشروعية.

الأمر الثالث ان الظاهر من كون النهي يقتضي الفساد انه بمدلوله يقتضي عدم المصلحة اما لكون المفسدة ملازمة لذلك العدم او لكون النهي بذاته يدل على نفس العدم وذلك لا يقتضي وجود مقتض للصحة في المتعلق.

١٩١

ودعوى انا لا نحتاج الى دلالة النهي على ذلك بل يكفي فى انتفاء الصحة وفساد العمل اصالة عدم المشروعية ممنوعة بان تحقيق مثل هذا الأصل لا ينافى البحث في المسألة عن دلالة النهي إذ ذلك بحث عن الدليل الاجتهادي. ومن الواضح تقدم الدليل الاجتهادى على الأصل العملي فمع تحققه لا مجال لاتيانه. نعم يكون البحث عنه مع فقد الدليل الاجتهادي ومن هنا قلنا بان النزاع فى دلالة النهي على الفساد ليس مختصا بما يشمله اطلاق الدليل او عمومه بنحو لو لا النهي لوقع صحيحا اذا كانت عبادة ويكون نافذا اذا كانت معاملة بتقريب انه لو لم يشمله الاطلاق والعموم يكفي في فساده وعدم صحته اصالة عدم المشروعية لما عرفت ان النتيجة اذا كانت تحصل بالاصل لا مانع من التكلم بها بلحاظ الدليل الاجتهادي على انه لو لم يلحظ الدليل الاجتهادى لا اصل يقضي بالفساد بنحو يرجع اليه في المسألة الاصولية. واما في المسألة الفقهية فالاصل يختلف فان كان مشكوك الاعتبار معاملة فمقتضى الأصل عدم الصحة حيث لا عموم ولا اطلاق يثبت الصحة وان كان مشكوك الاعتبار عبادة فالاصل يقضي بفسادها وان كان مشكوك الاعتبار جزءا للعبادة او شرطا لها فالشك في ذلك يرجع الى كونه مانعا ام لا قيل بجريان الاشتغال وقيل بجريان البراءة والخلاف فى ذلك راجع الى الاختلاف في المبنى وقد حزر ذلك فى محله كما لا يخفى.

الأمر الرابع ان الصحة والفساد امران اضافيان وان للصحة مفهوما واحد وهو التمامية ولا تختلف باختلاف الآثار والانظار وهذا مما لا اشكال ولا شبهة تعتريه وإنما الاشكال انها هل تختلف باختلاف المنشأ ام لا وتحقيق الحال فيه يستدعي بيان مقدمة وهي انه عندنا امور متأصلة وامور اعتبارية وفى المتأصلة

١٩٢

مرتبتان حقيقية وهي ما كان ظرفها الخارج ومفهوم وهو ما كان ظرفه الذهن وهو الذى يكون مدلولا للفظ ولا يكون هناك مرتبة ثالثة بعد التعدى عن الثانية واما الامور الاعتبارية كالملكية مثلا فيتصور فيها ثلاث مراتب حقيقية ومنشأ اعتبار تلك الحقيقة ومفهوم كاشف عن الحقيقة اما مرتبة الحقيقة في الملكية فهي الربط الحاصل بين المالك والمملوك وهذه الحقيقة ظرفها الذهن ولا يعقل ان يكون ظرفها الخارج ومرتبة المفهوم هي ما كان من المعقولات الثانية ومنشأ انتزاعها تلك الحقيقة فان حقيقة الملكية منتزعة من الجعل وبما ذكرنا ظهر الفرق بين الامور المتأصلة والامور الاعتبارية وبعد معرفة ذلك فنقول ان الاتحاد في المفهوم يكشف عن الاتحاد في الحقيقة إذ لا يعقل ان يكون مفهوم واحد يكشف عن حقائق متعددة إلا وان يكون مفهوم منتزعا عن قدر جامع بين تلك الحقائق المتعددة كما ان الاختلاف في المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة لان الاختلاف بحسب منشأ الملكية من الجعل او التوارث او غيرهما لا يوجب اختلافا في حقيقة الملكية مع كون المفهوم واحدا اذ المفهوم الواحد يكشف عن حقيقة واحدة اذا عرفت ذلك من المقدمة فاعلم ان الصحة (١) من الامور الاعتبارية لها ثلاث مراتب

__________________

(١) لا يخفى ان تقابل الصحة والفساد من قبيل تقابل العدم والملكة لا من قبيل تقابل الايجاب والسلب الذى هو عبارة عن الوجود والعدم المحمول بالنسبة الى الماهية الامكانية أو الماهية الممتنعة ولا من قبيل تقابل الضدين الذى هو عبارة عن كون المتقابلين وجوديين يترتبان على موضوع واحد من دون اعتبار فى قابلية المحل وقد بينا فى بعض المباحث ان القائمية وعدمها من هذا القبيل ولذا قلنا بعدم جريان استصحاب العدم الازلي بالنسبة الى عدم القائمية لعدم احراز الموضوع لان

١٩٣

حقيقة ومفهوم ومنشأ الانتزاع على قياس غيرها من الامور الاعتبارية والصحة تارة تنتزع من المطابقة واخرى تنتزع من السقوط وقد عرفت ان الاختلاف فى المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة مع كون المفهوم واحدا الكاشف عن حقيقة واحدة ومما ذكرنا ظهر لك انه لا وجه لما تصدى الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية من الرد على صاحب التقريرات حيث ادعى ان الصحة امر اعتبارى من اى شيء انتزعت فاورد عليه بما حاصله ان الصحة ان اخذت من سقوط الاعادة يكون عقليا من لوازم الاتيان بالامر الواقعي فلا يكون جعليا (١) لما

__________________

الصحة والفساد لا يطرءان إلا بعد كون المحل قابلا لهما كالعمى والبصير فهما يردان على موضوع واحد فتارة يكون صحيحا واخرى يكون فاسدا ومنه يعلم ان الصحة والفساد بالنسبة الى الاحكام الشرعية لا يردان على البسائط وانما تتصف بهما المركبات إذ الشيء البسيط اما ان يوجد او لا يوجد على تفصيل ذكرناه فى تقريرات بحث الاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره.

(١) لا يخفى انه وقع الكلام في ان الصحة والفساد من الامور الانتزاعية أو من الامور المجعولة القابلة لان تنالها يد الجعل او انها مجعولة فى المعاملات دون العبادات أو التفصيل بين الصحة الواقعية وبين الصحة الظاهرية بالالتزام بجعلها فى الثانية دون الأولى فقد اختلفوا على اقوال والحق هو الأول فيكون من قبيل السببية والمانعية والجزئية والشرطية من الامور التي قد اتفق الكل على كونها منتزعة وليست من قبيل الضمان والحرية والرقية والزوجية التي هي من الامور المتأصلة بيان ذلك ان الصحة منتزعة من انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المأتي به وهو غير قابل لان تناله يد الجعل لان انطباق الطبيعة على الفرد انما هو امر عقلي وليس امرا مجعولا واما منشأ الانتزاع فبالنسبة كل امر الى

١٩٤

عرفت منا سابقا ان الاختلاف في المنشأ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة اذا عرفت ما مهدنا لك من الامور فاعلم انه يقع الكلام في مقامين :

__________________

متعلقه سواء كان واقعيا أو اضطراريا او كان ظاهريا غير قابل للجعل لان اجزاء ما اتى به عن امره المتعلق به عقلي وليس قابلا للجعل. نعم بالنسبة الى المطابقة الظاهرية فى بعض الموارد مع الشك به واقعا فمنشأ الانتزاع ربما يقال بجعله من غير فرق بين ما كان في ظرف عدم العلم أو كان بعد الانكشاف فما كان موضوعه عدم العلم كقاعدة التجاوز والفراغ ونحو ذلك فان الشك له طرفان وليس لاحدهما ترجيح والشارع لما بنى على أحد الطرفين معناه الاكتفاء عن الأمر الواقعي بهذا المشكوك وذلك انما يكون بجعل الشارع واما في صورة الانكشاف فيحتاج الى كون الأمر الظاهري يجزي عن الامر الواقعي الى جعل آخر وان كانت القاعدة الأولية يقتضي عدم الاكتفاء بذلك فكذا يكون قابلا للجعل وبالجملة ان الصحة والفساد من الامور الانتزاعية غير قابلة للجعل عبادة كانت أو معاملة وانما المجعول هو منشأ الانتزاع فى بعض الموارد كما في صورة الأمر الظاهري لا بالنسبة الى متعلقه بل عن الأمر الواقعي ودعوى التفصيل بين العبادات والمعاملات بالالتزام بالجعل فى الأول دون الثاني بتخيل ان العبادة لما كان الشارع رتب حكما عليها فيكون بذلك قابلا للجعل بخلاف المعاملات حيث ان الشارع امضى أهل العرف بحسب معاملاتهم فلم يكن للشارع اختراع جديد فيها فلا تكون الصحة فيها قابلة للجعل ولا يخفى ما فيه إذ العبادات كالمعاملات بالنسبة الى الصحة والفساد فان الشارع انما رتب الحكم على كلي العبادة لا على المصداق والصحة والفساد بالنسبة الى نفس هذا المصداق ومن الواضح ان منشأ انتزاع الصحة فضلا عن نفسها غير قابل للجعل لان انطباق متعلق الأمر على مصداقه عقلى وليس قابلا للجعل على تفصيل ذكرناه في تقريراتنا للاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره.

١٩٥

المقام الاول في العبادة فنقول النهي اما ان يتعلق بالعبادة أو يجزئها او بشرطها الخارج عنها او بوصفها الملازم لها أو وصفها غير الملازم لها اما اذا تعلق بالعبادة فتارة يكون النهي في مقام دفع توهم الايجاب كأن يكون هناك عموم او اطلاق بحيث يتوهم الشمول كاقيموا الصلاة مثلا فيتوجه النهي لدفع توهم الشمول واخرى يكون النهي فى مقام دفع المشروعية الفعلية وثالثة يكون النهي لدفع المشروعية الاقتضائية ورابعة يكون النهي للارشاد الى المفسدة الموجودة بالفعل وخامسة يكون النهي مولويّا فان كان الأول فيؤخذ بذلك الاطلاق أو العموم ويكون مشروعا اذ النهي في تلك الصورة لم يدل إلا على رفع توهم الايجاب فلم يكن فيه تعرض للمشروعية بل ربما يقال بان الفعل فى الصورة المذكورة مستحبا وان لم يكن هناك اطلاق أو عموم فلا يكون الفعل مشروعا لوجود اصالة عدم المشروعية المقتضية للفساد وهو في هذه الصورة لم يستفد من دليل النهي لما عرفت انه دال على رفع توهم الايجاب وذلك لا يقتضي الفساد وان كان النهي على النحو الثاني اي النهي فى مقام دفع توهم المشروعية فان كان هناك اطلاق او عموم فالنهي ايضا ليس فيه دلالة على الفساد ولكن تقع المعارضة بينه وبين الاطلاق او العموم فيتساقطان فيرجع الى اصالة الفساد ، واما الثالث فكذلك فان نهيه لا يقتضي الفساد ، واما الرابع فلم يكن النهي دالا على الفساد ، واما النهي على النحو الخامس وهو ما كان النهي المتعلق بنفس العبادة مولويا (١) فهو محل الكلام قيل بدلالته على

__________________

(١) المراد من العبادة هو المعنى الاخص وهي خصوص الوظيفة التى شرعت لاجل التقرب بها لله سبحانه وتعالى وليس المراد منها هو المعنى الاعم الشامل لكل ما يصح ان يتقرب به مثل غسل الثوب من النجاسة فانه وان صح ان

١٩٦

الفساد واستدل له بوجوه : الأول الاجماع فقد نقله غير واحد على ذلك الثاني :

__________________

يتقرب به إلا انه لا يتوقف حصول اثره الذي هو زوال النجاسة على وقوعه قريبا بل يقع ولو كان منهيا عنه كالغسل بماء مغصوب وهذا الاشكال فيه وانما وقع الاشكال فى تعلق النهي بالعبادة بما حاصله ان ذلك ينافي كونها عبادة إذ ما هو محبوب لله تعالى ومقربا اليه يكون عبادة والنهي النفسي لا يتعلق إلا بما هو مبغوض لله تعالى وحينئذ كيف يمكن ان يتقرب بما هو مبغوض ومبعد عنه تعالى ولكن لا يخفى انه ليس المراد من العبادة التعبد الفعلي والمقربية الفعلية بل المراد بها وظيفة شرعت لان يتعبد به في نوعها وبعبارة اخرى انها من شأنها أن يتقرب بها لو تعلق بها الأمر وبعد الفراغ عن هذه الجهة فقد وقع الكلام فى أن النهي المتعلق بالعبادة يدل على الفساد ام لا فعلى مختار صاحب الجواهر (قدس‌سره) من احتياج العبادة الى أمر فدلالته على الفساد واضح لان النهي لما دل على التحريم فقد اخرج متعلقة من دائرة الأمر من غير فرق بين كون الاطلاق شموليا أم بدليا لان شموله للافراد مشروط بان تكون الافراد متساوية الاقدام ومع تحقق النهي لا تكون متساوية.

واما على ما هو المختار من ان تصحيح العبادة لا يحتاج الى امر بل يكفى فيها وجود الملاك فيمكن القول بصحتها حينئذ من جهة وجود الملاك ولكن لا يخفى ان الملاك المقتضى للصحة لا بد وان يكون تاما فى الملاكية وليس لنا دليل لفظي يستكشف ذلك وانما يحكم العقل بتحققه ولذا قلنا لا يكفي حسن الفعل فقط فى استكشاف وجود الملاك بل تحتاج فى استكشافه مع ذلك الى حسن الفاعل فحينئذ ان وجد مانع فتارة يكون لسانه عدم ترتب الاثر على الملاك بمعنى ان وجوده كعدمه واخرى يقدم المانع من باب اقوى الملاكين كالعلم والفسق فانه يتصور فيه هذين النحوين وعلى كلا الصورتين لا يكون الملاك تاما فى الملاكية فاذا لم يمكن احرازه فالنهي يكون دالا على وجود المفسدة الموجبة لتخصيص العموم

١٩٧

انه لا اشكال في ان النهي يدل على مفسدة فى المتعلق واطلاق الامر او عمومه الشامل لمتعلق النهي يكشف عن وجود مصلحة فيه ومع تقديم النهي تكون المفسدة غالبة على المصلحة فلا يصلح للتقرب فلذا يقع العمل فاسدا الثالث انك قد عرفت ان هذه المسألة فيما اذا كان بين متعلق الأمر والنهي عموم من مطلق مثلا صم ولا تصم يوم العيد فكل واحد من الدليلين دال على وجود ملاكه فالامر دال على وجود المصلحة فى متعلقه كما ان النهي يدل على وجود المفسدة في متعلقة ففي صوم العيد تكون المفسدة والمصلحة متعارضتان والحكم اما بالتساقط او تقديم جانب النهى فالعبادة فى مورد المعارضة غير مشروعة فتقع فاسدة ولكن لا يخفى اما الاجماع فمحصله لا محصل له في المقام فضلا عن المنقول ، واما الثاني فلو تم فانما

__________________

أو تقييد الاطلاق. نعم لو امكن احرازه كما اذا لم يمكن امتثال الأمر من جهة عدم قدرة المكلف كما في المتزاحمين فى الوجود لما عرفت ان القدرة العقلية ليست لها الدخل فى الملاك فلا يكون النهي فى ذلك مقتضيا للفساد ويكون من باب التزاحم واما لو كان من جهة اخرى كالتزاحم بين الملاكين فيقدم ما هو الاقوى) ملاكا أو كان من جهة عدم تحقق الحسن الفاعلي كما لو قلنا ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالجواز من الجهة الاولى لعدم تحقق حسن الفاعلى والملاك لا يكفى فيه حسن الفعل بل يحتاج مع ذلك الى حسن الفاعلي وفي المقام لما ورد النهي فيستكشف منه كون ملاك النهي اقوى من ملاك الامر فحينئذ يدل النهي على الفساد من غير فرق بين ان يكون اطلاق الامر شموليا ام بدليا لان النهي يخرج متعلقه عن دائرة الامر من جهة كشفه عن ملاك اقوى وهذا الذي ذكرنا يجري ايضا فيما اذا كان النهي متعلقا بذات العبادة لاجل جزئه أو شرطه أو وصفه بنحو يكون ذلك من الجهات التعليلية فافهم.

١٩٨

يدل على فساد العبادة فى حال تنجز النهي فمع عدم تنجزه لا يكون مبغوضا ولا مانع من اتيانه لوجود ملاك الأمر وقد عرفت ان ذلك من مقتضيات باب التزاحم واما عن الثالث فمع التساقط فالحكم بالفساد لاصالة عدم المشروعية لا من مقتضيات النهي كما انه لو قلنا بتقديم جانب النهي لكونه اخص فانما يلتزم به في المدلول المطابقى واما بالنسبة الى مدلوله الالتزامي فليس الخاص باقوى من دلالة العام فمع التكافؤ يرجع الى اصالة عدم المشروعية فلا يكون النهي مقتضيا للفساد اللهم إلا ان يقال بتقديم الخاص على العام فى المدلول المطابقى والالتزامى فلا مانع من الالتزام بدلالة النهي على الفساد والالتزام بذلك محل نظر ولكن التحقيق انه ان قلنا بان النهي يكشف عن مفسدة نفسية موجودة فى المتعلق فلا اشكال فى دلالته على الفساد إذ لا يعقل ان يكون مع هذا الكشف وجود مصلحة في متعلق النهي لامتناع اجتماع المصلحة مع المفسدة ، واما لو قلنا بان النهي فى لسان الشارع لا يكشف عن المفسدة النفسية بل يكشف عن المفاسد الغيرية كما هو الحال فى الأوامر الغيرية في انها لا تكشف عن المصالح النفسية في المتعلق وانما هى تكشف عن مصالح غيرية توصلية كاستراحة النفس مثلا فلا مجال لدعوى ان يكون النهي مقتضيا للفساد لان من الممكن اشتمال الفعل على مصلحة نفسية ومفسدة غيرية او مصلحة غيرية غاية الامر الشارع غلب جانب المفسدة على جانب المصلحة فعليه العمومات الكاشفة عن مصالح غيرية تبقى بلا معارض فتكون من باب اجتماع الامر والنهي والفساد فيه ليس من مقتضيات واقع النهي بل من مقتضيات العلم بالنهي هذا كله لو تعلق النهي بنفس العبادة (١) واما لو تعلق النهي بالجزء

__________________

(١) هذا في النهي التحريمي واما النهي التشريعي فينبغي ان يخرج عن

١٩٩

كالنهي عن قراءة سورة العزائم في الصلاة مثلا أو تعلق بالشرط كالنهي عن

__________________

محل الكلام لان التشريع عبارة عن اتيان العبادة التى لم يأمر بها بداعي الأمر وذلك يوجب الفساد فالفساد حاصل من دون النهي لا انه بالنهي يكون فاسدا فلو شك فى مشروعية شيء واتى به بعنوان التشريع أو علم عدم المشروعية ثم اتى به فصادف مشروعيته فهل الفعل يقع فاسدا ام لا فنقول اما المعاملة فالظاهر انها لا تقع فاسدة لعدم اعتبار قصد التقرب فيها بل المعتبر في صحتها صرف المصادفة واما العبادة فبانها تحتاج الى ذكر مقدمة وهي ان الاحكام العقلية على قسمين فتارة يكون ذا حكم واحد وهو ما كان العقل حاكما يحكم بمناط واحد من غير فرق بين صورة الشك والعلم واخرى يكون ذا حكمين وهو ما كان العقل حاكما بحكم على نفس الواقع بمناط وفي صورة الشك بمناط آخر كما فى الضرر فانه له حكم على واقع الضرر بمناط وفي صورة الشك بمناط آخر والفرق بين القسمين يظهر بجريان الأصل وعدمه فان الأصل لا يجرى فيما اذا كان حكم واحد لانه يلزم ان ما يحرز بالوجدان يحرز بالتعبد وهو باطل.

ومن هذا القبيل الشك في الحجية فان الأصل لا يجري فيها اذ العقل حاكم بالعدم فلا يحتاج في احرازه الى جريان الأصل وإلا لزم ما احرز بالوجدان يحرز بالتعبد وهو بديهى البطلان ، بخلاف ما كان ذا حكمين فانه لا مانع من جريان الأصل في ظرف الشك فانه يرفع الحكم الموجود في ظرف الشك كما فى الضرر وباب التشريع من قبيل ما اذا كان ذا حكم واحد فان العقل يقبح استناد ما ليس صادرا من المولى فى صورتى العلم والشك في المشروعية من غير فرق بين الشك فى اصل المشروعية أو فى الاتصاف.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان العبادة التى يأتي بها مع الشك في مشروعيتها بقصد المشروعية ثم انكشف مطابقتها المواقع لا اشكال في حرمتها فتكون فاسدة اذ

٢٠٠