منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

والامتناع على كون الجهتين تعليليتين ليس كما ينبغي اذ لنا ان نقول بكون الجهتين تقييديتين باعتبار اخذهما في لسان الدليل إلّا انهما لهما جهة اشتراك في جهة ضمنية بنحو يسرى الحكم من احد العنوانين الى ما ينطبق عليه الآخر من الجهة المشتركة الضمنية فلذا ينبغي ان يجعل عنوان النزاع في ان تلك الجهتين هل فيهما جهة مشتركة ضمنية بنحو يسري الحكم من احدهما الى الآخر ام لم يكن بينهما جهة مشتركة ضمنية من غير فرق بين كون الجهتين تقييديتين او تعليليتين اذا عرفت عنوان المسألة فاعلم ان كل عنوان من العنوانين تارة يؤخذ من مرتبة من الوجود بنحو يكون مميزا عن الآخر بتمام الحقيقة واخرى يؤخذ من مرتبة من الوجود بنحو يشترك مع الآخر بجهة من الجهات فان قلنا بالأول يمكن القول بالجواز وان قلنا بسراية الحكم من الطبيعة الى الفرد اذ على ذلك التقدير المجمع قد اجتمع فيه كل فرد من العنوانين في ضمن حيثية مخصوصة وسراية الحكم من الطبيعة الى الفرد الى ما بازائه من الحيثية الخارجية بلا سراية الى غيره وكونهما واحدا وجودا لا يمنع عن الجمع بين المتضادين فى الحيثيتين المحفوظتين فلا يلزم اجتماع الضدين في شىء واحد وان قلنا بالثاني فاشتراكهما فى تلك الجهة الضمنية اوجب سراية كل واحد من الامر او النهي الى الآخر فلذا يكون من قبيل الجمع بين الضدين ولازمه القول بالامتناع وقد عرفت مما تقدم ان الصلاة والغصب من هذا القبيل على نحو التفصيل وبالجملة ان محل الكلام في ما اذا كان الاتحاد بحسب الوجود إلا انه بالنسبة الى الحيثيتين ان كان بينهما اشتراك فى جهة ضمنية فيكون التركيب اتحاديا وجودا وحيثية وان لم يكن بينهما جهة اشتراك بل بينهما تمام المباينة والاختلاف فيكون التركيب انضماميا وعلى الاول تكون الحيثيتان تعليليتين ولازمه القول

١٦١

بالامتناع لسراية الحكم من كل من العنوانين الى تلك الجهة الاشتراكية فى المجمع وحينئذ يكون من قبيل الجمع بين الضدين وعلى الثاني تكون الحيثيتان تقييديتين باصطلاح القوم ولازمه القول بالجواز لعدم سراية الحكم من احدهما الى الآخر لعدم وجود جهة اشتراك هذا على القول بسراية الحكم من الطبيعة واما على القول بعدم السراية فلا مانع من القول بالجواز بجميع مراتبه أي مرتبة المحبوبية والمبغوضية ومرتبة الارادة والكراهة ومرتبة البعث والزجر من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها اللهم إلا ان يقال بعدم اعتبار المندوحة بالنسبة الى مرتبة المحبوبية والمبغوضية فانه من الممكن ان تكون الطبيعة محبوبة والفرد مبغوضا واعتبارها بالنسبة الى مرتبة الارادة والكراهة فان الارادة الفعلية لا مانع من تعلقها بالطبيعة والكراهة بالفرد غير المنحصر والى مثل ذلك نظر من اعتبر المندوحة فى محل النزاع اذ مع عدم المندوحة يلزم تعلق ارادة فعلية بالطبيعة مع تعلق ارادة فعلية بترك الفرد المنحصر بالحرمة وهو محال لكونه من الجمع بين الضدين كما انه لا وجه لاعتبارها فيما لو قلنا بالجواز على السراية بدعوى كون تكثر الجهة مما يوجب التعدد فى جهات الوجود فانه وان كان المقام من قبيل المتلازمين إلا انه لا يمكن اجتماع الارادة الفعلية مع الكراهة الفعلية في الوجود الواحد حتى مع وجود المندوحة فضلا عن عدمها كما ان دعوى عدم الجواز مبنية على كون الاجتماع مأموريا لا آمريا بتقريب ان المولى علق امره بنفس الطبيعتين المتغايرتين إلا ان العبد بسوء الاختيار جمع بينهما باتيان المجمع وذلك لا قبح فيه على الآمر بالنسبة لأمره بالطبيعتين ممنوعة لان الجواز ان كان مبنيا على عدم السراية فلا يكون فى البين اجتماع آمري ولا مأموري وان كان مبنيا على السراية ومكثرية الجهة مع عدم تحقق جهة مشتركة ضمنية فلا

١٦٢

يكون فى البين ايضا اجتماع لا آمري ولا مأموري من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها كما انه مع تحقق الجهة المشتركة الضمنية والقول بالسراية يلزم محذور اجتماع الامر والنهي من غير فرق بين وجود المندوحة وعدمها ودعوى ان الفرق بين وجود المندوحة وبين عدمها بانه مع وجودها يكون الاجتماع مأموريا لا آمريا إذ المأمور بسوء الاختيار قد اتى بالمجمع ولا قبح فيه على الآمر ومع عدم المندوحة يلزم ان يكون الاجتماع آمريا لانه على تقديره يكون هو الذي اوقعه في ذلك ممنوعة بناء على ان ملاك الاستحالة فى باب الاجتماع هو اجتماع الضدين لما عرفت انه بناء على الجواز بأي ملاك اخذ من عدم السراية او السراية ومكثرية الجهة مع عدم الاشتراك في الجهة الضمنية فلا محذور في اجتماع الامر والنهي لا من ناحية الآمر ولا من ناحية المأمور من غير فرق بين وجود المندوحة وبين عدمها واما بناء على الامتناع كما لو قلنا بالسراية مع وجود جهة مشتركة ضمنية فيلزم محذور اجتماع الضدين من ناحية الآمر ولو مع وجود المندوحة نعم يمكن دعوى الفرق بين وجود المندوحة وبين عدمها لو كان المحذور في باب الاجتماع هو التكليف بما لا يطاق بناء على عدم سراية التكليف من المتعلق الى الفرد فمع وجود المندوحة فلا محذور فى الاجتماع لعدم لزوم التكليف بما لا يطاق لا بالنسبة الى الآمر ولا بالنسبة الى المأمور ومع عدم المندوحة يمنع من الاجتماع ويكون آمريا لكونه بالنسبة الى الآمر يكون من التكليف بما لا يطاق إلا ان المحذور الذي ذكره القوم راجع الى توجه الخطاب وهو استحالة الجمع بين الضدين فعليه لا مجال للتفصيل بين كون الاجتماع آمريا او مأموريا فقط نعم لو اريد من محل النزاع هو الاجتماع فى مقام الامتثال كان لهذا التفصيل مجال نعم لا بد من اعتبار المندوحة على القول بالجواز في المعاملة

١٦٣

التى تستلزم التصرف في مال الغير كما لو اجر نفسه لنساجة ثوب فنسجه في المكان المغصوب فان المندوحة معتبرة حال الايجار والاستيجار ومع عدمها تقع الاجارة باطلة من حينها واما على الامتناع يكون العمل المأتي به في ذلك المكان منهيا عنه فليس بمال شرعا فلا تشمله الاجارة ولا يستحق العامل الاجرة لا المسمى ولا اجرة المثل من غير فرق بين المندوحة وعدمها كما لا يخفى ثم انه استدل للقول بالجواز بوقوع ذلك فى الشرعيات كالعبادات المكروهة على اقسامها الثلاثة وهي ما تعلق النهي بذاته ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء وما تعلق بذاته وله بدل كالصلاة في الحمام وما لا يتعلق بذاته بل تعلق بما هو مجامع له كالصلاة فى مواضع التهمة بيان ذلك انه لا اشكال فى تحقق التضاد بين الاحكام وكما لا يعقل اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد لكونه من قبيل اجتماع الضدين كذلك لا يعقل اجتماع الوجوب والكراهة او الاستحباب والكراهة للمحذور المتقدم ولكنه لما كان الاخير واقعا في الشرعيات دل على عدم استحالته وسره ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه وبذلك ترتفع غائلة استحالة الجمع بين الضدين في المقامين وقد اجاب الاستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله انه اذا تعلق النهي بذاته ولا بدل له يكون رجحان الترك زائدا على مصلحة الفعل وهو ليس كالرجحان الناشئ عن مفسدة في الفعل لان ارجحيته على الفعل انما نشأ من اهتمام الشارع بمصلحته ولذا لا يوجب حزازة ومنقصة فى الفعل فيمكن ان يتقرب به لاشتماله على المصلحة الموافقة للغرض بخلاف ما يكون الرجحان ناشئا من مفسدة في الفعل فلا يمكن معها التقرب به وقد اعترض على ذلك في الحاشية بان ارجحية الترك وان لم تكن ناشئة من مفسدة في الفعل إلا انه يوجب الامر بالترك وهو يوجب النهي عنه ومعه

١٦٤

لا يمكن ان يتقرب بالفعل وقد اجاب عنه بالفرق بين النهي التحريمي والنهي التنزيهي فان التحريمي يقتضي الفساد فلا يمكن ان يتقرب بما هو معصية بخلاف التنزيهي فانه لا يقتضي الفساد فلا مانع من التقرب به اذ لم يكن ناشئا عن منقصة وحزازة في الفعل وانما نشأ من المصلحة الراجحة فحينئذ الفعل باق على ما هو عليه من المحبوبية والرجحان فلذا لم تفسد العبادة اذا كانت ضدا لمستحب اهم اتفاقا وبما ذكر او لا اجاب عما اذا تعلق النهي بذاته وله بدل على انه يمكن ان يقال بان الكراهة في العبادة بمعنى اقل ثوابا بالقياس الى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات وكذا كونه اكثر ثوابا وحينئذ يكون النهي في هذا القسم للارشاد كما انه اجاب عن القسم الثالث بما ذكر اخيرا على الامتناع مع الاتحاد اذ الاتحاد مع العنوان يعد من المشخصات الموجبة لاختلاف الطبيعة المأمور بها في زيادة الثواب ونقصانه وعلى القول بالجواز فالنهى يمكن ان يكون ارشاديا الى غيرها من الافراد مما يكون متحدا معه او ملازما له ويمكن ان يكون مولويا بأن النهي عن العبادة بالعرض والمجاز والنهي حقيقة قد تعلق بذلك العنوان المتحد مع العبادة او الملازم وهكذا لو قلنا بالامتناع مع الملازمة ولكن لا يخفى ان الترك لما كان عدميا يمتنع ان يكون فيه مصلحة كما ان انطباق العنوان على الترك ان كان وجوديا يمتنع انطباقه على الترك وان كان عدميا فليس فيه مصلحة على ان اقلية الثواب عما يقتضيه طبع العبادة لا تسمى بالكراهة اذ قلة الثواب لقصور في الاقتضاء اجنبي عن كونها اقل لاجل مزاحمة المصلحة مع المفسدة غير الملزمة وهو الصالح لاطلاق الكراهة عليه.

فالتحقيق في الجواب ان يقال انه بالنسبة الى ما له بدل كالصلاة في الحمام

١٦٥

او الصلاة في مواضع التهم فالمصلحة القائمة بطبيعة الصلاة التي اوجبت تعلق الامر بها تسري الى الحصص المتحققة في الافراد ولا تسري الى خصوصيات الافراد فالفرد المشتمل على مفسدة غير ملزمة لما كان فيه حصة من الطبيعة وخصوصة فبالنسبة الى حصته لاتحاده مع الجامع تكون مفسدته مغلوبة ومنتفية وحينئذ تبقى المفسدة في خصوصية محفوظة لا مزاحم لها فعليه مصلحة الجامع لا تزاحم المفسدة المتحققة في الخصوصية لا في مقام التأثير ولا في مقام الايجاد والعقل يحكم بأن مقتضى الجمع بين المصلحة القائمة بالجامع المنطبق على الحصة الموجودة في الفرد وبين المفسدة القائمة بالخصوصية بترك الفرد تركا تنزيهيا بمعنى انه برشد الى الاتيان بالافراد التى لم تكن فيها تلك المفسدة من الخصوصيات الملاءمة ولاجل ذلك لا يحكم العقل بالتخيير بين هذا الفرد وبين بقية الافراد كما حكم في غير هذا المقام لما هو معلوم انه يحكم بالتخيير فيما اذا كانت الافراد متساوية الاقدام بالنسبة الى مقام الايجاد من دون خصوصية ومزية في بعضها ومع تحقق المزية يحكم بتقديمها ان كانت بنحو تلائم الطبيعة بمقدار ملائمتها فمع وجود المرجح ولو كان تنزيهيا فالعقل يحكم بترجيحه بمقدار مزيته من الكراهة وهذه لا تمنع التقرب بالفرد لاشتماله على المصلحة القائمة بالجامع المنطبق على الحصة الموجودة في الفرد. هذا كله فيما له البدل.

واما بالنسبة الى ما لا بدل له كالصلاة في الأوقات المخصوصة فيمكن ان يقال بان الكراهة متحققة فى الكون الخاص ولا تزاحم المصلحة المتحققة في ذات العبادة وبعبارة اخرى المصلحة تقوم فى الافعال والكراهة والمبغوضية في كونها فى الظرف الخاص فلا مزاحمة بينهما ، وهذا الذي ذكرناه اولى من الالتزام بان

١٦٦

الكراهة في العبادة أقل ثوابا لا بقاء الكراهة على حقيقتها المصطلحة واقلية الثواب لا يتحقق مع الكراهة التي هي عبارة عن الحرازة والمنقصة إلا انها ليست كالحزازة والمنقصة فى النهي التحريمي على ان حمل الكراهة على الاقل ثوابا يوجب التصرف في النهي الظاهر في الكراهة ويبعد حمل النهي على ذلك.

ويظهر مما ذكرنا ضعف ما ذكره الشيخ الانصاري قدس‌سره من ان الفعل المتعبد به لا يكون بنفسه مكروها وانما يكون تركه مستحبا أكد من وجوده لانطباق عنوان راجح عليه فان ذلك خلاف ظاهر النهي فان ظاهره مرجوحية فعل العبادة لا ان تركها راجح على ان ذلك العنوان ان كان وجوديا كيف ينطبق على الترك والترك امر عدمي واذا كان عدميا فلا مصلحة فيه لكي يكون سببا لرجحان ما ينطبق عليه اللهم إلا ان يقال بان ما هو الراجح هو عنوان ملازم للترك فيكون الترك راجحا لملازمته لذلك العنوان وهذا اولى من الالتزام برجحانية الترك لكونه امرا عدميا فلا مصلحة فيه لكي يكون راجحا ولكن لا يخفى ان ذلك وان كان صحيحا في نفسه إلا انه لا يوجب مرجوحية العبادة لكي تكون مكروهة إذ هي ليست نقيضا لذلك العنوان الملازم لكي يكون مرجوحا وانما هو نقيض لتركه الذي ليس فيه رجحان حسب الفرض ومن هنا ظهر الاشكال فيما ذكره الاستاذ في الحاشية من ان التنزيهي نشأ من المصلحة الراجحة ولم ينشأ من الحزازة والمنقصة فان المصلحة الراجحة ان كانت في الترك فانه امر عدمي ليس فيه مصلحة وان كانت في العنوان المنطبق عليه فان كان ذلك امرا وجوديا فلا يعقل انطباقه على الأمر العدمي وان كان عدميا فليس فيه مصلحة لكي يوجب رجحان الترك فيكون الفعل مرجوحا وان كان الرجحان بفعل ملازم للترك فلا يوجب مرجوحية

١٦٧

الفعل لعدم كونه نقيضه وانما هو نقيض للترك الخالي من الرجحان فافهم وتأمل.

(تنبيهات اجتماع الامر والنهى)

ينبغي التنبيه على امور : الاول ان المسألة المفروضة انما هي من باب التزاحم الذي هو عبارة ان يكون كل من متعلق الامر مشتملا على مصلحة ومتعلق النهي مشتملا على مفسدة لكي يكون المجمع مشتملا عليهما مثلا الكون فى الدار الغصبية اشتمل على مقتضى الصلاة وعلى مقتضى الغصب وليست المسألة المفروضة من باب التعارض الذي هو عبارة عن تنافي الدليلين الموجب للعلم بوجود المقتضي في احدهما من غير فرق بين ان يكون التنافي بين الدليلين او لا وبالذات كما لو دل احدهما على الوجوب والآخر على الحرمة او ثانيا وبالعرض كما لو دل دليل على وجوب الظهر يوم الجمعة. وآخر على وجوب الجمعة فيها مع انا نعلم من الخارج انه لا تجب في يوم الجمعة إلا صلاة واحدة فبسبب هذا العلم الاجمالي اوجب العلم بكذب احد الدليلين هذا بحسب مقام الثبوت ، واما بحسب مقام الاثبات فيعلم كون المورد من التزاحم او التعارض من الدليل قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان اذا احرز ان المناط من قبيل الثاني فلا بد من عمل ، المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير وإلا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين (١) الخ) وهذا الدليل الذي

__________________

(١) قال بعض السادة الأجلة قدس‌سره في بحثه الشريف ان الدليلين

١٦٨

احرز فيه وجود المقتضيين لا يخلو اما ان يكون قطعيا يدل على اجتماع الملاكين

__________________

اذا كانا مجملين او كان احدهما مجملا فلا اشكال فى عدم احراز المقتضي لكلا الحكمين فى مورد الاجتماع وان كانا مطلقين كان مقتضى اطلاقهما سراية الحكم الى مصاديق المتعلق مثلا اذا ورد صل ولا تغصب وكانت مادة الصلاة مطلقة كان مقتضى اطلاقها ارادة جميع ما هو مصداق لطبيعة الصلاة حتى مورد الغصب وكذا اذا كانت مادة الغصب مطلقة فيكون مورد الاجتماع داخلا فى كل من الدليلين ومتحققا فيه كل من العنوانين فبناء على جواز الاجتماع لا اشكال في ذلك لعدم المانع على هذا القول من تأثير كل عنوان اثره كما اذا لم يكن إلا عنوان واحد وعلى الامتناع كان تأثير كل منهما مزاحما للآخر ومانعا منه فلا بد وان يكون المؤثر ما هو الأقوى فيكون المرجع فى ذلك باب التزاحم دون التعارض فان الحكم فى كل من الدليلين وان كان فعليا إلا ان فعليته انما هو بالقياس الى الموانع الشرعية فان اطلاقه انما ينفي تلك الموانع دون الموانع العقلية وبناء على الامتناع تكون فعلية كل واحد من الحكمين في الموارد مانعا عقليا عن فعلية الآخر فلا يكون الاطلاق متعرضا لنفيه نظير ما لو اتفق مزاحمة الواجب لواجب آخر والحاصل انه بناء على القول بالامتناع يصدق كل واحد من الدليلين في حكايته عن الحكم الفعلي بمعنى المقابل للموانع الشرعية ويكون تقديما لأحد الملاكين على الآخر في مقام التزاحم غير مناف لما يظهر من دليل آخر من كون الحكم فيه فعليا لعدم خروجه بذلك عن الفعلية بهذا المعنى. نعم لو كان كل من الدليلين متعرضا لاثبات فعلية الحكم من جميع الجهات وفي جميع الموانع حتى هذا المانع العقلي الناشئ عن المزاحمة كان كل من الدليلين معارضا للآخر اذ لا يمكننا تصديقهما معا ولزم الرجوع الى باب المعارضة إلا أن ذلك محض فرض والفرق بين الموانع الشرعية والعقلية هو

١٦٩

في مجمع واحد فيكون من باب التزاحم ويخرج عن باب التعارض بخلاف ما لو قام دليل على وجود ملاك واحد في المجمع فيدخل في باب التعارض ويخرج عن باب التزاحم واخرى يكون ظنيا بان يحرز اجتماع الملاكين من ظاهر الدليل كما هو ظاهر صل فانه يقتضي قيام المصلحة فى المتعلق من غير فرق بين الموارد وكذلك لا تغصب فانه يدل على قيام المفسدة في المتعلق من غير فرق بين مورد ومورد فالمجمع بمقتضى ظاهر الدليلين يكون فيه كلا المقتضيين فيكون من باب التزاحم ويدخل في مسألة الاجتماع بخلاف ما لو ورد صل ولا تصل فانه يستحيل اشتمال العنوان الواحد على مصلحة ومفسدة فيكونان من باب التعارض فيحتاج الى مرجح لكي يميز ما هو

__________________

انه بالنسبة الى الشرعية يكون مضيقة لدائرة الحكم حتى في عالم المقتضى بنحو ينحصر المقتضي للحكم في غير مورد ذلك المانع بخلاف الموانع العقلية الناشئة من التزاحم فانها انما تنشأ من قبل عدم امكان فعلية المتزاحمين وتأثيرهما في حق المكلف فلا اثر لها في المقتضى فلا يكون مستلزما لتضييق دائرة المقتضي وانما يكون مستلزما لانحصار فعلية احد الحكمين في مورد عدم فعلية الآخر ولذلك يكون الفعل المأتي به في مورد المزاحمة بالتكليف الآخر الذى هو الاقوى اقتضاء صحيحا لبقائه على ما هو عليه من الصلاح وملاك الامر ومقتضيه غاية الأمر عدم دخوله تحت الطبيعة بما هي مأمور بها فعلا ولأجل مزاحمة الأمر المتعلق بما هو اهم منه واقوى اقتضاء بل يمكن ان يؤتى به بداعي الامر لعدم قصوره في كونه فردا لطبيعة المأمور به وان كان الامر لا يشمل هذا الفرد لاجل المزاحمة وقد اشكل على صحة العبادة على الامتناع وقد يقال بصحتها مع التقصير بدعوى امكان التقرب بها وان كان معاقبا عليها فان التقرب بالجهة الصلاتية لا ينافي العصيان بالجهة الغصبية كما لا يخفى.

١٧٠

الحجة من غيرها ومن صور التعارض ما لو اتفق اقتران قرينة عقلية بالعنوانين المختلفين دالة على كون الحكمين لم ينشئا إلا من ملاك واحد كما لو قام دليل دال على الوجوب والآخر دال على عدم الوجوب ولكن يشترط ان تكون دلالته على عدم الوجوب بالمطابقة كصل ولا يجب الغصب فان مقتضى الأول تحقق وجود المقتضي فى المجمع ومقتضى الثاني انتفاء المقتضي فيه ولا يعقل ان يكون شيء واحد جامعا للمقتضيين وعدمه فاذا كان من ذلك القبيل فيكون ذلك من باب التعارض فيحتاج الى اعمال المرجحات المقررة لباب التعارض.

فان قلت ايضا اذا اجتمع الوجوب والتحريم كما في مقام التزاحم يكون من هذا القبيل إذ دليل التحريم قاض بعدم الوجوب فيكون من باب التعارض والفرق بينهما تحكم قلت انا احترزنا في اصل العنوان بان تكون الدلالة مطابقة فرارا عن هذا الاشكال إذ دليل الحرمة لا يدل إلا على اشتمال المتعلق على المفسدة ولما كانت المفسدة مزاحمة مع المصلحة كان ذلك الدليل بالالتزام دالا على عدم الوجوب فدلالته على عدمه لا من حيث عدم كون الوجوب فيه مصلحة بل من حيث مزاحمته.

وبالجملة ان اطلاق الدليلين يقتضي وجود الملاك فى المجمع فيكون من باب التزاحم ويجب اعمال مرجحاته المقررة له إلا اذا كانت قرينة تدل على عدم المزاحمة كما لو كانت عقلية تهدم اصل الاطلاق بان يحكم العقل بأدنى التفات الى عدم تحقق الاطلاق فى المتعلق كما لو قال تهجد فى الليل فان العقل يحكم بعدم تحقق اطلاق له بنحو يشمل اليقظة والنوم فيكون من قبيل القرينة المتصلة بالكلام الرافعة لأصل الاطلاق فلا يكون لمثل هذا الدليل شمول لمورد الاجتماع لكي

١٧١

يكون فيه ملاكه ومن القرينة العقلية ما عرفت من اقترانها بدلالة احد الدليلين بالمطابقة على عدم الوجوب فانه بالنسبة الى ما دل على الوجوب يكون من باب التعارض لحصول التكاذب بين الدليلين واما تقديم احد الدليلين على الآخر لكونه اقوى ملاكا فلا يكون من القرينة العقلية الرافعة للاطلاق المستكشف منه عدم الملاك في المجمع إذ ذلك انما يكون بعد ان ينعقد للكلام ظهور وبه يتحقق الاطلاق ومع تحققه فى الدليلين يكون المجمع مؤدى لكلا الاطلاقين الكاشفين عن تحقق الملاكين في المجمع وبالتقديم يرتفع حجية الاطلاق ولا يرتفع اصل الاطلاق ويكون من قبيل القرينة المنفصلة عن الكلام غير رافعة للاطلاق. وبالجملة بالتقديم يوجب سقوط الظهور عن الحجية لا اصل الظهور الكاشف عن تحقق الملاك وهذا التقديم انما يتحقق فيما اذا كان متعلق الخطابين متعددا بنحو لا يكون بينهما جهة اشتراك ولو اجتمعا فى واحد شخصي فانه وان كان العقل حاكما بعدم تحقق الكراهة والارادة في الواحد الشخصي إلا ان ذلك من باب القرينة المنفصلة فلا ينافي الظهور الموجب لتحقق الملاك فى المجمع فيعد من باب التزاحم بخلاف ما لو لم يكن الخطابان متعددين بل كلاهما متعلق بشيء واحد بنحو يدرك المكلف بفطرته ان المولى لا يريد كليهما للتناقض بينهما بل يجوز ان يريد احدهما ومثل ذلك يعد من باب التعارض لعدم انعقاد ظهور للخطابين الفعليين ويكون ذلك من قبيل القرينة المتصلة المانعة من انعقاد الظهور ومن ذلك يعلم الفرق بين التعارض والتزاحم. وحاصله هو ان الخطابين ان كان المكلف يدرك تحقق التدافع والتمانع بينهما كما لو تعلقا بشيء واحد فلا ظهور لكل من الخطابين ولا يستكشف من احدهما ارادة ولا كراهة بل يكون كل منهما مكذبا للآخر وطاردا له فهو باب التعارض ويلحق به

١٧٢

ما لو اخذ في موضوع احد الخطابين جزء وفي الآخر كل فان ما كان موضوعه الكل يمنع الحكم على ما كان موضوعه الجزء وكذا العكس فيكون بينهما تمانع وتضاد فلذا يعد من التعارض ومن هنا قلنا بان ما كان بين الدليلين عموم وخصوص مطلق يدخل تحت التعارض لما كان بينهما بالنسبة الى الأخص تمانع وتعارض بخلاف ما كان بين الخطابين عموم وخصوص من وجه فانه يعد من باب التزاحم لشمول كلا الخطابين لمورد الاجتماع وتصادقهما فى مورده لا يرفع اصل الاطلاق وان رفع اجتماع الارادة والكراهة فيه او المحبوبية والمبغوضية فيه بناء على الامتناع اذ ذلك لا ينافي بقاء الاطلاق بالنسبة الى مرتبة الاقتضاء فمن كل اطلاق يستكشف ثبوت الملاك فى مورد الاجتماع وقد عرفت ان تقديم احد الخطابين على الآخر كما هو لازم القول بالامتناع لكونه اقوى ملاكا لا يرفع اصل الاطلاق المحقق للملاك بل يرفع حجيته ولاجل ذلك يمكن لنا القول بان الاصل في باب العام والخاص من وجه التزاحم كما ان الأصل فى العام والخاص المطلق التعارض وكيف كان فباب اجتماع الأمر والنهي من صغريات باب التزاحم لاستكشاف الملاكين من اطلاق الخطابين الشاملين لمورد الاجتماع فيكون مورده مجمعا للملاكين ولازمه الاخذ بأقواهما لا بقوة السند اذ ربما يقدم ما هو اقوى ملاكا في امثال المقام على ما هو اقوى سندا ودعوى ارجاع المقام الى باب التعارض بتقريب انه يكون من التزاحم فى مقام التأثير الذي هو من مختصات باب التعارض وتخصيص التزاحم في التضاد وجودا بتقريب ان التزاحم فى التأثير يرجع امره الى المولى وربما يقدم ما هو اقوى سندا بخلاف ما لم يكن التزاحم في التأثير بل يكون فى مقام الوجود فليس امر التعيين بيد المولى بل يرجع امره الى العقل فيحكم بما هو

١٧٣

اقوى ملاكا لا اقوى سندا ممنوعة فانه بعد فرض كون الاطلاق يثبت وجود الملاك في مقام التأثير فلا مانع من تأثير كل من الملاكين الا تمانعهما في مقام التأثير فحينئذ كيف يرجع امر ذلك الى المولى فيقدم ما هو اقوى سندا مع ان العقل يرى تقديم ما هو اقوى ملاكا نعم للمولى ذلك مع وجود مانع للتأثير فان العقل ينعزل عن الحكم معه وتحققه خلاف الغرض وكيف كان فظاهر اطلاق الخطاب يقتضي شمول الحكم لجميع المراتب من مرتبة المحبوبية والمبغوضية ومرتبة الارادة والكراهة ومرتبة الاقتضاء فعلى الامتناع يلزم رفع الاطلاق بالنسبة الى المرتبتين الاوليتين واما بالنسبة الى المرتبة الاخيرة فلا موجب لرفع الاطلاق فحينئذ لا مانع من بقاء الاطلاقين وبقائهما بالنسبة الى تلك المرتبة يوجب بقاء الملاكين فى المجمع فيدخل فى باب التزاحم ولا مانع من التفكيك بين انحاء الظهور فان ذلك غير عزيز كالعام فانه حجة في الباقي بعد التخصيص ولا يخفى ان ما ذكرناه من التبعيض فى انحاء الظهور بان نأخذ بالاطلاق بالنسبة الى مرتبة الاقتضاء ولا نأخذ بالاطلاق بالنسبة الى مرتبة الارادة والكراهة ومرتبة المحبوبية والمبغوضية اولى من التمسك باطلاق المادة دون الهيئة لاثبات تحقق الملاك فى مورد الاجتماع كما ادعاه بعض إذ اطلاقها منفي بعد اتصالها بالهيئة لكونه من قبيل الاتصال بما يصلح للقرينية وخصوصا مع تبعية احدهما للآخر فلا مجال للتفكيك بينهما اطلاقا وعدما عرفا فلا تغفل.

ثم لا يخفى انه ذكر الاستاذ (قدس‌سره) في الكفاية في الأمر التاسع ما لفظه (ولو كان بصدد الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلا اذا علم اجمالا بكذب احد الدليلين فيعامل معهما معاملة

١٧٤

المتعارضين واما على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين فى مورد الاجتماع اصلا فان انتفاء احد المتنافيين كما يمكن ان يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن ان يكون لاجل انتفائه) ولا يخفى ما فيه فانه ليس مبنى الجواز على حسب مرتبة الفعلية اذ لا يعقل الاجتماع في تلك المرتبة وانما مبنى الجواز على حسب مرتبة المبغوضية والمحبوبية. نعم يمكن القول بالجواز بحسب مرتبة الفعلية بناء على القول بعدم السراية لكن ذلك خلاف ما اختاره الاستاذ (قدس‌سره) واذا ارتفقت الفعلية لم يكن يستكشف جهة الاقتضاء فى كل واحد منهما فمع عدم الاستكشاف فلا معنى للحكم بكونه من باب التزاحم دون التعارض وكذا ليس القول بالامتناع يبنى على التعارض كما توهم بتقريب ان التضاد بين الحكمين يوجب عدم وصولهما الى مرتبتهما الفعلية وحينئذ لا يستكشف الملاك ومع عدمه لا يكون من التزاحم بل من باب التعارض ولكن لا يخفى ان كون التضاد مانعا لوصولهما الى تلك المرتبة لا يوجب رفع الظهور بالنسبة الى مرتبة الاقتضاء لما عرفت انه لا مانع من التفكيك بين انحاء الظهور بأن لا يكون الدليل ظاهرا بالنسبة الى المرتبة الفعلية ولكن له ظهور بالنسبة الى قيام المصلحة بالمتعلق فيكون المجمع منطبقا عليه العنوانان قد اشتمل على المصلحة والمفسدة فيكون من باب التزاحم على القول بالامتناع كما لا يخفى.

التنبيه الثاني انه لا اشكال في صحة الصلاة فى الدار المغصوبة لمن كان غافلا عن الموضوع او كان جاهلا مركبا ولمن علم بالموضوع وناسيا للحكم او كان جاهلا فيه ولكن كان عن قصور لان صحة الصلاة موقوفة على امكان الاتيان بقصد التقرب وفى جميع هذه الصور يمكن للمكلف اتيانها بقصد القربة برجاء المحبوبية

١٧٥

او بقصد التوصل الى الفرض او باعتقاد المطلوبية ولا يخفى ان هذا هو الوجه في صحة العبادة فى الدار المغصوبة في هذه الموارد فما ذكره بعض من صحتها في الموارد المذكورة ففي الغفلة عن الموضوع هو عدم تنجز التكليف بالنهي لعدم العلم به فيكون غير مقدور ومن شرط التكليف القدرة فلا يكون النهي مع تلك الحالة متحققا فيبقى الأمر من دون مزاحمته للنهي فيأتي المكلف بالصلاة بداعي الأمر. واما بالنسبة الى بقية الموارد كالغفلة بالحكم والاعتقاد بالخلاف ونسيان الحكم والجهل وبه قصورا فانها تمنع من تنجز النهي فتكون مصلحة الأمر متحققة من دون مزاحم فتؤثر اثرها فتكون الصلاة حينئذ متمحضة للارادة والطلب محل منع لانه بناء على الامتناع وتغليب جانب الحرمة تكون المصلحة مغلوبة فيكون العمل متمحضا للمبغوضية فاذا كان مبغوضا لم يتعلق به ارادة في مرتبة الفعلية ومعه لا يمكن التقرب به. ودعوى ان الصلاة في حال الجهل قصورا صحيحة لعدم كون مخالفة الخطاب مبعدا فيبقى الخطاب الآخر مقربا بلا مزاحم ممنوعة اذ الجهل بالخطاب لا يغير الواقع عما هو عليه من المبغوضية فتنحصر جهة المقربية بما ذكرناه من رجاء المحبوبية او التوصل الى الفرض او اعتقاد المطلوبية او بدعوة رجاء الأمر ولذا اشتهر ان اباحة المكان من الشرائط العلمية حيث ان الحرمة لا تكون مانعة عن التقرب إلا في مقام تنجز النهي من غير فرق بين كونها معلومة او غير معلومة كما فى الجاهل المقصر وبالجملة المدار على تنجز النهي فمع تنجزه لا يمكن التقرب بمتعلقه كما فى صورة العلم والجهل تقصيرا ومع عدم تنجزه يمكن لنا التقرب بالانحاء المتقدمة ولا مانع بالاكتفاء لمثل ذلك فى مقام التقرب بعد كون العمل واجدا للملاك لا يقال ان ما ذكر لا يكون موجبا لتصحيح العبادة إذ لازمه ان يلتزم بصحتها قبل دخول

١٧٦

وقتها بزعم انه قد دخل لعدم الفرق بين الصورتين مع انه فى الأخير لا اشكال فى الفساد من غير خلاف فكذا الصورة الاولى لأنا نقول بين الصورتين فرق واضح فان الغرض يتوقف على حصول قصد القربة فمع الاتيان برجاء المحبوبية يحصل قصد القربة فيترتب الغرض بخلاف باقي الشرائط كالوقت مثلا فان اعتقاد الخلاف لا يحصل الشرط وبعبارة اخرى ان القربة اوسع من غيرها فان غيرها معتبرة واقعا فلا يكفي في تحققه احتمال التحقق بخلاف القربة فانها تحصل برجاء المحبوبية او باعتقاد المطلوبية كما لا يخفى فافهم وتأمل.

التنبيه الثالث الاضطرار الى المكان الغصبي تارة يكون بسوء الاختيار واخرى لا بسوء الاختيار وعلى كلا التقديرين اما ان يكون الغصب هو الفضاء دون الأرض او الأرض دون الفضاء او كلاهما وعلى جميع التقادير اما ان يكون الاضطرار مستمرا او لا فان كان الاضطرار ناشئا لا بسوء الاختيار وان الغصب عبارة عن الأرض دون الفضاء كان له الاتيان بالصلاة وليس له تركها ويجب مراعاتها لانها لا تترك بحال ولكن يجب الاقتصار على مقدار يتأتى به الواجب مثلا لو قدر ان يأتي بالواجب على رجل واحدة وجب وتعين ولا يجوز له الانتقال إلا من جهة عدم القدرة وهكذا يتنزل من الأكثر تصرفا في الدار الى الاقل تصرفا هذا اذا استمر الاضطرار الى آخر الوقت واما اذا لم يستمر فينتظر حتى يرتفع الاضطرار فيأتي بالصلاة على حسب ما يأتي به المختار واما اذا كان الفضاء مغصوبا دون الأرض كان له صلاة المختار لانه لا بد من ان يكون جسمه شاغلا للفضاء وهذا الشغل لا يتفاوت بحال عن حال فلذا لا يفرق في تصرفاته في حد الفضاء بحالة دون حالة وكيفية دون كيفية وبالجملة انه على هذه الصورة يصلي صلاة المختار

١٧٧

لو تضيق عليه الوقت ولم يكن له مندوحة ومثله في سعة الوقت لو علم باستمرار الاضطرار بل ربما نقول يصلي صلاة المختار حتى مع عدم العلم او العلم بالعدم لأن الصلاة بعد ان كانت مطلوبة فى الحال ولا يتفاوت الحال عليه في اختلاف الأحوال ولم تكن كيفية الصلاة بما هي تفتقر الى كون زائد على ما يقتضيه اصل الكون فلا بأس بالتقرب بالصلاة حينئذ وقد عرفت مما ذكرنا ان التقرب بالكيفيات المتقدمة لا محذور فيه وانها صالحة للتقرب بها لا الكون الغصبي لما عرفت انه مشتمل على مفسدة لا يصلح معها التقرب وحينئذ يكون التقرب باتمام العمل لا بتمامه ولا اشكال فيه إذ الاجماع انما قام على اعتبار التقرب بالتمام فقط في حال الاختيار ولم ينعقد الاجماع على اعتباره في حال الاضطرار فتلخص مما ذكرنا انه على هذا الفرض لا يتفاوت بين حالة وحالة كما لا يتفاوت بين العلم بالاستمرار وعدمه فيصلي صلاة المختار وان كان الأرض والفضاء معا مغصوبين فيأتي بصلاة المختار بجميع احواله ما عدا السجود فلا يأتي به بنحو سجود المختار لأنه بسجوده يحصل مكث زائد على مقدار الكون الغصبي لأنه يشغل الأرض والفضاء على وجه يزيد على ترك الاتيان بتلك الأفعال والهوي ايضا يسقط لأنه مقدمة ومع سقوط ذي المقدمة لا معنى لوجوب المقدمة ولكن هذا مع العلم بالاستمرار واما مع عدم العلم بالاستمرار فلا بد من الانتظار الى زوال الاضطرار لأن المطلوب في حال الاختيار الاستيفاء فلا يسوغ له الاتيان بها ناقصة إلا فى مرحلة الاستمرار اذ معه يحصل له العذر فلا يجوز له مع التمكن من الصلاة الاختيارية فظهر مما ذكرنا ان الاضطرار اذا كان عن قصور لا اشكال فى صحة صلاته على نحو صلاة المختار وتقربه يكون باتيانه بقصد التوصل به الى الغرض نظير تقرب الجاهل القاصر ولا يمكنه التقرب بأمره

١٧٨

لما عرفت ان ما هو مبغوض لا يصح التقرب به وطرو الاضطرار لا يرفع مبغوضيته ودعوى ان الفعل وان كان مبغوضا إلا انه له رجحان فاعلي وهو كاف في التقرب برجحان عمله ممنوعة فان رجحان الفاعل ان كان المراد منه حسن ذاته فهو اجنبي عن رجحان العمل وان كان المراد صدور الفعل منه فلا معنى لمرجوحية الفعل اذ مرجعه الى التفكيك بين ايجاد الفعل ووجوده بان يكون الايجاد راجحا والوجود مرجوحا مع انهما متحدان وجودا وان كان المراد منه اضافته الى الفاعل فهو اجنبي عن التقرب بنفس العمل هذا كله لو لم يتمكن من الخروج واما لو تمكن من الخروج فقيل يجب الخروج لتحصيل وجوب التخلص الذي هو واجب بالوجوب الشرعي ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على كون الخروج مقدمة لترك الغصب مع انه ليس كذلك اذ ترك الغصب نقيضه البقاء وهما في مرتبة واحدة فكيف يعقل ان يكون ترك أحدهما مقدمة للآخر اذ لازمه تقدم احد النقيضين على النقيض الآخر مع انك قد عرفت ان وحدة الرتبة محفوظة بين النقيضين على ان البقاء لو كان بمقدار الخروج زمانا لم يكن البقاء حراما اذ ذلك ملازم لارتكاب الغصب الزائد فلا يقتضي حرمة ارتكاب الغصب الزائد حرمة بقائه كما هو الشأن في المتلازمات ولكن الانصاف ان وجوب المبادرة لكي لا يستلزم من بقائه زيادة ارتكاب الغصب ليس وجوبا شرعيا وانما هو بمعنى اللابدية بمعنى انه لا بد من ترك الملزوم من جهة حرمة اللازم وعليه لا مانع من القول بصحة الاتيان بالصلاة على نحو صلاة المختار فى حال بقائه فى الدار المغصوبة مع فرض تمكنه اذا كان فى سعة الوقت وكان مقدار بقائه بمقدار خروجه لأن هذا المقدار مقهور عليه مع كونه معاقبا عليه من اول الأمر فلا يكون هذا المقدار مبعدا في حقه وانما المعبد لازمه وهو الغصب

١٧٩

الزائد ويعاقب عليه لكونه داخلا تحت الاختيار ولو بان يختار ملزومه.

وبالجملة الصلاة في هذا المقدار لا محذور فيها ويصح الاتيان بها على نحو صلاة الكامل واما لو كان الخروج اقل من البقاء فمع سعة الوقت يجب الصبر حتى يخرج من الغصب ولا تصح منه الصلاة اصلا نعم مع الضيق يجب الاتيان بالصلاة في حال مشيه بايماء للسجود بل يمكن ان يقال بانه فى هذه الصورة لما كان له بقاؤه بمقدار خروجه فله الاتيان بهذا المقدار من صلاة المختار واتيان البقية فى حال المشي ناقصا فى الزائد عن هذا الزمان ودعوى ان فرض تمكن اتيان الصلاة ولو ناقصا من دون غصب يوجب ان يكون المأتي بها فى هذا الزمان مبعدا ولو كان ناقصا ومع كونه كذلك كيف تكون صحيحة ممنوعة بأن ذلك يكون مثل ما لو كان الغصب من اول الأمر بسوء الاختيار اذ لا فرق بينهما في كون ما يأتي به مبعدا فمع تحقق الضيق ينتقل الى الاشارات ويكون حاله كالغريق هذا كله ما لو كان بغير سوء الاختيار واما لو كان الاضطرار بسوء الاختيار فلا شبهة فى استحقاق العقوبة على الدخول وعلى كل تصرف يحصل فى الأرض فعليه لا تصح الصلاة لعدم امكان قصد التقرب إلا ان تكون الصلاة اهم فى نظر الشارع من الغصب فيأتي بها واتيانه بها على تقدير الأهمية لا بد وان تكون بنحو صلاة الغريق اذ الأهمية لا تقتضي إلا اتيان الصلاة ولم تدل على استيفاء الافعال التي يستوفيها المختار اللهم إلا ان يقوم دليل خاص على الاتيان بالأفعال على نحو ما يأتي بها المختار فاذا قام مثل ذلك الدليل يجب اتيانها على ذلك النحو ولكن لا يخفى انه ليس عندنا مثل ذلك الدليل بل ربما يقال انه غير معقول اذ مع حرمة الغصب لا يعقل استيفاء الأفعال الاختيارية لأنه على تقدير الأهمية يكون الغصب مهما

١٨٠