منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

١

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد خاتم النبيين وعلى عترته الكرام الطيبين المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

تقسيم الواجب

(الفصل الخامس) فى تقسيم الواجب (ذي المقدمة) وفيه مباحث ، المبحث الأول ينقسم الواجب الى المطلق والمشروط ، وهذا التقسيم باعتبار ما له من المقدمة ، فان كانت مقدمة لوجوده فمطلق وان كانت لوجوبه فمشروط والذي يدخل فى محل النزاع هو الواجب المطلق دون الواجب المشروط لأن وجوبه حسب الفرض مشروط بوجود المقدمة فقبل وجودها لا وجوب فيه لكي يقال بترشحه عليها وبعد وجودها لا يعقل ترشح الوجوب من ذيها اليها إذ ذلك يكون من طلب الحاصل وتحصيل الحاصل بديهي البطلان.

٢

على أن يكون ما هو متأخر متقدما إذ المقدمة لما كانت مقدمة للوجوب النفسي تكون متقدمة على وجوب الواجب النفسي بالطبع لكونها فى سلسلة العلل لوجوبه وترشح الوجوب الغيري الناشئ من الوجوب النفسي على المقدمة يستلزم تأخرها عن الوجوب النفسي بمرتبتين إذ لا يتعلق الوجوب الغيري بها إلا بمرتبة سابقة على وجودها فوجودها متأخر عن الوجوب الغيري المتأخر عن الوجوب النفسي ، نعم يشكل على هذا التقسيم بأنه ما من واجب إلا وان وجوبه مشروط بالشروط العامة كالبلوغ والعقل والقدرة والاختيار ، فحينئذ تكون جل الواجبات لو لم تكن كلها واجبات مشروطة فلا يصح التقسيم المذكور أي تقسيم الواجب الى المشروط والمطلق ، قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه ، (الظاهر ان وصفى الاطلاق والاشتراط وصفان اضافيان لا حقيقيان) (١) وإلّا لم يكد يوجد واجب مطلق ضرورة اشتراط وجود كل واجب ببعض الامور (لا اقل من الشرائط العامة كالبلوغ والعقل) ولكن لا يخفى ان هذا التقسيم بلحاظ توجه الخطاب ولا إشكال فى عدم صحة توجه الخطاب للفاقد لتلك الامور ، فخروج تلك الاشياء من الشرائط فى محل الكلام من باب التخصص.

وكيف كان الواجب المشروط عبارة من ان الوجوب ، معلق على وجود

__________________

(١) الظاهر ان من جعل الوصفين من الاوصاف الحقيقية يستثني الشرائط العامة كما هو صريح بعضهم فلا يرد النقص بها كما ان الاطلاق والاشتراط ليسا بالاضافة الى كل شيء كما ذكره (قدس‌سره) بقوله : (والحرى ان يقال ان الواجب مع كل شيء الخ) بل بالاضافة الى ما هو مقدمة للوجود مثلا الصلاة واجبة وجوبها مطلق بالاضافة الى الوضوء وغيره مما يتوقف عليه صحتها ووجودها وعليه تكون مقدمة الواجب دائما مقدمة وجود.

٣

المقدمة فمع عدم وجودها لا وجوب كما هو ظاهر تعليق الجزاء على الشروط فى قولك. ان جاءك زيد فاكرمه ، فإن تعليق الطلب والبعث المستفاد من صيغة الامر هو تحققه عند مجيء زيد وانتفاؤه عند عدم مجيئه قال الاستاذ (قدس‌سره) فى الكفاية ما لفظه (ان الوجوب فيه مشروط بالشرط بحيث لا وجوب حقيقة ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط كما هو ظاهر الخطاب التعليقى) وإن كان ما ذكره هنا مخالفا لما ذكره سابقا من أن شرط التكليف انما هو بوجوده اللحاظي والذي عليه التحقيق هو ما يظهر منه هاهنا من أن المعلق على الشرط بوجوده الواقعي هو تعليق نفس الطلب لا المطلوب كما ذهب اليه الشيخ الانصاري (قدس‌سره) مع اعترافه بكون ظاهر القضية الشرطية هو تعليق نفس الطلب إلّا أنه ادعي الخروج عن هذا الظهور بقرينتين لغوية وعقلية ، اما القرينة اللغوية فهي امتناع رجوع القيد الى الهيئة لكونها معنى حرفيا وهو جزئي حقيقى لا يكون قابلا للتقييد لعدم كونه قابلا للاطلاق فما لا يكون قابلا للاطلاق لا يمكن أن يكون قابلا للتقييد ، والقيد وان كان بحسب الظاهر يرجع الى الهيئة فهو راجع الى المادة ولكن لا يخفى انه يتم فيما اذا كان الجزاء هو صيغة الامر واما اذا كان الجزاء هو مادة الامر كما فى قول القائل (اذا جاءك زيد فأنت مأمور باكرامه) فلا يتأتى ما ذكره اذ لا يوجب الخروج عن ظهور القضية الشرطية لقبول المورد للتقييد.

واما القرينة العقلية على ما حكاه الاستاذ في الكفاية ما لفظه (واما لزوم كونه من قيود المادة (١) فلأن العاقل اذا توجه الى شىء والتفت اليه فأما أن

__________________

(١) قال بعض السادة الأجلة (قدس‌سره) في بحثه الشريف ان الصلاة فى قولنا الصلاة واجبة مثلا ماهية لها عارضان يطرأ عليها الطلب والشرط الخاص ـ

٤

يتعلق طلبه به اولا يتعلق طلبه به اصلا لا كلام على الثاني وعلى الاول ، فأما ان ـ فان ورد اولا الطلب ثم الشرط ثانيا كان الشرط من قيود المادة بما هى مطلوبة وليست من قيودها مطلقا ولا من قيود الهيئة لكى يرد المانع اللفظي الذي ذكره الشيخ (قدس‌سره) فانه بناء على ما قوينا من مذهب الرضى في المعنى الحرفي من انه لا معنى لها اصلا وانما هى علامة على معنى في المدخول فاذا طرأت الهيئة على المادة كانت علامة على انها مطلوبة فلا يكون في الذهن ماهية وطلبها بل ليس الموجود في الذهن الا الصلاة لكن بقيد كونها مطلوبة واذا ورد بعد ذلك عليها شرط من الشروط يكون واردا عليها بذلك الاعتبار لا عليها مجردة عن ذلك الاعتبار ولا على ذلك الاعتبار نفسه والحاصل انه على هذا التوجيه لا يكون القيد راجعا الى نفس المادة ليلزم كون الطلب مطلقا والمادة مقيدة ليرجع الواجب المشروط الى المعلق كما انه لا يرجع الى مدلول الهيئة لكى يرد ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من المانع اللفظي بل يكون راجعا الى المادة بلحاظ كونها معروضة للطلب فحينئذ يكون الطلب مقصورا على مورد تحقق الشرط فلا طلب قبله لأن الشارع اذا بعث نحو المادة ثم قيد المادة بشرط بلحاظ كونها مبعوثا اليها يكون مقصورا على مورد الشرط فيلزم قصر الطلب والبعث على ذلك المورد اعنى مورد الشرط فهو وان لم يكن الشرط راجعا الى نفس الطلب لفظيا إلّا انه راجع الى المادة بلحاظ كونها معروضة للبعث ففي اللب والحقيقة يكون ذلك البعث قد قيد بذلك القيد وان لم يكن ذلك لفظيا وحينئذ يكون الواجب على هذا حكمه حكم ما لو رجع القيد الى الهيئة لفظا فكما انه لو رجع القيد الى الهيئة لفظا لا يتحقق الوجوب الا بعد تحقق ذلك القيد فكذلك لو رجع القيد الى المادة بلحاظ عروض البعث عليها لما عرفت من انه يكون راجعا الى البعث لبا وحقيقة فلا وجوب قبل حصول القيد فافهم وتأمل.

٥

يكون ذلك الشىء موردا لطلبه وامره مطلقا على اختلاف طوارئه او على تقدير خاص وذلك التقدير تارة يكون من الامور الاختيارية واخرى لا يكون كذلك وما كان من الامور الاختيارية قد يكون مأخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف وقد يكون لا كذلك على اختلاف الاغراض الداعية الى طلبه والامر به)

ولا يخفى ان هذه القرينة اعم من القرينة السابقة فأنك قد عرفت انها تختص بما يكون الجزاء بصيغة الامر وهذه القرينة لا تختص بذلك بل تشمل الموردين وقد اجاب الاستاذ (قدس‌سره) عن القرينة الاولى بأمر بن الاول ان الموضوع له كالمستعمل فيه في الحروف عام والخصوصية انما جاءت من قبل الاستعمال ولكن لا يخفى ان ذلك لا يصحح تقييد المعنى الحرفي اذ معاني الحروف ملحوظ باللحاظ الآلي كلحاظ المرآة بالنسبة الى المرئي وهذا اللحاظ لحاظ تبعي غير مقصور بنفسه والمعتبر في التقيد أن يكون ملحوظا باللحاظ الأصلي الاستقلالي فلذا منعنا ارجاع القيود الى المعاني الحرفية وبذلك قد أورد الاستاذ قدس‌سره فى حاشية المكاسب عند ذكر الشيخ الانصاري قدس‌سره لصحيحة ابي ولاد. (نعم قيمة بغل يوم خالفته) ما لفظه : (ان اليوم قيد للقيمة اما باضافة القيمة المضافة الى البغل اليه ثانيا يعني قيمة يوم المخالفة للبغل) بما حاصله ، ان هذا مستلزم لتقييد الاضافة المتحصلة من قيمة البغل وتقييد هذه الاضافة غير معقول لكونها من المعاني الحرفية وهي غير ملحوظة على نحو الاستقلال بل لحاظها بنحو التبعية والآلية ولا يعقل جعل الملحوظ بنحو الآلية مقيدا بقيد إذ التقييد يقتضى لحاظ المقيد بنحو الاستقلال فيوم المخالفة لا يعقل جعله قيدا الى الاضافة التي هي من المعاني الحرفية ولا يخفى ان ما ذكره هنا مناف الى ما ذكره في الحاشية وان امكن تصحيح ما ذكره هنا على

٦

ما قويناه في المعنى الحرفى بأن الملحوظ فيه بنحو الالية وان كان اللحاظ استقلاليا

(الامر الثاني) ذكره بنحو التسليم للاول فقال ما لفظه : (مع انه لو سلم انه فرد فانما يمنع عن التقيد لو انشأ اولا غير مقيد لا ما انشأ من الاول مقيدا) ولا يخفى ما فيه لرجوع ذلك الى ان المنع عن تقييده بعد الانشاء لا قبله مع ان الشيخ (قدس‌سره) يلتزم بان المعنى الحرفى غير قابل للاطلاق والتقييد مطلقا والى ذلك أشار بقوله فافهم ثم ان الاستاذ (قدس‌سره) أجاب عن القرينة اللغوية بما لفظه : (ان الشيء اذا توجه اليه وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة او غيرها كما يمكن ان يبعث فعلا اليه ويطلبه حالا لعدم المانع عن طلبه كذلك يمكن أن يبعث اليه معلقا ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لاجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله فلا يصح منه الا الطلب والبعث معلقا بحصوله لا مطلقا ولو متعلقا بذلك على التقدير فيصح منه طلب الاكرام بعد مجيء زيد ولا يصح الطلب المطلق الحالي للاكرام المقيد بالمجيء).

توضيح ذلك : ان توجه الخطاب الموافق للغرض يمكن ان يكون على نحوين فتارة يكون الطلب منه حالي والبعث اليه ايضا حالي لعدم المانع من طلبه واخرى يكون على نحو لا يمكن أن يطلب منه فعلا لحصول مانع منه أي من طلبه حالا فلا بد وأن يكون طلبه على نحو يكون معلقا على حصول الشرط فلا طلب قبل حصول الشرط لحصول المانع وهو المفسدة من طلبه حالا وهذا هو الواجب المشروط ولكن لا يخفى ما فيه اولا ان هذا لا يتم بالنسبة الى بعض الجمل الشرطية التي هي قطعا من الواجب المشروط مثل اذا نمت فاشترى اللحم فانه لا إشكال في انه لا طلب بعد النوم وكقول الشاعر.

(اذا مت فادفني الى جنب حيدر

أبا شبر أعني به وشبيري)

٧

إذ لا يعقل طلب الدفن بذلك الجنب الشريف متحققا بعد الموت ولم يكن فى هذين التعليقين مجاز قطعا بل التعليق فيهما على نحو غيرهما من القضايا الشرطية التي لا يمكن فيها رعاية وعناية فمن ذلك يستكشف ان الطلب في هذين التعليقين سابق زمانا على تحقق الشرط وقس على ذلك القضايا الشرطية الأخر.

وثانيا بناء على ان الانشاء انما هو مقدمة لحصول المراد ولا اشكال فى حصول هذه المقدمة عن اختيار فحينئذ يكون الإنشاء مرادا بالارادة الغيرية لحصول المراد مثلا : الانشاء فى مثل ان جاءك زيد فاكرمه إنما هو مقدمة للاكرام الذي هو مراد بالإرادة النفسية وبما ان هذا الانشاء صدر عن اختيار فيتعلق به وجوب غيري فإذا تعلقت به ارادة غيرية فلا بد وان يتعلق بالاكرام الذي فرض ذا المقدمة ارادة نفسية لعدم انفكاك الارادة الغيرية عن الارادة النفسية وعليه تتعلق الارادة النفسية بالاكرام عند انشاء الطلب ولازمه ان يكون الطلب للاكرام فعليا لكي تتعلق الارادة الغيرية بالانشاء.

وثالثا ان ظهور القضية الشرطية يقتضي اناطة الجزاء بالشرط ولا يقتضي اناطته بارتفاع المانع الذي هو المفسدة كما ادعاه الأستاذ (قدس‌سره) حيث التزم باناطة الجزاء بالشرط مقارنا لارتفاع المانع فخرج عن ظهور القضية الشرطية فلا يكون بارجاع القيد الى الهيئة محافظا على ذلك الظهور بل على مقتضى ما بني عليه ان الذي له دخل فى تحقق الوجوب هو ارتفاع المانع وذلك مخالف لظهور القضية الشرطية ان قلت نفس الشرط الذي علق عليه الجزاء من قبيل المقتضي وارتفاع المفسدة من قبيل ارتفاع المانع.

قلت على ما ذكره لم تكن الاستطاعة مثلا شرطا في حصول الارادة وانما دخلها بنحو يكون من قيود الموضوع بيان ذلك انا لو فرضنا انتفاء المفسدة من

٨

حين انشاء الارادة فنجد تحقق الارادة في الطلب ومع ذلك التعليق تتحقق فلو كانت الاستطاعة شرطا لما تحقق التعليق بلسان الدليل لانتفاء المانع حسب الفرض فهذا يدل على ان الاستطاعة لم تؤخذ شرطا لحصول المراد وانما اخذت فى موضوع الحكم فظهر مما ذكرنا ان الارادة فى الواجب المشروط تتعلق بالمراد بارادة فعلية وكذا على تقدير حصول الأمر الخاص خلافا للمشهور فان الارادة عندهم تعلق بالمراد على تقدير خاص بنحو لا يكون الفعل مرادا قبل تحقق ذلك الأمر الخاص لما عرفت أن بعض القيود عند تحققها لا تحصل الارادة كالنوم والموت ونحوهما وسره ان الحكم الشرعي انما ينتزع من اظهار الارادة التشريعية فالمولى اذا أنشأ ارادته ينتزع الحكم منه وبهذا المعنى يصير الحكم الشرعي فعليا سواء علم به المكلف أم لم يعلم وسواء كان مطلقا أو مشروطا فليس الفرق بين المشروط والمطلق من حيث الفعلية بأن يكون المطلق فعليا والمشروط انشائيا اذ من هذه الحيثية لا فرق بينهما نعم فرق بينهما من حيث السنخ والحقيقة ولذا آثارهما تختلف فإن المطلق حقيقته إرادة الفعل من المكلف على كل تقدير ولذا ينبعث المكلف مع العلم به من دون الانتظار الى شيء واما المشروط فحقيقته ارادة الفعل من المكلف على تقدير خاص فلا ينبعث عند العلم به قبل حصول الأمر المعلق عليه الواجب بل ينتظر حصوله ، وبعبارة اخرى ان القيود ترجع الى ناحية الموضوع فالفعلية لا تتبع وجود الموضوع خارجا وانما تحصل من اظهار الارادة بخلاف المحركية والباعثية انما تتبع وجود الموضوع وقيوده خارجا مثلا لو قال المولى اكرم العلماء لا تحصل المحركية الا بعد وجود العلماء خارجا بخلاف اصل وجود الحكم فانه يتحقق ولو لم يكن الموضوع متحققا خارجا اذ الموضوع في جعل الحكم انما هو معتبر بوجوده

٩

اللحاظي وان كان اعتباره بنحو المرآة لما في الخارج فمع تصور الموضوع ينشأ الحكم وبهذا الانشاء يجعل الحكم فعليا وإلّا لزم التفكيك بين الانشاء والمنشأ وهو أمر غير معقول وبالجملة فعليته تحصل ولو لم يكن الموضوع وقيوده موجودا خارجا بخلاف المحركية والباعثية فانها منوطة بوجود الموضوع خارجا ففي فعلية الحكم يشترك المشروط والمطلق وفي المحركية يختلفان ودعوى ان في الواجب المشروط تعليق نفس الارادة على حصول الشرط فقبل تحقق الشرط لا ارادة أصلا لكي تكون فعلية ممنوعة اذ ذلك مخالف لما نجد من انفسنا بتحقق الارادة بنفس المريد الذى يكون فيه مصلحة على تقدير خاص وان لم يكن ذلك التقدير متحققا فالارادة الفعلية المنوطة على تقدير خاص هي الواجب المشروط في قبال الواجب المطلق الذي هو عبارة عن أن الارادة المطلقة فيه متعلقة بالفعل المقيد إلّا ان ذلك يستلزم ان يكون الملحوظ في الشرط المعلق عليه هو الوجود اللحاظى وان كان ذلك خلاف الظاهر فان الظاهر ان المعلق عليه بوجوده الخارجي او يقال بأن مفاد الهيئة الحكم بمرتبة المحركية والفاعلية وقد عرفت ان الحكم بهذه المرتبة يتبع الموضوع بوجوده الخارجي هذا وقد اختار بعض الأعاظم (قدس‌سره) ما ذكره المشهور واستدل عليه بما حاصله ان جعل الاحكام انما هو على نحو القضايا الحقيقية التي هي عبارة عن كون الموضوع فيها أخذ مفروض الوجود والشروط المعتبرة فى القضية انما تعتبر مقومة للموضوع فالحكم فيها انما يتحقق فى ظرف تحقق موضوعه فقبل تحققه لا حكم أصلا.

ولا يخفى ما فيه لما عرفت ان الحكم الشرعي انما هو عبارة عن نفس الارادة الشرعية التي تحصل بالقول أو بالفعل فباظهارها تكون فعلية من غير فرق بين ان يكون

١٠

متعلقها يحصل على كل تقدير أو على تقدير خاص وذلك لا يقتضي إلّا تصور الموضوع مع جميع قيوده فالحكم يكون فعليا قبل تحقق شرطه فلا يصح جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقة وانما يصح ان تكون الاحكام فعلية قبل تحقق موضوعها وقيوده (١) نعم لو قلنا بأن الاحكام انما هي مجعولات اعتبارية كالملكية فحينئذ يمكن ان تكون على نهج القضايا الحقيقية بأن يكون اعتبارها عند تحقق الشروط كما يمكن ان يكون اعتبارها قبل تحققها مع ان ظرف تحققها هو ما بعد الموت كما فى الوصية التملكية ولكنك قد عرفت ان الحكم الشرعي عبارة عن نفس الارادة التشريعية وهي تتحقق عند اظهار المريد للارادة بالقول أو الفعل وبمجرد الاظهار الناشئ عن الاشتياق المتحقق فى نفس المريد يكون فعليا من غير فرق بين ان يكون متعلق تلك الارادة على كل تقدير فهو الواجب المطلق أو على تقدير خاص فهو الواجب المشروط ثم ان الاستاذ (قدس‌سره) عقب ما اختاره بما

__________________

(١) لا يخفى ان الموضوع في القضية وان كان تصوره معتبرا إلّا انه يؤخذ بما يحكى عن الخارج فالعبرة حينئذ بما فى الخارج لان الذي له الدخل هو ما يكون مشتملا على المصلحة وكونه واجدا للملاك وليس ذلك إلّا الموضوع الخارجي وهو الذي اخذ فى القضايا الحقيقية فعليه فعلية الحكم تتبع وجود موضوعة خارجا ولا يتحقق الحكم قبل تحقق موضوعه فحينئذ لا يعقل ان تكون الاحكام فعلية قبل تحقق موضوعها نعم انما تتحقق الفعلية عند الانشاء في القضايا الخارجية لعدم انفكاك الانشاء عن الفعلية بالنسبة اليها لكون نسبة الفعلية الى الانشاء نسبة المعلول الى العلة فالحكم فيها على موضوع موجود سواء كان شخصا خاصا كمثل اكرم زيدا او عنوانا انتزاعيا عاما بنحو يكون الحكم على الموجودات الخارجية كاكرم من في الصحن وقد استوفينا الكلام في حاشيتنا على الكفاية.

١١

لفظه (هذا بناء على تبعية الاحكام لمصالح فيها فى غاية الوضوح وأما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد فى المأمور به والمنهي عنه فكذلك ضرورة ان التبعية كذلك انما تكون فى الاحكام الواقعية بما هي واقعية لا بما هى فعلية فان المنع عن فعلية تلك الاحكام غير عزيز كما في موارد الاصول والامارات على خلافها) ولا يخفى ما فيه إذ قياسه على موارد الأصول والامارات قياس مع الفارق فان الاحكام تابعة للمصالح في المأمور به وفعلية تلك الاحكام لا ترتفع فى موارد الاصول والامارات الا وان تكون المصلحة فيها مزاحمة لمفسدة أهم من تلك المصلحة لكون المفسدة حينئذ تمنع تنجز التكليف الواقعي كما ورد ذلك في السواك وهذا بخلاف المقام فان المفسدة فى مثل الحج لا تكون مانعة من انشاء التكليف لأن المفسدة لا تتصادم مع هذا الخطاب لأنها تترتب على اتيان الفعل قبل وقته وذلك لا يعارض فعلية الطلب اذ الطلب يستتبع اتيان الفعل في وقته المقرر له شرعا وبالجملة فرق بين المقام وموارد الاصول والامارات على خلافها فان المفسدة في المقام لا تعارض فعلية الطلب والارادة والمفسدة في تلك الموارد يعارضان فعليتها كما لا يخفى.

ينبغى التنبيه على امور

الأمر الأول : تظهر الثمرة بين المختار والمشهور فى الواجب المشروط بالنسبة الى المقدمات المفوتة وهي التي لو لم يأت بها المكلف قبل تحقق شرط التكليف لا يمكنه فعلها بعد تحققه فعلى المختار من أن التكليف بذي المقدمة فعلي قبل تحقق الشرط فتجب جميع المقدمات مطلقا من غير فرق بين كونها مفوتة وبين كونها غير مفوتة غاية الامر بالنسبة الى غير المفوتة تكون واجبة وجوبا غيريا تخييرا بين

١٢

الاتيان بها قبل تحقق الشرط وبين الاتيان بها بعده واما بالنسبة الى المقدمات المفوتة فيجب الاتيان بها تعيينا أي قبل تحقق الشرط لعدم امكان ايجادها بعد تحقق الشرط واما على المشهور فلا يجب اتيان المقدمات فلذا بالنسبة الى المقدمات المفوتة يحتاج الالتزام بإتيانها الى القول بمتمم الجعل او الوجوب التهيؤ او الزام العقل بها تحصيلا لغرض المولى على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

الأمر الثاني : قد عرفت مما تقدم انه على المختار فى الواجب المشروط هو ان فعلية الوجوب لا تناط بالوجود الخارجي خلافا لما ذكره المشهور هذا فيما اذا علم كون الواجب مشروطا او مطلقا وأما لو شككنا في الواجب انه مطلق او مشروط فعلى المختار يجب تحصيل مقدماته الوجودية قبل تحقق شرط الوجوب لكونه فعليا ومنجزا فيترشح على تلك المقدمات الوجودية سواء كان الواجب مطلقا او مشروطا واما على مبنى المشهور فلا يجب تحصيل تلك المقدمات لان الشك فيها يرجع الى الشك فى وجوب تحصيلها حيث ان وجوب تحصيلها مبني على كون المقدمات للواجب المطلق وعدم تحصيلها مبني على كونها من الواجب المشروط وبالجملة يرجع الشك فيها الى انه يجب اتيان تلك المقدمات أم لا فيكون موردا لجريان أصل البراءة ولكن لا يخفى أن هذا مسلم في مورد لم يكن الشرط متحققا فى الخارج وأما اذا كان متحققا فيه فلا ينبغي الاشكال انه على كلا القولين من وجوب اتيان المقدمات لانه حسب الفرض ان الوجوب منجز سواء أكان مطلقا أم مشروطا وسواء توقف الوجوب على الوجود الخارجي ام لا هذا كله اذا لم يكن لدليل الوجوب اطلاق وإلّا يؤخذ بإطلاق الدليل الدال على الوجوب هذا ولكن الظاهر انه لو دار الامر بين كون القيد قيدا للوجوب وبين

١٣

ان يكون قيدا للواجب فانه لا يصح التمسك بالاطلاق لا جماله فى حال اتصال القيد فى الكلام وللتعارض بين ظهور المادة وظهور الهيئة في حال انفصاله عن الكلام فالمرجع حينئذ هي الاصول العملية وقد رجح الشيخ الانصاري (قدس‌سره) رجوع القيد الى المادة فيما لو دار امره بين الرجوع اليها او الى الهيئة بامرين الاول ان إطلاق الهيئة شمولي بمعنى ان الوجوب الذي هو مفاد الهيئة على كل تقدير واطلاق المادة بدلى بمعنى ان يكون الواجب صرف الطبيعة الصادقة على أي فرد صدقا بدليا مثلا لو قال صل متطهرا وشك في اعتبار الطهارة في وجوب الصلاة أو اعتبارها في نفس الصلاة وقد رجح الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي لكونه أقوى ولذا قدم الاطلاق الشمولي فى مثل لا تكرم فاسقا على الاطلاق البدلي فى مثل اكرم عالما وقد أيد بعض الاعاظم ما ذكره شيخنا الانصاري (قدس‌سرهما) من تقديم الاطلاق الشمولي على البدلي في خصوص ما كان التعارض بين مدلوليهما كالمثال المذكور لا ما كان ناشئا من العلم بكذب احدهما كالمقام بما حاصله ان الاطلاق البدلي يحتاج الى مئونة زائدة وهو احراز تساوي الافراد في وفائها بالغرض لكي يحكم العقل بالتخيير بخلاف الاطلاق الشمولي فانه لا يحتاج الى ازيد من تعلق النهي بالطبيعة الصرفة وبذلك يسري الى الافراد سراية قهرية ولازم ذلك كون الاطلاق الشمولي حاكما على الاطلاق البدلي وبذلك يقدم العام على الاطلاق الشمولي لان دلالته بالوضع ودلالة الاطلاق بمقدمات الحكمة ولكن لا يخفى ما فيه فان الاطلاق الشمولي لا يرجح على الاطلاق البدلي لاتحاد سبب الاطلاق فيهما وهو مقدمات الحكمة فانها تثبت كون المراد هو المطلق اما كونه بدليا أو شموليا فلا يستفاد منها وانما يستفادان من حكم العقل بمناسبة الحكم مع موضوعه كما لو

١٤

وقع لفظ المطلق متعلقا للامر فان العقل يحكم فى مقام الامتثال بالاكتفاء بالمرة الذي هو مفاد الاطلاق البدلي كما ان الطبيعة الواقعة تلو النهي يحكم العقل باطلاقها الشمولي حيث ان ترك الطبيعة انما يحصل بترك الافراد وبالجملة ان مقدمات الحكمة تثبت الاطلاق الموجب للظهور واما اثبات البدلية او كونه شموليا فيستفاد من حكم العقل واما المقام فاطلاق الهيئة شموليا يستفاد من عدم اناطة الطلب بشيء فان العقل يحكم بسعة الطلب الشامل لوجود القيد وعدمه المسمى ذلك بإطلاق الهيئة شموليا واطلاق المادة بدليا يستفاد من عدم تقييد المادة فيحكم العقل بسعتها وانطباقها على اي فرد منها اطلاقا بدليا ولا يتوهم تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي مع ان منشأ الظهور فيهما واحد للعلم اجمالا برجوع القيد الى أحد الاطلاقين فيوجب ذلك تساقط الظهورين للعلم الاجمالي بكذب احدهما نعم العموم المستفاد من الوضع يقدم على الاطلاق الشمولي لكونه يحصل من مقدمات الحكمة وهي انما تجري حيث لا بيان والدلالة الوضعية صالحة للبيانية والى ذلك يرجع كلام الاستاذ (قده) فى الكفاية من عدم اقوائية الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي لكونهما مستفادين من مقدمات الحكمة.

الأمر الثالث : ان تقييد الهيئة موجب لتقييد المادة من دون العكس ولا اشكال في ان ارتكاب تقييد واحد اولى من ارتكاب تقييدين ودعوى ان تقييد الهيئة موجب لبطلان العمل باطلاق المادة فحينئذ يدور الامر بين احد تقييدين اما المادة او الهيئة في غير محلها اذ مخالفة الاصل العقلائي الذي هو عدم الاخذ بالظهور لاحتمال قرينية الموجود يوجب انتفاء الظهور الفعلي في المادة والهيئة لانه ان أرجعنا القيد الى الهيئة ينتفي الظهور الفعلي في المادة والهيئة وان أرجعنا الى

١٥

خصوص المادة بقي ظهور الهيئة بحالها ولا اشكال في أرجحية ارتكاب الاخذ بانتفاء بعض الظهور على ارتكاب انتفاء اصل الظهور والحق في المقام ان يقال ان القيد ان كان متصلا اوجب اجمال الكلام لاتصاله بما يحتمل قرينية الموجود فلا يبقى مجال للاخذ بظهور الهيئة دون المادة واما اذا كان القيد منفصلا فلا اشكال في عدم اطلاق المادة للعلم بدخله في المادة لانه ان رجع اليها فهي مقيدة به اصالة وان رجع الى الهيئة فالمادة مقيدة به تبعا وحينئذ نعلم بتقييدها ونشك في تقييد الهيئة فلذا يصح لنا التمسك باطلاقها نعم بالنسبة الى وجوب تحصيل القيد يمكن نفيه بالبراءة بيان ذلك ان وجوب التحصيل يتوقف على تقييد المادة واطلاقها ينفي رجوعه اليها ويثبت به رجوع القيد الى الهيئة للعلم الاجمالي برجوعه الى أحدهما فالاطلاقان متعارضان ولا مرجح لأحدهما فيتساقطان وحينئذ يشك فى وجوب تحصيل القيد ويكون من الشك البدوي فينفى بالبراءة.

المعلق والمنجز

المبحث الثاني : ينقسم الواجب الى المعلق والمنجز لانه إن اقترن زمان الواجب بزمن الوجوب فمنجز وإلا فمعلق والمشهور جعلوا القسمة للواجب المطلق في قبال الواجب المشروط فلذا كانت القسمة عندهم ثلاثية وبعضهم انكر الواجب المعلق وقال باستحالته واستدل على ذلك بوجهين الاول ان الوجوب منتزع من الارادة وهي عبارة عن الشوق المؤكد نحو المراد من غير فرق بين التكوينية والتشريعية إلا أن الاولى تتعلق بفعل المريد نفسه والثانية تتعلق بفعل الغير وعليه كيف يعقل ان يكون التكليف المقيد بوقت فعليا قبل حصول القيد وبعبارة

١٦

اخرى ان الارادة التكوينية عبارة عن تحريك العضلات نحو المراد فهي بنفسها تبعث المزيد الى التحرك نحو المراد وفي الارادة التشريعية تبعث العبد للتحرك نحو المراد ولازمه ان لا يكون فعليا إلا مقارنا للعمل اذ لو لم يكن مقارنا له لم تكن الارادة منشأ لانتزاع الوجوب منها وعليه يستحيل ان يكون الواجب متأخرا عن الوجوب بل لا بد وان يكون الواجب مع الوجوب متقارنين فإن كان الواجب فعليا يكون الوجوب فعليا وان كان استقباليا يكون الوجوب استقباليا وعليه لازم هذا الوجه انحصار الواجبات كلها فى النفسية لانه اذا فرضنا تحقق الواجب الغيري يلزم انفكاك الارادة عن المراد النفسي زمانا لحيلولة الواجب الغيري بينهما.

أقول يمكن أن يكون هذا النزاع لفظيا بين من انكر المعلق وبين من يقول به اذ الطرفان يعترفان فى نفس الامر والواقع ان الارادة غير مقارنة للعمل وانما هي مقارنة لمقدماته فمن قال بالواجب المعلق لاحظ كون الارادة هي موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال ومتى تحققت فوجب موافقتها فبهذه الارادة باعتبار تعلقها بالمقدمات تصير ارادة غيرية وباعتبار تعلقها بذيها تصير ارادة نفسية ومن انكر الواجب المعلق منع حكم العقل بوجوب امتثال مثل هذه الارادة والتزم بامتثال الارادة المقارنة لنفس العمل فتكون مقدماته خارجة عن دائرة تلك الارادة فلا يكون موضوعها الوجوب الغيري وعليه يكون الواجب هو ما كان مقارنا لتلك الارادة ومع عدم المقارنة لا يكون واجبا فالمنجز ما يكون وقت العمل متحققا وإلا فمشروط والذي يقتضيه التحقيق هو اقوائية الوجه الاول للوجدان الحاكم باستحقاق العقوبة لو أمر المولى عبده بشراء اللحم مثلا وكان امتثال امره موقوفا على مقدمات قد فات بعضها تسامحا وتساهلا من العبد فلم يحصل امتثال امر المولى فلو كان من

١٧

قبيل الواجب المشروط لم يكن مستحقا للعقوبة على ترك الشراء بل له الاعتذار بأن الطلب المصحح للعقوبة على مخالفته لم يكن متوجها إلا بعد فوت بعض المقدمات المانع من توجه التكليف ولا ريب ان ذلك مخالف للوجدان.

الوجه الثاني : ان يكون الواجب الاستقبالي مرددا بين أن يكون التكليف متوجها الى القيد والمقيد بأن يكون مطلوبا على وجه التقييد بالزمن المستقبل أم يكون متوجها لنفس ذات المقيد اما الاول فهو امر غير معقول لاستلزامه تعلق التكليف بالقيد الذي هو غير مقدور لعدم التمكن من اتيانه وأما الثاني فلا يخلو الحال فيه أما أن يكون التكليف غير مقيد فيصير منجزا وهو خلاف الفرض وأما أن يكون مقيدا أي معلقا على حصول الشرط كان من الواجب المشروط وهو المطلوب وببيان آخر أن الواجب المطلق ما يكون مقيدا بأمر غير مقدور أما حقيقة كما لو كان مقيدا بالزمان المستقبل وأما جعلا كما لو قيد بأمر مقدور إلا أنه أخذ على نحو لو حصل بطبعه من غير قصد.

وكيف كان فالقيد لم يؤخذ بنحو يكون داخلا تحت الاختيار وحينئذ لا يعقل تعلق الارادة التكوينية بفعل يعلم بكونه خارجا عن الاختيار كذلك لا يعقل تعلق الارادة التشريعية بما هو خارج عن الاختيار ولازم ذلك ان تكون الارادة معلقة على حصول الغير فيكون حينئذ من الواجب المشروط ولكن لا يخفى أنك قد عرفت أن ذلك مخالف للوجدان فان الواجب المنجز ذا المقدمات وجوبه فعلي مع أن الواجب استقبالي مع انه خارج عن الاختيار حين تنجز وجوبه لكونه استقباليا مضافا إلى أن كون الوجوب فعليا والواجب استقباليا غير عزيز كما في الاجزاء المتدرجة في الوجود فالجزء الاخير مثلا يجب وجوبه حين الاتيان

١٨

بالجزء الاول لوجوبه فوجوبه فعلي مع ان الواجب استقبالي ودعوى تدريجية الفعلية فى الاجزاء المتدرجة فى الوجود خلاف الوجدان وكيف كان فالارادة ان اقترنت بالمراد فتكون المقدمات خارجة عن دائرة الارادة فمع فوت بعض المقدمات بسوء اختياره يكون تاركا للواجب فيستحق العقوبة مع انه لو كان من قبيل الواجب المشروط لما استحق العقوبة وإن كانت الارادة غير مقترنة بالمراد بل اقترنت بالمقدمات فلا مانع من اختيار القول بتعلق الطلب بذات المقيد ولا محذور فيه لأن الذات المطلقة لم تكن مطلوبة بل مع القيد بنحو تكون توأما مع القيد بأن لا يكون في ذات المقيد جهة سعة يشمل صورة تجرده عن القيد وبالجملة ان بني على اعتبار مقارنة الارادة للعمل انحصرت القسمة في الواجب الحالي والمشروط دون المعلق وإن لم يبن على ذلك انحصرت القسمة في المنجز والمعلق دون المشروط حتى لا تكون القسمة إلا ثنائية وحينئذ يبقى الاشكال على القوم فى تثليث الأقسام وحاصله ان الاشكال يكون مبنيا على ان يكون القيد داخلا في المطلوب بنحو واحد في المشروط والمعلق والاختلاف بحسب ذات المقدمة فانه ان كانت لازمة التحصيل كان ذلك الواجب من قسم الواجب المطلق وإلا كان من الواجب المشروط وحينئذ يتجه الاشكال على المشهور من جعل القسمة ثلاثية فانه ان كانت المقدمة من غير المقدور كالوقت أو كانت مقدورة ولكن بنحو لم يطلب حصولها من داعي الأمر فالمقدمة خرجت من حين الأمر والواجب حينئذ على قول صار مشروطا وعلى قول معلقا وإن كانت مقدورة ولازمة التحصيل من داعي الامر فيكون الواجب منجزا حاليا فالأقسام إذن لا تخرج عن أمرين ويرد عليه مضافا الى ما سمعت من أن ذلك ينافى بناءهم الذي بنوا عليه من تثليث الأقسام أنه

١٩

يلزمهم مع ذلك تعلق الحب والشوق بغير المقدور من تلك المقدمات لان عدم القدرة لا يمنع من تعلق الشوق نعم هو مانع من تعلق الارادة والحال أنا نجد بالوجدان ان ما كان من مقدمات الواجب المشروط كالاستطاعة والوقت خارجان عن دائرة الارادة ومن مبادئ تلك الارادة هذا وقد ادعى بعض الأعاظم تثنية الأقسام بانكار الواجب المعلق وقال باستحالته بما حاصله ان جعل الأحكام الشرعية فى القضايا بنحو القضايا الحقيقية وان القيود الموجودة في القضايا ترجع الى ناحية الموضوع ولازم ذلك أن تكون القيود التي اخذت فى الموضوع تعتبر مفروضة الوجود وعليه لا يمكن ان تكون تلك الاحكام فعلية قبل تحقق الشرط لاستحالة فعلية الحكم قبل تحقق موضوعه وحينئذ كيف يعقل ان يتعلق الوجوب الفعلي بالواجب الاستقبالي ولكن لا يخفى ما فيه أولا نمنع جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية وثانيا نمنع رجوع القيد الى ناحية الموضوع وثالثا ان ذلك مبني على بطلان الشرط المتأخر وقد عرفت امكانه على التفصيل المتقدم وتحقيق المقام على وجه يصح تثليث الاقسام ويندفع به الاشكال بحذافيره يبنى على مقدمتين الأولى ان القيود والمقدمات للمطلوب تختلف على نحوين فتارة تكون المقدمة لها دخل في الاتصاف بالمصلحة كما فى المثال الخارجي ان اتصاف الاسهال في اصلاح المزاج لا يكون إلا بعد حصول المرض فالمرض له دخل باتصاف الاسهال بصلاح المزاج فتكون مثل هذه المقدمة مقدمة للواجب المشروط وتسمى بمقدمة الاحتياج وأخرى تكون المقدمة لها دخل في ترتب الاسهال وحصوله فتكون مثل هذه المقدمة مقدمة الواجب المطلق وتسمى بمقدمة المحتاج اليه كشرب السقمونيا فانه له دخل في ترتب الاسهال وحصوله والفارق بين النحوين من المقدمة بحسب الارادة فان

٢٠