منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

ويتفرع على هذا امكان ان يكون اجزاء المركب فيها حكمان متضادان فتكون الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي اذا لوحظت بحيالها واستقلالها ، واما اذا لوحظت فى ضمن الكل فتكون واجبة بالوجوب الغيري ولا ينافي وحدة المنشأ إذ الحكمان متعلقان بالصور الذهنية ولا يسرى من تلك الصور الى الخارجيات فلا يضر وحدتها على ان التغاير بالاجمال والتفصيل متحقق ايضا الذى هو مبنى القول بالجواز كما انه يمكن ان يحصل التغاير بلا بشرط وبشرط لا الذى يمكن ان يكون مبنى للقول بالجواز. وبالجملة ان ذلك لو تم تكون الصور الثلاثة مبنى للقول بالجواز. اللهم إلّا يقال بمنع الصورة الثالثة لان يكون مبنى للقول بالجواز لانه على ذلك التقدير تؤخذ الجهة على نحو التعليل وعليه لا يمكن تعلق الحكم بها وعلى تقدير الحكم بها فلا بد من صرفه الى ما في الخارج والمفروض ان ما في الخارج واحد لا تعدد فيه ولكن الانصاف انه على أي تقدير من تلك الصور التى ذكرنا حتى على ما اخترناه منها يمكن منع اجتماع الامر والنهي. اما على الصورتين الاوليتين فلا ينفع الاختلاف بحسب المفهوم مع كون ما فى الخارج متحدا لان ما في الذهن لم يؤخذ على نحو الاستقلال بل انما يؤخذ على سبيل الآلية وكونه مرآتا وحاكيا لما فى الخارج واخذه على ذلك النحو يوجب ان يكتسب لونا من المحكي عنه لما كان بينهما اتحاد كاتحاد المرآة بالنسبة الى المرئى بنحو لا يرى إلّا المحكى عنه. فيكون النظر الى الحاكى نظرا آليا فاذا عرفت ذلك تعرف ان الحاكي يكتسب اتحادا من المحكي فيما نحن فيه فاذا تلونت الصورة من الخارج لون الاتحاد فتكون الصورتان متحدتين فحينئذ كيف يعقل توارد الحكمين على تلك الصورتين وقس على ما ذكر اجتماع الوجوب النفسى والغيري في اجزاء المركب فاتضح من ذلك انه لا يعقل القول

١٤١

بالجواز في الصورتين الاوليتين كالصورة الثالثة.

واما الصورة الرابعة التى نختارها فيمكن منع جواز الاجتماع لانه لما كانت الصلاة مع الغصب يشتركان فى جزء فلا بد ان يكون ذلك الجزء يسري اليه الحكمان ولا يعقل اجتماع الحكمين المتضادين في مورد واحد. بيان ذلك ان الصلاة لما كانت عبارة عن الكون المخصوص بالركوع والسجود وغيرهما من اوضاع الصلاة وكان الغصب عبارة عن الكون المقيد بما لا يرضى به صاحبه وتعلق الامر بالصلاة والنهي بالغصب فلا بد وان يكون كل حكم منهما يسري الى جميع ما له من الاجزاء فالامر بالصلاة ينبسط على جميع اجزائها وهى الكون وتلك الاوضاع المخصوصة والنهي تعلق بالغصب فينبسط على اجزائه وهى الكون وما لا يرضى به صاحبه فيكون في الكون وجوب ضمنى من طرف كونه جزءا من الصلاة وحرمة ضمنية من جهة كونه جزءا من الغصب فالكون الواحد صار مجمعا وموردا للوجوب الضمنى والحرمة الضمنية ولا يعقل اجتماع حكمين متضادين ولو كانا ضمنيين فى مورد واحد. وعليه لا بد من ارتفاع احد الحكمين عن الكون لكى ترتفع الاستحالة فاذا ارتفع احد الحكمين من الكون يلزم ارتفاعه من تمام الخصوصية اذ لا يعقل ارتفاع الحكم من الجزء وبقاؤه بالنسبة الى الكل فمن ارتفاعه من احد الجزءين يستلزم ارتفاعه من الجزء الآخر نعم لو قام دليل خاص على بقاء الحكم بالنسبة الى الجزء الآخر لكان حكما مستقلا فلا مانع منه وفي الفرض المذكور لم يقم دليل إلا دليل نفس الكل وحينئذ لو انتفى الحكم من جزء يوجب انتفاءه من الكل وعليه لا يبقى الجزء الآخر متعلقا لذلك الحكم.

هذا ويمكن ان يقال بوجود الدليل على بقاء الجزء الآخر على حكمه

١٤٢

وليس ذلك دليل الكل. بيانه ان ما كان من قبيل تزاحم الحكمين كالمقام عند ارتفاع الحكم كما في الجزء المشترك لا ترتفع المصلحة الموجودة بالنسبة الى ما لم يتزاحم فيه الحكمان إذ لا ينافيها ارتفاع احد الحكمين بالنسبة الى ما وقع فيه التزاحم إذ المصلحة فيه لم ترتفع وانما ارتفعت فعليتها ويؤيده الوجدان فانه يقضى بان ارتفاع فعلية المصلحة في الكون من جهة تزاحم الحكمين لا يوجب ارتفاع المصلحة فى الاضافة الخاصة فلا بد من مراعاة تلك المصلحة مثلا لو فرضنا ان مفسدة الحرمة غالبة على مصلحة الوجوب فتزول مصلحة الوجوب ونحكم بالحرمة ولكن لو عصى الفعل له ان يلزمه بحفظ مرتبة الاضافة الخاصة وبعبارة اخرى انه يحصل بعد عصيان ذلك النهي وجوب الزامى ناشئ من الحكم بحفظ خصوصية الصلاة بان يقول لو عصيت حرمة الكون فيجب عليك حفظ المصلحة الملزمة للخصوصية بقدر الامكان. نعم يبقى اشكال كيفية امكان صحة التقرب منه فنقول ان مسألة قصد التقرب مسألة فقهية يلاحظ فيها لسان الدليل فان دل الدليل على اعتبارها فى جميع اجزاء الصلاة لا يمكن ان يتأتى منه قصد التقرب لان المفروض ان في الكون مفسدة اوجبت رفع المصلحة المتحققة فيه فكيف يمكن ان يتقرب مع ارتفاعها وان لم يدل دليل اعتبارها على جميع الاجزاء بل ولو كانت متحققة في جزء من الاجزاء فيمكن ان يتأتى منه قصد التقرب وتصح الصلاة إلّا ان ذلك ليس ملاكا لمسألة جواز الاجتماع وعليه ان مبنى الجواز هو كون الجهتين لا يشتركان في جزء من الموجود لكى يسرى كل من الامر والنهي الى ما تعلق به الآخر ودعوى ان مبنى الجواز هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه وجود الكي يكون التركيب انضماميا محل نظر اذ الفرض على تقدير تحققه فهو خارج عن محل الكلام اذ لا اشكال في جوازه ولا

١٤٣

يبغي لاحد ان يقول بامتناع تعلق الامر بشىء مغاير للمنهي عنه وجودا بدعوى الالتزام باجتماع الضدين اذ ذلك يكون من قبيل المتلازمين وجودا المختلفين في الحكم الذى لا اشكال فى جوازه ويكون من اجتماع الحكمين المختلفين موردا فما ذكره بعض الاعاظم قدس‌سره من ان مبنى الجواز هو كون التركيب انضماميا لكون المجمع حينئذ مركبا من حقيقة العنوانين ويكون مجمعا للمقولتين كان باحدهما متعلقا للامر وبالآخر متعلقا للنهي فلا يسرى احدهما الى الآخر في غير محله اذ مع هذا الفرض بان يكون كل عنوان له ما بازائه وجود خاص فيكون من قبيل المقولتين المتجاورتين باحدهما يتعلق الامر وبالآخر النهي مما ينبغي القطع بخروجه عن محل النزاع اذ لا يرتاب احد بعدم سراية كل من الامر والنهي الى متعلق الآخر وانما الذى يصلح ان يكون محلا للنزاع هو ان يكون وجود واحد له جهتان من دون فرق بين كونهما اعتباريين او احدهما اعتباريا والآخر مقوليا لكى يمكن ان يقع النزاع في سراية الحكم من احدهما الى متعلق الآخر فان قلنا ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه بنحو لا يسرى الامر من احدهما الى الآخر فيجوز الاجتماع وان قلنا بان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه بنحو يسرى الامر من احدهما الى متعلق الآخر فلا يجوز الاجتماع من دون فرق بين كون الجهتين تعليليتين او تقيديتين فدعوى ان الامتناع مبنى على كون الجهتين تعليلتين والجواز على كونهما تقييديتين في غير محلها اذ الجهتان ان اشتركا فى جزء من المتعلق فيوجب تعلق كل منهما بما اشتركا به فيلزم القول بالامتناع وان لم يشتركا بل كان كل جهة يكشف عن حد خاص من الموجود الخارجى فيلزم القول بالجواز من غير فرق بين كون الجهتين تعليلتين او تقييديين.

١٤٤

ودعوى كون الجهتين تقييديتين مما يوجب جعل الوجود تركيبا انضماميا بنحو يكون من قبيل انضمام مقولتين فالظاهر ان ذلك مما لا ينبغي ان يجعل محلا للكلام اذ لا اشكال فى جوازه لاختلاف متعلق الامر والنهي بحسب الوجود ولذا ان الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية وفاقا للمشهور جعل العنوان هو ما ذكرناه من ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه من دون التقييد بكون الجهة تقييدية او تعليلية ولم يبن الجواز على كون الجهة تقييدية فعمدة نظر القائل بالجواز هو عدم السراية اي سراية كل من الامر والنهي الى متعلق الآخر لتعدد الجهة بنحو يكون تعدد الجهة يوجب تكثر جهات الوجود من غير فرق بين القول بسراية الحكم من الطبيعة الى فرده وعدمه غاية الامر بالنسبة الى القول بعدم السراية لا يحتاج الى تعدد الجهات الموجبة لتكثر جهات الوجود بل يكتفى بالتعدد ولو بالاطلاق والتقييد فكم فرق بين القول بالسراية وبين عدمها بناء على الجواز اذ على السراية يلتزم القائل بالجواز بكون المجمع داخلا تحت عنوانين مختلفين بنحو يكون كل عنوان ينتزع من مرتبة خاصة من الوجود غير المرتبة التى انتزع منها العنوان الآخر فلا ينتزعان من خصوص جهة خاصة والقائل بالامتناع يرده ويدعى عدم انطباق كل عنوان على مرتبة خاصة فيقع النزاع بين الفريقين في التطبيق وان الموجود الخارجي غير صالح لان ينتزع منه لكل حد وجهة عنوان على الامتناع والقائل بالجواز يدعى صلاحية الموجود الخارجي لذلك فلذا لا يسرى الحكم من احدهما الى ما تعلق به الآخر واما بناء على عدم السراية فالقائل بالجواز في سعة من ذلك فيمكن له القول بالجواز ولو لم يكن لمتعلق الامر والنهي اختلاف بالعنوان الموجب لتكثر جهات الوجود بل يجري حتى فيما اذا كان بين العنوانين اتحاد عنوانا ولكنهما يختلفان بالكلية

١٤٥

والجزئية وبالجملة فليس القائل بالجواز يلزمه القول بعدم سراية الامر أو النهي من الكلي الى الفرد بل يمكن له القول بذلك على كلا القولين كما ان القول بالامتناع لا يبتني على القول بالسراية وان كان جهة النزاع تختلف باعتبار القول بالسراية وعدمها فعلى السراية يكون النزاع في التطبيق على ما في الخارج وان ما في الخارج فيه جهات متكثرة وموجه بوجهين مختلفين باحدهما تعلق الامر والآخر تعلق به النهي فمرجعه الى النزاع في الصغرى مع تسليم اصل الكبرى بان ما كان موجها بعنوانين وكان متكثر الوجود بحسب الجهة بنحو ينتزع من كل جهة من جهاته بالخصوص عنوان غير ما ينتزع من الجهة الاخرى فلم يشتركا في انتزاعهما من جهة واحدة فلم يقع النزاع في ذلك وانما النزاع حينئذ فى ان ما في الخارج هو من اي النحوين فالقائل بالجواز يدعي اشتمال المجمع على حيثيتين يكون بحيثية وبحد ينتزع عنوان قد تعلق به الامر وبحيثية اخرى انتزع عنوان يتعلق به النهي والامر وان سرى من العنوان الكلي الى المجمع إلّا انه لا يسري الى ما تعلق به النهي من الجهة الاخرى وينكر القائل بالامتناع ذلك بالنسبة الى الموجود الخارجي الذي هو الصلاة في الدار المغصوبة مثلا واما على عدم السراية فالنزاع بين الفريقين فى اصل الكبرى مع عدم المخالفة فى الصغرى.

اذا عرفت عنوان البحث فقد وقع الخلاف بين قائل بالامتناع وقائل بالجواز (١) قال الاستاذ قدس‌سره بالاول واستدل عليه بامور : الاول انه لا

__________________

(١) قال بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف ان العمدة فى هذا المقام هو ان اجتماع الامر والنهي من قبيل اجتماع الضدين واجتماع الضدين محال ولكن الكبرى لما كانت من المسلمات الضرورية فلذا ينبغى تحقيق حال الصغرى

١٤٦

اشكال في التضاد الواقع بين الاحكام التكليفية الثاني ان المتعلق في الاوامر والنواهي هي نفس المعنونات بتوسط العناوين ولا يتعلق بالعناوين التى ليس لها

__________________

وهى موقوفة على امرين : الاول ان الامر والنهى اعنى الوجوب والحرمة من قبيل المتضادين ، الثاني المحل واحد لا تعدد فيه وتعدد الجهة غير كاف وقد اشار الى الاول بقوله (احدها انه لا ريب فى ان الاحكام الخمسة متضادة فى مقام فعليتها وبلوغها الى مرتبة البعث والزجر ... الخ مما يرجع الى ناحية الصغرى وأشار الى الثاني ببقية الامور والأنسب أن يراد من قوله في مقام فعليتها فى هذا المقام من الحكم الانشائي والحكم الفعلي غير ما هو مذكور فى مراتب الحكم لأن المراد بالحكم الانشائي المذكور في مراتب الحكم هو الحكم الانشائي الذي لم يبلغ مرتبة البعث والزجر وبالفعلي ما بلغ تلك المرتبة وظاهر ان ذلك لا ربط له فى المقام فالأولى في هذا المقام ان يراد من الحكم الشأني ما كان واردا على نفس الموضوع من غير نظر الى الجهات الأخر المعارضة لذلك الحكم مثل ان تقول الغنم حلال من غير نظر الى حيث كونها مغصوبة أو ميتة أو غير ذلك مما يوجب حرمتها وبالحكم الفعلي ما كان واردا على الموضوع مع النظر الى الجميع حيث يحكم بحلية الغنم مع ملاحظة جميع الجهات من كونها مغصوبة أو ميتة فالاحكام إنما تكون بينها المضادة إذا كانت فعلية بهذا المعنى لا فيما إذا كانت شأنية كذلك مثلا يحكم على الغنم بالحلية من حيث انها غنم من دون نظر الى كونها مغصوبة فلا ينافي ذلك الحكم عليها من حيث كونها مغصوبة بالحرمة. وعليه فالقائل بالجواز يقول ان الصلاة بجميع شئونها وحيثياتها واجبة سواء كانت فى مكان مغصوب أو غيره وان الغصب بجميع شئونه وجهاته حرام سواء كان فى ضمن الصلاة أو غيرها وحينئذ يجتمع الحكمان الفعليان فى الصلاة فى المكان المغصوب والقائل

١٤٧

ما بازاء في الخارج ويكون من خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية الى غير ذلك لوضوح ان البعث والزجر لا يكون عنها وانما تجعل آلة

__________________

بالامتناع يقول ان الصلاة من حيث انها صلاة من غير نظر الى عوارضها وحيثياتها واجبة والغصب من حيث انه غصب من غير نظر الى عوارضه وحيثياته انه حرام ففى الصلاة فى الدار المغصوبة يجتمع المقتضي لكلا الحكمين أعني حيثية الصلاة وحيثية الغصب فأيها يكون الغالب هو الفعلي وقد يكون الفعلي غير هذين الحكمين إذا لم يكن مرجح فى البين وحينئذ فلم يجتمع الحكمان الفعليان بل يكون أحدهما فعليا والآخر شأنيا أو كلاهما شأنيين والحق هو جواز اجتماع الأمر والنهي لأن الفعل الخارجي لم يكن متعلقا للأمر والنهي إذ لو كان ذلك متعلقا لهما لكان من طلب الحاصل ويستحيل تحصيل الحاصل فلا بد وأن يكون المتعلق للأمر والنهي هو الطبيعة أي الماهية الملحوظة مرآة للخارج من دون سراية ذلك الى نفس ما فى الخارج من أفراد تلك الطبيعة وحيث انها تلحظ مرآة لا يوجب سراية الحكم منها الى تلك الأفراد وعليه يكون متعلق الأمر هو الطبيعة فى ظرف العدم وكذا متعلق النهي وحينئذ لم يجتمع الحكمان لعدم اتحاد متعلقيهما وأما ما يقع في الخارج إطاعة للأمر وعصيانا للنهي باعتبار مطابقيته لما يتعلق به الأمر ولما تعلق به النهي فالخارج ليس إلا ظرف الاطاعة والعصيان ولا يكون ظرف التعلق وإنما ظرفه الذهن ففي ظرف التعلق الذي هو الذهن لم يجتمع الحكمان وفى ظرف الخارج لا أمر ولا نهي فما ذكر من ان جواز الاجتماع يوجب التكليف المحال لا التكليف بالمحال وان كان واضحا إلا انه لم يكن هناك اجتماع حتى يشكل عليه باستلزامه لذلك المحال وحينئذ فليس فى نفس الشارع إرادة وكراهة بالنسبة الى شيء واحد.

أقول ان تعلق الاوامر والنواهي بالصور الذهنية ليس باعتبار وجوداتها

١٤٨

للحاظ متعلقاتها.

الثالث ان تعدد الوجه لا يوجب تعدد الموجه كما هو كذلك بالنسبة الى

__________________

الذهنية بل بما انها تحكى عما فى الخارج لقيام المصالح والمفاسد بالموجودات الخارجية فهي مرادة ومطلوبة بالعرض بواسطة حكاية تلك الصور الذهنية عنها فبعد الاعتبار يسري الأمر والنهي الى المجمع فيكون من قبيل الجمع بين الضدين لأن النفس تجعل تلك الصور الذهنية وسيلة لارادة تلك الوجودات الخارجية بنحو يسري اليها الطلب قبل تحققها فى الخارج لكي لا يقال بأن الخارج ظرف السقوط لا الثبوت ومما ذكرنا من سراية الوجوب والنهي الى ما فى الخارج بواسطة تلك الصور الذهنية يظهر ان اجتماع الأمر والنهي يكون آمريا لا مأموريا فقط بدعوى ان الجوار مبني على ان الاجتماع مأموري لا آمري بتقريب ان الآمر في مقام الجعل أورد أمره على الطبيعة والنهي على طبيعة اخرى لا ربط لأحدهما بالاخرى وإنما المأمور فيما إذا كان له مندوحة طبق الاثنين بسوء الاختيار على الواحد الذي هو مجمع العنوانين ممنوعة لأن هذا يرجع الى ما تقدم وقد عرفت الجواب عنه. كما ان دعوى الجواز مبني على ان تعلق الأحكام على المفاهيم ليست باعتبار نتيجة الحمل أي رتبة اتحادها مع المصاديق وإنما تعلقها بالمفاهيم باعتبار رتبة الحمل فانها رتبة للتغاير وبهذا الاعتبار يصح الحمل لما هو معلوم ان الحمل يحتاج الى مغايرة واثنينية في غير محلها لما عرفت ان تلك المفاهيم المتصورة ليست معتبرة بما انها موجودات في الذهن بل اعتبرت بما انها حاكيات عن الخارج فعليه يسري كل من الأمر والنهي الى ما فى الخارج فيلزم أن يكون فى المجمع اجتماع الضدين ومنه يظهر بطلان دعوى الجواز بناء على ان متعلق الأحكام هي الماهيات بلحاظ عدم تحصلها فانها في هذه المرتبة مثار الكثرة ففي هذا الظرف أي ظرف الخطاب

١٤٩

المفاهيم والعناوين المنطبقة عليه تعالى فانه بسيط من جميع الجهات تصدق عليه مفاهيم عديدة تحكي عن تلك الذات البسيطة. الرابع ان الموجود الواحد لا يكون له الا ماهية واحدة وبعد ذكر هذه المقدمات قال ما لفظه فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الامر والنهي إلّا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا وحاصله انه على القول بالجواز يلزم اجتماع الحكمين المتضادين في المجمع مع ان تعدد الجهة فيه لا يوجب تعدده وذلك محال وما يستلزم المحال محال ولكنك قد عرفت ان مبنى القولين ليس على القول بالسراية وعدمها فان قلنا بسراية الامر والنهي من الكلي الى الفرد قلنا بالامتناع وإلّا فبالجواز لما عرفت من انه لو قلنا بالسراية يمكن القول بالجواز بدعوى ان تعدد الجهات يوجب تكثرا في ناحية الوجود بالالتزام بانتزاع عنوان من حد خاص والآخر من حد آخر على انه يظهر من

__________________

وتعلق الأحكام لم يجتمع الحكمان ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو اخذت الماهيات موجودة في الذهن من دون اعتبار حكايتها لما فى الخارج ولكن قد عرفت بطلانه إذ بهذا الاعتبار لا ينطبق على ما فى الخارج فلا يمكن الامتثال وان اخذت بنحو حكايتها عما فى الخارج سرى كل من الأمر والنهي الى ما فى الخارج فيكون فى المجمع قد اجتمع فيه الأمر والنهي فيلزم ذلك المحذور ولا رافع له إلا بما ذكره بعض الأساطين من التركيب الانضمامي بأن يكون المجمع قد اجتمع فيه مقولتان أحدهما صارت متعلقة للأمر والاخرى للنهي ولكن لا يخفى ان مثل ذلك خارج عن محل النزاع إذ يكونان من قبيل المقولتين المتجاورتين الذي لا إشكال عند القوم من جواز تعلق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر فافهم وتأمل.

١٥٠

المقدمة الثانية عدا المغصوبية من الامور الاعتبارية التى هي من الخارج المحمول كالملكية والزوجية مع الفرق الواضح بين الامور الاعتبارية كالملكية والزوجية وبين المغصوبية فان الملكية والزوجية يناطان بالجعل وبعد الجعل ليس لهما وجود إلا في الذهن فاذا توجه طلب للملكية فلا بد من صرفه الى ما يوجد في الخارج لأن الأمر الاعتباري لما لم يكن بازائه شيء فى الخارج لا يعقل تعلق الحكم به. أما تعلق الطلب بالملكية فان اريد بطلب الملكية طلب تحصيلها فيكون المراد طلب جعلها وان اريد من طلب الملكية طلب إبقائها كان المراد إيجاد المملوك المجعول ملكيته. وبالجملة ان الملكية والزوجية بعد الجعل ليس لهما وجود فى الخارج ويؤيد ذلك ان الملكية والزوجية موقوفان على لحاظهما فلو لم يكن هناك لاحظ لم يوجدا ، وأما فى المغصوبية فهي خلاف ذلك فانها منتزعة من نسبة المكان الى ما يكره مالكه من الكون فيه والكراهة والرضا لا إشكال انهما من الامور الواقعية وكان لهما حظ من الوجود الخارجي ولا يتوقف تحقق هذه النسبة على لاحظ ومعتبر بل لو لم يكن هناك لاحظ كانت تلك النسبة متحققة كالتحتية فانها منتزعة من كون أحد الشيئين اخفض من الآخر فاذا كان أحد الشيئين اخفض من الآخر كما تنتزع التحتية تنتزع الفوقية ولو لم يكن في العالم لاحظ والحاصل لا وجه لقياس المغصوبية على الملكية والزوجية مع كمال الفرق بينهما.

فتحقق مما ذكرنا انه يمكن القول بالجواز فيما كانت الجهة مختلفة اما بتمام المنشأ كالاختلاف بين الجنس والفصل وأما فى بعض المنشأ والاشتراك في البعض الآخر كالمشتقات على القول باعتبار الذات في مفهومها ونظير المشتقات ما ذكرناه بالنسبة الى الغصب والصلاة بناء على ما اخترنا من كونهما يشتركان فى نفس الكون.

١٥١

فان قلت ان الجنس والفصل بحسب الوجود متحدان وذلك ينافي القول بالجواز (قلت) نعم ينافي تعلق الأمر والارادة الفعلية مع كونه منهيا عنه ولكن لا ينافى تعلق المحبوبية مع المبغوضية بالشيء الواحد باعتبارين بل يمكن القول بتعلق الأمر به بنحو ما ذكرنا بالترتب كأن يقول لا توجد الجنس فى أي نوع كان ثم يقول ان عصيت ذلك وخالفت ما نهيتك فآمرك ان توجد الجنس في النوع الانساني المميز عن غيره بالناطقية.

وكيف كان فالحق هو التفصيل بين ما إذا كانت الجهتان تشتركان في جزء كما في الصلاة والغصب فانهما يشتركان فى نفس الحركة في الدار الغصبية فما يكون غصبا هو جزء للصلاة (١) فنقول بالامتناع إذ حينئذ لا إشكال في

__________________

(١) بناء على ان الحركة فى الايوان المغصوبة فى الدار الغصبية كما انها غصب كذلك يكون جزأ للصلاة ولكنه خلاف التحقيق فان الحركة فى كل مقولة هي عين تلك المقولة إذ هي ليست بمقولة مستقلة وإنما هي عبارة عن تجدد المقولة فالحركة فى الابن اين فاذا فرض ان الغصب من مقولة الابن فتكون الحركة فى الابن غصبا وليست مرادا للصلاة لأنها من مقولة الوضع فلا يعقل اتحاد مقولة الوضع مع مقولة الابن مضافا الى ان الحركة الخاصة ليست من المقولة إلا انها توجد مقولتين متباينتين باحدهما تعلق الأمر وبالاخرى تعلق النهي لكي يكون التركيب انضماميا ولذا ادعى بعض الأساطين بأن القول بالجواز مبني على كون التركيب انضماميا ولكن لا يخفى انه مع عدم تحقق الاتحاد بينهما يكونان من قبيل مقولتين متجاورتين موجودتين بوجودين فمثل ذلك خارج عن محل النزاع إذ لا إشكال فى جوازه وان فرض بينهما اتحاد كما ادعاه «قدس‌سره» بأن يكون أحدهما من مشخصات الاخرى وبذلك يكون وحدة بينهما بنحو يكون

١٥٢

سراية كل من الأمر والنهي الى ما به الاشتراك حتى تكون نفس الحركة متعلقا

__________________

مركبا واحدا فهو وان أمكن دخوله في محل النزاع إلا أن فرضه غير معقول مع كون الصلاة من مقولة والغصب من مقولة اخرى إذ لا يعقل ان يكون أحد المقولتين من مشخصات الاخرى فلذا الحق هو امتناع اجتماع الأمر والنهي بناء على ما هو الحق من ان متعلق التكليف هي الوجودات الذهنية بما انها حاكية عما في الخارج ويسري الأمر أو النهي بواسطة تلك الصور الذهنية الى ما في الخارج مثلا الحركة الحاصلة في دار الغير أو أرضه بغير رضى المالك مصداق حقيقي لما هو المحرم كما ان الصلاة ليست إلا هذه الحركات الحاصلة في ذلك المكان أو تكون محصلات لأوضاع الصلاة فيجتمع الوجوب والحرمة. غاية الأمر بالنسبة إلى الأول الوجوب النفسي مع الحرمة النفسية يجتمعان وفي الثاني الوجوب المقدمي والحرمة النفسية يجتمعان والحاصل ان الوجود الخارجي ان كان من قبيل المقولتين المتجاورتين فلا اشكال في جواز اجتماع الأمر والنهي بأن يتعلق الأمر بمقولة والنهي بمقولة إلا ان مثل ذلك خارج عن محل النزاع وان لم يكن كذلك وقلنا بتعلق الأوامر والنواهي بالوجودات الذهنية بما انها ترى خارجية فلا محيص من القول بالامتناع لكونه واحدا وجودا وان كان متعددا مفهوما إذ تعدده لا يوجب تعددا في الوجود فلا محالة يكون من قبيل اجتماع الضدين على ان الغصب والصلاة ليسا من قبيل مقولتين وانما هما من الامور الاعتبارية فان الغصب مما اعتبره العقلاء فقد اعتبروا التصرف بدون رضى المالك واذنه غصبا وعلى هذا النحو أمضاه الشارع كما ان الشارع اعتبر الأوضاع الخاصة والاذكار صلاة.

وعليه يكون التركيب اتحاديا لانطباقهما على شيء واحد ودعوى انهما من قبيل مبادئ المشتقات لكي يكون التركيب انضماميا وليسا من قبيل المشتقات لكي

١٥٣

للحب والكراهة فهو مستلزم للمحال وما يستلزمه يكون محالا وبين ما يكون المجمع وجودا واحدا إلا ان الجهتين لا يشتركان فى شيء واحد بل يكون كل جهة تكشف عن حد من حدود ذلك الوجود كما يتصور ذلك في الجوهر الذي يكون بطرفه محبوبا وبطرفه الآخر مبغوضا فلا مانع من القول بالجواز إذ من الممكن قابلية الوجود الواحد للتقسيم الى جهتين كل جهة منشأ لترتب اثر بل ربما يقال ان الفرد الشخصي وان لم يكن له عناوين متعددة ولكن لما كان منحلا الى طبيعة وخصوصية فربما كانت الطبيعة مشتملة على مصلحة فتكون محبوبه والخصوصية مشتملة على مفسدة فتكون مبغوضة ولا مانع من اجتماع المحبوبية والمبغوضية فى شيء واحد وكان موجها بجهتين فبجهة محبوب وبجهة مبغوض ولا مزاحمة بين المفسدة والمصلحة في عالم المحبوبية والمبغوضية قبل بلوغهما الى مرتبة الفعلية ومع بلوغهما الى تلك المرتبة تحصل المضادة بينهما فى عالم التأثير والايجاد فيكون التأثير لما هو الأقوى

__________________

يكون التركيب اتحاديا ، انما تتم بناء على دخول الذات في حقيقة المشتق لكي ينطبق عنوان المشتق على الذات المأخوذة فى مفهومه فيكون التركيب اتحاديا. واما بناء على ما هو الحق من عدم دخول الذات في مفهوم المشتق وان الفرق بين المبدأ والمشتق بصرف الاعتبار فالمشتق يعتبر لا بشرط والمبدأ بشرط لا فلا فرق بينهما في المفهوم ولا تترتب الثمرة التي ذكرت بانه ان جعل المقام من قبيل المشتقات فالتركيب اتحادي لصدق عناوين المشتقات على الذات وان جعل من قبيل المبادئ فالتركيب انضمامي لعدم صدق المبادئ على تلك الذات لما عرفت من ان الفرق بينهما بالاعتبار فلحاظ المفهوم باللحاظين لا يوجب التغيير بحسب ذات الملحوظ في الخارج تغييرا جوهريا كما لا يخفى.

١٥٤

فان كانت جهة المفسدة هي الأقوى فتكون هي المؤثرة وحينئذ تكون جميع افرادها مبغوضة لما عرفت ان النهي سار فى تمام الأفراد ولا يكون من اجتماع الأمر والنهي وان كانت الجهتان متساويتين فينتهي الأمر الى التخيير بينهما فلا يكون ايضا من باب اجتماع الأمر والنهي لأنه لا يكون فى البين امر ولا نهي واما اذا كانت جهة المصلحة اقوى فتسقط جهة المفسدة من التأثير ويكون التأثير فقط للطبيعة وقد عرفت ان مطلوبية الطبيعة لا بشرط وبالنسبة الى افرادها يكون الطلب تخييريا فيكون تركها مبغوضا بترك جميع الأفراد وليس مبغوضا مع ايجاد بعض الأفراد فمع انحصار الطبيعة بفرد يكون تركها مبغوضا بترك ذلك الفرد واما مع عدم الانحصار فترك ذلك الفرد ليس بمبغوض لعدم تركه إلا للخصوصية لا لأصل الطبيعة فعليه تكون الخصوصية وجودها وعدمها سواء فتكون مباحة مع ان الطبيعة واجب فيجتمع الوجوب والاباحة في واحد شخصي فباعتبار طبيعته واجبة وباعتبار خصوصيته مباح فاذا صح ذلك واجتمع الوجوب والاباحة فى شيء واحد فليجتمع الوجوب والحرمة في شيء واحد شخصي باعتبارين لاشتراكهما فى كون الأحكام متضادة لأن الخصوصية ولو كانت فيها جهة مفسدة إلا ان جانب المصلحة غالبة عليها فتنعزل تلك الخصوصية عن التأثير والتنجز لغلبة تلك المصلحة ولكن لا تزول جهة المبغوضية عنها هذا لو لم نقل بالترتب.

واما لو قلنا بالترتب فلازمه جواز الاجتماع ولو كان النهي منجزا وتقريب تنجزه ان يقال انك قد عرفت ان تعلق الأمر بالطبيعة معناه ايجاد الطبيعة في أي فرد كان مخيرا بين كون الخصوصية ذات مفسدة او لم تكن ، واما تعلق النهي فقد عرفت فى مسألة تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع ان تعلقه بنحو السراية بمعنى

١٥٥

ان المطلوب ترك جميع افراد المنهي عنه فتكون الخصوصية التي فيها مفسدة بالنسبة الى الطبيعة المأمور بها نسبة المضيق المهم الى الموسع الأهم لأن الطبيعة لم تكن مأمورا بها مطلقا بل تكون مأمورا بها في الجملة اي فى اي فرد كانت فيجزى الاتيان بغير المجمع بخلاف الطبيعة المنهى عنها فانما يحصل الامتثال بها بترك جميع افرادها حتى فرد المجمع فيكون المأمور به موسعا والمنهي عنه مضيقا وقد عرفت في المباحث المتقدمة ترجيح المضيق ولو كان مهما على الموسع ولو كان أهم فلو توجه الى الطبيعة امر فلا بد من صرفه الى غير المجمع فيكون المجمع خارجا عن دائرة الأمر إلا ان يكون تاركا بقية الأفراد فيمكن تعلق الأمر على نحو الأمر الترتبي.

وبالجملة انا لو قلنا بالترتب فيجتمع الأمر والنهي ولو كانا فعليين واما لو قلنا بعدم الترتب فيمنع من اجتماع الامر والنهي الفعليين ولكن لا مانع من الالتزام باجتماع المبغوضية والمحبوبية في شيء واحد شخصي باعتبارين ومما ذكرنا يظهر ان تعلق النواهي بالعبادات يبقى على ظاهره من دلالته على الحزازة والمنقصة.

بيان ذلك هو ان العبادة تارة يكون لها بدل واخرى لا بدل لها فما كان لها بدل فيكون الترك المبغوض هو ترك الطبيعة رأسا واما تركها الذي لا يستتبع تركها رأسا فليس بمبغوض بل ربما يكون راجحا ففي هذه الصورة تكون الطبيعة واجبة والمكروه هي الخصوصية. واما فيما لا بدل له فنقول ترك الطبيعة مرجوح وترك الخصوصية راجح مثلا ان الصوم فى نفسه راجح ولكن ايقاعه فى يوم عاشوراء مثلا مرجوح فيكون النهي راجعا إلى خصوصية الاضافة وحينئذ ترك الصوم مرجوح وترك الخصوصية راجح ويمكن ان يجعل هذا الوجه لما له بدل كما

١٥٦

لا يخفى. ومن جميع ما ذكرنا يظهر لك وجه المختار وحاصله انه يجوز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في الشيء الواحد باعتبارين او بما له من الحدين واستحالة الجمع بين البعث والزجر في الشيء الواحد على القول بالسراية. واما على القول بعدمها فلا مانع من اجتماعهما وقد عرفت وجه ذلك.

وملخصه انه لا يخلو اما ان يكونا متخالفين بتمام المنشأ او لا فان كانا متخالفين بتمام المنشأ فلا اشكال فى جواز اجتماع الأمر والنهي سواء كانا فعليين ام لا. واما اذا لم يكونا متخالفين بتمام المنشأ فلا يخلو اما ان يتحدا بحسب المنشأ فلا اشكال في عدم جواز اجتماع الأمر والنهي من غير فرق بين كونهما فعليين ام لا واما لو كانا متفقين في بعض المنشأ ومختلفين في البعض الآخر كما هو شأن الغصب والصلاة بناء على ما هو المختار من اتحادهما فى الكون واختلافهما بالاضافة فقد عرفت جواز اجتماع الأمر والنهي في الجهة التي اختلفا فيها من غير فرق بين ان يكون بين العنوانين عموم وخصوص من وجه كصل ولا تغصب او بينهما عموم وخصوص من مطلق كصل ولا تغصب فى هذه الصلاة. واما بناء على غير المختار من ان بين الغصب والصلاة اختلافا بتمام المنشأ بأن يكون كل واحد من مقولة مستقلة فلا اشكال فى جواز اجتماع الأمر والنهي في مقام المحبوبية والمبغوضية وفي مقام فعلية الأمر والنهي بخلاف المبنى الأول فانه يجوز اجتماعهما في مقام المحبوبية والمبغوضية.

واما ما يظهر من عبارة الاستاذ قدس‌سره في الكفاية من جعل المغصوبية من قبيل الملكية وجعلها من الامور التي ليس بازائها شيء فى الخارج فتكون من الامور الاعتبارية المحضة فلا يجوز اجتماع الأمر والنهي في مرتبة الفعلية ومرتبة

١٥٧

المحبوبية والمبغوضية لأن ما يكون له حظ في الاتصاف بالمحبوبية والمبغوضية لا يكون من الامور الاعتبارية وانما يكون المتصف بهما مما له حظ فى الخارج لأنه هو الذي تقوم به المصلحة والمفسدة ، والاختلاف بالأمر الاعتباري لا يوجب اختلافا في ناحية الخارج ولا يغيره بل هو باق على ما فيه من المصلحة أو المفسدة.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان ما في الخارج ليس إلا الكون والمفروض انه شيء واحد وحينئذ يمتنع اتصافه بالضدين وما في الاعتبار وان كان مختلفا إلا انه لا يتصف بالمحبوبية والمبغوضية ولا يخفى انه بعد تسليم المبنى فلا اشكال من القول بعدم جواز الاجتماع في مرتبة الفعلية ومرتبة المحبوبية والمبغوضية ولكنك عرفت عدم صحة المبنى إذ فرق بين الملكية والغصبية فان انتزاع الملكية بعد الجعل يتوقف على اللحاظ والغصبية تنتزع من عدم رضى المالك ولا يتوقف انتزاعها على لاحظ كالفوقية. هذا كله لو كان مناط الخلاف في اجتماع الأمر والنهي هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه كما لا يبعد ان يكون خلافهم مبنيا على ذلك واما لو كان خلافهم مبنيا على السراية وعدمها فقد عرفت ان الجواز لما كان مبنيا على عدم السراية فلازمه ان يقول القائل به مطلقا أي من غير فرق بين ان يكون متعلق الأمر والنهي متعددا او متحدا كمثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق في العموم والخصوص من وجه او مثل اكرم العلماء ولا تكرم العالم الفاسق في العموم من مطلق كما انه على القول بعدم السراية الذي هو مبنى للقول بالجواز يلزم ان نقول بجواز الاجتماع فى مرتبة البعث والزجر فضلا عن الاجتماع في مرتبة المحبوبية والمبغوضية بل ربما يقال بانه على السراية يمكن القول بالجواز بالنسبة الى مرتبة المحبوبية والمبغوضية مع عدم بلوغهما الى مرتبة البعث والزجر فالعالم الفاسق اكرامه

١٥٨

محبوب لعلمه ومبغوض لفسقه واما فى العبادات فان قلنا باعتبار قصد القربة ولو فى جهة في ذلك الوجود فتصح تلك العبادة لما فيها من جهة المحبوبية وان اعتبرناها فى تمام جهات ذلك الوجود بطلت العبادة والظاهر اعتبارها على النحو الثاني فلا ثمرة فى العباديات واما في التوصليات فيمكن تصور الثمرة من جهة عدم اعتبار قصد التقرب فيها ولكن الانصاف ان ذلك انما يكون فيما لو كانت المصلحة غالبة واما لو كانت المصلحة مغلوبة فتكون من قبيل المضيق مع الموسع ولا اشكال في وجوب مراعاة المضيق الذي كان هو النهي فانه يقدم على امتثال الموسع الذي فرض انه هو الأمر كما انه ربما يقال بانه على السراية يمكن القول بالجواز بدعوى ان الصلاة من مقولة الفعل او الوضع والغصب من مقولة الاضافة باعتبار ان الغصب عبارة عن اشغال مال الغير او الاستيلاء عليه ولو بوضع اليد عليه كما تدل عليه تعاريفهم فى باب الغصب فلا يسري الحكم من احدهما الى الآخر لكون كل واحد منهما من مقولة والى ذلك يرجع ان الجواز مبني على كون الجهتين تقييديتين ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان يكون احد المقولتين كالاضافة مثلا من مشخصات المقولة الاخرى لكي يكون المجمع متحدا وجودا وإلا لو كان المجمع المشتمل على المقولتين له تعدد فى الوجود فقد عرفت انه خارج عن محل الكلام والالتزام بما ذكر يوجب سراية الحكم من أحدهما الى الآخر لما عرفت من الاتحاد في الوجود على انه لو قلنا بان الغصب هو الاشغال تكون الصلاة فى الكون الغصبي مما به الاشغال اي تكون مقدمة لتحقق الاشغال ولا اشكال فى ان مثل ذلك مما تسري الحرمة اليه لكونه بمنزلة العلة التامة وقد عرفت في بحث المقدمة ان الحرمة تسري الى ما يكون من قبيل العلة لذيها فحينئذ يجتمع الوجوب النفسي مع الحرمة

١٥٩

الغيرية على انه لو قلنا بان ماهية الغصب موجودة بوجود خاص غير وجود الصلاة لكي يكون من التركيب الانضمامي إلا ان الحرمة ليست منحصرة بماهية الغصب بل نفس التصرف في مال الغير بغير إذن مالكه من المحرم ومن الواضح ان نفس حركات الصلاة بذلك المكان ينطبق عليه عنوان التصرف فاذا انطبق عليه عنوان المحرم تكون تلك الحركات محرمة فيكون التركيب حينئذ اتحاديا لاتحاد مثل هذا العنوان المحرم على تلك الحركات الواجبة فيجتمع في نفس الحركات الوجوب والحرمة فيكون من قبيل اجتماع الضدين فلذا يلزم القول بالامتناع مضافا الى ان تلك الحركات الصلاتية تعد من المنافع فتكون حركة الصلاة من القيام والقعود في المكان الغصبي استيفاء لمنفعته وهذا الاستيفاء من دون إذن من المالك بنفسه حرام فعليه تكون تلك الحركات بنفسها حراما مع انها متصفة بالوجوب فيعود ذلك المحذور ولأجل ما ذكرنا من كون تلك الحركات مصداقا للحرام ومنطبقا عليه الحرام فتكون من مصاديق العنوانين فلا محيص من سراية الحكم من احد العنوانين الى الآخر فيكون المجمع لهما قد اجتمع فيه الحكمان المتضادان ومن هذه الجهة تكون الجهتان تعليليتين لكونهما خارجتين عن موضوع الحكم ويكون تمام الموضوع نفس الجهة المشتركة ان قلت ان الجهات الزائدة عن الجهة المشتركة اذا اخذت في لسان الدليل لا بد وان تؤخذ بنحو الجهة التقييدية لا التعليلية قلنا ان ذلك مسلم ولكن لما كانت هناك جهة اشتراك توجب سراية الحكم من احد العنوانين الى الآخر لزم عدم مدخلية تلك الجهة فلذا قلنا بأنها تعليلية في قبال من يدعي بانها هي الفارقة بين العنوانين بتمام الحيثية كما هو قول من يقول بانها تقييدية وكيف كان فجعل الجواز مبنيا على كون الجهتين تقييديتين

١٦٠