منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

المطلق اى غير محدود بحد من جهة ان الشدة من سنخ الطلب وليست من حدوده لان حد الشىء لا يكون من سنخه والندب من قبيل الوجود المحدود لاشتماله على الضعف وهو ليس من سنخ الارادة فالوجوب بسيط والندب يحتاج الى مئونة زائدة لكونه مركبا من الطلب مع الاذن في الترك. فعليه ان نسخ الوجود المطلق لا يعين المراتب الأخر المحدودة بحدود خاص لاحتياج كل واحد منها الى قرينة تعين المراد. نعم بناء على ان الاستحباب والوجوب كلاهما من المعانى البسيطة وليس بينهما الا الاختلاف بحسب المرتبة لانهما من توابع الارادة والارادة تختلف شدة وضعفا فمن الواضح ان نفى الشدة يوجب بقاء الرجحان الضعيف وهو معنى الاستحباب لانطباقه على المرتبة الباقية بل ربما يقال بانه كما يتم ذلك في مقام الثبوت فربما يستفاد ذلك ايضا من مقام الاثبات اي من دليل الناسخ إذ المقام يكون من قبيل ما اذا ورد دليل على وجوب شيء ثم ورد دليل يعارضه ويدل على جواز تركه فان مقتضى الجمع بين الدليلين رفع اليد عن ظهور الدليل الدال على الوجوب ويؤخذ بظهور الدال على الترخيص ولكن لا يخفى ان المقام ليس من قبيل الجمع بين الدليلين فان ذلك فيما اذا لم يكن لاحد الدليلين حكومة على الآخر واما لو كان احدهما حاكما على الآخر كما في المقام فان دليل الناسخ حاكم على دليل المنسوخ فانه يؤخذ بدليل الناسخ ويطرح دليل المنسوخ ومعه لا دلالة له على بقائه اذ الجواز بالمعنى الاخص الذى هو الاباحة يباين الوجوب فيحتاج فى بقائه بعد ارتفاع الوجوب الى دليل ودليل الناسخ لا دلالة له على بقائه كما ان الجواز بالمعنى الاعم ليس لدليل الناسخ ولا لدليل المنسوخ دلالة على بقائه باحدى الدلالات الثلاث اما المطابقة فواضح واما التضمن فغاية ما يمكن تصوره ان الجواز جزء من مدلول المنسوخ

١٢١

وارتفاع الجزء لا يوجب ارتفاع الجزء الآخر ولكن لا يخفى ان الجزء الباقى هو الجنس ومن الواضح ارتفاعه بارتفاع فصله فلو بقي يلزم تحققه بلا فصل وهو ممنوع ، واما الدلالة الالتزامية فتحتاج الى تحقق الملازمة بين النسخ وبقاء الجواز ولا ملازمة بينهما كما هو واضح ، ولذا لو صرح المولى ببقاء الحرمة بعد نسخ الوجوب لم يكن مناقضا هذا والانصاف ان ذلك يلتزم به فيما اذا كان لدليل الناسخ حكومة ونظر بنحو يرفع جميع مراتب المنسوخ. واما لو لم يكن كذلك بل له حكومة يرفع بعض مراتبه كرفع الالزام مثلا فيؤخذ بظهور دليل المنسوخ ويثبت الرجحان بل لو شك في مقدار رفع دليل الناسخ فيؤخذ بالقدر المتيقن فيه وهو حمله على نفس الالزام ويؤخذ بظهور دليل المنسوخ ويثبت الرجحان ولا يسرى اجماله اليه.

اللهم إلّا ان يقال بان مقتضى اطلاق دليل الناسخ هو نفى جميع مراتب الارادة الشديدة التى هي منشأ الوجوب فان ذلك لا يحتاج الى مئونة زائدة بخلاف نفى بعض مراتبه الذى هو الشدة مثلا فانه يحتاج الى مئونة زائدة فاثبات الرجحان مع الاذن في الترك الذى هو الاستحباب او الاباحة التى هي تساوى الفعل والترك يحتاج الى دليل. هذا كله حال الدليل الاجتهادي ، واما الدليل الفقاهتي فنقول لو لم يكن اطلاق لدليل الناسخ ، لا لدليل المنسوخ ووصلت النوبة الى الاصل العملى فقد توهم ان الاستصحاب يجري بدعوى ان الجواز كان متحققا في ضمن الوجوب وبعد ارتفاع الوجوب بدليل النسخ يشك فى رفع الجواز فيستصحب بقاؤه ولكن لا يخفى ان هذا من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي لان الجواز يثبت فى ضمن الاحكام الاربعة غير التحريم ولا اشكال فى تباينها فمع العلم بارتفاعه بمقتضى النسخ فى ضمن الوجوب واحتمل ثبوته في ضمن الاباحة او الاستحباب فيكون

١٢٢

من قبيل ما لو علم بارتفاع فرد وشك في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع ذلك الفرد فلا يكون حينئذ من الشك فى البقاء لكى يجري الاستصحاب إلّا ان يقال بان المشكوك من المراتب الضعيفة بالنسبة الى ما علم بارتفاعه كما لو غسل الثوب الاسود الحالك الشديد السواد بماء فقطع بارتفاع الشدة التى هي مرتبة من السواد وشك فى بقاء السواد الضعيف فلا مانع من جريان استصحاب السواد لصدق الشك في البقاء عرفا لعدم مباينة الضعيف للقوى وجودا وانما يباينه بحسب المرتبة ولكن لا يخفى ان بين الاحكام تضادا وتباينا وليس الاستحباب من مراتب الوجوب لكى يكون التفاوت بحسب المرتبة فعليه لا يجري استصحاب بقاء الجواز مع العلم بارتفاع الوجوب ويكون من قبيل ما لو قطع بارتفاع فرد وشك فى حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع ذلك الفرد فانه من المسلّم عدم جريان الاستصحاب فيه وسيأتى إن شاء الله تعالى بيانه في الاستصحاب.

(الامر بالامر)

الفصل العاشر فى ان الامر بالامر بشىء امر بذلك الشىء او لا ، وجهان لان الآمر بامره بذلك الشىء ان كان نظره الى ايجاد المتعلق بنحو يكون غرضه ايجاده وليس غرضه يحصل بمجرد الامر الثانى وانما أتى به وسيلة وطريقا الى اتيان المتعلق فالامر بالامر بشيء يكون امرا به وان كان الغرض يتحقق بنفس الامر وليس له غرض في وجود المتعلق فلا يكون الامر بالامر بشيء امرا به الظاهر هو الاول. لان العرف يفهم ان الامر الثانى انما جعل وسيلة وطريقا الى اتيان المتعلق فان الظاهر من قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله (مروهم بالصلاة وهم ابناء

١٢٣

سبع سنين) هو الاتيان بنفس الفعل إلّا انه (ص) عدل عن امرهم مباشرة الى توسيط الاولياء لضعف عقول الاطفال فلا يعتنون بذلك الامر فعليه تكون عبادات الصبى شرعية اذ امر الاولياء بامر غير البالغين بالصلاة حسب الفرض انه امر لهم بها نعم لو لم نستفد ذلك بل كان الامر لصرف تحقق الامر من الاولياء فتكون عباداتهم تمرينية بل لو احتملنا ذلك فيحتاج دلالة الامر بالامر بشيء على الامر به الى دليل وقرينة وحيث لم تكن قرينة فلا دلالة عليه فلا تكون عباداتهم ايضا شرعية اللهم إلّا ان يقال بانه يستفاد شرعية عباداتهم من ادلة التشريع مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ* كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ونحوها من الخطابات التى تعم البالغ وغيره واما رفع القلم فلا يرفع الا الالزام فعليه لو فعل الصبى العبادة فى الوقت ثم بلغ فلا يحتاج الى الاعادة ودعوى كون عبادات الصبى تمرينية بان يكون الامر لصرف التمرين وصيرورتها عادة لهم من دون فائدة اخرى فيها بعيد اذ ذلك خلاف ظواهر الاوامر الواردة المتعلقة باتيان الافعال فدعوى الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (انه لا دلالة بمجرد الامر بالامر على كونه امرا به ولا بد في الدلالة عليه من قرينة عليه) محل نظر ومنع اذ يمكن دعوى القرينة النوعية على كون الامر بشيء من قبيل الامر بالتبليغ لم يلحظ فيه الا كونه طريقا لايجاد المتعلق اذ كون الغرض من ذلك صرف التبليغ وان الامر صادر من الاولياء خلاف الظاهر كما لا يخفى.

ورود الامر عقيب الامر

الفصل الحادي عشر في ما لو ورد امر عقيب امر قبل امتثال الامر الاول فهل هو تأكيد فيكفى الامتثال بوجود واحد أم تاسيس فيكون طلبا آخر غير الطلب

١٢٤

الاول لتعدد موضوعه فيجب امتثال كل بغير امتثال الآخر قيل بالاول تقديما لاطلاق المادة فان اطلاقها يقتضى الاتحاد مع المادة في الامر الاول فحينئذ المأمور به فيهما مفهوم واحد يتحقق بوجود واحد على ان الطلب لو كان بنحو التأسيس لا يعقل تعلقه بطبيعة واحدة الا مع التقييد لكي يكون المتعلق في الاول مع الثانى مختلفين وجودا ولكن التحقيق هو عدم استفادة التاكيد او التأسيس بل هو من هذه الجهة مجمل لتعارض اقتضاء المادة مع اقتضاء الهيئة فان المادة تقتضي التاكيد لان الطلب لا يعقل تاسيسا ان يتعلق بطبيعة واحدة مرتين ولم يكن فى البين تقييد ولو كان ولو بمثل مرة اخرى حتى يكون المتعلق في احدهما غير المتعلق فى الآخر ومقتضى اطلاق الهيئة التأسيس لاقتضاء الهيئة البعث في المقامين فلا بد من التقييد بالمرة الاولى بالنسبة للامر الاول والمرة الثانية بالنسبة الى الامر الثانى فانقدح مما ذكرنا حصول الاجمال فمع حصوله يكون المرجع الى الاصول العملية وليس فى البين ما يرجع اليه منها الا اصل البراءة لكون المقام من الشك في وجوب الاتيان به مرة ثانية وهو من الشك فى التكليف وهو مجرى لاصل البراءة من وجوب التكرار كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في ما يتعلق بالمقصد الاول من الاوامر والحمد لله رب العالمين.

١٢٥

(المقصد الثانى فى النواهى)

وفيه فصول :

الفصل الاول فى ان النهي هل يراد منه طلب الترك او طلب الكف قيل بالاول واستدل له بان النهي عبارة عن نفي المعنى ونفي المعنى مساوق للترك فلذا دل النهي على الترك ورد بانه لا يمكن ان يلتزم بالترك المحض لعدم كونه مقدورا فلا يكون مطلوبا لخروجه عن الاختيار لكونه عدما ازليا والعدم الازلي خارج عن القدرة ولذا يجب الالتزام بالقول الثاني وهو ان النهي عبارة عن الكف لكونه مقدورا وامرا اختياريا فيصلح لتعلق الطلب به وقد اجيب عن ذلك بان الممتنع العدم الازلي وهو ليس بمطلوب فى النهي وانما المطلوب فيه ابقاء ذلك العدم وابقاؤه من الامور الاختيارية لانه قادر على هدم ذلك العدم بارادة الفعل فحينئذ صح ان يطلب ابقاء هذا العدم لكونه حينئذ غير خارج عن الاختيار ويكون مقدورا لتحقق القدرة على الفعل بحيث يصدق عليه انشاء فعل وانشاء لم يفعل ولكن لا يخفى ان هذا النزاع بناء على خلاف التحقيق حيث ان مورده اخذ الماهية في قبال الوجود الخارجي ولكن التحقيق حسب ما عرفت في مسألة تعلق الأوامر بالطبائع من ان المراد بالطبيعة المتعلقة للامر ان تكون بنحو الحكاية عما في الخارج كحكاية المرآة لمرئيه ومتحد معه اتحاد المرآة مع المرئي لما عرفت من ان صيغة الامر مركبة من مادة وهيئة مادتها تدل على نفس الطبيعة وهيئتها تدل على البعث نحو الطبيعة وكذلك في النهي فان المراد بمادته هي نفس الطبيعة وهيئته تدل

١٢٦

على الزجر والردع نحو الطبيعة فلو كان مفاد صيغة النهي طلب ترك الفعل لزم ان لا تكون صيغة النهي كصيغة الامر من المشتقات حيث لم تكن لها هيئة تدل على ربط المادة كما كان ذلك في صيغة الامر.

وبالجملة ان جعلنا صيغة النهي احدى صيغ المشتقات وهي مركبة من مادة وهيئة مادتها تدل على نفس الطبيعة وهيئتها تدل على امر ربطي يقوم بالمادة واما ان لم تكن كذلك خرجت صيغة النهي من صيغ المشتقات وبالجملة مفاد المادة في الامر والنهي الحكاية عما في الخارج فيكون متعلق الامر عبارة عن البعث نحو المادة التى ترى خارجية وفي النهي عبارة عن الزجر نحو المادة اذ هذا المعنى يقبل لان يتعلق بالوجود فيكون مفاد النهي كالامر مقدورا فلا حاجة الى ما ذكر من جعل المراد من العدم الازلي ابقاؤه.

فظهر مما ذكرنا حيث قلنا بان المادة انما هي ملحوظة مرآتا للخارج في الامر والنهي فالوجود حينئذ يكون مأخوذا فيهما فهما مشتركان في ذلك وانما المائز بينهما هو اخذ البعث فى مفاد هيئة الامر (١) والزجر فى مفاد هيئة النهى فهما يتفقان في المادة ويفترقان بالنسبة الى الهيئة ومن ذلك ظهر فساد اخذ العدم في حقيقة النهي والوجود فى حقيقة الامر اذ ذلك يوجب ان يكون التمايز بينهما بحسب المتعلق وذلك انما يتم لو لم يؤخذ المتعلق بنحو المرآة لما فى الخارج وبالجملة اخذ المتعلق بنحو المرآة لما في الخارج يوجب اتفاقهما في اخذ الوجود فيهما ولازمه ان يكون بينهما تغاير في دلالة الهيئة ففي هيئة الامر دلالة على البعث نحو المادة وفي النهي دلالة على الزجر عما تقتضيه المادة فافهم وتأمل.

__________________

(١) لا يخفى ان المادة فى الامر والنهى انما هى نفس الطبيعة ويستفاد الوجود

١٢٧

(دلالة النهى على التكرار)

الفصل الثاني في ان النهى يدل على التكرار أو لا؟ وجهان قيل بالاول نظرا الى ان مفاد النهي هو عدم ايجاد الطبيعة ولا يحصل ذلك إلا بترك جميع الافراد العرضية والطولية وقد اورد عليه بان التكرار المدعى فى المقام ما كان مستتبعا لمخالفات متعددة وعلى ما ذكر من التكرار ليس فيه مخالفات متعددة إذ العصيان ضد الاطاعة والاطاعة تتحقق بانعدام الطبيعة بالمرة الاولى فتكون المرة

__________________

والعدم من تسلط الهيئة على المادة بان يراد من النهى طلب ترك الطبيعة ومن الامر طلب ايجاد الطبيعة واما البعث والزجر انما يلزمان صيغة الامر والنهى وليسا من مفاد الهيئة والعدم المستفاد من النهى تارة يراد منه العدم الجامع بين جميع الاعدام بنحو يكون المجموع موضوعا واحدا يكون من قبيل العام المجموعي فلا يتحقق امتثاله إلّا بترك جميع وجودات الطبيعة واخرى يراد منه سرايته الى جميع وجودات تلك الطبيعة بنحو يكون كل فرد موضوعا مستقلا ويكون نظير العام الاستغراقى وعلى الاول لا ينحل النهى الى نواهى متعددة بخلاف الثانى فانه ينحل الى نواهى بحسب تعدد الافراد فيكون لكل فرد امتثال وعصيان مستقل لا يرتبط بالفرد الآخر والحق هو الثانى اذ مقتضى الاخذ بالظهور هو ذلك لان الطبيعة لها وجود فى ضمن اى فرد وبما ان النهى يتعلق بما فيه المفسدة فالطبيعة فى اي فرد تكون فيها مفسدة إذ لو اختصت فى فرد خاص كان على المولى بيانه فمن عدم البيان يستكشف ان المبغوضية والمفسدة فى جميع الافراد وذلك يقتضي انحلال الفرد بجميع الافراد على تفصيل ذكرناه فى تقريرات الاستاذ النائيني قدس‌سره.

١٢٨

الثانية خالية من العصيان وهو مما لا يلتزم به احد ضرورة تكرر العصيان بتكرر المخالفة كما ترى ذلك فى المحرمات كالزنا والسرقة وشرب الخمر إلا ان يفهم من النهي السريان وهو مستلزم لتكرار المخالفات المستتبع لتعدد العصيان ولم يكن ذلك مستفادا من النهي ولكن لا يخفى ان هذا وان امكن الالتزام به إلا انه لا يكون مثبتا لتلك الدعوى اذ الدعوى استفادة التكرار عن النهي وهذا انما يستفاد من الاستلزام اى كون التكرار لازما لكون النهي للسريان. نعم يتم ذلك في النواهي الغيرية التي يسقط النهي بالمخالفة لأول مرة ، مثلا من احدث فى صلاته انتقض وضوؤه وبطلت صلاته ولو احدث ثانيا لم يكن لحدثه ثانيا اثر يترتب عليه الانتقاض فالاولى في توجيه الاستدلال ان يقال ان صيغة النهي كصيغة الامر تشتمل على مادة وهيئة ، اما المادة فيهما فهي صرف الطبيعة التى ترى خارجية واما هيئتهما فتدل على سراية البعث فى الاوامر والزجر في النواهي الى تمام الافراد ولذا يكون الطلب متعددا على حسب تعدد الافراد ومقتضى تعدد الطلب تعدد العصيان ومقتضى ان يكون الامر كالنهي بالدلالة على التكرار إلا ان ذلك يمتنع في الاوامر للزوم الحرج المنفي في الشريعة فمن نفيه في الشريعة يستدل على عدم دلالة الامر على التكرار بخلاف النواهي حيث انه لا حرج في الترك ولا يخفى انه ربما يعارض اطلاق الهيئة باطلاق المادة فان اطلاق المادة يقتضي الانتهاء بصرف الوجود ومرجعه الى نهي واحد تعلق بطبيعة واحدة فهو وان كان مستلزما للتكرار فى مقام الامتثال إلّا انه فى مقام العصيان لا يكون إلّا عصيانا واحدا لو خولف بصرف الوجود ولا مرجح لاحد الاطلاقين. نعم ربما يقال بامكان ترجيح اطلاق الهيئة على اطلاق المادة بدعوى ان الهيئة فى عالم الاعتبار ترى علة لحصول المادة فى عالم الخارج ولا اشكال

١٢٩

ان العلة مقدمة على المعلول فانه يرى المعلول من تبعات العلة فيكون اطلاق الهيئة مقدما على اطلاق المادة فلذا يؤخذ به هذا كله بالنسبة الى ملاحظة نفس المادة والهيئة.

واما ما تقتضيه مقدمات الحكمة فالذي ينبغى ان يقال بان ما تقتضيه مقدمات الحكمة من المادة هو ارادة الماهية المهملة التى تعم المخلوطة والمجردة المعبر عنها باللابشرط المقسمى فلا مجال للاشكال بانه يحصل الامتثال بالترك في الزمان الاول كما يحصل الامتثال بالامر باول وجود الماهية لان الموضوع على ذلك التقدير هو الماهية المهملة وهي لا تنعدم إلّا بانعدام جميع افرادها العرضية والطولية كما ان تحققها باول الوجود هو مقتضى ذلك في الاوامر.

نعم للاشكال مجال بناء على ان مقدمات الحكمة تثبت صرف الوجود اي الماهية الصرفة فى قبال المقيدة والمخلوطة المعبر عنها باللابشرط القسمي لان الماهية الصرفة اذا تحققت في اول الازمنة فلا يتحقق فيها تكرار لانه اذا تحقق متعلق النهى بان تركت تلك الطبيعة في اول الازمنة يسقط النهى فلا يبقى مجال في تحققه في ثانى الوجود من الامتثال لعدم انطباق الماهية الصرفة عليه لان صرف الشىء غير قابل للتكرار بنحو التعاقب فمهما تحقق فى الخارج يسقط النهى عنه ولا يكاد يبقى الاتيان به في ثاني الوجود كما لا يخفى.

ثم انك قد عرفت ان مقتضى دلالة النهي على الزجر عما تقتضيه المادة دلالته على الدوام كذلك مقتضاه ايضا يدل على الفورية إذ لازم انعدام الطبيعة حين الانشاء خلو صفحة الوجود منها حين النهى وبذلك يفرق بين النهى والامر بدعوى عدم دلالة الامر على الدوام والفورية ودلالة النهى عليهما لان مقتضى

١٣٠

طبع النهي ذلك فافهم وتأمل.

(اجتماع الامر والنهى)

الفصل الثالث اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهى فى واحد على اقوال ثالثها جوازه عقلا وامتناعه عرفا وقبل الخوض فى المقصود يستدعي بيان امور :

الاول المراد من الواحد في العنوان هو مطلق ما كان له جهتان ومتعنونا بعنوانين كان باحدهما موردا للامر وبالآخر موردا للنهي من غير فرق بين وحدة شخصية أو كلية كما لو كان كليا مجمعا للعنوانين كالكون الكلي الذي ينطبق عليه انه صلاة وغصب ، وبذلك يظهر بطلان ما التزم به صاحب المعالم والفصول قدس‌سرهما من ان المراد بالواحد الشخصي فلا يعم الكلي. نعم ليس المراد منه الواحد بالجنس كالسجود لله تعالى والسجود للصنم فانهما واحد بالجنس باعتبار دخولهما تحت ماهية واحدة التى هي السجود لكونهما متغايرين بحسب الوجود كما لا يخفى.

الامر الثاني ذكر الاستاد قدس‌سره فى الكفاية الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية باختلاف جهة البحث الموجب لتعنون كل مسألة على حدة بما حاصله ان الجهة المبحوث عنها في مسألة الاجتماع هي سراية كل من الامر والنهى الى ما تعلق به الآخر من جهة اتحاد متعلقيهما ام لا يسري لتعدد العنوان والجهة الموجب لتعدد المتعلق فمع تعدد المتعلق يكون الامر قد تعلق بغير ما تعلق به النهى بخلاف الجهة المقصودة بالبحث عنها في المسألة الآتية فان البحث في تلك

١٣١

المسألة في دلالة النهي على الفساد او لا وذلك انما يتأتى بعد الفراغ عن توجه النهي اليها. نعم لو قلنا بالامتناع مع ترجيح جانب النهي تكون من صغريات المسألة الآتية فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح. وذكر صاحب القوانين الفرق بين المسألتين بان مسألة الاجتماع تكون فيما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه بخلاف مسألة دلالة النهي على الفساد فانها فيما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من مطلق وقد اورد عليه في الفصول بان ذلك ليس فارقا بين المسألتين وانما الفرق بينهما بان النزاع فى مسألة اجتماع الامر والنهي انما يتأتى فيما اذا تعلق الامر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم وخصوص من مطلق كالامر المتعلق بالحركة والنهي المتعلق بالتدانى فان التدانى اخص من الحركة وفى مسألة النهي يقتضى الفساد هو ما كان بين متعلق النهي والامر اتحاد وان كان متغايرا بالاطلاق والتقييد بان كان احدهما مطلقا والآخر مقيدا كصل ولا تصل في الدار المغصوبة.

اقول يمكن ارجاع كلام الفصول الى كلام الاستاذ بتقريب انه اذا كان بين الطبيعتين تغاير يمكن جريان النزاع في سراية احدهما لمتعلق الآخر مثلا لما كان بين الصلاة والغصب تغاير فى الحقيقة ففى المجمع لو اتفق بان صلى في الدار المغصوبة يمكن النزاع فى سراية الامر الى ما تعلق به النهي او عدم سراية كل من الامر او النهي الى متعلق الآخر بخلاف ما اذا كان بين متعلق الامر والنهي اتحاد فلازمه سراية احدهما للآخر فتكون من صغريات مسألة دلالة النهي على الفساد فلا يكون للنزاع مجال ولعله الى ذلك يرجع كلام صاحب القوانين بان ما لو كان بين العنوانين عموم وخصوص من وجه يكون للنزاع في سراية كل من متعلق الامر

١٣٢

والنهي الى ما تعلق به الآخر وعدمه مجال بخلاف ما لو كان بينهما عموم وخصوص من مطلق فانه لا مجال للنزاع فى ذلك اذ فى هذه الصورة مما يقطع بالسراية فلذا يكون من صغريات مسألة دلالة النهي على الفساد إلّا ان الظاهر ان ما اورده صاحب الفصول عليه في محله اذ ليس الملاك فى هذه المسألة العموم والخصوص من وجه بل التغاير بين متعلق الامر والنهي حقيقة ولو كان بينهما عموم وخصوص من مطلق وان كان ما ذكره من المثال لذلك محل نظر اذ الحركة والتدانى وان كان بينهما عموم وخصوص من مطلق إلّا انه بحسب المورد ولكن بحسب الوجود هما موجودان بوجودين إذ التدانى معلول للحركة تقول تحرك فتدانى ولا اشكال في خروج مثل ذلك عن محل النزاع لعدم كون شيء واحد مجمعا للعنوانين بل شيئان متجاوران قد تحققا في وقت واحد وجود احدهما مطابق لعنوان الواجب والآخر مطابق لعنوان المحرم فلم يكن مثل هذا الاجتماع المسمى بالاجتماع الموردي محلا للنزاع بل يكون حاله حال النظر الى الاجنبية في الصلاة الذي لا اشكال فى خروج مثل ذلك عن محل النزاع إذ متعلق الامر غير متعلق النهى وجودا فمن نظر الى الاجنبية في الصلاة اطاع من جهة صلاته وعصى من جهة النظر ولا يكون مثل هذا العصيان يوجب فساد الصلاة فالاولى فى بيان الفرق بين المسألتين هو ان مسألة اجتماع الامر والنهي من باب التزاحم لا من باب التعارض ولذا كان الفساد فيها مانعا مع العلم بالنهي فلو لم يعلم به صحت صلاته لتحقق الملاك فيها بخلاف مسألة ان النهي يقتضي الفساد فان الفساد تابع لواقع النهى وان لم يعلم به وبالجملة الفساد فى هذه المسألة من آثار العلم وفى تلك المسألة من آثار الواقع فكم فرق بين المسألتين كما لا يخفى.

الامر الثالث اشترط بعضهم قيد المندوحة فى محل النزاع بان يكون للمكلف

١٣٣

مندوحة في مقام الامتثال فمع عدمها بان ينحصر مصداق الكلي في المجمع فهو خارج عن محل النزاع لكونه من التكليف بالمحال وهو مما لا اشكال فى عدم صلاحه لان يقع النزاع فى صحته وفساده لكونه من التكليف بغير المقدور وقد اعترض على ذلك الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية بما حاصله ان عدم اعتبار المندوحة غير مضر بما هو المهم إذ المهم فيه هل ان تعدد الجهة يرفع محالية التكليف ام لا يرفع وهذا لا يتفاوت بين وجود المندوحة وعدمها. نعم بالنسبة الى التكليف بالمحال يفرق فيه بين وجود المندوحة وعدمها وملاك النزاع فى مسألة الاجتماع هو كون التكليف محالا لا التكليف بالمحال. نعم لو كان الملاك فيه هو التكليف بالمحال كان لاعتبار قيد المندوحة وجه إلّا أنّك قد عرفت ان الملاك هو محالية نفس التكليف فعليه لا وجه لاعتبار قيد المندوحة. نعم على القول بالجواز يلزمه اعتبار قيد المندوحة انتهى كلامه ملخصا

اقول اشتراط المندوحة انما يتم ويتوجه على القول بالجواز اذا بنينا على عدم سراية الطلب من الطبيعة الى الافراد إذ على هذا التقدير يصح اشتراط المندوحة إذ مع عدمها يستحيل التكليف بالجامع لانه حسب الفرض متعذر الامتثال من غير الفرد الغصبى ومعلوم ان الفرد الغصبى ممنوع منه بحكم العقل قرارا من مخالفة النهى عن الغصب وحينئذ لا يكون امتثال التكليف مقدورا بجميع الوجوه واما مع وجود المندوحة يمكن له امتثال ذلك الجامع بغير هذا الفرد. واما اذا قلنا بالسراية على ما هو التحقيق فيكون المجمع يسرى اليه الامر والبعث على نحو التخيير فيكون الفرد مطلوبا فعله مع ترك بقية الافراد والمفروض انه مع ذلك منهى عنه لكونه مشتملا على الغصب ويستحيل البعث الى شىء منهي عنه فلا بد

١٣٤

من ان لا تشمله الطبيعة بما هى مأمور بها فلا يكون المجمع من المامور به وحينئذ فنقول ان اكتفينا فى الصحة بالمحبوبية صحت صلاته وإلّا لم تصح سواء كانت هناك مندوحة للمكلف ام لا ، على القول بالجواز فضلا عن القول بالامتناع نعم يمكن صحة صلاته بناء على ما اختاره الاستاذ من جواز دعوة الامر الى غير متعلقه كما عرفت ذلك فى مسألة الضد ولكنك عرفت الخدشة فى ذلك المقام بان الداعوية التى هي معتبرة في العبادات ما كانت بنحو العلة الفاعلية دون الغائية والمتصور من الداعوية فى الفرد الخارج من حيز الامر انما هو بنحو العلة الغائية التى لا تنفع فى العبادات ثم انه ربما يتوهم جواز صدور العمل بنحو العلة الفاعلية لكن على القول بالترتب بان يقول المولى انهاك عن التصرف الغصبى ولكن ان تصرفت بالغصب فليكن تصرفك بنحو الصلاة فيكون الامر بالصلاة مرتبا على النهي عن الغصب وهذا النحو من الامر جائز بناء على القول بالترتب ولكن لا يخفى ما فيه فان مسألة الترتب بناء على الاختلاف فى المرتبة والمقام ليس من ذلك القبيل فان المرتبة فى المقام ليست مختلفة بل الامر والنهي فى عرض واحد فلا يلزم من القول بالترتب القول بالجواز.

الامر الرابع ان الاستاذ قدس‌سره تعرض في الكفاية الى توهمين في ابتناء النزاع احدهما ان القول بجواز اجتماع الامر والنهي مبني على تعلق الاوامر بالطبائع وعدم الجواز مبني على القول بالتعلق بالافراد ثانيهما ان النزاع فى الجواز وعدمه مبنى على القول بتعلقهما بالطبائع إذ مع القول بتعلقهما بالافراد لا محل للنزاع فى جواز الاجتماع وعدمه إذ لا يعقل القول بالجواز بناء على ذلك وقد اجاب الاستاذ قدس‌سره عن كلا التوهمين بما حاصله ان ملاك النزاع متحقق على

١٣٥

كلا القولين اذ مرجعه الى ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه من غير فرق بين القول بتعلق الاوامر والنواهي بالطبائع او بالافراد وحيث يتضح من كلام الاستاذ ان مبنى الجواز هو ان تعدد الجهة يوجب تعدد الموجه فاعلم ان معرفة ذلك وتحقيق الحال فيه يقتضي معرفة الجهات المتعددة التى يكون مبنى للقول بالجواز فنقول ومن الله المستعان ان الجهات على انحاء منها الاختلاف بالاجمال والتفصيل كتصور الانسان الحاكي عن حقيقته وتصور الحيوان الناطق الحاكي عن حقيقته والحقيقة فيهما واحدة إلّا انه في الاولى الحكاية كانت اجمالية وفي الثانية كانت الحكاية على نحو التفصيل ولا اشكال ولا ريب ان مثل هذا الاختلاف لا يكون مبنى الجواز لان تغايرهما في الحكاية لا يوجب تغاير المحكي والمحكي عنه اذ هما يحكيان عن حقيقة واحدة ومنها ان يكون الاختلاف بينهما بالاعتبار كالاختلاف بين الجنس والهيولى والفصل والصورة فان الاختلاف بينهما بحسب الاعتبار فان شيئا واحدا ان اعتبر لا بشرط صار جنسا وصح حمله على الذات وان اعتبر بشرط لا صار هيولى ولا يصح الحمل ولا يخفى ان هذا النحو من الاختلاف لا يكون مبنى للقول بالجواز بل هو كسابقه يحكيان عن شىء واحد ومعنى فارد والاختلاف بالاعتبار لا يوجب اختلافا في ناحية المحكي ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين من جهة اختلاف منشئهما وكانتا من الاوصاف الاعتبارية بحيث لا واقع لهما الا بمنشإ انتزاعهما فاذا كان كذلك يكونان من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية لانهما لا يصلحان لتعلق الحكم بهما لكونهما اوصاف اعتبارية كالملكية والزوجية مثلا امر بايجاد مملوك لزيد ونهي عن ايجاد زوج لهند والملكية والزوجية لا يصلحان لتعلق الحكمين بنحو تعلق الاوامر بالطبائع لما عرفت من انهما من الاوصاف

١٣٦

الاعتبارية التى لا يكون لها واقع الا لمنشا انتزاعهما فظهر مما ذكرنا انه على هذا الوجه ايضا لا يكون مبنى للقول بالجواز لان الملكية والزوجية لا يصلحان لتعلق الحكمين بهما بل ربما يقال بخروج مثل ذلك عن نظر المجوزين من جهة اتحاد المتعلق فيهما كما اتحد في مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق فانه في مورد اجتماع العالم والفاسق فى واحد لم يكن هناك جهة تعدد فعليه لم يكن مندرجا تحت محل النزاع ومثله هذا المقام اذ المطلوب من الزوجية والملكية ليس إلّا ايجاد واحد فلم يكن المتعلق متعددا ولكن لا يخفى ان الجهة التى في مثال الاكرام متحدة ولا يسرى الاختلاف الواقع بين العلماء والفساق الى الاكرام لان الاكرام من مقولة الفعل والعلم والفسق من مقولة الكيف فالاختلاف في مقولة الكيف لا يوجب الاختلاف في مقولة الفعل وهذا بخلاف ما نحن فيه اذ الايجاد المضاف الى الزوجية والمملوكية هو بعينه وجودهما ولا يكون بينهما اختلاف إلّا بحسب الاعتبار فما يكون الاختلاف بينهما بحسب الوجود يكون لا حقا لهما بحسب الايجاد ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين ناشئا من الاختلاف بالمنشإ وبالاعتبار كالاختلاف بين الحلو والابيض فيكون من المحمولات بالضميمة بخلاف الصورة التى قبلها فان الاختلاف بينهما على نحو خارج المحمول فظهر الفرق بين هذه الصورة وبين الصورة التى قبلها وهذا الوجه من الاختلاف انما ينفع اذا كان الوصفان لا يجتمعان فى مجمع مشترك بينهما فعلى هذا لا بد من الالتزام ببساطة المشتق حتى ينفع القائل بالجواز لان الجهتين متغايرتان بتمام التغاير وذلك يوجب تعدد الموجه واما على القول بالتركيب فلا ينفع القائل بالجواز لان الجهتين ليسا متغايرتين بتمام الذات بل متغايرتان بجهة اذ على ما عرفت ان القول بالتركيب من الذات والتلبس بالحلاوة في الحلو والذات

١٣٧

والبياض فى الابيض وهذا كما ترى اذ ان الحلو والابيض ليس بينهما تغاير بتمامهما بل بجزء من حقيقتهما فلا ينفع القائل بالجواز الا القول بالبساطة هذا كله لو اغمضنا عما اخترناه فى المشتق واما على ما حققناه فيه فنقول انه على القول بالبساطة ايضا لا يجدي القول بالجواز اذ على ما اخترناه في مقام الحمل ان المشتق مأخوذ فى مقام الحمل بنحو النظر الآلي لا على نحو النظر الاستقلالي بل أخذ على نحو كونه مرآتا فعليه يكون المشتق حاكيا عن الذات فلا ينفع القول بالجواز نعم يجدى القول بالجواز لو قلنا ان المصحح للحمل فى المشتقات اعتبارها لا بشرط على ما ذكرنا فى بحث المشتق ومنها ان يكون الاختلاف بين الجهتين بنحو الاختلاف بالجنسية والفصلية او النوعية والشخصية فان كل واحد منهما يحكي عما لا يحكيه الآخر فمثل هذا الاختلاف هو الذى ينبغى ان يجعل محطا لنظر القائل بالجواز الذى يجتزي بتعدد الجهة ولكن المعروف من مثالهم هو الصلاة والغصب فينبغى ان يقع الكلام فيهما فنقول قد اختلفت كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم في بيان معانيهما على اقوال فمنها ان الصلاة عبارة عن الخضوع الذى يترتب على هذه الاكوان والغصب عبارة عن الكون المتحد مع هذه الافعال فعلى هذا لا يكون المثال من باب الاجتماع لان الصلاة والغصب على هذا يكونان طوليين لا عرضيين فعلى كلا القولين يمكن القول بالجواز فلم يكن مثل هذا محلا للنزاع.

ومنها ان الصلاة عبارة عن الاوضاع الخارجية من الركوع والسجود والغصب عبارة عن نفس الكون فى المكان الذى لا يرضى صاحبه وعلى هذا يكونان بحسب المصداق متغايرين ولكن بحسب الوجود متحدين ومنها بان الصلاة عبارة عن كون خاص والغصب عبارة عن كون خاص فعليه يشتركان فى الكون ويفترقان

١٣٨

بالنسبة الى الخصوصية فيكون التمايز بين الصلاة والغصب بتمايز الاضافة فباعتبار اضافة الكون الى ما لها هيئات الركوع والسجود والموالاة والترتيب تمتاز الصلاة عن الغصب وباعتبار اضافة الكون الى المكان الذى لا يرضى صاحبه يمتاز الغصب عن الصلاة وهاتان الاضافتان ليستا من قبيل الملكية والزوجية التى لا واقع لها الا بمنشئها لان تلك الهيئات لها تحقق بحسب الخارج وكذلك تلك الاضافة الى مكان لا يرضى به صاحبه لها تحقق في الخارج وواقعها ليس منحصرا في اللحاظ الذهنى كما في الامور الاعتبارية بل تتحقق سواء كان هناك لاحظ ام لا فظهر لك ان هاتين الاضافتين غير تلك الاضافتين فيجوز جعلهما متعلقين للاحكام بخلاف تلك الاضافتين فيكونان من الجهات التقييدية لا من الجهات التعليلية والحق هو القول الاخير ويؤيده اشتراط الاستقلال فى بعض اوضاع الصلاة كالقيام ونحوه مما يعتبر فيه الاستقلال فلا يصح الاستناد فمن هذا الاشتراط يقرب اعتبار الكون في مفهوم الصلاة. واما الغصب فالمتبادر منه هو التصرف فيما لا يرضى صاحبه ولا اشكال في كون هذا المعنى مما يتضمن الكون فيه ففعل الصلاة مع الغصب يشتركان في جزء وهو الكون وينفرد كل منهما عن الآخر باضافة خاصة وهذا الاشتراك على هذا النحو هو المعقول والمتصور فلا يرد ان هذا الاشتراك يكون موجبا وقرينة عقلية على خروج مثل هذا النحو من المتفاهم العرفي لا يقال على هذا تكون الصلاة والغصب كلاهما من مقولة الفعل فهما يشتركان في تلك المقولة واشتراكهما فى ذلك يوجب اجتماع الفعلين في فعل واحد يكون مجمعا للفعلين ومعنونا بعنوانين ولا يعقل ان يكون شيء واحد مجمعا لفعلين فاذا كان ذلك غير معقول فلا بد ان يكون كل واحد منهما من مقولة خاصة بان تكون الصلاة من مقولة الفعل والغصب من مقولة

١٣٩

الاين وهى الكينونة في المكان المغصوب لانا نقول ما المراد باستحالة اجتماع فعلين في فعل واحد ان كان المراد ان الفعلين المتغايرين في الخارج يجتمعان فى فعل شخصي واحد فمسلم عدم معقوليته لكنه خارج عن محل الكلام ، فان محل الكلام انطباق عنوانين على شيء واحد فان كان المراد محالية انطباق العنوانين على شيء واحد واستحالة انتزاع عنوانين عن معنون واحد فهو ممنوع أشد المنع إذ كما يجوز ان يكون مجمع واحد لجامعين يختلف بحسب المقولة كذلك يجوز ان يكون مجمع واحد لجامعين متفقي الحقيقة والاختلاف بحسب الحد بان يكون كل واحد منهما محدودا بحد مغاير لحد الآخر ومثاله يتضح بالفرض فانا لو فرضنا ان الانسان مضيق الدائرة على وجه لا يشمل إلّا لزيد وعمرو ثم انتزع انسان آخر مضيق الدائرة بحيث لا يشمل إلا فردين مثل زيد وبكر فاشترك العنوانان والجامعان في زيد فانطباق العنوانين على زيد لم يكن بينهما تغاير بالحقيقة لما عرفت من اشتراكهما من حيث الحقيقية ولكن التمايز انما هو بحسب الحد.

فاذا عرفت ذلك ظهر لك الحال فيما نحن فيه فان الصلاة والغصب بمقتضى ما عرفت من المتفاهم العرفى مشتركان في الجزء ولكن التمايز انما هو بحسب الاضافة فان في الغصب كونا مشوبا بوضع خاص ، وفي الصلاة كون مشوب بوضع خاص فاشتركا بحسب جزء وتفارقا في آخر. ثم انك قد عرفت ان مبني القول بالجواز ان يكون التعدد بحسب المفهوم وبمنشإ الاعتبار وان تكون الجهة بنحو الجهة التقييدية لا على نحو الجهة التعليلية بخلاف بقية الصور. نعم ربما يقال ان القول بالجواز يمكن ان يكفيه تعدد المفهوم عن اعتبار تعدد في منشأ الاعتبار لان الاحكام انما تتعلق بالصور الذهنية ولا تتعدى الى الخارجيات فوحدة المنشأ لا يضر بها

١٤٠