منهاج الأصول - ج ٢

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

بقى شىء

لا يخفى ان الترتب هل يجري فيما اذا كان الجهل عن تقصير ام لا. قيل بعدم الجريان لأن جريانه فيما اذا كان الامر بالاهم قابلا للبعث والمحركية في ظرف تحقق موضوع المهم الذي هو عصيان الامر بالاهم واما لو لم يكن كذلك كما في الجهر في موضع الاخفات او بالعكس او القصر فى موضع الاتمام جهلا بالحكم فانه انما يصح من الجاهل بالحكم او الناسي له ولا يصح من العامد على ما يستفاد من نفس الدليل الدال على الاجزاء فى ظرفي الجهل والنسيان ومن الواضح ان فى ظرفهما لا بعث حقيقة ولا تحريك للحكم الواقعي ولو لا الدليل الخاص المستكشف منه وجود المصلحة المساوية لمصلحة الواقع المقتضية للاجزاء لقلنا بالبطلان لعدم كفاية الامر العقلي عن الامر الواقعي ، ولكن لا يخفى ان ذلك لا يتم في الجاهل المقصر لتحقق موضوع الترتب لكونه كالعامد عاصيا للامر الواقعي المتوجه اليه فعند عصيانه يتحقق موضوع الامر الترتبي. (١)

__________________

(١) لا يخفى ان وصفى الجهر والاخفات بالنسبة الى القراءة من الضدين الذين لا ثالث لهما لعدم تحقق القراءة من دون احد الوصفين ودعوى انه يمكن ان يكون لهما ثالث بان يترك القراءة ممنوعة إذ الوصفان للقراءة التي هي مفروضة الوجود في الصلاة قد تعلق الامر بالجهر او الاخفات فى القراءة وحينئذ عدم احد الضدين يلازم وجود الضد الآخر في القراءة فهو من قبيل ما اذا كان بين المتزاحمين تلازم في الوجود في عدم جريان الامر الترتبي كالامر باستقبال القبلة في اواسط العراق واجبا في وقت مخصوص وفي ذلك الوقت يحرم استبدار الجدى اذ لو جرى الامر الترتبي لزم منه طلب الحاصل لان عصيان كل واحد منهما يلازم امتثال الآخر ومن

١٠١

ودعوى بعض الاعاظم قدس‌سره ان موضوع الامر الترتبي هو عصيان امر الاهم ولا يتحقق العصيان إلا بعد وصول التكليف الى المكلف وذلك ينافي الجهل به إذ هو عبارة عن عدم وصوله اليه ومعه لا معصية ولو تحققت المعصية للحكم الواقعي فلا جهل واما العقاب فليس على ترك التكليف الواقعي وانما هو على ترك التعلم لما عرفت من ان وجوب التعلم نفسي ناشئ عن ملاك ولذا نسميه بمتمم الجعل محل نظر اذ احتمال التكليف لما كان منجزا قبل الفحص يحكم العقل بأن المخالفة على ذلك التكليف المنجز وبه تتحقق المعصية اذ لا نعنى منها الا مخالفة التكليف المنجز وعليه لا مانع من تحقق التكليف الواقعي فى حق الجاهل المقصر وان مخالفته معصية بعد فرض تنجزه في حقه وبذلك يتحقق موضوع الامر الترتبي ولا يقاس الجاهل المقصر بالناسي فان التكليف الواقعي ليس منجزا فى حقه فلا تتحقق معصية فى حقه بخلاف الجاهل المقصر فان التكليف فى حقه منجز فهو كالعامد ، هذا تمام الكلام فى مبحث الضد والحمد لله رب العالمين.

__________________

هذا القبيل مورد اجتماع الامر والنهى بناء على الامتناع وترجيح جانب النهي لاشتمال المورد حينئذ على عصيان النهى فلو قال ان عصيت فصل بمعنى ان غصبت فصل ففى ذلك الظرف تكون الصلاة متحققة فمع تحققها يكون الامر بها من طلب الحاصل على انه لو امكن مجىء الامر الترتبي إلّا انه لا يمكن ان يتقرب بمتعلقه لاشتماله على المبغوضية الفاعلية ومعها لا يمكن التقرب.

واما المقدمة المحرمة فالكلام فى جريان الترتب فيها ينبغي ان لا يكون الحرمة اهم اذ لو كانت كذلك لوجب سقوط الوجوب من ذيها لوقوع المزاحمة بين الحرمة النفسية في المقدمة والوجوب النفسى في ذيها كما انه مع التساوى العقل

١٠٢

امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه

الفصل السابع في انه هل يجوز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ام لا؟

__________________

لا يحكم بتعين احدهما نعم فيما اذا كان وجوب ذي المقدمة اهم فهل يوجب سقوط حرمة المقدمة فيكون الدخول في ارض الغير بدون اذنه مباحا ولو لم يتعقبه انقاذ الغريق ام يقيد اطلاقها بما اذا لم يتعقبه الانقاذ الظاهر هو الثاني إذ من المستبعد الالتزام بالاول بان يقال بجواز دخول ارض الغير بدون رضاه ظلما وعدوانا ويتصف ذلك بالوجوب. وعليه يمكن تصحيح ذلك بالامر الترتبي بدعوى تقييد اطلاق النهي بصورة عصيان ذى المقدمة فلو لم يأت به يكون دخوله بالارض المغصوبة حراما وينحصر الوجوب بصورة الاتيان بذي المقدمة ولا محذور في ذلك سوى اجتماع الوجوب والحرمة في شىء واحد او الالتزام بالشرط المتاخر إلّا انه عند التأمل لا يعد محذورا. اما الاول فلم يجتمعا لاختلاف معروض كل واحد منهما اما الوجوب فهو عارض على الارض التى يتعقبها الانقاذ والحرمة تعرض على ما لا يتعقبها ذلك واما الشرط المتاخر فلا محذور فيه مع مساعدة الدليل على ارادة التعقب كالعقل الحاكم بذلك ولكن التحقيق ان المقام ليس من موارد جريان الترتب فانه بناء على اعتبار الايصال فى المقدمة او ان الواجب هو ذات المقدمة بنحو التوأمية فالمقدمة تنقسم قسمين قسم يترتب عليها الايصال فهى واجبة ليس إلّا ، وقسم لا يترتب عليها الايصال فهي حرام ليس إلّا فلم يجتمع الحكمان العقليان لكى يصحح بالترتب. واما بناء على ان الواجب مطلق المقدمة فلا يخلو اما ان يكون ترك ذى المقدمة مستندا الى ترك المقدمة فيكون بتركها من طلب الحاصل وان كان الترك مستندا الى غير المقدمة المحرمة فيلزم ان يكون الشىء الواحد منهيا ومأمورا به في وقت واحد هذا اذا كانت المقدمة سابقة على ذيها واما اذا كانت مقارنة وقد مثل لها بمقدمية ترك الصلاة لفعل الازالة مع

١٠٣

على قولين قيل بالاول وينسب الى الاشاعرة ، وبالثاني وينسب الى العدلية وقبل الخوض فى المقصود ينبغى تقديم مقدمة وهي ان الشرط في العنوان ليس شرط الآمر بارجاع ضمير (شرطه) اليه إذ الشرط من اجزاء علة الشيء ولا يمكن تحقق المعلول إلا بتمام اجزاء علته وحينئذ كيف يقع النزاع في تحقق شرطه الذى هو من اجزاء العلة قال الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه : (ضرورة انه لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته كما هو المفروض هاهنا فان الشرط من اجزائها (١)) كما انه لا يراد من الامر

__________________

اهميتها فترك الصلاة واجب بالوجوب الغيري ويكون فعلها حراما فلو وجبت الصلاة بالامر الترتبي فيلزم محذور اجتماع الحرمة المقدمية مع الوجوب النفسى فى فعل الصلاة كما ان في تركها يجتمع الوجوب الغيري لمقدميته لفعل الازالة والحرمة النفسية لوجوب الصلاة بالامر الترتبي حسب الفرض ويمكن ان يجاب عنه بعدم مصادمة الحرمة النفسية مع الوجوب الغيرى بدعوى ان الوجوب الغيري لترك الصلاة في ظرف عدم عصيان الازالة والحرمة النفسية له في رتبة العصيان إلّا ان ذلك كله بناء على كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة وقد عرفت بطلانه فافهم وتأمل.

(١) لا يخفى ان الشرط تارة يكون لصدور الامر واخرى لتنجزه وثالثة للمأمور به فان اريد من الشرط هو الاول فلا معنى للنزاع فيه فان شرط حصول الامر وصدوره من الآمر من اجزاء علته ولا يقل تحقق المعلول مع عدم تحقق تمام اجزاء علته على انه لو كان المراد ذلك فلا وجه لتفيده بعلم الآمر كما قيده القوم وجهل المأمور كما زاده بعض اذ علم الامر وجهل المأمور لا دخل له فى جواز صدور الامر مع انتفاء شرط صدوره وعدم الجواز ولو فرض ان يكون محل النزاع هذا الوجه فالحق فيه القول بالامتناع صدور المعلول مع عدم تمام اجزاء علته وان اريد من الشرط هو شرط التنجز بان يكون ضمير (شرطه) يرجع

١٠٤

بعض مراتبه وضمير (شرطه) يراد منه بعض مراتبه الأخر بمعنى انه يجوز امر الآمر بمرتبة الانشاء مع العلم بانتفاء مرتبة الفعلية إذ لا إشكال في تحققه ووقوعه

__________________

الى الامر باعتبار تنجزه بنحو الاستخدام كالاستطاعة بالنسبة الى الحج وغيرها من الشرائط التى هى من شرائط الوجوب فان اريد من الامر الامر الجدي فلا اشكال فى عدم جوازه اذ مقتضى الشرطية عدم المشروط عند عدم شرطه فكيف يعقل وجود الامر بمعنى التنجز مع عدم شرط التنجز وان اريد من الامر الانشائي وان لم يكن جديا وبداعي ارادة المكلف واقعا بل كان بداعي الاختيار والاعتذار فالحق هو الجواز لجواز ان ينشأ الطلب وان لم يكن شرط تنجزه موجودا لوجود الغرض فى نفس الانشاء وان اريد من الشرط شرط المأمور به فان كان غير مقدور لعارض كفاقد الطهورين فهو راجع الى ما تقدم من شرط التنجز انه لا يجوز وان كان مقدورا فلا اشكال فى جواز الامر به مع العلم بانتفاء هذا الشرط وعلى اى تقدير لا مجال للنزاع فيه ودعوى انه باختلاف انحاء الشرط يمكن ان يقع التصالح بين الجانبين كما ادعاه المحقق الخراساني قدس‌سره فى كفايته محل تأمل ونظر اذ ذلك يأباه كلام القوم كما ان دعوى ان المراد من الجواز بمعنى الامكان الذاتي بان يقال بان انتفاء شرط وجود الامر وان كان يقتضي امتناع صدور الامر إلّا ان ذلك لا ينافي الامكان الذاتي اذ كل ممكن بالذات فى ظرف عدم علته ممتنع بالغير ويقال له الممتنع بالعارض ممنوعة اذ ظاهر الجواز في كلمات الاعلام هو ما يقابل الامتناع ولو كان بالغير وإلا فلا مجال للنزاع فى ذلك قال المحقق الخراساني قدس‌سره فى كفايته ما لفظه (وكون الجواز في العنوان بمعنى الامكان الذاتي بعيد عن محل الخلاف بين الاعلام) وقد اوضح ذلك بعض السادة الأجلة قدس‌سره بان الامكان الذاتي يقابل الامتناع الذاتي كما ان الامكان الوقوعي يقابله الامتناع الوقوعي وقد يعبر

١٠٥

كالامارات والاصول المؤدية الى خلاف الواقع فان الواقع حينئذ يبقى على مرتبة الانشاء بل بعض الاحكام لم تصل الى مرتبة الفعلية اصلا كقوله (ع) (ان

__________________

عن هذا بالامتناع العارضي اي امتناع الشيء لأجل عارض وان كان فى حد ذاته ممكنا وتفصيل ذلك ان الشيء الممتنع بالذات كاجتماع النقيضين ووجود المعلول بدون علته فان لزم من وجود احد هذين العنوانين مثلا من دون واسطة كوجود قيام زيد مع عدم قيامه ووجود الاثر من دون مؤثر فهما الممتنع بالذات فلا يصدق عليه انه ممكن بالذات وان لم يترتب على وجود احد هذين العنوانين اولا وبالذات بل يكون ترتب احدهما عليه بواسطة مقدمة اخرى فهو ممتنع بالعارض وحينئذ يصدق عليه انه ممكن بالذات وان كان بالنظر الى تلك المقدمة غير ممكن لان عدم الامكان انما هو بواسطة تلك المقدمة فهو عدم الامكان بالعارض فلا ينافيه الامكان الذاتي وما نحن فيه من هذا القبيل فان وجود الامر مع عدم شرطه ليس هو مما ينطبق عليه عنوان وجود المعلول من دون علته نعم بعد النظر بان الشرط من اجزاء العلة وان بعض اجزاء المركب يوجب انتفاء المركب وعدم وجوده بما انه مركب انه يلزم عليه وجود المعلول من دون علته بواسطة هاتين المقدمتين فهو ممكن في حد ذاته وان كان ممتنعا بالنظر الى هاتين المقدمتين فيكون ممكن ذاتا وممتنع وقوعا بحسب العارض وعلى ما ذكره قدس‌سره من التوضيح نقول بالنسبة الى الشرط فما كان من شرط صدور الامر وشرط تنجزه فهو من الممتنع بالعارض وان كان ممكنا ذاتا وما كان من شرط المأمور به الذى هو مقدور فهو جائز اى الجواز وقوعا هذا والتحقيق انه لا مجال لهذا النزاع لما هو معلوم ان الاحكام على نهج القضايا الحقيقية وان الشرائط في المأمور به عقليها وشرعيها تؤخذ في ناحية الموضوع فمع اخذها كذلك لا يعقل ان يتوجه الخطاب الى من فقد بعضها ومع عدم توجهه كيف يقع النزاع في صحته وفساده على تفصيل ذكرناه في تقريرات الاستاذ المحقق النائيني قدس‌سره.

١٠٦

الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا الحديث) هذا وان ذكره الاستاذ فى الكفاية بما لفظه (نعم لو كان المراد من لفظ الامر الامر ببعض مراتبه ومن الضمير الراجع اليه بعض مراتبه الأخر بان يكون النزاع فى ان امر الآمر يجوز انشاؤه مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعليته) إلّا انه خلاف ظاهر كلمات القوم بل لا ينبغى ان يقع النزاع فى مثل ذلك بعد ما عرفت من وقوعه كما هو واضح من دون شك وشبهه كما انه ليس المراد من الشرط شرط المأمور به الذى اذا انتفى لا ينتفي المأمور به فانه لا إشكال فى صحة التكليف بالصلاة مع انتفاء الطهارة مثلا.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المراد من الشرط فى العنوان هو شرط المأمور به مع عدم القدرة عليه لكي يكون النزاع فى جواز تكليف العاجز عن اتيان الشيء ام لا ومرجع ذلك الى جواز التكليف بالمحال ام لا وحيث ان الاشاعرة جوزوا ذلك على زعمهم الفاسد بانه تعالى يجوز ان يكلف عباده بشيء لا يقدرون على الاتيان به لذا جاز عندهم امر الآمر مع علمه بانتفاء القدرة عليه التى هى من شرائط متعلق التكليف ولا ينافي كونه من التكليف بالمحال لجوازه عندهم ولذا نسب القوم الجواز فى هذه المسأله الى الاشاعرة ولما كان ذلك منافيا لما عليه العدلية من اعتبار القدرة فى متعلق التكليف لقبح العقل بتكليف العاجز وانه يلزم منه التكليف بالمحال الذى يأباه العقل الحاكم بالتحسين والتقبيح العقليين لذا ترى ما عدا الاشاعرة يرون عدم جواز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ولكن الانصاف ان هذه المسألة ليست مبنية على ما ذكر وانما هى مبنية على مسألة اتحاد الطلب. والارادة او مغايرتهما فان قلنا بالاتحاد لا يجوز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرط المأمور به لانه حينئذ يكون الطلب عين الارادة فعليه لا يعقل تعلق الإرادة بما هو غير مقدور. وان قلنا بان

١٠٧

الطلب غير الارادة فحينئذ يمكن ان يتصور بان يتعلق التكليف بالمحال وحيث انه ليس مشتملا على الارادة فلا محذور فيه على ما ذكرناه سابقا إلا انك قد عرفت منا ان الحق هو اتحاد الطلب مع الارادة لعدم تحقق صفة في النفس غير الارادة تسمى بالطلب وتكون هى موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال لذا الحق هو عدم جواز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرط المأمور به كما لا يخفى.

تعلق الاوامر بالطبائع او بالافراد

الفصل الثامن فى ان الاوامر هل تتعلق بالطبائع او بالافراد (١)؟

__________________

(١) قال بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف اختلفوا فى ان الامر والنهى هل يتعلقان بالطبيعة من حيث هي او من حيث الوجود او يتعلقان بالفرد؟ على اقوال اما الاخير منها فهو مبنى على ان الطبائع لا وجود لها في الخارج والموجود هو الفرد ومع عدم وجودها لا معنى لتعلقهما بالطبائع لعدم القدرة عليها مع فرض عدم وجودها فعليه لا بد من حملها على الافراد ولكن قد عرفت في محله ان الموجود هو الطبائع والافراد عين الطبائع. فعليه لا ينبغى ان يعد ذلك من الاقوال لعدم صحته على انه يلزم طلب الحاصل إذ ليس المقصود من الفرد مفهومه إذ مفهومه طبيعة من الطبائع بل المقصود مصاديق الافراد المتحققة في الخارج ولا اشكال ان الفرد الخارجى لا يتعلق به الطلب إذ يكون طلبه من تحصيل الحاصل.

وعليه فالكلام يقع فى القولين الاولين.

أما الاول منهما وهو تعلق الطلب والنهى بالطبيعة من حيث هى وذلك مبنى على ان الامر والنهى من مقولة الطلب والارادة إلا ان الامر عبارة عن طلب الايجاد والنهى عبارة عن طلب الترك. وبعبارة اخرى ان متعلقهما هو الطبيعة من

١٠٨

الحق هو الاول لان المستفاد من صيغة الامر في مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) هو ذلك وبيانه ان صيغة افعل مشتملة على هيئة ومادة أما الهيئة فهى دالة على البعث نحو المطلوب واما المادة فهى تدل على صرف الطبيعة فلم يكن لهذين الامرين دلالة على خصوصية الفردية فعليه استفادة خصوصية الفردية منها تحتاج الى قرينة.

ان قلت لا يمكن امتثال نفس الطبيعة بما هي طبيعة فكيف يعقل تعلق الامر

__________________

حيث هى فى المامور به والمنهى عنه شىء واحد والاختلاف انما هو فى ناحية الامر والنهى فالامر طلب الايجاد والنهى طلب الترك والعدم.

واما الثانى منهما وهو تعلق الامر والنهى بالطبيعة من حيث الوجود فهو مبنى على انهما من مقولة الطلب ولا فرق بينهما الا فى متعلقهما ففى الامر المتعلق هو الطبيعة من حيث الوجود وفى النهى الطبيعة من حيث العدم والترك وعليه يكون المامور به هو الطبيعة من حيث الوجود والمنهى عنه هو الطبيعة من حيث العدم فتلخص من هذين الوجهين انه لا بد في الاوامر من لحاظ الوجود وفى النواهى من لحاظ العدم ولكن على الوجه الاول يكون الوجود داخلا فى مفهوم الامر والعدم داخلا فى مفهوم النهى فلا بد وان يكون متعلق الامر والنهى الطبيعة من حيث هى وعلى الوجه الثانى يكون الوجود داخلا فى متعلق الامر والعدم داخلا في متعلق النهى والامر والنهى يكونان من مقولة الطلب من غير فرق بينهما وانما الفرق في متعلقهما فمتعلق الاوامر الطبيعة من حيث الوجود وفي النواهى الطبيعة من حيث العدم والاظهر من الوجهين هو الاول اذ الظاهر انه لا فرق بين الطبيعة في قولنا اضرب وبينها في قولنا لا تضرب وانها ليست مقيدة في الاول بالوجود وفي الثاني بالعدم فلا بد وان يكون الوجود والعدم داخلين في مفهوم الامر والنهى فيكون متعلقهما الطبيعة من حيث هى فلا تغفل.

١٠٩

بها؟ وعليه لا بد من صرف ما هو ظاهره التعلق بالطبيعة الى الفرد فالخصوصية تستفاد من الحكم العقلى لاعتبار القدرة في متعلق الامر.

قلت المطلوب حقيقة هو الطبيعة والاتيان بالفرد لا لخصوصية فيه بل لايجاد الطبيعة لاتحادها معه على ان ذلك مما يشهد به الوجدان لما نجد ان خصوصيات الفرد خارجة عن غرض المولى وليست دخيلة فيه ولم يكن في غرضه تعلق بها كما نجد ان من امر بماء لم يكن غرضه إلّا ايجاد الماء باي خصوصية كانت كما هو واضح لمن راجع الوجدان. وبالجملة الفرد بخصوصيته ليس مطلوبا. نعم ليس الفرد خارجا عن دائرة المطلوب فانه بالنسبة الى كونه موجودا للطبيعة مطلوب.

بيان ذلك ان كل فرد ينتزع منه ثلاثة اشياء ، طبيعة ، وحصة ، وخصوصية ولا اشكال في اخراج الخصوصية عن دائرة الغرض وبقاء الحصة تحت المطلوبية إذ فرق بين الحصص والخصوصيات ، فان الحصص تشترك تحت جامع ذاتى يشتمل على الجنس والفصل ولم يكن بينها تمايز إلا بحسب المرتبة بخلاف الخصوصيات فانها متباينة بالذات ليس لها قدر جامع وان امكن اشتراكها فى جامع إلا انه عرضى لا ذاتي فهذه الامور الثلاثة بحسب الخارج متحدة وان كانت بلحاظ العقل امورا متعددة منتزعة من الفرد.

إذا عرفت ذلك فنقول ان الطبيعة المتعلقة للامر تارة يراد منها الطبيعة السارية واخرى مجرد الطبيعة من دون اعتبار انها سارية فان اخذت بالنحو الاول فلا اشكال في سراية الحكم من الطبيعة الى الحصص المقارنة للخصوصيات من غير خلاف من احد إذ يكون حينئذ من قبيل العام المستوعب لجميع افراده فكما في العام المستوعب يسرى الحكم من العام الى ما تحته من الافراد كذلك في الطبيعة

١١٠

السارية وان كان فرق بينهما من جهة اخرى وهو ان في العام يسرى الحكم منه الى الخصوصيات وفي الطبيعة السارية لا يسرى منها اليها وانما يسرى الى الحصص المقارنة للخصوصيات وتظهر الثمرة بين الالتزام بسراية الحكم الى الخصوصية وعدمها فيمن قصد الامتثال بالخصوصية فعلى السراية كما فى العام يكون مطيعا بما امتثل من الاتيان بالخصوصية وعلى عدم السراية يكون عاصيا بذلك لتشريعه بقصد امتثال ما لم يكن مأمورا به وبالجملة في صورة اخذ المتعلق الطبيعة السارية لا بد من الالتزام بسراية الحكم منها الى الحصص من دون السراية الى خصوصية الفرد وان اخذت الطبيعة بالنحو الثانى اى بان لا يراد منها السارية بل كان متعلق الأمر صرف الايجاد وكانت مأخوذة لا بشرط بنحو يكفى في امتثالها اول وجود فهل يسري الحكم منها الى الحصص مع القطع بعدم سرايتها الى الخصوصيات ام لا يسري؟ قولان قيل بالثاني واستدل له بان اللازم من القول بالسراية ان تنطبق الطبيعة على تلك الحصة حتى تتلون تلك الحصة بلون الطبيعة وذلك لا يتحقق فى مقامنا لانه تارة يلحظ قبل امتثال العبد واخرى في مقام الامتثال فان كان الاول فالعبد له اختيار التطبيق على اي حصة تحققت ففى ذلك الظرف لم يكن تطبيق لكى تتلون الطبيعة بلون الحصة نعم لها قابلية التطبيق وهى لا توجب ان تتلون الطبيعة بلون الحصة. وان كان الثاني ففى مقام الامتثال والايجاد مقام الاطاعة والامتثال وهو مقام سقوط الامر وبهذا المقام وان حصل التطبيق إلا انه غير نافع لسقوط الامر فلا سراية للحكم من الطبيعة الى الحصة. وبالجملة فى الصورة الاولى لم يحصل التطبيق لكى تتحقق السراية وفي الثانية لا امر لكي يقال بسرايته فالفرد ليس مأمورا به لا بحسب حصته ولا بخصوصية بل يكون الفرد حينئذ مقدمة للمأمور به

١١١

والى ذلك يرجع ما ذكره المحقق القمى قدس‌سره من دعوى كون الفرد مقدمة وبذلك يندفع ما يرد عليه من عدم المغايرة بين الفرد والكلى إذ لا اثنينية بينهما مع ان المقدمية تستدعى المغايرة والاثنينية لما عرفت انه بعدم السراية يكون الفرد مغايرا للكلى فلا مانع من دعوى المقدمية كما انه لو تم ما ذكر عن عدم السراية ترتفع محالية اجتماع الامر والنهى في محل واحد إذ بمقتضى دليل عدم السراية لم يتعلق بالفرد امر ولا نهى لتعلقهما حينئذ بالطبيعة ولم يسر الحكم منها الى الفرد لا بحسب حصته ولا بحسب خصوصيته والذى يقتضيه التحقيق هو القول الاول اي سراية الحكم من الطبيعة الى الافراد وبيانه يتوقف على ذكر امرين :

الاول ان الماهية في مرحلة الحكم لم تلحظ امرا في قبال الخارج بل ترى عين الخارج ومتحدة معه اتحاد المرآة مع المرئى ولو لم يكن هناك خارج مثلا شريك البارى ممتنع يراه متحدا مع افراده في الخارج مع انه يقطع بعدم وجوده فيه ويحكم عليه بالامتناع بلحاظ انه متحد مع ما فى الخارج فاذا كان الحكم على الموضوع بلحاظ اتحاد الموضوع لما فى الخارج وكان لحاظ الموضوع آلة للحاظ الموجود الخارجى فيسرى من الموضوع الملحوظ الى ما فى الخارج من جهة اتحاده ولا اشكال انه متحد مع الحصص كما عرفت فلا يسرى الا اليها لا الى الخصوصيات لعدم اتحاده مع الخصوصيات.

الامر الثانى ان لحاظ الافراد يكون على نحوين من اللحاظ فتارة تكون الافراد ملحوظة منضما بعضها مع بعض بنحو يلحظها بلحاظ واحد واخرى يلحظ كل فرد منفردا عن الفرد الآخر فان كان من قبيل الاول فلا اشكال في عدم

١١٢

انطباق الطبيعة المأمور بها على ما هو اول الوجود وان كان من قبيل الثانى فائضا لا اشكال في انطباقها على ما هو اول الوجود إذ كل فرد بذلك اللحاظ يكون موردا لانطباق الطبيعة فاذا صار موردا لانطباق الطبيعة فيسرى منها الى كل فرد في حال عدم الفرد الآخر فيكون مطلوبا بالطلب الناقص الذى هو عبارة عن سد ابواب انعدامه من غير ناحية الفرد الآخر. إذا عرفت ما ذكرنا من الامرين ظهر لك بطلان القول بعدم السراية إذ منشأ ذلك هو ان السراية تكون الى الافراد الخارجية الثابتة في الخارج وذلك غير معقول إذ هو مقام السقوط فى الامر حتى يقال بالسراية لكنك قد عرفت ان السراية ليست الى تلك الافراد الخارجية الثابتة في الخارج بل الى الافراد الخارجية الزعمية (الادعائية) التى ترى خارجية ولو لم تتحقق فى الخارج كتكليف الكفار والعصاة كما انه ظهر لك ان الافراد تكون مطلوبة إلّا انه بالطلب التخييرى اي الطلب الناقص المعبر عنه طلبه في حال عدم الآخر والامر المتعلق بالطبيعة يكون تعيينيا لان الطبيعة على ما عرفت تتحد مع كل فرد وجميع انحاء تروك الطبيعة بعض من انحاء تروك الفرد.

وبالجملة مقتضى اتحاد الطبيعة مع الفرد أن يكون الامر المتعلق بها ينهى عن تروك الطبيعة وتروكها بعض من تروك الفرد. هذا كله كان الكلام في تعلق الامر بالطبيعة ام بالفرد (١). واما الكلام فى انه هل الامر يتعلق بالطبيعة ام بوجودها قولان وربما يتوهم ان هذا النزاع هو بعينه النزاع المتقدم ولكن لا يخفى

__________________

(١) لا يخفى ان مرجع النزاع فى ذلك الى ان خصوصيات الافراد على البدل داخلة تحت الطلب ام انها خارجة عنه لا انها ملازمة له وقيدنا دخولها تحت الطلب بانها على البدل لكى يكون التخيير على القولين عقليا اذ يستبعدان يكون

١١٣

ان ملاك النزاع في هذه المسألة عن السابقة يختلف فان الملاك في السابقة ان الامر هل هو متعلق بالطبيعة او بالافراد الموجودة بالوجود الخارجي الزعمي اى الادعائي ولو لم يكن له تحقق في الخارج بل ربما يتحقق مع الممتنع على ما عرفت سابقا وفي

__________________

النزاع فى هذه المسألة يرجع الى كون التخيير شرعيا بناء على التعلق بالفرد أو عقليا بناء على التعلق بالطبيعة والحق تعلقهما بالطبيعة بما لها من الوجود السعى وتكون خصوصيات الافراد ملازمة لها على البدل بناء على ما هو الحق من ان الكلي الطبيعى عين الافراد وانه من الامور المناصلة بمعنى ان له ما بحذاء في الخارج وليس من الامور الانتزاعية التى ليس لها وجود إلا منشأ الانتزاع وهو الافراد والذي يدل على ذلك تعلق ارادة الفاعل الطبيعى ولو لم يكن من الامور المتأصلة وانه من الامور الانتزاعية كيف يعقل تعلق ارادة الفاعل به بل لا بد من تعلقها بالفرد بما له من جميع الخصوصيات والمشخصات وذلك امر مستحيل لان ما يفرض دخله منها كالزمان والمكان وغيرهما من الملازمات لمثل شرب الماء لم يصل الى حد الاحصاء فعليه لا بد من اخراج بعض الخصوصيات ومع الاخراج يكون كليا من غير فرق بين كونه صنفا او نوعا فاذا كانت ارادة الفاعل متعلقة بالكلي الطبيعي كانت ارادة الامر على نحو تلك الارادة كما هو معلوم ان الارادة الآمرية عبارة عن تحريك الارادة الفاعلية نحو المطلوب ولازم ذلك توافق الارادتين على ان مقتضى ظهور الخطابات يدل على ان متعلق الطلب هو وجود المادة بما لها من الوجود السعي وليس للخصوصيات الملازمة دخل فى الطلب لعدم تعلق الغرض بها كما هو واضح كما لو امر بايجاد الماء مثلا كما انه ليس المراد مفهوم المادة وماهيتها اذ لا يعقل تعلق الطلب بها اذ الماهية من حيث هي ليست إلّا هي ولا يكون شيئا حينئذ لكي يتعلق بها الطلب الحقيقي بل المصلحة لا تتحقق بنفس ماهية المادة بل ما فيه المصلحة وجود المادة لا ماهيتها على تفصيل ذكرناه فى تقريرات الاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره.

١١٤

هذه المسألة ملاكها ان الامر يتعلق بالطبيعة ام بالفرد الخارجي الحقيقي وفرق واضح بينهما اذ ربما يمكن ان يقال في تلك المسألة بتعلق الامر بالفرد الخارجي الادعائي ، وفي هذه المسألة بالطبيعة بدعوى ان الحكم منها لا يسري الى ما فى الخارج الحقيقي او بالعكس بدعوى سراية الحكم المتعلق بالطبيعة الى ما فى الخارج. إذا عرفت ذلك فاعلم ان مورد البحث ليس في تعلق الطلب بالماهية في قبال الوجود الذهني إذ الماهية من حيث هي ليست إلا هي ، ولا يجوز ان تكون مطلوبة كما انه ليس مورد البحث في الوجود الخارجي إذ يلزم ان يكون البعث الى امر موجود فى الخارج فيكون من طلب الحاصل وتحصيل الحاصل بديهي البطلان بل مورد البحث والنزاع انما هو فى ان الماهية بلحاظ ترى عين الايجاد الذى هو المعنى المصدري دون الوجود الذى هو المعنى الاسم المصدري فحينئذ يكون النظر الى الماهية تبعيا والملحوظ بالاصالة هو نفس الايجاد الذى هو خروج الشى من كتم العدم الى الوجود والطلب قد تعلق بنفس الماهية الملحوظة تبعا وبعد معرفة ذلك فقد وقع النزاع بين القوم بعد الفراغ من تعلق الامر بالماهية الملحوظة بلحاظ الخارج الزعمي فهل يقف ولا يتعدى الى ما فى الخارج الحقيقي او يتعدى الى ما في الخارج الحقيقي الظاهر هو الاول لوجهين :

الاول انه لا اشكال في ان محل قيام الطلب انما هو في النفس فيكون من الكيفيات النفسانية كما انه لا اشكال فى انه ليس له وجود مستقل بل هو امر قائم بالطرفين ولا يوجد بنفسه فينتج من ذلك ان لا يعقل ان يكون احد مقوماته الوجود الخارجي الحقيقي كما يدعيه الخصم بناء على سراية الحكم الى ما فى الخارج الحقيقي اذ على ذلك التقدير يكون الوجود الخارجي له دخل في تحقق الطلب فاذا لم

١١٥

يتحقق فلا طلب ولا معصية مع انه واضح البطلان اذ بالوجدان تحقق الطلب مع عدم تحقق الموجود الخارجي وعليه يكون الطلب يتقوم بامر معدوم وان شئت توضيح ذلك فالطلب نظير القطع فى كونه من الصفات النفسانية ولم يكن من قوامه الوجود الخارجي الحقيقي اذ لو كان من قوامه لزم عدم حصول خطأ فيه مع انه بالوجدان حصوله في القطع بل انما يتعلق بالصور الذهنية التى ترى متحدة مع الخارج ادعاء منه حتى مع مخالفتها لما في الخارج لعدم الالتفات الى المخالفة.

الثاني ان الموجود فى الخارج له لحاظان فى عالم التصور فباعتبار تعلق الارادة به يلاحظ الموجود الخارجي سابقا على الارادة لكونه موضوعا لها وباعتبار وقوعه معلولا للارادة يلاحظ متاخرا عنها تاخر المعلول عن علته مثلا يصح ان يقال اردت الصلاة فصليت وبالجملة باعتبار تعلق الارادة به يلحظ متقدما وباعتبار معلوليته لها يلاحظ متاخرا فما كان لحاظه متقدما الذى هو قبل (فاء) فصليت ليس له ما بازاء في الخارج نعم هو في لحاظه الثانى له ما بازاء فى الخارج إلّا انه لما كان فى رتبة المعلول للارادة لا يعقل ان يؤخذ موضوعا للارادة لعدم جواز اخذ ما بازاء اللحاظ الثانى فى موضوع الارادة لانه في مرتبة ما بازائه كما لا يخفى.

ينبغى التنبيه على امرين

التنبيه الاول انه فرق صاحب الفصول بين متعلق الامر وبين متعلق الطلب فجعل متعلق الامر هو الماهية ومتعلق الطلب هو الايجاد الخارجي قال صاحب الفصول قدس‌سره ما لفظه على ما حكى عنه (ثم اعلم انا نفرق بين ما تعلق به الامر اعنى

١١٦

مفاد اللفظ باعتبار الهيئة وبين ما تعلق به الطلب فالامر عندنا لا يتعلق إلّا بالطبيعة من حيث هي) الى ان قال (واما الطلب فلا يتعلق إلّا بالفرد وهو الايجاد الذى هو عين الوجود الخارجي بحسب الذات وان غايره بحسب الاعتبار) وتبعه في ذلك الاستاذ قدس‌سره في الكفاية فقال ما لفظه (فانقدح بذلك ان المراد بتعلق الاوامر بالطبائع دون الافراد انها بوجودها السعي بما هو وجودها قبالا لخصوص الوجود متعلقة للطلب لا انها بما هي كانت متعلقة له كما ربما يتوهم فانها كذلك ليست إلّا هي نعم هي كذلك تكون متعلقة للامر فانه طلب الوجود فافهم) وحاصله أن الفرق بين الامر والطلب أن الوجود مأخوذ فى متعلق الطلب لان الطبيعة بذاتها لا مطلوبة ولا غير مطلوبة بخلاف الامر فان الوجود له الدخل فى حقيقة الامر حيث انه عبارة عن ايجاد الماهية ولكن لا يخفى ان الطلب كالامر في انهما يتعلقان بنفس الماهية فان الامر ماهيته يدل على البعث نحو المطلوب والمادة تدل على نفس الطبيعة فعليه الايجاد ليس مدلولا لاحدهما على ان جعل الوجود دخيلا فى متعلق الطلب غير معقول اذ الوجود الخارجي ظرف السقوط فكيف يعقل تعلق الطلب به وليس إلّا من طلب الحاصل ، وتحصيل الحاصل واضح البطلان وتوهم ان المراد من الوجود هو اصداره فيكون المراد منه الايجاد ممنوع اذ الايجاد متاخر عن الطلب كما يظهر في قولك طلب منى الايجاد فاوجدته فعليه كيف يعقل ان يؤخذ فى المتعلق اذ أخذه فى المتعلق يلزم ان يكون سابقا عليه مضافا الى ان الوجود لو كان داخلا فى هيئة الامر يلزم الفرق بين قولنا صل وبين اوجد الصلاة اذ يلزم على التعبير الثانى تجريد الهيئة من الوجود والالزام لحاظه مرتين مرة من جهة المادة واخرى من جهة الهيئة وبعبارة اخرى ان الايجاد لو كان له دخل في هيئة الامر لزم في

١١٧

مثل اوجد الصلاة اما تجريدها عن الوجود فهو المجاز بلا قرينة او دلالتها على طلب ايجاد الايجاد وهو لغو صرف وبالجملة على ما ذكرناه يلزم في المثال المذكور اما اللغوية او مجاز بلا قرينة ولعل منشأ ما ذكرناه هو ان الطبيعة بما هي ليست إلّا هي لا يتعلق بها الطلب لعدم قيام الاثر او المصلحة بها إلّا باعتبار وجودها لذا اخذ الوجود فى متعلق الطلب والوجود في حقيقة الامر إلّا أنّك قد عرفت ان هناك اعتبارا ثالثا لا يرد عليه شىء من المحاذير وهو ان المتعلق هو لحاظ الطبيعة بان تكون مرآتا للخارج فحينئذ تتلون بلون الخارج ولذا يتصف بالمصلحة كما يتصف الخارج بالمرادية لما بين اللحاظ الذى هو مرآة للخارج وبين ما فى الخارج من الاتحاد بنحو يرى عين الخارج.

التنبيه الثانى هو ان حكاية شىء عن شىء ربما يكون اتحاد بنحو يرى بالنظر المسامحى عينه بنحو لا يرى اثنينية وذلك يوجب ان يتلون احدهما بلون الآخر كحكاية زجاج الاحمر عن الضياء فهذه الحكاية توجب سراية صفة الزجاج الى الضياء بان يتلون الضياء بلون الاحمر فيقال الضياء احمر لما بينهما من الاتحاد بنحو لا ترى الا ضياءً احمر ومن هذا القبيل حكاية الالفاظ عن معانيها ولذا يسري قبح المعنى وحسنه الى اللفظ مثلا الالفاظ التي تحكي عن معان يشمئز الطبع من سماعها فانه يسري الاشمئزاز الى الالفاظ فتكون تلك الالفاظ كريهة على الطبع اذ المعانى القيت بهذه الالفاظ كما انه ربما تكون الالفاظ تحكى عن معان حسنة يستلذ الطبع بسماعها فيسري الاستلذاذ الى تلك الالفاظ ولذا كانت الالفاظ وجودا للمعنى وانها قوالب للمعانى والنظر الى الالفاظ بالنسبة الى المعاني كالمرآة للمرئى إذا عرفت ذلك تعرف ان الاوامر لما قلنا بتعلقها بالصور الحاكية عما فى الخارج فتكون تلك الصور مطلوبات على نحو حكايتها عما فى الخارج وبما ان اتحادها

١١٨

مع الخارج نحو اتحاد المرآة بالنسبة الى المرئى فلذا تسري صفة المطلوبية الى المحكى عنه الذي هو الخارج فيكون الخارج متصفا بالمطلوبية لما كان بينهما من الاتحاد وتوصيف الخارج بالمطلوبية على هذا ليس توصيفا تسامحيا بل التوصيف بهذا النحو من التوصيف الحقيقى وان كان منشؤه الاتحاد بين الصور الذهنية وبين ما بازائها فان هذا المنشأ لما لم يلاحظ فربما يكون المنشأ اضيق من التوصيف وتكون دائرة التوصيف اوسع من دائرة العروض مثلا التجارة لا تعرض الا وان يتلبس الشخص بحرفة التجارة ولكن توصيفه بالتجارة بان يقال له تاجر بنحو يكون اوسع كاطلاقه على من كان نائما انه تاجر ودعوى ان المبدا في مقام التوصيف اخذ بنحو الملكة والملكة موجودة في حال النوم ممنوعة اذ ذلك ليس مناطا للاطلاق وإلّا لجاز اطلاق التاجر على من عنده ملكة التجارة إلّا انه لم يمارسها وكان طول حياته مشغولا بطلب العلم مع انه قطعا لا يطلق عليه انه تاجر وبالجملة انا نرى بالوجدان توسعة حقيقية في اطلاق عنوان التاجر مع التضييق في دائرة عروض التجارة وذلك اعظم شاهد لما قلنا بان دائرة التوصيف تكون اوسع من دائرة العروض اذا عرفت ذلك فلا بد لنا من ثلاثة اقسام احدهما ان يكون ظرف العروض وظرف الاتصاف هو الذهن كالنوعية والجنسية فانهما يلحقان الماهية عروضا واتصافا في الذهن فقط ثانيهما ان يكون ظرف العروض والاتصاف هو الخارج كالحرارة والبرودة فانهما يعرضان على الشىء ويتصف الشىء بهما في الوجود الخارجى ثالثها ما كان ظرف العروض الذهن وظرف الاتصاف الخارج مثلا الطلب والقطع اللذان هما منشأ انتزاع المطلوبية والمعلومية فان الذهن ظرف عروضهما والخارج ظرف اتصافهما فظهر لك بطلان القول بالحاق هذين القسمين الآخرين بالقسم الاول الذي هو

١١٩

ظرف العروض والاتصاف فيه هو الذهن خاصة كما ظهر ان محل الكلام هو القسم الثالث وان لحاظ الطبيعة بنحو ترى عين الخارج فيسرى الى ما في الخارج صفة المطلوبية والسراية انما هى الى الحصص إلّا انها على نحو البدل ولا يسرى الى خصوصيات الافراد فالخصوصية خارجة عن حيز الطلب فافهم وتامل.

نسخ الوجوب

الفصل التاسع فى انه اذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز بالمعنى الاخص الذى هو الاباحة او بالمعنى الاعم الذى عبارة عن الترخيص الاعم من رجحان الفعل مع المنع عن الترك كالوجوب او الاذن فى الترك كالاستحباب او تساوى الفعل مع الترك كالاباحة ام لا يبقى الجواز بالمعنى الاخص وبالمعنى الاعم؟ قيل بالاول بدعوى ان الوجوب عبارة عن رجحان الفعل مع المنع عن الترك فالنسخ انما رفع الفصل الذى هو المنع عن الترك وبعد رفعه لا يعقل بقاء الجنس بلا فصل ولازمه ان يحل نقيضه محله وهو الاذن في الترك وذلك هو معنى الاستحباب هذا لو قلنا بتركب الوجوب من الجنس والفصل واما لو قلنا بان الوجوب والاستحباب يختلفان بحسب الشدة والضعف فالنسخ يتوجه الى جهة الشدة فمع زوال تلك المرتبة تبقى المرتبة الضعيفة ولكن لا يخفى ان الوجوب عبارة عن مرتبة يتضمن الجواز والرجحان والالزام فالنسخ يرفع احد هذه الثلاثة فكما يحتمل رفع الالزام يحتمل رفع الرجحان او رفع الجواز فمن النسخ لا يظهر بقاء الجواز بالمعنيين على انك قد عرفت منا سابقا ان الوجوب يفترق عن الندب بشدة الطلب والشدة من مراتبه ، والندب يفترق عن الوجوب بالضعف اى الاذن في الترك وهو ليس من سنخ الارادة وانما هو حد خاص فالوجوب من قبيل الوجود

١٢٠