أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

كتب إليه الشيخ نصير الدين الحمامي مورياً عن صنعته :

ومذ لزمته الحمام صرت بها

خلا يداري مَن لا يداريه

أعرف حرّ الاشيا وباردها

وآخذ الماء من مجاريه

فأجابه أبو الحسين الجزّار بقوله :

حسن التأني مما يعين على

رزق الفنى والحظوظ تختلف

والعبد مذ صار في جزارته

يعرف من أين تؤكل الكتف

وله في التورية قوله :

أنت طوقتني صنيعاً واسمعـ

ـتك شكراً كلاهما ما يضيع

فإذا ما شجاك سجعي فإني

أنا ذاك المطوّق المسموع

ومن طائفة ما كتب به إلى بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلى بيته

أمولاي ما من طباعي الخروج

ولكن تعلّمته من خمول

أتيت لبابك أرجو الغنى

فأخرجني الضرب عند الدخول

ومن مجونه في التورية قوله عند زواج والده :

تزوّج الشيخ أبي ، شيخة

ليس لها عقلٌ ولا ذهن

لو برزت صورتها في الدجا

ما جسرت تبصرها الجنّ

كأنها في فرشها رمّة

وشعرها من حولها قطن

وقائل لي قال : ما سنّها

فقلتُ : ما في فمها سنّ

وله قوله في داره :

ودار خراب بها قد نزلـ

ـت ولكن نزلت إلى السابعه

٨١

طريق من الطرق مسلوكة

محجتها للورى شاسعه

فلا فرق ما بين أني اكون

بها أو أكون على القارعة

تساورها هفوات النسيم

فتصغي بلا أُذن سامعه

وأخشى بها أن أُقيم الصلاة

فتسجد حيطانها الراكعة

إذا ما قرأت إذا زلزلت

خشيتُ بأن تقرأ الواقعه

وله في بعض ادباء مصر وكان شيخاً كبيراً ظهر عليه جرب فالتطخ بالكبريت ، قوله ذكره له ابن خلكان في تاريخه ١ ص ٦٧ :

أيها السيد الأديب دعاءاً

من محبّ خال من التنكيت

أنت شيخ وقد قربتَ من النار

فكيف أدهنت بالكبريت

وله قوله :

مَن منصفي من معشر

كثروا عليّ وأكثروا

صادقتهم وأرى الخرو

ج من الصداقة يعسر

كالخط يسهل في الطرو

س ومحوه يتعذّر

وإذا أردت كشطته

لكنّ ذاك يؤثّر

ومن قوله في الغزل :

بذاك الفتور وهذا الهيف

يهون على عاشقيك التلف

أطرت القلوب بهذا الجمال

واوقعتها في الأسى والأسف

تكلّف بدر الدجى إذ حكى

محياك لو لم يشنه الكلف

وقام بعذري فيك العذار

واجرى دموعيَ لمّا وقف

وكم عاذل أنكر الوجد فيك

عليّ فلما رءاك اعترف

٨٢

وقالوا : به صلف زائدٌ

فقلت : رضيت بذاك الصلَف

لئن ضاع عمري في مَن سواك

غراماً فإن عليك الخلف

فهاك يدي إنني تائب

فقل لي : عفى الله عما سلف

بجوهر ثغرك ماء الحياة

فماذا يضرّك لو يُرتشف

ولم أرَ من قبله جوهراً

من البهرمان (١) عليه صدف

أكاتم وجديَ حتى أراك

فيعرف بالحال لا مَن عرف

وهيهات يخفى غرامي عليك

بطرف همى وبقلب رجف

ومن قوله :

حمت خدّها والثغر عن حائم شجٍ

له أمل في مورد ومورّد

وكم هام قلبي لارتشاف رضابها

فأعرف عن تفصيل نحو المبرّد

ومن بديع غزله قوله :

وما بي سوى عين نظرت لحسنها

وذاك لجهلي بالعيون وغرتي

وقالوا : به في الحب عين ونظرة

لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي

وله قوله يرثي حماره :

ما كل حين تنجح الأسفار

نَفقَ الحمار وبارت الأشعار

خرجي على كتفي وها أنا دائر

بين البيوت كأنني عطّار

ماذا عليّ جرى لاجل فراقه

وجرت دموع العين وهي غزار

__________________

١ ـ البهرمان : الياقوت الاحمر.

٨٣

لم أنس حدة نفسه وكأنه

من ان تسابقه الرياح يغار

وتخاله في القفر جِنّاً طائراً

ما كل جنّ مثله طيار

وإذا أتى للحوض لم يخلع له

في الماء من قبل الورود عذار

وتراه يحرس رجله من زلّة

برشاشها يتنجّس الحضار

ويلين في وقت المضيق فيلتوي

فكأنما بيديك منه سوار

ويشير في وقت الزحام برأسه

حتى يحيد أمامه النظار

لم أدر عيباً فيه إلا انه

مع ذا الذكاء يقال عنه حمار

ولقد تحامته الكلاب وأحجمت

عنه وفيه كل ما تختار

راعت لصاحبه عهوداً قد مضت

لما علمن بأنه جزّار

وقال في موت حمار صديق له :

مات حمار الاديب قلت لهم

مضى وقد فات منه ما فاتا

مَن مات في عزه استراح ومَن

خلّف مثل الأديب ما ماتا

وله قوله :

لا تعبني بصنعة القصّاب

فهي أذكى من عنبر الآداب

كان فضلي على الكلاب فمذ صر

ت أديباً رجوتُ فضل الكلاب

ومن ظريف التضمين قوله على روي قصيدة امرئ القيس.

قفا نبك من ذكرى قميص وسروال

ودراعة لي قد عفا رسمها البالي

وما انا مَن يبكي لاسماء إن نأت

ولكنني أبكي على فقد اسمالي

٨٤

لو انّ امرء القيس ابن حجر رأى الذي

أكابده من فرط همّ وبلبال

لما مال نحو الخدر خدر عنيزة

ولا بات الا وهو عن حبّها سالي

ولا سيما والبرد وافي بريده

وحالي بما اغتدت من عسره حالي (١)

ومن شعره كما في شذرات الذهب.

عاقبتني بالصد من غير جرم

ومحا هجرها بقية رسمي

وشكوت الجوى الى ريقها العذب

فجارت ظلماً بمنع الظلم

انا حكّمتها فجارت وشرع الحب

يقضي أني احكّم خصمي

وله :

أكلّف نفسي كل يوم وليلة

هموماً على مَن لا افوز بخيره

كما سوّد القصار في الشمس وجهه

حريصاً على تبييض أثواب غيره

وكانت بينه وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فاهدى الجزار له تفاحاً وكمثرى وكتب مع ذلك.

أكافيك عن بعض الذي قد فعلته

لأنّ لمولانا عليّ حقوقا

بعثت خدوداً مع نهود وأعينا

ولا غرو ان يجزي الصديق صديقا

وان حال منك البعض عما عهدته

فما حال يوم عن ولاك وثوقا

__________________

١ ـ عن المجموعة الادبية المخطوطة للشيخ كاشف الغطاء في المكتبة العامة برقم ٨٧٢.

٨٥

بنفسج تلك العين صار شقائقاً

ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا

وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما

قطعت على اللذات منه طريقا

فلا عدمتك العاشقون فطالما

اقمت لأوقات المسرّة سوقا

وله :

يمضي الزمان وأنت هاجر

أفما لهذا الهجر آخر

يا من تحكّم في القلوب

بحاجبٍ منه وناظر

مولاي لا تنس المحبّ

فانه لهواك ذاكر

واذا رقدت منعماً

فاذكر شقياً فيك ساهر

شتان ما بيني وبينك

في الهوى ان كنت عاذر

النار في كبدي وظلمك

باردٌ والجفن فاتر

ومن أخباره مع السراج الوراق أنهما اتفقا ببعض ديارات النصارى وفيه راهب مليح وجاء زامر مليح أيضا ثم اتفق مجيء بعض مشايخ الرهبان فضرب الراهب وهرب الزامر فقال أبو الحسين :

في فخّنا لم يقع الطائر. فقال السراج : لا راهب الدير ولا الزامر.

فقال أبو الحسين : فسعدنا ليس له أول. فقال السراج :

ونحسنا ليس له آخر.

وذكر الصفدي أن أبا الحسين الجزار جاء الى باب الصاحب زين الدين ابن الزبير فأذن لجماعة كانوا معه وتأخر اذنه ، فكتب إلى الصاحب

الناس قد دخلوا كالاير كلهم

والعبد مثل الخصى ملقى على الباب

٨٦

فلما قرأها قال لبعض الغلمان مر فنادي ادخل يا خصى فدخل الجزار وهو يقول : هذا دليل على السعة

وقال يتهكم بالمتنبي ويعارضه :

فإن يكن أحمد الكندي متهما

بالعجز يوماً فاني لست أتهم

فاللحم والعظم والسكين تعرفني

والخلع والقطع والساطور والوضم

قال صاحب نسمة السحر : ومن المنسوب لابي الحسين ويشبهه في الظرف

أترى القاضي أعمى

أم تراه يتعامى

سرق العيد كأن العيد

اموال اليتامى

٨٧

شمس الدين الكوفي

المتوفي ٦٧٥

قال شمس الدين محمد بن عبيد الله الكوفي الواعظ يرثي النقيب محي الدين محمد بن حيدر وقد غرق في الدجلة

يا ماء ما أنصفت آل محمد

وعلى كمال الدين كنت المجتري

في الطف لم تسعد أباه بقطرة

واليوم قد أغرقته في أبحر (١)

__________________

١ ـ الحوادث الجامعة لابن الفوطي.

٨٨

جاء في الحوادث الجامعة لابن الغوطي ص ٣٨٦

سقط ركن الدين النقيب محي الدين محمد بن حيدر نقيب الموصل بفرسه الى دجلة ، وكان مجتازا على الجسر. فاصعد الى مشهد علي عليه‌السلام فدفن هناك. وكان شابا حسن الخلقة ، عمره سبع عشرة سنة ، فرثاه شمس الدين محمد بن عبيد الله الكوفي الواعظ.

وفي ص ٣٩٠ قال : سنة ٦٧٥ هـ فيها توفي شمس الدين محمد ابن عبيد الله الهاشمي الكوفي الواعظ ببغداد. وكان أديباً فاضلاً ، عالماً شاعراً ، ولي التدريس بالمدرسة التتشيه ، وخطب في جامع السلطان ، ووعظ بباب بدر. وكان عمره اثنين وخمسين سنة. وكان له شعر حسن ، ومما قاله في رثاء النقيب محي الدين حيدر نقيب الموصل بقصيدة طويلة قرأت في العزاء وذكر منها في صحيفة ٣٨٦

ألقاه في الماء الجواد كأنه

بدر هوى في جندل متموّر

أمواج دجلة أغرقته إذ طغت

وكذا الطغاة على الأكارم تحتري

ولقد تكدّر صفوها من بعده

ومتى صفت لهم ولم تتكدّر

بالله هل أغرقته شغفاً به

يا ماء أو حسد لماء الكوثر

هلا رحمت شبابه وتركته

من أجل ولهى فيه ذات تحيّر

أو ما علمت بأنه رحب الفِنا

والصدر عذب اللفظ حلو المنظر

ومنها

غاصوا عليه واخرجوه معظماً

ومكرماً وكذا نفيس الجوهر

٨٩

والله ما نزعت ملابس جسمه

حتى تبختر في الحرير الأخضر

فالشوق يظمئني اليه وكلما

حاولتُ شرب الماء زاد تكدري

يا نفس ذوبي حسرة وكآبة

وتأسّفي وتلهّفي وتحسّري

ماذا يكون أغير ما هو كائن

نزل القضاء صبرتِ أو لم تصبر

جاء في الوافي بالوفيات للصفدي ج ٢ ص ٩٧

شمس الدين الكوفي الواعظ محمد بن أحمد ابن أبي علي عبيد الله بن داود الزاهد بن محمد بن علي الابزاري شمس الدين الكوفي الواعظ الهاشمي خطيب جامع السلطان ببغداد ، توفي في الكهولة سنة ست وسبعين وست مائة ، وشعره متوسط وله موشحات نازلة ، ومن شعره

حنّت النفس إلى أوطانها

وإلى مَن بان من خُلانها

بديار حيّها من منزل

سلم الله على سُكّانها

تلك دار كان فيها منشأي

من غَريّيها الى كوفانها

وبها نوقُ الصبى أرسلتُها

هَمَلا تمرح في أرسانها

فلكم حاورتُ فيها أحوراً

ولكم غازلتُ من غزلانها

لا يُلام الصبّ في ذكر رُباً

بان من غير رضيً عن بانها

ولكم قضّيتُ فيها أرباً

آه واشواقا إلى كثبانها

ليس بي شوقاً إلى أطلالها

انما شوقي الى جيرانها

كلما رمتُ سلّواً عنهم

لا تديمُ النفس عن أشجانها

شقيت نفسي بالحزن فمن

يُسعد النفس على أحزانها

أقول ثم ذكر له موشحاً من شعره

٩٠

وجاء ذكره في موارد الاتحاف في نقباء الأشراف جـ ٢ ص ١٨٣ وذكر حفيده ركن الدين الحسن بن محي الدين أبى طاهر محمد بن كمال الدين حيدرة بن أبى منصور محمد الحسينى الموصل وانه مات في المحرم سنة ٦٧٠ هـ فرثاه بهاء الدين على الأربينى بقوله

لله ما فعل المحرم بالحسين وبالحسن

ذهبا فما صبري لذلك بالجميل وبالحسن

٩١

عبد الله بن نصر الوزان

قال عبد الله بن عمر بن نصر الوزان مخمساً مقصورة ابن دريد المتوفي ٦٧٧

لما ابيح للحسين صونه

وخانه يوم الطعان عونه

نادى بصوت قد تلاشى كونه

أما ترى رأسي حاكى لونه

طرّة صبحٍ تحت أذيال الدجى؟

معفراً على الثرى بخدّه

لم ترع فيه حرمة لجدّه!

والسيف من مفرقه في غمده

واشتعل المبيّض في مسودّه

مثل اشتعال النار في جمر الغضا

هتك وفتك وأسارٌ وجلا

ونسوة تسبى على رأس الملا

لو انني في الجاهلين الاولا

ما خلت ان الدهر يثنيني على

ضراء ، لا يرضى بها ضبّ الكدى

انا الذي قارعت القوارع

وشيبت عذاره الوقائع

فلم يرعني بعد ذاك رائع

لا تحسبن يا دهر اني ضارع

لنكبة تعرقني عرق المدى

__________________

عن كتاب ( اعلام العرب ).

٩٢

قال الاديب المعاصر عبد الصاحب الدجيلي في كتابه ( اعلام العرب ).

ممن خمس مقصورة ابن دريد : ابو محمد موفق الدين عبد الله ابن عمر بن نصر الله الانصاري ، المعروف بالوزان ، ورثى بها الامام السبط أبا عبد الله ـ الحسين بن علي عليه‌السلام لرؤيا رآها.. وكان موفق الدين فاضلاً حكيماً وعالماً اديباً شاعراً شارك في علوم كثيرة منها الطب والكحل والفقه والنحو والادب.. اقام بالديار المصرية ثم بالشام مدة اكثرها ببعلبك ثم عاد الى مصر ، وبها ادركته منيته فتوفي ليلة الجمعة مستهل صفر بالقاهرة سنة ٦٧٧ هـ عرض له ما يسمى بـ ( القولنج ) فقضى عليه. وله ترجمة في ذيل مرآة الزمان ٣ / ٣٢١ وفوات الوفيات ١ / ٤٨١ والنجوم الزاهرة ٧ / ٢٨٢ وشذرات الذهب ٥ / ٣٥٨. اما تخميس المقصورة فمنه نسخة بالفوتوستات في معهد دار الكتب ( فهرست المخطوطات ق ١ ص ١٤٥ ) وقد اثبت التخميس اليونيني قطب الدين موسى بن محمد المتوفي ٧٢٦ في ذيل مرآة الزمان ٣ / ٣٤١ ـ ٤٨٣.

قال : رأى صاحب الترجمة الحسين بن علي عليهما‌السلام في المنام يقول له :

مد المقصورة فوقع في خاطره انه يشير الى مقصورة ابن دريد ، فخمّسها ورثى بها الحسين فبلغت مائتين وثلاثين دوراً.

وفي فوات الوفيات ج ١ ص ٤٨١ : عبد الله بن عمر بن نصر الله الفاضل الحكيم موفق الدين الانصاري المعروف بالوزان كان قادراً على النظم ، وله مشاركة في الطب والوعظ والفقه ، وكان حلو النادرة ، لا تمل مجالسته اقام

٩٣

ببعلبك مدة ، وخمّس مقصورة ابن دريد ومرثية في الحسين بن علي عليه‌السلام ، وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة.

ومن شعره رحمه الله تعالى :

انا أهوى حلو الشمائل ألمى

مشهد الحسن جامع الأهواء

آية النمل قد بدت فوق خدّيه

فهيموا يا معشر الشعراء

وكتب أيضا الى بعض الكتاب :

أنا ابن السابقين الى المعالي

وما في مدحه قال وقيل

لقد وصل انقطاعي منك وعَدٌ

فمن قطع الطريق على الوصول (١)

وقال أيضا رحمه الله تعالى :

من لي بأسمر في سواد جفونه

بيض وحمر للمنايا تُنتضى

كيف التخلّص من لواحظه التي

بسهامها في القلب قد نفذ القضا

أو كيف أجحد صبوة عذريّة

ثبتت بشاهد قدّه العدل الرضا

وقال :

تجور بجفن ثم تشكو انكساره

فواعجباً تَعدو عليّ وتستعدي

أحمل أنفاس القبول سلامها

وحسبي قبولاً حين تسعف بالرد

تثنّت فمال الغصن شوقاً مقبلاً

من الترب ما جرت به فاضل البرد

وقال :

يا سعد إن لاحت هضاب المنحنى

ربدت أثيلات هناك تبين

__________________

١ ـ في البيتين اقواء.

٩٤

عرّج على الوادي فإن ظباءه

للحسن في حركاتهن سكون

وقال ايضاً :

لله أيامنا والشمل منتظم

نظم به خاطر التفريق ما شعرا

والهفَ نفسي على عيش ظفرت به

قطعت مجموعه المختار مختصرا

وقال :

أرى غدير الروض يهوى الصبا

وقد أبت منه سكوناً يدوم

فؤاده مرتجف للنوى

وطرفه مختلج للقدوم

وقال :

حار في لطفه النسيم فأضحى

رائحاً نحوه اشتياقاً وغادي

من رأى الظبي منه طرفاً وجيداً

هام وجداً عليه في كل وادي

وقال :

يذكرني نشر الحمى بهبوبه

زماناً عرفنا كل طيب بطيبه

ليال سرقناها من الدهر خلسة

وقد أمنت عيناي عين رقيبه

فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى

وسكن قلبي ساعة من وجيبه

الا إن لي شوقاً إلى ساكن الغضا

أعيذ الغضا من حرّه ولهيبه

أحن إلى ذاك الجناب ومن به

ويسكرني ذاك الشذا من جنوبه

أخا الوجد إن جاوزت رملَ محجر

وجزتَ بمأهول الجناب رحيبه

دع العيس تقضي وقفة بربا الحمى

ودع محرما ً يجري بسفح كتيبه

وقل لغريب الحسن ما فيك رحمة

لمفرد وجد في هواك غريبه

٩٥

متى غرّد الحادي سحيراً على النقا

أمال الهوى العذرى عطف طروبه

وإن ذكرت للصب أيام حاجر

هناك يُقضّى نحبه بنحيبه

وقال :

رقّ النسيم لطافة فكأنما

في طيّه للعاشقين عتاب

وسرى يفوحُ تعطراً وأظنه

لرسائل الأحباب فهو جواب

وقال :

يا ليالي الحمى بعهد الكثيب

إن تناءيت فارجعي من قريب

أي عيش يكن أطيب من عيـ

ـش محبّ يخلو بوجه الحبيب

يقطع العمر بالوصال سروراً

في أمان من حاسد ورقيب

يتجلّى الساقي عليه بكأس

هو منها ما بين نور وطيب

كلما أشرقت ولاح سناها

آذنت من عقولنا بغروب

خلت ساقي المدام يوشَعَ لما

ردّ شمساً بالكأس بعد المغيب

نغمات الراووق يفقهها الكأ

س ويوحي بسرّها للقلوب

فلهذا يميل من نشوة الكأ

س طروباً من لم يكن بطروب

يا نديمى أشمأل أم شمول

رقّ منها وراق لي مشروبي

أم قدود السقاة مالت فملنا

طرباً بين واجد وسليب

أم نسيم من حاجرٍ هب وهناً

فسكرنا بطيب ذاك الهبوب

أم سرى في الأرجاء من عنبر الجـ

ـو أريج بالبارق المشبوب

ما ترى الركب قد تمايل سكراً

وأمالوا مناكباً لجنوب

لست أبكي على فوات نصيب

من عطايا دهري وأنت نصيبي

وصديقي إن عاد فيك عدوّى

لا أبالي ما دمت لي يا حبيبي

٩٦

وقال :

لا غرو إن سُلبت بك الألباب

وبديع حسنك ما عليه حجاب

يا من يلذّ على هواه تهتكي

شغفاً ويعذب لي عليه عذاب

حسبي افتخاراً في هواك بأنّ لي

نسباً له تسمو به الأنساب

أحبابنا وكفى عبيد هواكم

شرفاً بانكم له أحباب

يا سعد مل بالعيس حلّة منزل

أضحى لعزة ساكنيه يهاب

ربع تودّ به الخدود إذا مشت

فيه سليمى أنها أعتاب

كم في الخيام أهلة هالاتها

تبدو لعينك برقع ونقاب

وشموس حسن أشرقت أنوارها

افلاكهنّ مضارب وقباب

شنّوا على العشّاق غارات الهوى

فإذا القلوب لديهم أسلاب

من كل هيفاء القوام إذا أنثنت

هزّ الغصون بقدّها الإعجاب

تَهب الغرام لمهجتي في أسرها

فجمالها الوهاب والنهاب

وغدت تجرّ على الكثيب برودها

فإذا العبير لدى ثراه تراب

وقال :

طرفي على سِنة الكرى لا يطرف

وبخيلة بخيالها لا تُسعف

وأضالعي ما تنطفي زفراتها

إلا وتذكيها الدموع الذرّف

شَمِتَ الحسود لأن ضَنيتُ ، ومادرى

أني بأثواب الضنى أتشرّف

يا غائبين وما ألذ نداهم

وحياتكم قسمى وعز المصحف

إن بشر الحادي بيوم قدومكم

ووهبته روحي فما أنا منصف

قد ضاع في الآفاق نشر خيامكم

وأرى النسيم بعرفها يتعرّف

٩٧

ابن نما الربعي

وفاته سنة ٦٨٠ تقريباً

أضحت منازل آل السبط مقوية

من الأنيس فما فيهن سكانُ

باؤا بمقتله ظلما فقد هدمت

لفقده من ذرى الاسلام أركان

رزية عمّت الدنيا وساكنَها

فالدمع من أعين الباكين هتّان

لم يبق من مرسل فيها ولا ملك

إلا عرته رزيات وأشجان

واسخطوا المصطفى الهادي بمقتله

فقلبه من رسيس الوجد ملآن

وله

وقفت على دار النبي محمد

فالفيتها قد أقفرت عرصاتها

وأمست خلاء من تلاوة قارئ

وعطل فيها صومها وصلاتها

فأقوت من السادات من آل هاشم

ولم يجتمع بعد الحسين شتاتها

فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتى

على فقدهم ما تنقضى زفراتها

وقوله :

يصلي الاله على المرسل

وينعت في المحكم المنزل

ويغزى الحسين وأبناؤه

وهم منه بالمنزل الأفضل

ألم يك هذا إذا ما نظرت

اليه من المعجب المعضل

٩٨

نجم الدين بن نما الربعي

هو الشيخ الفقيه نجم الملة والدين جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي الربعي.

كان من أعاظم الفقهاء أحد مشايخ آية الله العلامة الحلي وهو صاحب مقتل الحسين الموسوم بـ ( مثير الأحزان ) وكتاب ( أخذ الثار ) في أحوال المختار.

وكان أبوه وجده وجد جده جميعاً من العلماء العظام كانت وفاته رحمه‌الله سنة ستمائة وثمانين تقريباً ، وفي الحلة قبر مشهور يعرف بقبر بن نما على مقربة من مرقد أبي الفضائل بن طاووس في الشارع الذي يبتدأ من المهدية وينتهى بباب كربلاء المعروف بباب الحسين : قال الشيخ اليعقوبي في كتابه « البابليات » ولا أعلم هل هو قبر المترجم خاصة أم هو مدفن أفراد هذه الأسرة الطيبة. وقد أثبت شيئا كثيراً من شواهد اشعاره في كتابه ( مثير الأحزان ).

وقد أورد الشيخ السماوي في كتابه ( الكواكب السماوية ) بيتين في التجنيس من قول الشيخ ابن نما في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام وهما :

جاد بالقرص والطوى ملا جنبيه

وعاف الطعام وهو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه القرص

والمقرض الكرام كسوب

ومن شعره قوله

إن كنت في آل الرسول مشككا

فاقرأ هداك الله في القرآن

فهو الدليل على علوّ محلّهم

وعظيم فضلهم وعظم الشأن

وهم الودائع للرسول محمد

بوصية نزلت من الرحمن

٩٩

وقوله في أصحاب الحسين عليه وعليهم السلام

إذا اعتقلوا سمر الرماح ويمموا

أسود الشرى فرّت من الخوف والذعر

كماة رحى الحرب العوان فان سطوا

فاقرانهم يوم الكريهة في خسر

وان أثبتوا في مأزق الحرب أرجلاً

فوعدهم منه الى ملتقى الحشر

قلوبهم فوق الدروع وهمهم

ذهاب النفوس السائلات على البتر

وعن إجازات البحار عن خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي قال كتب ابن نما الحلي الى بعض الحاسدين له

انا ابن نما إما نطقتُ فمنطقي

فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما

وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة

بسطت لها كفاً طويلاً ومعصما

بنى والدي نهجاً الى ذلك العلى

وأفعاله كانت الى المجد سُلّما

كبنيان جدي جعفر خير ماجدٍ

وقد كان بالاحسان والفضل مغرما

وجدّ أبي الحَبر الفقيه أبي البقا

فما زال في نقل العلوم مقدّما

يودّ أُناس هدم ما شيّد العلى

وهيهات للمعروف أن يتهدما

يروم حسودي نيل شأوي سفاهة

وهل يقدر الانسان يرقى الى السما

منالي بعيد ويح نفسك فاتئد

فمن أين في الاحداد مثل التقى نما

أقول وترجمه الشيخ القمي في الكنى فقال : هو الشيخ الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة بن نما الحلي ، كان رحمه‌الله من الفضلاء الأجلّة ومن كبراء الدين والملة عظيم الشان جليل القدر أحد مشايخ آية الله العلامة وصاحب المقتل الموسوم بمثير الأحزان.

يظهر أن أباه وجده وجد جدّه جميعاً كانوا من العلماء رضوان الله عليهم أجمعين.

١٠٠