أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

فكيف بهم لو جئتهم متشكياً

خصاصة أيامي وسمتهُم رفدي

فكنت وإهدائي المديح إليهم

كغابط أذناب المهلّبة العقد

وقائله هوّن عليك فإنها

متاع قليل والسلامة في الزهد

فإن علت الروس الذنابى لسكرةٍ

من الدهر فاصبر فهو سكرٌ الى حدّ

فقد تملك الانثى وقد يلثم الحصى

ويتّبع الاغوى ويُسجد للقرد

ويعلو على البحر الغثاء ويلتقى

على الدر أمواج تزيد على العد

وكم سيدٍ أمسى يُكفّر طاعةً

لأسود لا يزجى لشكمٍ ولا شكد

ولا بد هذا الدهر من صحو ساعةٍ

يبين لنا فيها الضلال من القصد

فقلت لها : عني إليك فقلّما

يعيش الفتى حتى يوسدّ في اللحد

أبى الله لي والسوددان بأن أرى

بأرضٍ بها تعدو الكلاب على الاسد

ألم تعلمى أن العتوّ نباهةٌ

وأن الرضا بالذل من شيمة الوغد

وأن مداراة العدو مهانة

إذا لم يكن من سكرة الموت من بُد

أأرضى بما يرضى الدنيّ وصارمى

حسامٌ وعزمي عزم ذي لُبدة ورد

سأمضي : على الأيام عزم ابن حرةٍ

يُفدّى بآباء الرجال ولا يُفدى

فإن أدرك الامر الذي أنا طالب

فياجد مستجدٍ ويا سعد مستعد

وإن اخترم من دون ما أنا آمل

فيا خيبة الراجي ويا ضيعة الوفد

٤١

وإني من قوم يبين بطفلهم

لذى الحدس عنوان السيادة في المهد

فإن لم يكن لي ناصر من بني أبي

فحزمى وعزمى يغنيان عن الحشد

وإن يدرك العليا همامٌ بقومه

فنفسي تناجيني بادراكها وحدي

وإني لبدر ريع بالنقص فاستوى

كمالاً وبحر يعقب الجزر بالمد

إذا رجفت دار العدو مخافتي

فلا تسألاني عن سعيدٍ ولا سعد

فآه لقومي يوم أصبح ثاوياً

على ماجد يحيى مكارمهم بعدي

وإني في قومي كعمرو بن عامر

ليالي يعصى في قبائله الازد

أراهم أمارات الخراب وما بدا

من الجرذِ العيّاث في صخرها الصلد

فلم يرعووا مع ما لقوا فتمزقوا

أيادي سبا في الغور منها وفي النجد

وكم جرذٍ في أرضنا تقلع الصفا

وتقذف بالشم الرعان على الصمد

خليليّ ما دار المذلة فاعلما

بداري ولا من ماء أعدادها وردي

ولا لي في أن أصحب النذل حاجة

لصحة علمي أنه جربٌ يعدي

أيذهب عمري ضلّة في معاشر

مشائيم لا تُهدى لخير ولا تَهدي

سهادهم فيما يسوء صديقهم

وأنوَمَ عن غمّ العدو من الفهد

اذا وعدوا الأعداء خيراً وفوا به

وفاء طغام الهند بالنذر للبد

وشرهم حق الصديق فإن هذوا

بخير له فلينتظر فتحة السد

ستعلم هند أنني خير قومها

وأني الفتى المرجو للحل والعقد

وأني إذا ما جلّ خطب وردته

بعزمة ذي جد وإقدام ذي جد

وأن أيادي القوم أبسطها يدي

وإن زناد الحي أثقبها زندي

٤٢

وأني متى يدعى إلى البأس والندى

فأحضرها نصري وأجزلها وردي

وأن كرام القوم لا نُهز العدى

ليوجعها عتبى ويؤلمها فقدي (١)

وقال :

غداً نغتدي للبين أو نتروّح

وعند النوى يبدو الغرامُ المبرّح

غداً تقفز الأطلل ممن نودّه

ويمسي غراب البين فيها ويصبح

غداً تذهب الأظعان يمنى ويسرةً

ويحدو تواليها نجاح ومنجح

فيا باكياً قبل النوى خشية النوى

رويداً بعين خفنها سوف يقرح

ولا تعجلن واستبق دمعك إنني

رأيت السحاب الجون بالقطر ينزح

إذا كنت تبكي والأحبة لم يرد

ببينهم إلا حديثٌ مطوّح

فكيف إذا ما أصبحت عين مالك

وحبل الغضا من دونهم والم سيّح

فكف شئون الدمع حتى تحثّها

غداً ثم تهمي كيف شاءت وتسفح

خليليّ هُبّا من كرى النوم وانظرا

مخائل هذا البرق من حيث يلمح

لقد كدتُ مما كاد أن يستفزني

أبوح بسري في الهوى وأصرّح

ذكرت به ثغر الحبيب وحسنه

إذا ما تجلى ضاحكاً وهو يمرح

ويا حبذا ذاك الجبين الذي غدا

يلوح عليه الزعفران المذرّح

[ فكم ليلةٍ قد كاد يخطف ناظري

ونحن بميدان الدعابة نمرح (٢)

__________________

١ ـ عن الديوان المطبوع.

٢ ـ عن الديوان ص ١٣٠.

٤٣

عبد الرحمن الكتاني

وفاته ٦٣٥

بدر الدين عبد الرحمن الكتاني العسقلاني كان في بغداد فجاء مطر كثير يوم عاشوراء ـ وكان فصل الصيف فقال :

مطرت بعاشورا وتلك فضيلة

ظهرت فما للناصبي المعتدي

والله ما جاد الغمام وإنما

بكت السماء لرزء آل محمد (١)

__________________

١ ـ رواها ابن شاكر في فوات الوفيات وفريد وجدي في دائرة معارف قرن العشرين.

٤٤

عبد الرحمن بن ابي القاسم بن غنائم بن يوسف ، الاديب ، بدر الدين الكتاني العقلاني ، بن المسجف ، الشاعر.

قال ابن شاكر في فوات الوفيات ج ١ ص ٥٣٧.

ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة خمس وثلاثين وستمائة. وكان اديباً ظريفاً خليعاً ، وتوفي فجأة وكان بدر الدين يتجر ، وله رسوم على الملوك واكثر شعره في الهجو فمن شعره قوله :

يا رب كيف بلوتني بعصابة

ما فيهم فضل ولا إفضال

تمنافري الاوصاف يصدق فيهم

الهاجي وتكذب فيهم الآمال

غطّى الثراء على عيوبهم وكم

من سوء غطّى عليها المال

جُبَنا اذا استنجدتهم لملمّة

لؤما اذا استرفدتهم بُخّال

فوجوههم غرف على أموالهم

وأكفّهم من دونها أقفال

هم في الرخاء اذا ظفرت بنعمة

آل وهم عند الشدائد آل (١)

وفي دائرة معارف فريد وجدي مادة ( سجف ) هو عبد الرحمن بن القاسم ابن غنائم بن يوسف قال : القوصى في معجمه :

كان الشريف شهاب الدين بن الشريف فخر الدولة ابن ابي الحسن الحسيني رحمه الله تعالى لما ولاه السلطان الناصر الكتابة على الطالبيين من الأشراف

__________________

١ ـ آل الأول أصله اهل ، وآل الثاني هو السراب الذي تراه وسط النهار فتحسبه ماء وليس بماء.

٤٥

اجتمع في داره ليهنئه جماعة الولاة والقضاة والصدور وسألني الجماعة إنشاء خطبة تقرأ أمام قراءة المنشور فذكرت خطبة على البديهة جمعت فيها بين أهل البيت عليهم‌السلام وبين شكر السلطان على توليته وما أولاه من الاحسان ، فحضر بدر الدين بن المسجف رحمه الله تعالى المجلس وأنشد هذه الأبيات لنفسه :

دار النقيب حوت بمن قد حلّها

شرفاً يقصّر عن مداه المطنب

أضحت كسوق عكاض في تفضيلها

وبها شهاب الدين قسّ يخطب

الفاضل القوصي أفصح مَن غدا

عن فضله في العصر يعرب معرب

ومن شعره يمدح ابا الوفاء راجح الاسدي :

يقولون لي ما بال حظك ناقصاً

ردى راجح رب الشهامة والفضل

فقلت لهم إني سمي ابن ملجم

وذلك اسم لا يقوله به ( حِلي ) (١)

وقال يمدح الكمال القانوني :

لو كنتَ عاينتَ السرور وجسّه

أوتار قانون له في المجلس

لرأيت مفتاح السرور بكفّه

اليسرى وفي اليمنى حياة الانفس

وقال :

ولد مدحتهم على جهل بهم

وظننت فيهم للصنيعة موضعا

ورجعت بعد الاختبار أذمّهم

فأضعتُ في الحالين عمري أجمعا

__________________

١ ـ نسبة الى الحلة السيفيّة وهو يشير الى أن أهل الحلة شيعة فهم لا يسمون عبد الرحمن.

٤٦

وذكر له جملة من الأهاجي أعرضنا عنها.

تعليق على البيتين الاولين في بكاء السماء.

تواتر النقل ببكاء المخلوقات لمقتل الحسين بن علي عليه‌السلام قال ابن عساكر في تاريخه : لم تبك السماء على احد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي ، وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة كثيرا في هذا الباب ، منها ما رواه باسناده عن امير المؤمنين علي عليه‌السلام وقد مرّ بكربلا. فقال : ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.

واخرج الحافظ ابو نعيم في كتابه ( دلائل النبوة ) وأورده ابن حجر في صواعقه باسناده ، قالت نصرة الازدية لما قتل الحسين ابن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملؤة دما.

وقال ابن حجر في الصواعق : ومما ظهر يوم قتله من الآيات أيضاً أن السماء اسودت اسوداداً عظيما حتى رؤيت النجوم نهاراً.

قال ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وعن الثعلبي ان السماء بكت وبكاؤها حمرتها. وعن ابن سعد ان هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله. والى ذلك يشير ابو العلاء المعري بقوله

وعلى الدهر من دماء الشهيدين

علي ونجله شاهدانِ

ثبتا في قميصه ليجيء الشر

مستعدياً الى الرحمن

فهما في أواخر الليل فجران

وفي أوليائه شفقان

وقال عبد الباقي العمري في ملحمته

٤٧

قضى الحسين نحبه وما سوى الله

عليه قد بكى وانتحبا

وقال الحاج جواد بدكت من قصيدة

بكت السماء دماً ولم تبرد به

كبدٌ ولو أن النجوم عيون

وذكر الشيخ يوسف البحراني في الكشكول عن كتاب ( زهر الربيع ) قال : ذكر بهاء الملة والدين نوّر الله مرقده ان أباه الحسين بن عبد الصمد رحمه‌الله وجد في مسجد الكوفة فص عقيق مكتوب عليه

انا درٌ من السما نثروني

يوم تزويج والد السبطين

كنت أصفى من اللجين بياضا

صبغتني دماء نحر الحسين

ووجد حجر آخر مكتوب فيه

حمرتي ذي من دماء قد

أُريقت نصب عين

انا من أحجار أرضٍ

ذبحوا فيها الحسين

قال علي أحمد الشهيدي في كتابه ( أبو الدنيا )

ان السماء مطرت دماً أحمراً أدهش سكانها إدهاشا عظيماً بل ادهش ( ايطاليا ) باسرها عندما شاع الخبر بأن السماء أمطرتهم مياهاً دموية وذلك في بلدة ايطاليا اسمها ( سينيادي ) بتاريخ ١٥ مايو سنة ١٩٠٠.

اقول وعند رجوعي الى كتاب التوفيقات الالهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الافرنكيّة والقبطية لمؤلفة اللواء المصري محمد مختار باشا مأمور الخاصة الخديوية الجليلة ، والمطبوع بالمطبعة الميرية ببولاق مصر سنة ١٣١١ هجرية.

اقول عند رجوعي للكتاب المذكور وجدت ان هذه السنة التي مطرت

٤٨

المساء فيها دماً تتفق في محرم الحرام الذي استشهد فيه سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين بن علي عليه‌السلام.

وفي كتاب ( أبو الدنيا ) : ان الاستاذ ( بالاتسو ) العالم الايطالي الشهير اهتم كثيراً بفحص ذلك المطر فحصاً كيمياوياً فاتضح له ان الدم الذي سقط مع المطر هو من دماء الطيور ، ناسباً حصول ذلك لاحتمال وجود أسراب كثيرة من الطيوركانت محلّقة في الجو فصدمتها بعض الزوابع الشديدة فهصرت بعضها حتى تقطر دمها فسقط مع المطر على الأرض فأوجد ما أوجده من ذلك الاندهاش.

أقول : هذا تعليل بارد لا يؤيده العلم ولا يقبله الذوق ولم يرو التأريخ ما يشابهه وانما الصحيح أنها آية سماوية تنبئ بعظم الفاجعة الكبرى التي حلّت بعترة الرسول والحادثة الدامية التي قلّ ما شهد التاريخ لها نظيراً في فظايعها وفجايعها.

فحقيق بأن يظهر الله تعالى من المخاوف والقوارع ما فيه عظة وعبرة للخلق ليعتبر بها المعتبرون يقول السيد الشريف الرضي في مقصورته

كيف لا يستعجل الله لهم

بانقلاب الارض أو رجم السما

لو بسبطى قيصر أو هرقل

فعلوا فعلَ يزيد ما عدا

٤٩

محمد بن طلحة الشافعي

المتوفي ٦٥٢

الا أيها العادون إن أمامكم

مقام سؤال والرسول سؤلُ

وموقف حكم والخصوم محمد

وفاطمة الزهراء وهي ثكول

وإن علياً في الخصام مؤيّدٌ

له الحق فيما يدّعي ويقول

فماذا تردّون الجواب عليهم

وليس إلى ترك الجواب سبيل

وقد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم

ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

ولا يرتجي في ذلك اليوم شافع

سوى خصمكم والشرح فيه يطول

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه

فإن له نار الجحيم مقيل

وكان عليكم واجباً في اعتمادكم

رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا

فإنهم آل النبي وأهله

ونهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرةٌ

لها غرر مجلوّةٌ وحُجول

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها

فمنها فروع قد زكت وأصول

مناقب من خلق النبي وخُلقا

ظهرن فما يغتالهنّ أفول

٥٠

كمال الدين الشافعي المتوفي سنة ٦٥٢

ابو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبيني الشافعي المفتي الرحّال ، كان اماماً في الفقه الشافعي بارعاً في الحديث والاصول ، مقدماً في القضاء والخطابة ، له تاليف منها كتاب ( مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ) قال الشيخ الأميني في الجزء الخامس من الغدير : ولد المترجم سنة ٥٨٢ كما في طبقات السبكي وشذرات الذهب وتوفي بحلب في ١٧ رجب سنة ٦٥٢.

سمع الحديث بنيسابور عن ابي الحسن المؤيد بن علي الطوسي ، وحدّث بحلب ودمشق وبلاد كثيرة ، وروى عنه الحافظ الدمياطي ، ومجد الدين بن العديم قاضي القضاة ، وفقيه الحرمين الكنجي.

أقام بدمشق في المدرسة الامينية ، وفي سنة ٦٤٨ كتب الملك الناصر المتوفي ٦٥٥ صاحب دمشق تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصلّ فلم يقبل منه ، فتولاها بدمشق يومين كما في طبقات السبكي ، وتركها وانسلّ خفية وترك الأموال الموجودة وخرج عما يملك من ملبوس ومملوك وغيره ، ولبس ثوباً قطنيّاً وذهب فلم يُعرف موضعه.

وتولّى في ابتداء أمره القضاء بنصيبين ، ثم قضاء مدينة حلب ، ثم ولي خطابة دمشق ، ثم لما زهد حجّ فلما رجع أقام بدمشق قليلاً ثم سار الى حلب فتوفى بها.

بعض تآليفه :

٥١

١ ـ الدر المنظم في اسم الله الاعظم.

٢ ـ مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح.

٣ ـ كتاب دائرة الحروف.

٤ ـ مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ، طبع اكثر من مرّة ، قال معاصره الاربلي في كشف الغمة ص ١٧ : مطالب السؤل في مناقب آل الرسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة وكان شيخاً مشهوراً وفاضلاً مذكوراً ، أظنه مات سنة أربع وخمسين وستمائة ، وحاله في ترفعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حال معلومة قرب العهد بها ، وفي انقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة ، وكان شافعي المذهب من اعيانهم ورؤسائهم.

وفي كتاب ( أعلام العرب ) : هو أحد الصدور الرؤساء والعلماء الأدباء ولد سنة ٥٨٢ هـ بالعمرية من قرى نصيبين وطلب العلم ورحل من أجله وبلغ نيسابور وتفقه فبرع في علم الفقه والاصول والخلاف فكان إماماً في القضاء والخطابة متضلعاً في الأدب والكتابة اقول وذكره الصفدي في الوافي بالوفيات وعدد سجاياه وحسن سيرته.

ومن شعره في الامام امير المؤمنين كما جاء في مؤلفه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول.

أصخ واستمع آيات وحيٍ تنزّلت

بمدح إمام بالهدى خصّه الله

ففي آل عمران المباهلة التي

بانزالها أولاه بعض مزاياه

وأحزاب حاميم وتحريم هل أتى

شهود بها أثنى عليه فزكّاه

وإحسانه لما تصدّق راكعاً

بخاتمه يكفيه في نيل حسناه

٥٢

وفي آية النجوى التي لم يفز بها

سواه سنا رشد به تَمّ معناه

وأزلفه حتى تبوأ منزلاً

من الشرف الأعلى وآتاه تقواه

وأكنفه لطفاً به من رسوله

بوارق أشفاق عليه فربّاه

وأرضعه اخلاف اخلاقة التي

هداه بها نهج الهدى فتوخّاه

وانكحه الطهر البتول وزاده

بأنك منّي يا عليّ وآخاه

وشرّفه يوم « الغدير » فخصه

بأنك مولى كل مَن كنتُ مولاه

ولو لم يكن إلا قضية خيبر

كفت شرفاً في ما ثرات سجاياه

ومن شعره الذي ذكره في مطالب السؤل قوله :

رويدك إن أحببت نيل المطالب

فلا تعدُ عن ترتيل أي المناقب

مناقب آل المصطفى المهتدى بهم

إلى نعم التقوى ورُغى الرغائب

مناقب آل المصطفى قدوة الورى

بهم يبتغي مطلوبه كل طالب

مناقب تجلى سافرات وجوهها

ويجلو سناها مدلهمّ الغياهب

عليك بها سراً وجهراً فإنها

يحلّك عند الله أعلى المراتب

وخذ عند ما يتلو لسانك آيها

بدعوة قلبٍ حاضرٍ غير غائب

لمن قام في تأليفها واعتنى به

ليقضي من مفروضها كل واجب

عسى دعوة يزكو بها حسناته

فيحظى من الحسنى بأسنى المواهب

فَمن سأل الله الكريم أجابه

وجاوره الإقبال من كل جانبِ

وقوله :

هم العروة الوثقى لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحيِ وإنزال

مناقب في الشورى وسورة هل اتى

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

٥٣

وهم اهل بيت المصطفى فودادهم

على الناس مفروض بحكم وإسجال

فضايلهم تعلو طريقة متنها

رواةٌ عَلوا فيها بشدِّ وترحال

ومن شعره في العترة الطاهرة قوله :

يا رب بالخمسة أهل العبا

ذوي الهدى والعمل الصالح

ومَن هم سفن نجاة ومَن

واليهم ذو متجرٍ رابح

ومَن لهم مقعد صدقٍ إذا

قام الورى في الموقف الفاضح

لا تخزني واغفر ذنوبي عسى

اسلم من حرّ لظى اللافح

فانني ارجو بحبي لهم

تجاوزاً عن ذنبي الفادح

فهم لمن والاهم جُنّة

تنجيه من طائره البارح

وقد توسّلت بهم راجيا

نُجح سؤال المذنب الطالح

لعله يحظى بتوفيقه

فيهتدي بالمنهج الواضح

٥٤

ابن ابي الحديد المعتزلي

المتوفي ٦٥٥

ولقد بكيتُ لقتل آل محمد

بالطف حتى كل عضو مدمع

عقرت بنات الأعوجية هل درت

ما يستباح به وماذا يصنع

وحريم آل محمد بين العدى

نهبٌ تقاسمه اللئام الوضّع

تلك الظعائن كالإماء متى تسق

يعنف بهنّ وبالسياط تقنّع

فمصفّد في قيده لا يفتدى

وكريمة تسبى وقرط يُنزع

تالله لا أنسى الحسين وشلوه

تحت السنابك بالعراء موزّع

متلفعا حمر الثياب وفي غد

بالخضر من فردوسه يتلفّع

تطأ السنابك جوفه وجبينه

والأرض ترجف خيفة وتضعضع

والشمس ناشرة ذوائب ثاكل

والدهر مشقوق الرداء مقنّع

لهفي على تلك الدماء تراق في

أيدي طغاة أمية وتضيّع

٥٥

وفي روضات الجنات للسيد الخونساري

الشيخ الكامل الاديب المؤرخ عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسين محمد بن محمد ابن الحسين بن ابي الحديد المدايني الحكيم الاصولي المعتزلي المعروف بابن ابي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، وهو من أكابر الفضلاء المتتبعين وأعاظم النبلاء المتبحرين مواليا لأهل بيت العصمة والطهارة وإن كان في زي أهل السنة والجماعة ، منصفا غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين ومعترفاً في ذلك المصاف بأن الحق يدور مع والد الحسنين ، وهو بين علماء العامة بمنزلة عمر بن عبد العزيز الأموي بين خلفائهم فكما ورد في حديث الشيعة انه يحشر يوم القيمة أمة واحدة فكذلك يبعث هذا الرجل انشاء الله بهيئته على حده ، وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين وعلوّه في ولاية أمير المؤمنين شرحه الشريف الجامع لكل نفسية وغريب والحاوي لكل نافحة ذات طيب ، من الأحاديث النادرة والاقاصيص الفاخرة والمعارف الحقانية والعوارف الايمانية وكذلك الكلمات الالف التي جمعها من أحاديث أمير المؤمنين (ع) وألحقها بشرحه المذكور المتين والقصائد السبع التي أنشدها في فضائله ومدائحه وأشير فيما سبق الى ذكر بعض من شرحها من العلماء الاعلام وذكر بعض متأخري علمائنا الاماجد أن شرح ابن أبي الحديد على مذاق المتكلمين مع ضغث من التصوف وضغث من الحكمة ، وشرح الميثم على مذاق الحكماء وأهل العرفان ، وشرح الميرزا علاء الدين الحسيني الاصفهاني الملقب بكلستانة على مذاق الاخباريين ، وقال أيضا أن ابن ابي الحديد متكلم كتب على طرز الكلام وابن ميثم حكيم كتب على قانون الحكمة وكثير ما يسلط يد التأويل

٥٦

على الظواهر حتى فيما لا مجال للتأويل فيه وابن أبي الحديد مع تسننه قد يتوهم من شرحه تشيعه وابن ميثم ، بالعكس انتهى ، وظاهر كثير من أهل السنة أيضاً انكار تسنن الرجل رأساً بعد تشبث الشيعة في اسكاتهم والالزام عليهم بكلماته المقيدة واضافاته المجيدة واعترافاته المكررة الحميدة ، هذا وقد ذكره الشيخ ابو الفضل عبد الرزاق بن احمد ابن محمد بن ابي المعالي الشيباني الغوطي الاديب المؤرخ المشهور بنسبه الذي تصدر به العنوان الى قولنا الاصولي ثم قال بعد ذلك : كان من اعيان العلماء الافاضل وأكابر الصدور والاماثل حكيماً فاضلاً وكاتباً كاملاً عارفاً باصول الكلام يذهب مذهب المعتزلة وخدم في الولايات الديوانية والخدم السلطانية وكان مولده في غرة ذي الحجة سنة ست وثمانين وخسمائة واشتغل وحصّل وصنف والف فمن تصانيفه شرح نهج البلاغة عشرين مجلداً وقد احتوى هذا الشرح على ما لم يحتوِ عليه كتاب من جنسه ، صنفه لخزانه كتب الوزير مؤيد الدين بن محمد بن العلقمي رضي‌الله‌عنه ولما فرغ من تصنيفه انفذه على يد اخيه موفق الدين ابي المعالي فبعث له بمائة الف دينار وحلعة سنيّة وفرش ، فكتب الى الوزير هذه الابيات :

ايا رب العباد رفعتَ ضبغى

وطلت بمنكبي وبللتَ ريقي

وزيغ الاشعري كشفتَ عني

فلم اسلك بمعوج الطريق

أُحبّ الاعتزال وناصريه

ذوي الالباب والنظر الدقيق

واهل العدل والتوحيد اهلي

نعم وفريقهم ابداً فريقي

وشرح النهج لم ادركه إلا

بعونك بعد مجهدة وضيق

تمثل ان بدأت به لعيني

أشمّ كذروة الطود السحيق

فثم تحسّ عينك وهو أنأى

من العيّوق أو بيض الغسوق

بآل العلقمي وردت زنادي

وقامت بين أهل الفضل سوقي

٥٧

فكم ثوب انيق نلت منهم

ونلت بهم وكم طرف عتيق

أدام الله دولتهم وأنحى

على أعدائهم بالحنقنيق

ومن تصانيفه ايضاً كتاب العبقري الحسان وهو كتاب غريب الوضع وقد اختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والاشعار وأودعه شيئاً من انشائه وترسلاته ومنظوماته ، ومن تصانيفه كتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في اصول الشريعة للسيد المرتضى قدس الله روحه وهو ثلاث مجلدات ، منها كتاب الفلك الدائر على المثل السائر لابن الاثير الجرزي ومنها كتاب شرح المحصّل للامام فخر الدين الرازي وهو يجري مجرى النقض له ، ومنها كتاب نقض المحصول في علم الاصول له أيضاً ، ومنها شرح مشكلات الغرر لأبي الحسن البصري في اصول الكلام ، ومنها شرح الياقوت لابن نوبخت وغير ذلك انتهى. وقال صاحب مجمع البحرين : وابن ابي الحديد في الاصل معتزلي يستند الى المعتزلة مدعيا انهم يستندون الى شيخهم امير المؤمنين (ع) في العدل والتوحيد ، ومن كلامه في اول الشرح للنهج : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الافضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، قال بعض الافاضل كان ذلك قبل رجوعه الى الحق لأنا نشهد من كلامه الاقرار له (ع) والتبري من غيره ممن تقدم عليه وذلك قرينة واضحة على ما قلناه انتهى. وقال بعض آخر وهذا الذي ذكره الرجل وجماعة من المعتزلة كلام غير مقبول ووجهه انه يقبح من اللطيف الخبير ان يقدم المفضول المحتاج الى التكميل على الكامل الفاضل عقلا ونقلا سواء جعلناه منوطا باختيار الله تعالى او باختيار الامة لأنه يقبح في العقول تقديم المفضول على الفاضل كما اشرنا إليه في النبوة ولكن الرجل إنما اراد الاول لأنه نسب هذا التقديم الى الله عز وجل وهذا القول في غاية ما يكون من السخف لأنه نسب ما هو قبيح عقلا الى الله عز وجل

٥٨

مع انه عدلي المذهب فقد خالف مذهبه فلهذا حمل الشكايات الواردة عن علي (ع) من الصحابة والتظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية على ذلك.

في فوات الوفيات ج ١ ص ٥١٩ : عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد ، عز الدين المدائني المعتزلي ، الفقيه الشاعر ، أخو موفق الدين.

ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة وهو معدود في أعيان الشعراء ، وله ديوان شعر مشهور ، روى عنه الدمياطي ومن تصانيفه « الفلك الدائر ، على المثل السائر » صنفه في ثلاثة عشر يوماً ، وكتب إليه أخوه موفق الدين.

المثل السائر يا سيدي

صنّفت فيه الفلك الدائرا

لكنّ هذا فلك دائر

أصبحت فيه المثل السائرا

ونَظَم فصيح ثعلب في يوم وليلة ، وشرح نهج البلاغة في عشرين مجلداً وله تعليقات على كتاب المحصل والمحصول للامام فخر الدين :

ومن شعره :

وحقك لو أدخلتني النار قلتُ

للذين بها قد كنتُ ممن يحبّه

وأفنيت عمري في دقيق علومه

وما بغيتي إلا رضاه وقربه

هبوني مسيئاً أوضع العلم جهله

وأوبقه (١) دون البرية ذنبه

أما يقتضي شرع التكرّم عفوه

أيحسن أن ينسى هواه وحبه

__________________

١ ـ اوبقه : اهلكه.

٥٩

أما ردّ زيغ ابن الخطيب وشكه

وتمويهه في الدين إذ عزّ خطبه

أما كان ينوي الحق فيما يقوله

ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه

وغاية صدق الصب أن يعذبُ الأسى

إذا كان من يهوى عليه يصبّه

فرد عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله تعالى بقوله :

علمنا بهذا القول أنك آخذ

بقول اعتزال جلّ في الدين خطبه

فتزعم أن الله في الحشر ما يرى

وذاك اعتقاد سوف يرديك غبّه

وتنفي صفات الله وهي قديمة

وقد أثبتتها عن إلاهك كتبه

وتعتقد القرآن خلقاً ومحدثاً

وذلك داء عزّ في الناس طبّه

وتثبت للعبد الضعيف مشيئة

يكون بها ما لم يُقدّره ربّه

واشياء من هذه الفضائح جمّة

فأيكما داعي الضلال وحزبُه

ومَن ذا الذي أضحى قريباً إلى الهدى

وجاء عن الدين الحنيفي ذبّه

وما ضرّ فخر الدين قول نظمته

وفيه شناعٌ مفرط إذ تسبّه

وقد كان ذا نور يقود إلى الهدى

إذا طلعت في حندس الشك شُهبه

ولو كنت تعطي قدر نفسك حقه

لاخمدت جمراً بالمحال تَشُبّه

وما أنت من اقرانه يوم معرك

ولا لك يوماً بالإمام تَشَبّه

ومن شعره أيضا رحمه الله تعالى :

لولا ثلاث لم أخف صرعتي

ليست كما قال فتى العبد

أن أبصر التوحيد والعدل في

كل مكان باذلاً جهدي

وأن اناجي الله مستمتعاً

بخلوةٍ احلى من الشهد

٦٠