أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

ولي قلمٌ في أنملي إن هززته

فما ضرّني ألا أهزّ المهندا

إذا صال فوق الطرس وقعُ صريره

فإن صليل المشرفيّ له صدى

وقال في رثاء صديق له :

بكيتُ فما أجدى حزنتُ فما أغنى

ولا بد لي أن أجهد الدمع والحُزنا

قبيحٌ قبيحٌ أن أرى الدمع لا يفى

وأقبح منه أن أرى القلب لا يَغنى

مضى الجوهر الأعلى وأي مروءة

إذا ما أدخرنا بعده العَرَضَ الأدنى

ثكِلتُ خليلاً صرتُ من بعد ثُكله

فُرادى وجاء الهمّ من بعده مثنى

وقد كان مثوى القلب معنى سروره

فقد خَرِب المثوى وقد أقفز المغنى (١)

وقال يرثي امرأة كان يحبّها ويعشقها :

بكيتكِ بالعين التي انتِ أختُها

وشمس الضحى تبكيك إذ انتِ بنتُها

وتضحك غزلان الفلاة لأنني

بعينيك لما أن نظرتُ فضَحتُها

ويا منية يا ليتني لم أفز بها

وأمنيةً يا ليتني ما بلغتُها

شهدتُ بأنّي فيك ألأمُ ثاكل

لليلة بينٍ متِّ فيها وعشتها

أفاديتي يا ليت أني فديتها

وسابقتي يا ليت أنّي سبقتها

وقد كنتِ عندي نعمةً وكأنني

وقد عشت يوماً بعدها قد كفرتها

وما بال نفسي فيك ما كان بختُها

مماتي لمّا لم يَعش منك بختُها

نعم كبدي لا وجنتي قد لطمتها

عليك وعيشي لا ثيابي شققتها

أيا دهر قد أوجدتني مذ وجدتها

فما لك لا أعدمتني إذ عدمتها

تطلبتها من ناظري بعد فقدها

فضاعت ولكن في فؤادي وجدتها

__________________

١ ـ عن الديوان.

٢١

ثكلتك بدراً في فؤادي شروقه

وفاكهة في جنّة الخلد نبتها

على رغمها خانت عهودي وإنه

جزاء ٌلأني كم وفت لي وخنتها

وأنفقتُ من تبر المدامع للأسى

كنوزاً لهذا اليوم كنتُ ذخرتها

وسالت على خَديّ من لوعة الجوى

سيول دموع خضتها ثم عُمتُها

لآلئ دمعي من لآلئ ثغرها

ففي وقت لثمي كنتُ منه سرقتها

قد اعتذرت نفسي بأن بقاءها

لتندبَها لكنني ما عذرتها

وجُهدي إما زفرة قد حبستها

عليها وإما دمعة قد سكبتها

أصارت حصاة القلب مني حقيقة

حصاةٍ لأنّي بعدها قد نَبذتها

ومعشوقة لي لست أعشق بعدها

نعم لي أخرى بعدها قد عشقتها

عشقتُ على رغم الحياة منيّتي

تراني لما أن عشقت أغرتها

أزور فؤادي كلما اشتقت قبرها

غراماً لأني في فؤادي دفنتها

وأشرق بالماء الذي قد شربته

وما شرقي إلا لأني ذكرتها

وأمنحها نفسي وروحي وأدمعي

ولو طلبت مني الزيادة زدتها

محاسنها تحت الثري ما تغيّبت

كذا بجناني لا بعقلي خِلتها

ولو بليت تلك الحُلى وتنكرت

وأبصرتها بعد البلى لعرفتها

يُريني خيالي شخصَها وبهاءَها

ونضرَتها حتى كأنّي نظرتها

غدت في ثراها عاطلاً ويجيدها

عقود لآلٍ من دموعي نظمتها

فيا لحدها يا ليت أني سكنته

وأكفانَها يا ليت أني لبستها

فلا تجحدي إن قلتُ قبرُك جنّةٌ

فرائحة الفردوس منه شممتها (١)

__________________

١ ـ عن الديوان.

٢٢

قاضي السلامية

الشيخ ابراهيم بن نصر قاضي السلامية بالموصل وفاته سنة ٦١٠ هـ

يا شهر عاشوراء أذكرتني

مصارع الاشراف من هاشمِ

أبكي ولا لوم على مَن بكى

وإنما اللوم على اللائم

ما من بكى فيك أشدّ البكا

وناحَ بالعاصي ولا الآثم

رزية ما قام في مثلها

نائحة تندب في مأتم

آل رسول الله خير الورى

وصفوة الله على العالم

مثل مصابيح الدجى عفرّت

وجوههم في الرهج القاتم

رؤوسهم تحمل فوق القنا

مظلومة شُلّت يد الظالم

ساروا بها يا قبحها فعلة

مثل مسير الظافر الغانم

كنما الزهراء ليست لهم

أمّاً ولا الجد أبو القاسم

قل لابن مرجانة لا بد أن

تَعَضّ كفّ الخاسر النادم

محمد خير بني آدم

خصمك يا شر بني آدمِ

يطلب منك الثأر في موقف

ما فيه للظالم من عاصم

وفيه يقتصّ من المعتدي

بالنار لا بالسيف والصارم (١)

__________________

١ ـ عن مجلة البلاغ الكاظمية السنة الأولى العدد الثاني ص ٧ بقلم الدكتور مصطفى جواد.

٢٣

الشيخ إبراهيم بن نصر قاضي السلامية بالموصل تلقى دراسته في المدرسة النظامية ببغداد وسمع بها الحديث على الوزير عون الدين يحيى بن محمد الحنبلي. وكانت وفاته في السنة العاشرة بعد الستمائة للهجرة. وقد جاء ذكره في كتاب ( الطبقات ) للشافعي وكتاب ( وفيات الأعيان ) لابن خلكان ج ١ ص ٨ ما نصه : أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر الملقب ظهير الدين قاضي السلامية ، الفقيه الشافعي الموصلي.

ذكره ابن الدبيثي في تاريخه فقال : أبو إسحق من أهل الموصل تفقه على القاضي أبي عبد الله الحسين بن نصر بن خميس الموصلي بالموصل وسمع منه ، قدم بغداد وسمع بها من جماعة وعاد الى بلده وتولى قضاء السلامية ـ إحدى قرى الموصل ـ وروى باربل عن أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الانباري النحوي شيئاً من مصنفاته سمع منه ببغداد وسمع منه جماعة من أهلها انتهى كلامه. وكان فقيهاَ فاضلاً أصله من العراق من السندية تفقه بالمدرسة النظامية ببغداد وسمع الحديث ورواه وتولى القضاء بالسلامية وهي بلدة بأعمال الموصل مدّته بها وغلب عليه النظم ونظمه رائق فمن شعره :

لا تنسبوني يا ثقاتي إلى

غدر فليس الغدر من شيمتي

أقسمت بالذاهب من عيشنا

وبالمسرات التي ولّت

إني على عهدكم لم أحل

وعقدة الميثاق ما حلّت

ومن شعره أيضا :

جود الكريم إذا ما كان عن عدة

وقد تأخّر لم يسلم من الكدر

ان السحائب لا تجدي بوارقها

نفعاً إذا هي لم تمطر على الأثر

٢٤

وما طل الوعد مذموم وان سمحت

يداه من بعد طول المطل بالبُدر

يا دوحة الجود لا عتب على رجل

يهزها وهو محتاج الى الثمر

وكان بالبوازيج وهي بليدة بالقرب من السلامية زاوية لجماعة من الفقراء إسم شيخهم مكي فعمل فيهم :

الا قل لمكي قول النصوح

فحق النصيحة أن تستمع

متى سمع الناس في دينهم

بأن الغِنا سُنّةٌ تتبع

وأن يأكل المرء أكل البعير

ويرقص في الجمع حتى يقع

ولو كان طاوي الحشا جائعاً

لما دار من طرب واستمع

وقالوا سكرنا بحب الاله

وما أسكر القوم إلا القصع

كذاك الحمير إذا أخصبت

ينقزّها ريّها والشبع

ذكره ابو البركات بن المستوفى في تاريخ إربل وأثنى عليه وأورد له مقاطيع عديدة ماتبات جرت بينهما وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال شابٌ فاضل ومن شعره قوله :

أقول له صلني فيصرف وجهه

كأني أدعوه لفعل محرّم

فان كان خوف الأثم يكره وصلتي

فمن أعظم الآثام قتلة مسلم

توفي يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر سنة عشر وستمائة بالسلامية رحمه الله تعالى ، وكان له ولد اجتمعتُ به في حلب وأنشدني من شعره وشعر أبيه كثيراً وكان شعره جيّداً ويقع له المعاني الحسنة ، والسلامية بفتح السين المهملة وتشديد اللام وبعد الميم ياء مثناة من تحتها ثم هاء وهي بليدة على شط الموصل من الجانب الشرقي أسف الموصل بينهما مسافة يوم فالموصل في الجانب الغربي وقد خربت السلامية القديمة التي كان الظهير قاضيها وأنشئت بالقرب منها بليدة أخرى وسموها السلامية أيضا.

٢٥

أبو الحسن المنصور بالله

المتوفي سنة ٦١٤

بني عمّنا إن يوم الغدير

يشهد للفارس المعلم

أبونا عليّ وصيّ الرسول

ومن خصّه باللوا الأعظم

لكم حرمة بانتساب إليه

وها نحن من لحمه والدم

لإن كان يجمعنا هاشم

فأين السنام من المنسم؟

وإن كنتم كنجوم السماء

فنحن الأهلّة الأنجم

ونحن بنو بنته دونم

ونحن بنو عمّه المسلم

حماه أبونا أبو طالب

وأسلم والناس لم تسلم

وقد كان يكتم إيمانه

فأما الولاء فلا يكتم

واي الفضايل لم نحوها

ببذل النوال وضرب الكمى؟

قَفونا محمد في فعله

وأنتم قفوتم أبا مجرم (١)

هدى لكم الملك هدي العروس

فكافيتموه بسفك الدم

ورثنا الكتاب وأحكامه

على مفصح الناس والأعجم

فإن تفزعوا نحو أوتاركم

فزعنا إلى آية المحكم

أشرب الخمور وفعل الفجور

من شيم النفر الأكرم (٢)

__________________

١ ـ يعني أبا مسلم الخراساني عبد الرحمن القائم بالدعوة العباسية سنة ١٢٩.

٢ ـ عن الحدائق الوردية.

٢٦

قتلتم هداة الورى الطاهرين

كفعل يزيد الشقيّ العمى

فخرتم بملك لكم زايلٍ

يقصّر عن ملكنا الأدوم

ولا بدّ للملك من رجعةٍ

إلى مسلك المنهج الأقوم

إلى النفر الشم أهل الكسا

ومن طلب الحق لم يظلم

هذه الأبيات نظمها المترجم له في جمادي الاولى سنة ٦٠٢ يعارض بها قصيدة ابن المعتز الميميّة التي أوّلها :

بني عمّنا! ارجعوا ودّنا

وسيروا على السنن الأقوم

لنا مفخر ولكم مفخر

ومن يؤثر الحق لم يندم

فأنتم بنوا بنته دوننا

ونحن بنوا عمّه المسلم

وقوله :

عجبت فهل عجبت لفيض دمع

لموحشة على طلل ورسم

وما يغنيك من طلل محيلٍ

لهندٍ أو لجمل أو لنعم

فعدن عن المنازل والتّصابي

وهات لنا حديث غدير خم

فيا لك موقفاً ما كان أسنى

ولكن مرّ في آذان صمّ

لقد مال الكنام معاً علينا

كأنّ خروجنا من خلف ردم

هدينا الناس كلّهم جميعاً

وكم بين المبيّن والمعمّى؟

فكان جزاؤنا منهم قراعاً

ببيض الهند في الرهج الأجمّ

ثم قتلوا أبا حسن عليّاً

وغالوا سبطه حسناً بسمّ

وهم حَضروا الفرات على حسين

وما صابوه من نصل وسهم

__________________

في الحدائق الوردية.

٢٧

أبو الحسن المنصور بالله ولد سنة ٥٦١ وتوفي سنة ٦١٤.

هو الامام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة ابن هاشم بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن ابى محمد عبد الله بن الحسين بن ترجمان الدين القاسم بن اسماعيل بن ابراهيم طباطبا بن الحسن بن الحسن بن الامام علي بن ابي طالب عليه‌السلام.

أحد أئمة الزيدية في ديار اليمن ، ألّف كتباً ممتعة في شتى المواضيع من الفقه وأصوله والكلام والحديث والمذهب والادب. ذكر الشيخ الاميني جملة منها وقال : انه قرن بين شرف النسب والمجد المكتسب وضمّ الى شرفه الوضاح علما جماً والى نسبه العلوي الشريف فضائل كثيرة جمع بين السيف والقلم فرفّ عليه العلم والعَلم ، فأصبح إمام اليمن في المذهب ، وفي الجبهة والسنام من فقهائنا ، كما أنه عدّ من أفذاذ مؤلفيها وأشعر الدعاة من أئمتها بل أشعر أئمة الزيدية على الاطلاق كما قال صاحب الحدائق ونسمة السحر.

وكان آية في الحفظ. قرأ في الأصولين على حسام الدين أبي محمد الحسن بن محمد الرصاص وألّف كتباً ممتعة في شتى المواضيع من الفقه واصوله والكلام والحديث والمذهب والادب منها :

١ ـ صفوة الاختيار في اصول الفقه.

٢ ـ الشافي في اصول الدين. اربعة اجزاء.

٣ ـ الاجوبة الكافية بالادلة الوافية.

٢٨

٤ ـ الاختيارات المنصورية في المسائل الفقهية.

٥ ـ كتاب الفتاوي ، مرتب على كتب الفقه.

٦ ـ الرسالة الحاكمة بالادلة العالمة.

٧ ـ العقيدة النبوية في الاصول الدينية.

٨ ـ الرسالة النافعة بالادلة القاطعة.

٩ ـ الرسالة الناصحة بالادلة الواضحة ، في جزئين ، الاول في اصول الدين والثاني في فضائل العترة الطاهرة.

١٠ ـ حديقة الحكم النبوية شرح الاربعين السلفية.

١١ ـ الرسالة الفارقة بين الزيدية والمارقة.

١٢ ـ الرسالة الكافية الى أهل العقول الوافية.

١٣ ـ الرسالة القاهرة بالادلة الباهرة في الفقه.

١٤ ـ الجوهرة الشفافة في جواب الرسالة الطوافة (١).

وغير ذلك من المؤلفات التي جاء ذكرها في كتب السيرة.

كان المترجم يجاهد ويجادل دون دعايته في الامامة ، وله في ذلك مواقف ومجاهدات ، وكان بدء دعوته سنة ٥٩٣ في شهر ذي القعدة ، وبايعه الناس في ربيع الأول سنة ٥٩٤ وأرسل دعاته الى خوارزم شاه المتوفي ٦٢٢ وتلقاهم السلطان بالقبول والاكرام ، واشغل ردحا من الزمن منصة الزعامة في الديار

__________________

١ ـ والطوافة رسالة أنشأها رجل متفلسف أشعري مصري تحتوي على نيف وأربعين مسألة في أصول الدين.

٢٩

اليمنيّة الى أن توفي سنة ٦١٤ وكانت ولادته سنة ٥٦١ ومن مختار ما رثي به قصيدة ولده الناصر لدين الله أبي القاسم محمد بن عبد الله.

وفي الحدائق الوردية ترجمة ضافية للمترجم له في ستين صحيفة تحتوي على جملة من كتاباته وخطاباته في دعاياته وجهاده وشطراً وافياً من شعره في مواضيع متنوعة.

٣٠

علي بن المقرب

المولود سنة ٥٧٢ والمتوفي ٦٢٩

قال يرثي الحسين

يا واقفا بدمنة ومربع

إبكِ على آل النبي أودع

يكفيك ما عانيتَ من مصابهم

من أن تُبكّى طللاً بلعلع

تُحبّهم قلتَ وتبكي غيرَهم

إنك فيما قُلتَه لمدّع

أما علمت أن إفراط الأسى

عليهم علامة التشيع

أقوت مغانيهم فهنّ بالبُكا

أحقّ من وادي الغضا والأجرع

يا ليت شعري من أنوح منهم

ومَن له يَنهل فيضُ أدمعي

أللوصي حينَ في محرابه

عُمّمَ بالسيف ولمّا يَركع (١)

أم للبتول فاطمٍ إذ مُنعت

عن إرثها الحق بأمرٍ فجُمع

وقولُ مَن قال لها يا هذه

لقد طلبتِ باطلا فارتدعي

أبوكِ قد قال بأعلى صوته

مصرّحاً في مجمع فمجمع

__________________

١ ـ عن ديوانه المطبوع بمصر سنة ١٣٨٣ هـ ١٩٦٣ م.

٣١

نحن جميع الأنبياء لا نرى

أبناءنا لإرثنا من موضع

وما تركناه يكون مغنماً

فارضي بما قال أبوك واسمع

قالت فهاتوا نحلتي من والدي

خيرِ الانام الشافع المشفّع

قالوا فهل عندك من بيّنةٍ

نسمع معناها جميعاً ونعي

فقالت إبنايَ وبعلي حيدر

أبوهما أبصر به وأسمِع

فأبطلوا إشهادهم ولم يكن

نص الكتاب عندهم بمقنع

ولم تزل مهضومة مظلومة

بردِ دعواها ورضّ الاضلع

وأُلحِدت في ليلها لغيضها

عليهم سرّاً بأخفى موضع (١)

ومنها :

أم للذي أودت به جُعدتهم

يومئذٍ بكأسٍ سُمٍّ منقع

وإنّ حُزني لقتيل كربلا

ليس على طول البلى بمقلع

اذا ذكرتُ يومه تحدّرت

مدامعي لأربع في أربع

يا راكباً نحو العراق جرشعاً

يُنمى لعبديّ النجار جرشع (٢)

إذا بلغتَ نينوى فقف بها

وقوفَ محزون الفؤاد موجع

والبس إذا اسطعتَ بها ثوب الأسى

وكلّ ثوبٍ للعزاء المُفجع

فإن فيها للهدى مصارعاً

رائعةً بمثلها لم يُسمع

فاسفح بها دمعك لا مستبقياً

في غربه وبح غراماً واجزع

فكلّ دمعٍ ضائع منك على

غيرِ غريب المصطفى المضيّع

__________________

١ ـ هذه القطعة من القصيدة التي تخص الزهراء فاطمة عليها‌السلام رواها صاحب كتاب ( إثباة الهداة ).

٢ ـ الجرشع : العظيم من الابل والخيل.

٣٢

لله يوماً بالطفوف لم يدع

لمسلم في العيش من مستمتع

يومٌ به اعتلت مصابيح الدجى

بِعارضٍ من الضلال مُفزع

يومٌ به لم يبق من دعامةٍ

تشدّ ركن الدين لم تُضعضع

يومٌ به لم يبق من داعية

تدعو إلى الشيطان لم تُبتدع

يومٌ به لم يبق من غمامة

تحيى ثرى الاسلام لم تُشيّع

يومٌ به لم تبق قطٌ رايةً

تهدي إلى ضلالةٍ لم تُرفع

يوم به لم يبق قطّ مارنٌ (١)

ومعطسٌ للحق لم يَنجدع

يوم به لم تبق من وسيلة

حقاً لآل المصطفى لم تُقطع

يوم به الكلب الدريع يَعتدي

على هزبر الغابة المُدرّع

يوم به غودرَ سبطُ المصطفى

للعاسلات والسباع الخُمّع

لهفى له يدعو الطعان مُعلناً

دعاءَ مأمون الفرار أروع

يقول يا شر الأنام أنتم

أكفر من عاد وقوم تُُبّع

كاتبتموني بالمسير نحوكم

وقلتم خُذ في المسير أودع

فنحن طوعٌ لك لم ننس الذي

لكم من العهد ولم نُضيّع

حتى إذا جئت لما يُصلحكم

من إرث جدي وذراريه معي

لقيتموني بسيوفٍ في الوغى

منتضياتٍ ورماحٍ شُرّع

هل كان هذا في سجلاتكم

يا شر مرأى للورى ومسمع

هل لكم في أن تفوا ببيعتي

أن تسمحوا لي عنكم بمرجع

قالوا له هيهات ذاك إنه

مالك في سلامةٍ من مطمع

بايع يزيداً أو ترى سيوفنا

هامكم يقعنَ كل موقع

فعندها جرّد سيفاً لم يضع

نجاده منه بأيّ موضع

__________________

١ ـ المارن : الانف أو طرفه أو ما لان منه. والمعطس : الانف أيضاً ، وجدع الانف قطعه وهو كناية عن القهر والارغام.

٣٣

وعاث في أبطالهم حتى اتّقى

من بأسه الحاسر بالمقنّع

وحوله من صحبه كل فتى

حامي الذمار بطلٍ سَميدع

كم غادرٍ غادره مجدّلاً

والخيل تردى والكماة تَدّعي

حتى رماه الرجس شُلت يدُه

عن بارع الرمية صُلبِ المنزع

فخرّ والهفا له كأنما

عليه ردع أو خَلوقٌ أودع (١)

من بعد أن لم يبق من أنصاره

غيرُ طعام أنسُرٍ وأضبعِ

ثَمَتّ مالوا للخيام مَيلةً

قالت لركن الدين إيهاً فقع

ضرباً ونهباً وانتهاك حرمةٍ

وذبحُ أطفالٍ وسلب أذرعِ

لقد رأوا في الفكر تعساً لهم

راي قُدارٍ (٢) رأيهم فيصدع

وأين عَقر ناقة مما جَنوا

يا للرجال للفعال الأشنع

ما مثلها في الدهر من عظيمة

لقد تعدّت كل أمر مفظع

تسبى ذراري المصطفى محمد

رضاً لشانيه الزنيم الأوكع

يا لهف نفسي للحسين بالعرا

وقد أقيم أهله بجعجع

لهفي لمولاي الشهيد ظامئاً

يذاد عن ماء الفرات المترع

لم تسمح القوم له بشربةٍ

حتى قضى بغلّةٍ لم تنقع

لهفي له والشمر فوق صدره

لحَيَنِ أوداج وهشم أضلع

لهفي له ورأسه في ذابل

كالبدر يَزهى في أتمّ مطلع

لهفي لثغر السبط إذ يقرعه

مَن سيودُ أنه لم يَقرع

يا لهف نفسي لبنات أحمدٍ

بين عطاش في الفلا وجُوّع

يُسقن في ذل السبا حواسراً

إلى الشام فوق حسرى ضُلّع

__________________

١ ـ الردع : الزعفران أو لطخ من الدم. والخلوق ضرب من الطيب.

٢ ـ قدار اسم امرأة سعت في عقر ناقة النبي صالح.

٣٤

يقدمهنّ الرأس في قناته

هديّةً إلى الدعي ابن الدعي

يندبن يا جداه لو رأيتنا

نُسلَبُ كل مِعجرٍ وبُرقع

نُهدى الى الطاغي يزيدَ لُعَناً

شعثاً بأسوا حالةٍ وأبدع

يَحدي بنا حادٍ عنيفٌ سيره

لو قيل إربع ساعةً لم يَربع

يتعبنا السير فيستحثّنا

إذا تخلّفنا بضربٍ موجع

ولو ترى السجاد في كبوله

يضرب ضرب النعم المسلّع

يعزز عليك جدّنا مقامنا

ومصرعٌ في الطف أيُ مصرع

استأصلوا رجالنا وما اكتفوا

بسبي نسوانٍ وذبحُ رضع

ثم يَصحن يا حسيناه أما

بعد فراق اليوم من تجمّع

خلفتنا بعدك وقفاً مُحجَراً

على الحنين والنوى والجزع

واعجباً للأرض كيف لم تسخ

وللسماء كيف لم تُزعزع

فلعنة الرحمن تغشى عصبةً

غزتهم وعصبة لم تَدفع

يا آل طه أنتم وسيلتي

عند الإله وإليكم مفزعي

واليتكم كيما أكون عندكم

تحت لواء الأمن يوم الفزع

وإن منعتم مَن يوالي غيركم

إن يرد الحوض غداً لم أُمنَع

إليكم نفثة مصدور أتت

من مصقعٍ ندب وأيّ مصقع

مقربيّ عربيٌ طبعه

ونجره ، وليس بالمدرّع

يُنمى الى البيت العيونيّ إلى

أجل بيتٍ في العلى وأرفع

عليكم صلى الإله وسقى

أجداثكم بكل غيث مُمرع

أقول وهذه القصيدة ذكر قسماً من أبياتها السيد الامين في الجزء ٤١ من أعيان الشيعة ورواها عن كتاب ( مطلع البدور ومجمع البحور ) لصفي الدين احمد بن صالح بن أبي الرجال.

٣٥

علي بن المقرب الاحسائي

توفي سنة ٦٢٩ وله ديوان شعر مطبوع. ذكره صاحب أنوار البدرين قال : ومن أدبائها البلغاء وامرائها النبلاء الامير علي بن مقرب الاحسائي ينتهي نسبه الى عبد الله بن علي بن ابراهيم العيوني الذي ازال دولة القرامطة لذلك قال في بعض قصائده

سل القرامط من شطى جماجمهم

طراً وغادرهم بعد العلا خدما

وما بنوا مسجداً لله نعلمه

بل كلما وجدوه قائما هدما

له شعر كثير في أهل البيت عليهم‌السلام وفي الحسين عليه‌السلام خاصة منها المرثية في نظم مقتل الحسين (ع) ومنها القصيدة المشهورة التي أولها

من أي خطب فادح نتألم

ولأيّ مرزية ننوح ونلطم

وقال الحر العاملي في ( أمل الامل ) : الامير الكبير علي بن مقرب ، عالم فاضل جليل القدر شاعر أديب ، له ديوان شعر كبير حسن ، فمن شعره قوله يا واقفا بدمنة ومربع. القصيدة

اقول : ذكره السيد الأمين في الأعيان في ثلاثة مواضع

٣٦

١ ـ الجزء ٤١ ص ٣٢٧ وقال : هو من آل عيون أمراء الاحساء ، توفي في حدود سنة ٦٥١ ومن شعره قوله

خذوا عن يمين المنحنى أيها الركبُ

لنسأل ذاك الحي ما فعل السرب

٢ ـ الجزء ٤٢ ص ١٦٤ وقال : كان المترجم أديبا فاضلا ذكيّا أبيّاً شاعراً مصقعاً من شعراء أهل البيت ومادحيهم المتجاهرين ، اذا النفس الأبيّة والأخلاق المرضية والشيم الرضية ، وقد كشف جامع ديوانه وشارحه كثيراً من أحواله بتفصيله وإجماله ثم ذكر أبياتاً من قصيدته التي أولها

من أيّ خطب فادح نتألّم

ولأي مرزية ننوح ونلطم

وفي نظمه الحماسة والأمثال الجيدة مع البلاغة المستحسنة ، وقد أصابته من بني عمه نكبات أوجبت له تجشم الغربات.

٣ ـ الجزء ٥٦ ص ٣ وقال : نشرتُ له ترجمة موجزة في الجزء الواحد والاربعين ثم نشرت له ترجمة أكثر تفصيلا في الجزء الثاني والاربعين ولكن وقع خطأ في تاريخ وفاته ، ونضيف هنا الى ما في الجزء الثاني والاربعين ما جاء في كتاب : ( ساحل الذهب الاسود ) وقد جعل تاريخ وفاته سنة ٦٢٩ نظم الشعر في سنّ مبكرة وهو لا يتجاوز العاشرة من العمر وقضى أيام شبابه بالاحساء ، وكان طموحاً للملك وقد شاهد بأم عينه مدى التناحر والانشقاق في الأسرة العيونية وطمع كل امير في الاستئثار بالملك حتى تجزأت بلاد البحرين الى امارات بين أسرته وظلّ كل امير يثب على ابن عمه او اخيه فيقاتله او يقتله. وقد اصاب الشاعر شيء من هذه المحنة فصادر ابو المنصور املاكه وسجنه ، ولما اطلق سراحه غادر الاحساء الى بغداد ، وحين تولّى محمد بن ماجد عاد الى مسقط رأسه فمدحه أملاً منه في استرجاع أملاكه فماطل في وعده ووشى به بعض الحساد من جلساء الأمير فخاف الشاعر على نفسه

٣٧

فغادرها الى القطيف ولبث فيها فترة مدح اميرها الفضل بن محمد دون جدوى ، ثم عاد اخيراً الى الاحساء أملاً منه في اصلاح الوضع فلما يئس غادرها الى الموصل حيث مدح اميرها بدر الدين بقصائد كما هجاه اخيراً إذ لم يصل منه الى غاياته ـ وكان هذا الأمير مملوكا أرمنيّا ، فمما قال فيه

تسلّط بالحدباء عبد للؤمه

اذا ايقظته لفظة عربيّة بصير

إذا ايقظته لفظة عربيّة

الى المجد قالت ارمنيّته نَم

أقول وكتب عنه الدكتور مصطفى جواد في مجلة البلاغ الكاظمية العدد الثاني من السنة الاولى ص ١٥ تحت عنوان : شعراء منسيون من محبي آل البيت عليهم‌السلام فقال :

كمال الدين علي بن مقرب العيوني من قرية العيون بالبحرين وبها ولد سنة ٥٧٢ ولكنه طوّف في بلاد العرب ووزع شعره بينها ومدح الخلفاء والملوك والامراء والكبراء والعلماء بشعره العربي الناصع العروبة البدوي اللهجة المفعم كياسة وحماسة.

قدم ابن المقرب بغداد وأقام بها سنة ٦١٠ وسنة ٦١٤ وسمع الرواة والادباء عليه شعره أو كثيراً منه ، وكانت ولادته بالاحساء من البحرين وتوفي بالبحرين في المحرم سنة ٦٣١ وكان لبداوته يعقد القاف كافا فيقول ( الكلب ) بدلا من القلب

أقول وذكر قسما من قصيدته التي أولها

يا باكيا لدمنة في مربع

ابكِ على آل النبي أودع

والله ما تكذيبهم لفاطم

والحسنين والإمام الانزع

بل للنبي والكتاب والذي

أنزله لوحيه الممتنع

٣٨

وقال ، وهي مما قاله بالاحساء.

إلى مَ انتضاري أنجمَ النحس والسعد

وحتى م صمتي لا أُعيد ولا أُبدي

لقد ملّ جنبي مضجعي من إقامتي

وملّ حسامي من مجهاورة الغمد

ولَجّ نجيبي في الحسين تشوّقاً

إلى الرحل والأنساع والبيد والوخد

واقبل بالتصهال مهري يقول لي

أأبقى كذا لا في طراد ولا طرد

لقد طال إغضائي جفوني على القذى

وطال امترائي الدر من بُحُر جُدّ

عذوليّ جوزا بي فليس عليكما

غواي الذي أغوى ولا لكما رشدي

أجدّكما لا أبرح الدهر تابعاً

وعندي من الغرم الهماميّ ما عندي

أمثلي مَن يعطى مقاليد أمره

ويرضى بأن يُجدى عليه ولا يُجدي

إذا لم تلدني حاصنٌ وائليّة

مقابلة الآباء منجبة الولد

خئولتها للحوفزان وتنتمي

إلى الملك الوهّاب مسلمة الجعد

يظن نحولي ذو السفاهة والغبا

غراماً بهندٍ واشتياقاً الى دعد

٣٩

ولم يدر أني ماجدٌ شفّ جسمه

لقاءُ همومٍ خيلها أبداً تردي

قليل الكرى ماض على الهول مقدم

على الليل والبيداء والحرّ والبردِ

عدمتُ فؤاداً لا يبيتُ وهمّه

كرام المساعي وارتقاءٌ الى المجد

لعمري ما دعدٌ بهمى وإن دنت

ولا لي بهندٍ من غرام ولا وجد

ولكنّ وجدي بالعلا وصبابتي

لعارفةٍ اسدى ومكرمةٍ أجدي

إلى كم تقاضاني العلا ما وعدتها

وغير رضاً إنجازك الوعد بالوعد

وكم أندب الموتى واسترشح الصفا

وأستنهض الزمنى وأعتان بالرمد

وأمنح سعي والمودة معشراً

أحقّ بمقتٍ من سواعٍ ومن وَدّ (١)

الى الله أشكو عثرةً لو تدوركت

بتمزيق جلدي ما أسفت على جلدي

مديحى رجالاً بعضهم أتقى به

أذاه وبعضاً للمراعاة والودّ

فلا الودّ كافي ذا ولا ذا كفى الاذى

ولا نظروا في باب ذم ولا حمد

__________________

١ ـ اسمان لصنمين من اصنام الجاهلية.

٤٠