أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

كلا ولا كان من شمس ولا قمر

ولا شهابٍ ولا أفق ولا حجب

ولا سماءٍ ولا أرض ولا شجرٍ

للناس يهمي عليه واكف السحب

ولا جنان ولا نارٍ مؤججة

جعلت أعداءهم فيها من الحطب

وقال للملأ الأعلى : ألا أحد

ينبي بأسمائهم صدقاً بلا كذب

فلم يجيبوا فأنبا آدم بهم

لها بعلمٍ من الجبار مكتسب

فقال للملأ الأعلى : اسجدوا كملاً

لآدم واطيعوا واتقوا غضبي

وصيّر الله ذاك النور ملتمعاً

في الوجه منه بوعد منه مرتقب

وخاف نوح فناجى ربه فنجا

بهم على دسر الألواح والخشب

وفي الجحيم دعا الله الخليل بهم

فأخمدت بعد ذاك الحر واللهب

وقد دعا الله موسى إذ هوى صعقاً

بحقهم فنجا من شدة الكرب

فظل منتقلا والله حافظه

على تنقّله من حادث النوب

حتى تقسم في عبد الاله معاً

وفي أبي طالب عن عبد مطلب

فأودع الله ذاك القسم آمنةً

يوماً إلى أجلٍ بالحمل مقترب

حتى اذا وضعته انهدّ من فزع

ركن الضلال ونادى الشرك بالحرب

وانشق أيوان كسرى وانطفت حذراً

نيرانهم وأقرّ الكفر بالغلب

تساقطت أنجم الأملاك مؤذنةً

بالرجم فاحترق الأصنام باللهب

حتى اذا حاز سن الأربعين دعا

ربي به في لسان الوحي بالكتب

فقال : لبيك من داعٍ وارسله

الى البرية من عجم ومن عرب

فأظهر المعجزات الواضحات لهم

بالبينات ولم يحذر ولم يهب

اراهم الآية الكبرى فوا عجبا

ما بالهم خالفوا من أعجب العجب

رامت بنو عمّه تبييته سحراً

فعاذ منهم رسول الله بالهرب

وبات يفديه خير الخلق حيدرة

على الفراش وفي يمناه ذو شطب

فادبروا إذ رأوا غير الذي طلبوا

وأوغلوا لرسول الله في الطلب

٣٠١

فرابهم عنكب في الغار إذ جعلت

تسدي وتلحم في أبرادها القشب

حتى إذا ردهم عنه الإله مضى

ذاك النجيب على المهرية النجب

فحلّ دار رجال بايعوه على

اعدائه فدماء القوم في صبب

في كل يوم لمولى الخلق واقعة

منه على عابدي الاوثان والصلب

يمشي الى حربهم والله ناصره

مشي العفرناة في غاب القنا السلب

في فتية كالاسود المخدرات لها

براثن من رماح الخط والقضب

عافوا المعاقل للبيض الحسان فما

معاقل القوم غير البيض واليلب

فالحق في فرح الدين في مرحٍ

والشرك في ترح والكفر في نصب

حتى استراح نبي الله قاضيةً

بهم وراحتهم في ذلك التعب

يا من به انبياء الله قد ختموا

فليس من بعده في العالمين نبي

إن كنت في درجات الوحي خاتمهم

فأنت أولهم في أول الرتب

قد بشرت بك رسل الله في اممٍ

خلت فما كنت فيما بينهم بغبي

شهدت انك أحسنت البلاغ فما

تكون في باطل يوماً بمنجذب

حتى دعاك إلهي فاستجبت له

حبّاً ومن يدعه المحبوب يستجب

وقد نصبت لهم في دينهم خلفاً

وكان بعدك فيهم خير منتصب

لكنّهم خالفوه وابتغوا بدلاً

تخيروه وليس النبع كالغرب

ويقول فيها :

يا راكب الهوجل المحبوك تحمله

إلى زيارة خير العجم والعرب

إذا قضيت فروض الحج مكتملا

ونلت إدراك ما في النفس من إرب

وزرت قبر رسول الله سيدنا

وسيد الخلق من ناءٍ ومقترب

قف موقفي ثم سلم لي عليه معاً

حتى كأني ذاك اليوم لم أغب

٣٠٢

واثن السلام إلى أهل البقيع فلي

بها أحبة صبٍّ دائم الوصب

وبثّهم صبوتي طول الزمان لهم

وقل بدمع على الخدين منسكب

يا قدوة الخلق في علم وفي عمل

واطهر الخلق في أصل وفي نسب

وصلت حبل رجائي في حبائلكم

كما تعلق في اسبابكم سببي

دنوت في الدين منكم والوداد فلو

لا دان لم يدن من احسابكم حسبي

مديحكم مكسبي والدين مكتسبي

ما عشت والظن في معروفكم نشبي

فإن عدتني الليالي عن زيارتكم

فان قلبي عنكم غير منقلب

قد سيط لحمي وعظمي في محبتكم

وحبكم قد جرى في المخ والعصب

هجري وبغضي لم عاداكم ولكم

صدقي وحبي وفي مدحي لكم طربي

فتارة انظم الاشعار ممتدحاً

وتارة أنثر الأقوال في الخطب

حتى جعلت مقال الصد من شبه

إذ صغت فيكم قريض القول من ذهب

أعملت في مدحكم فكري فعلمني

نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

فهل انال مفازاً في شفاعتكم

مما احتقبت له في سائر الحقب

وللشيخ مغامس بن داغر.

أتطلب دنيا بعد شيب قذالِ

وتذكر أياماً مضت وليالِ

أما كان في شيب القذال هداية

فيهديك نور الشيب بعد ضلال

أتامل في دار الغرور إقامة

لأنت حريص في طلاب محال

تمسكّت منها بالاماني كمثل من

تمسك من نوم بطيف خيال

فياسؤتا ان حال حيني وهذه

سبيلي ولم أحذر قبيح فعالي

وكان جديراً أن يموت صبابة

فتى حاله في المذنبين كحالي

٣٠٣

أتخدعني الدنيا وقد شاب مفرقي

وأصبحت معقولاً لها بعقالي

ولي اسوة فيها بآل محمد

بني خير مبعوث وأكرم آل

تقسّمهم ريب المنون فاصبحوا

عباديد اشتاتا بكل مجال

وهي طويلة مشهورة ، يقول في ختامها.

بني المصطفى يا صفوة الله أن لي

فؤداً من التبريح ليس بخالي

حنيني اليكم لا يقاس بمثله

حنين حمام أو حنين فصال

وهل أملك السلوان في جنب سادة

اليهم إذا حلّ الحساب مآلي

وان فاتني في عرصة الطف نصركم

فاحرى به أن لا يفوت مقالي

ودونكم مني عروساً زففتها

اليكم كما زفت عروس حجال

وما كملت إلا لأن كلامها

حوى من معانيكم صفات كمال

ولابن داغر من قصيدة في الرثاء.

قطع الزمان عرى هواي وكلما

قطع الزمان فماله من واصل

لا غرو من جدّ الزمان وهزله

عز النصير على الزمان الهازل

اين الالى كانوا ونحن بقربهم

في طيبات مشارب ومآكل

دارت رحاه عليهم فتمزقوا

فالقوم تحت صفائح وجنادل

لا يخدعنك ما ترى من صفوة

ان الخديعة مصرع للجاهل

ويقول في الرثاء منها :

في الرزية بالنبي وآله

جلّت فما رزء لها بمماثل

٣٠٤

لم تفعل الامم الأوائل مثلها

هيهات ما أحد لذاك بفاعل

فاحبس دموعك عن تذكر دمنة

درست معالمها بشعبي ( بابل )

واسمح بها في رزء آل محمد

فعساك تحظى بالنعيم الآجل

ويختمها بقوله :

يا آل بيت محمد يا سادة

سادوا الورى بفواضل وفضائل

انتم رعاة المسلمين فمن يزغ

عنكم فليس له الاله بقابل

واليكم مني قصيدة شاعر

لهج بمدحكم اليكم مائل

منظومة جاءت تزفّ اليكم

بكمالها من لجّ بحر الكامل

قول ابن داغر المحب مغامس

والقول برهان لعقل القائل

فتقبلوه وعجلوا بكرامتي

فالنفس مولعة بحب العاجل

٣٠٥

محمد بن حماد الحلي

أواخر القرن التاسع

قال من قصيدة :

لغير مصاب السبط دمعك ضائعُ

ولا أنت ذا سلو عن الحزن جازعُ

فكل مصاب دوزن رزء ابن فاطم

حقير ورزء السبط والله فازع

فدعني عذولي والبكاء فانني

أراك خليّاً لم ترعك الفواجع

لأيّ مصاب أم لأيّ رزية

تصان لها دون الحسين المدامع

لحى الله طرفاً لم تسح دموعه

بقان فما دمع على السبط ضايع

فأين ادعاك الود والعهد والولا

وقولك إني تابع ومتابع

يبيتُ حسين ساهر الطرف خائف

وطرفك ريّان من النوم هاجع

٣٠٦

محمد بن حماد

الشيخ الجليل الأديب ابو الحسن محمد المعروف بـ ( ابن حماد ) بالتشديد وزان شدّاد ، من أفاضل الفيحاء ومشاهير شعرائها وقد تقدّمت الاشارة لذكره في ترجمة معاصره الخلعي وقد ساجله ووزان كثيراً من قصائده في اهل البيت ولكنه انحط عنه ولم يبلغ شأوه ومداه وقصر عنه في مديحه ورثاه ، فكان الخلعي أطول منه نَفَساً وباعاً وأرقّ اسلوباً وإبداعاً ولو جمع شعره لكان لكثرته ديواناً مستقلاً. وتوفي في أواخر القرن التاسع وقد عمّر طويلاً ودفن قريباً من قبر الخلعي وقبره مشهور ذكره العلامة القزويني أيضا في فلك النجاة انتهى ما ذكره الخطيب اليعقوبي في البابليات. وقال الاستاذ علي الخاقاني في شعراء الحلة ج ٤ ص ٣٨٦ : هو ابو الحسن محمد بن حماد الحلي المعروف بـ ابن حماد. شاعر أديب فاضل ذكره صاحب الحصون المنيعة ج ٩ ص ٢٣٦ فقال :

كان فاضلاً أديباً معاصراً للخليعي مطارحاً له ، مبارياً اياه ، ينحط عنه ، ونظمه أغلبه في اهل البيت عليهم‌السلام ، وله ما يقارب من مائتي قصيدة في المديح والرثاء للحسين عليه‌السلام توفي في الحلة حدود ٩٠٠ هـ ودفن فيها وقبره يزار.

قال : وقد مرّ أن ذكرنا ان قبره الى جنب قبر الشاعر المعاصر له جمال الدين الخليعي.

اقول ان جماعة من الادباء والعلماء يعرف كل منهم بابن حماد.

١ ـ ابو الحسن علي بن حماد الشاعر البصري من أكابر علماء الشيعة ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه وقد ترجمناه وذكرنا طائفة كبيرة

٣٠٧

من شعره في الجزء الثاني من ادب الطف ص ١٦٧ وترجمه صاحب الحصون المنيعة ج ٢ ص ٥٦٠ وفي مناقب ابن شهر اشوب كثير من شعره.

٢ ـ الشيخ كمال الدين بن حماد الواسطي أحد مشاهير العلماء في اواخر القرن السابع الهجري.

٣ ـ علي بن حماد البصري الشاعر المشهور من المتأخرين ، قال الشيخ القمي في الكنى. وقد أورد القاضي نو الله قصيدتين : بائية وتائية لعلي بن حماد في مدح امير المؤمنين عليه‌السلام ولم يبيّن من أيهما كانتا فلنتبرّك بذكر بعض قصيدته التائية : وأولها : بقاع في البقيع مقدساتُ (١).

__________________

١ ـ

بقاعٌ في البقيع مقدساتُ

وأكنافٌ بطفٍّ طيبات

وفي كوفان آيات عظامٌ

تضمّنها العُرى المتوثّقات

وفي غربيّ بغداد وطوسٍ

وسامرا نجومٌ زاهرات

مشاهد تشهد البركات فيها

وفيها الباقيات الصالحات

ظواهرها قبور دارسات

بواطنها بدورٌ لامعات

جبال العلم فيها راسياتٌ

بحار الجود فيها زاخرات

معارج تعرج الاملاك فيها

وهنّ بكل أمر هابطات

أناس تقبل الحسنات منا

بحبّهم وتُمحى السيئات

ولا تتقبّل الصلوات إلا

بحبهم ولا نزكو الزكاة

فإن المرتضى الهادي علياً

ليقصر عن مناقبه الصفات

وزير محمد حياً وميتاً

شواهده بذلك واضحات

أخوه كاشف الكربات عنه

وقد همّت اليه الداهيات

ترى أسيافه يضحكن ضحكا

بها هام الفوارس باكيات

صوارمه يزوّجها نفوساً

وللأبدان هنّ مطلقات

له كفان واحدة حياة

اذا جاءت وواحدة ممات

٣٠٨

٤ ـ محمد بن حماد الحلي ، وفي الحلة بيت يعرف اهله بآل حماد يزعمون أنهم من سلالة المترجم وذريته.

وقال ابن حماد :

ويك يا عين سحِّ دمعاً سكوبا

ويك يا قلب كن حزيناً كثيبا

ساعداني سعدتما فعسى أشفـ

ـي غليلي من لوعة وكروبا

إن يوم الطفوف لم يبق لي من

لذّة العيش والرقاد نصيبا

يوم سارت إلى الحسين بنو حرب

بجيش فنازلوه الحروبا

وحموه من الفرات فما ذا

ق سوى الموت دونه مشروبا

في رجال باعوا النفوس على الله

فنالوا ببيعها المرغوبا

لست أنساه حين أيقن بالمو

ت دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال ألحقو بأهليكم إذ

ليس غيري أنا لهم مطلوبا

شكر الله سعيكم إذ نصحتم

ثم أحسنتم لي المصحوبا

فأجابوه ما وفيناك إن نحن

تركناك بالطفوف غريبا

أي عذر لنا إذاً يوم نلقى الله

والطهر جدّك المندوبا

حاش لله بل نواسيك أو يأ

خذ كلٌ من المنون نصيبا

فبكى ثم قال جوزيتم الخير

فما كان سعيكم أن يخيبا

ثم قال اجمعوا الرحال وشبوا النـ

ـار فيها حتى تصير لهيبا

وغداً للقتال في يوم عاشورا

فأبدى طعناً وضرباً مصيبا

فكأني بصحبه حوله صر

عى لدى كربلا شباباً وشيبا

فكأني أراه فرداً وحيداً

ظامياً بينهم يلاقي الكروبا

وكأني أراه إذ خرّ مطعو

ناً على حُرّ وجهه مكبوبا

٣٠٩

وكأني بمهره قاصد الفسـ

ـطاط يُبدي تحمحما ونحيبا

وبرزن النساء حتى إذا أبـ

ـصرن ظهر الجواد منه سليبا

صحن بالويل والعويل ويندبـ

ـن حيارى وقد شققن الجيوبا

وسبلن الدموع لما تأمّلن حسـ

ـينا من الثياب سليبا

فكأني بزينب إذ رأته

عارياً دامي الجبين تريبا

أقبلت نحو أختها ثم قالت

ودّعيه وداع مَن لا يؤوبا

أخت يا أخت كيف صبرك عنه

وهو كان المؤمل المحبوبا

ثم خرّت عليه تلثم خدّيه

وقد صار دمعها مسكوبا

وتناديه يا أخي لو رأت عينـ

ـناك حالي رأيت أمراً عجيبا

يا أخي لا حييت بعدك هيهات

حياتي من بعدكم لن تطيبا

كنتَ حصني من الزمان اذا ما

خفتُ خطبا دفعتَ عني الخطوبا

ضاقت الأرض بي وكانت علينا

بك يا سيدي فناها رحيبا

( يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فاهوى غروبا )

( ما توهمت يا شقيق فؤادي

كان هذا مقدّراً مكتوبا )

عُد يتاماك إن أردت مغيبا

يا أخي بالرجوع وعداً قريبا

( يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا )

ما أذلّ اليتيم حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا

وقال محمد بن حماد الحلي في أهل البيت في قصيدة مطلعها :

أهجرت يا ذات الجمال دلالا

وجعلت جسمي بالصدود خيالا

وسقيتني كأس الفراق مريرة

ومنعت عذب رضابك السلسالا

قال السيد الأمين تحت عنوان : ابن حماد.

٣١٠

يطلق على ابن حماد الشاعر ، واسمه علي بن حماد بن عبيد بن حماد البصري العبدي أو العدوي وربما يطلق على علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي ، وعلى الحسين بن علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي ، ويوجد في بعض القيود نسبة بعض الأشعار الى محمد بن حماد ولعله ممن يطلق عليه ابن حماد ايضا. انتهى عن الاعيان ج ٦ ص ٦٤.

وقال في ج ٤١ ص ٢٢٥ أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد أو ابن عبيد الله ابن حماد العدوي أو العبدي الاخباري البصري شاعر آل محمد عليهم‌السلام ، توفي حدود ٤٠٠ بالبصرة كما في الطليعة. وفي رحال أبي علي رأيت بخط بعض الأذكياء هكذا : علي بن حماد الشاعر المعروف : بابن حماد البصري كان من أكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه وأشعاره في شان اهل البيت وقصائده في مدائح الائمة عليهم‌السلام ومراثيهم ولا سيما في مراثي الحسين عليه‌السلام مشهورة ، وفي كتب الأصحاب وخاصة في مناقب ابن شهر اشوب ، وفي كتاب المنتخب في المراثي والخطب للشيخ فخر الدين الرماحي المعاصر مذكورة ، انتهى.

وفي رياض العلماء : الشيخ ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد الله العبدي ( العدوي ) الاخباري البصري الشاعر المعروف بابن حماد الشاعر كان من قدماء الشعراء والعلماء وهو مذكور في كتب الرجال ، انتهى.

وقال ايضا : يظهر من كتاب المجدي في النسب للسيد أبي الحسن علي بن محمد الصوفي الفاضل المعاصر للسيد المرتضى انه يروى عن ابن حماد الشاعر هذا ( يعني المترجم ) بواسطة واحدة بعض أشعارة في الامامة ، فعلى هذا فابن حماد هذا في درجة الصدوق ، انتهى.

٣١١

اقول وذكر السيد أقوال العلماء فيه ومشائخه وتلاميذه وأشعاره ومنها القصيدتان الآتيتان :

ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد أو ابن عبيد الله بن حماد العبدي البصري :

ما ضرّ عهد الصبا لو أنه عادا

يوماً فزوّدني من طيبه زادا

سقيا ورَعيا لأيام لنا سلفت

كأنما كنّ اعراساً وأعيادا

ايام تنعم لي نعم وتجمل بي

جمل وأسعد من سعداي اسعادا

ظباء انس لقيد الاسد هل نظرت

عيناك ظبيا لصيد الاسد صيّادا

ان لم تكنّ ظباء في براقعها

فقد حكتهن ألحاظاً وأجيادا

من كل سحّارة العينين لو لقيت

سحراً لهاروت أو ما روت لانقادا

تميد بالارض عشقاً كلما خطرت

تهتزّ غصناً من الريحان ميّادا

بانت بروحي غداة البين عن جسدي

والبين يتلف أرواحاً وأجسادا

والدهر ليس بموف عهد صاحبه

هيهات بل يجعل الميعاد ايعادا

أفنى القرون ويفنيهم معاّ فاذا

أباد كل الورى من بعدهم بادا

أفنى التبايع والاقيال من يمنٍ

طراً واتبعهم عادا وشدادا

وليس يبقى سوى الحي الذي جعل

الموت الوحيّ لكل الخلق مرصادا

سبحانه واصطفى من خلقه حججاً

مطهرين من الادناس أمجادا

مثل النجوم التي زان السماء بها

كذاك ميزهم للارض أوتادا

أعطاهم الله ما لم يعطه أحداً

فاصبحوا في ظلال العزّ أوحادا

محمد وعليٌ ، خير مبتعثٍ

وخير هاد لمن قد رام ارشادا

والصادقون أولو الامر الذين لهم

حكم الخليقة اصدارا وايرادا

آل الرسول وأولاد البتول هُم

خيرُ البرية آباء وأولادا

٣١٢

أعلى الخليفة همّاتٍ وأطهر أُمّاتٍ

واكرم آباءً وأجدادا

سرج الظلام اذا ما الليل جهنم

قاموا قياما لوجه الله عبّادا

لما تعرضت الدنيا لهم أنفوا

منها فالفتهمُ للعيش زهادا

جادوا وسادوا ففي الامثال ذكرهم

اما يقال : اذا جاد امرء سادا

ان كفكفت بالندى يوماً اكفّهم

فلا تبالى اكفّ الغيثُ أم جادا

ان كورموا فبحور الجود تحسبهم

أو حوكموا خلتهم في الحكم أطوادا

كل الانام له ندّ يُقاسُ به

ولن ترى لهم في الناس أندادا

الله والى الذي والاهم فاذا

عاداهم أحد فالله قد عادى

في السلم تحسبهم أقمار داجيةٍ

حسنا ، وتحسبهم في الحرب آسادا

اما عليٌ فنور الله جلّ فهل

يسطيع خلق لنور الله اخمادا

وآخا النبي وواساه بمهجته

وما ونى عنه اسعافا واسعادا

هو الجواد أبو الاجواد وابنهم

وهكذا تلد الاجواد أجوادا

ما قال لاقط للعاني نداه ولا

لكل من جاءه للعلم مرتادا

يجدي ويسدي ويغني كف سائله

يداً فان عاد في استيجاده زادا

بعد ميعاده بخلا فلست ترى

دون العطاء له الجود ميعادا

يلتذّ بالجود حتى انّ سائله

لو سامه نفسه جوداً بها جادا

يعد ميعاده بخلا فلست ترى

دون العطاء له بالجود ميعادا

يلتذّ بالجود حتى انّ سائله

لو سامه نفسه جوداً بها جادا

مَن كان بادر في بدر سواه وما

ان حاد في يوم احدٍ كالذي حادا

مَن قدّ عمرو بن ودّ في النزال ومَن

اضحى لعمرو بن عبد القيل مقتادا

ان جرّد السيف في الهيجاء عوّضه

من الغمود رؤوس الصيد اغمادا

سيف أقام عمود الدين قائمه

ضربا وقوّم ما قد كان ميّادا

ترى المنايا له يوم الوغى خدماً

بعون ربك الاملاك أجنادا

واليته مخلصاً لا أبتغي بدلا

منه ولست ابالي كيد مَن كادا

يا سيدي يا امير المؤمنين ومَن

بحبه طبت اعراقا وميلادا

٣١٣

يا خير مَن قام يوما فوق منبره

وخير مَن مسكت كفّاه أعوادا

مَن كان اكثر اهل الارض منقبة

يكون اكثر اهل الارض حسّادا

كسرت أصنامهم بالأمس فاعتقدت

منها لك الدهر اضغاناً واحقادا

فصار حبّك ايماناً وتبصرة

وصار بغضك كفرانا والحادا

وطاف لي بفناء الطف طيف اسى

خلّى فؤادي لطول الحزن معتادا

ذكرت فيه الحسين السبط حين ثوى

فرداً وحيداً حوى للنوح افرادا

في عصبة بذلت لله أنفسها

فاحمدت بذلها لله احمادا

يذاد عن ريّه حتى قضى عطشا

فلا سقى الله رياً مَن له ذادا

لهفي على غرباء بالطفوف ثووا

لا يعرفون سوى العقبان ورّادا

كأنني ببنات المصطفى ذللاً

في السبي يندبنه نوحا وتعدادا

انا ابن حمّادٍ العبدي أحسن لي

ربي فلا زلت للاحسان حمّادا

أمدّني منه بالنعمى فاشكره

شكراً لنعمائه عندي وامدادا

وتلك عادتُه عندي مجددة

وكان سبحانه بالفضل عوادا

فهاكها كعقود الدر قد قرنت

الى يواقيتها توماً وافرادا

لو جسّم الشعر جسماً كان يعبدها

حتى يراه لها الراؤون سجادا

وازنت ما قال اسمعيل مبتدئاً

( طاف الخيال علينا منك عبادا )

والشعر كالفلس والدينار تصرفه

حتى يميزه مَن كان نقادا

وقال أيضا :

النوم بعدكم عليّ حرامُ

مَن فارق الأحباب كيف ينامُ

والله ما اخترت الفراق وانما

حكمت عليّ بذلك الأيام

لو أنها استامت عليّ بقربكم

اعطيتها فوق الذي تستام

وحياتكم قسماً أبر بحلفة

ولربما تتأثّم الأقسام

٣١٤

اشتاقكم حتى اذا نهض الهوى

بي نحوكم قعدت بي الآلام

لم أنسكم فاقول اني ذاكر

نسيان ذكركم عليّ حرام

والله لو اني شرحت ودادكم

فَنيَ المداد وكلّت الاقلام

اني اميل لوصلكم وحديثكم

ويزيدني في الذكر منه هيام

واذا بدا إلفان ألفتني بكم

حسر كما يتحسّر الايتام

وتألف الأرواح حظ لم يكن

ليتمّ أو تتألف الأجسام

لله ايام اذا مثلتها

فكأنها من طيبها احلام

والدهر ليس بسالم من ريبه

أحدٌ وليس لنفسه استسلام

أخنى على آل النبي بصرفه

فتحكّمت فيهم له أحكام

فعراصهم بعد دراسة والهدى

دُرُسٌ تجاوب في ثراها الهام

وهُم عماد الدين والدنيا وهم

للحق ركن ثابت وقوام

منهم أمير النحل والمولى الذي

هو للشريعة معقل ونظام

وهو الامام لكل من وطأ الحصا

بعد النبي وما عليه امام

يغني العفاة عن السؤال تكرّما

فينيلهم أضعاف ما قد راموا

أمواله للسائلين غنيمة

وله بأخذهم لها استغنام

واذا تحزّم للبراز تقطعت

ايدي الحروب فما يشدّ حزام

واذا انتضى اسيافه في مأزق

فغمودهن من الكماة الهام

واذا رنا نحو الشجاع بطرفه

فلحاظه في لُبّتّيهِ سهام

واذا الحروب توقّدت نيرانها

ولها بآفاق السماء ظلام

فالبيض شمس والأسنة أنجم

والنقع ليل فوقهن ركام

حتى اذا ما قيل حيدرة أتى

خفتوا فلم يسمع هناك كلام

لا يملكون تزيّلا عنه كأن القوم

لم تخلق لها اقدام

وكأن هيبته قيود عداته

لا خلف ينجيهم ولا قدّام

٣١٥

رجل يحبّ الله وهو يحبه

فعليه منه تحية وسلام

كانت هدايا الله تأتيه بها

منه ملائكة عليه كرام

تفنى الصفات وليس يدرك فضله

وتضلّ دون بلوغه الأوهام

واليته وبرئت من أعدائه

أفهل عليّ بما فعلت ملام

واليكها تجلى القلوب بحسنها

وتبلّج الاذهان والافهام

فيها ابن حماد يعارض اختها

( كم قد طوتك الكوم والاكام )

وفي يتيمة الدهر روى الابيات التالية وانها لابن حماد البصري.

ان كان لا بد من أهل ومن وطن

فحيث آمنُ من ألقى ويأمننى

يا ليتني منكر مَن كنت اعرفه

فلست اخشى إذاً من ليس يعرفني

لا اشتكي زمني هذا فاظلمه

وانما اشتكي من اهل ذا الزمن

قد كان لي كنز صبر فافتقرت الى

إنفاقه في مزاراتي لهم وَفَني

وقد سمعت أفانين الحديث فهل

سمعت قط بحرٍّ غير ممتحن

٣١٦

عبد الله بن داود الدرمكي

حدود ٩٠٠

اسهر طرفي وأنحل البدنا

واجتاح صبري وزادني حزنا

ذكرى غريب الطفوف يوم سرى

بالأهل والمال يعنف البدنا

ويقول فيها :

يا آل طه وهل اتى وسبا

ومَن الى قصدهم توجهنا

عبدكم الدرمكيّ باعكم

مهجته إذ نقدتم الثمنا

في قولكم لا يخاف من مسكت

كفاه في حشره ولايتنا

وقال ايضا :

قلب المتيم بالاحزان موغور

وطرفه عن لذيذ النوم محجور

ودمعه فوق صحن الخد منحدرٌ

وجسمه بقيود السقم مقهور

ومنزل الصبر فيه مقفر خرب

وعمره بالبكاء والنوح معمور

قد عاهد الله ايمانا مغلظة

لا يترك الحزن حتى ينفخ الصور

* * *

٣١٧

ويقول فيها :

لله درهم ما كان اصبرهم

كأنهم في الوغى اسد مغاوير

من كل محتزم بالصبر مدرع

بالفضل متشح بالخير مذكور

كانوا كاصحاب بدر في الوغى لهم

شأن ومجد وتعظيم وتوقير

٣١٨

عبد الله بن داود الدرمكي

توفي في حدود سنة ٩٠٠ في عمان ودرمك قرية منها.

كان فاضلاً اديباً شاعراً فمن شعره في رثاء الحسين (ع) قوله :

أسهر طرفي وأنحل البدنا

واجتاح صبري وزادني حزنا

ذكرى غريب الطفوف يوم سرى

بالاهل والمال يعنف البدنا

٣١٩

الشيخ ابراهيم الكفعمي

حدود ٩٠٠

سألتكم بالله هل تدفنوني

اذا متّ في قبر بأرض عقير (١)

فاني به جار الشهيد بكربلا

سليل رسول الله خير مجير

فاني به في حفرتي غير خائف

بلا مرية ، من منكر ونكير

أمنتُ به في موقفي وقيامتي

اذا الناس خافوا من لظى وسعير

فإني رأيتُ العرب تحمي نزيلها

وتمنعه من أن يصاب بضير

فكيف بسبط المصطفى أن يردّ مَن

بحائره ثاوٍ بغير نصير

وعار على حامي الحمى وفي الحمى

اذا ضلّ في البيدا عقال بعير

وللشيخ ابراهيم الكفعمي ،

لما قدم الى كربلاء ووقف أمام الحائر الحسيني وهزّه الشوق ارتجل قصيدة

__________________

١ ـ ذكر المترجم له في بعض حواشيه على المصباح انه حفر له أزج في كربلاء لدفنه فيه بأرض تسمى ( عقيراً ) فقال في ذلك وهو وصية منه الى أهله واخوانه بدفنه فيه ، انتهى عن أعيان الشيعة ج ٥ ص ٣٥٠.

٣٢٠