أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

أمولاي لولا وقعة الطف ما غدت

معالم دين الله وهي طوامس

ولولا وصايا الأولين لما اجترت

على السبط في الشهر الحرام العنابس

أحاطوا به يا حجة الله ظاميا

وما فيهم إلا الكفور الموالس

وأبدت حقوداً قبل كانت تكنها

حذار الردى منهم نفوس خسائس

وطاف به بين الطفوف طوائف

بهم أطفئت شهب الهدى والنبارس

بغوا وبغوا ثارات بدر وبادروا

وفي قتل اولاد النبي تجاسسوا

فقام بنصر السبط كل سميدع

وثيق العرى عن دينه لا يدالس

مصابيح للساري مجاديح للحجى

مساميح في اللأواء والأفق تارس

صناديد اقيال مناجيد سادة

مذاويد أبطال كماة أشاوس

بهاليل ان سيموا الردى لم يسامحوا

وان سئلوا بذل الندى لم يماكسوا

اذا غضبوا دون العلا فسياطهم

شفار المواضي واللحود المحابس

لبيض مواضيهم وسمر رماحهم

مغامد من هام العدى وقلانس

وصالوا وقد صامت صوافن خيلهم

وصلّت لوقع المرهفات القوانس

وقد جرّ فوق الارض فضل ردائه

غمام الردى والنقع كالليل دامس

سحائب حتف وبلها الدم والظبا

بوارق فيها والقسي رواجس

فلما دعاهم ربهم للقائه

اجابوا وفي بذل النفوس تنافسوا

وقد فوقت ايدي الحوادث نحوهم

سهام ردى لم ينج منهن تارس

فاضحوا بارض الطف صرعى لحومهم

تمزقها طلس الذئاب اللغاوس

واكفانهم نسج الرياح وغسلهم

من الدم ما مجت نحور قوالس

وقد ضاق بالسبط الفضا ودنا القضا

وظل وحيداً للمنون يغامس

وعترته قتلى لديه وولده

ظمايا وريب الدهر بالعهد خائس

نضا عزمة علوية علوية

وقد ملئت بالمارقين البسابس

وكر ففروا مجفلين كأنه

هزبر هصور والاعادي عمارس

٢٨١

وأذكرهم بأس الوصي وفتكه

فردوا على أعقابهم وتناكسوا

فالقوه مهشوم الجبين على الثرى

وفي كل قلب هيبة منه واجس

واعظم ما بي شجو زينب اذ رأت

اخاها طريحاً للمنايا يمارس

تقول اخي يا واحدي شمت العدى

بنا واشتفى فينا العدو المنافس

اخي اليوم مات المصطفى ووصيه

ولم يبق للاسلام بعدك حارس

اخي مَن لاطفال النبوة يا اخي

ومَن لليتامى ان مضيت يؤانس

وتستعطف القوم اللئام وكلهم

له خلق عن قولها متشاكس

تقول لهم بقيا عليه فأنه

كما قد علمتم للميامين خامس

ولا تعجلوا في قتله فهو الذي

لدارس وحي الله محي ودارس

أيا جد لو شاهدته غرض الردى

سليب الردا تسفي عليه الروامس

وقد كربت في كربلا كرب البلا

وقد غلبت غلب الاسود الهمارس

يصد عن الورد المباح مع الصدى

ومن دمه تروى الرماح النوادس

واسرته صرعى تنوح لفقدهم

منازل وحي عطلت ومدارس

ونسوته اسرى الى كل فاجر

بغير وطا تحدى بهن العرامس

ألا يا ولي الثار قد مسّنا الاذى

وعاندنا دهر خؤون مدالس

وارهقنا جور الليالي وكلنا

فقير الى ايام عدلك بائس

متى ظلم الظلم الكثيفة تنجلي

ويبسم دهري بعد اذ هو عابس

ويصبح سلطان الهدى وهو قاهر

عزيز وشيطان الضلالة خانس

لا بذل في ادراك ثارك مهجتي

فما انا بالنفس النفيسة نافس

فدونكها يا صاحب الامر مدحة

منقحة ما سامها العيب لاقس

مهذبة حلية راشدية

اذا اغرق الراوي بها قيل خالس

لآلئ في جيد الليالي قلائد

جواهر الا انهن نفائس

عرائس في وقت الزفاف نوائح

نوائح في وقت العزاء عرائس

٢٨٢

قرعت بمدحيكم بني الوحي ذروة

رقاب بني حواء عنها نواكس

واحرزت غايات الفخار وارغمت

خدود رجال دونها ومعاطس

وادركت من قبل الثلاثين رتبة

مؤملها بعد الثمانين يائس

يجدّ وجِدٍّ لا بجَدٍّ ووالد

وان كرمت من والديّ المغارس

عليكم من الله السلام صلاته

وتسليمه ما اهتز اخضر مائس

٢٨٣

ابن العرندس

توفي حدود ٩٠٠

طوايا نظامي في الزمان لها نشرُ

يعطرها من طيب ذكركم نشرُ

قصائد ما خابت لهن مقاصد

بواطنها حمدٌ ظواهرها شكر

حسان لا حسان بالفضل شاهد

على وجهها بشر يدين له بشر

أُنظّمها نظم اللآلي وأسهر

الليالي ليحيا لي بها وبكم ذكر

فيا ساكني أرض الطفوف عليكم

سلام محب ما له عنكم صبر

نشرت دواوين الثنا بعد طيّها

ففي كل طرس من مديحي لكم سطر

فطابق شعري فيكم دمع ناظري

فمبيّض ذا نظم ومحمر ذا نثر

فلا تتهموني بالسلو فانما

مواعيد سلواني وحقكم الحشر

فذلّي بكم عزٌ وفقري بكم غنىً

وعسري بكم يسر وكسري بكم جبر

فعيناي كالخنساء تجري دموعها

وقلبي شديد في محبتكم ( صخر )

وقفت على الدار التي كنتم بها

فمغناكم من بعد معناكم قفر

وقد درست منها العلوم وطالما

بها دُرّس العلم الالهي والذكر

وسالت عليها من دموعي سحائب

الى أن تروى البان بالدمع والسدر

وقد أقلعت عنها السحائب لم تجُد

فلا درّ من بعد الحسين لها در

٢٨٤

إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة

رب النهي مولى له الأمر

امام أبوه المرتضى علم الهدى

وصي رسول الله والصنو والصهر

امام بكته الجن والأنس والسما

ووحش الفلا والطير والبر والبحر

له القبة البيضاء بالطف لم تزل

تطوف بها طوعاً ملائكة غر

وفيه رسول الله قال وقوله

صحيح صريح ليس في ذلكم نكر

حُبي بثلاثٍ ما أحاط بمثلها

وليٌ فمن زيدٌ هناك ومن عمرو

له تربةٌ فيها الشفاء وقبّةٌ

يُجاب بها لاداعي إذا مسّه الضر

وذرية دريةٌ منه تسعة

أئمة حق لاثمانٍ ولا عشر

هم النور نور الله جل جلاله

هم التين والزيتون والشفع والوتر

مهابط وحي الله خزان علمه

ميامين في ابياتهم نزل الذكر

واسماؤهم مكتوبة فوق عرشه

ومكنونة من قبل أن يُخلق الذر

ولولاهم لم يخلق الله آدما

ولا كان زيد في الوجود ولا بكر

ولا سطحت أرض ولا رفعت سما

ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر

سرى سرهم في الكائنات وفضلهم

فكل نبي فيه من سرهم سر

ونوح به في الفلك لما دعا نجا

وغيض به طوفانه وقُضي الامر

ولولاهم نار الخليل لما غدت

سلاماً وبرداً وانطفا ذلك الجمر

ولولاهم يعقوب ما زال حزنه

ولا كان عن أيوب ينكشف الضر

وهم سرّ موسى والعصا عندما عصى

أوامره فرعون والتقف السحر

ولولاهم ما كان عيسى بن مريم

لعازر من طيّ اللحود له نشر

إلى ان قال في الرثاء.

أيقتل ظمآنا حسين بكربلا

وفي كل عضو من أنامله بحر

٢٨٥

ووالده الساقي على الحوض في غد

وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فيا لهف نفسي للحسين وما جنى

عليه غداة الطف في حربه الشمر

تجرّ عليه العاصفات ذيولها

ومن نسج أيدي الصافنات له طمر

فرّجت له السبع الشداد وزلزلت

روامي جبال الأرض والتطم البحر

فيا لك مقتولاً بكته السما دماً

فمغبّر وجه الأرض بالدم محمر

ملابسه في الحرب حمرٌ من الدما

ومن غداة الحشر من سندس خضر

ولهفي لزين العابدين وقد سرى

أسيراً عليلاً لا يفكّ له أسر

وآل رسول الله تسبى نساؤهم

ومن حولهن الستر يهتك والخدر

سباياً باكوار المطايا حواسراً

يلاحظهن العبد في الناس والحر

ويقول في ختامها :

مصابكم يا آل طه مصيبة

ورزء على الاسلام أحدثه الكفر

سأندبكم يا عدتي عند شدتي

وأندبكم حزناً إذا أقبل العشر

وأبكيكم مادمت حياً فان أمت

ستبكيكم بعدى مراثيّ والشعر

وكيف يحيط الواصفون بفضلكم

وفي مدح آيات الكتاب لكم ذكر

ومولدكم بطحاء مكة والصفا

وزمزم والبيت المحرم والحجر

جعلتكم يوم المعاد ذخيرتي

فطوبى لمن أمسى وأنتم له ذخر

عرائس فكر الصالح بن عرندس

قبولكم يا آل طه لها مهر

عليكم سلام الله ما لاح بارق

وحلّت عقود المزن وانتثر القطر

٢٨٦

ابن العرندس وفاته في حدود ٩٠٠ كما ذكر اليعقوبي ، الشيخ صالح بن عبد الوهاب المعروف بابن العرندس.

عالماً ناسكاً أديباً بارعاً متظلعاً في علمي الفقه والأصول وغيرهما مصنفاً فيها ، له كتاب كشف اللآلي وكان ممن نظم فأجاد وقصر شعره على رثاء أهل البيت. قال الشيخ اليعقوبي رحمه‌الله : وكانت وفاته في حدود التسعمائة هجرية. وعن الطليعة أنه توفي في سنة ٨٤٠ وقبره في الحلة مشيد عليه قبة بيضاء في محلة ( جبران ) إحدى محلات الحلة في شارع يعرف بـ ( شارع المفتي ) الى جنب دار الأديب الشيخ محمد الملا. ويقول السيد الأمين في الاعيان : توفي في حدود سنة ٨٤٠ في الحلة.

وقال من قصيدة يرثي الحسين عليه‌السلام.

بات العذول على الحبيب مسهداً

فأقام عذري في الغرام وأقعدا

ورأى العذار بسالفيه مسلسلا

فأقام في سجن الغرام مقيدا

هذا الذي أمسى عذولي عاذري

فيه وراقد مقلتيه تسهدا

ريم رمى قلبي بسهم لحاظه

عن قوس حاجبه أصاب المقصدا

قمرٌ هلال الشمس فوق جبينه

عال تغار الشمس منه اذا بدا

وقوامه كالغصن رنّحه الصبا

فيه حَمام الحيّ بات مغرّدا

فاذا أراد الفتك كان قوامه

لدنا وجرّدت اللحاظ مهندا

تلقاه منعطفاً قضيباً أميدا

وتراه ملتفتاً غزالاً أغيدا

في طاء طرّته وجيم جبينه

ضدّان شأنهما الضلالة والهدى

ليلٌ وصبحٌ أسودٌ في أبيض

هذا أضلّ العاشقين وذا هدى

٢٨٧

لا تحسبوا داود قدّر سرده

في سين سالفه فبات مسرّدا

لكنما ياقوت خاء خدوده

نمّ العذار به فصار زبرجدا

يا قاتل العشاق يا من طرفه

الرشّاق يرشقنا سهاماً من ردى

قسماً بثاء الثغر منك لأنه

ثغرٌ به جيم الجمان تنضّدا

وبراء ريق كالمدام مزاجه

شهدٌ به تروى القلوب من الصدى

إني لقد أصبحت عبدك في الهوى

وغدوت في شرح المحبة سيّدا

فاعدل بعبدك لا تجر واسمح ولا

تبخل بقربٍ من وفاك الأبعدا

وابدِ الوفا ودع الجفا وذرِ العفا

فلقد غدوت أخا غرام مكمدا

وفجعت قلبي بالتفرق مثلما

فجعت أمية بالحسين محمدا

سبط النبي المصطفى الهادي الذي

أهدى الانام من الضلال وأشردا

وهو ابن مولانا علي المرتضى

بحر الندى مروي الصدا مردي العدا

أسما الورى نسباً وأشرفهم أباً

وأجلّهم حسباً وأكرم محتدا

بحرٌ طما. ليث حمى. غيثٌ هما

صبح أضا. نجم هدى. بدر بدا

السيد السند الحسين أعم أهـ

ـل الخافقين ندى وأسمحهم يدا

لم أنسه في كربلا متلظيا

في الكرب لا يلقى لماءٍ موردا

والمقنب الأموي حول خبائه

النبوي قد ملأ الفدافد فدفدا

عصبٌ عصت غصّت بخيلهم الفضا

غصبت حقوق بني الوصي وأحمدا

حمّت كتائبه وثار عجاجه

فحكى الخضّم المدلهمّ المزبدا

للنصب فيه زماجر مرفوعة

جزمت بها الأسماء من حرف الندا

صامت صوافنه وبيض صفاحه

صلّت فصيرت الجماجم سجدا

نسج الغبار على الاسود مدارعاً

فيه فجسّدت النجيع وعسجدا

والخيل عابسة الوجوه كأنها

العقبان تخترق العجاج الأربدا

حتى اذا لمعت بروق صفاحها

وغدا الجبان من الرواعد مرعدا

٢٨٨

صال الحسين على الطغاة بعزمه

لا يختشي من شرب كاسات الردا

وغدا بلام اللدن يطعن أنجلا

وبغين غرب العضب يضرب أهودا

فأعاد بالضرب الحسام مفللا

وثنى السنان من الطعان مقصّدا

فكأنما فتكاته في جيشهم

فتكات ( حيدر ) يوم أحد في العدى

جيشٌ يريد رضى يزيد عصابة

غصبت فاغضبت العليّ وأحمدا

جحدوا العلي مع النبي وخالفوا

الهادي الوصي ولم يخافوا الموعدا

وغواهم شيطانهم فأضلّهم

عمداً فلم يجدوا ولياً مرشدا

ومن العجائب أن عذب فراتها

تسري مسلسلةً ولن تتقيدا

طام وقلب السبط ظام نحوه

وأبوه يسقي الناس سلسله غدا

وكأنه والطرف والبتار والخر

صان في ظلل العجاج وقد بدا

شمس على فلك وطوع يمينه

قمرٌ يقابل في الظلام الفرقدا

والسيد العباس قد سلب العدا

عنه اللباس وصيروه مجرّدا

وابن الحسين السبط ظمآن الحشا

والماء تنهله الذئاب مبرّدا

كالبدر مقطوع الوريد له دم

أمسى على ترب الصعيد مبددا

والسادة الشهداء صرعى في الفلا

كل لأحقاف الرمال توسدا

فأولئك القوم الذين على هدى

من ربهم فمن اقتدى بهم اهتدى

والسبط حران الحشا لمصابهم

حيران لا يلقى نصيراً مسعدا

حتى اذا اقتربت أباعيد الردى

وحياته منها القريب تبعّدا

دارت عليه علوج آل اميّة

من كل ذي نقص يزيد تمردا

فرموه عن صفر القسيّ بأسهمٍ

من غير ما جرم جناه ولا اعتدا

فهوى الجواد عن الجواد فرجّت

السبع الشداد وكان يوماً أنكدا

واحتزّ منه الشمر رأساً طالما

أمسى له حجر النبوة مرقدا

فبكته أملاك السماوات العلى

والدهر بات عليه مشقوق الردا

٢٨٩

وارتد كفّ الجود مكفوفاً وطر

ف العلم مطروفاً عليه أرمدا

والوحش صاح لما عراه من الاسى

والطير ناح على عزاه وعددا

وسروا بزين العابدين الساجد

الباكي الحزين مقيداً ومصفدا

وسكينة سكن الأسى في قلبها

فغدا بضامرها مقيماً مقعدا

وأسال قتل الطف مدمع زينب

فجرى ووسط الخد منها خددا

ورأيت ساجعةً تنوح بأيكة

سجعت فأخرست الفصيح المنشدا

بيضاء كالصبح المضيء أكفها

حمرٌ تطوقت الظلام الأسودا

ناشدتها يا ورق ما هذا البكا

ردّي الجواب فجعت قلبي المكمدا

والطوق فوق بياض عنقك أسود

وأكفك حمرٌ تحاكي العسجدا

لما رأت ولهي وتسآلي لها

ولهيب قلبي ناره لن تخمدا

رفعت بمنصوب الغصون لها يداً

جزمت به نوح النوائح سرمدا

قتل الحسين بكربلا يا ليته

لاقى النجاة بها وكنت له الفدا

فاذا تطوق ذاك دمعي أحمر

قانٍ مسحت به يديّ توردا

ولبست فوق بياض عنقي من أسى

طوقاً بسين سواد قلبي أسودا

فالآن هاذي قصتي يا سائلي

ونجيع دمعي سائل لن يجمدا

فاندب معي بتقرّحٍ وتحرّق

وابكي وكن لي في بكائي مسعدا

فلألعنن بني أمية ما حدا

حادٍ وما غار الحجيج وأنجدا

ولأبكينّ عليك يابن محمد

حتى أوسد في التراب ملحّدا

ولأحلينّ على علاك مدائحاً

من ردّ ألفاظي حساناً خرّدا

عرباً فصاحاً في الفصاحة جاوزت

قَسّاً وبات لها لبيد مبلّدا

قلّدتها بقلائد من جودكم

أضحى بها جيد الزمان مقلّدا

يرجو بها نجل العرندس صالح

في الخلد مع حور الجنان تخلّدا

وسقى الطفوف الهامرات من الحيا

سحباً تسحّ عيونها دمع الندى

٢٩٠

ثم السلام عليك يابن المرتضى

ما ناح طير في الغصون وغردا

وفي مجموعة الشيخ محمد رضا الحساني رأيت قصيدة للشيخ ابن العرندس مطلعها :

عين سحي سحائب الأجفان

واسعديني بمدمع هتان

ومن شعره في أهل البيت عليهم‌السلام.

أيا بني الوحي والتنزيل يا أملي

يا من ولاكم غدا في القبر يؤنسني

حزني عليكم جديد دائم أبداً

ما دمت حياً إلى أن ينقضي زمني

وما تذكرت يوم الطف رزأكم

إلا تجدد لي حزن على حزن

وأصبح القلب مني وهو مكتئب

والدمع منسكب كالعارض الهتن

لكم لكم يا بني خير الورى اسفي

لا للتنائي عن الاهلين والوطن

يا عدتي واعتمادي والرجاء ومن

هم أنيسي إذا أُدرجت في كفني

إني محبكم ارجو النجاة غدا

اذا اتيت وذنبي قد تكأدني

وعاينت مقلتي ما قدّمته يدي

من الخطيئات في سرٍ وفي علن

صلى عليكم إله العرش ما سجعت

حمامة أو شدا ورق على غصن

واول هذه القصيدة كما ذكرها السيد احمد العطار في مخطوطه ( المجمو الرائق ) :

نوحوا أيا شيعة المولى أبا حسن

على الحسين غريب الدار والوطن

٢٩١

وقال :

أضحى يميس كغصن بان في حُلا

قمرٌ اذا ما مرّ في قلبي حَلا

سلب العقول بناظر في فترة

فيها حرام السحر بان محللا

وانحل شد عزائمي لما غدا

عن خصره بند القباء محللا

وزها بها كافور سالف خده

لما بريحان العذار تسلسلا

وتسلسلت عبثاً سلاسل صدغه

فلذاك بتّ مقيداً ومسلسلا

وجناته جوريةٌ ، وعيونه

حورية ، شبه الغزال الاكحلا

جارت وما صفحت على عشاقه

فتكاً وعادل قدّه ما أعدلا

ملكت محاسنه ملوكا طالما

أضحى لها الملك العزيز مذللا

كسرى بعينيه الصحاح ، وخده

النعمان ، بالخال النجاشي خوّلا

كتب الجمال على صحيفة خده

نوني قسيّ الحاجبين ومثّلا

فرمى بها من عين غنج عيونه

سبق السهام أصاب مني المقتلا

فاعجب لعين عبير عنبر خاله

في جيم جمرة خده لن تشعلا

وسلى الفؤاد بحر نيران الجوى

مني فذاب وعن هواه ما سلا

ومنها في الرثاء :

حامت عليه للحمام كواسر

ظمئت فاشربها الحمام دم الطلا

امست بهم سمر الرماح وزرقها

حمراً وشهب الخيل دهما جفّلا

عقدت سنابك صافنات خيوله

من فوق هامات الفوارس قسطلا

ودجت عجاجته ومدّ سواده

حتى أعاد الصبح ليلا أليلا

وكأنما لمع الصوارم تحته

برق تألق في غمام فانجلى

ومنها :

فرس حوافره بغير جماجم الفرسان

في يوم الوغى لن تنعلا

٢٩٢

اضحى بمبيّض الصباح محجلا

وغدا بمسوّد الظلام مسربلا

ومنها :

فكأنه وجواده وحسامه

يوم الكفاح لمن اراد تمثلا

شمس على الفلك المدار بكفه

قمر منازله الجماجم منزلا

٢٩٣

الشيخ مغامس بن داغر

المتوفي حدود ٨٥٠

لعمرك يا دنيا ثنيت عناني

وذاك لأمر من عَناك عَناني

ومن كان بالايام مثلي عارفا

لواه الذي عن حبهن لواني

نعيت الى نفسي زمان شبيبتي

وشيبي الى هذا الزمان نعاني

لقد ستر الستار حتى كأنه

بعفو من اسم المذنبين محاني

ولو أنني في ذاك أديت شكره

لكنت رعيت الحق حين رعاني

ولكنني بارزته بجرائم

كأن لم يكن عن مثلهن نهاني

اقول لنفسي إن اردت سلامة

فديني فمالي بالعذاب يدان

فاني لأخشى أن يقول امرته

بامري وقد أمهلته فعصاني

ولي عنده يوم النشور وسيلة

بها انا راج محو ما أنا جاني

بنو المصطفى الغر الذين اصطفاهم

وميّزهم من خلقه بمعاني

أناف بهم في الفخر عبد منافهم

فما لهم عبد المدان مداني

أبرّ وأحمى مَن يُرجّى ويُتّقى

ليوم طعام أو ليوم طعان

وان لهم في سالف الدهر وقعة

لدى الطف تغري الدمع بالهملان

غداة ابن سعد يستعد لحربهم

بكل معديٍّ وكل يماني

٢٩٤

ومنها :

بني صفوة الجبار ، عيناي كلما

ذكرتم لها بالدمع تبتدران

واني من حزني على فوت نصركم

لأقرع سني حسرةً ببناني

ولكنه ان أخر النصر عنكم

ففات سناني لا يفوت لساني

وانتم موالي الأولى اقتدى بهم

فما بفلان يقتدى وفلان

ولي موبقات من ذنوب أخافها

اذا ما إلهي للحساب دعاني

وما انا من عفو الاله بقانط

ولكنه ذو رحمة وحنان

فكيف وقد ابدعت إذ قمت خاطيا

لكم في مغاني حسنكم بمغاني

ولم يخش يوما من عذاب مغامس

اذا كنتم مما أخاف اماني

عليكم سلام الله ما ذرّ شارق

وما قام داعي فرضه لأذان

٢٩٥

الشيخ مغامس بن داغر المتوفي حوالي سنة ٨٥٠ هـ

شاعر طويل النفس بديع النظام حلو الانسجام ، أصله ـ كما في الحصون المنيعة ـ من احدى العشائر العربية القاطنة ضواحي الحلة ، استوطن الحلة حتى توفي فيها. قال الشيخ الخطيب اليعقوبي في ( البابليات ) وقفتُ أخيراً على قصائد للمترجم في أهل البيت عليهم‌السلام ذكرها الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ محمد علي الطريحي ـ أخو فخر الدين صاحب المجمع والمنتخب ـ في مؤلف له كتبه بالحلة سنة ١٠٧٦ وكله في مراثي آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومديحهم وهو من بقايا مخطوطات كتب آل طريح ولكنه طالما عبّر فيه عن المترجم بـ البحراني فيمكن أن يكون أصله من البحرين وهبط العراق وسكن الحلة للحصول على الغاية التي أشرنا إليها. وقد استظهر العلامة الاميني في ج ٧ من الغدير بأنه خطيب أديب وابن خطيب أديب. من قوله في إحدى قصائده النبوية

فتارة انظم الاشعار ممتدحاً

وتارة انثر الاقوال في الخطب

أعملت في مدحكم فكري وعلمني

نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

ويوجد في المجاميع القديمة المخطوطة وبعض المطبوعات كالمنتخب والتحفة الناصرية شيء كثير مما قاله في الأئمة وقد جمع منها العلامة الشيخ محمد السماوي ديواناً باسم المترجم يربو على ١٣٥٠ بيتا عدا الذي عاثت به أيدي الشتات.

٢٩٦

ومما قاله ابن داغر الحلي

حيّا الاله كتيبة مرتادها

يطوي له سهل الفلا ووهادها

قصدت أمير المؤمنين بقبّة

يبني على هام السماك عمادها

وفدت على خير الأنام بحضرةٍ

عند الإله مكرّم وفادها

فيها الفتى وابن الفتى وأخو الفتى

أهل الفتوة ربها مقتادها

فله الفخار قديمه وحديثه

والفاضلات طريفها وتلادها

مولى البرية بعد فقد نبيها

وإمامها وهمامها وجوادها

وإذا القروم تصادمت في معرك

والخيل قد نسج القتام طرادها

وترى القبائل عند مختلف القنا

منه يحذّر جمعها آحادها

والشوس تعثر في المجال وتحتها

جرد تجذ الى القتال جيادها

فكأن منتشر الرعال لدى الوغى

زجل تنشّر في البلاد جرادها

ورماحهم قد شظّيت عيدانها

وسيوفهم قد كسّرت أغمادها

والشهب تغمد في الرؤس نصولها

والسمرتصعد في النفوس صعادها

فترى هناك أخا النبي محمّد

وعليه من جهد البلاء جلادها

متردياً عند اللقا بحسامه

متصدياً لكماتها يصطادها

عضد النبي الهاشمي بسيفه

حتى تقطّع في الوغا أعضادها

واخاه دونهم وسدّ دوينه

أبوابهم فتّاحها سدادها

وحباه في ( يوم الغدير ) ولايةً

عام الوداع وكلهم أشهادها

فغدا به ( يوم الغدير ) مفصّلا

بركاته ما تنتهي أعدادها

قبلت وصية أحمد وبصدرها

تخفى لآل محمد أحقادها

حتى إذا مات النبي فأظهرت

أضغانها في ظلمها أجنادها

منعوا خلافة ربها ووليها

ببصائر عميت وضل رشادها

٢٩٧

واعصو صبوا في منع فاطم حقها

فقضت وقد شاب الحياة نكادها

وتوفّيت غصصاً وبعد وفاتها

قتل الحسين وذبّحت أولادها

وغدا يسب على المنابر بعلها

في أمّة ضلّت وطال فسادها

ولقد وقفت على مقالة حاذقٍ

في السالفين فراق لي إنشادها

( أعلى المنابر تعلنون بسبه

وبسيفه نصبت لكم أعوادها )

يا آل بيت محمد يا سادة

ساد البرية فضلها وسدادها

أنتم مصابيح الظلام وأنتم

خير الانام وأنتم أمجادها

فضلاءها علماءها حلماءها

حكماءها عبّادها زهّادها

أما العباد فأنتم ساداتها

أما الحروب فأنتم آسادها

تلك المساعي للبرية أوضحت

نهج الهدى وشمت به عبّادها

واليكم من شاردات ( مغامس )

بكراً يقرّ بفضلها حسّادها

كملت بوزن كمالكم وتزينت

بمحاسن من حسنكم تزدادها

ناديتها صوتاً فمذ أسمعتها

لبّت ولم يصلد عليّ زنادها

نفقت لديّ لأنها في مدحكم

فلذاك لا يخشى عليّ كسادها

رحم الاله ممدّها أقلامه

ورجاؤه أن لا يخيب مدادها

فتشفّعوا لكبائر أسلفتها

قلقت لها نفسي وقلّ رقادها

جرماً لو انّ الراسيات حملنه

دكّت وذاب صخورها وصلادها

هيهات تمنع عن شفاعة جدكم

نفس وحب أبي تراب زادها

صلّى الاله عليكم ما أرعدت

سحبٌ وأسبل ممطراً أرعادها

وقوله من قصيدة تناهز الاثنين والتسعين بيتا :

كيف السلامة والخطوب تنوب

ومصائب الدنيا الغرور تصوبُ

٢٩٨

إن البقاء على اختلاف طبائع

ورجاء أن ينجو الفتى لعصيب

العيش أهونه وما هو كائن

حتمٌ وما هو واصل فقريب

والدهر أطوار وليس لأهله

إن فكّروا في حالتيه نصيب

ليس اللبيب من استغر بعيشه

إن المفكر في الأمور لبيب

يا غافلاً والموت ليس بغافلٍ

عش ما تشاء فانك المطلوب

أبديت لهوك إذ زمانك مقبل

زاهٍ واذ غضّ الشباب رطيب

فمن النصير على الخطوب اذا أتت

وعلا على شرخ الشباب مشيب

علل الفتى من علمه مكفوفة

حتى الممات وعمره مكتوب

وتراه يكدح في المعاش ورزقه

في الكائنات مقدّر محسوب

إن الليالي لا تزال مجدّة

في الخلق أحداث لها وخطوب

من سر فيها ساءهُ من صرفها

ريبٌ له طول الزمان مريب

عصفت بخير الخلق آل محمد

نكباء إعصار لها وهبوب

أما النبي فخانه من قومه

في أقربيه مجانب وصحيب

من بعد ما ردوا عليه وصاته

حتى كأن مقاله مكذوب

ونسوا رعاية حقه في حيدر

في « خم » وهو وزيره المصحوب

فأقام فيهم برهة حتى قضى

في الغيظ وهو بغيظهم مغضوب

ومنها قوله في رثاء الامام السبط عليه‌السلام :

بأبي الامام المستظام بكربلا

يدعو وليس لما يقول مجيب

بأبي الوحيد وما له من راحم

يشكو الظما والماء منه قريب

بأبي الحبيب إلى النبي محمد

ومحمد عند الاله حبيب

يا كربلاء أفيك يقتل جهرة

سبط المطهر إن ذا لعجيب

٢٩٩

ما أنت إلا كربة وبليّة

كل الأنام بهولها مكروب

لهفي عليه وقد هوى متعفراً

وبه أوام فادح ولغوب

لهفي عليه بالطفوف مجدلا

تسفي عليه شمال وجنوب

لهفي عليه والخيول ترضه

فلهنّ ركض حوله وخبيب

لهفي له والرأس منه مميز

والشيب من دمه الشريف خضيب

لهفي عليه ودرعه مسلوبة

لهفي عليه ورحله منهوب

لهفي على حرم الحسين حواسراً

شعثاً وقد ريعت لهنّ قلوب

حتى إذا قطع الكريم بسيفه

لم يثنه خوف ولا ترعيب

لله كم لطمت خدود عنده

جزعاً وكطم شقت عليه جيوب

ما أنس إن أنس الزكية زينباً

تبكي له وقناعها مسلوب

تدعو وتندب والمصاب يكظها

بين الطفوف ودمعها مسكوب

ءاخي بعدك لاحييت بغبطةٍ

واغتالني حتف إليّ قريب

حزني تذوب له الجبال وعنده

يسلو وينسى يوسفاً يعقوب

وقال في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عرّج على المصطفى يا سائق النجبِ

عرّج على خير مبعوث وخير نبي

عرج على السيد المبعوث من مضر

عرّج على الصادق المنعوت في الكتب

عرّج على رحمة الباري ونعمته

عرّج على الابطحي الطاهر النسب

رآه آدم نوراً بين أربعة

لألاؤها فوق ساق العرش من كثب

فقال : يا رب من هذا؟ فقيل له

قول المحب وما في القول من ريب

هم أوليائي وهم ذرّيةٌ لكما

فقرّ عيناً ونفساً فيهم وطب

أما وحقهم لولا مكانهم

مني لما دارت الأفلاك بالقطب

٣٠٠