أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

محمد بن الحسن العليف

وليّ آل محمد بليغ البطحاء محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد بن مسلم بن محيى ( بضم الميم كمعلى ) المعروف بالعُليف ( تصغير علف ) الشراحيلي الحكمي العكي العدناني الحلوي ( نسبة الى مدينة حلّى ) مولده سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بحُلي بلاد بني يعقوب وتردد بمكة غير مرة وسمع في بعض مقدماته على الغر بن جماعة وقرض الشعر وفاق اقرانه ونظم كثيراً وكان يستحسن شعر نفسه ويعظمها على المتنبي وابي تمام ونحوهما.

وانقطع الى الشريف حسن بن عجلان نحو اثنتي عشرة سنة فوصله بصلات سنيّة وله فيه قصائد كثيرة حسنة ومدح اشراف مكة ورؤساء ينبع والامام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن علي بن محمد وقدم اليه الى صنعاء ، وكان بينه وبين النوبختي شاعر مكة مهاجاة اقذع النشوشا عليه وذكر أنه رأى في النوم وهو صبي قائلاً يقول : انا نجي البحتري وأنا نجيك فقال له العليف :

الحمد لله الذي ارتجلك جذعاً وارتجلتك بازلاً ومما يستحسن من شعره قوله في الامام صلاح بن علي.

يا وجه آل محمد في وقته

لم يبق بعدك منهم إلا قفا

لو كانت الابرار آل محمد

كتب العلوم لكنت انت المصحفا

أو كانت الاسباط آل محمد

يا بن الرسول لكنت فيهم يوسفا

قال بعض الادباء المكيين وهو صاحب اللامية التي أولها.

٢٦١

جادك الغيث من طلول بوالي

كبروج من النجوم خوالي

قال هي لمحمد هذا لا كما زعمه بعضهم لعلي بن محمد. قلت وقد ذكرها السخاوي في الضوء اللامع عند اسم محمد هذا.

قال ويحكى انه لما فرغ من انشادها قال الامام احسنت لا كما قال الفاسق ابو نواس.

صدح الديك الصدوح

فاسقني طاب الصبوح

فقال ما ينفعني من الامام هذا إنما أريد منك حكمك بتفضيلي المتنبي فقال الامام ليس هذا اليّ ، هذا الى السيد المطهر صاحب حسن القصر فانه هو المشار إليه في علم الادب فقام اليه وعرض عليه ذلك باشارة الامام وانشده للمتنبي ابياتاً منها.

افي كل يوم تحت ضبعي شويعر

ضعيف يقاويني قصير يطاول

والمنشد العليف فضحك السيد لان ابن العليف كان قصيرا.

وفي هدية العارفين ج ٢ ص ١٨٠.

محمد بن احمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد المكي الشافعي الشهير بابن العليف المتوفي سنة ٨١٥.

اديب شاعر توفي بمكة.

وجاء في العقد الثمين في تاريخ البلد الامين ـ الجزء الأول ص ٤٧١.

٢٦٢

محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد بن مسلّم ـ بتشديد اللام ـ العدناني الحلوي.

يلقب بالجمال. ويعرف بابن العليف الشاعر. نزيل مكة وكان كثير الشعر يقع له فيه اشياء مستحسنة ، وكان يغلو في استحسانها ، بحيث يفضل نفسه فيها على المتنبي وابي تمام. وعيب عليه ذلك مع اشعار له تدل على غلوه في التشيع ، وله مدائح كثيرة في جماعة من الاعيان منهم : الاشرف صاحب اليمن ، والامام صلاح بن علي الزيدي صاحب صنعاء ، وامراء مكة : الشريف عجلان بن رميثة ، وأولاده الامراء شهاب الدين أحمد ، وعلاء الدين علي ، وبدر الدين حسن ، وابن عمهم عنان بن مغامس.

واجازه عنان على بعض قصائده فيه. وهي التي أولها.

بروج زاهرات أو مغاني

بثمانية وعشرين ألف درهم على ما بلغني.

ونال أيضا من الشريف حسن : صلات جيدة وله فيه مدائح كثيرة حسنة. وانقطع اليه في آخر عمره نحو اثنتي عشرة سنة حتى مات بمكة في ليلة الجمعة سابع رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة. ودفن في صبيحتها بالمعلاة.

ومولده سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بحُلى.

أقول وروى شعره في الامام صلاح بن على كما مرّ.

وفي نظم العقيان في اعيان الاعيان للسيوطي ص ١٠٦ ترجمة لولد الشاعر قال فيها :

٢٦٣

ابن العليف المكي ، الشاعر حسين بن محمد.

حسين بن محمد حسن بن عيسى بن محمد أحمد بن مسلّم ، بدر الدين الحلوى ، الشافعي ، المعروف بابن العليف ، شاعر البطحاء.

ولد سنة أربع وتسعين وسبعمائة وسمع على المراغي وغيره وكان عالماً فاضلاً أديباً مفتيا مات في محرم سنة ست وخمسين وثمانمائة ومن نظمه.

سل العلماء بالبلد الحرام

وأهل العلم في يمن وشام

أقول وهذا هو ولد المترجم له.

٢٦٤

ابن المتوج البحراني

المتوفي سنة ٨٢٠

ألا نوحوا وضجوا بالبكاء

على السبط الشهيد بكربلاء

الا نوحوا بسكب الدمع حزناً

عليه وامزجوه بالدماء

الا نوحوا على مَن قد بكاه

رسول الله خير الأنبياء

ألا نوحوا على مَن قد بكاه

عليُ الطهر خير الأوصياء

الا نوحوا على مَن قد بكته

حبيبة احمد خير النساء

ألا نوحوا على مَن قد بكاه

لعظم الشجو أملاك السماء

ألا نوحوا على قمر منير

عراه الخسف من بعد الضياء

ألا نوحوا لخامس آل طه

ويسين وأصحاب العباء

ألا نوحوا على غصن رطيب

ذوي بعد النضارة والبهاء

ألا نوحوا على شرف القوافي

ومفتخر القوافي والثناء

ألا يا آل ياسين فؤادي

لذكر مصابكم حلف العناء

٢٦٥

فأنتم عدة لي في معادي

إذا حضر الخلائق للجزاء

فما أرجو لآخرتي سواكم

وحاشا أن يخيب بكم رجائي

أنا ابن متوج توجتموني

بتاج الفخر طراً والبهاء

صلاة الله ذي الألطاف تترى

عليكم بالصباح وبالمساء

ولعنته على قوم أباحوا

دماءكم بظلم وافتراء

٢٦٦

جمال الدين ابن المتوج

الشيخ أبو الناصر جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن ابن المتوج البحراني المعروف بابن المتوج.

توفي سنة ٨٢٠ وقبره بجزيرة ( أكل ) بضم الهمزة والكاف ، وهي المشهورة الآن بجزيرة النبي صالح من بلاد البحرين في المشهد المعروف بمشهد النبي صالح عليه‌السلام. وكان عالماً فاضلاً أديباً ماهراً ، له شعر كثير ومؤلفات قيمة في علوم القرآن وفي العقائد ، نظم مقتل الحسين عليه‌السلام شعراَ ، أقول ربما وقع سهواً من بعض المترجمين الاشتباه بين صاحب الترجمة وبين معاصره الشيخ فخر الدين احمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوج البحراني فقد صرح شيخنا صاحب الذريعة انهما اثنان : أحدهما جمال الدين احمد بن عبد الله ابن محمد بن علي بن الحسن بن المتوج البحراني. والثاني فخر الدين احمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوج ، ولكل منهما مؤلفات.

وقد ذكر السيد الأمين في الاعيان لكل منهما ترجمة على حدة في الجزء التاسع.

وجاء في الكنى : هو الشيخ فخر الدين احمد بن عبد الله بن سعيد المتوج البحراني ، من علماء الامامية ، عالم بالعلوم العربية والأدبية ، فاضل فقيه مفسر أديب شاعر معروف بالعلم والتقوى صاحب المؤلفات الكثيرة ، كان من أجلاء تلامذة الشهيد وفخر المحققين ومن مشايخ ابن فهد الحلي ، وله

٢٦٧

أشعار في رثاء الأئمة عليهم‌السلام ، اورد بعضها الشيخ الطريحي في المنتخب وينسب اليه القول باشتراط علم الفصاحة والبلاغة في الاجتهاد ونقل من غابة حفظه انه ما فطن شيئا فنسيه ، ووالده الشيخ عبد الله أيضا من الفضلاء الفقهاء الادباء الشعراء ، وكذا ولده ناصر بن احمد رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

٢٦٨

الحسن بن راشد الحلي

كان حياً ٨٣٠

قال من قصيدة

لم أنسه في فيافي كربلاء وقد

حام الحِمام وسُدّت أوجه الحيل

في فتية من قريش طاب محتدها

تغشى القراع ولا تخشى من الاجل

من كل مكتهل في عزم مقتبل

وكل مقتبل في حزم مكتهل

قرم اذا الموت أبدى عن نواجذه

ثنى له عطف مسرور به جذل

٢٦٩

الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي

كان حياً سنة ٨٣٠ قال السيد الامين : والحسن بن محمد بن راشد هو واحد فلا يظن احد أنهما اثنان قال عنه هو من اكابر العلماء ، له مؤلفات وتحقيقات عدّدها السيد الامين.

وقال الشيخ الحر العاملي في ( امل الآمل ) : الحسن بن راشد ، فاضل فقيه ، شاعر اديب ، له شعر كثير في مدح المهدي وسائر الأئمة عليهم‌السلام ، ومرثية الحسين (ع) ، وارجوزة في تاريخ الملوك والخلفاء ، وارجوزة في تاريخ القاهرة ، وارجوزة في نظم ألفية الشهيد ، وغير ذلك.

قال الشيخ اليعقوبي : قلت وله ارجوزة في الصلاة ذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة مع ما تقدم من أراجيزه كما ذكر في الجزء الخامس من الذريعة ارجوزته المسماة بالجمانة البهية في نظم الالفيّة الشهيدية ، وتكلم بالتحقيق عنها وعن ناظمها كثيراً.

وذكره صاحب رياض العلماء في موضعين من كتابه ، فالأول بقوله : الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي الفاضل العالم الشاعر من أكابر الفقهاء وهو من المتأخرين عن الشهيد بمرتبتين والظاهر انه معاصر لابن فهد ورأيت بعض أشعاره في مدح الأئمة في بلدة أردبيل ورأيت أيضا قصيدة له في الرد على من ذكر في تاريخ له مدح معاوية وملوك بني امية وكانت بخط الشيخ محمد الجباعي جد البهائي ، وفي مجموعة اخرى بخط الشيخ عبد الصمد ولد الشيخ

٢٧٠

محمد المذكور وظني انه بعينه الشيخ حسن بن محمد بن راشد صاحب كتاب مصباح المهتدين في أصول الدين وقد رأيت صورة لخط الشيخ حسن بن راشد هذا في آخر كتاب المصباح الكبير للشيخ الطوسي بهذه العبارة : بلغت المقابلة بنسخة مصصحة وقد بذلنا الجهد في تصحيحه واصلاح ما وجد فيه من الغلط إلا ما زاغ عنه البصر وحسر منه النظر وفي المقابل بها بلغت مقابلة بنسخة صحيحة بخط الشيخ علي بن احمد الرميلي وذكر انه نقل نسخته تلك من خط علي بن محمد السكوني وقابلها بها بالمشهد الحائري الحسيني. وكان ذلك في ١٧ شعبان من سنة ٨٣٠ كتبه الفقير الى الله الحسن بن راشد ـ.

وذكره ثانياً بقوله : الحسن بن محمد بن راشد المتكلم الفاضل الجليل الفقيه الشاعر المعروف بابن راشد الحلي كان من أكابر العلماء وهو متأخر الطبقة عن الشهيد ورأيت في أستراباد من مؤلفاته مصباح المهتدين في أصول الدين جيد حسن المطالب وتاريخ كتابة النسخة سنة ٨٨٣ ( والمراد أنها ليست بخط المؤلف ) قال : والحق عندي اتحاده مع الشيخ تاج الدين حسن بن راشد الحلي السابق إذ عصرهما متقارب والنسبة إلى الجد شائعة.

أما ارجوزته الجمانة المتقدم ذكرها والتي قرضها استاذة المقداد السيوري فأولها كما في الاعيان :

قال الفقير الحسن بن راشد

مبتدئاً باسم الإله الماجد

وفي الفوائد الرضوية أن تاريخ نظم الجمانة سنة ٨٢٥ وعدد أبياتها ٦٥٣ كما يدل عليه قوله.

وهذه الرسالة الألفية

نظمتها بالحلة السيفية

٢٧١

في عام خمس بعد عشرين مضت

ثم ثمان من مئات انقضت

ست مئات وثلاث ضبطا

وبعدها خمسون تحكي سمطا

وأسأل الافاضل الائمة

أئمة الدين هداة الأمة

أن يستروا منها بذيل العفو

ما وجدوا من خلل أو هفو

فانه من شيمة الانسان

بل كل منسوب الى الامكان

ويسألوا الله بفضل منهم

العفو لي فالله يعفو عنهم

وله نفس طويل في الشعر كما تدل على ذلك قصائده ونسب اليه الجباعي في مجموعته هذين البيتين :

نعم يا سيدي أذنبت ذنباً

حملت بفعله عبئاً ثقيلا

وها أنا تائب منه مقرٌ

به لك فاصفح الصفح الجميلا

وهذه إحدى قصائده الحسينية رواها السيد الأمين في الاعيان :

لم يشجني رسم دار دارس الطَللِ

ولا جرى مدمعي في اثر مرتحل

ولا تكلّف لي صحبي الوقوف على

ربع الحبيب أرجّي البرء من عللي

ولا سألت الحيا سقيا الربوع ولا

حللت عقد دموع العين في الحلل

ولا تعرضت للحادي اسائله

عن هذه الخفرات البيض في الكلل

ولا أسفت على دهر لهوتُ به

مع كل طفل كعود البانة الخضل

وافي الروادف معسول المراشف مصـ

ـقول السوالف يمشي مشية الثمل

يتيه حسناً ويثني جيد جازية

دلاً ويمزج صرف الود بالملل

ترمي لواحظه عن قوس حاجبه

بأسهمٍ من نبال الغنج والكحل

ان قلت جسمي يبلى في هواك اسى

من الجفا وممض الصد قال بلي

٢٧٢

أو قلت برء سقامي منك في قبل

أجاب لا ترج هذا البرء من قبلي

كأن غرته من تحت طرته

صبح تغشاه ليل الفاحم الرجل

أو طفلة غادة خود خدّ لجةٍ

كالشمس لكنها جلت عن الطفل

في طرفها دعج في ثغرها فلج

في خدها ضرج من غير ما خجل

اذا انثنت بين أزهار الخمائل في

خضر الغلائل أو حمر من الحلل

تخال غصناً وريقاً ماس منعطفا

او ذابلاً قد تروى من دم البطل

ولا صبوت إلى صرف مصفقة

صهباء صافية من خمر قرطبل (١)

ولم يهج حزني برق تألق من

نجد ولا ناظر يعزى الى ثعل

ولا النسيم سرى في طي بردته

نشر الخزامى وعرف الشيخ والنفل

مالي وللغيد والخل البعيد وللـ

ـعيش الرغيد الذي ولّى ولم يؤل

وللغواني التي بانت ونسأل عنـ

ـهن المغاني وللغزلان والغزل

لي شاغل عن هوى الغيد الحسان أو الـ

بيض الملاح بذكر الحادث الجلل

مصاب خير الورى السبط الحسين شهيـ

ـد الطف نجل امير المؤمنين علي

الفارس البطل ابن الفارس البطل ابـ

ـن الفارس البطل ابن الفارس البطل

سليل حيدرٍ الهادي وفاطمة الز

هراء أفضل سبطي خاتم الرسل

نور تكون من نورين ذاتهما

من جوهر بمحل القدس متصل

سر الاله الذي ما زال يظهر بالـ

آيات مع انبياء الاعصر الأول

شمس الهدى علة الدنيا التي صدر الـ

ـوجود من أجلها عن علة العلل

الجوهر النبوي الاحمدي أبو الـ

أئمة السادة الهادين للسبل

سبط النبي حبيب الله أشرف مَن

يمشي على الأرض من حافٍ ومنتعل

__________________

١ ـ كذا في الأصل والصواب ـ قطربل ـ بالتشديد وخففت للضرورة ، وهي قرية ينسب إليها الخمر.

٢٧٣

به يجاب دعا الداعي وتقبل أعـ

ـمال العباد ويستشفى من العلل

لله وقعة عاشوراء إن لها

في جبهة الدهر جرحاً غير مندمل

طافوا بسبط رسول الله منفرداً

في الطف خال من الخلال والخول

ابدوا خفايا حقود كان يسترها

من قبل خوف غرار الصارم الصقل

فقاتلوه ببدر إن ذا عجب

إذ يطلبون رسول الله بالذحل

لم انسه في فيافي كربلاء وقد

حام الحِمام وسُدّت أوجه الحيل

في فتية من قريش طاب محتدها

تغشى القراع ولا تخشى من الاجل

من كل مكتهل في عزم مقتبل

وكل مقتبل في حزم مكتهل

قرم إذا الموت أبدى عن نواجذه

ثنى له عطف مسرور به جذل

خواض ملحمة فياض مكرمة

فضاض معظمة خال من الخلل

أبت له نفسه يوم الوغى شرفاً

أن لا تسيل على الخرصان والاسل

ان طال أو صال في يومي عطا وسطا

فالغيث في خجل والليث في وجل

قوم إذا الليل أرخى ستره انتصبوا

في طاعة الله من داع ومبتهل

حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا

نفوسهم في مهاوي تلكُم الشعل

جبال حلم إذا خف الوقور رست

اسناخها وبحور العلم والجدل

في عثير كالدجى تبدو كواكبه

من القواضب والعسالة الذبل

غمام نقع زماجير الرجال له

رعد وصوب الدما كالعارض الهطل

حتى إذا آن حين السبط وانفصمت

عرى الحياة ودالت دولة السفل

رموا بأسهم بغي عن قسيّ ردى

من كفّ كفر رماها الله بالشلل

فغودروا في عراص الطف قاطبة

صرعى بحدّ حسام البغي والدخل

سقوا بكاس القنا خمر الفنا فغدا الحمام

يشدو ببيتٍ جاء كالمثل

( لله كم قمر حاق المحاق به

وخادر دون باب الخدر منجدل )

نجوم سعد بأرض الطف آفلة

واسد غيل دهاها حادث الغيل

٢٧٤

واصبح السبط فرداً لا نصير له

يلقى الحمام بقلب غير منذهل

يشكو الظما ونمير الماء مبتذل

تعلّ منه وحوش السهل والجبل

صاد يصدّ عن الماء المباح ومن

وريده مورد الخطّية الخطل

كأن صولته فيهم اذا حملوا

عليه صولة ضرغام على همل

فلا ترى غير مقتول ومنهزم

من فوق سابقة مكلومة الكفل

مصيبة بكت السبع الشداد لها

دماً ورزءٌ عظيم غير محتمل

وفادح هدّ أركانَ العلى ودهى

غرار صارم دين الله بالفلل

مترب الخد دامي النحر منعفر الـ

ـجبين بحر قضى ضام الى الوشل

والطاهرات بنات الطهر أحمد قد

خرجن من خلل الاستار والكلل

لم أنس فاطمة الصغرى وقد برزت

والسبط عنها بكرب الموت في شغل

أبي أبي كنت ظل اللائذين وملـ

ـجا العائذين وأمن الخائف الوجل

أبي أبي كنت نوراً يستضاء به

الى الطريق الذي ينجي من الزلل

ابي ابي اظلمت من بعدكم طرق الـ

ـهدى وربع المعالي عاد وهو خلي

ابي ابي مَن لدفع الضيم نأمله

اذا حواك الثرى واخيبة الامل

واقبلت زينب الكبرى ومقلتها

عبرى بدمع على الخدين منهمل

يا جد هذا اخي عار تكفّنه الر

ياح من نسجها في مطرف سمل

يا جد هذا اخي ظام وقد صدرت

عن نحره البيض بعد العل والنهل

اخي اخي مَن يردّ الضيم عن حرم الـ

ـهادي النبي فقد امست بغير ولي

اخي بمن اتقي كيد العدى وعلى

من اعتمادي وتعويلي ومتكلي

اخي اخي قد كساني الدهر ثوب اسى

يحول صبغ الليالي وهو لم يحل

اخي اخي هذه نفسي لكم بدل

لو كان يقنع صرف الدهر بالبدل

يا قوم هذا ابن خير الخلق كلهم

وافضل الناس في علم وفي عمل

هذا لعمري هو الحق المبين ومن

بحبه منهج الحق المبين جلي

٢٧٥

هذا ابن فاطمة هذا ابن حيدرة

له مقام كما قد تعلمون علي

باعوا بدار الفنا دار البقا وشروا

نار اللظى بنعيم غير منتقل

يا حسرة في فؤادي لا انقضاء لها

يزول أُحد ورضوى وهي لم تزل

بنات احمد بعد الصون في كلل

اسرى حواسر فوق الانيق الذلل

والرأس أمسى سنان وهو يحمله

على سنان أصم الكعب معتدل

اقسمت بالمشرفيات الرقاق وبالـ

ـجرد العتاق وبالوخادة الذلل

وكل ابلج طعم الموت في فمه

يوم الكريهة أحلى من جنى العسل

لقد نجا من لظى نار الجحيم غدا

في الحشر كل موال للامام علي

مولى تعالى مقاما أن يحيط به

وصف وجلّ عن الاشباه والمثل

لولا حدود مواضيه لما انتصبت

ولا استقامت قناة الدين من ميل

سل يوم بدر وأحد والنضير وصفـ

ـين وخيبر والاحزاب والجمل

وسل به العلماء الراسخين ترى

له فضائل ما جُمّعن في رجل

قل فيه واسمع به وانظر اليه تجد

ملأ المسامع والافواه والمقل

زوج البتول اخي الهادي الرسول مزيـ

ـل الازل مختار رب العرش في الازل

يا من يرى انه يحصي مناقب أهـ

ـل البيت طراً على التفصيل والجمل

( لقد وجدت مكان القول ذا سعة

فان وجدت لساناً قائلاً فقل ) (١)

اولا فسل عنهم الذكر الحكيم تجد

( في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل )

اليكم يا بني الزهراء قافية

فاقت على كل ذي فكر ومرتجل

حلّية حلوة الألفاظ رائقة

أحلى من الامن عند الخائف الوجل

بكرا مهذبة يزهى البسيط بها

على طويل عروض الشعر والرمل

__________________

١ ـ تضمين لقول المتنبي.

٢٧٦

حسناء من حسن طالت وقصّر عن

احسانها شعراء السبعة الطول

يرجو فتى راشد طرق الرشاد بها

يوم المعاد ولا يخشى من الزلل

صلى عليكم إله العرش ما انتظم النـ

ـوار عند انتشار الطل في الطلل

وهذه القصيدة الثانية

اسمر رماح أم قدود موائسُ

وبيض صفاح أم لحاظ نواعس

وسرب جوار عنّ عن أيمن الحمى

لنا أم جوار نافرات شوامس

شوامس في حب القلوب سواكن

وأمثالها بين الشعاب كوانس

اوانس إلا انهنّ جآذر

جآذر الا أنهنّ اوانس

كواعب اتراب نواعم نهدٍ

عقائل أبكار غوانٍ موائس

حسان يخالسن الحليم وقاره

عفائف راجي الوصل منهن آيس

وتلك التي من بينهن جلت لنا

محيّا تجلت من سناه الحنادس

كشمس تعالت عن أكف لوامسٍ

واين من الشمس الأكف اللوامس

غزيرة سربٍ أم عَزيزة معشر

غريزة حسن للقلوب تخالس

عليها رقيب من ضياء جبينها

ومن عرفها والحلي واش وحارس

إذا سفرت والليل داج وداجن

بدا الكون من لألائها وهو شامس

وان جردت بيض الظبا من جفونها

لفتك يخشّاها الكمي المغامس

قلوب الاسود الصيد صيد لحاظها

وها خدها مما تفيّض وارس

منعمة لم تلبس الوشي زينة

ولكن أحبّت أن تزان الملابس

ولا قلدت درا يقاس بثغرها

لحسن ولكن كي يذم المقايس

على مثل ما زرت عليه جيوبها

يناقش قلب طرفه وينافس

ومن مثل ما لائت عليه خمارها

تخامر ألباب الرجال الوساوس

٢٧٧

ومن مثل ما يرتج تحت برودها

يروح ويغدو ذو الحجى وهو بالس

غرست بلحظي الورد في وجناتها

ولم اجن إن أجن الذي أنا غارس

نعمت بها والراح يجلو شموسها

على أنجم الجلاس بدر مؤانس

شهي اللمى عذب المراشف فاحم

السوالف مرتجّ الروادف مائس

طويل مناط العقد طَفل (١) ازاره

وزناره ضدان مثر وبائس

له من اخي الخنساء قلب يضمه

شمائل تنميها إلى اللطف فارس

دموعي واهوائي لجامع حسنه

طلائق في شرع الهوى وحبائس

يطوف بصرف يصرف الهم كأسها

مصفقة قد عتقتها الشمامس

على كل عصر قد تقدم عصرها

لها فوق راحات السمات مقابس

عروس تحلى حين تجلى بجوهر الـ

ـحباب وتهوى وهي شمطاء عانس

على روضة فيحاء فياحة الشذا

حمائمها بعض لبعض يدارس

ترف عليها السحب حتى كأنها

بزاة قنيص والرياض طواوس

فمن فاختيّات الغمام خيامنا

ومن سندسيات الرياض الطنافس

إذ الدهر سمع والشبيبة غضة

وميدان لهوي افيح الظل آنس

فمذ ريع ريعان الشباب وآن أن

يوافي النذير المستحث المخالس

وقد كاد دوح العمر تذوي غصونه

وولى مع العشرين خمس وسادس

واسفر ليل الجهل عن فلق الهدى

وبانت لعينيّ الأمور اللوابس

نضوت رداء اللهو عن منكب الصبا

قشيبا كما تنضى الثياب اللبائس

وروضت مهر الغي بعد جماحه

بسائس حلم حبذا الحلم سائس

واعددت ذخرا للمعاد قصائدا

تعطر منها في النشيد المجالس

__________________

١ ـ بفتح الطاء أي ناعم.

٢٧٨

بمدح الامام القائم الخلف الذي

بمظهره تحيا الرسوم الدوارس

صراط الهدى المهدي من خوف باسه

تذل عزاز المشركين الغطارس

امام له مما جهلنا حقيقة

وليس له فيما علمنا مجانس

وروح علاً في جسم قدس يمدها

شعاع من الاعلى الالهي قابس

ومعنى دقيق جل عن ان تناله

يد الفكر أو تدنو اليه الهواجس

تساوى يقين الناس فيه ووهمهم

فاعظمهم علماً كمن هو حارس

إذا العقل لم يأخذ عن الوحي وصفه

يظل ويضحي تعتريه الوساوس

وسر سماوى ونور مجسد

وجوهر مجد ذاته لا تقايس

له صفوة المجد الرفيع وصفوة

ومحض المعالي والفخار القدامس

فخار لو أن الشمس تكسى سناءه

لما غيبتها المظلمات الدوامس

تولد بين المصطفى ووصيه

ولا غرو ان تزكو هناك الغرائس

سيجلو دجى الدين الحنيف بعزمة

هي السيف لا ما اخلصته المداعس

ويدركنا لطف الاله بدولة

تزول بها البلوى وتشفى النسائس

أمامية مهدية أحمدية

إذا نطقت لم يبق للكفر نابس

وميزان قسط يمحق الجور عدلها

إذا نصبت لم يبق للحق باخس

يشاد بها الاسلام بعد دثوره

ويضحي ثناها في حلى العز رائس

ويجبر مكسور وييأس طامع

ويكسر جبار ويطمع آئس

إذا ما تجلى في بروج سعوده

علينا انجلت عنا النجوم الاناحس

كأني بأفواج الملائك حوله

مسومة يوم الصياح مداعس

كأني بميكائيل تحت ركابه

يناجيه اجلالاً له وهو ناكس

كأني باسرافيل قد قام خلفه

وجبريل من قدامه وهو جالس

كأني به في كعبة الله قانتا

يواهسه رب العلى ويواهس

كأني بعيسى في الصلاة وراءه

تبارك مرؤوس كريم ورائس

٢٧٩

كأني به من فوق منبر جده

لبردته عند الخطابة لابس

كأني بطير النصر فوق لوائه

ومن تحته جيش لهام عكامس

خضم من الفتح المبين رعيله

تضيق به الفتح القفار الامالس (١)

له زجل كاليم عبّ عبابه

يصك صماخ الرعد منه الهساهس

هدير فروم يرهب الموت بأسها

وزأر ليوث افلتتها الفرائس

تظللها عند المسير نسورها

ويقدمها عند الرحيل الهقالس

تؤم وصي الأوصياء ودونه

ملائكة غر وشوس احامس

غطاريف طلاعون كل ثنية

فليس لهم عن ذروة المجد خالس

مغاوير بسّامون في كل مازق

وجوه المنايا فيه سود عوابس

كرام أهانوا دون دين محمد

نفوسهم وهي النفوس النفائس

فوارس في يوم القراع قوارع

أسود لأشلاء الأسود فوارس

وموضونة زغف وجرد سلاهب

وبيض مصاليت وسمر مداعس

وضرب كما تهوى الظبا متدارك

وطعن كما تهوى القنا متكاوس

شعارهم يا ثأر آل محمد

اذا اسعرت نار الوطيس الفوارس

يجدلهم ذكر الطفوف صواهل

سوابح في بحر الوغى تتقامس

كما جدد الاحزان شهر محرم

فناح لرزء السبط رطب ويابس

الى القائم المهدي اشكو مصيبة

لها لهب بين الجوانح حابس

أبثّك يا مولاي بلواي فاشفها

فأنت دواء الداء والداء ناخس

تلاف عليل الدين قبل تلافه

فقد غاله من علة الكفر ناكس

فخذ بيد الاسلام وانعش عثاره

فحاشاك أن ترضى له وهو تاعس

__________________

١ ـ الامالس جمع أمليس : الفلاة ليس بها نبات.

٢٨٠