أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

فان مال عنكم يا بني الفضل راغب

يظل ويضحى عند من لا له عند

فيا عدتي في شدتي يوم بعثتي

بكم خلتي من علتي حرها برد

عبيدكم البرسي مولى علائكم

كفاه فخاراً أنه لكم عبد

وللحافظ رجب البرسي

دمع يبدده مقيم نازح

ودم يبدده مقيم نازح

والعين إن أمست بدمع فجّرت

فجرت ينابيع هناك موانحُ

أظهرت مكنون الشجون فكلما

شجّ الأمون سجا الحرون الجامحُ (١)

وعليّ قد جعل الأسى تجديده

وقفاً يضاف الى الرحيب الفاسح

وشهود ذلي مع غريم صبابتي

كتبوا غرامي والسقام الشارح

أوهى اصطباري مطلقٌ ومقيّدٌ

غربٌ وقلبٌ بالكآبة بائحُ

فالجفن منسجمٌ غريق سائح

والقلب مضطرم حريٌق قادح

والخدّ خدّده طليق فاتر

والوجد جدّده مجدّ مازح

أصبحت تخفضني الهموم بنصبها

والجسم معتلّ مثالٌ لائح

حلّت له حلل النحول فبرده

برد الذبول تحلّ فيه صفائح

وخطيب وجدي فوق منبر وحشتي

لفراقهم لهو البليغ الفاصح

ومحّرمٌ حزني وشوّال العنا

والعيد عندي لاعجٌ ونوايحُ

ومديد صبري في بسيط تفكّري

هزجٌ ودمعي وافر ومسارحُ

ساروا فمعناهم ومغناهم عفا

واليوم فيه نوايحٌ وصوايحُ

درس الجديد جديدها فتنكّرت

ورنا بها للخَطب طرفٌ طامح

__________________

١ ـ شج المفازة : قطعها. الامون : الناقة.

٢٤١

نسج البلى محقّق حسنه

ففناءه ماحي الرسوم الماسح

فطفقتُ أندبه رهين صبابة

عدم الرفيق وغاب عنه الناصح

وأقول والزفرات تذكي جذوةً

بين الضلوع لها لهيبٌ لافح

: لا غرو إن غَدر الزمان بأهله

وجفا وحانَ وخانَ طرفٌ لامح

فلقد غوى في ظلم آل محمّد

وعوى عليهم منه كلبٌ نابح

وسطى على البازي غرابٌ أسحمٌ

وشبا على الأشبال زنجٌ ضابح

وتطاول الكلب العقور فصاول

الليث الهصور وذاك أمرٌ فادح

وتواثبت عرج الضباع وروّعت

والسيد أضحى للأسود يكافح

آل النبيّ بنو الوصيّ ومنبع

الشرف العليّ وللعلوم مفاتح

خزّان علم الله مهبط وحيه

وبحار علم والأنام ضحاضح

التائبون العابدون الحامدون

الذاكرون وجنح ليل جانح

الصائمون القائمون المطعمون

المؤثرون لهم يد ومنايح

عند الجدى سحب وفي وقت الهدى

سمتٌ وفي يوم النزال جحاجح

هم قبلة للساجدين وكعبة

للطائفين ومشعرٌ وبطايح

طرق الهدى سُفن النجاة محبّهم

ميزانه يوم القيامة راجح

ما تبلغ الشعراء منهم في الثنا

والله في السبع المثاني مادح

نسبٌ كمنبلج الصباح ومنتمىً

زاكٍ له يعنو السماك الرامح

الجد خير المرسلين محمّد الـ

ـهادي الأمين أخو الختام الفاتح

هو خاتم بل فاتحٌ بل حاكمٌ

بل شاهدٌ بل شافعٌ بل صافح

هو أول الأنوار بل هو صفوة الـ

ـجبّار والنشر الأريج الفايح

هو سيّد الكونين بل هو أشرف

الثقلين حقّاً والنذير الناصح

لولاك ما خلق الزمان ولا بدت

للعالمين مَساجدٌ ومصابح

والأم فاطمة البتول وبضعة

الهادي الرسول لها المهيمن مانح

٢٤٢

حوريّة إنسيّة لجلالها

وجمالها الوحي المنزّل شارحُ

والوالد الطهر الوصي المرتضى

عَلم الهداية والمنارُ الواضحُ

مولىً له النبأ العظيم وحبّه

النهج القويم به المتاجر رابح

مولىً له بغدير خمٍّ بيعةٌ

خضعت لها الاعناق وهي طوامح

القسور البتّاك والفتّاك والسفّاك

في يوم العراك الذابح

أسد الإله وسيفه ووليّه

وشقيق أحمد والوصيّ الناصح

وبعضده وبعضبه وبعزمه

حقّاً على الكفّار ناح النايح

يا ناصر الاسلام يا باب الهدى

يا كاسر الأصنام فهي طوامح

يا ليت عينك والحسين بكربلا

بين الطغاة عن الحريم يكافح

والعاديات صواهل وجوائل

بالشوس في بحر النجيع سوابح

والبيض والسمر اللدان بوارق

وطوارقٌ ولوامع ولوائح

يلقى الردى بحر الندى بين العدى

حتى غَدا مُلقىً وليس مُنافح

أفديه محزوز الوريد مرمّلا

ملقىً عليه الترب سافٍ سافح

والماء طامٍ وهو ظامٍ بالعرا

فردٌ غريبٌ مستظامٌ نازح

والطاهرات حواسرٌ وثواكل

بين العدا ونوادب ونوائح

في الطف يَسحبن الذُيول بذلة

والدهر سهم الغدر رامٍ رامح

يسترنَ بالاردان نور محاسن

صوناً وللأعداء طَرف طامح

لهفي لزينبَ وهي تندب نَدبها

في نَدبها والدمع سارٍ سارح

تدعو : أخي يا واحدي ومؤمّلي

مَن لي إذا ما ناب دهرٌ كالح؟

مَن لليتامى راحمٌ؟ من للأيامى

كافلٌ؟ من للجافة مناصح؟

حزني لفاطم تلطم الخدّين من

عظم المصاب لها جوىً وتبارح

أجفانها مقروحة ودموعها

مسفوحة والصبر منها جامح

تهوي لتقبيل القتيل تضمّه

بفتيل معجرها الدماء نَواضح

٢٤٣

تحنو على النحرِ الخضيب وتلثم

الثغر التريب لها فؤاد قادحُ

أسفي على حرم النبوة جئن مطـ

ـروحاً هنالك بالعتاب تطارح

يندبن بدراً غاب في فلك الثرى

وهزبر غابٍ غيّبته ضرائح

هذي أخي تدعو وهذي يا أبي

تشكو وليس لها وليّ ناصح

والطهر مشغول بكرب الموت من

ردّ الجواب وللمنيّة شابح

ولفاطم الصغرى نحيبٌ مقرحٌ

يذكي الجوانح للجوارحِ جارح

علجٌ يعالجها لسلب حليّها

فتظلّ في جهد العفاف تطارح

بالردن تستر وجهها وتمانع الـ

ـملعون عن نهب الردا وتكافح

تستصرخ المولى الامام وجدّها

وفؤادها بعد المسرّة نازح

يا جدّ قد بلغ العدا ما أمّلوا

فينا وقد شمتَ العدوّ الكاشح

يا جدّ غاب وليّنا وحميّنا

وكفيلنا ونصيرنا والناصح

ضيّعتمونا والوصايا ضيّعت

فينا وسهم الجور سارٍ سارح

يا فاطم الزهراء قومي وانظري

وجهَ الحسين له الصعيد مصافح

أكفانه نسجُ الغبار وغسله

بدم الوريد ولم تنحه نوائح

وشبوله نهب السيوف تزورها

بين الطفوف فراعلٌ وجوارح

وعلى السنانَ سنان رافع رأسه

ولجسمه خيل العداة روامح

والوحش يندب وحشةً لفراقه

والجنّ إن جنّ الظلام نوايح

والأرض ترجف والسماء لأجله

تبكي معاً والطير غادٍ رايح

والدهر من عظم الشجى شق الردا

أسفاً عليه وفاض جفنٌ دالح (١)

يا للرجال لظلم آل محمّد

ولأجل ثارهم وأين الكادح؟

__________________

١ ـ الدالح : كثير الماء.

٢٤٤

يُضحى الحسين بكربلاء مرملا

عريان تكسوه التراب صحاصحُ

وعياله فيها حيارى حسّرٌ

للذل في أشخاصهنّ ملامح

يُسرى بهم أسرى إلى شرّ الورى

من فوق أقتاب الجمال مضابح

ويُقاد زين العابدين مغلّلاً

بالقيد لم يشفق عليه مسامح

ما يكشف الغمّاء إلا نفحةٌ

يحيى بها الموتى نسيم نافح

نبويّةٌ علويّةٌ مهديّةٌ

يشفى بريّاها العليل البارح

يضحى مناديها ينادي : يا لثا

رات الحسين وذاك يومٌ فارح

والجنّ والأملاك حول لوائه

والرعب يقدم والحتوف تُناوح

ووفي جذعيهما

خفضاً ونصب الصلب رفع فاتح

وووالإثم والـ

ـعدوان في ذلّ الهوان شوائح

لعنوا بما اقترفوا وكلّ جريمة

شبّت لها منهم زنادٌ قادح

يا بن النبي صبابتي لا تنقضي

كمداً وحزني في الجوانح جانح

أبكيكم بمدامع تترى إذا

بخل السحاب لها انصبابٌ سافح

فاستجلِ مع مولاك عبد ولاك مَن

لولاك ما جادت عليه قرايح

برسيّة كملت عقود نظامها

حليّة ولها البديع وشايح

مدّت إليك يداً وأنت منيلها

يا بن النبيّ وعن خطاها صافح

يرجو بها ( رجب ) القبول إذا أتى

وهو الذي بك واثق لك مادح

أنت المعاذ لدى المعاد وأنت لي

إن ضاق بي رحب البلاد الفاسح

صلّى عليك الله ما سكب الحيا

دمعاً وما هبّ النسيم الفائح

وللحافظ البرسي :

ما هاجني ذكر ذات البان والعلم

ولا السلام على سلمي بذي سلمِ

٢٤٥

ولا صبوت لصبّ صاب مدمعه

من الصبابة صبّ الوابل الرزمِ

ولا على طلل يوماً أطلت بهِ

مخاطباً لأهيل الحيّ والخيمِ

ولاتمسّكت بالحادي وقلت له :

إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم

لكن تذكرت مولاي الحسين وقد

أضحى بكرب البلا في كربلاء ظمي

ففاض صبري وفاض الدمع وابتـ

ـعد الرقاد واقترب السهاد بالسقم

وهامَ إذ همت العبرات من عدم

قلبي ولم استطع مع ذاك منعَ دمي

لم أنسه وجيوش الكفر جائشة

والجيش في أمل والدين في ألم

تطوف بالطف فرسان الضلال به

والحق يسمع والأسماع في صمم

وللمنايا بفرسان المنى عجلٌ

والموت يسعى على ساقٍ بلا قدم

مُسائلاً ودموع العين سائلة

وهو العليم بعلم اللوح والقلم

ما إسم هذا الثرى يا قوم! فابتدروا

بقولهم يوصلون الكلم بالكلم :

بكربلا هذه تدعى فقال : أجل

آجالنا بين تلك الهضب والاكم

حطو الرحال فحال الموت حلّ بنا

دون البقاء وغير الله لَم يدم

يا للرجال لخطب حلّ مخترم الآ

جال معتدياً في الأشهر الحرم

فها هنا تصبح الاكباد من ظمأٍ

حرّى وأجسادها تروى بفيض دم

وها هنا تصبح الأقمار آفلة

والشمس في طفل والبدر في ظلم

وها هنا تملك السادات أعبدها

ظلماً ومخدومها في قبضة الخدم

وها هنا تصبح الأجساد ثاويةً

على الثرى مطعماً للبوم والرخم

وها هنا بَعد بُعد الدار مدفننا

وموعد الخصم عند الواحد الحكم

وصاح بالصحب هذا الموت فابتدروا

أُسداً فرائسها الآساد في الأجم

من كل أبيض وضّاح الجبين فتىً

يغشى صلى الحرب لا يخشى من الضرم

من كلّ منتدبٍ لله محتسبٍ

في الله منتجب بالله معتصم

وكلّ مصطلم الأبطال مصطلم

الآجال ملتمس الآمال مستلم

٢٤٦

وراح ثمّ جواد السبط يندبه

عالي الصهيل خليّاً طالب الخيم

فمذ رأته النساء الطاهرات بدا

يكادم الأرض في خدّ له وفم

برزن نادبةً حسرى وثاكلةً

عبرى ومعلولة بالمدمع السجم

فجئن والسبط ملقىً بالنصال أبت

مِن كفّ مستلمٍ أو ثغرِ ملتثمِ

والشمر ينحر منه النحر من حنقٍ

والأرض ترجف خوفاً مِن فعالهم

فتستر الوجهَ في كمّ عقيلته

وتنحني فوق قلبٍ واله كلم

تدعو أخاها الغريب المستظام أخي

ياليت طرف المنايا عن عُلاك عَم

من اتكلت عليه في النساء ومَن

أوصيت فينا ومن يحنو على الحرم؟

هذي سكينة قد عزّت سكينتها

وهذه فاطمٌ تبكي بفيض دم

تهوي لتقبيله والدمع منهمرٌ

والسبط عنها بكرب الموت في غمم

فيمنع الدم والنصل الكسير به

عنها فتنصلّ لم تبرح ولم ترم

تضمّه نحوها شوقاً وتلثمه

ويخضب النحر منه صدرها بدم

تقول من عظم شكواها ولوعتها

وحزنها غير منقضٍّ ومنفصم

: أخي لقد كنت نوراً يستضاء به

فما لنور الهدى والدين في ظلم

أخي لقد كنت غوثاً للأرامل يا

غوث اليتامى وبحر الجود والكرم

يا كافلي هل ترى الأيتام بعدك في

أسر المذلّة والاوصاب والالم

يا واحدي يابن أمّي يا حسين لقد

نال العدى ما تمنّوا من طلابهم

وبرّدوا غلل الأحقاد من ضغنٍ

وأظهروا ما تخفّى في صدورهم

أين الشفيق وقد بان الشقيق وقد

جار الرفيق ولجّ الدهر في الازم

مات الكفيل وغاب الليث فابتدرت

عرج الضباع على الأشبال في نهم

وتستغيث رسول الله صارخةً :

يا جدّ أين الوصايا في ذوي الرحم؟

يا جدّ لو نظرت عيناك من حزن

للعترة الغرّ بعد الصون والحشم

مُشرّدين عن الأوطان قد قهروا

ثكلى أسارى حيارى ضرّجوا بدم

٢٤٧

يسرى بهنّ سبايا بعد عزّهم

فوق المطايا كسبي الروم والخدم

هذا بقيّة آل الله سيّد أهل

الارض زينُ عباد الله كلّهم

نجل الحسين الفتى الباقي ووارثه

والسيد العابد السجاد في الظلم

يساق في الأسر نحو الشام مهتظماً

بين الأعادي فمن باكٍ ومبتسم

أين النبيّ وثغر السبط يقرعه

يزيد بغضاً لخير الخلق كلّهم؟

أينكث الرجس ثغراً كان قبّله

من حبّه الطهر خير العرب والعجم؟

ويدّعي بعدها الإسلام من سفه

وكان أكفر من عاد ومن إرم؟

يا ويله حين تأتي الطُهر فاطمة

في الحشر صارحةً في موقف الأمم

تأتي فيطرق أهل الجمع أجمعهم

منها حياءً ووجه الأرض في قتم

وتشتكي عن يمين العرش صارخة

وتستغيث إلى الجبّار ذي النقم

هناك يظهر حكم الله في ملأ

عضّوا وخانوا فيا سحقاً لفعلهم

وفي يديها قميصٌ للحسين غدا

مضمّخاً بدم قرناً إلى قَدم

أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومَن

ولاهم أملي والبرء من ألمي

حزني لكم أبداً لا ينقضي كمداً

حتى الممات وردّ الروح في رمم

حتّى تعود إليكم دولةُ وعدت

مهديّة تملأ الأقطار بالنعم

فليس للدين من حامٍ ومُنتصر

إلا الإمام الفتى الكشاف للظلم

القائم الخلف المهدي سيّدنا

الطاهر العلم ابن الطاهر العلم

بدر الغياهب تيّار المواهب منـ

ـصور الكتائب حامي الحلّ والحرم

يابن الامام الزكيّ العسكريّ فتى

الهادي التقيّ عليّ الطاهر الشيم

يابن الجواد ويا نجل الرضاء ويا

سليل كاظم غيظ مَنبع الكرم

خليفة الصادق المولى الذي ظهرت

علومه فأنارت غيهب الظلم

خليفة الباقر المولى خليفة زين

العابدين عليّ طيّب الخيم

نجل الحسين شهيد الطف سيّدنا

وحبّذا مفخر يعلو على الأمم

٢٤٨

نجل الحسين سليل الطهر فاطمة

وابن الوصيّ عليّ كاسر الصنمِ

يا بن النبي ويا بن الطهر حيدرة

يابن البتول ويابن الحلّ والحرم

أنت الفخار ومعناه وصورته

ونقطة الحكم لا بل خطّة الحكم

أيّامك البيض خضرٌ فهي خاتمة

الدنيا وختم سعود الدين والامم

متى نراك فلا ظُلمٌ ولا ظلم

والدين في رَغد والكفر في رغم؟

أقبل فسيل الهدى والدين قد طمست

ومسّها نصب والحق في عدم

يا آل طاها ومَن حبّي لهم شرفٌ

أعدّه في الورى من أعظم النعم

إليكم مدحةٌ جاءت منظّمة

ميمونة صغتها من جوهر الكلم

بسيطة إن شذت أو انشدت عطرت

بمدحكم كبساط الزهر منخرم

بكراً عروساً ثكولاً زفّها حزنٌ

على المنابر غير الدمع لم تسم

يرجو بها ( رجب ) رَحب المقام غداً

بعد العناء غناء غير منهدم

يا سادة الحق مالي غيركم أملٌ

وحبّكم عدّتي والمدح معتصمي

ما قدر مدحي والرحمن مادحكم

في هل أتى قد أتى مع نون والقلم

حاشاكم تحرموا الراجي مكارمكم

ويرجع الجارُ عنكم غيرَ محترم

أو يختشي الزلّة ( البرسيّ ) وهو يرى

ولاكم فوق ذي القربى وذي الرحم

إليكم تحف التسليم واصلةٌ

ومنكم وبكم أنجو من النقم

صلّى الإله عليكم ما بدا نسمٌ (١)

وما أتت نسمات الصبح في الحرم

وللشاعر رائية غراء يمدح بها أميرالمؤمنين عليه‌السلام خمّسها ابن السبعي :

أعيت صفاتك أهل الرأي والنظر

وأوردتهم حياض العجز والخطر

__________________

١ ـ النسم جمع نسمة : الانسان أو كل ذي روح.

٢٤٩

أنت الذي دق معناه لمعتبر

يا آية الله بل يا فتنة البشر

وحجة الله بل يا منتهى القدر

عن كشف معناه ذو الفكر الدقيق وهن

وفيك رب العلا أهل العقول فتن

أنى بحدّك يا نور الإله فطن

يا من اليه اشارات العقول ومن

فيه الألبّاء تحت العجز والخطر

ففي حدوثك قوم في هواك غووا

إن أبصروا منك أمراً معجزاً فغلوا

حيرت أذهانهم يا ذا العلا فعلوا

هيمت أفكار ذي الافكار حين رأوا

آيات شأنك في الأيام والعصر

أوضحت للناس أحكاماً محرفة

كما أتيت أحاديث مصحفة

انت المقدم اسلافاً وسالفة

يا أولا آخراً نوراً ومعرفة

يا ظاهراً باطناً في العين والأثر

يا مطعم القرص للعافي الاسير وما

ذاق الطعام وأمسى صائماً كرما

ومرجع القرص إذ بحر الظلام طما

لك العبارة بالنطق البليغ كما

لك الإشارة في الآيات والسور

أنوار فضلك لا تطفى لهن عدا

مما يكتمه أهل الضلال بدا

تخالفت فيك أفكار الورى أبدا

كم خاض فيك أناس وانتهى فغدا

معناك محتجباً عن كل مقتدر

لولاك ما اتسقت للطهر ملته

كلا ولا اتضحت للناس شرعته

٢٥٠

ولا انتفت عن اسير الشك شبهته

أنت الدليل لمن حارث بصيرته

في طيّ مشتبكات القول والعبر

أدركت مرتبة ما الوهم يدركها

وخضت من غمرات الحرب مهلكها

مولاي يا مالك الدنيا وتاركها

أنت السفينة مَن صدقاً تمسّكها

نجا ومن حاد عنها خاض في الشرر

من نور فضلك ذو الأفكار مقتبس

ومن معالم ربّ العلم مختلس

لولا بيانك أمر الكل ملتبس

فليس قبلك للافكار ملتمس

وليس بعدك تحقيق لمعتبر

جاءت بتأميرك الآيات والصحف

فالبعض قد آمنوا والبعض قد وقفوا

لولاك ما اتفقوا يوماً ولا اختلفوا

تفرق الناس إلا فيك وائتلفوا

فالبعض في جنّة والبعض في سقر

خير الخليقة قوم نهجك اتبعت

وشرّها مَن على تنقيصك اجتمعت

وفرقة أولت جهلاً لما سمعت

فالناس فيك ثلاث فرقة رفعت

وفرقة وقعت بالجهل والقذر

يا ويحها فرقة ما كان يمنعها

لو أنها اتبعت ما كان ينفعها

يا فرقة غيّها بالشوم موقعها

وفرقة وقعت لا النور يرفعها

ولا بصائرها فيها بذي عور

بعظم شأنك كل الصحف تعترف

ومن علومك رب العلم يغترف

٢٥١

لولاك ما اصطلحوا يوماً وما اختلفوا

تصالح الناس إلا فيك واختلفوا

إلا عليك وهذا موضع الخطر

جائت بتعظيمك الآيات والسور

فالبعض قد آمنوا والبعض قد كفروا

والبعض قد وقفوا جهلا وما اختبروا

وكم أشاروا؟ وكم أبدوا؟ وكم ستروا؟

والحق يظهر من بادٍ ومستتر

أقسمت بالله باري خلقنا قسما

لولاك ما سمّك الله العلي سما

يا من له اسم بأعلى العرش قد رسما

أسماؤك الغر مثل النيرات كما

صفاتك السبع كالأفلاك ذي الأكر

انت العليم اذا رب العلوم جهل

إذ كل علم فشا في الناس عنك نقل

وانت نجم الهدى تهدي لكل مضل

وولدك الغر كالابراج في فلك ال

معنى وانت مثال الشمس والقمر

أئمة سور القرآن قد نطقت

بفضلهم وبهم طرق الهدى اتسقت

طوبى لنفس بهم لا غيرهم وثقت

قومٌ هم الآل آل الله من علقت

بهم يداه نجى من زلة الخطر

عليهم محكم القرآن قد نزلا

مفصلاً من معاني فضلهم جملا

هم الهداة فلا تبغي لهم بدلا

شطر الامانة معراج النجاة إلى

أوج العلوم وكم في الشطر من غير؟

بلطف سرك موسى فجّر الحجرا

وأنت صاحبه إذ صاحب الخضر

٢٥٢

وفيك نوح نجا والفلك فيه جرا

يا سرّ كل نبي جاء مشتهرا

وسر كل نبي غير مشتهر

يلومني فيك ذو جهل أخو سفه

ولا يضر محقّاً قول ذي شبه

ومن تنزه عن ندٍّ وعن شبه

اجلّ وصفك عن قدر لمشتبه

وانت في العين مثل العين في الصور

وقوله في أهل البيت عليهم‌السلام خمّسها الشاعر المفلق الشيخ احمد بن الشيخ حسن النحوي

ولائي لآل المصطفى وبنيهم

وعترتهم أزكى الورى وذويهمُ

بهم سمة من جدهم وأبيهم

هم القوم انوار النبوة فيهم

تلوح وآثار الإمامة تلمع

نجوم سماء المجد اقمار تمّه

معالم دين الله أطواد حلمه

منازل ذكر الله حكام حكمه

مهابط وحي الله خزان علمه

وعندهم سر المهيمن مودع

مديحهم في محكم الذكر محكم

وعندهم ما قد تلقاه آدم

فدع حكم باقي الناس فهو تحكّم

إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم

وإن نطقوا فالدهر اذن ومسمع

بحبهم طاعاتنا تتقبل

وفي فضلهم جاء الكتاب المنزّل

٢٥٣

يعمّ نداهم كل أرض ويشمل

وإن ذكروا فالكون ندّ ومندل

لهم أرج من طيبهم يتضوع

دعا بهم موسى ففرج كربه

وكلمه من جانب الطور ربه

إذا حاولوا أمراً تسهل صعبه

وإن برزوا فالدهر يخفق قلبه

لسطوتهم والاسد في الغاب تفزغ

فلولاهم ما سار فلك ولا جرى

ولا ذرء الله الأنام ولا برى

كرام متى ما زرتهم عجلوا القرى

وإن ذكر المعروف والجود في الورى

فبحر نداهم زاخر يتدفع

أبوهم أخو المختار طه ونفسه

وهم فرع دوحٍ في الجلالة غرسه

وأمهم الزهراء فاطم عرسه

أبوهم سماء المجد والام شمسه

نجوم لها برج الجلالة مطلع

لهم نسب أضحى بأحمد معرقا

رقا منه للعلياء أبعد مرتقى

وزادهم من رونق القدس رونقا

فيا نسباً كالشمس أبيض مشرقاً

ويا شرفاً من هامة النجم أرفع

كرامٌ نماهم طاهر متطهر

وبثّ بهم من احمد الطهر عنصر

وأمهم الزهراء والأب حيدر

فمن مثلهم في الناس إن عدّ مفخر

أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمع

على امير المؤمنين أميرهم

وشبّرهم أصل التقى وشبيرهم

٢٥٤

بهاليل صوامون فاح عبيرهم

ميامين قوامون عزّ نظيرهم

هداة ولاة للرسالة منبع

مناجيب ظل الله في الارض ظلهم

وهم معدن للعلم والفضل كلهم

وفضلهم أحيى البرايا وبذلهم

فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم

ولاعلم إلا علمهم حين يرفع

إليهم يفر الخاطئون بذنبهم

وهم شفعاء المذنبين لربهم

فلا طاعة ترضي لغير محبّهم

ولا عمل نيجي غداً غير حبّهم

إذا قام يوم البعث للخلق مجمع

حلفت بمن قد أمّ مكة وافدا

لقد خاب مَن قد كان للآل جاحدا

ولو أنه قد قطع العمر ساجدا

ولو أن عبداً جاء لله عابداً

بغير ولى أهل العبا ليس ينفع

بني احمد مالي سواكم أرى غدا

إذا جئت في قيد الذنوب مقيدا

أناديكم يا خير من سمع الندا

ايا عترة المختار يا راية الهدى

إليكم غداً في موقفي أتطلع

فو الله لا أخشى من النار في غدٍ

وأنتم ولاة الأمر يا آل أحمد

وها أنا قد أدعوكم رافعاً يدي

خذوا بيدي يا آل بيت محمّد

فمن غيركم يوم القيامة يشفع

وله في اهل البيت عليهم‌السلام

٢٥٥

سرّكم لا تناله الفكر

وأمركم في الورى له خطر

مستصعب فكّ رمزه خطر

ووصفكم لا يطيقه البشر

ومدحكم شرّفت به السور

وجودكم للوجود علّته

ونوركم للظهور آيته

وأنتم للوجود قبلته

وحبكم للمحب كعبته

يسعى بها طائفاً ويعتمر

لولاكم ما استدارت الاكر

ولا استنارت شمس ولا قمر

ولا تدلّى غصنٌ ولا ثمر

ولا تندّى ورقٌ ولا خضر

ولا سرى بارق ولا مطر

عندكم في الاياب مجمعنا

وأنتم في الحساب مفزعنا

وقولكم في الصراط مرجعنا

وحبكم في النشور ينفعنا

به ذنوب المحب تغتفر

يا سادة قد زكت معارفهم

وطاب اصلا وساد عارفهم

وخاف في بعثه مخالفهم

إن يختبر للورى صيارفهم

فأصلهم بالولاء يُختبر

أنتم رجائي وحبكم أملي

عليه يوم المعاد متكلي

فكيف يخشى حر السعير ولي

وشافعاه محمد وعلي

أو يعتريه من شرها شرر

٢٥٦

عبدكم الحافظ الفقير على

أعتاب أبوابكم يروم فلا

تخيبوه يا سادتي أملا

وأقسموه يوم المعاد الى

ظل ظليل نسيمه عطرا

صلى عليكم رب السماء كما

أصفاكم واصطفاكم كرما

وزاد عبدا والاكم نعما

ما غرّد الطير في الغصون وما

ناح حمام وأورق الشجر

وله في العترة الطاهرة

إذا رمتَ يوم البعث تنجو من اللظى

ويقبل منك الدين والفرض والسنن

فوال علياً والأئمة بعده

نجوم الهدى تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوض الله أمره

إليهم لما قد خصهم منه بالمنن

أئمة حق أوجب الله حقهم

وطاعتهم فرص بها الخلق تمتحن

نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني

الى غيرهم من غيرهم في الانام من؟

فحب علي عدة لوليه

يلاقيه عند الموت والقبر والكفن

كذلك يوم البعث لم ينج قادم

من النار إلا من تولى أبا الحسن

وقال يمدح الامام أمير المؤمنين

يا منبع الاسرار يا

سرّ المهيمن في الممالك

يا قطب دائرة الوجود

وعين منبعه كذلك

والعين والسر الذي

منه تلقنت الملائك

٢٥٧

ما لاح صبح في الدجى

إلا واسفر عن جمالك

يا بن الأطايب والطواهر

والفواطم والعواتك

أنت الامان من الردى

أنت النجاة من المهالك

أنت الصراط المستقيم

قسيم جنات الأرائك

والنار مفزعها إليك

وأنت مالك أمر مالك

يا من تجلّى بالجمال

فشق بردة كل حالك

صلى الاله عليك من

هادٍ الى خير المسالك

والحافظ البرسي لا

يخشى وأنت له هنالك

٢٥٨

محمد بن الحسن العليف

لمحمد بن الحسن العليف قصائد في اهل البيت كثيرة ، وهو

المتوفي ٨١٥

أقول قول صادق

لا كاذب ومدّعي

سمت علت بي همتي

الى المحلّ الأرفع

بالمصطفى محمد

وبالبطين الانزع

بخمسة ما بعدهم

لطامع من مطمع

مَن طهروا وشرفوا

على الورى بالاجمع

فاحكم بفضلهم على

سواهم واقطع

الماء هم وغيرهم

سراب قاع بلقع

خير ملاذ للورى

وعصمة ومفزع

في المحل والقحط لنا

مثل الغيوث الهمع (١)

أبرّ بالأمة من

امٍ بطفل مرضع

__________________

١ ـ مطالع البدور ومجمع البحور للقاضي صفي الدين احمد بن صالح اليماني ـ مخطوط ـ مكتبة كاشف الغطاء العامة.

٢٥٩

عروتي الوثقى هم

وعصمتي ومنجعي

وان سألت خالقي

شيئاً بهم لم أمنع

وإن ذكرت فضلهم

دمعت كل مدمع

آمنني الله بهم

من خوف يوم المفزع

وأحسن الله بهم

منقلبي ومرجعي

وبرد الله بهم

في وسط قبري مضجعي

ورفع الله بهم

منزلتي وموضعي

فليت أهلي كلهم

وليت اخواني معي

لكن مَن منحته

نصحي له لم يسمع

اذا ذكرت طفّهم

فاضت عليه أدمعي

كم طلّ فيه لهم

من مقتل ومصرع

رؤوسهم على القنا

مثل النجوم الطُلّع

بدرهم أمامهم

رأس الامام الارفع

رؤوس خير سجّد

لربهم وركّع

كم فيهم من قائِمٍ

لربه لم يهجع

لم تغرب الشمس على

مثلهم وتطلع

وزينبٌ بينهم

على قعود جدّع

قد جردوها ـ لعنوا ـ

من الردى والمقنع

تصيح يا أمّ انظري

حالي ويا أم اسمعي

وليس منهم أحد

يسمعها ولا يعي

يا قلب ذُب عليهم

يا كبدي تقطعي

العن يزيداً كلما

ذكرته وابن الدعي

بعبرة سايلةٍ

مني وقلب موجع

٢٦٠