أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

وقوله في ص ٢٤٠ :

لا تحرصن على فضل ولا أدب

فقد يضرّ الفتى علم وتحقيق

ولا تعد من العقّال بينهم

فان كل قليل العقل مرزوق

والحظ أنفع من خط تزوقه

فما يفيد قليل الحظ تزويق

والعلم يحسب من رزق الفتى وله

بكل متّسع في الفضل تضييق

أهل الفضائل والآداب قد كسدوا

والجاهلون فقد قامت لهم سوق

والناس أعداء من سارت فضائله

وان تعمق قالوا عنه زنديق

وقوله في ص ٢٦٠ :

فيا سائلي عن مذهبي إن مذهبي

ولاء به حب الصحابة يمزج

فمن رام تقويمي فإني مقوّم

ومَن رام تعويجي فإني معوّج

وقوله في ص ٢٧١ :

يا آل بيت النبي مَن بذلت

في حبكم روحه فما غبنا

مَن جاء عن بيته يسائلكم

قولوا له البيت والحديث لنا

وقوله في ص ٣٠٢ وقد سمع مَن ينشد :

كم عالم عالم أعيت مذاهبه

وجاهل جاهل تلقاه مرزقا

هذا الذي ترك الألباب حائرة

وصيّر العالم النحرير زنديقا

فقال :

كم عالم عالم يشكو طوى وظماً

وجاهل جاهل شبعان ريّانا

٢٠١

هذا الذي زاد أهل الكفر لاسلموا

كفراً وزاد أولي الايمان إيمانا

وقوله في ص ٣٠٦ في جارية له اسمها لؤلؤة وقد ماتت :

أيا موت رفقاً على حسنها

فقد بلغت روحها الترقوة

تركت جواهر عند اللئا

م وتحسد مثلي على لؤلؤه

وقال فيها أيضا :

فريدة من لئالئٍ

تتثنّى من المرض

ثم ماتت فجسمها

جوهر زال بالعرض

وقوله في ص ٣٠٧

إن لحسادي عندي يداً

يحق أن يعرفها مثلي

أبدوا عيوبي فتجنبتها

ونبهوا الناس على فضلي

وقوله في ص ٣٠٨

إذا أحببت نظم الشعر فاقصد

لنظمك كل سهل ذي امتناع

ولا تكثر مجانسةً ومكّن

قوافيه وكِله الى الطباع

وقوله في ص ٣١١ :

دنيا تضام كرامها بلئامها

ودليل ذاك حسينهما ويزيدها

يا خاطب الدنيا الدنية أنها

طبعت على كدر وأنت تريدها

وقوله في ص ٣١٣ :

٢٠٢

ابني زماني ما أنا

منكم وقول الحق يثبت

وإذا نشأت خلالكم

فالورد بين الشوك ينبت

وقوله في ص ٣٢٣ :

قالت إذا كنت ترجو

انسي وتخشى نفوري

صف ورد خدي وإلا

أجور ناديتُ جوري

وقوله في ص ٣٢٦ :

وما لي إلا حبّ آل محمد

فكم جمعوا فضلاوكم فضلوا جمعا

محبتهم ترياق زلاتي التي

تخيّل لي من سحرها أنها تسعى

وقوله في ص ٣٢٧

قلتُ لدنياي لِم ظلمتِ بني

عليّ المرتضى أبي حسن

قالت أما تنصفوا لطائفة

أبوهم بالثلاث طلقني

وينتسب الى الخليفة ابي بكر وله في ذلك كما في ديوانه :

جدي هو الصديق وإسمي عمر

وابني أبو بكر وبنتي عائشه

لكن يزيد ناقص عندي ففي

ظلم الحسين ألف ألف فاحشه

وهو من أهل معرة النعمان وكان يكثر الحنين إليها والاعتزاز بها لأنها مسقط رأسه من ذلك قوله في قصيدته التي أوّلها :

قف وقفة المتألم المتأمل

بمعرّة النعمان وأنظر بي ولي

إلى أن يقول في آخرها ـ كما في ديوانه ص ٢٦٢.

أقسمت لو نطقت لأبدت شوقها

نحوي كشوقي نحوها وترقّ لي

٢٠٣

لم لا ترقّ لدمع عين ما رقا

وجوارح جرحى وبالٍ قد بلي

موتي حسيني بها، وملامكم

فيها يزيد ، وقدرها عندي ( علي )

أقول وجاء في مقدمة تاريخه أن مولده سنة ٦٩١ هـ.

وكانت وفاته بحلب ١٧ ذي الحجة سنة ٧٤٩ في طاعون حلب وعمره ٥٨ سنة.

أما المقامة المشهدية التي ألحقها بقصيدة طويلة فهي سجل حافل بأوضاع زمانه وظلمه دون أقرانه ، نقتطف من القصيدة أبياته التالية ، فهي في تصوير حالته كافية ـ قال يخاطب ابن الزملكاني ويستقيل فيها من منصبه إن لم ترع حقوقه :

يا كامل الفضل جمّ البذل وافره

جوداً مديدَ القوافي غير مقتضب

إني أحبّ مقامي في حماك ومَن

يكن ببابك يا ذا الفضل لم يخب

فليتني مثل بعض الخاملين ولا

تكون تولية الأحكام من سببي

فالحكم متعبة للقلب ، مغضبة

للرب ، مجلبة للذنب فاجتنب

وإن تكن رتبتي في البر عالية

فالكون عندك لي أعلا من الرتب

فانظر إليّ وجد عطفاً عليّ عسى

رزق يعين على سكناي في حلب

والبرّ أوسع رزقاً غير أنّي في

قلبي من العلم والتحصيل والطلب

وفي المدارس لي حق فما بنيت

إلا لمثلي في حجر العلوم ربي

أهل الاعادة والفتوى أنا ومعي

خط الشيوخ بهذا وامتحن كتبي

فإنّ في عمر عدلاً ومعرفة

فكيف يصرف عن هذا بلا سبب

قالوا فلم تطلب العزل الذي هربت

منه القضاة قديماً غاية الهرب

٢٠٤

فقلت نحن قضاة البر مهملة

أقدارنا فهي كالاوقاص في النصب

مَن كان منا جريّاً أكرموه وولّو

ه المناصب بالخطبات والخطب

ومتقي الله منا مهمل حرج

مروّع القلب محمول على الكرب

لا يعرفون له قدراً وعفّته

يخشون إعداءها للناس كالجرب

إن دام هذا وحاشاه يدوم بنا

فارقت زييّ الى ما ليس يجمل بي

يا سيدي يا كمال الدين خذ بيدي

من القضاء فمالي فيه من إرب

البر يصلح للشيخ الكبير ومن

رمى سهاماً الى العليا فلم يصب

أما الذي عرفت بالفهم فطرته

فإنه في مقام البرّ لم يطب

أقول وكتب الأخ المعاصر العلامه السيد محمد مهدي الخرسان رسالة وافية عن حياة ابن الوردي وجعلها مقدمة لتاريخ ابن الوردي المطبوع في النجف الأشرف الطبعة الثانية سنة ١٣٨٩ وقد ألم بجميع نواحي حياة ابن الوردي وعدد مؤلفاته واجازاته وأقوال المؤرخين فيه

ومن الجميل أن نذكر لامية ابن الوردي في النصائح والأمثال والحكم فإنها على غرار لامية اسماعيل بن أبي بكر المقري الزبيدي ، ولامية صلاح الدين الصفدي ، ولامية الحسين بن علي الطغرائي المشهورة بلامية العجم. وهذه القصائد المشهورة قد شُرحت ومُدحت وذيلت.

أعتزل ذكر الغواني والغزل

وقل الفصل وجانب مَن هزل

ودع الذكر لأيام الصبا

فلأيام الصبا نجم أفل

ان أحلى عيشة قضيتها

ذهبت لذاتها والأثم حل

واترك الغادة لا تحفظ بها

تمس في عز وترفع وتُجل

واله عن آلة لهوٍ أطربت

وعن الأمرد مرفيّ الكفل

٢٠٥

ان تبدّى تنكشف شمس الضحى

وإذا ما ماس يزرى بالأسل

فاق إذ قسناه بالبدر سناً

وعدلناه برمح فاعتدل

واهجر الخمرة إن كنت فتى

كيف يسعى في جنون مَن عقل

واتق الله فتقوى الله ما

جاورت قلب امرءٍ إلا وصل

ليس مَن يقطع طرفا بطلا

إنما مَن يتق الله البطل

صدّق الشرع ولا تركن الى

رجل يرصد في الليل زحل

حارت الأفكار في قدرة مَن

قد هدانا سبلنا عز وجل

كتب الموت على الخلق فكم

فل من جيش وأفنى من دول

أين نمرود وكنعان ومَن

ملك الأرض وولّى وعزل

أين مَن سادوا وشادوا وبنوا

هلك الكل فلم تغن القُلل

أين عاد أين فرعون ومَن

رفع الاهرام مَن يسمع يخل

أين أرباب الحجى أهل التقى

أين أهل العلم والقوم الأول

سيعيد الله كلا منهم

وسيجزي فاعلاً ما قد فعل

يا بُنيّ اسمع وصايا جمعت

حكماً خصّت بها خير الملل

اطلب العلم ولا تكسل فما

أبعد الخير على أهل الكسل

واحتفل للفقه في الدين ولا

تشتغل عنه بمالٍ وخول

واهجر النوم وحصّله فمن

يعرف المطلوب يحقر ما بذل

لا تقل قد ذهبت أربابه

كلّ من سار على الدرب وصل

في ازدياد العلم ارغام العدا

وجمال العلم إصلاح العمل

جمّل المنطق بالنحو فمن

يحرم الاعراب في النطق احتمل

انظم الشعر ولازم مذهبي

فاطراح الرفد في الدنيا أقل

فهو عنوان على افضل وما

أحسن الشعر إذا لم يبتذل

مات أهل الجود لم يبق سوى

مقرف أو مَن على الأصل اتكل

٢٠٦

أنا لا أختار تقبيل يد

قطعها أجمل من تلك القبل

ان جزتني عن مديحي صرت في

رقّها لولا فيكفيني الخجل

ملك كسرى عنه تغنى كسرة

وعن البحر اكتفاء بالوشل

اعتبر ( نحن قسمنا ) بينهم

تلقه حقاً وبالحق ، نزل

ليس ما يحوي الفتى عن عزمه

لا ولا ما فات يوماً بالكسل

قاطع الدنيا فمن عاداتها

عيشة الجاهل بل هذا أزل

كم شجاع لم ينل منها المنى

وجبان نال غايات الامل

فاترك الحيلة فيها واتئد

إنما الحيلة في ترك الحيل

لا تقل أصلي وفصلي أبداً

إنما أصل الفتى ما قد حصل

قيمة الإنسان ما يُحسنه

أكثر الانسان منه أو أقل

أكتم الأمرين فقراً وغنى

واكسب الفلس وحاسب من بطل

وادّرع جداً وكدا واجتنب

صحبة الحمقا وأرباب الدول

بين تبذير وبُخلٍ رتبة

وكلا هذين ان زاد قتل

لا تخض في حق سادات مضوا

انهم ليسوا بأهل للزلل

وتغافل عن أمور انه

لم يفز بالحمد إلا من غفل

ليس يخلو المرء من ضدٍ وان

حاول العزلة في رأس جبل

غب عن النمام وأهجره فما

بلغ المكروه إلا مَن نقل

دار جار الدار إن جار وان

لم تجد صبرا فما احلى النقل

جانب السلطان واحذر بطشه

لا تخاصم مَن إذا قال فعل

لا تلى الحكم وأن هم سألوا

رغبة فيك وخالف من عذل

إن نصف الناس اعداءٌ لمن

ولى الاحكام هذا إن عدل

فهو كالمحبوس عن لذاته

وكلا كفيّه في الحشر تُغل

ان للنقص والاستثقال في

لفظة القاضي لوعظٌ ومثل

٢٠٧

لا توازي لذة الحكم بما

ذاقه الشخص اذا الشخص انعزل

فالولايات وان طابت لمن

ذاقها ، فالسم في ذاك العسل

نصب المنصب أو هي جَلَدي

وعنائي من مداراة السفل

قصّر الآمال في الدنيا تفز

فدليل العقل تقصير الامل

إن مَن يطلبه الموت على

غرة منه جدير بالوجل

غب وزر غبّاً تجد حُبّاً فمَن

أكثرَ الترداد اصماه الملل

خذ بنصل السيف واترك غمده

واعتبر فضل الفتى دون الحلل

لا يضر الفضل إقلال كما

لا يضر الشمس إطباق الطفل

حبك الاوطان عجز ظاهر

فاغترب تلق عن الأهل بدل

فبمكث الماء يبقى آسناً

وسرى البدر به البدر أكتمل

لا يغرنك لينٌ من فتى

إن للحيات ليناً يعتزل

انا مثل الماء سهل سائغ

ومتى سخّن آذى وقتل

أنا كالخيزور صعبٌ كسره

وهو لدن كيفما شئت انفتل

غير أني في زمان مَن يكن

فيه ذو مال هو المولى الاجل

واجبٌ عند الورى إكرامه

وقليل المال فيهم يسقل

كل أهل العصر غمر وأنا

منهم فاترك تفاصيل الجُمل

وصلاة الله ربي كلما

طلع الشمس نهاراً أو أفل

للذي حاز العلا من هاشم

أحمد المختار مَن ساد الاول (١)

__________________

١ ـ عن كتاب نفحة اليمن للشيرواني ص ١٥٨.

٢٠٨

ابو الحسن الخليعي

جمال الدين

سجعت فوق الغصون

فاقدات للقرين

فاستهلت سحبُ أجفا

ني وهزتني شجوني

غردت لاشجوها شجو

ي ولا حنّت حنين

لا ولا قلت لها

يا ورق بالنوح اسعديني

ما شجى الباكي طروبا

كشجى الباكي الحزين

حق لي أبكي دماءً

عوض الدمع الهتون

لغريب نازح الدار

خليٍّ من معين

لتريب الخد دامي

الوجه مرضوض الجبين

يا بني ( طه ) و ( حاميم )

و ( ياسين ) و ( نون )

بكم استعصمت من

شر خطوب تعتريني

فاذا خفت فأنتم

لنجاتي كالسفين

يا حجاب الله والمحمي

عن رجم الظنون

فيك داريت اناسا

عزموا أن يقتلوني

وتحصّنت بقول ( الصا

دق ) الحبر الأمين

اتقوا ان التقى من

دين آبائي وديني

وكفاني علمك الشا

هد للسر المصون

ومعاذ الله ان ألو

ي عن الحبل المتين

٢٠٩

ابو الحسن علي بن عبد العزيز بن ابي محمد الخليعي الموصلي الحلي توفي في حدود سنة ٧٥٠ بالحلة وله قبر بها يزار.

كان فاضلا مشاركاً في الفنون ، أديبا شاعراَ. له ديوان ليس فيه إلا مدح الأئمة عليهم‌السلام. أصله من الموصل وسكن الحلة ومات بها ودفن في إحدى بساتين ( الجامعين ).

قال السيد الامين في الاعيان : والذي يظهر لي ان الخليعي لقب لثلاثة أشخاص لا لاثنين. أحدهم مادح الحمدانيين. والثاني صاحب المراثي في الحسين عليه‌السلام وهو حلّي أصله موصلي وصاحب الطليعة يقول اسمه علي بن عبد العزيز والظاهر انه من نسل مادح الحمدانيين وهو غيره يقيناً لان المادح كان في المائة الرابعة ، وصاحب المراثي المذكور في الطليعة كان في المائة الثامنة.

أما صاحب المراثي الآخر المسمى بالحسن ـ إن تحقق وجوده ـ فهو متأخر أيضا ، ويمكن كونه ولد علي بن عبد العزيز ، ويمكن كونه ابا الحسن الخليعي ويسمى الحسن اشتباهاً بل هو غير بعيد ، فلا يكون الخليعي سوى اثنين والله أعلم ويرى الشيخ الاميني أن الحسن محرف وإنما كنيته ابو الحسن.

وذكره الشيخ الاميني في ( الغدير ) وقال : انه ولد من ابوين ناصبيين وأن أمه نذرت انها ان رزقت ولداً تبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الحسين عليه‌السلام وقتلهم ، فلما ولدت المترجم له وبلغ أشده ابتعثته كما نذرت فلما بلغ الى نواحي ( المسيب ) بمقربة من كربلاء المقدسة طفق ينتظر قدوم الزائرين فاستولى عليه النوم واجتازت عليه القوافل فاصابه الغبار فرأى فيما يراه النائم أن القيامة قد قامت وقد أمر به الى النار ولكنها لم تمسه لما

٢١٠

عليه من ذلك العثير فانتبه تائباً واعتنق ولاء أهل البيت ، وقصد الحائر الشريف ويقال أنه نظم عندئذ بيتين :

اذا شئت النجاة فزر حسينا

لكي تلقى الاله قرير عين

فان النار ليس تمس جسماً

عليه غبار زوار الحسين

ونقل عن دار السلام للعلامة النوري ان المترجم له لما دخل الحرم الحسيني المقدس انشأ قصيدة في الحسين عليه‌السلام وتلاها عليه وفي اثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي بالخليعي أو الخلعي.

أقول وذكر الشيخ الاميني له شعرا كثيراً وقال : له ٣٩ قصيدة في أهل البيت وجاء بمطلع كل واحدة من هذه القصائد.

أما الشيخ عباس القمي قدس الله نفسه الزكية فقد ذكره في الكنى والالقاب وقال انه موصلي الاصل مصري الدار وانه اعترض الزوار في طريق الموصل إذ أن القادمين للزيارة من جبل عامل يجيئون من طريق الموصل سابقا. ثم ذكر تاريخ الوفاة على غير ما ذكر ، فراجع.

أما الخطيب اليعقوبي فقد دلّه تتبعه على أن الشاعر قد مات في حدود سنة ٨٥٠ أو قرب ذلك واستند الى كتاب ( الحصون المنيعة ) وقال في آخر الترجمة : ودفن في أحد بساتين ( الجامعين ) بين مقام الامام الصادق عليه‌السلام (١) وقبر رضي الدين بن طاووس على مقربة من باب النجف الذي يسميه الحليون ( باب المشهد ) وعلى قبره قبة بيضاء وبالقرب منه قبر ابن حماد الآتي

__________________

١ ـ هذا المقام قديم البناء على ضفة فرات الحلة الغربية وذكره ابن شهر اشوب المتوفي سنة ٥٨٨ في آخر أحوال الامام الصادق وعبّر عنه بالمسجد.

٢١١

ذكره. وقد ذكره سيدنا المهدي معز الدين القزويني المتوفي سنة ١٣٠٠ في فلك النجاة في عداد مراقد علماء الحلة.

وديوان الخلعي في مكتبة الامام الحكيم العامة ـ قسم المخطوطات ـ بخط الشيخ محمد السماوي وله الفضل في جمع هذا الشعر حتى تألف منه ديوان يضم أكثر من ثلاثين قصيدة.

منها

هجرت مقلتي لذيذ كراها

لمصاب الشهيد من آل طاها

وقليل لمصرع السيط مجراها

ولو أن دمعها من دماها

لقتيل ساءت رزيّته الأملاك

واستعبرت عليه سَماها

بأبي ركبه المجد يجوب البيد

وَخداً وهادَها ورُباها

بأبي الفتية الميامين تسري

حوله والردى أمام سُراها

قُبحت أنفسٌ أطاعت هواها

وعصت مَن بلطفه سَوّاها

الهمت رشدها وعلّمها الله

أجور النفوس من تقواها

يا ابن بنت النبي يومك أذكى

في الحشا جمرةً يشبّ لظاها

كم لمملوكك الخليعي فيكم

مدحا يهتدى بنور سناها

تتجلّى بهاعقول ذوي اللب

وتجلو عن القلوب صداها

ومراثٍ قد أكمن الطيبُ فيها

كل ما أنشدت يَطيبُ شذاها

راجياً منكم الأمان اذا عدّ

ذنوباً يخاف من عقباها

ومنها قوله من قصيدة

العينُ عبرى دمعها مسفوح

والقلب من ألم الأسى مقروح

ما عذر مثلي يوم عاشورا اذا

لم أبك آل محمد وأنوح

٢١٢

أم كيف لا أبكى الحسين وقد غدا

شلوا بأرض الطف وهو ذبيح

والطاهرات حواسر من حوله

كل تنوح ودمعها مسفوح

هذي تقول أخي وهذي والدي

ومن الرزايا قلبها مقروح

أسفي لذاك الشيب وهو مضمخ

بدمائه والطبيب منه يفوح

أسفي لذاك الوجه من فوق القنا

كالشمس في أفق السماء يلوح

أسفي لذاك الجسم وهو مبضعٌ

وبكل جارحة لديه جروح

ولفاطم تبكي عليه بحرقة

وتقبل الأشلاء وهي تصيح

ظلّت تولول حاسراً مسبية

وسكينة ولهى عليه تنوح

يا والدي لا كان يومك انه

باب ليوم مصائبي مفتوح

أترى نسير الى الشام مع العدى

أسرى وأنت بكربلاء طريح

اليوم مات محمد فبكى له

ذو العزم موسى والمسيح ونوح

ومنها قوله من قصيدة

طال حزني واكتئابي

فجعلت النوح دابي

ما شجاني زاجر العيس

ولا حادي الركاب

لا ولا شاقتني الدار

على طول اغتراب

بل شجاني ذكر مقتـ

ـولٍ عفير في التراب

نازح الأوطان ملقى

في ثرى قفر يباب

حرّ قلبي وهو عاري

الجسم مسلوب الثياب

حرّ قلبي والسبايا

في بكاء وانتحاب

يتصارخن سليبات

رداءٍ ونقاب

وبدور التمّ صرعى

من مشيب وشباب

لست أنسى زينبا

ذات عويل وانتحاب

٢١٣

تلطم الخد وتبكي

للرزايات الصعاب

وتنادي يا أخي ليت

الردى كان بدابي

يا أخي يا واحدي ما

كان هذا في حسابي

يا أخي من يسعد الأيتا

م في عظم المصاب

يا أخي ضاقت علينا

بعدكم سبل الرحاب

وهو مشغول بكرب

الموت عن ردّ الجواب

ينظر السجاد في الأسر

بضرٍّ واضطراب

كلما أنّ أجابوه

بشتم وسباب

أو وَنى بالسير ألقو

ه على الرمضاء كاب

وقوله :

أضرمت نار قلبي المحزون

صادحات الحمام فوق الغصون

غرّدت لا دموعها تقرح الجفن

كدمعي ولا تحنّ حنيني

ما بكاء الحزين من ألم الثكل

وباك يشكو فراق القرين

حق لي أندب الغريب فيدمي

فيض دمعي عليه غرب جفوني

بابي النازح البعيد عن الأوطا

ن فرداً وما له من معين

يوم قال احفظوا مقالي ولا

ترموه جهلاً منكم برجم الظنون

إنني قد تركت فيكم كتاب

الله فاستمسكوا به واسمعوني

فهو نور وعترتي أهل بيتي

فانظروا كيف فيهما تخلفوني

ولقد كان فوق منبره ينثر

دراً من علمه المكنون

فأتاه الحسين يسعى كبدر

التم تجلى به دياجي الدجون

فكبا بين صحبه فهوى المختار

يبكي بدمع عين هتون

قائلاً يا بني روحي تفدّيك

وإني بذاك غير ضنين

٢١٤

ثم قال اشهدوا عليّ ومن

أرسلني بالهدى وحق مبين

خلتُ لما كبا بأنّ فؤادي

واقع من تحرقي وشجوني

كيف لو أنّ عينه عاينته

كابياً في التراب دامي الجبين

قائلاً ليس في الأنام ابن بيت

لنبي غيري ألا فاعرفوني

لهف قلبي له ينادي الى القوم

على أي بدعةٍ تقتلوني

يا ذوي البغي والفسوق أما

أخرجتموني كرهاً وكاتبتموني

واشتكيتم جور الطغاة وأقسمتم

إذا قمتُ أنكم تنصروني

ومضى يقصد الخيام ودمع العين

منه كاللؤلؤ المكنون

فاسترابت لذاك زينب فارتا

عت وقالت له بخفض ولين

سيدي ما الذي دهاك أبن لي

يا بن أمي وناصري ومعيني

قال يا أخت إن قومي وأهلي

قد تفانوا قتلاً وقد أوحدوني

وسأمضي وآخذ الثار ممن

عرفوا موضعي وقد أنكروني

فاسمعي ما أقول يا خيرة النسوان

فيما أوصى به وأحفظيني

لا تشقي جيباً ولا تلطمي خدا

وان عزك العزا فاندبيني

وأخلفيني على بناتي وأوصيك

بزين العباد فهو أميني

وهو العالم المشار إليه

صاحب المعجزات والتبيين

وإذا قمتِ عند وِردكِ من نا

فلة الليل دائماً فاذكريني

واعلمي أن جدك المصطفى والمر

تضى والبتول ينتظروني

وغدا للقتال يسطو على الأبطا

ل في حربه كليث العرين

فرمته الطغاة عن أسهم الأحقا

د كفراً منهم بأيدي الضغون

فبرزن الكرائم الفاطميات

حيارى بزفرة ورنين

وغدت زينب تنادي الى أين

رجالي وأين منى حصوني

ثم تدعو بامها البضعة الزهراء

يا خيرة النساء أدركيني

٢١٥

وأخرجي من ثرى القبور ونوحي

وأندبي واحدى عسى تسعديني

وانظري ذلك المفدى على الر

مضاء دامي الأوداج خافي الأنين

أمّ يا أمُ لم عزمتي على أخذي

كفيلي منى وأوحدتموني

وله في يوم الغدير قوله :

فاح أريج الرياض والشجرِ

ونبّه الورق راقد السحرِ

واقتدح الصبح زند بهجته

فأشعلت في محاجر الزهر

وافتر ثغر النوار مبتسماً

لما بكته مدامع المطر

واختالت الأرض في غلائلها

فعطرتنا بنشرها العطر

وقامت الورق في الغصون فلم

يبق لنا حاجة الى الوتر

ونبهتنا الى مساحب أذيا

ل الصبا بالأصيل والبكر

يا طيب أوقاتنا ونحن على

مستشرف شاهق نَدٍ نضِر

تطل منه على بقاع انيقا

ت كساها الربيع بالحبر

في فتية ينشر البليغ لهم

وتراً فيهدي تمراً الى هجر

من كل من يشرف الجليس له

معطر الذكر طيب الخبر

يورد ما جاء في « الغدير » وما

حدّث فيه عن خاتم النذر

مما روته الثقات في صحة

النقل وما أسندوا الى عمر

لقد رقى المصطفى بخمّ على

الاقتاب لا بالوني والحصر

أن عاد من حجة الوداع الى

منزله وهي آخر السفر

وقال يا قوم إن ربي قد

عاودني وحيه على خطر

إن لم أبلّغ ما قد أُمرتُ به

وكنت من خلقكم على حذر

وقال ان لم تفعل محوتك من

حكم النبيين فأخش واعتبر

٢١٦

إن خفت من كيدهم عصمتك فا

ستبشر فإني لخير منتصرِ

أقم علياً عليهم علماً

فقد تخيّرته من البشر

ثم تلى آية البلاغ لهم

والسمع ينعو لها مع البصر

وقال قد آن أن أجيب إلى

داعي المنايا وقد مضى عمري

ألست أولى منكم بأنفسكم

قلنا : بلى فاقض حاكماً ومُرِ

فقال والناس محدقون به

ما بين مصغ وبين منتظر

من كنتُ مولاه فحيدرة

مولاه يقفو به على أثري

يا رب فانصر من كان ناصره

واخذل عداه كخذل مقتدر

فقمت لما عرفت موضعه

من ربه وهو خيرة الخير

فقلت يا خيرة الأنام بخٍ

جاءتك منقادة على قدر

أصبحتَ مولى لنا وكنت أخاً

فافخر فقد حزت خير مفتخر

ومنها يقول :

تا لله ما ذنب من يقيس إلى

نعلك مَن قدّموا بمغتفرِ

أنكر قوم عيد الغدير وما

فيه على المؤمنين من نكر

حكّمك الله في العباد به

وسرت فيهم بأحسن السير

وأكمل الله فيه دينُهم

كما أتانا في محكم السور

نعتُك في محكم الكتاب وفي

التوراة باد والسفر والزبر

عليك عرض العباد تقض على

مَن شئت منهم بالنفع والضرر

تظمئ قوما عند الورود كما

تروي اناساً بالورد والصدر

يا ملجأ الخائف اللهيف ويا

كنز الموالي وخير مدخر

لقبت بالرفض وهو أشرف لي

من ناصبي بالكفر مشتهر

٢١٧

نعم رفضت الطاغوت والجبت

واستخلصتُ ودّي للأنجم الزهرِ

وقوله من قصيدة

سارت بأنوار علمك السير

وحدثت عن جلا لك السور

والمادحون المجزؤن غلوا

وبالغوا في ثناك واعتذروا

وعظمتك التورات والصحف الأو

لى واستبشرت بك العصر

والأنبياء المكرمون وفوا

فيك بما عاهدوا وما نذروا

وذكر المصطفى فأسمع من

ألقى له السمع وهو مدّكر

وجد في نصحهم فما قبلوا

ولا استقاموا له كما أمروا

ومنها يقول :

أسماؤك المشرقات في أوجه

القرآن في كل سورة غرر

سماك رب العباد قسورة

من حيث فروا كأنهم حمر

والعين والجنب والوجه أنت

والهادي وليل الظلام معتكر

يا صاحب الأمر في الغدير وقد

بخبخ لما وليته عمر

لو شئت ما مد..... يده

لها ولا نال حكمها زفر

لكن تأنيت في الامور ولم

تعجل عليهم وأنت مقتدر

وقوله :

جعلتُ النوح إدمانا

لما نال ابن مولانا

وأجرى أدمعاً ذكرى

غريباً مات عطشانا

٢١٨

عفير الجسم مسلوب

الردا في الترب عريانا

وتمثيلى بأرض الطف

أطفالاً ونسوانا

وقتلى من بني الزهرا

ء أشياخاً وشبانا

تهاب الوحش أجسادا

لهم زهراً وأبدانا

أفاضوا دمهم غسلا

وترب النقع أكفانا

بنفسي السبط اذ ينشد

في الأعداء حيرانا

أما فيكم فتى يرحم

هذا الطفل ضمآنا

بنفسي ذلك الطفل

غدا بالسهم ريانا

رمته وهو في كفّ

أبيه القوس مرنانا

بنفسي زينب تندب

أحزانا وأشجانا

وتدعو جدها يا جد

لو عاينت مرآنا

ولو شاهدت قتلانا

وأسرانا ومسرانا

بصفّحنا عيون الخلق

في الامصار ركبانا

ألا يا جد مَن أوليته

فضلاً واحسانا

وأكّدت عليه حفظنا

بعدك خلانا

ولم يرع لك العهد

ولا رق ولا لانا

فيا وهنا عر الدين

أيقضي السبط ضمئانا

وتضحي بالسبا آل

رسول الله أعلانا

الا يا ساة كانوا

لدين الله أركانا

ويا من نلت في مدحي

لهم عفوا وغفرانا

على من شرع الغدر

بكم ظلما وعدوانا

اليم اللعن والخزي

وذا أهون ما كانا

لقد زادكم الرحمن

تسليما ورضوانا

٢١٩

واعظاما واكراما

واقدارا وامكانا

فكونوا للخليعي

غداة البعث أعوانا

فكم لاقى من النصاب

أحقادا وأضغانا

ولن يزداد الارغبة

فيكم وإيمانا

وكم بات يجلي مد

حكم سرا واعلانا

بألفاظ حكت درا

وياقوتا ومرجانا

واحسان معان طرزها

يعجز حسّانا

سحبت بمدحكم ذيلا

على هامة سحبانا

ولولا مدحكم ما كنت

أعلى منهما شانا

صلوة الله تفشاكم

فما تقطعكم آنا

وقوله في آل البيت « ع » :

يا سادتي يا بني النبي ومن

مديحهم في المعاد ينقذني

عرفتهم بالدليل والنظر المبصر

لاكا المقلد اللكن

ديني هو الله والنبي ومو

لاي إمام الهدى ابو الحسن

والقول عندي بالعدل معتقدي

من غير شك فيه يخامرني

لست أرى ان خالقي أبداً

يفعل بي ما به يعاقبني

ولا على طاعة ومعصية

يجبرني كارهاً ويلزمني

وكيف يعزى الى القبيح من الفعـ

ـل وحاشاه وهو عنه غني

لكن افعالنا تناط بنا

ما كان من سيء ومن حسن

٢٢٠