منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

الرابع الاطراد وفسر بان اطلاق اللفظ على فرد بمعنى بنحو صح اطلاقه على سائر الأفراد بذلك المعنى فيستكشف منه وضعه لذلك المعنى الذي صح اطلاقه على الجميع بنحو واحد ، وان لم يصح اطلاقه على بقية الافراد بذلك النحو فلا يتحقق الاطراد مثلا يطلق الانسان على زيد باعتبار كونه حيوانا ناطقا فبهذا المعنى تجد الانسان مطردا في جميع افراده فيستكشف منه ان الانسان موضوع للحيوان الناطق وان لم يكن كذلك كما تجد الاسد يطلق على الرجل الشجاع لمشابهته للمعنى الحقيقي في الشجاعة فلا يطلق على غيره بمشابهته بشيء آخر ككونه ابخر فمن هذا يستكشف ان لفظ الأسد ليس موضوعا لكل ما يشابه الحيوان المفترس فيكون ذلك أي عدم الاطراد علامة للمجاز ويشكل عليه ان المجاز مطرد كالحقيقة فانه يصح استعمال اللفظ في المعنى مع تحقق العلاقة وقد اجيب عن ذلك بان المجاز ليس مطردا مع العلاقة لأن المصحح للاستعمال ليس نوع العلاقة وانما المصحح للاستعمال هو شخص العلاقة فان علاقة الجزء والكل نوعها ليس مصححا للاستعمال وانما المصحح خصوص ما كان للشيء تركب حقيقي وانه ينتفى الكل بانتفاء الجزء كالرقبة فانها تستعمل في الانسان فيقال اعتق رقبة ولا تطلق اليد عليه فالمجاز ليس مطردا في نوع العلاقة : ولا يخفى ان هذا الجواب يدفع الاشكال باعتبار نوع العلاقة.

وأما بالنسبة الى ما يصحح الاستعمال الذي هو خصوص العلاقة فلا يدفع الاشكال إذ هو مطرد فى خصوص ما يصح به الاستعمال كالحقيقة وصاحب الفصول قدس‌سره زاد فى تعريف الاطراد على وجه الحقيقة فهو وان اوجب اختصاص الاطراد بالحقيقة إلّا أنه يلزم منه الدور ولا يندفع بالاجمال والتفصيل كما دفع الدور في التبادر وعدم صحة السلب لكون الاطراد يتوقف على معرفة الحقيقة تفصيلا

٨١

حينئذ ومع معرفتها كذلك لا يبقى مجال لاستعلامها بالاطراد إذ هو من قبيل تحصيل الحاصل مضافا الى ان الاطراد ليس كونه علامة مستقلة وانما هو لاحراز تأثير التبادر بالعلم بالوضع.

بيان ذلك ان انسباق المعنى من اللفظ انما يكون من آثار الارتباط في نظر السامع واحراز كون انسباق المعنى من اللفظ مستندا الى الوضع لا من بعض القرائن يستفاد من الاطراد فالاطراد يكشف ان ذلك التبادر نشأ من حاق اللفظ لا من القرينة وبالجملة الاطراد يكون سببا محرزا لشرط تأثير التبادر بالعلم بالوضع.

فظهر مما ذكرنا ان الاطراد ان اعتبر في تبادر المعنى المشكوك فهو من قبيل ما يحرز شرطية التبادر فليس علامته على نهج علامة التبادر من كونه مستقلا بالعلامة للحقيقة وانما هو يكون متمما لتلك العلامة وان اعتبر الاطراد في صحة الاستعمال فلا يصح جعله علامة لكونه لازما اعم لوجوده في المجاز أيضا فيكون المجاز حينئذ مطردا كالحقيقة.

فى تعارض أحوال اللفظ

الأمر الثامن ذكر الأصحاب في تعارض الأحوال اللاحقة للفظ من حيث دورانه بين الاشتراك والاضمار والتخصيص (١) والتجوز والنقل امورا كلها

__________________

(١) عد التخصص من أحوال اللفظ مقابل التجوز مبني على ما اختاره المحقق الخراساني في الكفاية من انه ليس في استعمال الفاظ العموم في التخصيص تجوز اذ المراد من العام عموم ما يراد من المدخول ولذا لو دار الامر بين التخصيص والعموم لا تجري اصالة عدم التجوز الراجعة الى أصالة الحقيقة بل لو شك في التخصيص يرجع الى اصالة عدمه لأن التخصيص يحتاج الى مئونة زائدة والاصل ـ

٨٢

استحسانية والتكلم في ذلك من جهتين الأولى دوران كل واحد منها مع المعنى الحقيقي والظاهر ترجيح المعنى الحقيقي عليها وفاقا للاستاذ قدس‌سره بعد ان ذكر للفظ احوالا خمسة (١) قال ما لفظه (لا يكاد يصار الى احدها فيما إذا دار بينها وبين المعنى الحقيقي إلا بقرينة صارفة).

بيان ذلك هو انه لو دار الاستعمال بين المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي أو المعنى المشترك أو يحتمل انه معنى مجازي او مشترك أو بنحو الاضمار فيؤخذ بالمعنى الحقيقى فى هذه الموارد لاصالة الحقيقة فى الأول واصالة عدم الوضع في الثاني ولاصالتهما في الثالث واصالة عدم الاضمار فى الرابع من غير فرق بينما يكون في الكلام ما يحتمل القرينية وبينما لم يكن كذلك غاية الامر مع وجود ما يحتمل القرينية تجري هذه الأصول اما من باب التعبد أو أصول عقلائية فيؤخذ بها لا من باب الظهور. ومع عدم وجود ما يحتمل القرينية فيؤخذ بالاصول من باب الظهور عدمها الراجع الى الاخذ بالظهور.

__________________

(١) ذكر القوم للفظ احوال أخر غير الخمسة المذكورة مثل النسخ والتقييد والتضمين والكناية والاستخدام ولم يتعرض المحقق الخراسانى قدس‌سره في الكفاية لتلك الامور لدخول النسخ في التخصيص إذ هو تخصيص في الازمان والتقييد داخل في المجاز بناء على المشهور وكذا الكناية والاستخدام والتضمين فانها تدخل فى المجاز بناء على المشهور ولكن لا يخفى ان ذلك يوجب عدم ذكر التخصيص والاضمار لانهما داخلان في المجاز على المشهور. نعم بالنسبة الى التخصيص لا يدخل تحت المجاز بناء على ما اختاره وعليه يتوجه الايراد عليه انه ما وجه عدم ذكر بقية احوال اللفظ من التقييد والتضمين والكناية والاستخدام مع انها كلها لا تجوّز فيها على ما هو الحق من انها مستعملة في معانيها الحقيقية من دون تجوز.

٨٣

كأصالة الحقيقة أو كونها أصول عقلائية. وأما لو دار الامر بين المعنى الحقيقى والنقل فتارة يدور بينه وبين ما يحتمل النقل واخرى يدور بينه وبين ما يعلم بالنقل والشك في تقدم الاستعمال عليه وتأخره عنه مع العلم بتأريخ احدهما وثالثة يجهل تاريخهما. فعلى الأول يؤخذ بالمعنى الحقيقى ولا يلتفت الى احتمال النقل وعلى الثاني فتارة يعلم تاريخ النقل ويشك في تقدم الاستعمال فلا أصل يعتد به هاهنا فيلزم التوقف في المقام. وأما اصالة تأخر الاستعمال فلم يعتبره العقلاء. واخرى يعلم بتاريخ الاستعمال ويشك فى تقدم النقل على الاستعمال وتأخره فيحمل على المعنى الحقيقى لاصالة عدم النقل في ظرف الاستعمال إذ هو أصل معتبر عند العقلاء. وعلى الثالث وهو ما إذا جهل تاريخهما فربما يقال بانه كالصورة السابقة لجريان اصالة عدم النقل في حال الاستعمال فيحمل على المعنى الحقيقي ولا يعارضه اصالة تأخر الاستعمال لما عرفت من عدم جريانها لعدم اعتبارها عند العقلاء. ودعوى ان موارد العلم الاجمالي في توارد الحالتين لا تجري فيها الأصول ولو كانت غير متعارضة لاحتمال انطباق اليقين المعلوم بالاجمال على ما هو المشكوك فيكون من احتمال انتقاض السابق باليقين اللاحق مدفوعة لأن المعلوم يوصف كونه معلوما لا ينطبق على المشكوك.

والتحقيق في المقام هو عدم جريان الاصول العدمية في الجهل بتاريخهما لاحراز موضوع الاثر لأن جريان الأصل في نفي أحدهما لا يرفع الشك بالنسبة الى الآخر. فمع عدم رفعه للشك لا يتحقق موضوع الاثر حتى لو قلنا بأن الأصل المثبت حجة بالنسبة الى الاصول اللفظية فان الاحراز انما يتحقق برفع الشك كما عرفت منا سابقا فيما لو علم تاريخ الاستعمال وشك فى تقدم النقل وتأخره فمع جريان اصالة عدم النقل فى ظرف الاستعمال يتحقق موضوع الاثر الذي هو احراز

٨٤

الاستعمال مع عدم النقل وفي المقام لما لم يعلم بتاريخ الاستعمال فبجريان اصالة عدم النقل لا يرتفع الشك الحاصل في الاستعمال الذي احرازه هو الموضوع للاثر والسر في ذلك ان الاصل العدمي سواء كان اصلا عقلائيا أو أصلا تعبديا مفاده هو جريان العدم في جميع الازمنة ونفس العدم في ذلك الزمان المشكوك فيه وجود الآخر لا ينفع ولا يوجب رفع الشك بالنسبة الى الحادث الآخر ، نعم لو كان مفاده اثبات العدم في زمان الآخر فلا مانع من جريانه والأخذ به بناء على حجية الاصل المثبت كما لا يخفى.

الجهة الثانية .. وهو ما لو دار الامر بين بعضها مع بعض فتارة يكون الكلام محفوفا بما يحتمل القرينية واخرى لا يكون محفوفا بما يحتمل القرينية أما الاول فلا يؤخذ بتلك الاحوال إذ وجود ما يحتمل القرينية يمنع الظهور ومع عدم الظهور لا يؤخذ بالاصول ولو قلنا بانها من باب التعبد للتعارض الواقع بينها مع عدم الترجيح لاحدها هذا لو كان في كلام واحد وأما لو كان فى كلامين فحينئذ يعلم اجمالا بعدم ظهور أحد الكلامين فتقع المعارضة بينهما وحيث لا مرجح لاحد الظهورين فلا يؤخذ بأحدهما فيلزم التوقف في ذلك.

وأما الثاني وهو ما لو دار الامر بينهما ولم يكن في الكلام ما يحتمل قرينية الموجود فمع دورانه بين الاشتراك وبقية الاحوال فاصالة عدم تعدد الوضع ينفي الاشتراك وبنفيه تثبت بقية الاحوال كما انه لو دار بين النقل والتخصيص (١)

__________________

(١) لا يدور الأمر بين التخصيص والنقل وكذا بين الاضمار والاشتراك لأن الاصول غير متعارضة فان الأصول الجارية فى التخصيص والاضمار فى تشخيص المراد بخلاف الاصول الجارية فى النقل والاشتراك فانها لاثبات الوضع فلم يجتمعا

٨٥

فاصالة عدم النقل تحرز بقية الاحوال. وأما لو دار بين الاضمار وبقية الاحوال أو بين الاستخدام وبقية الاحوال فان الاصول فيها متعارضة فان كان هناك ظهور يؤخذ به وإلا فيلزم التوقف.

ومما ذكرنا يظهر ان ما ذكره الاستاذ من انها وجوه استحسانية لا دليل على اعتبارها إلا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ بالمعنى على اطلاقه محل منع لما عرفت ان بعضها مما قام الدليل على اعتبارها كما لا يخفى (١).

الحقيقة الشرعية

الأمر التاسع اختلف الاصحاب في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمها على أقوال وعلى تقدير الثبوت الظاهر تحققه في الوضع بقسميه اي التعييني والتعيني (٢)

فى مرتبة لكي تقع بينهما المعارضة ، نعم تقع المعارضة بين التخصيص والاضمار والتجوز لأن الاصول الجارية انما هي لتشخيص المراد كما تقع المعارضة بين النقل والاشتراك لانها جارية لاثبات الوضع ولا يخفى انه لا يؤخذ بشيء منها إلا إذا كانت موجبة للظهور فيؤخذ بها لبناء العقلاء على الاخذ به كما لا يخفى.

__________________

(١) الظاهر ان الاخذ باصالة العدم في الاشتراك والنقل ليس من باب التعبد وانما هو لتشخيص الظهور كالأخذ باصالة عدم القرينة الراجعة الى اصالة الحقيقة فما ذكره المحقق في الكفاية لا مانع من الاخذ باطلاقه ، نعم يرد عليه ان الاصول الوضعية كاصالة عدم النقل واصالة عدم الاشتراك لا تعارض الاصول المرادية كاصالة عدم التخصيص واصالة عدم القرينة الصارفة وأصالة عدم الاضمار لعدم كونها فى مرتبة واحدة فلا تغفل.

(٢) لا يخفى ان حصول الوضع التعينى من كثرة الاستعمالات مبنى على القول

٨٦

وربما يبعد الاول إذ لم يعهد من النبي (ص) انه قال بملإ من الناس وضعت هذه الالفاظ للمعاني الذي اخترعتها مع توفر دواعي النقل ولم ينقل إذ لو كان لبان.

ولذا قرب الاستاذ قدس‌سره نحوا آخر من الوضع التعييني وحاصله ان الوضع تارة يكون تصريحيا أي يحصل بالقول واخرى استعماليا أي يحصل من استعمال اللفظ في المعنى الذي اخترعه بقصد تحقق الوضع إذ الوضع انشاء كسائر الانشاءات تارة تحصل من القول واخرى تحصل من الفعل كالمعاطاة والفسخ والرجوع بالطلاق فانها تحصل بالفعل مع قصد الانشاء بها وهذا الاستعمال الذي سبب حصول العلقة والارتباط ليس بحقيقة لانها معلولة له ومتأخر عنه فلا يعقل ان يكون الاستعمال حقيقيا (١) كما انه ليس بمجاز إذ لا علاقة بين المعاني المستعملة والمعاني الحقيقة لكي يكون الاستعمال مجازيا وكون الاستعمال كذلك غير ضائر بعد كونه مما يستحسنه الطبع ولازم ذلك ان يكون هذا مصداقا للاستعمال وللوضع وقد

__________________

بالجامع بين افراد هذه العناوين لكي تكون الاستعمالات فى معنى واحد ومن هذه الكثرة يحصل الارتباط والانس الحاصل بين اللفظ والمعنى وأما مع القول بعدم الجامع بين افراد هذه العناوين فلا تحصل كثرة استعمالات إذ لم يستعمل لفظ الصلاة مثلا فى معنى واحد حينئذ وعليه لا مجال لدعوى الوضع التعينى في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه.

(١) هذا مبنى على كون الوضع منتزع من الانشاء وأما لو قلنا بانه منتزع من الالتزام النفسي فحينئذ يكون الاستعمال قد جرى على نحوه فيكون استعمالا في المعنى الموضوع له كما ان الفسخ يتحقق بالالتزام النفسي والفعل الواقع عقيبه يكون جاريا على طبقه فلذا يكون فسخا لأن الفسخ حينئذ يكون من الالتزامات النفسية والفعل يكون كاشفا عن البناء النفسي وبذلك صححنا تحقق الفسخ بالفعل.

٨٧

اشكل على ذلك بلزوم الجمع بين لحاظ الآلية والاستقلالية بتقريب ان الاستعمال هو فناء اللفظ في المعنى ولازم ذلك ان يكون النظر الى اللفظ آلة للمعنى وغير ملتفت اليه وفي الوضع الملحوظ نفس اللفظ لحاظا مستقلا وملتفت اليه فلو قصد بالاستعمال الوضع يؤدي الى الجمع بين اللحاظين أي لحاظ الآل ولحاظ الاستقلال في زمان واحد وذلك باطل بالضرورة ولكن لا يخفى ان ذلك يكون محذورا لو اجتمع اللحاظان فى مورد واحد وفي المقام اللحاظان لم يجتمعا في مورد واحد فان الملحوظ فى الاستعمال شخص اللفظ والملحوظ فى الوضع طبيعة اللفظ لطبيعة المعنى فموضوع لحاظ أحدهما غير موضوع الآخر (١) هذا كله لو قلنا بان المعاني مستحدثة وان الشارع قد اخترعها ولم تكن معهودة سابقا واما لو قلنا بأنها كانت معهودة سابقا كما يظهر من بعض الآيات مثل قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الى غير ذلك من الآيات الدالة على ان هذه المعاني ثابتة فى الشرائع السابقة فقد قال الاستاذ قدس‌سره ما لفظه فالفاظها حقائق لغوية لا شرعية واختلاف الشرائع فيها جزء وشرطا لا يوجب اختلافها فى الحقيقة والماهية إذ لعله كان من قبيل

__________________

(١) يرد عليه ان ذلك خروج عن الفرض إذ الفرض ان نفس الاستعمال حصل منه الوضع وحصوله منه لازمه اللحاظ الاستقلالي لنفس اللفظ مع كونه ملحوظا آلة وهو جمع بين اللحاظين في آن واحد نعم يتم ذلك بناء على كون الوضع يحصل قبل الاستعمال بالبناء القلبي والالتزام النفسي والمظهر لذلك هو الاستعمال كما ذكرنا بالنسبة الى الافعال المظهرة للفسخ كالمتوقفة على الملك إلّا انه خلاف الفرض فان الفرض ان نفس الاستعمال حصل منه الوضع والوضع متأخر عنه تأخر المعلول عن علته كما لا يخفى.

٨٨

الاختلاف في المصاديق والمحققات ولكن لا يخفى ان معهودية تلك المعاني في الاعصار القديمة لا يوجب جعلها حقائق لغوية إذ من المحتمل ان يكون الشارع قد اخترع الأسماء فوضعها لتلك المعاني القديمة واما الآيات المذكورة فلا دلالة لها على النقل باللفظ إذ من المحتمل قويا انها دالة على النقل بالمعنى لأن اللغات السابقة غير عربية وهذه الالفاظ عربية قد جرت على لسان الشارع ووضعها لتلك المعاني فتكون حقائق شرعية.

وعليه فلا وجه لما فرع عليه قدس‌سره انه مع هذا الاحتمال أي وجود هذه المعاني في الازمنة القديمة ما لفظه (لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقائق شرعية) لما عرفت ان الحقيقة الشرعية تتحقق من اختراع الاسماء ووضعها للمسميات سواء كانت مخترعة كالاسماء او كانت معهودة في الازمنة القديمة.

نعم لو كانت هذه المعاني بالفاظها معهودة في الزمن السابق فحينئذ تكون حقائق لغوية ولا يصيرها حقائق شرعية بامضاء الشارع كما يدعى ذلك في المعاملات بان الشارع ليس له اختراع في المعاملات بل امضى المعنى العرفي المؤدي بالفاظ العقود كالبيع والصلح والاجارة. واما ان الشارع قد وضع الالفاظ لتلك المعاني بوضع جديد فلا يصيرها حقيقة شرعية لأن ذلك يوجب ان يكون النزاع لفظيا بمعنى ان من يقول بان لها وضع جديد يقول بالحقيقة الشرعية ومن لا يقول بالوضع الجديد لا يقول بها. والظاهر ان النزاع معنوي أي مبني على ان للشارع اختراع أم لا والظاهر ان هذه الالفاظ لم تكن معهودة لكونها عربية وقبلا كانت اللغة غير عربية على ان تبادر هذه المعاني من الالفاظ يعين القول بالحقيقة الشرعية. وما ذكره الاستاذ قدس‌سره بان ذلك لا ينفع مع وجود احتمال كون هذه المعاني قديمة محل نظر إذ التبادر في المحاورات كالظهور يرفع احتمال الخلاف فمع تحققه يلغى احتمال

٨٩

كون هذه المعاني قديمة. ويستدل به على ثبوت الحقيقة الشرعية ولكن الانصاف ان القائل بالثبوت لا يلزم منه القول بتبادر تلك المعاني الشرعية إذ من الجائز ان يكون اللفظ مشتركا بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي.

ومما ذكرنا ظهر لك الاشكال في الثمرة التي رتبوها على القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمها بحمل الالفاظ على المعاني الشرعية على الثبوت وعلى اللغوية على عدم الثبوت وفاقا لما ذكره الاستاذ قدس‌سره من الثمرة بين القولين. وحاصل الاشكال على ما ذكر هو ان القائل بعدم الثبوت يدعى تبادر المعنى اللغوي فتحمل الالفاظ على معانيها اللغوية. واما القائل بالثبوت لا يلزم منه القول بتبادر المعاني الشرعية لكي يجب حمل الالفاظ عليها إذ لازم دليله هو تجدد الوضع في قبال النافي إذ من الجائز ان يكون اللفظ مشتركا عنده بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فان تجديد الوضع لا يوجب هجر المعنى الأول وعليه لا تحمل تلك الالفاظ على المعنى الشرعي بل لا بد من دال آخر يعين ذلك وحينئذ ينبغي ان تكون الثمرة بين القولين انه على القول بالثبوت يقتضي اجمال اللفظ وعلى القول بالعدم يتعين الحمل على المعنى اللغوي. اللهم إلّا ان يقال بان الاجمال ينافي غرض الناقل من الوضع الجديد لأن ديدن العقلاء في ما يخترعونه من العلوم والفنون ومن صناعاتهم ان يضعوا الالفاظ للمعاني بنحو تستفاد تلك المعاني من حاق اللفظ ولا يقاس على وضع المشتركات فان غرض الواضع منها توسعة المعاني ولا يقصد منها التفهيم وبالجملة ان الغرض من النقل هو فهم المعنى المنقول اليه من حاق اللفظ ولذا استدل القائل بالثبوت بتبادر تلك المعاني من حاق اللفظ إلا أن ذلك انما يتم بناء على أن القائل بالحقيقة الشرعية يلتزم بأن المعاني لم تكن معهودة في الأعصار السابقة. وأما مع احتمال

٩٠

كونها معان معهودة والشارع اخترع لها ألفاظا عربية لم تكن معهودة سابقا فتكون حقائق شرعية فتسقط الثمرة المقررة حينئذ ، إذ على كلا القولين تجمل على المعاني القديمة غايته على القول بعدم الثبوت تكون المعاني لغوية وعلى القول بالثبوت تكون المعاني شرعية. وعليه فيعود الاشكال السابق وهو على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية تحمل الألفاظ على المعاني اللغوية وعلى القول بثبوتها تكون تلك الالفاظ مجملة لترددها بين المعاني القديمة إذا كان الاختراع بالنسبة الى التسمية وبين المعاني المستحدثة إذا كانت المعاني كالاسماء مخترعة ولم تكن معهودة سابقا على أن هذه الثمرة تترتب فيما اذا علم بتأخر الاستعمال عن الوضع إذ مع تقدم الاستعمال على الوضع تحمل تلك الالفاظ على المعنى اللغوي على القولين ، وأما مع الجهل بالتاريخ فهل تجري اصالة تأخر الاستعمال؟ قد ذكرنا ذلك سابقا على نحو التفصيل فراجع وتأمل.

الصحيح والاعم

الأمر العاشر في الصحيح والأعم وبيان ذلك يتوقف على ذكر أمور :

الأول النزاع في أن الالفاظ اسامي للصحيح أو للأعم يجري حتى على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية (١) إذ لا اشكال أن الشارع عند الاطلاق

__________________

(١) الغرض من التعرض لذلك دفع توهم أن الصحيح والأعم من ملحقات الحقيقة الشرعية فان ملاك الالحاق هو جريان النزاع على تقدير دون تقدير وقد عرفت جريانه على كل تقدير وإن كان يظهر من الأسامي في العنوان كونه من توابع مسألة الحقيقة الشرعية ولكن لا يخفى أن المراد من الاسامي في العنوان هو الاستعمال بل يظهر من تقريرات الانصاري أعلى الله مقامه ان جهة البحث عام وان كان العنوان خاصا وبقى على حاله لأجل المحافظة على عناوين القوم كما ابقوا الاستدلال

٩١

قصد المعاني التي هي عند المتشرعة من غير فرق أن الاطلاق كان بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز فحينئذ وقع الخلاف أن تلك المعاني المقصودة هل هي الصحيحة أو هي الأعم؟ بتقريب أن الالفاظ المستعملة عند القائل بالصحيح تحمل على المعاني الصحيحة ابتداء ويحتاج حملها على الأعم الى قرينة صارفة عن المعنى الصحيح والقائل بالأعم يقول بأن الالفاظ تحمل على الأعم ويحتاج حملها على الصحيح الى قرينة صارفة عن الأعم. فمن يقول بالحقيقة الشرعية يعتبر العلاقة بينها وبين ما استعمل مجازا ، ومن لا يقول بالحقيقة الشرعية يدعي أن العلاقة اعتبرت اولا بين المعنى اللغوي والصحيح عند القائل بالصحيح وبين المعنى اللغوي والأعم عند القائل بالاعم ولا يلزم ذلك سبك مجاز بمجاز نعم بناء على قول الباقلاني الظاهر عدم تأتي النزاع (١) لانه على قوله لا بد من وجود قرينة تدل على تمام الاجزاء والشرائط فالنزاع في الحقيقة يرجع الى مقدار دلالة القرينة وليس فى مقام اطلاق اللفظ ومن الواضح أن النزاع فى ما يستفاد من الفاظ الشارع هل هو الصحيح أو الاعم لكي يحمل اللفظ على ما يستفاد منه وبالجملة النزاع في اطلاق تلك الالفاظ لا في القرينة.

الثاني المراد من الصحة فى العنوان التمامية وهي امر منتزع من كون المأتي

__________________

على القولين بالتبادر وعدم صحة السلب مع ان ذلك لا يلائم المجازية لما عرفت من عدم التغير والمحافظة على ما ذكره القوم كما لا يخفى.

(١) لا يخفى انه يمكن تأتي النزاع بناء على ما ذكره الباقلانى مع احتمال ان هذه المعانى كانت معهودة سابقا لان اللفظ حينئذ يكون موضوعا للكلي والاستعمال فى الصحيح أو الاعم يكون في المصداق وهو مجاز كما انه لو كان المعنى اللغوي العطف أو الميل أو الخضوع فالاطلاق حينئذ يكون على الفرد مجازا ويكون من باب إطلاق الكلي وارادة فرده وعليه فلا مانع من تأتي الخلاف والنزاع فافهم وتأمل.

٩٢

وافيا بالغرض ، والفساد منتزع من عدم وفاء المأتي بالغرض ومن الواضح انه متأخر عن نفس الشيء المأتي فكيف يؤخذ فيه فمن ذلك يظهر انه ليس المراد من الصحة والفساد مفهومهما ولا مصداقهما وانما المراد ملزومهما وهو الاجزاء والشرائط ، فمعنى الصحيح تام الاجزاء والشرائط ، والفاسد ما لم يكن تام الاجزاء والشرائط وقد يطلق عليه الناقص والمعيب فالصحة عند الجميع بمعنى واحد وهي التمامية ، والاختلاف في تعريفها ليس الاختلاف فى معناها ، وانما الاختلاف في ما يترتب عليها من الاثر المقصود كما أن الاختلاف في تفسيرها بين المتكلم بموافقة الشريعة وبين الفقيه بسقوط القضاء والاعادة ليس راجعا الى المعنى وانما هو بالمهم من لوازمه نعم وقع النزاع فى التمامية هل هو تام الاجزاء دون الشرائط او الاجزاء والشرائط التي اخذت في رتبة سابقة على الامر كالطهارة والتستر والاستقبال ونحوها أو الاجزاء والشرائط مطلقا ولو كانت برتبة متأخرة الممكن تعلق الامر بها كاشتراط عدم المزاحمة للضد أو عدم تعلق النهي به أو الاجزاء والشرائط مطلقا ولو جاءت من قبل الامر التي لا يعقل اخذها في متعلقه كقصد التقرب وقصد امتثال الامر اقوال قيل بالاول لتقدم الاجزاء رتبة على الشرائط تقدم المقتضي على الشرط على ان الشرطية منتزعة من تقييد المسمى بالشرط ولازم ذلك تقدم المسمى عليه مضافا الى ان بعض الشرائط غير قصدية كالطهارة من الخبث فيلزم تركب الصلاة من أمور قصدية وغيرها وهو باطل ولكن لا يخفى ان ذلك لا يمنع من اعتبار الاجزاء مقترنة بالشرائط بنحو تؤخذ توأما معها فلا اطلاق للاجزاء حينئذ كما انها لا تقيد بالشرائط ولو انتفى المسمى بانتفاء بعضها كالطهور والقبلة بل يمكن اعتبارها على هذا النحو بالنسبة الى جميع الشرائط ولو جاءت من قبل الامر ولا

٩٣

يلزم حينئذ اخذ ما لا يتأتى إلّا من قبل الامر في متعلقه فان ذلك يلزم لو اخذ فى المسمى المتعلق للامر. وأما على ما عرفت من انها معتبرة بنحو التوأمية الموجبة لتضييق دائرة الاجزاء فعليه لا محذور من اعتبار جميع الشرائط عند القائل بالصحيح إلّا ان ظاهر القوم عدم اعتبار الشرائط المتأخرة عن الامر التي يمكن ان يتعلق الامر بها فى معنى الصحة وان مثل ذلك خارج عن حريم النزاع لاتفاقهم على ان مثل تلك الشروط تجعل من العناوين الطارئة الحاصلة بعد تحقق المسميات ضرورة تحقق الصلاة مع مزاحمتها بالضد الاهم وتحقق الصيام في يوم العيد مع كونه منهيا عنه ولو فرض اعتبار عدم المزاحمة بالضد الاهم في مفهوم الصلاة وعدم كونه منهيا عنه في مفهوم الصوم لزم عدم تحقق الصلاة في فرض المزاحمة والصيام في فرض الحرمة وهكذا بالنسبة الى الشرائط المنتزعة من مقام الامتثال التي لا يعقل اخذها في متعلق الامر كقصد التقرب والامتثال وامثالهما فان مثل هذه الامور لم تؤخذ فى المسمى فلذا خرجت عن حريم النزاع فهي غير معتبرة على القولين وان امكن اعتبارها بنحو التوأمية لا القيدية. وبالجملة كلما لا يوجب انتفاءه انتفاء العنوان المأخوذ فى حيز الخطاب كالامور المتأخرة عن الامر مثل عدم المزاحمة للضد الاهم وعدم تعلق النهي وقصد الامتثال وأمثال ذلك مما لا يوجب انتفائها انتفاء العبادة فهي ليست دخيلة حينئذ بالمسمى وتخرج عن حريم النزاع وأما ما يوجب انتفاؤه انتفاء العنوان المأخوذ في حيز الخطاب كالامور المعتبرة قبل تعلق الامر كالطهور والتستر فهي داخلة في حريم النزاع فتعتبر فى المسمى بنحو التقييد على الصحيح اذ حالها عنده حال الاجزاء من غير فرق بينها ولا تعتبر فيه على القول بالاعم كما لا يخفى.

٩٤

الثالث ان الفاظ العبادات هل هي موضوعة باوضاع متعددة للمعاني المتعددة فتكون من قبيل المشترك اللفظي فتعدّ من متكثر المعنى ، أم انها موضوعة لمعنى جامع بين افراد مختلفة فتكون من قبيل الاشتراك المعنوي فتعد من متحد المعنى قولان ، والحق الثاني إذ الالتزام بالاشتراك اللفظي فى الفاظ العبادات مخالف للوجدان. فعليه لا بد من القول بالصحيح أو الاعم من الالتزام بوجود جامع يوضع اللفظ له بنحو يجمع تلك الافراد المختلفة كما وكيفا. فلو كان الجامع متصورا على احد القولين وغير متصور على الآخر فعدم تصوره دليل على بطلانه والاستاذ (قدس‌سره) ادعى وجوده بين الافراد الصحيحة. قال ما لفظه :

(ولا اشكال في وجوده بين الافراد الصحيحة وامكان الاشارة اليه بخواصه وآثاره فان الاشتراك في الاثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذلك الجامع) ولا يخفى ما فيه ، فان قاعدة وحدة الاثر يستكشف منها وحدة المؤثر لو سلمت فانما هو فى الواحد بالشخص لا الواحد بالنوع ، مضافا الى ان ذلك انما يتم فيما لو كان من قبيل العلة التامة لا ما كان من قبيل المعد كما في المقام ، فان الصلاة توجب تهذيب النفس وتكميلها بنحو تقرب من المولى وترتقي الى مقام بحيث تكون مستعدة لأن تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذا لا يؤخذ النهي عن الفحشاء جامعا للعبادة لعدم كونها من قبيل العلة له لما عرفت من انها تعد النفس للفيض الإلهي بتوسط أمور غير اختيارية فهي بالنسبة اليه من قبيل المعد. فحينئذ هذه الآثار والعناوين خارجة عن اختيار العبد فلا تكون متعلقة للتكاليف. نعم يمكن استكشاف الجامع من جهة أخرى وهي ان انحاء الصلاة بحسب الاشخاص مختلفة مثلا لو كان زيد يصلي بالايماء وبكر بالاضطجاع وعمرو بالاختيار فتقول رأيت

٩٥

الجماعة يصلون وتقصد هؤلاء الاشخاص فتجد هذا الاستعمال على نحو الحقيقة من غير تجوز وعناية. ولازمه استعمال لفظ الصلاة في القدر الجامع وإلا لزم استعمال اللفظ الواحد في اكثر من معنى واحد ، كما انه يستكشف الجامع من خطاب الشارع بالأمر بالصلاة على الاطلاق (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ولازمه ان يكون الاستعمال في معنى صالح للانطباق على صلاة المختار والمضطر على نحو واحد والخصوصيات تستفاد من دال آخر ، فلو لم تكن الصلاة مستعملة في معنى صالح للانطباق المعبر عنه بالجامع لكانت تلك الخصوصيات مستفادة من حاق اللفظ مع انه واضح البطلان. ودعوى ان كون الجامع هو متعلق الخطاب لازمه ان يكون المكلف مخيرا في الاتيان باي فرد من افراد الصلاة واللازم باطل بالضرورة ، ممنوعة إذ التخيير انما يتحقق بين المصاديق اذا كانت كلها في عرض واحد في كل آن متصفة بالمصداقية وفي المقام ليس كذلك فان صلاة الغريق تتصف بالمصداقية في حال الغرق لا مطلقا كما ان فردية التيمم للطهور إنما تكون في حال فقد الماء إلا ان تصوير الجامع بين افراد الصحيح فضلا عن تصوره بين الصحيح والفاسد محل نظر ، لأن الجامع إما عنواني أو ذاتي. أما الجامع العنواني ككون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، أو معراج المؤمن فلازمه استعمال الصلاة في المعنون يكون بالعناية والتجوز مضافا الى ما عرفت ان اخذ الجامع لاجل ان التكليف يتعلق به ، ولازم ذلك ان تكون الصلاة بالنسبة الى متعلق التكليف من قبيل العلة التامة ، ليكون مقدورا. والمفروض انها بالنسبة الى الجامع المنتزع من آثارها من قبيل المعد ، وأما الجامع المقولي الذاتي فهو غير معقول إذ اخذ جامع بين الافراد المتغايرة والمختلفة بحسب الاجزاء قلة وكثرة موجب لانطباقه على القليل والكثير ولازمه جواز

٩٦

التشكيك في الماهية وهو بديهي البطلان مضافا الى انه كيف يؤخذ جامعا لمثل الصلاة التي هي مجمع مقولات متباينة بالذات كمقولة الاضافة ، والكيف والوضع مع انها اجناس عالية لا تندرج تحت جنس واحد. ودعوى ان الماهية المؤتلفة من عدة أمور تزيد وتنقص كما وكيفا تلاحظ حين الوضع تلك الماهية مبهمة غاية الابهام كالخمر فانه مبهم بالنسبة الى اتخاذه من العنب والتمر وغيرهما ومن حيث اللون والطعم والرائحة ومن حيث الشدة والضعف ممنوعة إذ ما المراد من الابهام ان كان بحسب الذات فالذات لا تختلف وإلا لزم التشكيك فى الماهية على انك قد عرفت ان مثل الصلاة التي هي مجمع مقولات متباينة بالذات لا يمكن اخذ جامع ذاتي لها بنحو ينطبق على تلك المقولات المتباينة وان كان المراد من الابهام العنوان العرض فلازمه كون الصلاة من العناوين العرضية والالتزام بذلك محل نظر لعدم قيام مصلحة فيه. وانما المصلحة في المعنون وعدم صلاحية العنوان للتقرب إذ العناوين لا مصلحة فيها ولا تقرب ، ولذا يشكل أخذ عنوان مخترع في الذهن بنحو ينطبق على الخارج انطباق المجمل على المفصل لا انطباق الكلي على الفرد لعدم صلاحية ذلك للتقرب ولاجل ذلك التزم شيخنا الانصاري (اعلى الله مقامه) بان الصلاة موضوعة للفرد الكامل وصلاة المضطجع والايماء والغريق انما هي ابدال وقد مال الى ذلك بعض الأعاظم قده وادعى ان الصلاة موضوعة للفرد الواجد لجميع الاجزاء والشرائط كصلاة المختار واستعمالها في غير ذلك من باب الادعاء والتنزيل ومن باب الاستعارة على ما ذهب اليه السكاكي. فحينئذ تكون الصلاة صنفين صنف حقيقي وهو المجعول فى المختار وصنف ادعائي حصل من تنزيل الشارع لها منزلة الواحد الجامع للشرائط ولو كان بعض اقسامها لا يساعده العرف على

٩٧

التنزيل كصلاة الغرق. وأما الفاسد من الصلاة فالاطلاق عليه من باب المشابهة والمشاكلة ولكن لا يخفى ان اطلاق الصلاة على ما عدا المختار بالعناية والتنزيل محل نظر إذ الظاهر ان اطلاقها على المضطر على نحو اطلاقها على المختار كما ذكرنا ذلك في المثال المتقدم الجماعة يصلون فان الصلاة استعملت باستعمال واحد في صلاة المختار والمضطر ولازم ذلك انها استعملت في معنى صالح للانطباق على كل واحد منهما وإلا لزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد وهو باطل على ان صلاة الكامل تطلق على أمور مختلفة كالصبح والظهر والمغرب في الحضر والسفر والجمعة والعيد والكسوف على اختلاف انحائها في القلة والكثرة. ولازم ذلك ان تستعمل فى جامع يعم تلك المتشتتات ويجمع تلك المتفرقات والاشكال على تصوير الجامع بانه لا يعقل وجود جامع ذاتي يجمع تلك المتفرقات لأنه إما أن يكون مركبا أو بسيطا ولا يعقل ان يكون مركبا اذ يلزم ان يكون الجامع مركبا من اجزاء على البدل ، ولا يعقل وجود جامع على نحو ذلك كما هو واضح. وأما البسيط فلا يخلو إما عنوان المطلوب أو ملزوم عنوان المطلوب وكلاهما لا يصلحان للجامعية إذ يلزم الرجوع الى الاشتغال عند الشك في الجزئية لرجوعه الى الشك في المحصل مع ان المشهور القائلين بالصحيح يجرون البراءة في الشك في الجزئية وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره عن ذلك بما لفظه (ان الجامع مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحدا معها نحو اتحاد ومثله تجري البراءة) ولا يخفى ان الظاهر من عبارته قدس‌سره ان الجامع أمر اعتباري لا تأصل له في الوجود وحينئذ يتحد مع منشأ الاعتبار ويرجع الشك في الحقيقة الى ذلك المنشأ والخطاب المتعلق بالجامع الاعتباري يرجع اليه لأنه متعلق

٩٨

الخطاب حقيقة فلو شك فيما احتمل دخله يرجع الى الشك بين الاقل والاكثر فيكون من الشك فى التكليف وهو مجرى البراءة ولا يكون من الشك فى المحصل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال. ولا يخفى ان هذا مناف لما ذكره اولا من وجود جامع ذاتي بين الافراد الصحيحة المستكشف ذلك الجامع من وحدة الاثر فان وحدته يستكشف منه وحدة المؤثر. والذي يقتضيه التحقيق انه يمكن لنا تصوير جامع عرضي بين الافراد الصحيحة وهو مرتبة خاصة من الوجود السارية فى جميع وجودات تلك الافراد كالصلاة مثلا المركبة من مقولات متباينة بتمام الذات ولكن تشترك تلك المتباينات في مرتبة خاصة من الوجود فاخذت تلك المرتبة الخاصة معنى للصلاة. وبعبارة اخرى ان الصلاة وضعت للمرتبة الخاصة من الوجود المأخوذة بنحو لا يشرط من حيث القلة والكثرة السارية في ضمن وجود تلك المقولات ولم توضع لحقيقية الوجود المشتركة بين جميع الوجودات لكي يكون بين الصلاة والوجود ترادفا كما ان تلك المرتبة الخاصة من الوجود السارية بين جميع وجودات افرادها ينطبق على جميع الافراد على نحو واحد ولا تشمل افراد سائر العبادات. وبالجملة ان لكل عبادة وجود خاص سار في ضمن افرادها ولا يشمل افراد عبادة اخرى كمفهوم الكلمة فانه مركب من حرفين فما زاد المأخوذ من طرف القلة يشرط شيء ومن طرف الكثرة معتبر لا يشرط فمفهومها يصدق على القليل والكثير على نحو واحد. فالصلاة كالكلمة من حيث الجامع الوجودي لا الذاتي وان كان بينهما فرق من جهة اخرى وهو عدم اخذ الحروف المخصوصة في حقيقة الكلمة واخذ افعال مخصوصة كالاركان فى الصلاة مع ان صدق الكلمة على ما اجتمع من الحروف لا يفرق فيها بين طائفة دون طائفة بخلاف صدق الصلاة

٩٩

على ما اجتمع من الافعال فانه يفرق بين الطوائف من المسافر والحاضر والمختار وغيره. نعم الصلاة والكلمة لهما تمام المشابهة بالنسبة الى الافراد العرضية من قبيل الكلي فى المعين وبالنسبة الى الزيادة والنقصان من قبيل المشكك القابل للصدق على القليل والكثير. وعليه يحمل كلام الاستاذ ويندفع به اشكال الرجوع الى الاشتغال فيما لو شك باعتبار شيء فى العيادة لانك قد عرفت ان الجامع أمر عرضي وهو مرتبة خاصة من الوجود والتكليف قد تعلق بنفس المقولات المتباينة المشتركة فى تلك المرتبة الخاصة فحينئذ الشك باعتبار شيء يكون من الشك في التكليف وليس من الشك في المكلف به. نعم لو اخذ الجامع ذاتيا لكانت تلك المقولات من المحصلات لذلك الجامع الذي تعلق به التكليف ويكون من الشك فى المحصل الذي هو مجري الاشتغال (١).

ادلة القول بالصحيح

استدل للقول بالصحيح بامور :

الاول : ما تقدم من ان وحدة الاثر يستكشف منه وحدة المؤثر ولازم ذلك

__________________

(١) يرد عليه انه لا مانع من جريان البراءة لانطباق الجامع ولو كان ذاتيا على افراده انطباق الكلي على مصاديقه فمع انطباقه يكون متعلقا للارادة والتكليف فينحل متعلق التكليف الى متيقن ومشكوك فيكون مجالا لجريان البراءة. نعم لو كان الجامع أمرا خارجا عن هذه المركبات ويكون مسببا عنها فالشك في اعتبار شيء فى المركبات يكون من قبيل الشك فى المحصل. وبالجملة الجامع ان اخذ أمرا انتزاعيا عرضيا متحد مع هذه المركبات أو جامعا ذاتيا على تقدير تصوره وينطبق على المركب انطباق الكلي على افراده فعلى الصورتين التكليف متعلق بنفس المركبات

١٠٠