منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

الضمائر فهذه الخصوصيات أوجبت ان تكون شبيهة بالمعنى الحرفى لتوقف تصورها على تصور الخصوصية المميزة لها فبذلك حصل التشابه مع الحروف فكما ان معاني الحرفية لا يمكن تصورها الا مع تلك الخصوصية كذلك هذه المبهمات وبما أنها مقترنة بهذه الخصوصيات المميزة عدت من المعارف ولم تعد اسماء الاجناس منها حيث أنها مبهمة على الاطلاق كما أن الموصوفة لم تعد منها لعدم معهودية صلتها كما اعتبرت في صلة الموصولة وبذلك حصل الفرق بينهما وباعتبار اقترانها بالاشارة والتخاطب والمعهودية فى ضمير الغائب والموصولات كانت مبنية لأن هذه المعاني المقترنة نوع من النسب والارتباطات كما أنه باعتبار دلالتها على الصور الاجمالية المتحدة مع الصور التفصيلية عند لحاظ الأشخاص بخصوصياتهم مثل هذا زيد الذي قد عرفت أن انطباقها على تلك الخصوصات انطباقا عينيا كانت اسماء لأنها بهذا المعنى مستقلة بالمفهومية ويؤيد ذلك أن الاسم المحلى بالألف واللام بعد اسم الاشارة أما بدل أو عطف بيان.

فظهر مما ذكرنا بطلان ما يقال بأن لهذه المبهمات حالات متناقضة مثل أسميتها وبنائها ومعرفتها فان الابهام ينافي المعرفة كما أن الاسمية تنافي بنائها لما عرفت من الاعتبارات الثلاثة الموجودة فى تلك المبهمات كما لا يخفى.

الامر الثالث

صحة الاستعمال فى ما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع ام بالطبع؟ الظاهر انه بالطبع وفاقا للاستاذ قدس‌سره بيان ذلك يحتاج الى مقدمة ان الوضع ينقسم الى اربعة أقسام (١) فتارة تكون المادة والهيئة ملحوظتين حين الوضع كوضع

__________________

(١) لا يخفى ان هذا التقسيم باعتبار نفس الوضع وفيما سبق كان التقسيم ـ باعتبار الموضوع له فتارة يكون عاما واخرى يكون خاصا.

٦١

الجوامد والوضع فيها شخصي واخرى تكون المادة ملحوظة من دون ملاحظة هيئة خاصة كوضع مادة المشتقات مثلا : الضاد ، والراء ، والباء موضوعة للحدث في ضمن اي هيئة تحققت والوضع فيها نوعيا (١) وثالثة الهيئة ملحوظة من دون ملاحظة المادة مثلا صيغة فاعل فانها موضوعة لكل من تلبس بالمبدإ من دون ملاحظة مادة مخصوصة والوضع فيها نوعيا ، ورابعة لا يلاحظ في الوضع هيئة ولا مادة بل ليس من الواضع الا الرخصة فى الاستعمال كالعلاقات في باب المجاز.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان محل الكلام هو القسم الأخير فالمشهور قالوا ان صحة الاستعمال فى ما يناسب ما وضع له يحتاج الى رخصة من الواضع المسماة بالعلاقة والظاهر ان صحة الاستعمال لا تحتاج الى ذلك بل تكفي المناسبة الطبيعية بشهادة الوجدان الحاكم بصحة الاستعمال فيما يحسنه الطبع ولو مع عدم الرخصة من الواضع واستهجان ما لا يحسنه الطبع ولو مع ترخيص الواضع مضافا الى ان صحة استعمال اللفظ في نوعه او صنفه او مثله (٢) يكون من ذلك القبيل ولا يخفى ان

__________________

(١) ودعوى ان وضع المواد شخصيا بخلاف الهيئة فان وضعها نوعي لكون المواد لها تقرر فى مقام تجوهرها بخلاف الهيئة فانها غير متقومة بذاتها فانها تلاحظ في ضمن المادة في غير محلها فان الهيئة كما لا يمكن ملاحظتها بدون المادة كذلك المادة لا يمكن ملاحظتها بدون الهيئة وليس للمادة تقرر في مقام تجوهرها وانما تقررها وتجوهرها تحصل فى ضمن هيآتها كما لا يخفى.

(٢) لا يقال ان هذه الاستعمالات لا تصلح ان تكون دليلا للمدعى فان المدعى استعمال اللفظ فيما ناسب ما وضع له ولازم ذلك ان يكون للفظ معنى قد وضع له لكي يستعمل فيما يناسبه بمناسبة طبيعية لأنا نقول ليس المدعي ان لهذه

٦٢

هذه الصحة ليست إلّا لأجل المناسبة الطبيعية إذ من الواضح ان الألفاظ ليست موضوعة للنوع او الصنف او المثل ولا مستعملة فيها لوجود العلاقة لكي يكون الاستعمال فيها مجازا فانقدح من ذلك ان هذه الاستعمالات انما كانت لتحسين الطبع من دون توقفها على رخصة الواضع مضافا الى ان المهملات يصح استعمالها بهذا النحو فيقال (ديز) مهمل واريد به مطلق (ديز) او الواقع قبل مهمل إذا لم يقصد شخصه فيكون من الصنف واذا قصد شخصه فيكون من المثل فهذه الاستعمالات مما حسنه الطبع وليست برخصة من الواضع وإلّا لزم ان تكون المهملات موضوعة وهو واضح البطلان.

الامر الرابع

لا شبهة في صحة اطلاق اللفظ وارادة نوعه كما اذا قيل زيد اسم والتمثيل بذلك اولى من تمثيل الاستاذ (قده) ب (ضرب) فعل ماضي لعدم شمول النوع لضرب فى المثال كما ان الأنسب للمثل والصنف ان يمثل لهما بمثل زيد في ضرب زيد ليكون الفرق بينهما بقصد شخص اللفظ وعدمه فان قصد شخصه فهو مثل وان لم يقصد شخص اللفظ فيكون صنفا وكيف كان فصحة مثل هذه الاستعمالات تكون بحسب اقتضاء الطبع لا الوضع وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في اطلاق اللفظ وارادة

__________________

الاستعمالات معان حقيقية وانما الغرض الاستشهاد بها بانها مما حسنها الطبع فيستكشف منها صحة الاستعمال فيما ناسب ما وضع له بالطبع من دون حاجة الى رخصة من الواضع إذ لو احتاجت اليها لما صحت تلك الاستعمالات ان قلت كيف تكون هذه الاستعمالات عربية مع عدم الرخصة فيها من العرب قلنا الأمر في ذلك سهل فانه يكفي فى عربيتها ان لها حقائق عربية.

٦٣

شخصه كما اذا قيل زيد لفظ ففي صحته اشكال للزوم احد المحذورين اما اتحاد الدال والمدلول او تركب القضية من جزءين وقد اجاب الاستاذ (قده) عن المحذور الأول بكفاية التغاير بين الدال والمدلول اعتبارا فباعتبار كونه لفظ صادر من لافظ دال وباعتبار كونه مراد مدلول.

توضيح ذلك ان اللفظ من مقولة الكيف المسموع والكيف من مقولة العرض والعرض له وجود بنفسه ووجود في غيره فوجوده في غيره كونه صادرا من لافظه فهو الدال ولحاظ كونه مرادا وهو وجوده الأصلى فيكون مدلولا وانما خص الاعتبار الأول بكونه دالا والاعتبار الثاني بكونه مدلولا لأن الدال فيه حيثية غيرية والمدلول فيه حيثية استقلالية فلذا ناسب جعل الاعتبار الاول دالا لتحقق فيه تلك الحيثية الغيرية كما ان الثاني فيه حيثية الاستقلالية فناسب ان يكون مدلولا ولكن لا يخفى ان الاستعمال يحتاج الى تغاير حقيقي ولا يكفي التغاير الاعتباري لان النظر الى الدال آليا والنظر الى المدلول يكون استقلاليا ولا يعقل الجمع بينهما في شيء واحد على انه لو اكتفينا بالتغاير الاعتباري فلا ينفع في المقام لتأخر التغاير الاعتباري عن الاستعمال فلا يعقل ان يكون مصححا له.

واما محذور تركب القضية من جزءين كما ذكره في الفصول لعدم وجود حاك عن الموضوع وانما القضية مشتملة على المحمول والنسبة فتكون القضية مركبة من جزءين بل من جزء واحد وهو المحمول إذ النسبة لا بد لها من طرفين وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره عن ذلك ما لفظه انما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه وإلّا كانت أجزاؤها الثلاثة تامة. بيان ذلك ان لزوم تركب القضية من ثلاثة أجزاء انما هو في القضية الذهنية اذ لا بد من تصور الموضوع والمحمول والنسبة واما فى القضية اللفظية فيما ان الموضوع فيها نفس اللفظ الملقى فلا يحتاج

٦٤

الى وساطة حاك فيكون من قبيل ما لو وجد الموضوع خارجا كما لو حملت النار باليد ونظر اليها المخاطب وقلت حارة فحملت الحار على الموجود الخارجي ، وبالجملة ملاك القضية تحقق اجزائها الثلاثة ذهنا وفي زيد لفظ تحققت أجزاؤها الثلاثة فى الذهن لأنك لاحظت لفظة زيد ولفظة لفظ والنسبة بينهما ثم نطقت بزيد لفظ فحينئذ تحققت أجزاؤها الثلاثة في الذهن ومع تحققها فى الذهن حصل ملاك القضية ولو كان فى اللفظ نفس المحمول كما يقال صديقي من دون ذكر للفظ الموضوع (١) ولكن لا يخفى ان ذلك لا يعد من باب الاستعمال وانما هو من باب الالغاء (٢) والحاصل ان اطلاق اللفظ وارادة نوعه تارة يكون بنحو الاستعمال والحكاية وأخرى بنحو الالقاء فما كان بنحو الاستعمال فتارة يكون موضوعه مصداقا لذلك النوع كمثل زيد اسم واخرى لا يكون مصداقا كمثل ضرب فعل ماضي فما كان مصداقا يتصور فيه الاستعمال والالقاء وما لم يكن مصداقا لا يتصور فيه الالقاء لأن الموضوع ليس فردا ومثله اطلاق اللفظ وارادة صنفه كزيد الواقع عقيب ضرب اسم إذا لم يقصد شخص اللفظ فانه يصلح للاستعمال والالقاء. واما مثل زيد الواقع عقيب ضرب زيد فاعل فلا يصلح للالقاء لعدم كون زيد في المثال فاعلا

__________________

(١) ودعوى انه يلزم من ذلك تركب القضية من أمر لفظي خارجي وذهنى وهو غير معقول في غير محلها إذ حمل ما في الذهن على ما في الخارج ليس مقيدا بالوجود الذهني بل يلحظ مجردا فيتحد مع ما هو موجود في الخارج ولو كان لفظيا فان خارجية كل شيء بحسبه.

(٢) جعل زيد لفظ من اطلاق اللفظ وارادة شخصه محل اشكال إذ قبل ما ينطق بلفظة زيد هو كلي لأن الشيء قبل تشخصه كلي فيكون من قبيل اطلاق اللفظ وارادة نوعه ويصح جعله من باب الاستعمال كما لا يخفى

٦٥

وانما هو مبتدأ ، نعم اطلاق اللفظ وارادة مثله كقولك زيد فى ضرب زيد اسم او فاعل إذا قصد شخص اللفظ فانه لا يكون من باب الالقاء وانما هو من باب الاستعمال لتعدد الدال والمدلول (١)

الامر الخامس

فى تبعية الدلالة للارادة

والتكلم في هذا الموضوع يتوقف على بيان امور : الأول في تقسيم الدلالة

__________________

(١) وبعض السادة الأجلة قدس‌سره جعل الصنف والمثل من واد واحد بما حاصله ان القيد اعنى الواقع عقيب ضرب قيدا للحكم لا للموضوع فحينئذ يكون الصنف والمثل على نحو واحد وبعبارة أخرى ان القيد ان رجع للموضوع لا يكون الصنف والمثل من باب الالقاء وان رجع القيد الى الحكم فالصنف والمثل يصح ان يكونا من باب الاستعمال والالقاء من غير فرق بينهما غاية الأمر القيود الطارئة على النوع الموجبة لكونه صنفا لا يوجب تشخصه وانما يوجب تضييق الدائرة بخلاف القيود الطارئة على المثل فانها توجب تشخصه ، وبالجملة المثل والصنف من باب واحد لا يقال على ما ذكر من رجوع القيد الى الحكم يوجب استعمال الموضوع في الكلي فيخرج عن الصنف والمثل بل يكون من قبيل النوع فما وجه التسعية بالصنف والمثل لانا تقول الأمر في ذلك سهل لأن التسمية باعتبار تقيد الحكم بها ودعوى انه يمكن توجيهه بارجاع القيود الى الموضوع بان يراد من الارادة المتعلقة بالموضوع ارادة استعمالية وبالحكم عليه ارادة جدية كاطلاق المطلق وارادة المقيد منه ولكن لا يخفى ان هذا يتم في باب الاستعمال لا مثل الالقاء المنحصر في تحقق ارادة جدية فلا اطلاق للموضوع حينئذ حتى يشمل الفرد الذي اخذ موضوعا

٦٦

باعتبار الدال ذكر اهل الميزان ان الدلالة تارة تكون وضعية وهي الناشئة من الوضع والجعل كدلالة زيد على معناه الموضوع له وأخرى طبيعية كدلالة : ، أح أح ، على وجع الصدر وثالثة عقلية كمن تلفظ من وراء الجدار فان العقل يحكم بصدوره من اللافظ ولا يخفى ان الدلالة الطبيعية مع العقلية ليستا على نسق واحد فان الدلالة الطبيعية في مرحلة الواقع والثبوت والدلالة العقلية في مرحلة الاثبات والكشف ، فالتقسيم ان كان ناظرا الى مرحلة الواقع والثبوت فالدلالة وضعية وطبيعية وان كان ناظرا الى مرحلة الاثبات فالدلالة عقلية او كسائر القوى الوجدانية لأن العقل يوجب تحقق العلم بمقتضيات الدلالة فلا يكون له دخل في تلك المقتضيات ، نعم له دخل بالنسبة الى فعلية الدلالة.

فالتحقيق ان يقال ان الدلالة تتحقق اما من الجعل او من الملازمة بين شيئين والملازمة ، اما بين التصورين او بين المتصورين. اما الأول كمن تصور اللفظ فانه ينتقل الى تصور معناه بناء على المختار من فناء اللفظ فى المعنى ومثله ما لو انتقل من تصور امر الى تصور امر آخر للملازمة بين التصورين فانه يحصل التلازم بين التصورين مع عدم الملازمة بين معانيها كالخواطر التي تخطر في الذهن مع تباينها وجودا فى الخارج كما يقال الضد اقرب حضورا عند حضور ضده ، وقولهم الشيء بالشيء يذكر ومنه ما لو سمع انسان لفظا من لافظ بلا شعور فانه ينتقل الى معناه ودلالة الكتابة على معانيها من هذا القبيل.

واما الملازمة بين المتصورين فانما تحصل من الاعتقاد الملازمة بينهما وهي اما ذاتية او غير ذاتية ، اما الذاتية كما بين العلة والمعلول او معلولين لعلة ثالثة وغير الذاتية كما تحصل من جعل الجاعل كالملازمة المجعولة بين العلم ورأس الفرسخ فان من يرى علما منصوبا على رأس الفرسخ ينتقل منه اليه ومثله دلالة اللفظ على معناه

٦٧

بناء على غير المختار من ان اللفظ بالنسبة الى معناه بنحو الامارة الى ذيها والفرق بين النحو الأول والثاني يظهر في دلالة اللفظ على معناه فان كان دلالته على معناه على النحو الأول يحتاج الى دلالتين تصديقيتين فى مقام الافادة احداهما كون المتكلم قد تصور المعنى ثانيهما كون المتكلم يريد افهام السامع ذلك المعنى ، وان كان دلالته على النحو الثاني فلا يحتاج الى دلالتين بل دلالة واحدة تصديقية وهي الدلالة على كون المتكلم فى مقام الافادة يريد افهام السامع.

الأمر الثاني تقسيم الدلالة باعتبار المدلول ، ذكر اهل الميزان ان الدلالة اللفظية تنقسم الى المطابقة والتضمن والالتزام ، لأن اللفظ ان دل على تمام ما وضع له فمطابقة وان دل على جزء ما وضع له فتضمن ، وان دل اللفظ على أمر خارج لازم لما وضع له فالتزام واعني به ان يكون اللزوم بين الدال والمدلول لزوما بينا بالمعنى الأخص اي يكفى تصور الملزوم وحده فى تصور اللازم كالاثنين نصف الأربعة فان من تصور الاثنين تصور انها نصف الأربعة وكالمفهوم المستفاد من منطوق القضية الشرطية لكونه لازم له ولذا نقول بحجيته لكون المنطوق حينئذ دالا عليه بالدلالة اللفظية الالتزامية ، واما اللزوم البين بالمعنى الأعم فليس من الدلالة اللفظية لأن الحكم باللزوم يحتاج الى تصور الطرفين ككون الأربعة تنقسم الى متساويين فان الحكم باللزوم بينهما يحتاج الى تصور الأربعة والانقسام الى متساويين. ومنه يظهر عدم كون اللزوم غير البين من دلالة اللفظ لأن ما يحتاج الحكم باللزوم فيه الى تصور الطرفين مع مقدمة أخرى ككون زوايا المثلث تساوي قائمتين فان الحكم بالملازمة علاوة على تصور الطرفين (الزوايا والقائمتان) تحتاج الى مقدمة هندسية فاللزوم البين بالمعنى الأعم واللزوم غير البين من الدلالات العقلية ولا يعدان من الدلالات اللفظية.

٦٨

ولا يخفى ان الدلالتين الأوليتين (المطابقة والتضمن) كما يتحققان في الدلالة اللفظية يتحققان في غيرها لأن منشأ الدلالة غير اللفظية وجود الملازمة فمع تحققها ان دل على تمام ذلك المعنى اللازم فمطابقة وان دل على جزئه فتضمن واما الدلالة الالتزامية فيشكل تحققها في غير الدلالة اللفظية لأن لازم الشيء ولازم لازمه بالنسبة الى الملزوم الدال نسبة واحدة بلا مائز بينها ثم انه قد أشكل على تثليث الأقسام بجعل التضمن داخلا في الدلالة الالتزامية فان دلالة اللفظ على تمام ما وضع له لازمة الدلالة على جزء المعنى او بدعوى ان الدلالة التضمنية عين الدلالة المطابقية لأن الجزء بشرط الانضمام عين الكل فدلالته على كل جزء هو عين دلالته على الكل ولكن لا يخفى ما فيهما.

اما عن الأول فالدلالة الالتزامية عبارة عن دلالة اللفظ على الأمر الخارج عما وضع له فتوصيف الدلالة بالالتزامية من باب وصف الشيء بحال متعلقه لا بحال نفسه ولازم ذلك ان يكون من اللزوم البين بالمعنى الأخص لكي يدل اللفظ عليه وان كان للعقل دخل في ذلك والدلالة التضمنية لا تكون من هذا القبيل لعدم كون الجزء من المعنى المطابقي من لوازمه فالدلالة التضمنية وان اشتركت مع الدلالة الالتزامية فى ان للعقل دخلا في ذلك ولذا قال الشيخ الرئيس ان التضمن والالتزام لفظيان عقليان دون المطابقة فانها لفظية صرفة إلا انهما يفترقان في نفس المدلول فمدلول الالتزامية لازم للمعنى المطابقي ومدلول التضمنية جزء من المعنى المطابقى.

واما عن الثاني (جعل التضمن عين المطابقة) فهو مبنى على اعتبار الأجزاء بشرط الانضمام واما لو اعتبرنا الأجزاء بشرط لا فتكون الأجزاء حينئذ غير الكل فاللفظ الدال عليه يسمى بالدلالة التضمنية ، فالدلالة التضمنية عبارة عن تصور

٦٩

جزء المعنى المطابقي بلحاظ خاص ودلالة مستقلة وان كانت هي مستتبعة الدلالة المطابقية فتوصيفها بالتضمن كتوصيف الدلالة بالتضمن والالتزام من باب وصف الشيء مجال متعلقه بمعنى أن الكل في الخارج مطابق لمدلول اللفظ فى المطابقة وان الجزء الذي هو مدلول اللفظ لكونه جزءا من الكل فى الدلالة التضمنية وانه يستلزم تصوره تصور اللازم الخارج الذي هو المدلول فى الدلالة الالتزامية ولا يكون وصف هذه الدلالات الثلاث بهذه الأوصاف بحال نفسه وانما هو بحال متعلقه فالدلالات الثلاث تحصل بتصورات ثلاثة مستقلة ودلالات أصلية مستقلة وان كان دلالة التضمن لها تأخر طولي بالنسبة الى المطابقة كما ان دلالة الالتزام تستتبع دلالة المطابقة. ويؤيد ما ذكرنا هو تحقق الدلالة المطابقة من دون دلالة التضمن كما لو انتقل الذهن الى المعنى المطابقي من دون تصور اجزائه فانه تحصل الدلالة المطابقية مع عدم حصول الدلالة التضمنية.

الأمر الثالث الارادة تارة تكون استعمالية وهي ارادة استعمال اللفظ في المعنى بنحو يكون اللفظ فانيا في معناه واخرى ارادة تفهيمية وهي اراد تفهيم المعنى للمخاطب بعد استعمال اللفظ فيه وثالثة ارادة جدية وهي ارادة المعنى جدا وحقيقة بعد استعمال اللفظ في المعنى وتفهيمه للمخاطب من غير فرق بين الأخبار والانشاء.

اذا عرفت هذه الأمور فاعلم انه وقع الكلام والبحث في ان الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة او لنفس المعاني قيل بالأول ونسب ذلك الى العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي (١) والظاهر هو الثاني لانسباق نفس المعاني من

__________________

(١) ومنشأ هذه النسبة هو انه من المسلم عند الكل بأن الدلالة تتبع الوضع كما يستفاد من تعريف الوضع بأنه تخصيص اللفظ بالمعنى بحيث لو لا وضعه

٧٠

اطلاق الألفاظ وهذا الانسباق من حاق اللفظ وهذا هو التبادر الذي هو من علائم الحقيقة واما كونها مرادة فاحرازها يحتاج الى القرينة ولو كانت دخيلة في المعنى

__________________

لما فهم منه المعنى فيظهر منه ان فهم المعنى من اللفظ يحصل من الوضع وذلك عبارة اخرى عن كون الدلالة تتبع لوضع والعلمان قالا فى مقام الجواب عن الاشكال الوارد على الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام بانتقاض بعضها مع بعض في الالفاظ المشتركة بين الملزوم ولازمه كدلالة الشمس على الضوء فانها مطابقة مع انها دلالة التزامية عليه لكونه من لوازم جرم الشمس وفي الألفاظ المشتركة بين الكل والجزء كدلالة لا مكان على الامكان العام مطابقة مع انها تضمن. بأن المميز للدلالات هو الارادة فان دلالة الشمس على الضوء التزام اذا كانت دلالة الشمس على الجرم مرادة كما ان دلالة الامكان على الامكان العام تضمن في حال ارادة الامكان الخاص ومطابقة في حال ارادته بالخصوص فمن هذا الكلام يستفاد ان الدلالة تتبع الارادة فحينئذ ان كانت الارادة جزء من الموضوع له تكون القاعدتان اعنى الدلالة تتبع الارادة والدلالة تتبع الوضع يرجعان الى شيء واحد بأن يكون اللفظ موضوعا للمعنى مع الارادة واما إذا لم تكن الارادة جزءا من الموضوع له حصل التنافي بين القاعدتين فحذرا من ذلك وجه كلامهما بوضع الألفاظ للمعانى المرادة.

ولا يخفى ان حمل كلام العلمين على الدلالة التصديقية في غير محله إذ كلامهما في الدلالة التصورية اذ المطابقة والتضمن والالتزام في الدلالة التصورية ومع ذلك لا تصح النسبة اليهما بان الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة فان كلام العلمين فى تعيين المراد من الدلالة لا فى اصل الدلالة فانها تتبع الوضع وتعيين المراد يحصل بعد تحقق الوضع فان المجمل يدل بذاته على أحد المعانى وتعيين المراد انما يحصل بالارادة.

٧١

الموضوع لما احتاج الى القرنية. ولذا يحصل هذا الانسباق من ناطق بلا شعور مضافا الى ما ذكره الاستاذ قدس‌سره من المحاذير الثلاثة بما حاصلها :

اولا ان الارادة تأتي من قبل الاستعمال كيف تؤخذ في الموضوع له او المستعمل فيه للزوم كون الشيء متأخرا متقدما وهو محال.

وثانيا ان الوجدان يحكم بأن المحمول فى قضية زيد قائم نفس القيام لا القيام المراد والموضوع نفس زيد لا الموضوع زيد المراد فيصح الحمل بلا تصرف فى الأطراف.

وثالثا يلزم ان تكون عامة الألفاظ موضوعة بالوضع العام والموضوع له خاص اذ من يقول بان الارادة دخيلة شخص الارادة لا مفهومها مع انه لا قائل بذلك ولكن لا يخفى ان هذه المحاذير انما تتوجه بناء على كون التقييد بالارادة دخيلة في المعنى الموضوع له واما لو قلنا بأن التقييد ليس له الدخل وانما الموضوع له الحصة التي هي توأم مع القيد بتقريب ان ارادة التفهيم هو الغرض من الوضع فضيقه يوجب ضيق ذي الفرض مثلا لو فرض ان الغرض من الضرب التأديب فلا بد من اختصاص الأمر بالضرب بالتأديب بنحو لا يشمل الضرب لغير التأديب ففي المقام لما كان لغرض من الوضع ارادة التفهيم وهو مترتب على الوضع فيوجب تضييق طبيعة المعنى الموضوع له بكونها حصة مقترنة

__________________

وبما ذكرنا من حمل كلامهما يتوجه دفع انتقاض الدلالات بعضها مع بعض واما حمل كلامهما على الدلالة التصديقية في مقام الثبوت فانه في هذا المقام لا يتحقق إلّا مع ارادة المتكلم فهو توجيه بما لا يرضى صاحبه فان من نظر الى كلامهما يجد صدق ما ذكرناه فان كلامهما حسبما ذكرنا فى الحاشية السابقة في مقام دفع الاشكال الوارد على الدلالات الثلاثة من انتقاض بعضها ببعض وذلك انما هو في الدلالة التصورية لا في الدلالة التصديقية في مقام الثبوت او الاثبات

٧٢

بارادة التفهيم وهذه الارادة ليست جزءا من المعنى الموضوع له ولا التقيد بها جزء وانما اخذت مقترنة بها بنحو التوأمية فحينئذ لا ترد تلك الاشكالات الثلاثة لعدم اخذها في الموضوع له لكى يلزم اخذ ما هو متأخر في المتقدم وصح الحمل بدون تصرف في الاطراف إذ المحمول نفس القيام فى قولك زيد قائم ولا يلزم ان يكون الوضع عاما والموضوع له خاص فانه موضوع للجهة الجامعة خصوصا على ما ذكرنا من تصور للوضع العام والموضوع له عام على غير المشهور من الوضع للجهة الجامعة للحصص الخارجية والذهنية.

ان قلت هذا يختص بالوضع التعييني لأن ارادة التفهيم من الأمور الاختيارية القصدية فينبغي صدورها عن اختيار والوضع التعيني قهري الحصول.

قلنا ان الوضع التعيني انما يحصل من الاستعمالات الخاصة ولا اشكال ان تلك الاستعمالات انما تقع مقترنة بارادة التفهيم فمع تكاثرها حصلت العلقة الوضعية على ذلك النحو من الاستعمالات. هذا ولكن الانصاف ان دعوى وضع الألفاظ للمعاني بما انها مرادة بأي نحو كان ولو بنحو التوأمية مجازفة إذ هو خلاف التبادر فان من سمع اللفظ من لافظ ينسبق الذهن الى نفس المعنى ولو كان من لافظ بلا شعور واختيار وليس ذلك إلا كونه هو المعنى للموضوع له واما كونه مرادا فيستفاد من القرائن ولو كانت موضوعة للمعاني مع الارادة لما احتجنا الى كون المتكلم مريدا للافادة والاستفادة الى القرائن الحالية او المقالية.

واما ما نسب الى العلمين من أن الألفاظ موضوعة للمعاني بما انها مرادة فلا وجه له اذ يحمل كلامهما على دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية فانها تابعة للارادة لا على الدلالة التصورية الحاصلة من سماع اللفظ فانه يوجب الانتقال الى

٧٣

المعنى ولو كان من وراء الجدار او من لافظ بلا شعور واختيار وفاقا للاستاذ قدس‌سره.

الامر السادس

فى وضع المركبات

هل للمركبات وضع غير وضع المفردات بموادها وهيئاتها ام لا؟ ، اختار الاستاذ قدس‌سره عدم الحاجة بوضعها علاوة على وضع مفرداتها واستدل على ذلك بوجهين احدهما بلزوم اللغوية بوضعها لها لحصوله بوضع المفردات فان وضعها اي المفردات كاف بتمام المقصود منها ثانيهما لزوم الدلالة على المعنى مرتين مرة بملاحظة وضع المواد والهيئات واخرى بملاحظة وضع المركبات مع أن الوجدان حاكم بأنه ليس إلّا دلالة واحدة ، ويظهر منه قدس‌سره ان النزاع فى ذلك لفظي حيث قال ما لفظه (ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المواد) ولكن لا يخفى ان من لاحظ كلمات القوم يجد ان النزاع في ذلك معنوي لأن منشأ الخلاف في ذلك هو الخلاف الواقع في بحث المطلق والمقيد من أن المطلق هل هو موضوع للطبيعة المهملة المعبرة عنها باللابشرط المقسمي كما يقوله سلطان العلماء قدس‌سره فيكون المطلق مستعملا في المقيد على معناه الحقيقي او ان المطلق موضوع للاطلاق والارسال كما يقوله المشهور لكي يكون استعمال المطلق بالمقيد مجازا فعلى الأول يتم كلام الاستاذ قدس‌سره فان المواد المنضمة الى الهيئات مستعملة في معناها الحقيقي من دون تجوز وغير محتاجة الى وضع آخر وعلى الثاني يكون انضمام المواد الى الهيئات موجبا للاستعمال فى غير ما وضع له فيكون من المجاز وعليه يحصل معنى غير الموضوع له المواد والهيئات فحينئذ يمكن

٧٤

ان يدعى ان المركبات قد وضعت له لتحقق معنى فيها غير المفردات ، هذا والانصاف ان للجمل معان متجددة غير المفردات كمثل الحصر الناشئ من تقدم المسند اليه او معرفة المسند اليه تفصيلا وامثال ذلك فان هذه المعاني المتجددة المستفادة من الجمل تكون من مداليلها قد وضعت الجملة لها لعدم المحذور في ذلك فان حديث الدلالة مرتين لا مانع منه إذا كان بتعدد الوضع واما التفصيل بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية بالالتزام بوضع ثالث في الأولى دون الثانية لعدم احتياج الثانية اليه بعد وضع الفعل بمادته للحدث وبهيئته لنسبة الحدث الى الفاعل ففيه ما لا يخفى لأن هيئة الفعل دالة على نسبة الحدث الى فاعل ما ، واما نسبة الحدث الى خصوص فاعل شخصي فقد جاءت من الجملة الفعلية مثلا ضرب دالة على نسبة الحدث الى فاعل ما وقولنا ضرب زيد نسب الحدث الى فاعل هو زيد بالخصوص ودعوى ان ذلك مفاد الاعراب كالرفع فانه دال على الفاعل ممنوعة فان الرفع يدل على كونه فاعلا لأي فعل فكونه فاعلا للفعل الخاص مفاد الجملة الفعلية مضافا الى انه اي فرق بين قولنا ضرب زيد وزيد ضارب فلو كانت هيئة ضرب تغني عن وضع الهيئة التركيبية لم لا تكون هيئة ضارب لا تغني عن وضع الهيئة التركيبية مع انها متكفلة لانتساب الحدث الى فاعل ما.

وبالجملة فى الجمل معان حصلت منها لم تكن متحققة في المفردات كالحصر الحاصل من تقديم المسند اليه من الفعل ومعرفة الفاعل بالتفصيل فهذه المعاني هي مفاد الجمل قد وضعت لها الجمل من غير فرق بين القول بأن المطلق موضوع للطبيعة المهملة او انه موضوع للاطلاق والارسال.

٧٥

علائم الحقيقة والمجاز

الأمر السابع ذكر للحقيقة والمجاز علائم الأول نص أهل اللغة بأن معنى اللفظ كذا فقد عد بعضهم انه من علائم الوضع وقد اختلفوا في اعتبار هذه العلامة هل هي من باب الرجوع الى أهل الخبرة او من باب الرواية او الشهادة او من دليل الانسداد على ما سيأتي البحث عن ذلك إن شاء الله تعالى والظاهر ان ذكر اهل اللغة لمعاني اللفظ لا دلالة فيه على المعنى الموضوع له لو لم يكن هناك قرينة على المعنى الحقيقي كما يقال ان ما يذكره اللغوي اولا هو المعنى الموضوع له لأن اللغوي ليس بصدد المعاني الحقيقية وانما هو بصدد بيان موارد الاستعمالات ولذا لم يذكر ذلك الاستاذ قدس‌سره.

الثاني : التبادر وهو انسباق المعنى من حاق اللفظ فانه علامة كونه من المعاني الحقيقية وهذا الانسباق يتوقف على العلم بالوضع (١) إذ لو لا العلم بالوضع لما حصل ذلك الانسباق وكون التبادر علامة للوضع يلزم توقف العلم بالوضع على التبادر وهو باطل للزوم الدور وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره بما لفظه

__________________

(١) لا يخفى ان الوضع الموجب لأحداث العلقة بين اللفظ والمعنى ليس علة للتبادر إذ ربما يتحقق ولا يحصل التبادر وان العلة لحصوله هو العلم بالوضع فمع عدم العلم به لا يحصل التبادر ومنه يعلم وجه عدم ذكر عدم التبادر من علامة المجاز لما عرفت ان عدم التبادر لعدم العلم بالوضع وعدم العلم بالوضع لا يلزم المجازية لا كما قيل ان عدم ذكره لأجل الانتقاض بالمشترك لتبادر أحد المعانى على نحو الاجمال في اطلاق لفظ المشترك وهو يكفي لاثبات الحقيقة لان الاجمال نشأ من تعدد المعنى ولذا تعيين احد المعاني يتوقف على القرينة المعينة لا القرينة الصارفة.

٧٦

(فان العلم التفصيلي بكونه موضوعا له موقوف على التبادر وهو موقوف على العلم الاجمالي الارتكازي به (١) لا التفصيلي)

وحاصله ان الموقوف عليه التبادر هو العلم الاجمالي الارتكازي بالوضع والموقوف على التبادر هو العلم التفصيلي بالوضع فمع تغاير الموقوف عليه فلا دور (٢) هذا بالنسبة الى تبادر العالم بالوضع واما الجاهل بالوضع فتبادر أهل المحاورة علامة له على وضع اللفظ للمعنى فالتغاير واضح كما لا يخفى هذا كله فيما اذا علم ان الانسباق كان من حاق اللفظ واما لو شك في الانسباق من اللفظ او من القرينة فتارة يكون ناشئا من قرينية الموجود كما لو اقترن بالكلام ما يصلح للقرينية

__________________

(١) يطلق العلم الاجمالي تارة على عنوان كلي وتلحظ الأفراد بنحو الاجمال ككلية الكبرى في الشكل الأول واخرى العلم الاجمالي المصطلح في الاصول المقابل للعلم التفصيلي وثالثة على معنى موجود في الذهن مغفول عنه وعند ذكر اللفظ يلتفت اليه وهذا الأخير هو المراد منه فى المقام ولذا قيده بالارتكازي وبالمعنى الأول يجاب عن الاشكال الوارد عن الشكل الاول من لزوم الدور وحاصله ان الاشكال كلها ترجع في مقام تصحيحها الى الشكل الاول والشكل الاول غير صحيح للزوم الدور لأن النتيجة تتوقف على الكبرى وكلية الكبرى تتوقف على النتيجة واجيب بالاجمال والتفصيل.

(٢) مضافا الى ان اشكال الدور يرتفع بتغاير الموقوف عليه التبادر وتوقف التبادر عليه ولو بالتغاير بالشخص من غير حاجة الى التغاير بالنوع فانا لو قلنا بتوقف التبادر على العلم التفصيلي وتوقفه على التبادر فلا دور لتعدد العلم التفصيلي فانهما مختلفان شخصا وان اتفقا نوعا إلّا انه يشكل بلغوية جعل التبادر حينئذ علامة للحقيقة

٧٧

كالمتعقب لجمل عديدة والآخر يكون ناشئا من وجود القرينة فعلى الأول لا اصل لنا يعين الانسباق من حاق اللفظ او يعين المراد لأن ملاك حجية الاصول الأخذ بالظهور بناء على ان مثبتاتها حجة في الأصول اللفظية ومع الاقتران بما لا يصلح للقرينة لا ظهور لتلك الجمل فلا مجال لجريانها حينئذ إلّا بناء على اعتبارها من باب التعبد وعلى الثاني وهو ما لو شك في وجود القرينة فالذي يظهر من الاستاذ قدس‌سره هو عدم اعتبار اصالة عدم القرينة في الشك في الاستناد واعتبارها في الشك في المراد.

بيان ذلك هو ان الشك تارة يكون في الاستناد كما لو شك فى دلالة صيغة افعل على الوجوب هل هو بالوضع او بالقرينة ولو علم بأن المراد منها هو الوجوب واخرى الشك في المراد فانه يحصل ولو علم بالاستناد كما لو علم بأن لفظ الاسد موضوع للحيوان المفترس ومجاز في الرجل الشجاع إلا انه شك فى المراد منه في قوله جئني بأسد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان اصالة عدم القرينة لا تجري في الثانية لأن الاصول العدمية مثبتاتها حجة فى الاصول اللفظية لرجوعها الى تحقق الظهور واعتبر العقلاء الأخذ فى الظهور في تشخيص المراد ولم يعتبروا ظهور انسباق المعنى من اللفظ لا من القرينة (١) فلذا لا تجري اصالة عدم القرينة في ذلك

__________________

(١) ودعوى ان ملاك حجية الاصول هو الأخذ بالظهور وليس منحصرا بالمعنى الحقيقي بل قد يكون غيره بأن يكون معنى مجازيا فعليه لا فائدة فى التبادر ولا فى غيره من العلائم لأنها فى بيان المعنى الحقيقي والظهور الذي يؤخذ به ما كان اللفظ ظاهرا فيه سواء كان هو المعنى الحقيقي او كان معنى مجازيا ومع عدم

٧٨

الثالث عدم صحة السلب بمعنى صحة الحمل بالحمل الاولي الذاتي الذي هو ملاكه الاتحاد فى المفهوم وان اختلفا اي الموضوع والمحمول بالاجمال والتفصيل كحمل اسد على الحيوان المفترس فانه علامة على كون الأسد موضوعا للحيوان المفترس (١) وصحة حمله بالشائع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد بحسب الوجود علامة على كون الموضوع من مصاديق المحمول ومن افراده (٢) واما شبهة الدور

__________________

الظهور لا يؤخذ به ولو كان معنى حقيقيا ممنوعة إذ كون اللفظ حقيقة فى معنى يوجب كونه ظاهرا فيه فمع عدم نصب قرينة على خلافه يدل على كونه مراد المتكلم هو المعنى الحقيقي ويكون هذا الظهور هو المتبع ما لم ينصب قرينة على الخلاف والعقلاء قد اعتبروا هذا الظهور في محاوراتهم كما لا يخفى.

(١) ملاك الحمل الأولي الذاتي هو الاتحاد بالذات سواء اتحدا كحمل البشر على الانسان او اختلفا مفهوما بالاجمال او التفصيل كحمل الانسان على الحيوان الناطق او بالجزء كحمل الناطق على الانسان فان الجميع في ذلك الموضوع والمحمول متحدان ذاتا وبذلك صح الحمل حملا اوليا ذاتيا وذلك علامة على كونه نفس المعنى ولا يخفى ان عد الحمل الأولي الذاتي من علائم الحقيقة محل اشكال حيث ان وضع اللفظ لمعنى عبارة عن كون اللفظ قالبا لذلك المعنى ووجودا لفظيا له فالحمل الأولي الذاتى لا بد من المغايرة بينهما لكي يصح الحمل فمع المغايرة ولو اعتبارا لا يستكشف منه المعنى الحقيقي ولذا استشكل صاحب الحاشية على المعالم من جعل الحمل الأولي الذاتي علامة للحقيقة مضافا الى ان حمل الناطق على الانسان حملا اوليا ذاتيا للاتحاد الذاتى بينهما مع انه لا يدل على الحقيقة ولأجل ذلك ان صاحب القوانين لم يجعل الحمل الأولي الذاتي من علائم الحقيقة بل جعل العلامة لها الحمل الشائع الصناعي.

(٢) ملاك الحمل الشائع الصناعى هو الاتحاد في الوجود من غير فرق بين حمل الكلي على فرده او حمل المتساويين كحمل الضاحك على الانسان او عموم

٧٩

فانها تجري في هذه العلامة والجواب عنها بالاجمال والتفصيل كما ذكر فى التبادر (١) ويشكل على العلامتين بأن المعنى الحقيقي يستفاد منهما فى زمانهما لا قبلهما مثلا لو ورد في الكنز خمس وشك فى ان المراد منه هل هو خصوص النقدين او يعم غيرهما من الجواهر فتبادر أحد المعنيين لا يثبت الأحكام الشرعية إلّا بناء على اصالة عدم النقل وهي غير مجدية إلا بناء على حجية الاصول المثبتة اللهم إلّا ان يقال بأنه يمكن التمسك بها لتوافق الزمانين باصالة تشابههما والدليل على حجيتها قيام السيرة على العمل بها

__________________

من وجه كحمل الابيض على الحيوان والذي عد من العلائم وهو ما كان دالا على كون الموضوع من مصاديق المحمول دون غيره من اقسام الحمل ولذا قال في هامش الكفاية ما لفظه فيما اذا كان المحمول والمحمول عليه كليا وفردا لا فيما اذا كانا كليين متساويين او غيرهما انتهى ، وقد يستشكل في كون هذا الحمل من علائم الحقيقة بأن المفهومين لما كانا متغايرين فكيف يكون الحمل علامة للحقيقة ولكن لا يخفى ان حمل الانسان على زيد مثلا يدل على ان للانسان معنى له سعة يشمل زيد فلو قلنا البليد حمار يستفاد منه ان الحمار موضوع لقليل الادراك فبهذا المعنى صح حمل الحمار على البليد حملا شائعا صناعيا فلو سلب الحمار عن البليد يستكشف ان الحمار ليس موضوعا لقليل الادراك والانصاف ان ذلك لا يعلم من الحمل وانما يعلم من الخارج فعليه عد ذلك من العلائم محل نظر فافهم

(١) ولا يخفى انه يمكن دفع الدور من غير حاجة الى الاجمال والتفصيل بأن صحة الحمل تثبت كون الموضوع فردا للمحمول ولازم ذلك كون المحمول موضوعا لمعنى يشمل الموضوع مثلا ان العلم بان البليد من افراد الانسان يتوقف على حمل الانسان عليه وحمل الانسان لا يتوقف على العلم بان البليد من افراد الانسان بل يتوقف على كون الانسان واسع الدائرة بنحو يشمل البليد فلا تغفل.

٨٠