منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

موجود وحينئذ لو كانت تلك المعاني لوحظت مرتبطة بعضها مع بعض فتلقى تلك المعاني المرتبطة بالفاظ تدل على تلك المعاني ولفظ يدل على الربط فتقول الحجر على الحجر فتجد في نفسك انك قد لاحظت الحجرين مع لحاظ هيئة قائمة بينهما فكل من لفظ الحجرين دل على ما هو الملحوظ وكلمة (على) دلت على تلك الهيئة الملحوظة وهذا أمر وجداني يلتفت اليه كل من له أدنى تأمل مضافا الى انه لو كانت الحروف فى الجملة الكلامية توجد الربط بين المعاني لزم أن لا يتعلق الطلب بالمعاني المقيدة بتلك الادوات الموجدة للربط لأخذ ما لا يتأتى إلا من قبله فى متعلقه وهو بديهي البطلان للزوم تقدم الشيء على نفسه.

فظهر مما ذكرناه أن جميع معاني الحروف اخطارية من غير فرق بينها ودعوى أن ذلك انما يجري بالنسبة الى المركبات التقييدية كغلام زيد مثلا دون المركبات التامة كزيد قائم بتقريب ان فى الأولى تدل على نسبة محققه موجودة فتكون حاكية لها بخلاف المركبات التامة فانها ليس لها نسبة محققة بل توجد النسبة بنفس التكلم بالجملة فلم تكن حاكية ولعل نظر صاحب الحاشية الى ذلك ممنوعة لان كل نسبة تامة او ناقصة مركبة من معاني الاسماء والحروف لا بد من ملاحظتها اي تلك المعاني الاسمية مقيدة بتلك النسب سواء كانت ناقصة أم تامة فمع ارادة اظهار ما لاحظه اولا تلقى بالفاظ اسمية تدل على المعاني الاسمية الملحوظة وادوات تدل على ما لاحظه تبعا للمعاني الحرفية فبالنسبة الى المركبات التقييدية لما كان لها واقع محقق فيكون الملحوظ فانيا في ذلك الأمر الواقعي ومع فنائه فبه دلت عليه تلك الالفاظ بالعرض والمجاز اذ هو دال حقيقة على ما هو ملحوظ اولا وبفناء هذا الملحوظ فى الامر الواقعي دل عليه عرضا بخلاف المركبات التامة فانه ليس لها واقع محقق لكي يكون الملحوظ فانيا فيه فعدم وجود الدلالة العرضية لا يوجب ايجادية

٤١

المركبات التامة ووجودها لا يوجب كون المركبات الناقصة إخطارية وبالجملة انهما مشتركان فى الدلالة والحكاية عما هو ملحوظ في الذهن قبل التكلم بالفاظ لمركب وان افترقا ان فى التقييدية لها واقع محقق وفي التامة ليس لها واقع محقق وهذا الافتراق لا يوجب الفرق بينهما إلا بالنسبة الى الدلالة العرضية على ما هو الواقع وهو اجنبي عن الحكاية عما فى الذهن الدال عليه بالدلالة الذاتية التي هي مناط الحكاية والاخطار. ومن ذلك تعرف ايضا أنه لا فرق بين بعت الانشائية والخبرية فان كلا منهما تلحظ قبل النطق بالجملة اللفظية فهي كاشفة عما هو متصور في عالم الذهن وبما أن الخبرية لها واقع محقق يكون الملحوظ فى الذهن فانيا فى الامر الواقع المحقق وبسبب ذلك دلت الجملة اللفظية عليه دلالة عرضية دون الجملة الانشائية فليس لها هذه الدلالة فعدم وجودها لا يوجب جعل الجمل الانشائية ايجادية ومثلها أدوات النداء والتمني والتشبيه فانها في كل ذلك ليس لها واقع يكون الملحوظ فانيا فيه فعدم وجوده لا يوجب جعل هذه الادوات من الايجادية فدعوى الفرق بين هذه الادوات وبين غيرها من الادوات كمن وعلى ومن والى بالالتزام بايجادية الاولى واخطارية الثانية بتقريب انا نرى بالوجدان ان النداء والتمني والتشبيه غير متحققات قبل مجىء الادوات وانما تتحقق وتوجد بعد مجيئها فالنداء قبل قولك يا زيد ليس متحققا وانما يتحقق بقولك يا زيد وهكذا في التمني والتشبيه فتكون هذه الادوات موجدة لمعانيها بنفس التلفظ ممنوعة لما عرفت من عدم الفرق فى الحروف لانها باجمعها دالة على معانيها الملحوظة في الذهن من غير فرق بين ان يكون لها واقع محقق لكي يكون ذلك الملحوظ فانيا فيه فتكون تلك الالفاظ دالة عليه دلالة عرضية وبين ان لا يكون لها واقع محقق كمثل أدوات النداء والتمني والتشبيه والاستفهام ونحوها فانها ليس لها واقع محقق فلعدم وجوده تنتفي الدلالة العرضية

٤٢

وانتفائها لا يوجب ايجاديتها مضافا الى ان هذه المعاني لو حصلت من الجملة اللفظية الموجبة لايجادية هذه الادوات لزمت ان تكون من شئون الاستعمال فتكون متأخرة عنه مع انها نفس المستعمل فيه ولازم ذلك أن يكون سابقا على الاستعمال فيلزم ان يكون شيئا واحدا متقدما ومتأخرا وهو باطل بالضرورة على ان ما نتصوره فى النفس من مفاهيم الاسماء إما مرتبطة بعضها مع بعض او غير مرتبطة فان كانت مرتبطة فلا معنى لكون الحروف توجد الربط بين المفاهيم الاسمية لانه يلزم تحصيل الحاصل وان تصورناها غير مرتبطة فلا يعقل احداث الربط بينها لان الموجود بحسب وعائه من الواقع او الاعتبار أو الذهن لا ينقلب عما هو عليه بعد أن فرض ان الالفاظ تحضر المعاني الموجودة وتلقيها الى المخاطب على ما هي عليه من غير ان تقلبه ويؤيد ما ذكرنا ما فى الرواية المروية عن مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام الحرف ما انبأ عن معنى لا اسم ولا فعل فان التعبير بما انبأ فيه دلالة على كون الحروف كلها اخطارية وان كان يروى انه قال الحرف ما اوجد معنى في غيره وبعض الاعاظم رجح هذه النسخة لكونها موافقة لما حققه من كون الحروف ايجادية ولكن لا يخفى انها قابلة للتأويل فان الالفاظ لما كانت قوالبا للمعاني وان النسبة اللفظية تكشف عن النسبة الذهنية كشفا بنحو المرآة والمرئي فالقضية الملفوظة هي القضية المعقولة فتكون متحدة معها. فحينئذ تكون تلك الهيئة المخصوصة كأنها قد وجدت بنفسها.

فظهر مما ذكرنا ان الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي انما هو بالهوية فان معاني الاسماء معان مستقلة وليست من سنخ النسب والاضافات بخلاف معاني الحروف فان معانيها ربطية ومن سنخ النسب والاضافات فلا يحل احدهما محل الآخر من غير فرق بين القول بانها ايجادية او اخطارية بل لو قلنا بان معاني الحروف هي

٤٣

معاني الاسماء حقيقة ولكن يختلفان من ناحية الاستعمال فلا يجوز استعمال احدهما في موضع الآخر لما عرفت منا سابقا ان الغرض من الوضع هو الاستعمال وضيق الغرض يوجب ضيق ذي الغرض كما ان سعته يوجب سعته فاستعمال احدهما فى فى موضع الآخر يعد غلطا اذا عرفت ذلك فاعلم ان الموضوع له فى الادوات هل هي الخصوصيات المحفوفة أو الجامع بين تلك الاضافات والخصوصيات.

والذي يقتضيه التحقيق ان تلك الخصوصيات خارجة عن الموضوع له وهو الجهة الجامعة بين تلك الاضافات. بيان ذلك ان معاني الحروف ليست مستقلة وانما هي قائمة بالمعانى الاسمية كقيام العرض بالموضوع فكما ان العرض في مقام تحصله وتقومه لا يحتاج الى الموضوع وانما يحتاج اليه فى مقام وجوده فكذلك المفاهيم الحرفية فانها فى مقام تقومها لا تحتاج الى المعنى الاسمي وانما تحتاج اليه فى مقام الاستعمال ومقام الاستعمال نحو من انحاء الوجود ولا ينفك ايجادها عن المعنى الاسمي بل حتى اذا لوحظت معراة وقد ذكرنا ان تعريتها عين تحليتها فهو بالنسبة الى الوجود الذهني كالانسان فى الخارج لا بد وان يكون مع خصوصية من تلك الخصوصيات وهي لا توجب تعدد المعنى فان المعنى الحرفي في الذهن لا يحصل إلا مع خصوصية ويتحصص بحصة خاصة وهذا لا يضر بتلك الوحدة الجامعة بين تلك الخصوصيات فيكون وضعها لتلك الجهة الجامعة على نحو ما تصورنا من الوضع العام والموضوع له عام بان يكون الجامع بين الافراد جامعا مندكا فى ضمن الخصوصيات بنحو يكون وجوده فى الذهن على نحو وجود الطبيعة فى الخارج بنحو يرى مندكا فى الخصوصيات.

ومما ذكرنا يظهر لك فساد دعوى ان معانى الحروف لما كانت من سنخ النسب فلا يدلها في تقومها من طرفين فتكون الخصوصيات دخيلة في الموضوع له

٤٤

ولكن لا يخفى ان تقومها انما يحتاج اليه فى مقام وجودها واما فى مقام الماهية فلا يحتاج في تقومها الى تلك الخصوصيات كالاعراض فانها فى مقام وجودها تحتاج الى موضوع يقوم به العرض ولا يحتاج في مقام ماهيته من موضوع يقوم به

ولا يخفى ان هذا الذي ذكرناه لا يفرق بين كون الحروف ايجادية أو اخطارية فان الايجادية تقتضي التشخص وهو مساوق للوجود والتخصص فى مقام الوجود لا يجعله من متكثر المعنى ويخرجه عن متحد المعنى فدعوى انه بناء على كونها ايجادية لا بد من القول بجزئيتها فى غير محلها اذ ذلك مبني على عدم وجود الكلي الطبيعي فى الخارج وان الموجود هو الاشخاص فحينئذ يكون التشخص فى مرتبة سابقة على الوجود. واما بناء على ان الكلي الطبيعى موجود فى الخارج واما التشخص مساوق للوجود فيكون الايجاد قد تعلق بشيء واحد وتحققه عبارة عن وجوده فى الخارج مشخصا بالخصوصيات فتكون تلك الخصوصيات خارجة عن ذلك المعنى الوحدانى.

وبالجملة ان هذه المتكثرات لما كانت تشترك بجامع مندك في الخصوصيات بنحو لا توجد إلا مع الخصوصية فحينئذ يمكن ان تتصور تلك الجهة الجامعة معراة عن الخصوصيات ويوضع اللفظ للجامع المندك في ضمن تلك الخصوصيات ولو كان ما تصوره معراة هو محلا بالخصوصية وبهذا المعنى تتصف الحروف بالكلية وتكون من متحد المعنى. فما ذكره صاحب القوانين من ان الحروف لا تتصف بكلية ولا بجزئية لأن معاني الحروف تبعية غير مستقلة بالمفهومية. واذا كانت كذلك فلا تتصف بهما وقوى ذلك بعض الافاضل بان معاني الحروف ايجادية وهي توجب الجزئية فلا تتصف بكلية ابدا ورده بعضهم بان معاني الحروف انما هي من سنخ النسب والاضافات وكلية النسبة تتبع الاطراف فاذا كانتا كليتين كمثل

٤٥

مسيري من البصرة خير تكون النسبة كلية فان من تكلم لم يلحظ السير المعين من نقطة معينة فهي تابعة للاطراف فيصح اتصافها بالكلية والجزئية تبعا للاطراف فقد عرفت الجواب عن ذلك بما ذكرنا من تصور الوضع العام والموضوع له عام على غير المشهور بان يتصور المعنى معرى عن الخصوصيات ويجعله مرآة لتلك الحصص المقترنة بتلك الخصوصيات المشتركة بحقيقة واحدة وان كان ما تصوره مقترنا بالخصوصية ذهنا فيوضع اللفظ لتلك الحقيقة الجامعة فتكون كلية بهذا المعنى والخصوصية المقترنة ليست لها الدخل فى الموضوع له. نعم يلتزم بما ذكر اذا لم نتصور غير المشهور من الوضع العام والموضوع له عام فانه بناء عليه تلحظ الطبيعة معراة عن الخصوصية ومجردة عنها ذهنا وهو يكون مرآة لتلك الخصوصيات ويوضع اللفظ لذلك المعنى العام وحيث ان معانى الحروف لا يتصور فيها ذلك اذ كل ما يتصور من تلك المعاني لا بد وان تكون محفوفة بتلك الخصوصية فليس فيها جهة جامعة تلحظ مستقلا من دون الخصوصية الذهنية فلذا لا بد من الالتزام بان يجعل المعنى الاسمي العام مرآة للمعنى الحرفي بان تتصور كلي الابتداء مثلا الذي هو معنى اسمي وتجعله مرآة لتلك الخصوصيات وتضع اللفظ لتلك الخصوصيات فيكون من قبيل الوضع العام والموضوع له خاص ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان العام يصلح للمرآتية للخصوصيات وقد عرفت انه غير صالح للمرآتية لعدم كشفه عن الخصوصيات. نعم العنوان الاجمالي بما انه منتزع عن الخصوصيات يصلح للمرآتية مضافا الى ان لازم ذلك ان يكون المعنى الحرفي مصداقا للمعنى الاسمي وينطبق عليه انطباق الكلي على فرده وقد عرفت منا سابقا ان التغاير بينهما تغاير بالهوية ولا يصح استعمال احدهما فى موضع الآخر فلو استعمل احدهما في موضع الآخر يكون مستهجنا وغلطا ولو كان من قبيل الكلي

٤٦

وفرده لصح استعمال المعنى الاسمي المفروض كليته فى المعنى الحرفي المفروض كونه مصداقا له ويعد ذلك من المجاز وهو واضح البطلان لما عرفت من المباينة بينهما.

وأما كون المعاني الحرفية كلية كالمعاني الاسمية بمعنى انها لا يمتنع فرض صدقها على كثيرين فهو مبني على ما ذكره الاستاذ من عدم الفرق بين المعاني الاسمية والمعاني الحرفية إلا من ناحية الاستعمال بان يشترط الواضع بان يستعمل الحرف فى الموضوع له الاسم في حال كونه حالة للمعنى الاسمي ويستعمل الاسم فى المعنى الحرفي فى حالة ملاحظته له فى نفسه.

واما بناء على ما اختاره بعض الاعاظم من انها عبارة عن الربط والنسب فاطلاق الكلية على المعانى الحرفية باعتبار عدم دخول الخصوصيات فى المعنى الموضوع له ولا يطلق عليها الكلية بمعنى الصدق على الكثيرين لان ذلك تنافي ايجادية المعنى الحرفي ودعوى ان الايجادية توجب دخول الخصوصيات فى المعنى الموضوع له فى غير محلها لان تلك الخصوصيات لها دخل فى مقام الاستعمال لا فى تقومه وتجوهره إذ هو كالعرض فان تقومه بالموضوع انما هو في مقام تحققه في الخارج لا فى مقام تجوهره وتقرره.

واما على ما ذكرنا من ان الموضوع له في الحروف هو تلك الجهة الجامعة المتحققة في ضمن الخصوصيات التي لا ينفك تحققها إلا فى ضمن الخصوصيات حتى في مقام الذهن فلا يمكن تصورها منفصلة عن الخصوصيات وإلا خرج عن كونها معنى حرفي فعدم كونه كليا بمعنى عدم صدقه على كثيرين من الوضوح بمكان. نعم بمعنى عدم دخول الخصوصيات في المعنى الموضوع له وتكون تلك الجهة الجامعة هي الموضوع له يصح اطلاق الكلية عليه ويكون من متحد المعنى بمساعدة العرف عليه لان استعماله بتلك الجزئيات بلحاظ واحد مضافا الى ان استعماله في المعنى

٤٧

العام لا يكون بالعناية والمجاز كقولنا سر من البصرة الى الكوفة فان (من) قد استعملت في الكلي كاستعمالها في الجزئى الحقيقي كقولنا سرت من البصرة وهل تجد بينهما فرقا وذلك شاهد على ان (من) استعملت في المقامين بمعنى واحد وليس إلا القدر المشترك الذي لا يمكن تحققه خارجا وذهنا إلا مع خصوصية ذهنية او خارجية ولا ينافي كون القدر المشترك لا يتحقق إلا مع الخصوصية كونه هو الموضوع له لان الخصوصية لها دخل فى تحققه ووجوده وليست داخلة فى حقيقته وماهيته وتلك الحقيقة الكلية هي الموضوع له الاداة الملحوظة باللحاظ الاصلي في ضمن لحاظ الاطراف وليس المعنى الحرفى ملحوظا مع الاطراف بنحو المرآتية لكي يكون مغفولا عنه وكيف يكون كذلك مع انه جزء من الكلام المقصود بالافادة بل يكون هو المقصود الاصلي ولذا صح تقيده فجاز التمسك بالاطلاق اذ التقيد والاطلاق امران اضافيان وسيأتى إن شاء الله تعالى صحة رجوع القيد الى الهيئة التي هي معنى حرفي في الواجب المشروط واستفادة المفهوم من الجملة الشرطية لدلالتها على تعليق سنخ الحكم على الشرط لينتفي بانتفائه.

ودعوى ان الايجادية تلازم كون المعاني الحرفية مغفولا عنها في غير محلها لان الايجادية لا تنافي اللحاظ الاصلي اذ المعنى الحرفي حينئذ ليس إلا الربط بين المفاهيم الاسمية وهذا هو مقصود بالاصالة ولم يؤخذ المعنى الحرفي بالنسبة الى المعنى الاسمي بنحو المرآتية كاستعمال الالفاظ فى معانيها الملازم لكون تلك المعانى مغفولا عنها. والحاصل ان المعنى الحرفي بالنسبة الى المعاني الاسمية ان كان بنحو المرآتية فيكون مغفولا عنه كما ادعاه بعض الاعاظم قدس‌سره فلا يصح ارجاع القيد في الواجب المشروط الى الهيئة ويلزم ارجاعه الى المادة لان التقييد يستدعي ان لا يكون المقيد من المعانى المغفول عنها فاذا لم يصح التقيد فلا يصح الاطلاق وان كان

٤٨

بالنسبة الى المعاني الاسمية ملحوظا بالاصالة على ما هو المختار فيصح ارجاع القيد الى الهيئة في الواجب المشروط. اللهم إلا ان يقال بأن الموضوع له في الحروف خاصا اذ عليه يكون جزئيا حقيقيا فلا يصح تقييده فلا يصح اطلاقه ، ولكن لا يخفى ان من يقول بأن الموضوع له خاص لا يقول بأنه جزئي حقيقي بل جزئي اضافى وهو لا ينافي الكلية فمع كونه كليا لا مانع من تقييده اذا كان ملحوظا بالاصالة فحينئذ يتمسك بالاطلاق مضافا الى انه لو كان مراد القائل بكون الموضوع له خاصا هو الجزئي الحقيقي فلا اطلاق بالنسبة الى الاطلاق الافرادي واما بالنسبة الى الاطلاق الاحوالي فلا مانع من التمسك بالاطلاق فحينئذ يمكن تقييده. ومعنى الاطلاق الاحوالي هو ان الفرد الخارجي يوجد اما معلقا او غير معلق لا انه بعد وجوده خارجا يكون له اطلاق ويتقيد بالتقيد الاحوالي

الخبر والانشاء

قال الاستاذ قدس‌سره ان الخبر والانشاء كالحروف والأسماء من حيث أنهما يشتركان في الموضوع له ويفترقان في ناحية الاستعمال وتوضيح ذلك يحتاج الى مقدمة وهي ان كل شيء له مرتبتان مرتبة الايجاد ومرتبة الوجود ، ومرتبة الوجود متأخرة عن مرتبة الايجاد رتبة فان الشيء اذا تحرك من كتم العدم الى الوجود كان ايجادا وان اعتبر قد تلبس بقالب الوجود كان وجودا فالاسم مفردا او مركبا تركيبا ناقصا لما كان يحكى عن مسماه فيكون دالا على الوجود لا على نفس الايجاد لأنه يحكى عن المسمى فارغا عن الوجود فغلام زيد مثلا يطلق على الشخص بعد كونه غلاما موجودا وكذلك زيد فانه يطلق على مسماه بعد الفراغ عن كونه موجودا بخلاف المركبات التامة من الأسماء فانها تدل على نفس الايجاد والى

٤٩

ذلك يرجع قولهم ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الاخبار بعد العلم بها أوصاف. والذي يدل على ان المركبات التامة هي عبارة عن ايقاع النسبة هو أنها من سنخ التصديقات والتصديق هو اذعان بالنسبة ، والاذعان يتعلق بالايجاد لا بالوجود ، وربما يطلقون على القضية اسم التصديق فيقال قضية تصديقية ولا يختص هذا الاطلاق بخصوص قضية خاصه بل يشمل كل قضية حتى المشكوكات والموهومات والكواذب ويستكشف من ذلك أنها تدل على الايجاد لا الوجود.

اذا عرفت ذلك فاعلم أن الجمل مطلقا خبرية كانت او انشائية يستفاد منها هو ايقاع النسبة فلا يكون فرق بينها بحسب الذات والفرق بين الخبرية والانشائية بانه تارة يقصد فيراد الحكاية عن شيء واخرى يقصد الوسيلة الى تحقق مضمونها مثلا بعت دالة على ايقاع النسبة وهي مشتركة بين الخبر والانشاء ولكن إن قصد بها الحكاية فهي خبر وان قصد بها الوسيلة الى تحقق مضمونها فهي انشاء فيكون الفرق بينهما بحسب الاستعمال لا بحسب الذات كانقسامهما الى الجد او الهزل فتارة يحكيان عن جد وأخرى يحكيان عن الهزل والسخرية والجد فى الانشاء ربما يكون منشأ لترتب الآثار كما اذا أنشأ البيع واجتمعت شرائطه يكون منشأ لترتب الملكية وقد لا يكون منشأ لترتب الأثر كالبيع الفضولي مع عدم تعقبه للاجازة

فتلخص مما ذكرنا أنه عندنا مراتب أربع الأولى ايقاع النسبة الكلامية ، الثانية الحكاية عن الواقع والموجودية ، الثالثة الجد والهزل ، الرابعة الوقوع

أما المرتبة الاولى فهي تشترك فيها جميع الجمل خبرية كانت او انشائية وهي من مقومات الجملة كالموضوع والمحمول.

اما المرتبة الثانية فهي الفارقة بين الخبر والانشاء حيث ان الخبر ايقاع النسبة بقصد الحكاية والانشاء ايقاع النسبة بقصد الموجدية وهي من قيود الاستعمال

٥٠

لا من قيود المستعمل فيه كالحروف فكما ان الحروف لحاظ الآلية من شئون الاستعمال كذلك الأخبار وان كان هناك فرق من جهة اخرى ان فى الحروف والأسماء لحاظ الآلية والاستقلالية معلولان للحاظ وفى الجمل اللحاظ يتعلق بايقاع النسبة مع الحكاية أو الموجدية. فالحكاية والموجدية متقدمان على اللحاظ وبهذا الفرق يمكن دعوى أنهما يرجعان الى المستعمل فيه ومن قيوده ولا يستلزم منه تلك المحاذير التي ذكرت فى الحروف فلذا قال الاستاذ قدس‌سره لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك فعبر عن ذلك بنفي البعد لا بعدم المعقولية كالحروف ثم عقب ذلك بقوله فتأمل لعله اشارة الى ما ذكرنا من الفرق بين المقامين.

واما المرتبة الثالثة فلا اشكال ان الجد والهزل من الدواعي والدواعي خارجة عن المستعمل فيه.

واما المرتبة الرابعة فلا دخل لها في عالم الاستعمال هذا والمستفاد من الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (فيكون الخبر موضوعا ليستعمل ثبوت معناه في موطنه والانشاء ليستعمل فى قصد تحققه وان اتفقا فيما استعملا فيه) ان ذلك في المركبات التامة الصالحة للخبر والانشاء كمثل بعت وزوجت وطلقت ونحوها ولا يجري ذلك فيما اذا كانت مختصة بصورة الانشاء كصيغة افعل التي لم يتصور فيها جهة حكاية وانما هي متمحضة لخصوص الانشاء كما أن الظاهر من أن مورد الأقوال والنزاع فى أن الخبر والانشاء موضوعان لمعنى واحد والاختلاف في ناحية الاستعمال كما اختاره الاستاذ قدس‌سره او ان الخبر موضوع للمعنى الجامع المقصود بالحكاية والانشاء موضوع للمعنى الجامع المقصود به الانشاء كما هو قول المشهور او انها موضوعة للمعاني الجزئية هو الجمل الصالحة للوجهين دون الجمل

٥١

المختصة بالانشاء والسر في ذلك هو ان الجمل الدالة على ايقاع النسبة والصدور يتأتى فيها ما ذكرنا واما الجمل التي تدل على صرف البعث والارسال ولا تكون لإيقاع النسبة والصدور مدخلية فلا مجال لذلك اصلا ولا نعني من البعث والارسال الخارجي حتى انه اذا لم يقع يكون استعماله مجازا لأنه لم يكن في الخارج بعث وانبعاث بل المراد به البعث المتصور الموجود فى عالم الذهن الذي يرى عين الخارج فانه يتحقق البعث بنفس الانشاء ولو لم يحصل بعث في الخارج وهذا الذي ذكرناه لم يختص بالجمل الانشائية بل يجري لكل معنى اسمي او حرفى او جملة خبرية فان مؤدى الجميع الصور الذهنية التي ترى خارجيا فلذا يتوهم ان مؤداها خارجية فعلى هذا يكون الطلب من لوازم المدلول لا عين المدلول لأن الارسال من لوازم الطلب ولو كان عينه يلزم أن لا يحتاج فى تقومها اي هيئة افعل مثلا الى طرفين بل تكون حينئذ من الأعراض التي تقوم بشيء واحد وقد عرفت ان ذلك هو المعنى الاسمي ولكن لا يخفى ان هذا بناء على اتحاد الطلب مع الارادة حتى لا يكون الطلب كالارادة من الأعراض القائمة بشيء واحد وهو النفس واما بناء على تغاير الطلب مع الارادة فلا بد حينئذ من دعوى ان الطلب هو مدلول الصيغة لأنه عليه يكون الطلب عين الارسال والتحقيق ان هيئات المركبات ناقصة او تامة اسمية او فعلية خبرية او انشائية من المعاني الحرفية دالة باجمعها على ربط العرض بموضوعه بان تتصور مفاهيم الأطراف مع لحاظ الربط بينها من دون نظر الى تحققها في الخارج او فى الاعتبار ودلالة الهيئة على ذلك دلالة ذاتية بلا تفاوت بينها وبذلك تصح اخطاريتها اذ هي دالة على ما هو المتصور وانما التفاوت بينها على حسب اختلاف انحائها من الصدورية والوقوعية والحالية والقيامية والايجادية والطلبية ونحوها باعتبار تحققها بحسب وعائها من الخارج او الاعتبار فان وجود

٥٢

الربط يتبع القيد فان كان من الأمور العينية يلزم تحقق رابط بين الطرفين فى عالم الأعيان والواقع وان كان من الأمور الاعتبارية مثل الأحكام الشرعية وضعية كانت ام تكليفية فيلزم تحقق رابط بين الطرفين فى عالم الاعتبار وهذه الدلالة هي بالعرض لأنها تحصل من فناء ما تصوره في ما هو محقق خارجا أو اعتبارا وبوساطة هذه المرآتية والفناء حصل الفرق بين الخبر والانشاء ففي الخبر يكون المعنى المتصور الذي هو مدلول ذاتي للجملة التركيبية فانيا لما في الخارج أو لما في الاعتبار فلذا اعتبر في الخبر أن يكون له نسبة في الواقع تطابقه او لا تطابقه حتى بالنسبة الى القضايا الممتنع تحققها كمثل شريك الباري ممتنع او معدوم لا بد وأن يفرض محالا موضوع ومحمول ونسبة في الخارج لكي تدل عليه تلك النسبة بخلاف الانشاء فان المدلول الذاتي المتصور يرى فانيا في ايقاع النسبة فيما لم يكن مفروغا وجوده بل يرى أن الوجود نشأ من نفس انشاء الصيغة فيكون معلولا لهذا الانشاء فلذا لا تكون له نسبة لكي تطابقه او لا تطابقه فالبيع الجزئي الواقع عقيب بعت الانشائية انما هو نتيجة الانشاء وبذلك امتاز عن الفعل المضارع الحاكي عن واقع يتحقق ومفروغ وجوده متأخرا من ناحية الفعل المضارع فالدلالة عليه تكون دلالة عرضية.

وبالجملة الفرق بين الخبر والانشاء انما هو فى ناحية المحكي الملحوظ وجوده خارجا او اعتبارا الدالة عليه تلك الجملة بالدلالة العرضية وهكذا فى الجمل المختصة سواء كانت خيرية كزيد قائم أو انشائية كصيغة أفعل ففي الخبرية يكون لها نسبة قد فرض وجودها سابقا كالفعل الماضي أو يتوقع وجودها كالمضارع أو ليس فيها تحقق أو ترقب كالجمل الاسمية ففي الجميع تدل على الصور الذهنية دلالة ذاتية وبواسطة فنائها فى الخارج أو في الاعتبار تدل على ما في الخارج أو الاعتبار

٥٣

دلالة عرضية فان حصلت المطابقة فهو صدق وان لم تحصل المطابقة فهو كذب وفي الجمل الانشائية كصيغة أفعل ان مدلولها الذاتي صار فانيا فى البعث الخارجي الذي هو البعث الشخصي الجزئي الحاصل من نفس هذا الانشاء فهو معلوله لا هو المنشأ وانما يكون ذلك المتصور فانيا فيه فتدل الصيغة عليه دلالة عرضية كما انه ليس لمدلولها واقع محقق لكي تطابقه او لا تطابقه وأما طلب المتكلم وارادته بناء على تغاير الطلب والارادة فهما منتزعان من نفس انشاء البعث بمثل صيغة أفعل فالدلالة عليهما بالدلالة العقلية لا بالدلالة اللفظية هذا كله في المركبات التامة واما المركبات الناقصة (١) فقد عرفت انها تدل على الثبوت واما هيئة الفعل فانها تدل على

__________________

(١) وقد يراد منها دلالتها على نفس النسبة من دون ملاحظة وجودها وعدمها ففي مقام الحكم تلحظ نفس المعنى ولذا يصح الحكم عليها بالوجود والعدم فنقول الرجل العالم موجود أو غير موجود واما الفرق بين التامة والناقصة فيظهر فيما لو أخذا قيدا لموضوع الحكم الشرعي فان أخذت النسبة التامة فى الموضوع كقوله (ع) اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء فان موضوع الحكم هو الماء المتحقق كونه كرا في الخارج لا نفس الماء من حيث هو فنقيضه هو الماء المتحقق كونه غير كر أخذ موضوعا للانفعال فمع الشك فى كرية الماء لا يجرى استصحاب العدم لاثبات اتصاف الماء المشكوك كونه كرا الا على القول بالأصل المثبت وهذا بخلاف ما أخذت النسبة الناقصة في الموضوع كما لو قال الماء الكر لا ينجسه شيء فانه لا مانع من جريان استصحاب العدم لأن المأخوذ فى لسان الدليل طبيعة الماء من دون نظر الى وجوده وعدمه فنقيضه هو عدم الماء الكر وهو يتحقق فى الخارج بعدم أحدهما فعليه لا مانع من استصحاب العدم لكي يتحقق موضوع المفهوم وهو عدم الماء الكر

٥٤

صدور الحدث من فاعله وانه من رشحاته وثمراته من غير حاجة الى كونه مطابقا لما في الخارج فمثل امتنع واستحال يعد ان من الأفعال وليس لهما نسبة خارجية.

وما ذكرنا من مدلول الفعل بأنه حدث صادر من الفاعل هو المراد من الحركة في الخبر المروي عن مولانا أمير المؤمنين (ع) في أن الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى وليس المراد منها الحركة من العدم الى الوجود إذ مثل امتنع واستحال يعد ان من الأفعال ولم يخرجا من العدم الى الوجود. وبما ذكرنا من معنى الحركة صححنا ايجار البساتين الموجود حال الايجار أعيان المنافع فان ايجارها باعتبار كون اعيان منافعها من رشحات تلك الأعيان ومن ثمراتها لأن ما فى الخارج لما كان من الممكنات يكون له اعتباران اعتبار من حيثية نفسه واعتبار من حيث صدوره وبهذا الاعتبار يعد الموجود من منافع الأعيان كالثمرة ولو لا ذلك لما صح إيجار البستان ليتصرف في الثمرة الموجودة حال الايجار إذ هي حينئذ من بعض الأعيان التي لا يجوز التصرف بها بالاتلاف إذ الاجارة تتعلق بمنافع الأعيان ويد المستأجر عليها يد أمانة. وحاصل الجواب أن الأثمار الموجودة حال الإجارة لها حيثيتان حيثية تتعلق بذاتها وحيثية تتعلق بصدورها.

اما الحيثية الأولى فليست متعلقة للإجارة. واما الحيثية الثانية فلا مانع من تعلق الإجارة لأن عنوان الرشح والصدور يجعل الشيء الموجود من منافع الأعيان وبالجملة أن هيئة الفعل تدل على ان الحدث من آثار الفاعل على نحو التحقق كالماضي وعلى نحو التوقع والترقب كالمضارع وعلى نحو الايقاع والاصدار كالأمر وهو مدلول الجمل الانشائية من غير فرق ، بينما يستعمل فى مقام انشاء المعاملات والايقاعات وبين انشاء الجمل الاخرى المستعملة فى معان أخر من الطلب والترجي والتمني وان كان فرق بينهما من جهة اخرى. اما الجمل الانشائية في مقام

٥٥

المعاملات والايقاعات فلها أثر فى نظر الشارع أو العرف يترتب على وجودها الانشائي بخلاف انشاء الجمل المستعملة في الطلب والتمني والترجي فانه لا يترتب على وجودها الانشائي وانما يترتب على انشائها عناوين انتزاعية لا يمكن انتزاعها إلا بعد وجودها الانشائي فان صيغة الأمر تدل على إرادة المتكلم بصدور مادتها الطبيعية للمأمور وبعد انشائها ينتزع عنوان البعث والطلب والوجوب أو الاستحباب وهكذا صيغة التمني والترجى فان كلا منهما استعمل في معناه دل على وجود صفة التمني والترجي فى نفس المتكلم فينتزع من ذلك تلك العناوين ومن هذا القبيل دلالة حروف التمني والترجي والتشبيه والنداء الى غير ذلك من الحروف فانه من الواضح ان هذه الأدوات لم تستعمل في تلك الأوصاف القائمة فى النفس لأن تلك حقائق خارجية لا يمكن أن تحضر فى الذهن كما أنه ليست هذه الحروف بوجودها الخارجي أسبابا لوجود التمني والترجي في الخارج لأن ذلك موجب لانتفاء العلاقة الوضعية لأنها قبل الوضع لا علاقة بينها كما انه لا يمكن القول بأن هذه الحروف آلة لايجاد التمني والترجي في الخارج وانما هذه الأدوات قد استعملت في النسب الخاصة بين الشخصين كالتشوق الحاصل بين المترجي والمترجي والمتمني والمتمنى وهذا التشوق الموجود في ضمن تلك التشوقات الجزئيات جهة مشتركة بينها فهذه الأدوات موضوعة لتلك الجهة الجامعة فيكون الموضوع له عاما كالوضع كما ان المستعمل فيه عام فدلالتها على التشوق الجزئي القائم فى نفس المتمني أو المترجي دلالة عرضية فان مدلولها بالذات هي طبيعة التشوق الموجودة في تلك الخصوصيات وبسبب فناء ذلك المتصور في الجزئيات دل على تلك الجزئيات بالعرض ولذا صح اطلاق التمني والترجي على ما كان بداعي الهزل والسخرية وغيرهما من الدواعى الأخر اطلاقا حقيقيا لا مجازيا إذ الوجدان لا يرى بين

٥٦

استعمالها فرق بين الجد والهزل وذلك كاشف ان الموضوع له نفس التشوق الموجود بين الجزئيات.

أسماء الاشارة

اختلف في ان اسماء الاشارة هل هي موضوعة لنفس الاشارة الخارجية أو انها لايجاد الاشارة؟ فتكون بمنزلة اليد أو أنها موضوعة للمعنى المشار اليه الذي تشخص بالاشارة بنحو تكون الخصوصيات دخيلة في الموضوع له أو أنها موضوعة للمعنى ليشار به اليه مثلا ذا وضع للمفرد المذكر ليشار به اليه بأن تكون الاشارة من مقومات الاستعمال لا من مقومات الموضوع له أو المستعمل فيه على أقوال والحق هو الأخير وفاقا للاستاذ قدس‌سره حيث قال (إن المستعمل فيه في مثل أسماء الاشارة والضمائر أيضا عام وان تشخصه انما نشأ من قبل طور استعمالها) بيان ذلك يتوقف على تمهيد مقدمات :

الأولى أن أنحاء التصور تختلف فتارة تكون تفصيليا كمن تصور شيئا مع جميع الخصوصيات وأخرى يكون تصوره متعلقا بشيء مردد فالأول يقال له العلم التفصيلي والثاني يقال له العلم الاجمالي وهو بعد الانكشاف تحصل له المطابقة مع العلم التفصيلي تطابقا بالتمام فيكون المعلوم بالاجمال منطبقا على المعلوم بالتفصيل انطباقا عينيا لا كانطباق الكلي على فرده للفرق بينهما فان انطباق الكلي على فرده باعتبار كونه جزء الفرد بخلاف انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل فان انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل تطابقا عينيا والتعبير بالعنوان الإجمالي لأجل ضيق المقام ومنشأ الخلط بينهما هو اتحاد الكلي فى الخارج فجعل الإبهام في العلم الاجمالي بمنزلة الابهام في العلم المتعلق بالكلي ولا يخفى أن ذلك انما يصحح

٥٧

الحمل ولا يجعل بينهما التطابق التام وكيف يكون بينهما تطابقا تاما مع أن الكلي جزء من فرده

المقدمة الثانية ان الصور المنتقشة فى عالم الذهن تارة تكون معراة عن التوجه واللحاظية كما لو تصورنا شخصا من دون توجه وتخاطب معه وأخرى تكون الصورة المنتقشة في عالم الذهن مقرونة بالتوجه والتخاطب في مقام المحاورة كما لو تصورت شخصا وتوجهت اليه في مقام المحاورة ولا اشكال في وجود هذين النحوين فيظهر من ذلك أن بين اللحاظ والتوجه عموم وخصوص من مطلق والعموم في طرف اللحاظ إذ ما من توجه لا بد من لحاظ سابق وربما يوجد اللحاظ مع عدم تحقق التوجه كما عرفت من انتقاش صورة شخص في الذهن ولم يكن له توجه بالمخاطبة وانما الصورة وجدت في الذهن معراة عن التوجه

الثالثة إنه لو اجتمعا أي اللحاظ والتوجه يكونان من قبيل معاني الحروف غير مأخوذين في الذات والذات تكون معراة عن اللحاظ والتوجه ضرورة ان الذات مقيدة باللحاظ ليست متعلقة لهما بل بالذات المعراة عن هذين القيدين تكون متعلقة للحاظ والتوجه اذا عرفت ما مهدنا لك من المقدمات ظهر لك ما ذكره الأستاد بان اسماء الاشارة وضعت ليشار بها الى معانيها وكذا بعض الضمائر وبعضها ليخاطب بها المعنى ، والاشارة والتخاطب يستدعيان التشخص.

وحاصل ما ذكرنا أن مبهمات أسماء الاشارة من قبيل الصور المتعلقة بالمجملات حتى أنه لو ارتفع الإجمال انطبق على تمامه وتلك الصور المنتقشة تارة ينضم اليها التوجه وأخرى لا ينضم فمع الانضمام تجد التوجه واللحاظ غير داخلين في الذات فينتج من ذلك أن المستعمل فيه عام فلا بد أن يكون الموضوع له عام وإلا لو كان الموضوع له خاص بأن كان التقيد باللحاظ والتوجه دخيلان في الموضوع له لكانت

٥٨

جميع هذه الاستعمالات مجازا بلا حقيقة وهو واضح الفساد ولكن لا يخفى أن ما ذكره الأستاذ من خروج الاشارة والتخاطب عن المعنى الموضوع له وجعله عاما مبني على ما ذكرنا من أن المعنى الموضوع له ذات مهملة لا مطلقة ولا مقيدة بل هي توأم مع القيد وعموم الموضوع له بالنحو الذي ذكرناه من تصور جهة عامة مبهمة لا يمكن انفكاكها عن الخصوصيات ويكون تعريتها عين تحليتها وبذلك تكون من متحد المعنى وتتصف بالكلية بهذا المعنى لا بمعنى الانطباق على كثيرين ومع الغض عن ذلك فيرد عليه أن اسماء الاشارة حينئذ تكون قد وضعت لأمرين للمعنى المشار اليه ولايجاد الإشارة ، مثلا ذا وضعت الدلالة على المفرد المذكر ولايجاد الإشارة فيلزم من استعمالها فى المعنى اجتماع لحاظين متباينين في ملحوظ واحد وهو باطل والذي يدل على ما ذكرناه أن الموضوع له في أسماء الاشارة هي تلك الجهة الجامعة بين تلك الحصص وخصوصياتها ليست داخلة فى المعنى الموضوع له دلالتها عليها التزاما فان من اطلاق اسم الاشارة ينتقل السامع عند تصوره لمعناه الى الاشارة الخارجية ومن الواضح خروج الاشارة الخارجية عن المعنى الموضوع له اللفظ والدلالة عليها تكون التزامية كدلالة لفظ العمى على البصر مع خروج البصر عن العمى قيدا او تقييدا على أنا لو أخذنا الاشارة الواقعية في الموضوع له بأن يكون التقييد داخلا فحينئذ تكون لفظة ذا مثلا موضوعة للمعنى الاسمي والحرفى وقد دل عليهما بدلالة واحدة وهذا شيء لم يعهد فى القواعد العربية مضافا الى عدم صحة استعمال اسم الاشارة في مقام الهزل والسخرية مع انه لا اشكال فى صحة استعمالها فى تلك الموارد على نحو الحقيقة وبالجملة ان المعنى الموضوع له لفظ الاشارة هي الحصة المبهمة وتكون الاشارة موجبة لتخصص الذات المبهمة وما به يكون التخصص خارج عن الموضوع له.

٥٩

ومما ذكرنا ظهر لك بطلان القول الأول إذ حقيقة الاشارة الى أمر ما معنى ربطي كالمعاني الحرفية لا يتحقق إلّا بطرفين.

وحينئذ لا يمكن أخذها فى المعنى الموضوع له لعدم صلاحيته لأن يقع مسندا او مسندا اليه فصلوحه لذلك يستكشف منه عدم كونه من المعاني الحرفية. نعم مقترن به بنحو لا يكون التقييد داخلا بل يوجب ضيق الموضوع على أنه يتبادر من لفظة ذا المفرد المذكر ولو صدرت من نائم او ساهي ولو كانت الاشارة الحقيقية دخيلة لما حصل ذلك للسامع ، ومن ذلك يظهر بطلان القول الثاني فانه لا مانع من أن يكون اسم الاشارة لمعنى مبهم قد تضيق وتخصص بالاشارة الواقعية التي هي عبارة عن توجه النفس الى المشار اليه بأن يخرج التقيد عن المعنى الموضوع له فلا تكون الاشارة الخاصة الحاصلة بآلة من آلاتها دخيلة في المعنى كما ان القول الثالث مبني على كون الموضوع عاما والموضوع له خاص وقد عرفت منا امتناعه إذ العام من حيث هو عام لا يكون مرآة للخصوصية هذا كله في اسماء الاشارة

واما الضمائر فقد قيل انها موضوعة بالوضع العام والموضوع له خاص أي لخصوص الخطاب والغيبة والتكلم وقيل أنها موضوعة بالوضع العام والموضوع له عام وخصوصية الغيبة والتكلم والخطاب جاءت من قبل الاستعمال والتحقيق انها موضوعة لمعان مبهمة مقترنة بالخطاب او الغيبة أو التكلم كما أن حال الموصولات أيضا كذلك لأنها موضوعة لمعان مبهمة مقترنة بصلتها.

ثم ان الابهام فى أسماء الاشارة واسماء الموصول غير الإبهام فى اسماء الأجناس فان الابهام في اسماء الاجناس إبهام صرف بخلاف بقية المبهمات فانها معان مبهمة من جميع الخصوصيات إلا من ناحية الخصوصية التي تقترن بها فيحصل بها التمييز كالإشارة فى اسم الاشارة والصلة في اسم الموصول والتكلم والخطاب في

٦٠