منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

المتعلق مع انه بالوجدان يسقط بمجرد الاتيان بالمقدمة فظهر مما ذكرنا ان الوجوب المترشح على ذات المقدمة من دون اعتبار قصد الايصال أو الايصال الخارجي وفاقا للأستاذ قدس‌سره حيث قال بعدم اعتبار شيء في وجوب المقدمة أو فى المقدمة إلا ان التزامه بأن الواجب من المقدمة هو مطلق المقدمة محل منع إذ ليس مطلق المقدمة واجبة ولا المقيدة بالايصال واجبة وانما الواجب الحصة التي هي توأم مع وجود ذي المقدمة وبعبارة اخرى الواجب من المقدمة المقدمة فى ظرف الايصال بنحو

__________________

لنفسه فلا يتعلق به الوجوب الغيري لعدم تحقق ملاكه والثاني ايضا باطل لانه لما كان غير لازم التحصيل يكون موردا للتكليف وظرفا لطلب المقيد وحينئذ يكون وجود الواجب ظرفا لتعلق الطلب بالمقدمة فيكون من طلب الحاصل لحصولها فى ظرف وجود الواجب هذا وقد اورد على الوجوه المذكورة بالنقض بأنه كيف يقال بعدم معقولية اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة مع انه قد وقع ذلك في بعض المسائل الفرعية كما اذا كان الماء مملوكا لشخص واباح الوضوء بشرط الصلاة بذلك الوضوء بحيث لو لم يصل يكون غاصبا فيكون الوضوء الواجب هو ما يتعقبه الصلاة والوضوء غير المتعقب للصلاة فاسد لكونه منهيا عنه لكونه غصبا فيختص الوجوب في هذا الغرض بالمقدمة الموصلة وقد اجيب عنه بأن عدم معقولية الاختصاص يوجب ان يكون ذات المقدمة يقتضي تعلق الوجوب بها من غير فرق بين الموصلة وغيرها إلّا ان يتفق وجود المانع عن تأثير ذلك المقتضى في بعض المقدمات فلا تكون المقدمة التي اتفق فيها المانع متصفة بالوجوب لوجود المانع لا لعدم المقتضى وما ذكر من عدم المعقولية فانما هو بالنظر الى نفس المقدمة من دون نظر الى ما يتفق من المانع عن اتصافها بالوجوب لكونه منهيا عنه لكونه غصبا فلا تغفل.

٣٠١

القضية الحينية فالتحقيق ان الوجوب قد ترشح من الواجب الى ذات المقدمة المهملة لا مطلقة ولا مقيدة بل هي توأم مع القيد بيان ذلك يتوقف على ذكر امور الأول ان وجود شيء يتوقف على سد جميع أبواب انعدامه إذ انعدامه يحصل بتحقق واحد من أبواب عدمه الثاني كل ما تتعدد المقدمات توجب فتح باب عدم من طرقها مثلا الصلاة لها مقدمات فبانتفاء أحدها توجب فتح باب من العدم فتنعدم بعدم بعض المقدمات الثالث ان الارادة المتعلقة بالصلاة مثلا لا بد وان تتعلق بجميع تلك الاعدام الناشئة من المقدمات بمعنى ان تكون الارادة متعلقة بالقدر الجامع لتلك الاعدام الذي لا يحصل إلا بسد جميع أبواب العدم اذا عرفت ذلك فاعلم ان تعلق الارادة بالمقدمة ليست إلا تبعا لارادة ذيها وانما تعلقت الارادة بذيها من جهة مراعاة حفظ الوجود الساري لجميع أنحاء عدمه فتعلق الارادة بالمقدمة من جهة ان فى وجودها ينسد بابا من أبواب انعدام ذيها والارادة المتعلقة بذيها تقتضي التعلق بالمقدمة لكن مع ضم باقي المقدمات فتعلقها بالمقدمة تعلقا ضمنيا ولم يكن للمقدمة اطلاق حتى يشمل حال عدم ضم بعض المقدمات ولم يتقيد بقيد الانضمام لأن الانضمام أمر انتزاعي يحصل بعد ضم باقي المقدمات التي يحصل بها ذي المقدمة فالانضمام متأخر طبعا عن تلك الارادة الضمنية فكيف يأخذه فيها وببيان آخران الغرض من وجوب المقدمة ليس الاحفظ وجود الواجب ولأجله ترشح وجوب غيري استقلالي لمجموع المقدمات فينبسط هذا الوجوب الوحداني على المقدمات بأجمعها فيكون فى كل مقدمة وجوب ضمني غيري كانبساط الوجوب النفسي على الاجزاء فيأخذ كل مقدمة حصة من الأمر الغيري المتعلق بكل المقدمات فتلك الحصة تكون متعلقة بالأمر الضمني مع ضمها إلى بقية المقدمات كما ان المقصود منها

٣٠٢

حفظ وجود الواجب من ناحيتها فهي غير مقيدة بضم بقية المقدمات ولا مطلقة من جهتها كما انها غير مقيدة بوجود الواجب ولا مطلقة الشامل لغير ترتب الواجب عليها كذلك بالنسبة الى وجود الواجب غير مطلقة ولا مقيدة بل تجب حين ترتب الواجب لاختصاص ملاك الوجوب بهذا الحال وهو حفظ وجود الواجب فى الخارج وبالجملة انه لا تقييد ولا اطلاق في المقدمة وانما هي حصة توأم مع ترتب ذيها ومع عدم ترتبه لا تكون مطلوبة لقصور في حكمها لا لتقييدها بترتب ذيها كما ادعاه فى الفصول قدس‌سره لا يقال انعدام ذي المقدمة يتحقق بانعدام كل واحد من المقدمات فيكون انعدام إحدى المقدمات علة تامة لانعدام ذيها ووجود إحدى المقدمات يقتضي وجود ذيها بمعنى انه لو انضم اليها الباقي انسد باب الاعدام فيوجد ذيها وليس الغرض من وجود المقدمة إلا سد باب من أبواب انعدام ذيها والتمكن على اتيانه فلو لا المقدمة لما أمكن حصول ذيها وهذا الغرض مترتب على المقدمة مطلقا أي سواء انضم باقي المقدمات أم لا ينضم فالارادة تتعلق بها مطلقا لكونها تابعة لتحقق الغرض وقد فرض انه متحقق فى النحوين لأنا نقول ان الغرض المترتب على النحوين من المقدمة مسلم إلا أن مطلق الغرض لم يكن تحت المطلوبية والارادة بل المطلوب منه ما كان يترتب عليه ذيها وهذا النوع من الغرض لا يحصل إلا مع ضم باقي المقدمات لأن تعلق الارادة بالمقدمات ليست على نحو الاستقلال وانما هو تبعا للتعلق بذيها ولا ريب ان التعلق بذيها ليس إلا لحفظ الوجود بنحو تام الذي يستتبع إرادة المقدمات بنحو الاجتماع لكي يحصل الوجود المطلق من ذي المقدمة وظاهر ان تعلق الارادة بالمقدمات يلازم الترتب ضرورة ان كل مقدمة تعلق بها إرادة ضمنية ناشئة من إرادة ذيها كما لا يخفى.

٣٠٣

ثم ان الأستاذ قدس‌سره قال بترشح الوجوب على مطلق المقدمة واستدل على ذلك بما لفظه (ولانه لو كان معتبرا فيه الترتب لما كان الطلب يسقط بمجرد الاتيان بها من دون انتظار ترتب الواجب عليها بحيث لا يبقى فى البين إلا طلبه وايجابه كما اذا لم تكن هذه بمقدمة أو كانت حاصلة من الاول قبل ايجابه مع ان الطلب لا يكاد يسقط إلا بالموافقة أو بالعصيان والمخالفة أو بارتفاع موضوع التكليف كما في سقوط الامر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميت أحيانا أو حرقه ولا يكون الاتيان بها بالضرورة من هذه الامور غير الموافقة).

اقول المراد من السقوط ان كان سقوطه عن مرتبة الفعلية باتيان المقدمة من غير ترتب فلا نسلم سقوط مثل ذلك لما عرفت ان تعلق الطلب بالمقدمات من شئون تعلقه بذيها ولا ريب ان تعلقه بكل مقدمة ليس استقلاليا بل هو نظير الطلب المتعلق بالمركب فان تعلقه بالمركب يوجب أن يتعلق بكل جزء منه تعلقا ضمنيا وإن كان المراد سقوطه عن مرتبة البعث والتحريك فلا اشكال في سقوطه بالنسبة الى تلك المرتبة اذ البعث والتحريك لا يتحقق بالنسبة الى الشيء الحاصل لكن ذلك لا يوجب ان تكون المقدمة واجبة على نحو الاطلاق بل بنحو ان يكون وجوبها على نحو وجوب الأجزاء فالاتيان ببعض الأجزاء لا يكون الأمر بالنسبة الى ما اتى به محركا ولكن لا يسقط ذلك الأمر عن مرتبة الفعلية الا بضمها الى الباقي من الاجزاء والاستاذ قدس‌سره بعد ان التزم بوجود ملاك المقدمة التي هي ما لولاه لما حصل في الصورتين اجاب عن الفصول بما لفظه (ضرورة ان الموصلية انما تنتزع من وجود الواجب وترتبه عليه من دون اختلاف من ناحيتها (١)

__________________

(١) لا يخفى ان جعل الملاك في وجوب المقدمة هو حصول ما لولاه لما

٣٠٤

ولكنك قد عرفت ان المقدمة الواجبة هي الحصة التي توأم مع القيد فلا يكون لها اطلاق لكي تشمل حال عدم الايصال كما ان الايصال ليس معتبرا في المقدمة لكي ينتزع عنوان الموصلية وانما اعتبر الايصال في المقدمة بنحو الحالية وبالجملة الواجب من المقدمة هو الحصة في حال الايصال لا مقيدا به كما لا يخفى.

__________________

حصل لكي يقال بوجوب مطلق المقدمة بحصوله في صورة ترتب ذيها وعدمه فى غير محله اذ لا معنى لجعله هو الملاك والغرض لكونه امرا سلبيا لا يعقل ان يكون اثرا للامر الوجودي وغيره غير صالح لكونه غرضا وملاكا لوجوب المقدمة سوى ترتب الواجب وهذا الترتب انما يكون فعليا مع تحقق علته التامة وتماميتها انما تكون يتحقق جميع اجزائها فيكون كل جزء له دخل فى الغرض شأنا بمعنى انه لو انضم اليه باقي الاجزاء لحصل الغرض الذي هو ترتب الواجب ففعلية ترتب الواجب بفعلية علته كما ان شأنية الترتب توجب شأنية العلة والسر في ذلك ان الواجب الذي فرض هو المعلول قد تعلق به الغرض الاصلي ولازمه ان يكون علته قد تعلق الغرض بها بالتبع والارادة المتعلقة بالمعلول واحدة لوحدة غرضها وان كان المعلول مركبا كما ان الارادة المتعلقة بالمقدمة واحدة وان كانت مركبه فكما ان اتيان بعض اجزاء المعلول لا يسقط تلك الارادة إلّا باتيان آخر جزء من اجزاء المعلول كذلك الارادة المتعلقة بالعلة المركبة فانها لا تسقط إلّا باتيان آخر جزء من اجزائها وبالجملة لا يتصف الجزء بالمطلوبية الا بعد ضم بقية الاجزاء من غير فرق بين كون الجزء من اجزاء العلة او المعلول كما ان ما ذكره قدس‌سره من ان الموصلية عنوان انتزاعي من وجود الواجب وترتبه عليه محل نظر بل منع اذ عنوان الموصلية كعنوان العلية والمعلولية من العناوين التي تنتزع عند بلوغ منشأ انتزاعها الى حد يمتنع انفكاكها عن ذيها وهكذا العلية والمعلولية

٣٠٥

الثمرة بين القولين

قيل بظهور الثمرة بين القول بوجوب مطلق المقدمة وبين القول بوجوب المقدمة الموصلة فيما لو لم يأذن المالك للماء أن يتوضأ به إلا للصلاة فان توضأ ولم يصل فعلى القول بوجوب المقدمة الموصلة يكون وضوئه باطلا لأنه منهى عن الوضوء الذي لم يتعقبه صلاة واما على القول الآخر فالوضوء صحيح لكونه مقدمة والمقدمة

__________________

اما العلية فانها تنتزع من الشيء عند بلوغه حدا يكون المعلول سببه ضروري الوجود ولا ينتزع من المعلول واما المعلولية فانها منتزعة من الشيء عند بلوغه الى حد يكون بسبب العلة ضروري الثبوت ولا ينتزع من العلة ولذا ذكرنا في حاشيتنا على الكفاية وفاقا لبعض السادة الاجلة بأن الغرض لو كان هو نفس ترتب الواجب عليها الداعي الى ايجابها لكي لا يسقط الامر بها إلّا ان يؤتى بها مرتبا عليها الواجب وحاصلا بعدها تحصيلا للغرض من ايجابها ولكان وقوعها على صفة الوجوب والمطلوبية متوقفا على كونها موصلة لكون ذلك اعني الايصال مما له دخل في تحصل الغرض من تعلق الايجاب بها وكلما له الدخل كذلك كان معتبرا فى الواجب إلّا ان الالتزام بذلك محل نظر فان ترتب الواجب ليس غرضا لكي يكون من آثارها وانما الموجب لا يجاب المقدمة هو التمكن من ذيها وسد باب عدم القدرة عليه من جهتها وحينئذ مجرد الاتيان بالمقدمة يسقط امرها لحصول الغرض وهو محض التمكن من ذيها من غير فرق بين ترتب ذيها وعدمه ولكن لا يخفى ان امكان ذي المقدمة ذاتا او وقوعا ليس غرضا لوجوب المقدمة فذو المقدمة لا يوجد بدونها لا انه لا يتمكن منه بدونها وانما الغرض الاصلي هو ما يترتب على ذي المقدمة فانه يترتب على المقدمة تبعا وهو الموجب لتعلق الارادة اذ العلة مراده بتبع ارادة المعلول فافهم.

٣٠٦

محكومة بحكم ذيها مطلقا فيكون وضوئه صحيحا تعقبه صلاة ام لا كما انه قيل بظهور الثمرة ايضا بالدخول فى الأرض المغصوبة من غير أن يتعقبه انقاذ غريق فعلى القول باعتبار الايصال الخارجي فيحرم دخوله في الأرض المغصوبة لعدم كونه مقدمة إذ لا يتحقق المقدمية فى الدخول إلا بتعقب الانقاذ وعلى القول الأخير لا يحرم الدخول بل يتصف الدخول بالوجوب لأنه على هذا القول مطلق المقدمة محكومة بحكم ذيها ولكن لا يخفى ما فيه اذ نفس المقدمة ليست علة تامة للوجوب وانما هي مقتضية للوجوب فمع عدم المانع تكون المقدمة واجبة مطلقا اي سواء تعقبها ذي المقدمة ام لم يتعقبها ذيها واما مع وجود المانع كما في المقدمة المنحصرة فعلى كلا القولين تجب المقدمة اذا تعقبها الواجب واما مع عدم تعقبها الواجب فهي باقية على حرمتها نعم تترتب الثمرة اذا قلنا بأن اطلاق المقدمة علة تامة إلّا ان الالتزام بذلك محل منع فعليه لا تظهر الثمرة بين القولين بناء على ما هو الحق من أن المقدمية تقتضى ترشح الوجوب من ذيها اليها بل ربما يقال بأنه في المثالين يستحيل ترشح الوجوب الى المقدمة غير المتعقب بها الواجب لأنه يلزم طلب الشىء بعد حصوله وهو محال بالوجدان بيان ذلك ان الرخصة فى الوضوء فى المثال الأول وسلوك الأرض في المثال الثاني تنحصر بصورة ترتب الواجب عليهما معناه ان الغرض الأصلي هو نفس ترتب الواجب ولازمه ان يترشح الوجوب من الواجب عليهما فعليه لا يجب الوضوء والسلوك فى الأرض المغصوبة إلّا اذا تعقب الصلاة في الأول وانقاذ الغريق في الثاني فالوضوء غير المتعقب للصلاة وسلوك الأرض الغصبية غير المتعقب بالانقاذ باقيان تحت الحرمة والمنع اذا عرفت ذلك فاعلم ان الوضوء يكون واجبا اذا كان مقدورا وممكنا ولا يكون كذلك إلّا اذا لم يكن ممنوعا من قبل المالك لأن العذر العقلي مانع

٣٠٧

من تعلق التكليف ولم يكن الوضوء كذلك إلّا اذا تعقبه الصلاة بمقتضى حصر الرخصة ومعلوم ان ترتب الصلاة انما يحصل بعد وجود الوضوء لكونه مقدمة فيلزم وجوب الوضوء يتوقف على وجود الصلاة بوسائط بأن يقال وجوب الوضوء يتوقف على التمكن منه والتمكن منه يتوقف على جوازه وجوازه على ترتب الصلاة عليه وترتب الصلاة يتوقف على الوضوء نفسه فيكون المتحصل من هذا اذا وجبت الصلاة وجبت وهو الدور الواضح البطلان ولكن الانصاف انه لا دور لأن التمكن فيه انما يتوقف على العلم بالجواز لا نفس الجواز الواقعي وفرق ظاهر بين الجواز الواقعي والعلم به وربما يكون المأتي به يعلم بجوازه مع انه ليس بجائز فيقع الفعل المأتي به صحيحا اذ الصحة وعدمها يدوران مدار العلم برخصة المالك وعدمه لا بنفس الرخصة الواقعية وعدمها فاذا علم المتوضئ انه يأتي بالصلاة عقيب الوضوء يصح وضوئه سواء أتى بالصلاة أم لم يأت بها وإذا صح منه الوضوء لم يبق للقول يتوقف القدرة عليه بعدم المنع منه مجال وحينئذ يندفع الاشكال المتقدم نعم يتجه اذا قلنا بالتوقف على الجواز الواقعي وقد عرفت انه فى محل المنع ولم يبق وجه للاشكال إلّا اذا قلنا بأن مطلق المقدمة علة لترتب الواجب مع انه لم يقل بذلك احد فعليه لا ثمرة بين القولين نعم قيل بظهورها بين القولين فيما لو سلك فى الأرض المغصوبة بغير داعي الانقاذ فعلى القول بالمقدمة الموصلة يكون عاصيا بالمقدمة وبذيها لو لم يتعقبه الإنقاذ أو متجريا لو تعقب ذلك السلوك الانقاذ وعلى القول بوجوب مطلق المقدمة فليس عليه الا حرمة التجري بالنسبة الى ذي المقدمة ان اتى بذي المقدمة وإلّا كان عاصيا على ترك ذي المقدمة فحسب وعن صاحب الفصول قدس‌سره بظهور الثمرة بين القولين في العبادة اذا كان تركها مقدمة لواجب

٣٠٨

اهم بيان ذلك ان الازالة لما كانت اهم يكون ترك الصلاة مقدمة لها فعلى القول بالمقدمة الموصلة يكون ترك الصلاة الموصل لفعل الازالة واجبا وليست الصلاة نقيضا لهذا الترك وانما نقيضه الترك غير الموصل فلا يحرم فعل الصلاة بناء على ان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده واما على القول بأن مطلق المقدمة واجبة فالصلاة تكون ضدا للإزالة لأن ترك الصلاة المطلق مقدمة لفعل الازالة فبناء على ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده تكون الصلاة باطلة وقد اورد على هذه الثمرة بأنه لا نسلم ما ذكر لأن فعل الصلاة احد فردي النقيض لأن نقيض ترك الصلاة الموصل هو ترك ترك الصلاة الموصل وهذا النقيض له فرد ان احدهما فعل الصلاة لانطباق ذلك عليه والآخر الترك المجرد فعليه لا فرق بين القول بالمقدمة الموصلة وعدمها وقد أجاب الاستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله انه على القول بالمقدمة الموصلة ان الصلاة التي هي الضد ليست فردا للنقيض بل مقارنا له ولا اشكال في عدم سراية الحكم من احد المتلازمين الى الآخر فضلا عن المقارنات بخلافه على القول الآخر فان الصلاة بنفسها ضد فحينئذ ان كان ترك الصلاة واجبا يكون نقيضه الذي هو فعل الصلاة منهيا عنه فالعبادة تكون باطلة اقول يمكن توجيه ما ذكره الاستاذ قدس‌سره بأنه على القول بالمقدمة الموصلة يكون الواجب مقيدا فتركه انما يتحقق بفردين ولا اشكال في ان الفردين لا يكون كلاهما النقيض إذ نقيض الواحد ليس إلا واحدا فحينئذ لا بد من قدر جامع فى البين هو النقيض ولم يكن هنا جامع بين الفعل والترك المجرد فلا بد وأن يكون الجامع من طرف الوجود فحينئذ يكون ملازما لما هو المنطبق على الفعل الذي هو المبغوضية وبالجملة يكون الجامع بين ما هو ملازم للمبغوضية المنطبقة على الفعل وبين الترك المجرد فحينئذ يكون

٣٠٩

الفعل مقارنا فلا يسري الحكم من الجامع الى الفعل لكونه مقارنا واما على القول الآخر فنقيض الترك هو نفس الفعل فاذا كان الترك مبغوضا كان الفعل محبوبا وان كان الفعل مبغوضا كان الترك محبوبا هذا غاية ما يوجه به كلام الاستاذ قدس‌سره ولكن لا يخفى ما فيه فان المتصف بالحكم ليس إلّا المتكثرات كما لو كان المقيد متصفا بالحكم فالمتصف به هو نفس القيد وذات المقيد مثلا ترك الصلاة المقيد بالايصال فترك الصلاة متصف بحكم ضمني وكذلك الايصال فيه حكم ضمني الناشئ من نفس الحكم المنبسط عليهما من ذي المقدمة فنقيض كل واحد من الحكمين غير الآخر فان نقيض ترك الصلاة الصلاة ونقيض الايصال عدم الايصال وان محبوبية شيء يلازم مبغوضية نقيضه ولازم ذلك ان تكون الصلاة وعدم الايصال مبغوضين إلّا أن المبغوضية في طرف النقيض كان منطبقا على اول وجود من النقيض ولا يكاد يوجد من النقيض الا واتيان الصلاة مقدما على نقيض القيد اذ هو متقدم رتبة كما ان نفس المقيد مقدم على قيده وليست المبغوضية منحصرة بأول وجود من جهة انحصار النقيض به بل من جهة وليست المبغوضية من النقيض على ما يحصل باول وجود ولم يتحقق إلّا الاتيان بالصلاة مثلا فتنحصر المبغوضية فيه.

إذا عرفت هذه الامور فاعلم انه وقع الخلاف في وجوب المقدمة وعدمها على اقوال اربعة قول بالملازمة مطلقا وقول بعدمها مطلقا وثالث بالتفصيل بين السبب وغيره ورابع التفصيل بين الشرط الشرعي وعدمه والحق هو القول الاول وهو وجود الملازمة بين الارادة المتعلقة بذي المقدمة نفسيا وبين الارادة المتعلقة بالمقدمة غيريا بشهادة الوجدان الحاكم بان من اراد شيئا له مقدمات وكان ملتفتا الى توقفه عليها فطبعا يريد مقدماته نظير ما لو كان في مقام ظهور الارادة بصورة

٣١٠

الارادة النفسية كما لو امر بأن يسقى الماء فقد اظهر ارادته بالسقي بصورة الارادة النفسية وفي الحقيقة والواقع هو امر بالسقي لرفع العطش بارادة غيرية فلو لم يكن مرادا بواسطة تعلق الارادة بالغرض الذي يترتب عليه لما كان التكليف بالسقي مجالا فمثل هذا التكليف يكشف عن ان من اراد شيئا وله مقدمات لا محالة يريد مقدماته على ان حال الارادة التشريعية حال الارادة التكوينية من غير فرق بينهما إلّا بالنسبة الى متعلق الارادة ففي التكوينية فعل نفس المريد وفي التشريعية فعل الغير فان من اراد ايجاد شيء فتجده اولا يحصل مقدماته الناشئة عن ارادة وقصد لتوقف وجود مراده الأصلي عليه وهكذا الارادة التشريعية فان المولى لو امر عبده باتيان شيء وكان له مقدمات فلا اشكال انه يريد منه المقدمات تبعا لارادة ذيها بالارادة المولوية ودعوى ان الامر المتوجه الى المقدمة انما هو ارشاد لحكم العقل بالاتيان بالمقدمة ممنوعة اذ يستحيل ان يكون ذلك ارشاديا مع فرض كونه مترشحا من الامر النفسي المولوى ومعلولا له ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه للقول بعدم الملازمة بين وجوب المعدمة وذيها كما انه لا حاجة الى الاستدلال على الملازمة بأنه لو لم تجب لجاز تركها وحينئذ ان بقى الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق وإلّا خرج الواجب المطلق عن وجوبه لما عرفت من الوجدان على تحقق الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ومع حكم العقل بذلك لا يبقى مجال لحكم الشارع بجواز تركها ومن ذلك يظهر انه لا يفرق بين السبب والشرط الشرعي وبين غيرهما اذا الوجدان في حكمه بالملازمة لا يفرق بين جميع المقدمات نعم قيل بانصراف التكليف من المسبب الى سببه لكون التكليف انما يتعلق بما هو المقدور والمسبب ليس داخلا تحت قدرة المكلف بل يعد من آثار السبب ولا يعد من الافعال الصادرة من

٣١١

المكلف ولكن لا يخفى ما فيه لأن السبب اما ان يكون تاما بان يكون من العلة التامة بحيث يستند المسبب الى خصوص سببه كقطع الرقبة فانه علة تامة للقتل بحسب العادة واما ان لا يكون تاما بان يستند المسبب الى شيئين كالاحراق بالنسبة الى الالقاء والنار فاستناد الاحراق الى الالقاء لم يكن بنحو العلة التامة بل الى العلة الناقصة فان كان من قبيل الاول كان المسبب مقدورا لكن بالواسطة فان القدرة على المسبب بواسطة القدرة على سببه وان كان من قبيل الثاني كان المسبب ايضا مقدورا إلّا انه من ناحية السبب الذي يتحقق القدرة عليه مثلا الاحراق يقدر عليه من ناحية الالقاء الذي هو مقدور والتكليف وان كان بحسب الظاهر متوجها الى جميع مراتب الاحراق إلّا ان المطلوب الاتيان بالاحراق من ناحية الالقاء دون ما يأتي من قبل النار وبعبارة اخرى انه لما كان الالقاء مقدورا له وكلف بالاحراق فعليه اتيان المكلف به من جهة ما هو مقدور له بأن يسد باب عدمه من ناحية الالقاء دون غيره.

تأسيس الاصل

ثم انه لو شككنا فى وجوب المقدمة مع عدم قيام دليل على وجوبها او عدمها فهل يمكن جريان الأصل العملي بالنسبة الى المسألة الاصولية كاصالة عدم الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ام لا الحق انه لا اصل عملي يجري في الملازمة لأنها ان كانت متحققة فلا شك في البقاء بل هي باقية قطعا وان لم تكن متحققة فلا يقين يتحققها واما جريان الاصل العملي بالنسبة الى المسألة الفقهية فقد قال الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية بجريانه بالنسبة الى وجوبها لكونه مسبوقا بالعدم

٣١٢

لتبعيته لوجوب ذيها المسبوق بالعدم ولكن لا يخفى ما فيه فان الشك فى وجوب المقدمة للشك فى الملازمة ومع الشك في الملازمة تنتفي الدلالة الالتزامية ومع انتفائها يحصل العلم بعدم الملازمة ومعه لا يبقى مجال للشك فى الوجوب فلا معنى لجريان الأصل وعليه لا فرق بين المسألة الأصولية والمسألة الفقهية فى عدم جريان الأصل العملي ولو سلمنا كون الملازمة انما هي بحسب الواقع فلا تنتفي الدلالة الالتزامية الواقعية فيكون الشك في الوجوب متحققا فالأصل العملي لا مجال له ايضا اذ غايته ينفي الوجوب ظاهرا لا واقعيا ونفيه ظاهرا مع تحقق فعلية الوجوب بالنسبة الى ذي المقدمة محل منع للزوم التفكيك بين الوجوبين ودعوى ان التفكيك بين الوجوبين لا محذور فيه بالنسبة الى مرتبة الفعلية مع عدم التفكيك فى مرتبة الواقعية ممنوعة اذ ذلك لا يصحح جريان الأصل في المقام لأن شرط جريانه ترتب أثر عملي عليه ولا أثر علمي يترتب على جريان الأصل في المقام بعد حكم العقل بالاتيان بالمقدمة وقد حكم الشارع بالاتيان بذي المقدمة.

ثمرة البحث فى المقدمة

لا يخفى ان نتيجة المسألة الأصولية لا بد وأن تكون واقعة فى طريق استنباط حكم فرعي فبناء على القول بوجوب المقدمة يتألف قياس من صغرى وكبرى فينتج الحكم الفرعي مثلا الوضوء مقدمة للصلاة الواجبة وكل مقدمة الواجب واجبة فينتج الحكم ان الوضوء واجب وهذا الوجوب الذي ترشح الى المقدمة هو وجوب شرعي لا الوجوب العقلي الذي هو بمعنى اللابدية إذ هو مما لا اشكال في وجوده فكيف يكون محلا للكلام وموردا للنقض والابرام وحينئذ صح التقرب به وسيجيء

٣١٣

انه يجوز التقرب بالواجبات الغيرية لاشتمال الأوامر الغيرية على البعث والتحريك نحو متعلقاتها كالطهارات الثلاث ودعوى انه لا يتحقق البعث فيها إذ لو لم يعلم بالمقدمية او لم يعلم بوجوب ذيها ولو علم بالمقدمية لا بعث فيها لعدم تحقق البعث في الأمر النفسي في ما لو لم يعلم فكيف يترشح منه واما لو علم بذيها مع العلم بالمقدمية فالعقل حاكم باتيان المقدمة من جهة اللابدية ومعه لا يبقى مجال للبعث بالأمر الغيري ممنوعة بأنه وان كان العقل حاكما بذلك إلّا انه بسبب تطبيق كبريات اخرى مستفادة من محالها ليتحقق التقرب بها توسعة في مقام التقرب مثلا ينطبق عليها الكبرى الكلية على ما ترشح الوجوب من ذبها اليها بأنه من موارد التقرب فى كل واجب بقصد امره وكضمان الآمر بامر معاملي بالنسبة الى نفس المقدمات كما لو امر شخص رجلا بالأمر المعاملي باتيان فعل له مقدمات فاتى بالمقدمات ولم يأت بذي المقدمة يضمن الآمر للمأمور أجرة المقدمات وحينئذ تظهر الثمرة بذلك ويقصد التقرب بامرها الغيري توسعة فى التقرب وان كان ذلك يوجب ان تكون مسألة مقدمة الواجب صغرى لكبريات أخر حققت في محالها وبالجملة حكم العقل بالاتيان من باب اللابدية لا يوجب اضمحلال ذلك الوجوب الغيري المترشح من ذي المقدمة فانه بذلك يزداد توسعة في كيفية التقرب فلو اتى به العبد بدعوة ذلك الأمر يحصل له التقرب في مقام الاطاعة فلم يكن تعلقه بالمقدمة خاليا عن الفائدة وقد عرفت ان الفائدة هو حصول التقرب ولا فرق في تعلق الوجوب وصحة التقرب به بين كون المقدمة مباحة او محرمة منحصرة او غير منحصرة فيترشح الوجوب من ذيها اليها بناء على وجوب المقدمة بخصوصها ان كانت منحصرة او على القدر الجامع ان كانت غير منحصرة وحينئذ يصح التقرب بهذا الوجوب

٣١٤

اللهم إلّا أن يقال انه فى صورة عدم الانحصار ينحصر ترشح الوجوب على خصوص المقدمة المباحة بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي واما بناء على الجوار فيترشح الوجوب الى القدر الجامع ويكون بالنسبة الى الفرد المحرم من قبيل الصلاة في الدار المغصوبة فان المقدمة المحرمة كالصلاة فيها فكما ان الصلاة فيها مشتملة على جهتين جهة الصلاتية فتكون واجبة وجهة كون اتيانها تصرفا غصبيا فتكون محرمة كذلك بالنسبة الى المقدمة فباعتبار كونها تصرفا غصبيا فتكون الحركة في المغصوب لانقاذ الغريق محرما وباعتبار انطباق القدر الجامع عليها تكون واجبة فما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية في رد الثمرة ما لفظه (ان الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة لا بعنوان المقدمة فيكون على الملازمة من باب النهي فى العبادة والمعاملة) محل نظر لأن عنوان المقدمية ليس هو القدر الجامع لأن عنوان المقدمية متأخر يحصل بعد اتصاف الشيء بشأنية الايصال ولا يمكن ان يستند التأثير الى شيء متأخر عن شأنية الايصال الذي هو عبارة عن عنوان المقدمة لأن صلاحية التأثير قائم بذات المقدمة وصلاحيته لذلك كانت منشأ لانتزاع المقدمية من ذات المقدمة وعنوان المقدمية صفة متأخرة عن صلاحية التأثير ويستحيل استناد التأثير الى ما هو متأخر عن اعتبار التأثير نفسه فلا بد وان يستند الى جهة اخرى قائمة بذات المقدمة غير عنوان المقدمية فان كانت المقدمة منحصرة كان لتلك الخصوصية دخل فى التأثير وان كانت المقدمة غير منحصرة فالتأثير يستند الى القدر الجامع بين الفردين المباح والمحرم فان قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي فيجوز التقرب بالمقدمية كما صح التقرب بالصلاة في الدار المغصوبة ان قلت المقام لم يكن من اجتماع الأمر والنهي إذ لا أمر بما هو محرم بل ينصرف الوجوب الى ما هو مباح فى صورة عدم

٣١٥

الانحصار بل ليس إلّا النهي فيكون من باب النهي فى العبادة قلت هذا مسلم ان كان المراد انصراف الوجوب الى غير المحرم بحكم العقل فانه يصرفه اليه ارشادا ولكن ذلك لا يفيد اذ حكمه بانصرافه الى الفرد غير المحرم لا يخرجه عن الفردية فانه مع انصرافه عنه باق على الفردية وفيه مناط الموصلية ويكون من قبيل الصلاة في الدار المغصوبة اذا اختار المكلف امتثال الأمر المتعلق بالكلي الموجود فى الصلاة فيها ولا اشكال فى سقوط الامتثال بهذا الفرد لو اختاره المكلف مع ان العقل ايضا يصرف الأمر الى الأفراد المباحة فالمقام مثل الصلاة فى الدار المغصوبة من غير فرق بينهما فيكون من فروع مسألة اجتماع الأمر والنهي وان كان المراد خروج الفرد المحرم عن الفردية فهو واضح الفساد ومما ذكرنا يظهر لك الاشكال فيما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية فى الرد على هذه الثمرة ثانيا ما لفظه (ان الاجتماع وعدمه لا دخل له فى التوصل بالمقدمة المحرمة وعدمه اصلا فانه يمكن التوصل بها ان كانت توصلية ولو لم نقل بجواز الاجتماع) اذ الثمرة ما عرفت فانه على القول بالوجوب يتمكن العبد ان يأتي بها بداعي التقرب كما يتمكن ان يأتي بها لأجل امتثال الأمر النفسي المتعلق بذيها وكما يتمكن ان يأتي بها لأجل تحصيل الغرض المترتب على حصول ذي المقدمة اللهم إلّا ان يقال بأن نظر الاستاد الى انه لا يحسن جعل مسألة اجتماع الأمر والنهي مبنيا على القول بوجوب المقدمة لأن كل من يقول بالوجوب يقول به لكل مقدمة وتتحقق التوسعة فى كيفية الامتثال سواء كان في مورد الاجتماع أم لا وكيف كان فالأمر سهل بعد ما عرفت سابقا بحصول الثمرة ثم لا يخفى انه ذكر لبحث المقدمة ثمرات منها انه لو نذر الاتيان بواجب فيبرّ نذره لو اتى بالمقدمة لو قلنا بوجوبها ولا يبر نذره لو لم نقل بوجوبها

٣١٦

ولكن لا يخفى ان هذه المسألة وامثالها لم تكن واقعة في طريق الاستنباط لكي تعد من المسائل الاصولية وانما هي احكام فرعية ولو كانت كلية فان انطباق نذر الواجب على المقدمة على القول بوجوبها ليس ثمرة من ثمرات المسألة الاصولية كما هو واضح واما باقي الثمرات فلا يهمنا التعرض لها لظهور انها لا تصلح لأن تكون ثمرة للمسألة الاصولية هذا كله فى مقدمة الواجب وأما المستحبة فهي تلحق بها فتكون مستحبة على القول بالملازمة.

المقدمة المحرمة

واما المقدمة المحرمة (١) كما كان من قبيل الجزء الاخير من العلة فلا

__________________

(١) لا يخفى ان هذا بناء على ان لترك الحرام مقدمات فتجب اذا قلنا بالملازمة واما بناء على انه ليس لترك الحرام مقدمة غير الصادف الذي هو عبارة عن عدم ارادة الحرام فالحق هو الثاني لان ترك الحرام اختيارا يكفي في تحققه وجود الصارف عن فعل الحرام ولا يتوقف على فعل من الافعال ومجرد مقارنة الفعل للصارف الذي يتوقف عليه ترك الحرام اختيارا لا يوجب كون الفعل متوقفا عليه الترك ليكون مقدمة له فيكون واجبا ودعوى ان المكلف قد يشتاق الى فعل الحرام واشتغل عنه بفعل شيء آخر فالترك حينئذ يستند الى نفس الفعل من دون تحقق الصارف ممنوعة فان الصارف موجود فى الفرض المذكور وإلّا لما اختار ذلك الفعل فالتشاغل عن الحرام بالفعل انما هو لوجود الصارف ولذا يستند الترك اليه وبالجملة الترك يستند اليه غاية الامر مع التشاغل عنه بفعل يكون ذلك الفعل من آثاره ولا يكون الترك مستند الى نفس الفعل ودعوى ان ترك الحرام قد يكون غير اختياري لكي يكون الصارف كافيا فى تحققه ممنوعة فان الصارف

٣١٧

اشكال في حرمته وينبغي خروجه عن محل الكلام وهكذا ما كان من قبيل العلة التامة فانه أيضا لا اشكال في اتصافه بالحرمة عند الجميع واما اذا لم يكن من هذا القبيل بل المكلف بعد الإتيان بالمقدمة باق على اختياره فيما لم يقع الحرام بعده فلا تحرم تلك المقدمات غاية الأمر فيما لو قصد الايصال يكون متجريا والذي ينبغي ان يكون محلا للكلام بين الأعلام هو ان لا تكون المقدمات بالنسبة الى ذيها من المسببات التوليدية وان يقع الحرام بعدها فهل تحرم تلك المقدمات ام لا على

__________________

كاف في تحقق ترك الحرام من غير فرق بين كون ارتكاب الحرام بالاختيار او مضطرا ومما ذكرنا يندفع شبهة الكعبي من عدم المباح لو قلنا بوجوب المقدمة واما ما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية من التفصيل بين ما يكون فعل الحرام فعلا توليديا للمقدمات كمن رمى سهما لقتل شخص فانه بمجرد الرمي يتحقق القتل ولا يبقى الفعل اختياريا بعد الرمي فتحرم تلك المقدمات وبين ما لم يكن كذلك فلا تحرم فليس ذلك تفصيلا في مقدمة الحرام لامكان ان يقال بأن الافعال التوليدية عين ما يتولد منها وانما المغايرة بالاعتبار مثلا في المثال المذكور ان عنوان القتل منتزع من نفس الرمي فاذا قلنا القتل حرام معناه الرمي حرام وهذه حرمة نفسية ومحل الكلام في الحرمة الغيرية وقد ذكرنا فى تقريرات المحقق النائيني قدس‌سره بالنسبة الى مصب الماء فله صور فتارة يكون الماء الجاري على العضو بعينه يجري على الارض المغصوبة فانه لا اشكال في حرمته لكونه يعد تصرفا في الارض المغصوبة واخرى ليس كذلك بل يجرى على العضو ثم يصل الى الارض المغصوبة فتارة يكون سرايته الى الارض المغصوبة على نحو العلة التامة واخرى ليس كذلك فان كان الاول ايضا يحرم لتعنونه بعنوان المعلول وان كان الثاني فلا يحرم والحمد لله رب العالمين.

٣١٨

اقوال ثالثها التفصيل بين ما قصد بها التوصل فتسري الحرمة من ذي المقدمة الى المقدمة وبين ما اذا لم يقصد بها التوصل فلا تسري الحرمة الحق هو سراية الحرمة من ذيها الى المقدمات مطلقا قصد بها التوصل ام لا فان الحرمة تترشح من ذيها اليها لوجود مناط المقدمية فى كل منهما فما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية من عدم السراية فيما اذا لم يكن فعل الحرام من الأفعال التوليدية ما لفظه (ومنها ما يتمكن معه من ترك الحرام او المكروه اختيارا كما كان متمكنا قبله فلا دخل له اصلا في حصول ما هو مطلوب من ترك الحرام او المكروه فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما فمحل نظر اذ ليس المناط فى سراية الحرمة هو عدم التمكن حتى يختص بالجزء الأخير بل المناط الدخالة وهي موجودة فى كل المقدمات فلا فرق بين الجزء الأخير وبين غيره وما يقال بأنه فرق بين المحبوبية والمبغوضية فان الأول يراد منه الوجود وهو يتوقف على كافة المقدمات فلذا يسري المحبوبية الى الجميع دون الثاني لأن المبغوضية يراد منه الترك والترك يحصل بترك احدى المقدمات فلا تسري المبغوضية الى جميع المقدمات بل يسري الى ترك احدى المقدمات فيجب ترك احدى المقدمات تخيير او يتعين بترك المقدمة الأخيرة الا الارادة وهي خارجة عن الاختيار فلا يتعلق بها التكليف وعليه لا تحرم تلك المقدمات فان ذلك محل منع فان المبغوضية كالمحبوبية فكما ان المحبوبية قائمة بالوجود المقومة للحرمة فيسري الى المقدمات بغضا تبعيا توأما مع القيد ومع تعدد المقدمات يكون لكل مقدمة من تلك المقدمات بغضا ضمنيا كما ان لكل واحدا من المقدمات محبوبية ضمنية من غير فرق بين المقامين واما المقدمة المكروهة فحالها حال المقدمة المحرمة ثم انه تظهر ثمرة الخلاف في القطرات التي تقع على الارض المغصوبة

٣١٩

فلو لزم من وضوئه التصرف في الأرض المغصوبة فعلى المختار يبطل وضوئه مع تمكنه من حبس القطرات عن الارض المغصوبة لنرشح الحرمة اليه ولم يمكن فيه قصد التقرب واما على مختار الاستاذ قدس‌سره فلا يبطل وضوئه لعدم ترشح الحرمة اليه الذي هو مقدمة مع انه يمكن ان يقصد به التقرب لرجحانه المصحح للتقرب هذا ما اردنا بيانه من بحث مقدمة الواجب الى هنا انتهى الكلام فى الجزء الاول من الكتاب ونسأله التوفيق لاتمام باقي الاجزاء والحمد اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وقد وقع الفراغ منه في جوار مرقد سيد الاوصياء أمير المؤمنين عليه‌السلام بقلم مؤلفه الراجي عفو ربه محمد ابراهيم نجل المرحوم الحاج شيخ علي الكرباسي طاب ثراه.

٣٢٠