منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

لا يخفى ان تقسيم المقدمة الى هذه الامور الثلاثة لم تكن على نسق واحد فان وساطة العقل في العقلية واسطة في الاثبات إذ الواسطة في الثبوت هو نفس الشيء بما هو هو وان كانت وساطة الشرع فى الشرعية او العادة في العادية فهي واسطة فى الثبوت دون الاثبات لظهور ان للملازمة انما تتحقق بعد اعتبار الشرع او اقتضاء العادة للمقدمة فلو لا اعتبار مطلوبية الصلاة مقيدا بالطهارة مثلا في الشرعية وتحصيل العلم من طريق التعلم مثلا فى العادية لما كان ثمة ملازمة بين الطهارة والصلاة كما فى الأول ولا بين تحصيل العلم والتعلم فى الثاني.

الامر السادس تنقسم المقدمة الى مقدمة وجود ومقدمة وجوب ومقدمة صحة ومقدمة علمية وهذا التقسيم باعتبار نفس الواجب ولا يخفى ان مقدمة الصحة راجعة الى الأولين لظهور ان القصور انما هو في عروض الوجوب على الشيء فتارة يكون لقصور فى الموضوع واخرى لقصور فى الحكم فان كان من قبيل الأول كانت المقدمة مقدمة وجودية كالطهارة بالنسبة الى الصلاة فان وجود الصلاة متوقفة على وجود الطهارة

__________________

كما يمتنع الكون على السطح بلا نصب السلم. إلا ان الامتناع في الأول بحسب ذاته المسمى بالمحال العقلي والامتناع في الثاني بالقياس الى عادم الجناح وعادم القوة الخارقة المسمى بالامتناع العادي.

وبالجملة التوقف واقعى في الصور إلا انه عقلي تارة وعادي اخرى وبعبارة اخرى ان حقيقة المقدمية فى الكون على السطح هو طي المسافة الجامع بين نصب السلم والطيران إلا ان الجامع ينحصر بنصب السلم لعدم ما يتمكن معه من الطيران فهو واجب بالعرض لا بالذات فالتوقف تارة يكون واجبا بالعرض كما هو بالنسبة الى نصب السلم فيسمى بالتوقف العادي واخرى يكون واجبا بالذات كما هو بالنسبة الى الجامع فيسمى بالتوقف العقلي فافهم وتأمل فانه دقيق.

٢٨١

لا وجوبها وان كان من قبيل الثاني كانت المقدمة مقدمة وجوبية كالوقت بالنسبة الى الصلاة فان وجوب الصلاة متوقف على الوقت فقبل الوقت لا وجوب ولم يكن فيها قصور من ناحية الصلاة وانما القصور فى توجه الحكم فلا معنى لرجوع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود بقول مطلق كما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (ولا يخفى رجوع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود ولو على القول بكون الاسامى موضوعة للأعم) بل ينبغى منه قدس‌سره التفصيل بين قصور في الموضوع وقصور فى الحكم إلا بدعوى ارجاع مقدمة الوجوب الى مقدمة الوجود بالقياس الى نفس الوجوب وهو خلاف ما يظهر منه من تعدد المقدمة بالنسبة الى الوجود والوجوب فلذا اخرج مقدمة الوجوب عن محل النزاع لكونه قبل المقدمة لا وجوب للواجب لكى يترشح وبعد المقدمة لا وجه لترشح الوجوب الى المقدمة وهو من طلب الحاصل اللهم إلا ان يقال بأن تقسيم المقدمة الى الوجود والوجوب بنظر الاستاذ قدس‌سره هو ان الدخالة فى الواجب مختلفة فتارة تكون دخيلة فى ذات الواجب الذي اتصف بالوجوب كالطهارة فان لها الدخالة في تحقق ذات الصلاة التي اتصفت بالوجوب ويعبرون عن مثل هذه المقدمة بمقدمة وجود واخرى تكون لها دخالة في لحوق الوجوب للواجب كالوقت فان له دخلا في لحوق الوجوب للصلاة ويعبرون عن مثل هذه المقدمة بمقدمة الوجوب كما يستفاد ذلك من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور واما المقدمة العلمية (١) فلا يخفى انه تارة تكون من قبيل اجتناب

__________________

(١) ذكرنا فى حاشيتنا على الكفاية ان مقدمة العلم تارة تكون خارجة عن المأمور به كوجوب غسل شيء خارج عن حدود ما يجب غسله من اعضاء الغسل في الوضوء مما حول العضو تحصيلا للعلم بغسل جميع ذلك العضو الذى يجب غسله واخرى يكون

٢٨٢

الشبهة المحصورة كاجتناب الإناءين المعلوم نجاسة احدهما فانه يحكم العقل باجتنابهما لتنجز العلم الاجمالي وما كان من هذا القبيل خارج عن محل البحث فى المقدمة واخرى تكون المقدمة العلمية من قبيل الفحص الذى هو مقدمة للتعلم فعلى ما اختاره صاحب

__________________

لاحتمال انه الواجب وهو اما ان يوجب تكرار الفعل تحصيلا للواجب الواقعي كالصلاة الى اربع جهات عند اشتباه القبلة واما ان لا يوجب التكرار كالإتيان بالاكثر عند دوران الواجب بين الاقل والاكثر. اما الصورة الاولى فهي مقدمة للعلم ويصدق عليها مقدمة الوجود ايضا بناء على وجوب تحصيل العلم شرعا وان غسل ما حوله المعبر عنه بالمقدمة العلمية غير تحصيل العلم بالواجب فيدخل في محل البحث فيجب غسل ما حول العضو تحصيلا لغسل تمام العضو الواجب بناء على وجوب المقدمة وإلا فلا. واما بناء على ان غسل ما حوله غير العلم بالواجب خارجا فيخرج عن محل البحث لعدم الاثنينية بينهما وحينئذ يجب غسل ما حوله بالوجوب النفسى وقد فرع على ذلك بعض السادة الأجلة قدس‌سره انه يجوز الأخذ من بلله للمسح اللهم إلا ان يقال بان ذلك مخصوص بما يجب غسله اصالة دون ما يجب غسله بوجوب تحصيل العلم بتمام الغسل الواجب واما الصورة الثانية فما يكون موجبا للتكرار فان قلنا بان تحصيل العلم بالواجب واجب عقلي فيخرج عن محل البحث فى المقدمة إذ البحث فيها عن الوجوب الشرعي المولوي. واما ان قلنا بان وجوبه شرعي وان الفعل الاحتياطى غير تحصيل العلم بالواجب فيدخل فى محل النزاع فيجب الاتيان بالفعل الاحتياطي لتحصيل العلم بالواجب بناء على وجوب المقدمة وإلا فلا واما ان قلنا بانه عين تحصيل العلم بالواجب خارجا وان كان بينهما المغايرة مفهوما فيخرج عن محل النزاع ويتصف ذلك بالوجوب النفسي وهكذا فيما لم يكن موجبا للتكرار فان الاتيان بالاكثر ان كان غير تحصيل العلم بالواجب مع كونه واجبا شرعيا فيدخل فى محل النزاع ويجب الاتيان به للعلم بتحصيل الواجب ان قلنا بوجوب المقدمة وإلا فلا والتحقيق ان تحصيل العلم بالواجب ليس واجبا شرعيا وانما الحاكم بوجوبه هو العقل فيجب

٢٨٣

المدارك قدس‌سره من كون وجوب التعلم نفسيا كان الفحص مقدمه وجود ولا تكون مقدمة علمية واما لو قلنا بكون وجوب التعلم غيريا فكذلك يكون الفحص مثل العلم مقدمة وجود لا مقدمة علمية وان قلنا باعتباره طريقا الى الواقع المطلوب كان الفحص واجبا نفسيا طريقيا فتخرج المقدمة على جميع الفروض عن بحث وجوب المقدمة فافهم

الأمر السابع تنقسم المقدمة الى سبب وشرط وعدم مانع ويعرف السبب بما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم والشرط بما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود والمانع بما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه العدم وربما يشكل على تعريف السبب بانه غير جامع لعدم شموله للسبب المقترن بالمانع فانه لا يلزم من وجوده الوجود ولذا اضاف بعض في التعريف لذاته دفعا لذلك الاشكال فان ذات السبب تقتضى الوجود لو لا المانع ولكن لا يخفى انه غير سالم عن الايراد لانتقاضه بالجزء الاخير من العلة لصدق التعريف عليه فانه يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم مع انه ربما لا يكون من قبيل الأسباب فلا يكون التعريف المذكور مانعا فالحق فى الفرق ان يقال ان السبب عبارة عماله الدخل في المسبب دخل تأثير فيه بخلاف الشرط وعدم المانع فان دخلهما بنحو يجعلان المحل قابلا لتأثير الاسباب. وبعبارة اخرى الشرط عبارة عن تمهيد الشيء لان يؤثر فيه السبب وكذلك عدم المانع مثلا ان الاحراق يستند الى ذات النار وتماس الجسم للنار وعدم رطوبته يجعلان المحل قابلا

__________________

الاتيان بكل ما يحتمل دخله في المأمور به لغرض ان التكليف بالواجب منجز ويجب امتثاله والاوامر الصادرة من الشارع في وجوب تحصيل العلم بالواجب تحمل على الارشاد كالا وامر المتعلقة بالاطاعة فعليه تخرج المقدمة العلمية عن محل البحث في مقدمة الواجب فافهم.

٢٨٤

لتأثير النار في الخشب فعليه لا يرد النقض بالجزء الاخير من العلة الذى هو من قبيل المعد ولكن يشكل على التعريف على تقدير دخوله مع كونه من قبيل الاسباب من جهة اخرى.

بيان ذلك انه على ذلك التقدير يعرض عليه الوجوب الغيري الاستقلالي ومع ضمه الى الجزء الثاني يعرض عليه الوجوب الضمنى وبضمه الى الجزء الثالث يعرض عليه وجوب ثالث فحينئذ يشكل باجتماع وجوبات عديدة على جزء واحد ويندفع ذلك بما ذكرنا من ان الشرط عبارة عن جعل المحل قابلا لتأثير السبب انه لا وجه لترشح الوجوب الغيري الاستقلالي عليه او وجوبات عديدة على الجزء الواحد بل الوجوب الغيرى الاستقلالي يترشح الى السبب وبما انه له اجزاء فيكون فى كل جزء وجوب واحد ضمنى وربما يفرق ببيان آخر فيقال ان الماهية اذا ترتب عليها الأثر فقد يكون ترتب الاثر بنحو خاص وخصوصية خاصة وان كانت تلك الخصوصية منتزعة من وجود شيء او كونها فى ظرف خاص فيسمى ذلك المنشأ شرطا وان كانت منتزعة من عدمه يسمى مانعا فدخل عدم المانع فى الممنوع ليس بنحو دخالة التأثير لكونه من سنخ الاعدام والعدم بما هو عدم لا يعقل تأثيره بما هو من سنخ الوجود على ان عدم الضدين فى رتبة الضد الآخر فكيف يعقل تأثيره فيه إذ التأثير يستدعي التقدم. وبالجملة الفرق بين الشرط وعدم المانع وبين السبب بان فيهما عبارة عن جعل القابلية وفيه عبارة عن افاضة التأثير وجعله مؤثرا ومنه يعلم انه لا فرق بين الشروط المتقدمة والمتأخرة والمقارنة فان الجميع بنحو واحد الذى هو عبارة عن جعل القابلية للمشروط بها من غير فرق بين الشروط الوجودية او الشروط العدمية وجعل القابلية لا يفرق بين كون الشرط متقدما او متأخرا او مقارنا ومن هذا يعلم انه لا يرد الاشكال المذكور في الشرط المتأخر.

٢٨٥

(الشرط المتأخر)

بيان ذلك هو أن الشرط من أجزاء العلة والعلة بما لها من الاجزاء لا تنفك عن المعلول ومع تأخر الشرط يلزم انفكاك العلة عن المعلول وإلّا لزم تأثير المعدوم في الموجود او وجود الممكن بلا علة وبذلك يستحيل أيضا تقدم الشرط على المشروط زمانا لعدم انفكاك المعلول عن علته بما لها من الاجزاء للزوم الانفكاك بين العلة والمعلول بتقدم الشرط وتأخره ولكن لا يخفى ان ذلك يلزم في العلة بمعنى المقتضي الذي يكون منه الأثر دون العلة بمعنى الشرط وعدم المانع فان دخلهما من قبيل جعل القابلية لتأثير السبب المعبر عنه بالمقتضي للتأثير مثلا النار سبب للاحراق وتأثيرها في الاحراق انما يكون مع تخصصها بخصوصية التماس مع الجسم المتصف باليبوسة فالنار هي المقتضية للاحراق والشرط وجوديا أو عدميا انما هو محصل للخصوصية فهو طرف الاضافة وما يكون كذلك لا يفرق بين كونه متقدما او متأخرا فلا يقاس الشرط بالمقتضى المعبر عنه بالسبب فان التأثير لما كان مترشحا منه فلا يعقل انفصاله عن ذات المعلول زمانا بخلاف الشرط فانه لا دخل له في التأثير وانما هو طرف اضافة محصل لخصوصية المقتضى فيجوز له ان يتقدم كما جاز له أن يتأخر اذ ذلك لا يخل بالاضافة المحصلة لتلك الخصوصية من غير فرق بين كون الشرط تكوينا أو تشريعا اذ ليس له إلّا اثر واحد وهو محصل في المقتضى باضافته اليه خصوصية تأثير المعلول من غير فرق بين كونه متقدما أو متأخرا او مقارنا وما ذكره بعضهم بأن الشرط عبارة عن كونه متمما للمقتضى فى التأثير وعليه بنى بطلان الشرط المتأخر لاستلزامه أن يكون مقارنا فان رجع الى ما ذكرنا من ان ما عدى المقتضى من العلة المصطلحة التي منها عدم المائع ليس لها دخل في التأثير

٢٨٦

وانما هي تعطي القابلية للمعلول بقبول تأثير المقتضي وينحصر التأثير وافاضة الوجود فى خصوص المقتضى فلا مانع من الالتزام به إلا البناء على بطلان الشرط المتأخر فى غير محله لما عرفت انه يكون طرف الاضافة وكونه كذلك لا يخل بكونه متقدما او متأخرا وإن رجع الى كونه من اجزاء المقتضى فهو واضح البطلان على انه كيف يكون عدم المانع من اجزائه لعدم تصور التأثير والتأثر بين الوجود والعدم كما ان تعبير بعض آخر عن الشرط بانه هو ما يوصل اثر المقتضى لمقتضاه فان رجع الى ما ذكرنا من ان له دخل في قابلية المحل لقبول التأثير من المقتضى فهو وإلّا فلا معنى محصل له لعدم الفصل بين المقتضى ومقتضاه لكي يحتاج الى ما يوصل الاثر لمقتضاه وبالجملة الشرائط سواء كانت وجودية أو عدمية ليست لها دخل فى المؤثرية فى الوجود وانما هي تعطي القابلية لمحل التأثير بأن تحدده وتحصصه بحصة خاصة قابلة لتأثير المقتضى ولو بان تكون طرفا للاضافة اليه فحينئذ لا يبقى مجال لانكار الشرط المتأخر فى الوجودات الخارجية وبذلك صح ان يكون المتأخر أو المتقدم شرطا كما صح أن يكون المقارن شرطا من دون فرق بين الجميع والاستاذ قدس‌سره اجاب عن الموارد التي توهم انخرام القاعدة العقلية فيها وجعلها على قسمين الاول ما كان من قبيل شرط التكليف والوضع الثاني ما كان من قبيل شرط المأمور به أما عن القسم الاول فقال ما حاصله ان الشرطية فيهما باعتبار وجودها العلمي لا باعتبار الوجود الخارجي والوجود العلمي مقارن للمشروط فالمتأخر بوجوده الخارجي ليس هو الشرط للمشروط المتقدم لكي ترد تلك المحاذير وانما لحاظه ووجوده العلمي هو الشرط سواء كان شرطا للتكليف او للوضع (١) ولكن لا يخفى ان الذي له

__________________

(١) لا يخفى ان ما ذكره (قده) من كون الشرط هو لحاظ الامر المتأخر

٢٨٧

الدخل في المصلحة القائمة في التكليف او الوضع انما هو الوجود الخارجي وليس للوجود العلمي دخل في تحقيق المصلحة إلا انه اخذ بنحو الطريقية اليه فوجوده له دخل في الجعل اذ لولاه لا يكون العمل ذات مصلحة وعليه لا بد من التزام بان

__________________

يتم بالنسبة الى شرائط الجعل المسماة بعلل التشريع او علل الغائية او دواعي الجعل فانها بوجودها العلمي علة للجعل ومعلولة له بوجودها الخارجي فان الفاعل المختار الحكيم لا يصدر منه الفعل الا وان تكون له غاية عقلائية لكي لا يكون فعله عبثا والجعل الشرعي فعل صدر من الشارع الحكيم وقطعا جعله مشتمل على غاية فتصورها علة لجعله التشريعي ووجودها الخارجي لا يحصل إلّا بعد وجود ذي الغاية خارجا ولذا قيل بأن العلة الغائية بماهيتها اي بوجودها الذهني علة وبانيتها اي بوجودها الخارجي معلولة لا بالنسبة الى شرائط المجعول التي هي من قيود الموضوع الخارجي فى الاحكام الوضعية ومن قيود موضوع التكليف في الاحكام التكليفية وبناء على ما هو الحق من ان القضايا على نحو القضايا الحقيقة التي هي على فرض وجود الموضوع فلا بد من اعتبار تلك الشرائط بوجودها الخارجي ومع رجوعها الى قيدية الموضوع الذي لا اشكال في تقدمه على الحكم انه لا يعقل تقدم الحكم على الموضوع او بعض قيوده وإلّا لزم الخلف او المناقضة نعم بناء على جعل الاحكام على نهج القضايا الخارجية يمكن دعوى ان الشرط هو الوجود العلمي إلّا ان ذلك يختص بشرائط الجعل وعلله وكيف كان فبناء على ما هو الحق من جعل الاحكام على نحو القضايا الحقيقية وان الشرائط هي شرائط المجعول الراجعة الى تقييد الموضوع يتضح لك بطلان الشرط المتأخر اذ كيف يعقل ان يكون الامر المتأخر مؤثرا فى الامر المتقدم وارجاعه الى عنوان التعقب او الاضافة او الوجود العلمي خروج عن الفرض بل ينبغي اخراج مثل ذلك عن محل الكلام وبذلك لم يصحح الشرط

٢٨٨

الامر المتأخر بوجوده الخارجي له دخل في المتقدم ودخله بنحو أن يكون طرفا للاضافة ولا يرد عليه ما ذكره بعض الأعاظم قده بأنه يتم بناء على أن الاحكام على نهج القضايا الخارجية وتكون من شرائط الجعل التي يكون تصورها له الدخل.

واما بناء على أن جعل الاحكام بنحو القضايا الحقيقية التي قد اخذ الموضوع فيها على فرض الوجود ولازمه أن يكون الذي له الدخل هو للوجود الخارجي لارجاع كل القيود الى الموضوع الذي لا يعقل تأخره عن الحكم وعليه بني بطلان الشرط المتأخر ولكن لا يخفى ان جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية لا تقتضي استحالة دخل الأمر المتأخر بنحو يكون طرفا للاضافة إذ لو سلمنا ما ذكره فالموضوع تارة يكون مقيدا بأمر مقارن واخرى يكون مقيدا بأمر متقدم وثالثة يكون مقيدا بأمر متأخر كالمستطيع يحج فالموضوع هو عنوان المستطيع فتارة يكون بلحاظ حال الحكم كما هو الظاهر من جري عنوان المشتق انه في حال الحكم واخرى يكون من استطاع قبل الحكم وثالثة من يستطيع بعد الحكم ففي جميع هذه الصور الموجود فى ظرف الحكم هو ذاته المقيد باحد هذه القيود بنحو يكون التقييد داخلا وهذا هو الذي يستحيل تحقق الحكم بدونه واما نفس القيد فهو خارج عن الموضوع فلا استحالة في تحقق القيد قبله أو بعده إذ ليس القيد له الدخل إلا كونه طرف اضافة نعم تقيده له الدخل وهو من المقارن وأما بالنسبة الى القسم الثاني وهو

__________________

المتأخر الذي ملاكه ان المتأخر بوجوده الخارجي يؤثر في الامر المتقدم إذ امتناعه من البديهيات التي لا يحتاج الى اقامة برهان ومن تجشم للاستدلال على صحته فانه فى الحقيقة ملتزم ببطلانه وانما همه ارجاع ما توهم صحته من الموارد الى الشرط المقارن وقد استوفينا الكلام فى حاشيتنا على الكفاية.

٢٨٩

ما يكون من شرائط المأمور به فقد أجاد فيما أفاد إلا انه لا ينبغي ان يختص بشرائط المأمور به بل يجرى ذلك مطلقا حتى فى شرائط التكليف والوضع كما التزمنا بالتعميم لكل شرط من غير فرق بين الشرائط هذا كله يتم اذا كان مراده ان الشرط هو نفس الوجود الخارجي كالاغسال الليلية لصوم اليوم السابق واما لو كان مراده ان الشرط هو نفس الاضافة ففيه ما لا يخفى اذ المصلحة ليست قائمة بنفس الاضافة الاعتبارية وانما هي قائمة بما هو موجود خارجي وقد عرفت شرطيته باعتبار أن له دخلا في قابلية المحل ومما ذكرنا تعرف ان ما ذكره بعض من دفع محذور الشرط المتأخر بالنسبة الى شرائط التكليف والوضع بارجاع الشرطية الى عنوان التعقب فان التكليف والوضع يستتبعان تعقب الشرط المتأخر وعنوان التعقب صفة مقارنة للتكليف والوضع محل نظر بل منع لأن تلك الصفة اما أن تكون حقيقية او اعتبارية وكلاهما ممنوعان أما الأول فلا معنى لصيرورة صفة متأصلة منتزعة من أمر معدوم متأخر. واما الثاني فصحيح إلّا ان منشأ انتزاعها هو الوجود الخارجي المتأخر وإذا صح انتزاعها من ذلك المتأخر فليكن الشرط هو المتأخر على أن ظاهر دليل الشرطية يقتضي كون نفس المتأخر هو الشرط فكون الشرط هو التعقب او الوجود العلمي او الاضافة خلاف الظاهر وكون المؤثر لا بد وان يكون مقارنا للمتأثر هو الداعي لارتكاب خلاف الظاهر بالالتزام بصفة التعقب الاعتبارية المنتزعة من التأخر ممنوع إذ الشرط ان كان له الدخل في التأثير فلا تكون تلك الصفة ونحوها من انحاء ما ارجع الى الشرط المقارن اذ لا تقتضي التأثير وان لم يكن له دخل في التأثير وانما الشرط يجعل المحل قابلا لتأثير السبب فلا مقتضى لجعل الصفة من الشرط المقارن وحيث قد عرفت ان الشيء بوجوده الخارجي له دخل في المتقدم

٢٩٠

بأن يجعله قابلا لتأثير السبب بلا حاجة الى ارجاع الشرط الى تلك الصفات المقارنة فلا يبقى مجال لانكار الشرط المتأخر في الوجودات الخارجية فضلا عن الامور الجعلية بل ربما يقرب جواز تقدم المعلول الجعلي على علته كالملكية المتقدمة على اجازة المالك فى المعاملة الفضولية حيث ان الملكية من المجعولات الاعتبارية كسائر الاحكام الوضعية وبما ان الاعتبار خفيف المئونة فيصح للمعتبر ان يجعل الامر المتأخر شرطا للمتقدم اذ كل امر اعتباري يتبع بالنسبة الى خصوصياته الى كيفية اعتباره ولا يلزم محذور اصلا اذ لا استحالة فى أن يعتبر المعتبر الامر المتأخر أو المتقدم في المجعول الاعتباري لعدم التأثير والتأثر بينهما لكي تتحقق الاستحالة ولذا قلنا فى البيع الفضولي بأنه لا مانع من القول بالكشف الحقيقي فتترتب الآثار من حين صدور العقد على انك قد عرفت ان الشرط عبارة عن معطي القابلية للمشروط لتأثير السبب فيه واعطاء القابلية لا يستلزم مقارنة الشرط للمشروط فحينئذ تكون الاجازة اللاحقة تعطي القابلية للعقد المحقق للملكية من حينه خلافا للشيخ الانصاري قدس‌سره حيث قال بالكشف الحكمي لتوهم ان للشرط دخل تأثير ويستحيل ان يؤثر المتأخر في المتقدم ولذا بنى قدس‌سره على الكشف الحكمي ولكنك قد عرفت ان دخل الشرط ليس بنحو التأثير وانما هو بنحو اعطاء القابلية للمشروط ولا يختص ذلك بالمقارن بل يعم الشروط باجمعها من الشروط المتأخرة والمقارنة والمتقدمة هذا كله بحسب الامكان. وقد عرفت ان الحق امكان الشرط المتأخر واما بحسب الوقوع فالظاهر انه غير واقع لعدم قيام دليل على وقوعه شرعا ولذا لم يلتزم الاصحاب بترتيب آثار الملكية من حين صدور العقد بل يبقى مراعى عنده الى ان يتحقق الرضا فتترتب الآثار من حين العقد بناء على الكشف الحكمي كما

٢٩١

هو قول بعض او حين الاجارة بناء على النقل كما هو قول بعض آخر. فعليه يكون الجعل مقارنا للاجازة ولو كان المجعول متقدما واما ان الملكية تتحقق حين صدور العقد فالظاهر انه لم يلتزم بها احد نعم يلزم ذلك من التزم بان الشرط هو التعقب فلازمه الالتزام بحصول الملكية من حين صدور العقد لتحقق شرط حصولها فيجب الوفاء به على ان التعقب ليس بشرط اذ ظاهر قوله (ص) : «لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه» هو اناطة الملكية بطيب النفس لا تعقبها فما ذكره بعضهم من ارجاع الشرط المتأخر الى شرطية التعقب فى غير محله لما عرفت من ان ظاهر الادلة اعتبار نفس الأمر المتأخر كما لا يخفى.

ان قلت ان الادلة ليس لها دلالة على اعتبار المقارنة وانما دلت على اعتبار الاجازة فى العقد وباطلاقها تدل على كفاية الاجازة باي نحو تحققت من التقدم او التأخر أو المقارنة قلت يستفاد ذلك من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) اي بعقودكم فيكون موضوع الوفاء هو العقد بتمام اجزائه وقيوده وقد فرض ان تماميته يكون بالاجازة فبها يتم العقد فيحصل الجعل فيجب الوفاء ومعناه حصول الملكية فلا يعقل جعل الملكية الا حين حصول العقد بتمام اجزائه وقيوده ومنه يعلم عدم تقدم الجعل بل تقدم المجعول لان المجعول امر اعتباري فيجوز تقدمه ويجعل بالجعل المتأخر.

ومما ذكرنا يظهر عدم التزام احد من الاصحاب بترتيب الآثار ما لم تتعقب الاجازة علي ان الهيئة الكلامية المتكفلة لبيان الاشتراط تدل على اعتبار المقارنة لان ظاهر تعليق امر على آخر او تقييده هو اقتران زمان الجري مع النسبة الكلامية كما هو شأن جميع العناوين الاشتقاقية إلا اذا قامت قرنية على

٢٩٢

خلاف ذلك ولازم ذلك اقتران الرضا بالجعل لا يقال هذا لظهور يعارض بالظهور المستفاد من قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) فان مقتضى التعبير بكلمة (عن) يستفاد منها التقدم بمعنى ان التجارة لا تنشأ الا وان يكون رضى متقدم لانا نقول انا نسلم بان كلمة (عن) تقتضي تقدم مدخولها إلا انه لا يختص بالتقدم الزماني بل يقتضى التقدم مطلقا ولو تقدما رتبيا والمقام من التقدم الرتبي وهو يجتمع مع التقارن الزماني. وبالجملة المستفاد من دليل الشرطية تقارن الرضا مع الجعل نعم لا يستفاد من الدليل كون الشرط للحكم الوضعي بل يمكن أن يكون للحكم الوضعي كما يمكن ان يكون لمتعلقه فعليه يشكل استفادة المقارنة من الدليل اذ ذلك يتوقف على كون الهيئة الكلامية تدل على المقارنة مع كون الشرط شرطا للحكم الوضعي فان استفدنا من الدليل كلا الأمرين صح الكشف المشهوري في البيع الفضولي لتحقق مقارنة الاجازة لاعتبار الملكية السابقة من حين صدور العقد ولا يصح الكشف الحقيقي لعدم تحقق المقارنة إذ عليه الملكية متحققة عند صدور العقد باعتبار الاجازة اللاحقة وإن استفدنا من الدليل كونه شرطا لمتعلق الحكم وان ظاهر الدليل يفيد المقارنة فلا يصح الكشف الحقيقي لعدم تحقق المقارنة فلا بد من النقل او الكشف الحكمي هذا في الحكم الوضعي واما التكليفي فلا يعقل تقدمه على الانشاء لاستحالة انشاء الوجوب السابق على زمان الانشاء ضرورة ان التكليف بعث المكلف نحو المطلوب ولا ريب ان البعث يستحيل اعتباره بالنسبة الى ما سبق فلا بد ان يكون متأخرا عن الانشاء والوجوب المنشأ معا فيكون المتقدم فى زمانه التكليف وجوبيا قد انشأ بانشاء من حينه بملاحظة ما يلحقه من الشرط المتأخر حتى يصح بذلك البعث نحو العمل في الزمان المتقدم ان قلت على هذا لا يترشح

٢٩٣

وجوب من المأمور به اليه لان زمانه متأخر فعند اتيان المأمور به يسقط الأمر فلا يترشح وجوب الى تلك المقدمة لان ترشح الوجوب منه اليها بعد فرض بقائه على وجوبه وبعد سقوطه لا معنى لترشح الوجوب منه فلا بد من خروجه عن محل النزاع قلت اما في عالم اللحاظ فان الآمر لما لاحظ وعلم بالملازمة بين المقدمة وذبها فيسرى الحكم منه اليها واما في عالم الخارج فقد عرفت ان الشروط تجعل الماهية متكيفة بكيفية خاصة وتصيرها قابلة لافاضة التأثير من ناحية السبب فمع اتيان المكلف بالمشروط لم تحصل له تلك الكيفية إلّا اذا أتى بالشرط فجعل الشرط محصلا للخصوصية يوجب عدم سقوط التكليف إلّا بتلك الخصوصية ولذا قلنا ان الجعل المخصوص الذي هو منشأ اعتبار المجعول المخصوص لا يلزم مقارنته بل كما يجوز تقدم الجعل على ما انتزع منه كذلك يجوز تأخره كالعقود التعليقية فيكون ذلك من قبيل شرائط المأمور به كالأغسال الليلية بالنسبة الى صوم المستحاضة في اليوم السابق فان الذي له دخل هو الوجود المتأخر وقد ادعى بعض الأعاظم قدس‌سره بخروج ما كان شرطا للمأمور به عن محل الكلام على حد خروج الأجزاء عن محل النزاع بما حاصله ان قيود الواجب تارة تكون على نحو يكون التقييد داخلا والقيد خارجا كالشروط واخرى يكون التقييد والقيد داخلين كالأجزاء وكلاهما خارجان عن محل النزاع اما خروج جزء الواجب فواضح اذ ان الواجب لم يحصل إلا بجميع أجزائه فلا تأثير ولا تأثر واما شرط الواجب فلدخله فى الامتثال وهو لم يتحقق إلا بتحقق شرطه لأن التقييد لا يحصل إلا بحصول قيده فيبقى الواجب مراعى الى ان يحصل الشرط ففي مرحلة الامتثال لا فرق بينهما إذ حصول الامتثال بالصوم يتوقف على حصول الاغتسال ليلا كما ان امتثال امر الواجب المركب من

٢٩٤

الأجزاء يتوقف على الاتيان بالجزء الأخير ولكن لا يخفى أن الشرط المتأخر للمأمور به لا يجب بالوجوب النفسي الناشئ من المشروط وإلّا اعتبر جزءا فيكون مثل سائر الأجزاء ولا يكون شرطا فلا بد وأن يجب بالوجوب الغيري وحينئذ يعود المحذور المتقدم وهو توقف المتقدم على المتأخر على انه لا محيص لنا من الالتزام بالشرط المتأخر في الواجبات التدريجية لتوقف فعلية الوجوب في الآن الأول على بقاء شرائط التكليف من القدرة والحياة الى زمان الإتيان بالجزء الأخير من الواجب بل ربما يقال بان شرائط المأمور به كما تكون متأخرة تكون متقدمة أو مقارنة إلا أن شرائط الجعل على ما عرفت منا سابقا تعتبر فيها المقارنة كما يظهر من دليل اعتبارها ولذا لم نقل بمقالة صاحب الفصول من كون الاجازة شرطا متأخرا لجعل الملكية من حين العقد الذي هو ظرف الجعل فيكون من الكشف الحقيقي وقلنا بالكشف المشهوري وقد ارجع الشيخ الأنصاري (قده) كلمات الأصحاب اليه إلا انه اورد عليه بأنه يلزم ان يكون المتأخر مؤثرا بالأمر المتقدم ولكنك قد عرفت ان الشروط الجعلية والواقعية انما هي تجعل المحل قابلا لتأثير السبب فيكون نفس الشرط بوجوده الخارجي له دخل في المشروط بان يجعل القابلية لافاضة الوجود من السبب فلا تأثير فيها ولو قلنا بأن الأحكام الوضعية من الامور التي لها واقعية فى انفسها بأن يكون اللحاظ طريقا لها لا مقوما كالاعتبارات المحضة فالملكية والزوجية تتحقق عند تحقق منشأ الاعتبار وبعد تحققها يكون لها واقعية وان كانت موجودة بالوجود الاعتباري لا بالوجود الحقيقي وبذلك تمتاز عن الاضافات المقولية فانها موجودة بالخارج ولو لم يعتبرها معتبر وبالجملة الأحكام من قبيل الملازمات التي بعد اعتبارها يكون لها واقع كالوضع ونحوه وليست من

٢٩٥

الاعتبارات المحضة التي تقوم باللحاظ ولا من الموجودات الخارجية التي يكون الخارج ظرفا لوجودها كالاضافات المقولية وانما هي بعد اعتبارها يكون لها واقع بنحو يكون اللحاظ طريقا لها.

الأمر الثامن في ان قصد الايصال او الايصال الخارجي معتبر فى المقدمة او لا يعتبر شيء منهما أقوال اقواها الأخير للوجدان الحاكم بانه لو امر المولى بالماء توصلا لاستراحة النفس فاتى العبد بالماء لأجل امره يعد ممتثلا ولو لم يقصد التوصل فلا يتوقف امتثاله على قصد التوصل كما انه لا يقتصر في وقوعها على صفة الوجوب على قصد التوصل ان قلت فرق بين المقام والمثال المذكور فان المثال بروز الطلب على صورة الواجب النفسي وان كان في الواقع غير يا حيث ان لب الارادات غيرية والمقام مما كان في مقام البروز والواقع غيريا قلت ابراز الارادة طريقة عادية محضة الى لب الارادة وليس للابراز موضوعية حتى يترتب العقاب والثواب بل هما يترتبان على واقع الارادة ان قلت ذلك ينافي ما سيجيء من تقسيم الواجب الى النفسي والغيري بارجاع ذلك الى مقام الابراز قلت لا منافاة بين كون العقاب والثواب على نفس الواقع وبين كون النفسية والغيرية على بروزه بأن يقال الواجب نفسي باعتبار بروز الارادة لا بنحو التوصل وواجب غيري باعتبار بروز الارادة للتوصل بخلاف مقام الثواب والعقاب فانهما مترتبان على واقع الارادة هذا فى غير المقدمة المحرمة واما فيها فلا يخلو الحال اما ان تكون غير منحصرة واما منحصرة فان كان الأول فملاك المقدمية موجود فيما قصد الايصال وفيما لم يقصد ولازمه وجود الملاك في القدر الجامع بينهما واذا كان بعض افراده مباحا فيصرف الحكم الى المباح وتبقى المحرمة على تحريمها وإن كان الثاني فيقدم الأهم من ملاك الوجوب

٢٩٦

او الحرمة فان كانت مصلحة الوجوب اهم فتأتي بها ثم تأتي بذيها وان كان التحريم اهم سقط الاتيان بذي المقدمة لتعذر الاتيان به بدونها وقد التزم بعض ببقاء الوجوب مع قصد الايصال بتقريب انه لما تزاحم الوجوب والحرمة ومع الضرورة يحصل الاذن فى ارتكاب الحرام وهي تتقدر بقدرها وحيث كانت الضرورة تندفع بقصد التوصل فلذا يرتفع تحريم المقدمة المحرمة اذا قصد بها التوصل وباقية على حرمتها مع عدم القصد ولكن لا يخفى ان الضرورة تقدر بقدرها فى المقدمة على نحويها لأن ملاك المقدمية موجودة فيهما مع مغلوبية مفسدة التحريم لمصلحة الوجوب فتتمحض المقدمة للوجوب من دون فرق بين قصد الايصال وعدمه فيقع الدخول في ملك الغير واجبا لانقاذ غريق فعلي لا حراما وان لم يلتفت الى كونه مقدمة ان قلت ما ذكر فى المقدمة غير المنحصرة يتأتى في هذا المقام حيث ان المقدمة تقع على نحوين في الخارج ولازم ذلك تحقق ملاكها في الجامع بين النحوين إلا ان العقل يصرفه الى خصوص ما قصد به التوصل قلت فرق بين المقامين بيان ذلك هو ان مقامنا من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر بخلاف المقام السابق فانه من قبيل دوران الأمر بين المتباينين فان محل الكلام في ان قصد الايصال معتبر في الواجب ام لا وهذا القصد امر زائد فلم يترشح الوجوب على القدر الجامع لكي يصرفه العقل الى خصوص ما قصد به التوصل كما في المقام السابق.

وكيف كان فقد نسب الى الشيخ الأنصارى قدس‌سره اعتبار قصد التوصل في مطلق المقدمة بتقريب ان عنوان المقدمية وان كانت من الجهات التعليلية إلا انها ترجع الى الجهة التقييدية بحكم العقل وبعبارة اخرى ان ذات المقدمة إذا كانت واجبة بعنوان المقدمية فيرجع إلى كون الذات واجبة بهذا العنوان وحينئذ

٢٩٧

لا بد وان يكون هذا العنوان مقصودا لكي يقع ما في الخارج على صفة الوجوب فمع عدم قصد العنوان لا يقع على تلك الصفة فهو من قيود الوجوب لا من قيود الوجوب لكي يقال بانه يلزم التفكيك بين وجوب المقدمة وبين وجوب ذيها فى الاطلاق والاشتراط ولكن لا يخفى ان حكم العقل بارجاع الجهة التعليلية إلى التقييدية على تقدير تسليمه فهو فيما يدركه العقل من الأحكام لا مثل المقام الذي ثبت حكمه من الشرع وحكم العقل انما هو بنحو الكاشفية والطريقية على انك قد عرفت ان الواجبات النفسية هي واجبات غيرية بالنسبة إلى المصالح التي هي السبب فى وجوبها مع انه لم يلتزم أحد باعتبار قصد التوصل فيها فظهر مما ذكرنا ان قصد الايصال ليس له الدخل فى المقدمة مطلقا حتى لو كانت محرمة بدعوى ان ملاك المقدمية موجود في الجامع بين قصد الايصال وعدمه الموجب لترشح الوجوب الغيري إلا ان العقل يحكم بتطبيق الكلي على خصوص ما قصد به الايصال فحينئذ ينحصر الواجب الغيري به ولكن لا يخفى ان قصد التوصل وعدمه لا دخل لهما في المقدمة وانما هما حالتان للواحد الشخصي وليس كل واحد منهما فردا لطبيعة المقدمة لكي يحكم العقل بتطبيقها فى ما لو كانت محرمة على خصوص ما قصد بها التوصل واما اعتبار قصد التوصل فى وجوب المقدمة بان يكون من قبيل الواجب المشروط بمعنى انه لو لم يقصد التوصل بالمقدمة لا يكون هناك وجوب كما نسب الى صاحب المعالم قده حيث قال (في حال كون المكلف مريدا للفعل) وان امكن حمل العبارة على ما يقوله الفصول من ان المراد هو ترتب ذي المقدمة عليها وكيف كان فما نسب إلى ظاهر عبارته محل منع إذ وجوب المقدمة حيث كان مترشحا من وجوب ذيها فلا بد ان يكون وجوبها تابعا لوجوبه فى الاطلاق والاشتراط ومن الواضح ان

٢٩٨

وجوب ذيها لم يكن مشروطا بقصد التوصل فكذا ما ترشح منه مضافا الى أن الحاكم بوجوب المقدمة هو العقل وان كان الوجوب شرعيا لأن العقل حاكم ان الشارع اذا أوجب شيئا فلا بد وان يوجب مقدماته والعقل لا يفرق بين المقدمة التي قصد بها التوصل والتي لم يقصد بها التوصل في الحكم بكونها واجبة لأن مناط حكمه هو التوقف وهو حاصل في كلتا المقدمتين واما ترتب الخارجي بأن يقال ان المقدمة هي خصوص ما يترتب عليها الواجب فتلك تتصف بالوجوب واما ما لم يتعقبها الواجب فلا تتصف بالوجوب وهو المنسوب الى صاحب الفصول قدس‌سره فهو محل نظر بل منع لأن ما ذكره يتصور على صورتين فتارة يكون ترتب الخارجي أخذ قيدا بنحو شرط الوجوب أي من قبيل الواجب المشروط واخرى يكون ترتب الخارجي معتبرا بنحو شرط الواجب (١) فان كان اعتباره على النحو

__________________

(١) لا يخفى ان المقدمة الموصلة هي ما يترتب عليها الواجب فى الخارج من غير فرق بين ان يكون فعلا توليديا كالمعلول بالنسبة الى علته وبين ان لا يكون كذلك كبعض المقدمات اذا اتفق حصول الواجب بعدها وقد قال باختصاص الوجوب بها بكلا قسميها صاحب الفصول قدس‌سره وقد يقال بعدم امكانه وامتناعه من وجوه الاول ان تعلق الوجوب بالمقدمة يتوقف على ملاك ولا يعقل ان يكون الملاك هو ترتب ذيها عليها لعدم كونه من آثارها بل هو اجنبي عنها نعم يكون من آثارها اذا كان بنحو العلة التامة بالنسبة اليها فينبغى لهذا القائل ان يلتزم باختصاص المقدمة الموصلة بما تكون من قبيل العلة التامة فيكون الملاك عنده فى وجوب المقدمة هو محض سد باب عدم القدرة على الواجب وفتح باب امكان الاتيان به مع ان الغرض والملاك ليس إلّا سد باب العدم من جهتها فلو كان للشىء مقدمات كل مقدمه لو أتى بها يسد باب العدم من جهتها فحينئذ يتحقق الملاك المقتضي

٢٩٩

الأول فالمقدمة تجب عند ترتب ذيها فيكون من قبيل تحصيل الحاصل وهو واضح البطلان وان كان اعتباره على النحو الثاني فيلزم عدم سقوط الأمر الغيري بمجرد الاتيان بالمقدمة بل يحتاج إلى ضم ذيها اليها لعدم سقوط الأمر إلا باتيان تمام

__________________

لوجوبها من دون فرق بين وقوع ذي المقدمة بعدها ام لا اللهم إلّا ان يقال بأن غرض الفصول ان مناط المقدمية وان كان حصول الواجب شأنا إلّا ان مناط الوجوب وملاكه هو فعلية حصول الواجب نظير صحة الجزء شأنا وفعليته بانضمام بقية الأجزاء اليه. إلّا ان جعل الملاك هو ذلك محل نظر اذ الملاك فيها هو ما لولاه لما حصل وهذا متحقق فى الموصلة وغيرها.

الوجه الثاني انه لو اتى بالمقدمة قبل الاتيان بالواجب فاما ان يسقط الامر بالمقدمة واما ان لا يسقط والثاني باطل وإلّا لزم تكرارها لو اتى بالواجب لعد كونها مسقطة واللازم باطل وهكذا فيتعين الاول وهو سقوط الامر بمجرد الاتيان بالمقدمة ولازم ذلك ان يكون سقوطه لاجل الامتثال وعليه تكون نفس المقدمة واجبة من دون اعتبار ترتب الواجب عليها.

الوجه الثالث ان ترتب الواجب ان كان قيدا لوجوبها يلزم ان يكون وجوبها متوقفا على وجودها وهو باطل بيان الملازمة انه من الواضح توقف وجود الواجب على وجود المقدمة فلو توقف وجوب المقدمة على وجود الواجب المتوقف على وجود المقدمة يلزم توقف وجوب المقدمة على وجودها وان كان قيدا في وجودها فاما ان يكون على نحو يجب تحصيله واما ان يكون على نحو لا يجب تحصيله فان كان الأول فهو غير معقول للزوم انه يترشح وجوب غيري من الواجب على نفسه فان وجوب المقدمة الذي يترشح منه وجوب هذا الواجب فان كان مقدمة لنفسه ولو بواسطة مقدمة لمقدمة نفسه صح تعلق الوجوب الغيري به لتحقق مناطه وهو المقدمية إلّا ان كون الشيء مقدمة لنفسه غير معقول ومع عدم كونه مقدمة ولو

٣٠٠