منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

بالنسبة الى الطرف الذى هو محل الابتلاء شبهة بدوية فيرفع وجوبه باصل البراءة هذا كله اذا كان الترديد على احتمال السببية على النحو الاول. واما اذا حصل الترديد فى احتمال السببية على النحو الثاني او النحو الثالث فها هنا يجب الاعادة لانه لم يأت بالواقع تماما فيحتمل ان ما اتى به عوض عن بعض مراتب الواقع ان كان على النحو الثاني. ويحتمل عدم قيامه عنه ان كان على النحو الثالث ، فالمكلف حينئذ يعلم بتوجه الخطاب اليه ولكن يكون شاكا في الخروج عن عهدة التكليف والعقل يحكم بان شغل الذمة اليقينى يستدعي الفراغ اليقيني.

(تنبيهات الاجزاء)

وينبغى التنبيه على امور : الأول ان الامارة تارة تدل على الحكم الشرعي كقيامها على وجوب صلاة الجمعة مثلا واخرى تدل على موضوع الحكم الشرعي وهو على قسمين تارة يكون مجعولا شرعيا قد اخذ موضوعا لحكم شرعي كطهارة الماء المعتبرة شرطا فى الصلاة واخرى يكون مؤداها نفس الواقع كقيام الامارة على انه ماء او تراب وحيث ان الاخير لا تناله يد الجعل فلا بد وان ينزل على جعل احكامها لكى لا يلغو الجعل فيرجع الى قيام الامارة على الحكم الشرعي. وكيف كان فقيام الامارة على الحكم الشرعي او على الموضوع المجعول الشرعي ان كانت على الطريقية لا يجزي ما اتى به على طبق الامارة عن الحكم الواقعى ويجب الإتيان بالواقع مع انكشاف الخلاف سواء قلنا بتتميم الكشف او الامر بتنزيل المؤدى منزلة الواقع او التزاما بالجري على العمل بمؤداه فان فى الجميع يلتزم بها فى حال الشك والجهل وفى حال زواله لا يبقى مجال لاجزاء ما اتى به إذ تتميم الكشف يجعل الامارة كالقطع ومع زواله وتبدله الى القطع بخلافه لا يوجب الاجزاء كذلك ما ينزل منزلته. واما الامر

٢٦١

بتنزيل المؤدى منزلة الواقع او الالزام بذلك فلا دلالة له على اكثر من الالتزام بترتيب آثار الواقع فى حال الشك والجهل. نعم يمكن ان يقال ان الامر بالتنزيل او بالجري ناشئ عن مصلحة واما كونها تفي بمصلحة الواقع فلا دلالة فيها. نعم لو قلنا بكون مفاد الامارة حكما مجعولا شرعيا فيكون له نظر الى دليل الواقع بالتقريب المتقدم فللإجزاء وجه إلا انك قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به لاستلزامه امورا لا يلتزم بها الفقيه ، وان كانت الامارة على نحو الموضوعية فتارة يلتزم بان ما قامت عليه الامارة هو الواقع ، واخرى قيام الامارة تحدث مصلحة فى المؤدى تجبر مصلحة الواقع ، وثالثة مؤدى الامارة مصلحة غالبة على مصلحة الواقع. اما الأول فلا يمكن الالتزام به للزومه التصويب الباطل كما ان الثاني لا يمكن الالتزام به لقيام الاجماع على خلافه. نعم يمكن تصور الموضوعية على القسم الثالث إلا أن ذلك فى مقام الثبوت والتصور. واما فى مقام الاثبات الذى هو محل الكلام فالامارة لم تكن على نحو السببية إلا بالاطلاق المقامي إذ الاطلاق اللحاظي لا يتصور فيها لعدم تقييد ما قامت عليه الامارة بالجهل والشك واذا لم يمكن تقيده بذلك فلا يتحقق الاطلاق اللفظي والاطلاق المقامي وان امكن تصوره بتقريب ان المولى لما كان فى مقام البيان وسكت ولم يقل بانه مع انكشاف الخلاف يجب الاتيان بالواقع وحينئذ يكشف ذلك عن عدم ارادته واجزاء ما اتى به عن الواقع إلا ان ادلة الاحكام الواقعية الدالة على اعتبارها فى حال رفع الجهل تنفي الاطلاق المقامي. وما ذكرناه لا يفرق بين كون مؤدى الامارة حكما شرعيا قد جعل موضوعا لحكم آخر او قيدا لموضوع حكم آخر او حكما شرعيا غير مجعول جعل موضوعا لحكم آخر او قيدا لموضوع حكم آخر كما لا يخفى.

٢٦٢

التنبيه الثاني لو قامت حجة شرعية من امارة وغيرها ثم انكشف الخلاف بظن معتبر يجب العمل على طبقه بالنسبة الى الاعمال الآتية. واما بالنسبة الى الأعمال الماضية حيث يكون لها اثر من قضاء ونحوه فيجب العمل على مقتضاه لأن الظن المعتبر كالعلم فكما انه بالنسبة ما لو انكشف الخلاف بالعلم ينكشف بطلان تلك الحجة السابقة كذلك بالنسبة الى الظن المعتبر ينكشف بطلان تلك الحجة تعبدا. ودعوى انه ليس له كاشفية على بطلان تلك الحجة لان حجيتها في ظرفها ثابتة ويجب العمل على مقتضاها وانما كاشفيته يحصل عند قيامه فيكون حينئذ للمكلف حجتان حجة سابقة دلت على تصحيح الأعمال السابقة وحجة فعلية يجب ترتيب الاعمال الآتية عليها ففى غير محلها فان طريقية الحجية الثانية لم تكن محدودة وانما تدل على بطلان الحجة السابقة فينكشف من قيامها ان ليس للاعمال السابقة حجة فيجب عليه اتيانها على وفق ما بيده من الحجة إلا اذا فرض انه قامت عنده حجة تساوى تلك الحجة السابقة من جميع الخصوصيات فحينئذ يقع التعارض بين الحجتين ويجب الاخذ بقواعد باب التعارض فمع التساوي يلزم التخيير بينهما او التساقط والرجوع الى الاصول المقررة ولو قلنا بالتخيير فان كان ابتدائيا يلزم الاخذ بالأولى ، وان قلنا بالاستمرار يجوز له البقاء على الحجة السابقة. هذا كله بالنسبة الى الفعل الصادر من قبل نفسه ، واما بالنسبة الى الفعل الصادر من غيره البانى على اعتبار تلك الامارة فهل يرتب عليها آثار الصحة مع بنائه على بطلانها فيقال بصحة اقتداء من يرى وجوب السورة بمن لا يرى وجوبها ولم يأت بها ام لا يرتب عليها آثار الصحة فلا يجوز له الاقتداء فى الفرض المذكور قيل بالأول بدعوى كون الحكم الظاهري بالنسبة الى غيره حكما واقعيا ثانويا ولكن لا يخفى ما فيه فان الدليل الدال على اعتبار الامارة انما هو بنحو الطريقية

٢٦٣

من غير فرق بين ترتيب آثار الصحة على فعل نفسه او ترتيبها على فعل غيره فلا يكون بالنسبة الى الفعل الصادر من غيره احكاما واقعية. وعليه لا يجوز اقتداء من يرى وجوب السورة فى الصلاة بمن لا يرى وجوبها ولم يأت بها ، او يرى ان الذبح بالحديد شرط فى التذكية لا يجوز لمن لا يرى ذلك تقليدا او اجتهادا الاكل مما ذبح بغير الحديد كما لا يخفى.

التنبيه الثالث لا اشكال ولا ريب ان رأي المجتهد بالنسبة الى عمل نفسه معتبر بما انه طريق الى الواقع فلذا لو تبدل رأيه بما يخالف الأول يجب العمل على طبق رأيه الفعلى ويجب اعادة ما اتى به على طبق رأيه الأول لو كان له اثر من اعادة او قضاء كذلك بالنسبة الى من يقلده فان رأى المجتهد فى حق مقلده ايضا اخذ بنحو الطريقية الى الواقع فلو قلد من يخالف تقليده السابق يجب اتيان الأعمال الآتية على طبق تقليده الفعلى كما يجب اعادة الاعمال السابقة لو كان لها اثر من اعادة او قضاء على طبق تقليده الفعلي لما هو معلوم ان رأى المجتهد فى حق مقلده لم يؤخذ بنحو الموضوعية وانما اخذ بنحو الطريقية وليست طريقيته في حقه محدودة. ودعوى ان رأي المجتهد فى حقه اخذ بنحو الطريقية وفى حق مقلده اخذ بنحو الموضوعية فتكون الاعمال السابقة صدرت عن حجة صحيحه فلا يجب اعادتها وتطبيقها على التقليد الفعلي ممنوعة إذ رأي المجتهد معتبر بنحو الطريقية له ولمن قلده من غير فرق بينهما. هذا كله بالنّسبة الى الادلة الأولية (١).

__________________

(١) وبعض السادة الاجلة قدس‌سره في بحثه الشريف قال لو قامت امارة او اصل على طهارة شيء وعمل على مقتضاء ثم قامت امارة او اصل على نجاسته فان قلنا بالموضوعية يكون من قبيل تبدل الموضوع فتصح تلك الاعمال السابقة ويترتب عليها آثار الصحة فلا يجب اعادتها او قضاؤها لوقوعها فى الحكم بالطهارة من غير

٢٦٤

واما بالنسبة الى الادلة الثانوية فقد يدعى الاجماع على عدم اعادة الاعمال

__________________

فرق بين الشبهة الحكمية او الشبهة الموضوعية وان قلنا بالطريقية كما هو الحق فقد يقال بصحة تلك الاعمال السابقة لصدورها عن حجة صحيحه ولا يعارضها قيام حجة اخرى على خلافها لان قيامها يمنع حجيتها عند قيامها. واما قبل قيام الحجة الفعلية فالحجة السابقة حجة بلا معارض.

هذا وفي باب الاجتهاد والتقليد قال ان محل الكلام في صحة الاجتهاد السابق ومدركه اما اصل او عموم او خبر ولا يعتمد على احدها إلا بعد الفحص عن المعارض فلا يكون كل واحد حجة قبل الفحص عما يعارضها فلو فحص عن المعارض ولم يجد وعمل بمقتضاها ثم وجد ما فحص عنه لم يكن وجود الحجة كاشفا الثانية عن كون ما اعتمد عليه اولا ليس بحجة وان الاجتهاد السابق فاسد إذ ذلك خلاف الفرض.

نعم يرفع اليد عن حجية الاولى عند قيام الثانية فلا يجب اعادة ما اتى به على طبق الأولى ومن هذا القبيل المقلد لو اتى باعماله على طبق فتوى مقلده فلو قلد من يرى بطلان تلك الاعمال السابقة له ان يفتي بعدم اعادة اعماله السابقة لكون المقلد قد اتكل في اعماله على حجة شرعية بل لو طبق المقلد اعماله السابقة على رأي من قلده ثم تبدل رأيه بفسادها له الفتوى بعدم وجوب اعادتها وان كان بالنسبة الى اعمال نفسه يرى وجوب اعادتها ومنه يظهر امكان الفرق بين المجتهد ومن يقلده وان ذلك يكون نظير ما اذا كان المجتهد غير جامع لشرائط حجية الفتوى بل يكون معترفا بعدم عدالته فلو سأل سائل عن الفعل الواقع على خلاف فتواه فانه يحكم بفساده ولكنه لا يحكم عليه بوجوب الاعادة إذا كان واقعا على طبق فتوى مجتهد جامع لشرائط الفتوى لاعترافه بعدم حجية فتواه بل الظاهر ان المقلد اذا سأل مجتهدا جامعا للشرائط غير مقلده وهو يرى صحة تقليده فلو فرض ان المسئول يرى بطلان ما اوقعه السائل من الأعمال على رأي مقلده فانه لا يحكم باعادة اعماله لوقوعها عن حجه صحيحة.

٢٦٥

السابقة من العبادات او يتمسك بحديث لا تعاد على عدم اعادة خصوص الصلاة ولكن لا يخفى ان الاجماع تحققه غير معلوم وشمول حديث لا تعاد لغير الناسي محل اشكال.

__________________

اقول اما فى الاصول فانها مغياة بعدم تحقق امارة الخلاف فمع تحقق امارة على الخلاف يستكشف عدم كونها حجة من اول الامر. واما بالنسبة الى الامارات فلو قامت امارة على خلاف الامارة الاولى فلا اشكال في وجوب ترتب الآثار على الثانية من حين قيامها فيجب اتيان الاعمال الآتية على الثانية واما بالنسبة الى الاعمال السابقة فما لم يكن لها اثر من اعادة او قضاء كمثل صلاة العيد مثلا فلا اثر للقول بصحتها او فسادها واما لو كان له اثر يترتب على صحتها وفسادها مثل اعادتها او قضائها فيتم ما ذكره قدس‌سره بناء على ان الامارة ليست متعرضة لحجية الامارة الأولى إلا من حين قيامها فتكون حجيتها مقصورة على الافعال التى تقع بعدها.

واما بالنسبة الى ما قبلها فلا تعرض لها ولكن التحقيق ان الامارة الثانية عند قيامها تدل على حكم الفعل من حيث الصحة والفساد مطلقا سواء وقع قبلها ام بعدها فهي تدل على فساد الفعل الذي لم يقع على طبقها وليست مقصورة على الفعل الواقع بعدها.

فعليه تكون الاعادة والقضاء من آثار قيام الامارة لحكمها بفساد ما وقع قبلها لعدم مطابقته لها فليس المقام من قبيل الامارتين المتعارضتين لاقتضاء الأولى صحة ما وقع على طبقها والثانية على بطلان ذلك كما انه ليس الاجتهاد الثاني بالنسبة الى الأول من قبيل الناسخ والأول من المنسوخ لكى نترتب الآثار على الاجتهاد الأول الى زمان الثاني وترتيب الآثار على الثاني عند حصوله كما هو شأن كل ناسخ يترتب الآثار عليه عند وجوده ولا يكون نافيا للآثار التى ترتبت على المنسوخ إذ قياس الاجتهاد الثاني بالناسخ قياس مع الغارق لان الناسخ لا يكشف عن بطلان المنسوخ وانما المنسوخ حكم واقعي يكون امده منتهيا بوجود الناسخ بخلاف الاجتهاد الثاني

٢٦٦

التنبيه الرابع لو اتى بما يعتقد تعلق الامر به ثم انكشف الخلاف فلا اشكال

__________________

فانه بناء على ما هو الحق من جعل الطريقية فى الطرق فانما هو لاحراز الواقع فعند تحققه ينكشف الخلاف تعبدا. فعليه لا يكون الاجتهاد الأول محرزا للواقع بل المقام من قبيل ما لو حصل القطع بخطإ الحكم الظاهري فكما ان الحكم فى ذلك عدم الاجزاء فكذا ما نحن فيه من غير فرق بينهما سوى ان القطع رافع لحجية الامارة السابقة من حيث ذاته والامارة السابقة رافعة لحجية الاولى بواسطة الجعل الشرعي وهذا الفرق لا اثر له في عدم الاجزاء واما ان عدم وجوب الاعادة والقضاء لكونهما حرجيان ودليل الحرج يرفع وجوبهما فهو وان اقتضى ذلك الاجزاء إلا ان رفع وجوب الاعادة او القضاء ان كان حرجيا فانما هو بالنسبة الى نفس المورد الذى يكون حرجيين كمن عمل برأيه او رأى مقلده مدة من الزمان كخمسين سنة مثلا من عبادة او معاملة ثم تبدل رأيه او قلد من يخالف رأيه ذلك فاعادة تلك الاعمال حرجي بالنسبة الى نفس المورد لا بالنسبة الى كل مورد وشخص فدليل الحرج لا يثبت الاجزاء في جميع الموارد على ان دليل الحرج مفاده رفع الحكم المجعول وعدم الاجزاء ليس حكما شرعيا حرجيا. نعم يستدل لعدم اعادة الاعمال السابقة بالاجماع إلّا ان تحققه في غير العبادات من الاعادة والقضاء محل اشكال.

قال الاستاذ المحقق النائينى قدس‌سره فى بحثه الشريف ان الاجماع مما يقطع بتحققه بالنسبة الى الاعادة والقضاء فى باب العبادات كما انه مما يقطع بعدم انعقاد الاجماع في الاحكام الوضعية فيما لو كان الموضوع باقيا عند تبدل رأي المجتهد في حقه وحق مقلده كما لو عقد على امرأة بالعقد الفارسي ثم تبدل رأيه وقال ببطلان العقد باللغة الفارسية مع كون المرأة موجودة وكانت من محل الابتلاء. واما مع عدم بقاء الموضوع بتلف كما لو ماتت المرأة في الفرض المذكور او كانت خارجة عن محل الابتلاء فلا يبعد تحقق الاجماع وقد استوفينا الكلام في تقريرات بحثه قدس‌سره.

٢٦٧

في عدم اجزائه عن الامر الواقعي لعدم كشفه عن الامر الشرعي لكي يتوهم الاجزاء ومنه ما لو قطع بعدم وجوب السورة فى الصلاة او نسيها فاتى بالصلاة مع السورة اعتمادا بما قطع بعدم وجوبها. نعم قد يستفاد من بعض النصوص المعتبرة الاجزاء فيما لو اتم في موضع القصر او بالعكس او جهر في موضع الاخفات او بالعكس جهلا وقد وجه ذلك الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (نعم ربما يكون ما قطع بكونه مامورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال او على مقدار منها ولو في غير الحال غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقى منه ومعه لا يبقى مجال لامتثال الامر الواقعي وهكذا الحال فى الطرق (١) فالاجزاء ليس لاجل اقتضاء امتثال الأمر القطعى

__________________

(١) ولازم ذلك ان يكون ما قطع به احد فردي الواجب في حال القطع لو كان وافيا بتمام المصلحة او أن الباقي من المصلحة غير ممكن الاستيفاء ولو فى غير حال القطع وحينئذ لا بد من الاجزاء وتمامية ذلك على الموضوعية ولكن ذلك خلاف ظاهر ما ذكره قدس‌سره وكيف يكون مبنيا على ذلك مع انه توجيه لصورة القطع الطريقى وسائر الطرق التى يقطع بطريقيتها على انه لو بنى على ذلك يلزم ان يؤخذ القطع فى موضوع متعلقة مع انه غير معقول وعليه يشكل تصوير ما ذكره قدس‌سره. وقد وجه ذلك بعض السادة الاجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف بما حاصله ان بعض الافعال لا يتصور فيها تكرار كالقتل فاذا امر بقتل عدوه على كيفية مخصوصة فقتله على غير تلك الكيفية الخاصة فلا اشكال في اتيان المأمور به وان لم يقع على تلك الكيفية الخاصة لعدم قابلية المأمور به للتكرار لكى يعاد تحصيلا لتلك الخصوصية إلا ان هذا التوجيه وان كان صحيحا في نفسه إلّا انه لا يجرى في الصلاة لقبوله للتكرار والاولى توجيه ذلك بان المقام من باب تعد والمطلوب بتقريب ان الشارع امر باتيان الصلاة وامر بالجهر بالقراءة فى ضمن امتثال الصلاة فاذا اتى المكلف بالفعل وامتثل

٢٦٨

او الطريقي). وحاصله ان ما قطع بكونه مامورا به مشتملا على مصلحة تفى بمصلحة الواقع فليس الاجزاء ان لاجل الامر العقلي يجزى عن الامر الواقعي وانما هو لاجل اشتماله على المصلحة. ومن هذا القبيل الاتمام في موضع القصر او بالعكس او الجهر في موضع الاخفات او بالعكس هذا تمام الكلام في مبحث الاجزاء والحمد لله رب العالمين.

__________________

الامر الاول من دون تلك الخصوصية سقط الامر الاول وهو معنى الاجزاء ولم يبق مجال لامتثاله ثانيا لعدم بقاء موضوعه فمع ترك تلك الخصوصية حينئذ ان كان عن عذر كما لو كان الجهل عن قصور فهو ليس بمعاقب وان كان عن تقصير فيعاقب على الترك وان كان الترك عن عمد فيبنى على جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه. اللهم إلا ان يقال بانه من قبيل النهي في العبادة اذا قلنا بان الامر بالشيء يقتضى النهي عن ضده الخاص. وكيف كان فقد اشكل على العبارة بما حاصله بانه لا وجه لتخصيص التعميم لصورة الخطأ والعمد بالصورة الاخيرة وهي غير ممكنة الاستيفاء وجعل الصورة الاولى اي ما يكون وافيا بتمام المصلحة مقصورا على ما يكون الفعل صادرا عن خطأ المعبر عنه (فى هذا الحال) ويجاب عنه انه لو لم يكن مقصورا على ذلك فلا وجه لتعلق الامر بالواقعي لعدم الفرق بينهما فمن تعلق الامر به يستكشف عدم وفاء الفعل بتمام المصلحة فى حال العمد فلا تغفل.

٢٦٩

مقدمة الواجب

الفصل الرابع في مقدمة الواجب وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم امور الأول ان هذه المسألة هل هي من المسائل الأصولية ام من المسائل الفقهية أم من المسائل الكلامية أم من المبادى الأحكامية؟ الظاهر انها من المسائل الاصولية لكونها تقع فى طريق استنباط الأحكام الفرعية الذى هو ملاك المسألة الاصولية إذ لا نعنى بها إلّا انها من القواعد الواقعة فى طريق استنباط حكم كلي لموضوع كلي وان امكن عدها من المبادئ الأحكامية لوجود جهتها بتقريب انها عبارة عن محمولات تعرض على احكام تكليفية أو وضعية كالبحث عن ان الأحكام متضادة او عن تلازم بعضها مع بعض والبحث عن وجوب المقدمة من هذا القبيل لرجوع البحث فيها الى التلازم بين وجوب ذي المقدمة مع وجوب المقدمة اذ لا ينافي اشتمال المسألة على جهة تعد بتلك الجهة من علم آخر. وبالجملة عدها من مسائل الأصول لجهتها الأصولية ولو اشتملت على جهة تعد من المبادئ الأحكامية. نعم لا وجه لعدها من المسائل الفقهية وان توهم اخذا بظاهر العنوان بدعوى ان البحث عن وجوب المقدمة كالبحث عن وجوب جلسة الاستراحة فالبحث بهذا النحو يبحث عن المسألة الفرعية لأنه بحث عن الحكم المتعلق بفعل المكلف إلا ان ذلك توهم فاسد لعدم تحقق ملاك المسألة الفقهية فيها فان ملاكها أن يكون المحمول فيها خاصا ناشئا عن ملاك خاص يثبت لموضوع خاص كالصلاة والصيام او عاما بان يكون عنوانا ليشار به الى موضوعات خاصة كقاعدة الطهارة ونحوها من القواعد العامة التى يكون الموضوع فيها عنوانا عاما يشاربه الى امور متعددة والبحث في ان المقدمة واجبة ليس

٢٧٠

بحثا عن محمول خاص نشأ عن ملاك خاص وانما المحمول فيها عام ينشأ عن ملاكات متعددة لأن ملاك الوجوب فيها هو ملاك الواجب النفسي لنرشح الوجوب منه اليها.

ومن الواضح ان ملاكات الواجب النفسي مختلفة فلا اقل من اختلافها بالشدة والضعف على انه لو قلنا بمقالة بعض الأعاظم قدس‌سره ان ملاك المسألة الفقهية هى خصوصية الموضوع كالصلاة والصيام والحج ونحوها فلا وجه لعدها من المسائل الفقهية لعدم خصوصية الموضوع (المقدمة) وانما هو عنوان عام يشاربه الى موضوعات متعددة مختلفة كالوضوء والغسل والتميم وان كان ما اختاره قدس‌سره من ملاك المسألة الفرعية محل نظر بل منع للزوم خروج اكثر المسائل الفقهية عن الفقه كمثل قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده وقاعدة الطهارة وقاعدة كل ما لاقى نجسا فهو نجس ونحوها من القواعد العامة الفقهية التي اخذ الموضوع عنوانا عاما يشاربه الى العناوين الخاصة بل ربما يقال بانا لو لم نلتزم في المسألة الفرعية خصوصية المحمول الناشئ عن ملاك خاص او خصوصية الموضوع لا يصحح عدا البحث عن وجوب المقدمة من المسائل الفرعية لأن البحث فيها انما هو فى سراية الحكم من ذى المقدمة الى المقدمة من غير اختصاص للحكم الوجوبي بل يعم الأحكام الخمسة فالتعبير بالمقدمة في كلامهم كالعنوان العام الحاكى عن موضوعات عديدة مختلفة الحقيقة محكومة باحكام مختلفة بالخصوصيات وناشئة عن ملاكات متعددة نظير البحث عن فعل المكلف بانه محكوم بالأحكام الخمسة فمثل هذا البحث المنتج لقاعدة كلية تقع في طريق استنباط حكم كلي فرعي يصح عده من المسائل الاصولية ولا يعد من المسائل الفقهية كما انه لا يعد من المسائل الكلامية إذ ليس البحث فى وجوب المقدمة وعدمها لاجل ترتب الثواب والعقاب إذ بناء على سراية الوجوب من ذى

٢٧١

المقدمة الى المقدمة فتجب المقدمة وجوبا غيريا لا يستتبع المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة على ان عد مسألة من علم باعتبار عنوانها ولا تعد منه باعتبار لازمها الذي هو التحسين والتقبيح العقليان خصوصا مع عدم ادراك العقل حسن المقدمة إلا بواسطة وجوب ذي المقدمة إذ العقل لا يستقل بحسن ذى المقدمة لو لا وجوبه فضلا عن حسن المقدمة.

الأمر الثاني ان هذه المسألة من القواعد الكلية المنتجة لحكم كلي فرعي التى يكون تطبيقها على الموارد بيد المجتهد وليست من المسائل اللفظية إذ البحث فيها فى سراية الوجوب من ذى المقدمة الى المقدمة ولو كان ذلك مستفادا من الأدلة اللبية كالاجماع ونحوه فلا خصوصية للفظ فيها. ودعوى ان البحث فيها يرجع الى البحث عن الملازمة بين المقدمة وذيها فيكون من المسائل العقلية في غير محلها إذ عد مسألة من علم يلاحظ فيها عنوانها واشتمالها على جهة يجث عنها في ذلك العلم فبذلك العنوان والجهة تعد منه ولا تعد من العلم باعتبار لازمها فان مجرد التلازم بين العنوانين لا يوجب ارجاع احدهما الى الآخر.

ومما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية حيث جعل البحث فى وجوب المقدمة عقليا ما لفظه (ان المسألة عقلية والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه) (١)

__________________

(١) لا يخفى أن البحث فى وجوب المقدمة انما هو فى حكم العقل بالملازمة بين الارادة المتعلقة بذى المقدمة الناشئة عن المصلحة وبين الارادة المتعلقة بالمقدمة من غير فرق بين ان تكون تلك الارادة المتعلقة بذى المقدمة مدلوله للفظ او لغيره من اجماع او غيره وليس هذا الحكم من المستقلات العقلية الذي هو عبارة عن حكمه

٢٧٢

الامر الثالث ان المراد من وجوب المقدمة في محل النزاع هو تعلق ارادة بها متولدة من الارادة المتعلقة بذي المقدمة وبعبارة اخرى يترشح وجوبها من وجوب ذيها ولازم ذلك ان يكون بينهما تعدد فى الوجود والتوقف بنحو تتخلل الفاء بينهما فيقال وجد فوجد فلا بدخل فى محل النزاع ما كان بينهما تلازم بنحو لا توقف بينهما كما انه يخرج ما كان بينهما اتحاد بحسب الوجود كالطبيعى ومصاديقه وكالجزء المتقدم على الكل بالتجوهر كتقدم الواحد على الاثنين إذ مع عدم التعدد فى الوجود لا مجال للنزاع فى ترشح الوجوب من ذي المقدمة الى المقدمة إذ لا يعقل ان يترشح من الوجوب المتعلق بالاثنين على الواحد الذي هو فى ضمن الاثنين ارادة غيرية مع انبساط الوجوب النفسي عليه ولو ترشح منه الى الواحد الذي هو في ضمنه ارادة غيرية يلزم اجتماع المثلين وهو غير معقول كاجتماع الضدين.

الامر الرابع تنقسم المقدمة الى الداخلية والخارجية اما الخارجية فهى الخارجة عن المأمور به ولها دخل فى تحققه ووجوده فلا اشكال في دخولها في محل النزاع. واما الداخلية التي هي عبارة عن الأجزاء بالنسبة الى الكل فانها تعد مقدمة للكل لأن الجزء اعتبر لا بشرط والكل اعتبر بشرط شيء وهو الاجتماع فلا تكون المقدمة

__________________

بشيء من دون توقفه على حكم الشارع كحكمه بان النقيضين لا يجتمعان كالكل اعظم من الجزء ونحو ذلك من الموارد الحاكم فيها العقل ولا يتوقف حكمه بذلك على صدور حكم من الشارع بل يحكم به سواء حكم الشارع به ام لا. نعم وجوب المقدمة ومثلها الأمر بالضد واجتماع الأمر والنهي ونحو ذلك من المسائل العقلية غير المستقلة التي هي عبارة عن ان العقل يحكم به بعد صدور حكم الشارع فالعقل يحكم بوجوب المقدمة بناء على الملازمة بعد صدور حكم الشارع بذي المقدمة فافهم وتأمل.

٢٧٣

عين ذيها للمغايرة بينهما بما عرفت. كما انه لا يلزم مقدمية الشيء لنفسه لما عرفت من الاثنينية بينهما ، وبعبارة اخرى ان الأجزاء تلاحظ فى حد انفسها والكل ملحوظ فيه الأجزاء مجتمعة فيكون الفرق بين الأجزاء والكل هو الفرق بين المركب من العارض والمعروض وبين نفس المعروض فنفس الاجزاء التي هي المعروض تلاحظ مجردة عن لحاظ الاجتماع الذى هو العارض وان لاحظت الاجزاء مع كونها مجتمعه فهو الكل الجامع للمعروض والعارض بلحاظ واحد والى ذلك يرجع ما نسب الى الشيخ الانصاري قدس‌سره من الفرق بان الاجزاء ملحوظة بشرط لا والكل ملحوظ بشرط شيء فان غرضه من كون الأجزاء بشرط لا هو ملاحظتها بنفسها من دون ملاحظة الاجتماع وذلك عبارة عن كون الاجزاء لا بشرط والكل بشرط شيء وليس غرضه من كون الاجزاء بشرط لا هو بشرط عدم الانضمام لكي يرد عليه ان الشيء مع كونه مقيدا بعدم الانضمام الى الغير كيف يكون جزأ لمركب كما انه لا وجه لما اورده بعض الاعاظم (قده) عليه بما حاصله ان الفرق المذكور انما هو منحصر في المركب الحقيقي ولا يجري في المركب الاعتباري وان الحمل يصح في الأول لوجود الملاك فيه وهو الاتحاد فى الوجود دون الثاني لعدم تحقق ملاكه فيه لما عرفت من ان المراد من بشرط لا هو ملاحظتها بانفسها. وهذا اللحاظ يجتمع مع لحاظ كونها مجتمعة وبهذا الاعتبار تكون الأجزاء عين الكل ويصح حملها ولو كان المركب اعتباريا ولكن لا يخفى انه لو سلم ان المغايرة الاعتبارية تقتضي الاثنينية إلا انه لا تقتضى تقدم الأجزاء على الكل إذ كونها مقدمة يقتضى ذلك مع ان الجزئية والكلية فى مرتبة واحدة.

بيان ذلك ان الامور المتعددة المتكثرة تعتبر امرا واحدا بالوحدة الاعتبارية

٢٧٤

التى هي منشأ الانتزاع عنوان الكل وهذه الوحدة لا تحصل من نفس الهيئة الاجتماعية إذ لو كانت الوحدة تحصل من عنوان الاجتماع لكان يلتزم بالوحدة المحققة للكل عند قيام المصالح المختلفة بالأجزاء المتعددة مع انه واضح البطلان إذ كيف يلتزم بوحدة الواجب مع اشتماله على اجزاء تختلف بحسب المصالح كما انه لا يلتزم بتعدد الواجب مع اشتماله على اجزاء يترتب عليها غرض واحد ومصلحة فاردة فلا يكون وحدة الواجب باعتبار الهيئة الاجتماعية فلا بدوان تكون الوحدة الاعتبارية ناشئة من وحدة المصلحة أو وحدة اللحاظ أو وحدة الحكم. اما الأول فانه نلتزم بوحدة المصلحة من المتكثرات بعد رعاية المصلحة وهذه الوحدة منتزعة من المصلحة الواقعية التي هي متأخرة عن نفس المتكثرات فما هو المنتزع ايضا متأخر عنها فلا يمكن اخذها في نفس المتكثرات فما هو ذو مصلحة ليس إلا المتكثرات بما هي متكثرات لا بوحدتها الطارية عليها من ناحية المصلحة وكذلك وحدة اللحاظ ووحدة الحكم اللاحقتان للمتكثرات بما هي متكثرات. ولا ريب ان الأشياء فى حال تكثرها لم يكن فيها لحاظ ولم يكن فيها حكم فلم تنتزع منها الجزئية ولا الكلية. نعم بعد طروها عليها تنتزع منها الكلية والجزئية. فمن هذا يظهر انه لم تكن الجزئية لها تقدم على الكلية إذ قبل تلك الوحدات لم يكن صقع كلية ولا جزئية وبعد طرو تلك الوحدات تكون منشأ لانتزاع جزئية كل واحد من تلك المتكثرات كما انه منشأ لانتزاع الكلية من مجموع المتكثرات.

ان قلت سلمنا ان الوحدة الحكمية لم تؤخذ فى المتكثرات إلا ان الوحدة اللحاظية يمكن اخذها بان تجعل موضوعا للحكم فتكون المتكثرات الملحوظة بلحاظ واحد موضوعا للحكم. قلنا ان اللحاظ انما يعتبر توطئة للحكم على المتكثرات فان

٢٧٥

الحكم على شيء لا يكون إلّا بلحاظه فلحاظه ليس محكوما عليه ولا جزء له بل يؤخذ بنحو التوطئة للحكم على نفس المتكثرات فنفس المتكثرات قبل اللحاظ لا يكون فيه جزئية ولا كلية وبعد طرو هذه الوحدات تنتزع الكلية والجزئية فهما فى مرتبة واحدة فلم تكن الاجزاء فيها جهة مقدمية. فعليه ليس عندنا ما تسمى بالمقدمة الداخلية إذ المقدمة تستدعي التقدم على ذبها وحسب الفرض انه الكل ومقدمته جزؤه. وقد عرفت انه لا تقدم للجزء على الكل. نعم يمكن فرض المقدمية لو اخذت الهيئة الاجتماعية في موضوع الحكم وقد عرفت ما فيه. ومن ذلك يعلم انه على المخالفة يستحق عقوبات متعددة على حسب تعدد المصالح وان كان مجموعه له هيئة واحدة كما انه لو قصد الامتثال بمجموعها كان مشرعا وهذا بخلاف ما لو كان غرض واحد مرتب على الاجزاء باجمعها فانه مع المخالفة يستحق عقابا واحدا لكونها تعد باجمعها واجبا واحدا وان لم يكن لمجموعه هيئة واحدة ولو سلمنا انتزاع الوحدة من الهيئة الاجتماعية فلنا منعه ايضا لانه ان كان الواجب هو الاجزاء بشرط الانضمام فالجزء غير مقدمة بل واجب بالوجوب النفسي والهيئة واجبة بالوجوب الغيري لتحصيل الهيئة لاخذها شرطا وان كان الواجب هو الهيئة كانت الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري لتحصيل الهيئة واجبة بالوجوب النفسي فحينئذ تكون خارجة عن الفرض إذ الكلام فى المقدمة الداخلية وصارت مقدمة خارجية وان كانت هيئة مع الاجزاء واجبة فهو وان اجتمعت الكلية والجزئية إلا انه لا يصح اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري لكون الاجزاء قد تعلق بها الوجوب النفسي لكونه فى المرتبة السابقة ومع ذلك لو تعلق بها الوجوب الغيري لوجود ملاكه الذى هو كونها علة لتحقق الواجب يلزم اجتماع المثلين وهو باطل كاجتماع الضدين لا يقال ليس اجتماع

٢٧٦

المثلين كاجتماع الضدين بل اجتماعهما يوجب تأكد الوجوب كما لو ورد اكرم العلماء واكرم بنى هاشم وكان شخص جامعا للعنوانين فان اجتماعهما وجب تاكد الوجوب لانا نقول التأكد انما يفيد لو كان السببان في عرض واحد كما في المثال المذكور لا مثل المقام فان الوجوب الغيري متأخر رتبة عن الوجوب النفسي لوضوح ان الوجوب الغيري معلول للوجوب النفسي ويظهر ذلك بتخلل الفاء بان يقال وجبت الاجزاء والهيئة نفسيا فوجبت الاجزاء غيريا ويستحيل في مثل المقام التأكد فحينئذ الاجزاء لم تكن واجبة إلا بالوجوب النفسي وليست واجبة بالوجوب الغيري لسبق الأول بحسب المرتبة. نعم فيه ملاك الوجوب الغيري هذا كله فيما لو كانت الوحدة المحققة للكل قد اخذت في المرتبة السابقة على الامر كمثل الهيئة الاجتماعية أو وحدة الغرض او وحدة اللحاظ. واما اذا كانت الوحدة المحققة للكل منتزعة من المرتبة اللاحقة مثل انتزاعها من نفس الأمر فلا يعقل ان تكون منشأ لترشح الوجوب من الكل الى الاجزاء لكون المقدمية حينئذ في رتبة متأخرة من تعلق الامر بالكل فلا يعقل تعلق الأمر الغيري بالاجزاء لانه انما يتعلق بالاجزاء بما انها مقدمة في رتبة سابقة كما ان مقتضى مقدميتها ان تكون سابقة على تعلق الأمر مع انه حسب الفرض ان المقدمية حصلت فى المرتبة اللاحقة عن تعلق الأمر. فعليه يخرج مثل هذا الفرض عن محل النزاع وينحصر فيما اذا كانت الوحدة اخذت فى المرتبة السابقة على تعلق الأمر لكي يكون فيه ملاك الوجوب الغيري.

ومما ذكرنا يظهر النظر في اطلاق ما ذكره الاستاذ قدس‌سره من تحقق ملاك الوجوب الغيري للاجزاء فى الكفاية ما لفظه (إلا ان يريد ان فيه ملاك الوجوبين وان كان واجبا بوجوب واحد نفسي لسبقه) لما عرفت ان ذلك يتم بناء على ان

٢٧٧

الوجوب النفسي قد تعلق بالاجزاء والهيئة الاجتماعية المحققة لعنوان الكل فحينئذ تكون الاجزاء فيها ملاك الوجوب الغيري لتحقق المقدمية على ذلك الفرض إلا انك قد عرفت ان الهيئة الاجتماعية لا تحصل منها الوحدة المحققة لعنوان الكل وانما الموجب لها اما الامر او اللحاظ او الغرض وفي الجميع لا يتحقق ملاك الوجوب الغيري للاجزاء لعدم تقدمها على الواجب الذى هو الكل لكونهما يتحققان معا وبمرتبة واحدة. ثم انه ربما قيل بظهور الثمرة بين كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري وبين كونها واجبة بالوجوب النفسي فى باب الاقل والاكثر الارتباطيين بجريان الاشتغال على الأول وجريان البراءة على الثاني.

بيان ذلك ان الاجزاء اذا كانت واجبة بالوجوب الغيري فالعلم الاجمالي بالتكليف منجز ولا ينحل الى علم تفصيلى بالوجوب المطلق للاقل الاعم من النفسي لو كان هو الواجب والغيري لو كان الاكثر هو الواجب لتولده من العلم الاجمالي المتنجز فى المرتبة السابقة فيكون من الشك في المكلف به وهو مجرى قاعدة الاشتغال. واما لو كانت الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي فلا اثر للعلم الاجمالى بالوجوب النفسي المردد بين الحدين اي حد الأقل وحد الاكثر كالخط المردد بين القصير والطويل وانما الذى له الاثر العلم الاجمالي بنفس التكليف من دون ملاحظة الحدين وحينئذ يعلم تفصيلا بتعلق ارادة من الشارع قد تعلقت بذات الاقل من دون نظر الى حده ونشك فى الزائد فيكون من الشك فى التكليف وهو مجرى اصالة البراءة كما لا يخفى فافهم.

الأمر الخامس تنقسم المقدمة الى العقلية والشرعية والعادية اما العقلية فالمراد بها ما يكون توقف الواجب على المقدمة عقليا كتوقف المعلول على علته والشرعية

٢٧٨

ما يكون التوقف شرعيا بأن يعتبر الشارع فى الواجب قيدا بنحو يكون دخيلا فيه فبهذا الاعتبار يكون التوقف شرعيا وإلا بعد اخذه واعتباره بنحو الشرط يكون التوقف عقليا لعدم حصول الواجب إلا بما اعتبره. ولذا قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية برجوع الشرعية الى العقلية ما لفظه : (ضرورة انه لا يكاد يكون مستحيلا ذلك شرعا إلا اذا أخذ فيه شرطا وقيدا واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده يكون عقليا (١) والعادية ما يكون التوقف بحسب العادة فتارة تكون العادة بمثابة لا ينفك الواجب عنها دائما كنصب السلم للكون على السطح واخرى

__________________

(١) لا يخفى ان الشرط الشرعي تارة يكون امرا واقعيا كشف عنه الشارع بان يكون توقف المشروط على الشرط امرا واقعيا وقد اختفى علينا والشارع كشفه لنا لاطّلاعه على خواص الاشياء ، واخرى المشروط ليس له توقف بحسب الواقع إلا ان الشارع امر به مقيدا بالشرط ففى الأول التوقف عقلى. غاية الأمر انه ببيان الشارع. واما الثاني فقد يقال بان التوقف شرعي باعتبار انه بسبب امر الشارع انتزعت الشرطية ، وقد يقال بان التوقف عقلي باعتبار ان الحاكم بذلك هو العقل وان كان ذلك بسبب جعل الشارع والمراد من العبارة هو المعنى الثاني وفاقا لبعض السادة الاجلة قدس‌سره إذ بعد اعتبار الشارع الشرطية يكون الحاكم بالتوقف هو العقل ولا معنى لحكم الشارع بالتوقف لكى يكون شرعيا محضا لعدم امكان تصرف الشارع بازيد من الأمر بالفعل مقدمة. نعم يصح منه الحكم بالتوقف ارشادا الى ما هو عليه في الواقع كما انه لا يصح ارادة المعنى الاول من العبارة لكون التوقف عقليا محصا وليس للشارع الا بيان التوقف الواقعي فلا معنى لرجوع الشرعية الى العقلية لكونها من العقلية المحضة. فظهر مما ذكرنا ان العبارة تحمل على المعنى الثاني فلذا صح رجوع الشرعية الى العقلية فلا تغفل.

٢٧٩

ينفك عنه احيانا بان يحصل الواجب من دون تلك المقدمة العادية مثلا جرت العادة فى قطع مسافة الحج بالركوب وامكن المشي راجلا على خلاف العادة ولا يخفى ان مثل هذه المقدمة خارجة عن محل النزاع لانتفاء ملاك المقدمية الذى هو انتفاء الواجب عند انتفائها. نعم المقدمة العادية بالمعنى الأول داخلة في محل النزاع كالعقلية والشرعية لوجود الملاك فيها فان الكون على السطح ينتفى عند عدم السلم عادة ولذا قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية برجوعها الى العقلية بالمعنى الأخير ما لفظه (ضرورة استحالة الصعود بدون النصب عقلا لغير الطائر فعلا وان كان طيرانه ممكنا ذاتا (١) هذا ولكن

__________________

(١) يمكن ان يكون المراد من جعل المقدمة العادية مقابلة للعقلية من حيث هي من دون نظر الى انه ممن ليس بطائر فعلا وليس له خرق العادة فانه لا يكون التوقف حينئذ عقليا لامكان خرق العادة مثلا بالطيران كالحصول في المكان البعيد فإنه فى حد ذاته ممكن بدون قطع المسافة إلا انه خارق العادة وكونه لا يحصل إلا بخرق العادة لا يوجب كونه ممتنعا حتى يكون التوقف على ما جرت به العادة عقليا فان خرق العادة انما يتعلق بالممكنات دون الممتنعات كجمع النقيضين نعم هو ممتنع لمن ليس له خرق العادة وحينئذ يكون التوقف عقليا وعلى ذلك حمل العبارة بعض السادة الاجلة قدس‌سره قال : وينبغي ان يضاف الى قوله لغير الطائر عقلا كلمة ومن ليس له خرق العادة ليتم التوقف العقلى وكذا ينبغي ان يبدل الضمير من قوله وان كان طيرانه ممكنا ذاتا بالالف واللام على لفظ الطيران لأن طيران غير الطائر فعلا اذا كان ممكنا ذاتا يكون التوقف عقليا. هذا والتحقيق ان الكون على السطح يتوقف عقلا على طي المسافة وعلى نصب السلم إلا ان مقدمية الأول مما يقتضيه العقل لاستحالة الطفرة والثاني مقدميته مما يقتضيه طبع الجسم من دون قاسر فان طبعه ثقيل ففى الاستحالة يشتركان فانه يمتنع الكون على السطح بلا طي مسافة

٢٨٠