منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

منها. فعليه يستفاد الاجزاء من الاطلاق المقامي بتقريب انه لو لم يكن الاتيان بالبدل مجزيا لزم ان يضم اليه الوضوء فى الدليل او يوجب عليه الانتظار فمن عدم ذلك ووجه امره الى البدل فى حال الاضطرار دل على عدم الاعتبار. ولكن لا يخفى ان ذلك يتم لو احرز ان المصلحة الفائتة غير قابلة للاستيفاء. واما لو كانت قابلة للاستيفاء فلا يحتاج الى ضم الوضوء او وجوب الانتظار. بل يجب الاتيان بالمبدل تحصيلا لتلك المصلحة الفائتة. وحينئذ دليل التيمم لا دلالة له على احد الاحتمالين وانما يدل على كون البدل واجدا لمرتبة من مراتب مصلحة المبدل. وعليه لا يستفاد من الادلة الخاصة للتيمم الاجزاء. كما انك قد عرفت انه ليس للادلة العامة دلالة على الاجزاء. نعم ربما يتوهم ان اجزاء الاتيان بالفاقد للاجزاء والشرائط نسيانا يجزي عن الواجد لها ، ولكن لا يخفى انه توهم فاسد فان الجزء او الشرط المعتبر فى المركب سواء كان اعتباره من الدليل بلسان النفى مثل (لا صلاة إلّا بطهور) ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب او بلسان الاثبات كمثل قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الى غير ذلك من الأدلّة الدالة على اعتبار الأجزاء والشرائط فى جميع الحالات ولذا قلنا انه لو اضطر الى ترك جزء أو شرط لا يسقط الامر بالمركب لدخلهما فى ملاك الامر. نعم يسقط فعلية الامر فلذا تجب الاعادة لو ارتفع الاضطرار فى الوقت وهكذا يجب القضاء لو ارتفع الاضطرار فى خارج الوقت بناء على ان القضاء بالامر الاول. واما لو قلنا بان القضاء بالامر الجديد فائضا يجب القضاء لتحقق موضوعه وهو الفوت ومن هذا القبيل نسيان الجزء او الشرط فانه يجب الاتيان بالمنسي فى الوقت والقضاء فى خارجه. ومنشأ توهم الاجزاء هو وجود الامر

٢٤١

بالفاقد فى ظرف النسيان. ولكن لا يخفى ما فيه فان الامر الموجود فى الفاقد امر عقلي وليس بشرعي. ومحل الكلام فى الاجزاء بالنسبة الى الأمر الشرعي. نعم فى خصوص باب الصلاة ورد حديث (لا تعاد الصلاة إلا من خمس) الدال على عدم الاعادة لو كان المنسي ما عدا الخمسة من الاجزاء والشرائط ولذا حكموا بالاعادة لو كان الترك نشأ عن جهل الحكم او نسيانه او كان المنسي الخمسة المذكورة فى الحديث.

الجهة الثانية فى الاصل العملي فالكلام فيه تارة يقع فى الاعادة واخرى فى القضاء. اما الاعادة فالشك فيها تارة يكون في امكان استيفاء الباقي واخرى في الشك في كون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل. فان كان الاول فالشك فيه يرجع الى الشك فى القدرة الذى هو مجرى قاعدة الاشتغال. بيان ذلك ان البدل لما كان وافيا ببعض مرتبة المبدل فيجب تدارك الباقى مهما امكن. فحينئذ لو اتى بالبدل وزال العذر وقد شك في امكان تحصيل الباقي فالعقل يحكم باتيان كل ما يحتمل وجوبه لكونه من الشك في القدرة على الاستيفاء ودعوى انه من الشك في التكليف الذي هو ملاك جريان البراءة ممنوعة ، لان الشك في التكليف ناشئ من الشك امكان استيفاء الباقى بعد الاتيان بمرتبة من مراتب مصلحة المبدل الراجع الى الشك في انه قادر على تحصيل ما يلزم تحصيله وكل شك يرجع الى ذلك وجب مراعاته حتى يتحقق العجز وهو معنى وجوب إتيان كل ما يحتمل وجوبه ومقتضاه عدم الاجزاء في كل مورد شك في الاجزاء وعدمه سواء يعلم بطرو الاختيار بعد زمان الاضطرار ام لا يعلم بذلك وسواء علم بالاستدامة الى آخر الوقت مع عدم انكشاف الخلاف ام علم بالاستدامة الى آخر الوقت ثم تبين الخلاف. فعليه يجب الاعادة

٢٤٢

بعد رفع العذر في الوقت تحصيلا لما يحتمل تداركه من المصلحة الفائتة. وان كان الشك فى الاعادة للشك في ان البدل وافى بتمام مصلحة المبدل ومرجع ذلك الى الشك في التعبين والتخيير فالعقل يحكم باتيان ما يحتمل تعينه. بيان ذلك ان الشك بوفاء البدل بتمام مصلحة المبدل يرجع الى الشك في كون المصلحة قائمة بالجامع بين البدل والمبدل او قائمة بخصوص المبدل فيكون من دوران التكليف بين التعيين والتخيير (١).

__________________

(١) وقد فرق بعض السادة الاجلة (قدس‌سره) فى بحثه الشريف بين المقام ومسألة دوران التكليف بين التعيين والتخيير بما حاصله ان الشك فى تلك المسألة يرجع الى شكين احدهما الشك فى احد الفردين واجب معين او مخير ، وثانيهما في فرد آخر واجب مخيرا بان يكون احد فردي الواجب او ليس بواجب.

واما المقام فليس من ذاك القبيل لان البدل واجب مطلقا اي سواء قلنا باجزائه عن المبدل او لم نقل بذلك ولذا نلتزم بانه لو اتى به المكلف يأتي بداعي الامر.

غاية الامر انه على تقدير الاتيان بالبدل يكون مفوتا لبعض مصلحة الفعل الاختياري فمرجع الشك في كون اتيان البدل مجزيا الى الشك فى وجوب تحصيل تلك المزية التي تحصل باتيان المبدل بعد رفع الاضطرار فاذا انتفى وجوب تلك المزية باصل البراءة ارتفع الشك في الاجزاء ويكون ما اتى به من البدل مجزيا.

ثم قال قدس‌سره : (يدل على ذلك ترخيص الشارع بالمبادرة الى اتيان البدل فنعلم منه ان المطلوب هو القدر الجامع بين البدل والمبدل فمع اتيانه بالبدل فى ظرف الاضطرار فقد اتى بالمطلوب قطعا إلا انه يشك في وجوب شيء آخر عليه وهو تحصيل ما كان البدل فاقدا له من المزية التي تحصل باتيان المبدل ويكون من الشك في التكليف والمرجع فيه الى اصالة البراءة ولكن لا يخفى ان ما ذكره قدس‌سره

٢٤٣

والقاعدة تقتضي الاشتغال باتيان ما احتمل تعينه فيما علم بطرو الاختيار او يشك فى ذلك للعلم الاجمالي بالتكليف والشك فى دورانه بين التعيين والتخيير. واما لو علم باستمرار العذر ثم تبين الخلاف فلا يكون من ذاك القبيل بل يكون من الشك في التكليف فتجرى اصالة البراءة فى نفي الاعادة ولا اثر للعلم الاجمالي بالتكليف لان من شرط تأثيره ان لا يكون احد الاطراف خارجا عن محل الابتلاء.

بيان ذلك انه مع علمه بالاستمرار وقد أتى بالفعل الاضطراري ثم تبين الخلاف يحصل عند المكلف علم اجمالي بانه اما مكلف بالقدر الجامع او بخصوص الفعل الاختيارى وهذا العلم الاجمالي لا اثر له إذ بعد الاتيان بالفعل الاضطراري يلغي احتمال تعلقه بالجامع فبقى احتمال تعلقه بالمعين فيكون من الشك فى التكليف فينفى بالبراءة. وعليه تحمل عبارة الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (وهو

__________________

من الفرق غير فارق بعد اشتراكهما في ملاك جريان قاعدة الاشتغال الذى هو الشك فى الفراغ فان الآتي بالبدل يشك فى فراغ ذمته عن التكليف بخلاف الآتي بالمبدل فانه يقطع بفراغ الذمة من التكليف على ان ترخيص الشارع بالمبادرة لا يدل على ان المطلوب هو الجامع إذ يمكن ان يكون تداركا لمصلحة الوقت او فضيلته مضافا الى استصحاب الاشتغال ويقدم على اصالة البراءة في مقام التعارض.

ودعوى ان الشك في الفراغ مسبب عن الشك في وجوب تحصيل تلك المزية والبراءة تجري فى السبب والاصل الجاري فى السبب حاكم على الاصل الجارى في المسبب ممنوعة لان اصل البراءة العقلية والنقلية ليست كسائر الاصول وانما هي من الاعذار الشرعية او العقلية مضافا الى ان الاصل الجاري فى السبب يكون حاكما على الاصل الجاري فى المسبب اذا كان مزيلا للشك في المسبب وفي المقام ليس كذلك اذا لشك في السقوط باق وسيأتى له مزيد بيان في الاستصحاب ان شاء الله تعالى.

٢٤٤

يقتضى البراءة من ايجاب الاعادة لكونه شكا فى اصل التكليف) ولكن لا يخفى ان هذا العلم الاجمالي الحاصل بعد اتيان البدل وان لم يكن له اثر إلا ان العلم الاجمالي الاولي قد اثر اثره وهو ايجاد ما احتمل تعيينه لكى يقطع بالامتثال ولا يحصل ذلك إلا باتيان المبدل بعد رفع الاضطرار فى الوقت من غير فرق بين حصول البدل وبين عدمه وإلّا لكان ذلك يجري فى كل علم اجمالي قد حصل بعض اطرافه وعليه لا يتم ما ذكره قدس‌سره إلا بناء على ان متعلق التكليف في حال الاختيار والاضطرار هو الجامع. فحينئذ بعد الاتيان بالبدل يشك فى حدوث تكليف جديد للمكلف فيكون من الشك في التكليف الذى هو مجرى البراءة. واما بناء على ان متعلق التكليف هو الصحيح الجامع للاجزاء والشرائط الذي هو وظيفة القادر المختار وان في حال الاضطرار لا يتنجز وقد جعل فى ذلك الحال بدلا عنه وحينئذ لا بد من ملاحظة مقدار وفائه لمصلحة المبدل وعليه بعد رفع الاضطرار واتيان البدل العقل يحكم باتيان المبدل لو شك فى امكان الاستيفاء للشك في القدرة او الشك في اصل الوفاء لدوران الأمر بين التعيين والتخيير واما الاستصحاب التعليقي فيقرب ان المكلف يعلم قبل فعل البدل انه لو طرأ الاختيار وارتفع العذر يجب عليه الاتيان بالمبدل وبعد فعل البدل يشك فى ذلك فيستصحب وجوب اتيان المبدل فهو وان كان يوجب الاتيان بالمبدل بعد رفع الاضطرار إلّا انه لا حاجة اليه بعد حكم العقل بلزوم مراعاة التكليف مهما امكن لوجوب الانبعاث عقلا مع العلم بالتكليف والشك في امتثاله للشك فى القدرة عليه هذا على المختار من حجية الاستصحاب التعليقي ولو كان التعليق مستفادا من حكم العقل. واما على ما هو المشهور من اعتباره اذا لم يكن التعليق مستفادا من حكم العقل بل يعتبر ان يكون متعلقه حكما شرعيا قد

٢٤٥

علق على امر بلسان الدليل كما علقت حرمة شرب العصير على غليانه فالمقام اجنبي عنه إذ العقل يحكم قبل اتيان البدل لو ارتفع العذر باتيان المبدل وليس للشارع حكم قد علق على امر كما لا يخفى. واما القضاء فقيل بجريان البراءة للشك في حدوث التكليف في خارج الوقت لا يقال ان مصلحة الفعل الاختياري يجب تحصيلها وبفعل الاضطراري يشك في تحصيلها ومنشأ ذلك هو الشك في كون الفعل الاضطراري وافيا بتمام مصلحة الفعل الاختياري ام وافيا ببعضها. فعليه لم يعلم بتحصيلها فيجب الاتيان بالمبدل في خارج الوقت تحصيلا لما فاته من المصلحة لانا نقول المصلحة الفائتة من الفعل الاضطراري لم يعلم بتحققها في خارج الوقت لكى يجب تحصيلها ، ووجوب اتيان الفعل الاختياري فانما هو في الوقت واما في الخارج فغير معلوم تحققه واحتماله ينفى باصل البراءة.

والذى ينبغي ان يقال هو ان القضاء اما بالامر الأول او بامر جديد فان قلنا بالامر الأول بنحو تعدد المطلوب بان يكون امر تعلق بالصلاة فى الوقت وفي خارجه وامر آخر تعلق بالصلاة فى الوقت فيجب الاتيان بالقضاء مطلقا اى سواء كان الشك فى وجوبه للشك في وفاء البدل بتمام مصلحة المبدل او للشك في امكان استيفاء الباقى لرجوع الشك فى ذلك الى الشك في القدرة او الى دوران الامر بين التعيين والتخيير. واما اذا قلنا بان القضاء بأمر جديد فتارة يكون الشك في القضاء للشك في كون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل فلا يجب القضاء للشك فى حدوث التكليف وهو من موارد جريان البراءة. واخرى للشك في كون البدل وافيا بمقدار من المصلحة فمع اتيانه بالبدل يشك في امكان استيفاء الباقي فيكون من الشك في القدرة وهو من موارد جريان الاشتغال لو لم نقل بانصراف ادلة القضاء

٢٤٦

عن ذلك وحينئذ يكون المورد من موارد جريان البراءة للشك فى التكليف.

وأما ما ذكره الاستاذ في القضاء ما لفظه (كذا عن ايجاب القضاء بطريق اولى) فمبنى على ما ذكرنا من قيام المصلحة بالجامع بين البدل والمبدل فيكون هو متعلق التكليف فحينئذ لا تجب الاعادة فعدم وجوب القضاء اولى. ولذلك قد عرفت ان مقتضى الادلة كالاجماع ونحوه يدل على ان البدل واف ببعض مراتب المبدل وعليه فالشك في امكان استيفاء الباقي يرجع الى الشك فى القدرة او دوران الامر بين التعيين والتخيير فيجب القضاء خصوصا اذا علم من دليله ان موضوع القضاء هو عدم الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي وان لم يكن فعليا المعبر عنه بالفوت في لسان الدليل ولكن ارادة ذلك محل نظر. بل الذي يظهر من عبارة الاستاذ في الكفاية ما لفظه (نعم لو دل دليله على ان سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة كان القضاء واجبا عليه لتحقق سببه وان اتى بالغرض (١) لكنه مجرد الفرض)

__________________

(١) وقد اورد بعض السادة الاجلة فى بحثه الشريف بما حاصله ان فوت الواقع انما يتحقق مع عدم كون الفعل الاضطراري في وقته وافيا بتمام مصلحة الفعل الاختياري. واما لو كان الاتيان به وافيا بمصلحة الفعل الاختياري فلا يصدق الفوت ولا يجب القضاء فلو شك فى كون البدل وافيا بتمام مصلحة المبدل كان من الشك في صدق الفوت الذى هو موضوع القضاء فلا يجب القضاء للشك في تحقق موضوعه. ودعوى احراز الموضوع باصالة عدم الاتيان بالمبدل ممنوعة فان الشك لو كان في اتيان المأمور به بالامر الواقعى كان لجريان الاصل المذكور مجال من غير فرق بين ان يكون موضوع القضاء هو الفوت او عدم اتيان الواقع. واما اذا لم يكن الشك في اتيان المأمور به الواقعي بل نقطع بعدم اتيانه كما هو المفروض فى المقام وانما الشك فيه فى ان الفعل الاضطراري واف بتمام مصلحة الفعل الاختياري

٢٤٧

ان موضوع القضاء ذلك مما يقطع بعدمه لعدم دلالة ادلة القضاء عليه وان ذلك مجرد فرض إذ عليه يكون فوت الواقع يوجب القضاء ولو حصل القطع باستيفاء البدل لتمام مصلحة المبدل.

المقام الثالث فى ان اتيان المأمور به بالامر الظاهري هل يجزى عن الأمر الواقعي ام لا والكلام في ذلك يقع فى موضعين :

الاول ان يكون المأمور به بالامر الظاهري مفاد الاصول. الثاني مفاد الامارات. اما الاول فالحق عدم اجزائه عن المأمور به بالامر الواقعي من غير فرق بين ان يكون مفاد اصل من الاصول المحرزة كالاستصحاب ونحوه او ليس منها مطلقا اي سواء كان مما اثبت حكما جعليا شرعيا كأصالة الطهارة واصالة الحل وايجاب الاحتياط ونحوها او ترفع تكليفا كالبراءة ونحوها من الاصول العدمية.

بيان ذلك ان الاصل اذا كان محرزا كالاستصحاب وقاعدتى التجاوز والفراغ يكون معناه تنزيل الشك منزلة اليقين ولازمه ترتيب آثار المتيقن على المشكوك وحينئذ يكون نظير موضوع واقعى يحرز بطريق تعبدي. ومن الواضح ان المجعول التشريعي كالمجعول التكويني فكما ان ما احرز باليقين لو تبدل الى يقين آخر بخلافه لا يجزى ما اتي به على اليقين الأول عن الواقع الذى انكشف له اخيرا كذلك ما احرز بالجعل الشرعي ايضا لا يجزي عن الواقع لو انكشف

__________________

فاصالة عدم وفاء الفعل الاضطراري لمصلحة الواقع لا تنفع الا بملازمة عدم حصول مصلحة الواقع الملازم لصدق الفوت الذى هو موضوع لوجوب القضاء واثباته بالاصل المذكور من الاصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها خصوصا في مثل هذا الاصل المتكثر فيه الوسائط الجلية وقد ذكرنا تفصيل ذلك في حاشيتنا على الكفاية.

٢٤٨

مخلافه يقينا بل لو قلنا بأن مفادها التعبد بترتيب آثار المتيقن على المشكوك بان يكون نظير الا وامر الطريقية التى لا يقصد منها الاحفظ الواقع فمرجع ذلك الى ترتيب آثار الواقع في حال الشك فمع انكشاف الخلاف يجب الاتيان بالواقع لعدم كون ما اتى به مسقطا له. اللهم إلا ان يقال بان مفادها احكام واقعية في ظرف الشك وحينئذ تكون ناظرة الى توسعة الموضوع الواقعى بان يجعله جامعا للواقع والظاهر ولا مانع من القول بالاجزاء ولكن لا يخفى انه لو قلنا بذلك فهو فى مقام العمل بان يلتزم بجعل المماثل فهو لا يقتضى توسعة الموضوع الواقعى حقيقة. فالواقع على ما هو عليه باق يجب الاتيان به مع انكشاف الخلاف على انه سيأتي ان شاء الله تعالى ان الامارات بناء على الطريقية او على الموضوعية على النحو الثالث لاشتمالها على المصلحة السلوكية لا يقتضى الاجزاء فضلا عن الاصول المنزل منزلتها. واما اذا لم يكن الاصل من الاصول المحرزة فما كان مفادها النفي كاصل البراءة الرافعة لفعلية التكليف بالجزء المشكوك ما دام الجهل والنسيان فلا يدل على الاجزاء لعدم رفعها للجزئية الواقعية التى لها دخل فى المصلحة لان ادلة اعتبار الجزء تدل على اعتبارها عند انكشاف الخلاف فيجب اعادة المنسى عند التذكر واعادة المشكوك بعد تحقق العلم بالجزئية إلا ان يقوم دليل خاص يدل على عدم الاعادة كمثل حديث لا تعاد.

وان كان مفادها اثبات حكم كاصالة الحل او شرط كاصالة الطهارة فان المستفاد من ادلة اعتبارها هو ثبوتها في ظرف الجهل والنسيان فيعمل بها في حال عدم العلم وبعد انكشاف الخلاف يجب الاتيان بالامر الواقعى. نعم بناء على جعل المودى فمع ضم دليل الاجزاء الى ادلة الاجزاء والشرائط يستفاد منه ان الجزء والشرط اعم من الواقع الاولي ومن هنا قيل بان دليل الاصل حاكم على دليل الاجزاء والشرائط بتقريب ان اصالة الطهارة توجد فردا من الطهارة

٢٤٩

التى اعتبرت شرطا في الصلاة. كما ان اصالة الحل تجعل مشكوك الحلية حلا لا وبذلك يكون المكلف واجدا لشرطية لباس المصلي من الطهارة والحلية فلو صلى فى مشكوك طهارة اللباس او حليته فلا مانع من القول بالاجزاء ولذا قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (انما كان منه يجري فى تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه او شطره كقاعدة الطهارة او الحلية بل واستصحابهما في وجه قوى ونحوها بالنسبة الى كلما اشترط بالطهارة والحلية تجزى فان دليله يكون حاكما (١) على دليل الاشتراط ومبينا لدائرة الشرط وانه اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية).

__________________

(١) وبعض السادة الاجلة قدس‌سره قال فى بحثه الشريف (لا معنى للحكومة لان الدليل الدال على اشتراط الطهارة فى لباس المصلي ان دل على اشتراط مطلق الطهارة سواء كان بعنوانها الاولي او بعنوانها الثانوي فلا معنى للحكومة لان الاصل حينئذ يحقق فردا للشرط المذكور كما ان الدليل الواقعي يحقق فردا آخر له ، وان دل على اشتراط الطهارة بعنوانها الاولي في لباس المصلى فلا يوجب كونه واجدا لدليل الاشتراط بايجاد الطهارة بعنوانها الثانوي وعليه لا يكون دليل الاصل حاكما على دليل الاشتراط) ثم قال قدس‌سره (وهذا هو السر فى مسألة اشتراط مأكول اللحم فى اللباس فان كان المقصود من كونه مأكول اللحم بعنوانه الاولي فاصالة الحل لا تحرز ذلك الشرط وان كان بعنوانه الاولى والثانوي فيحرز باصالة الحل الشرط المذكور).

اقول يتم ما ذكر من الحكومة بناء على جعل المؤدى بان يكون مفاد الاصل جعل حكم ظاهري في ظرف الشك دليل فيكون الاصل متكفلا لتنزيل الحكم المجعول منزلة الواقع وبهذا التنزيل يكون دليل الاصل ناظرا وشارحا ومبينا لدائرة

٢٥٠

وحاصله ان المجعول فى الاصول هو المؤدى ومعنى جعله هو ايجاد الموضوع

__________________

الاشتراط بان يعمم شرطية طهارة لباس المصلي للواقعية والظاهرية إلا ان استفادة ذلك من دليل الاصل محل اشكال بل الظاهران المستفاد من دليل الاصل هو التنزيل بلحاظ العمل واما جعل المؤدى حقيقة او تنزيلا فلا يستفاد منه. ولذا قوينا في حاشيتنا على الكفاية عدم الاجزاء فى الاصول كالامارات من غير فرق بين اصالة الحل واصالة الطهارة وان ادعى التفرقة بعض السادة الاجلة قدس‌سره بتقريب ان لسان اصالة الطهارة احراز الواقع إذ لا معنى لجعل الامر الواقعي للمشكوك إذ الواقع محفوظ على ما هو عليه من جعله التكويني فما هو مجعول تكوينا لا يجعل ولو تشريعا وحينئذ يكون حاله حال الاستصحاب فيجوز له الدخول في الصلاة مع الوضوء بماء مشكوك طهارته ومع انكشاف الخلاف يكون كمستصحب الطهارة في الاجزاء وعدمه. واما اصالة الحل فالمجعول لما كان شرعيا فيمكن جعل الحلية لمشكوك الحلية كما يمكن جعل الحلية للغنم. فدليل الجعل يدل على ترتيب الآثار المترتبة على الحلية المطلقة الشاملة لما كان بعنوانها الاولي ولما كان بعنوانها الثانوي فيجوز الدخول فى العمل اعتمادا على اصالة الحل ويحكم له بالاجزاء لو انكشف الخلاف. هذا اذا استفدنا ذلك من دليل الآثار واما اذا لم نستفد ذلك وكانت الحلية مشروطة بالحلية بعنوانها الاولي فلا يجوز الدخول فى الصلاة اعتمادا على الحل. نعم يجوز اكل اللحم المشكوك حليته اعتمادا على اصالة الحل لترتبه على مطلق الحلية. وكيف كان لا يكون الاصل حاكما على دليل الاشتراط لانه اما لا فائدة له حتى فى الدخول في العمل المشروط واما ان يكون محققا ومحصلا لأحد فردي الشرط هذا والظاهر ان الاصول باجمعها لا جعل فيها وانما هي اما احراز للواقع كالاستصحاب وقاعدتى الفراغ والتجاوز ونحوها واما عذرية يعمل بها في مقام الجهل من غير فرق بين كونها اعذارا عقلية كالبراءة العقلية او اعذارا شرعية كالبراءة الشرعية. وعليه لا يجزي

٢٥١

للحكم الواقعى ولازمه اجزاء المأتي به بالامر الظاهري عن الأمر الواقعي لثبوت موضوعه حقيقة وحينئذ يكون دليل الأصل ناظرا وشارحا ومبينا لدائرة الموضوع اما بتوسعته او بتضييقه وهو معنى حكومة دليل الأصل على دليل الواقع بل ربما

__________________

اتيان المأمور به بالامر الظاهري الذى هو مفاد الأصل العملي عن الواقع فيجب الاتيان بالمأمور به الواقعى لو انكشف الخلاف. واما جواز الدخول فى الصلاة مع الشك في الماكولية وعدم الدخول في الصلاة مع الشك فى طهارة لباسه فليس لاجل التفرقة بين اصالة الطهارة وبين اصالة الحل في الجعل بالالتزام بان اصالة الطهارة لاحراز الواقع فلذا يلزم ترتب ما هو مرتب عليه بالعنوان الاولي ولازمه عدم الاجزاء وفي اصالة الحل بجعل المؤدى وبجريانها يكون واجدا للشرط ويترتب عليه ما هو مرتب على الشيء بعنوانه الأولي والثانوي ولازمه الاجزاء إذ التفرقة ممنوعة لعدم الفرق بين الاصلين وانما الفرق حصل باعتبار ما يستفاد من ادلة الآثار فان كانت مترتبة على الشيء بعنوانه الواقعي الأولى فلا تترتب بجريان الأصل العملي وان كانت مرتبة على الشيء بعنوانه الأولي وعنوانه الثانوي فبجريان الاصل العملي تترتب تلك الآثار وعليه صح لنا الالتزام بعدم جواز الدخول في الصلاة مع الشك في الطهارة وجواز الدخول فى الصلاة مع الشك فى الماكولية.

وهكذا جواز اكل وشرب مشكوك الحلية لكون الاثر فى الأول على الشيء بعنوانه الاولي بخلاف الاثر فى الثاني فانه مرتب على الشيء بعنوانه الأولي والثانوي بل ربما يقال بان الفرق بين اعتبار الطهارة فى الصلاة وبين اعتبار المأكولية في الصلاة ليس لما ذكر بل من جهة ان عدم الماكولية مانعة من الدخول فى الصلاة والطهارة اعتبرت في الصلاة بنحو الشرطية ففى الشك في المانعية تجري اصالة الحل وفي الشك في الشرطية لا يجرى الاصل لاحتياجه الى احراز واصالة للطهارة لا تحرز الشرطية وقد استوفينا الكلام في بحوثنا الفقهية.

٢٥٢

يقال بان غرض الاستاذ قدس‌سره من الحكومة الورود بتقريب ان مثل قاعدتي الطهارة والحل واستصحابهما ليست في مقام اثبات الحكم بلسان جعل الموضوع او نفيه بلسان نفى الموضوع الذي هو معنى الحكومة وانما مفادها جعل الموضوع حقيقة في ظرف الشك مثلا اصالة الطهارة تجعل الوضوء بالماء المشكوك فردا حقيقيا من افراد الوضوء بالماء الطاهر بان يكون الماء الطاهر شاملا حقيقة للطهارة الظاهرية والطهارة الواقعية وعليه لا اشكال في اجزائه لكونه من قبيل اجزاء اتيان المأمور به بالأمر الواقعي عن امره ويكون الاتيان به ثانيا من قبيل الامتثال عقيب الامتثال. ودعوى ان الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي لتأخره عنه بالمرتبة فلا يعقل ان ينشأ بخطاب واحد واذا امتنع انشاؤهما بخطاب واحد امتنعت حكومة دليل الاصل على دليل الواقع لاستلزامها انشاء الحكمين الظاهري والواقعي وهو غير معقول ممنوعة لانه لا مانع من انشاء حكمين طوليين بانشاء واحد على نحو تكون الدلالة على احدهما بالمطابقة والاخرى بالالتزام. نعم لا يعقل ان يكون انشاء واحد بدلالة واحدة ينشأ حكمين طوليين كما ان كون الحكم الظاهري متأخرا عن الحكم الواقعى لأخذ الشك فيه موضوعا للحكم الظاهري لا ينافى كونه محققا لشرطية الصلاة ، كما ان الحكم الواقعي يحقق فردا آخر لشرطيتها. فبالنسبة الى ايجاد شرطية الصلاة في عرض واحد ومنه يعلم ان الطهارة الظاهرية شرط للصلاة واقعا ومع حصول العلم بالمخالفة يكون من قبيل تبدل الحالة كالمسافر يكون حاضرا ولم يكن من قبيل انكشاف الخلاف وحينئذ يكون الاتيان بمثل هذا الحكم الظاهري مجزيا لكونه من قبيل الاتيان بالحكم الواقعي بل على ذلك التقدير تسميته بالظاهرى تسامح ، بل ينبغى ان يسمى بالواقع الثانوي ولكن التحقيق ان دليل الاصل ليس له جهة حكومة على

٢٥٣

دليل الواقع لأن المناط في الحاكم ان يكون له نظر الى المحكوم عليه ويكون نسبته كنسبة الشارح المبين للمراد من المحكوم. ومن الواضح ان مثل اصالة الطهارة ليس له نظر الى دليل شرطية الطهارة الواقعية حتى يقال انها تجعل له موضوعا وتوسع دائرته إذ ليس لها لسان إلا ان موردها محكوم بالطهارة. كما ان دعوى الورود في غير محلها إذ لا نسلم ان الظاهر من دليل الشرطية الأعم من الطهارة الواقعية بل لخصوص الواقعية. على انه بالوجدان نجد تنافيا بين الطهارة والقذارة فحينئذ اذا كان بحسب الواقع قذرا كيف يكون محكوما في القذارة في مرتبة الظاهر لما عرفت من التضاد بينهما ولو سلم وقلنا بامكان الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي باختلاف المرتبة ولكن بالنسبة الى الاحكام الوضعية لا نسلم جوازه على ان قاعدة الطهارة ليس لسانها إلا معاملة مشكوك الطهارة معاملة الطهارة الواقعية بحسب الظاهر.

وقصارى ما يتخيل بان الجمع ممكن بالنسبة الى الاحكام الوضعية من جهة اختلاف المرتبة فالذى هو بلسان القاعدة المجعول فى زمان الشك الطهارة الفعلية وبحسب الواقع القذارة الواقعية وهي لا تنافى الطهارة المجعولة في ظرف الشك ولكن لا يخفى ان ذلك انما يمكن توجيهه فيما اذا لم يكن العلم غاية مع ان المفروض اخذه غاية في قوله كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر فحينئذ يستفاد من ان مصب القاعدة ابتداء هو الحكم بما يشك في قذارته الفعلية وانه محكوم بالطهارة إلا اذا علمت قذارته الفعلية فيحصل التنافي بينهما.

فان قلت ان المعنى بالعلم يصير قذارة فعلية بالعلم. مثلا اذا شك في الطهارة فيحكم بالطهارة ما لم تعلم انه قذر فاذا حصل العلم بتلك القذارة فتكون فعلية.

قلت هذا خلاف ظاهر القضية فان ظاهرها انها فعلية قبل تعلق العلم وخلاف

٢٥٤

الظاهر من هذه الجهة ليس باولى من تنزيلها على الحكم العذري والامر في معاملة المشكوك منزلة المتيقن. فاذا عرفت ان القذارة فعلية فيجب اعادة الاعمال السابقة المبنية على الطهارة الظاهرية كما يتضح ذلك فى مشكوك الطهارة فى الثوب فيبنى على طهارته وبعد انكشاف الخلاف يجب تطهير كل ثوب واناء استعمل بذلك الماء ولو كان مفاد القاعدة جعل الطهارة في مرحلة الظاهر لم يجب غسل ما لاقاه بعد انكشاف الخلاف من جهة تبدل الموضوع والظاهر انه لا يلتزم به احد.

فان قلت ما ذكرت من النقض بغسل كل ما لاقى الثوب لا يصحح كون مفاد القاعدة المعذورية ومعاملة المشكوك معاملة المتيقن فى مرحلة الظاهر لجواز ان توجب غسل كل ما لاقاه مع ان مفاد القاعدة ما ذكرنا. بيان ذلك ان الثوب المشكوك الطهارة فيه قذارة اقتضائية اي للواقع يترتب عليه اثر فان لاقاه شيء أيضا تكون فيه تلك النجاسة الاقتضائية فهذه النجاسة تكون في عالم الاقتضاء الى ان يحصل له العلم فمع حصول العلم تكون تلك النجاسة فعلية. وحينئذ يجب غسل ما لاقاه الثوب بمقتضى هذا التقريب فمن غسل الثوب وغسل ما لاقاه لا يستكشف كون مفاد الحكم العذري ومعاملة المشكوك منزلة المتيقن في مرحلة الظاهر.

قلت هذا لا يفيدك فى معاملة المتيقن من الحكم الظاهري لانه مختص بصورة الجهل. واما مع حصول العلم فيلزم العمل على مقتضى الملاقاة وهذا بعينه عدم الاجزاء فمن توضأ بماء مشكوك الطهارة وصلى به فبعد انكشاف الخلاف يلزمه اعادة الصلاة والوضوء من حين العلم بانكشاف الواقع فان المعذورية انما هي في زمان الجهل وبعد حصول العلم لا معذورية فالصلاة حين الجهل محكومة بالصحة ظاهرا وبعد العلم محكومة بالبطلان وبالجملة ان المستفاد من قاعدة الطهارة الجعل ان كان مبنيا على

٢٥٥

النجاسة الاقتضائية اتجه عليه عدم الاجزاء كما عرفت وان لم يبن على ذلك اتجه الاشكال المذكور وهو عدم الالتزام به من الفقهاء مضافا الى انه يلزم اعتراض آخر وهو ان مقتضى القول بالجعل لا بد له ان يلتزم فى زمان الجعل بموضوع إذ لو لم يكن له موضوع لا يتقوم الجعل به إذ مقتضى الجعل ذلك مع انا نراهم يجرون اصالة الطهارة في الشيء المنقضي زمانه مثلا لو تيقنت بطهارة ماء ثم صليت وانعدم الماء بعد ذلك فحصل لك شك في نجاسته فقاعدة الطهارة تجري مع ان الموضوع للجعل المستفاد منها منتف. واما على المختار في القاعدة فلا يلزم وجود الموضوع إذ غاية ما يستفاد منها ان يعامل مشكوك الطهارة معامله المتيقن بحسب مرحلة الظاهر. وهذا يجري ولو في الزمان السابق حتى يترتب الاجزاء بذلك هذا كله بالنسبة الى الاصول الوجودية سواء كانت احرازية او غير احرازية. واما الاصول العدمية فالظاهر انها تدل على نفي التكليف عن المشكوك الجزئية او الشرطية ولا يمكن اثبات التكليف بما عدا الجزء المشكوك من بقية الاجزاء إذ لا اطلاق لا لأدلتها ولا يمكن اثبات وجوبها من نفى الجزء المشكوك إلّا بدعوى ان وجوب الباقي من الآثار الشرعية لنفي الجزء المشكوك وهي محل منع إذ الوجوب وان كان مجعولا شرعيا إلا ان تحديده بالباقي ليس من آثار نفى المشكوك وانما هو لازم عقلى فنفى وجوب الجزء المشكوك لا ثبات وجوب الباقى المعبر عنه بالاقل من الاصول المثبتة.

الموضع الثانى في الامارات فنقول ان الاصحاب اختلفوا في ان اعتبارها على وجه الطريقة او على وجه السببية وعلى الأول فهل لسانها تنزيل المؤدى منزلة الواقع او لسانها تتميم الكشف وتحقيق الكلام فيه وبيان الثمرة موكول الى محله

٢٥٦

وسيأتي بيان التفصيل ان شاء الله تعالى. ولا يهمنا التعرض له إلّا بما يناسب وهذا المقام.

فالذي ينبغي التعرض له ان الامارة كالاصل فى الحكم بعدم الاجزاء وان اختلفا بحسب المفاد ، فان مفاد الاصل وظيفة فى مقام الشك بخلاف الامارة فان مفادها الكشف عن الواقع ولكن بنحو التعبد فمع الكشف لا يبقى مجال للشك. ومن هذا يظهر تقدم الامارة على الاصل إذ الامارة ترفع الشك تعبدا فلا يكون مجال لجعل الوظيفة فى ظرف الشك هذا إذ كانت الامارة على نحو الطريقة واما لو اخذت على نحو السببية والموضوعية فتدل على الاجزاء اذا كان الامر الظاهري وافيا بتمام المصلحة والغرض وإلا فلا تجزي كما عرفت الحال في الامر الاضطراري هذا اذا كان مفاد الامارة توسعة الواقع بان يكون الفاقد مصداقا حقيقيا للمأمور به فلا ريب في انه يجزي مطلقا ، واما اذا كان مفاد الامارة بدلية الفاقد عن الواجد فان كان وافيا بتمام الغرض فلا اشكال في الاجزاء كسابقه وان كان مفادها اثبات حكم مستقل لموضوعه بلا نظر فى لسانه الى البدلية عن شيء لو كون الفاقد مصداقا للمأمور به فعلى هذا يقتضى الاجزاء فيما لو انكشف الخلاف الا حيث تتحقق المضادة بين المصلحتين. هذا كله بالنسبة الى ما تيقن ان مفاد الامارة الموضوعية على احدى المذكورات من انحاء الموضوعية واما لو شك فى ان مفادها اي شيء من هذه المذكورات فالظاهر انه لا يقتضى الاجزاء. هذا كله لو انكشف الخلاف كشفا يقينيا. واما لو انكشف كشفا ظنيا كما لو تبدل رأي المجتهد بمقتضى امارة أدّت الى خلاف الحكم السابق فانه يجب العمل على طبق رأيه الثاني ويجب اعادة ما اتى به على طبق الامارة الأولى سواء اعتبر حجيتها من باب الطريقية او من باب الموضوعية

٢٥٧

والسببية لان قضية اطلاق حجية الامارة الحكم بالعمل على مقتضى الرأي الثاني فكما لا يجوز البناء على العمل على الاجتهاد الأول كذلك لا يكتفى بالإجزاء بما وقع منه موافقا للاجتهاد الأول هذا اذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية. واما اذا احرز انها على نحو الموضوعية فلا يجب اعادة الاعمال السابقة إذا كان ما اتى به وافيا بتمام الغرض والمصلحة. واما فيما شك ولم يحرز انه على اي النحوين فان كان هناك اطلاق على احد النحوين اخذ به وإلّا فان تردد الحال بين الطريقية والسببية على النحو الأول فلا يجب الاعادة وكان الحكم بالاجزاء لانه قبل ظهور الخلاف كانت عنده حجة قائمة فلما ظهر الخلاف حصل عنده علم اجمالي في حصول التكليف بين ما اتى به وبين ما يأتي به وما اتى به يكون خارجا عن محل الابتلاء. فحينئذ يكون التكليف بالنسبة الى ما يأتي به شبهة بدوية فتجرى البراءة لانه شك في التكليف.

ومما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (واما اذا شك ولم يحرز انها على اي الوجهين فاصالة عدم الاتيان بما يصدق معه التكليف مقتضية للاعادة في الوقت (١) لما عرفت انه مجرى للبراءة فلا موقع لهذا الاصل

__________________

(١) وفرق بعض السادة الأجلة قدس‌سره فى بحثه الشريف بين الشك في ان الامر الظاهرى على اي نحو من انحاء السببية وبين الشك في كونه على نحو الطريقية او السببية بجريان البراءة فى الأول دون الثاني بدعوى ان الشك في الأول يرجع الى الشك في الزائد فينتفي بالبراءة دون الثاني فانه يكون من الشك فى المسقط فيحكم العقل بالاشتغال بتوضيح منا انه على الأول يتردد الامر الظاهري بين كونه وافيا بتمام المصلحة او غير واف بها وعلى الاخير هل يبقى شيء يمكن تداركه ام لا؟ ويرجع

٢٥٨

وان كان على النحو الثاني وهو ما كان غير واف بتمام المصلحة وكان الباقي يمكن تداركه. وحينئذ يجب الاعادة مطلقا اي على كلا التقديرين من السببية والطريقية لان المفروض انه غير واف فيجب تدارك الواقع وقد فرض انه يمكن تداركه

__________________

ذلك الى ان الامر الظاهري يحقق المطلوبية ويحصل الشك فى وجوب الزائد فينفى بالبراءة بخلافه على الثاني فان احتمال الطريقية يوجب عدم كون الامر الظاهري محقق المطلوبية. إذ على الطريقية المحقق للمطلوبية هو الامر الواقعي وليس الامر الظاهري إلا منجزا للواقع ان اصاب وعذرا ان اخطأ فلو انكشف الخلاف بانه مكلف بشيء ولم يعلم انه نفس الواقع على الطريقية او القدر الجامع بينه وبين ما ثبت بالامر الظاهري مع عدم ثبوت شيء زائد على الاحتمال الاول من السببية او وجوب شيء زائد على احتمال آخر منها لم يتحقق للمكلف من الامر الظاهري مطلوبية لكى يشك في وجوب الزائد فينفى بالبراءة ومرجع الشك فيه الى ان ما اتى به مسقط للامر الواقعى اذا كان الامر الظاهري بنحو الموضوعية والسببية على بعض الاحتمالات وغير مسقط اذا كان على نحو الطريقية وبعض انحاء الموضوعية فحينئذ يكون من الشك في المسقط فيحكم العقل بعدم اجزاء ما اتى به ووجوب الاعادة عليه مضافا الى اصالة عدم كون ما اتى به مسقطا للتكليف هذا ولكن لا يخفى ما فيه إذ العلم الاجمالى بتوجه التكليف غير منجز لكون احد اطرافه خارجا عن محل الابتلاء وجريان اصالة عدم اتيان ما يسقط معه التكليف محل نظر لتردد المسقط بينما هو معلوم الثبوت لو كان هو المأتي ومعلوم العدم لو كان هو الواقع على ان هذا الاصل ليس بحجة إلّا على القول بحجية الاصول المثبتة لان السقوط او عدمه ليس من الآثار الشرعية لعدم الاتيان بل من لوازمه العقلية. اللهم إلا ان يقال بان غرضه قدس‌سره من اصالة عدم الاتيان هو استصحاب الاشتغال او قاعدة الاشتغال وقد استوفينا ذلك في حاشيتنا على الكفاية.

٢٥٩

فلذا وجب تداركه وان كان لا يمكن التدارك فحينئذ تكون المسألة من قبيل النحو الأول لانه قبل ظهور الخلاف كان مكلفا بشيء غير مورد الامارة وبعد ظهور الخلاف بسبب قيام الامارة مثلا يحصل علم اجمالي بينما اتى به وما لم يأت به. ولا اشكال انه بالنسبة الى ما اتى به غير مؤثر لكونه خارجا عن محل الابتلاء هذا كله فيما اذا علم ان ما اتي به واف بتمام المصلحة او غير واف واما لو شك في الوفاء وعدمه فالقاعدة تقتضى الاحتياط لان الشك فى الوفاء يكون من الشك فى القدرة ومعلوم ان الشك فى القدرة مجرى الاحتياط بحكم العقل وان كان على النحو الاخير فلا تجب الاعادة لما عرفت منا سابقا. هذا كله فيما لو جعل احتمال الطريقية طرفا للترديد. واما لو لم يجعل بان ينتفى احتمال الطريقية وحصل الشك فى اقسام السببية بانه على النحو الأول ام على النحو الثاني فلا تجب الاعادة ويقتضى كون ما اتى به مجزيا لانه يدور الامر فى ان الجامع موجود في الناقص والكامل ام فى الكامل فقط ويكون الشك في الزائد فى انه واجب ام لا وهو مجرى للبراءة لانه شك في التكليف فينفى بها وجوب الزائد فيجزي ولو فرض الدوران بين النحو الاول وبين النحو الاخير وحينئذ يجرى حديث العلم الاجمالي لانه حين قيام الامارة كانت له حجة على عدم وجوب الزائد وبعد ظهور الخلاف يحصل عنده علم اجمالي بين الناقص والكامل فان كان الواجب هو الجامع بينهما فقد اتى به من قبل لتحققه به وان كان الواجب خصوص الكامل فلم يأت به حينئذ فيجب الاتيان به ولكن لما كان احد الاطراف خارجا عن محل الابتلاء فلا يتنجز العلم الاجمالي على ما سيأتي بيانه من ان كل مورد تردد العلم الاجمالى بين شيئين وكان احد الطرفين خارجا عن محل الابتلاء لم يؤثر العلم الاجمالى بالنسبة الى الطرف الآخر فيرتفع تنجزه ويكون

٢٦٠