منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

لنفي وجود الامر الثاني المساوق لاثبات التوصلية نعم لا مانع من التمسك بالاطلاق المقامي لنفي اعتبار قصد التقرب بتقريب ان المولى لو كان بصدد البيان ولم يكن في البين ما يدل على اعتبار قصد التقرب ولو كان حكم العقل دل على عدم اعتباره وأما لو وجد دليل وان كان حكم العقل بالاشتغال وكان القيد مغفولا عنه فلا يمكن التمسك بالاطلاق المقامي وان صح التمسك بالاطلاق اللفظي فيما لو كان العقل حاكما باتيان كلما يحتمل الاعتبار مع كون مشكوك الاعتبار يمكن اخذه في المتعلق لان الاطلاق اللفظي يكون بالنسبة الى حكم العقل من قبيل الورود فلا يبقى مجال لحكم العقل لأن موضوعه عدم البيان وبالاطلاق اللفظي يتحقق البيان فلا موضوع له حينئذ فما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية من الاطلاق المقامي ما لفظه (نعم اذا كان الآمر في مقام بصدد بيان تمام ما له دخل في حصول غرضه وان لم يكن له دخل في متعلق امره ومعه سكت فى المقام) على اطلاقه محل نظر فانه يتم جريان الاطلاق المقامي فيما اذا لم يكن بيان يتكل عليه الآمر كما في المقام من حكم العقل بالاشتغال أي اتيان كلما يحتمل دخله في الغرض فيكون سكوت المولى اتكالا على حكم العقل.

ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الاطلاق اللفظي والاطلاق المقامي فان الاطلاق اللفظي وارد على حكم العقل بالاشتغال وحكم العقل بالاشتغال يتكل عليه في مقام البيان فلذا يقدم على الاطلاق المقامي فهو انما يجري فيما اذا لم يكن بيانا وكان القيد مما يغفل عنه فحينئذ يكون سكوت المولى في مقام البيان دليلا على عدم اعتبار ما شك في اعتباره سواء امكن اخذه فى المتعلق ام لم يمكن اخذه في المتعلق بخلاف الاطلاق اللفظي فانه يتمسك به اذا امكن اخذ القيد في المتعلق من غير فرق بين ان نقول وفاقا للشيخ الانصاري قدس‌سره من ارجاع الاصول الوجودية الى الاصول

٢٠١

العدمية كاصالة الاطلاق التي مرجعها الى اصالة عدم التقييد أو نقول وفاقا للاستاذ قدس‌سره بانها أصول وجودية قد اعتبرها العقلاء فى قبال الاصول العدمية فعلى التقديرين يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي مع امكان اخذ ما شك فى اعتباره في المتعلق ولا يتمسك به مع عدم امكان اخذه في المتعلق ويتمسك بالاطلاق المقامي اذا كان ما يحتمل دخله مما يغفل عنه وبتعدد الاطلاق يرتفع التهافت الموجود في عبارة الشيخ الانصاري قدس‌سره حيث انه مرة ينفي التمسك بالاطلاق فيما لو شك في اعتباره واخرى يتمسك بالاطلاق لنفي ما شك في اعتباره فتحمل عبارة النفي على الاطلاق اللفظي وعبارة الاثبات على الاطلاق المقامي ولكن لا يخفى ان تحقق الاطلاق المقامي بعد معهودية العبادات في شرعنا محل نظر إذ بعد المعهودية لا يكون القيد مما يغفل عنه وما يقال بانه غير معهود في محاوراتهم ففيه ما لا يخفى اذ ذلك لا يقتضي الغفلة في الشرعيات بعد فرض معهودية العبادة في شرعنا وعليه ليس لدينا من الاطلاقات إلا اللفظية ولا إشكال في ان التمسك بالاطلاق اللفظي مشروط بأن يكون المولى في مقام البيان.

تأسيس الاصل

ومع عدم ذلك فلا بد من الرجوع فيما لو شك في اعتباره الى الاصول العملية فقد وقع الكلام بين الاعلام بان المرجع في ذلك الى البراءة او الى الاشتغال فنقول بناء على امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق يكون المقام من صغريات دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطين فما قيل فى تلك المسألة من البراءة العقلية أو النقلية أو الاشتغال قيل هنا من دون فرق بين المقامين لأن الدعوة حينئذ كسائر الاجزاء

٢٠٢

المعتبرة لو اخذت فى المتعلق فالشك في اعتبارها يكون كالشك فى اعتبار شيء في المتعلق ، وأما بناء على عدم امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق فقد قال الاستاذ قدس‌سره بعدم الملازمة بين المقامين ما لفظه (بانه لا مجال هاهنا إلا لاصالة الاشتغال ولو قيل باصالة البراءة فيما اذا دار الأمر بين الأقل والاكثر الارتباطيين) وحاصله ان المقام من الشك في الخروج عن عهدة التكليف لو أتى بدون قصد التقرب بخلافه بالنسبة الى الاقل والاكثر فان العلم بالتكليف بالنسبة اليه ينحل الى شك بدوي تعلق بالاكثر وعلم تفصيلي تعلق بالاقل فيكون من موارد جريان البراءة لنفي الشك البدوي ودعوى ان المقام أيضا ينحل الى الشك البدوي والعلم التفصيلي في غير محلها اذ ذلك فرع امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق لينحل العلم بالتكليف الى ذلك وأما بناء على عدم امكان اخذه في المتعلق فلا يكون الاكثر شكا بدويا حينئذ ولكن لا يخفى ان ملاك جريان البراءة هو انحلال العلم بالتكليف الى علم تفصيلي وشك بدوي وملاك جريان الاشتغال هو عدم انحلاله الى ذلك وحينئذ بالنسبة الى الاقل والاكثر الارتباطين فانحلال العلم وعدمه فيه مبني على ان الاقل بدون الانضمام تارة يكون عين الاقل في ضمن الاكثر أي المنظم فالركوع غير المنظم عين الركوع فى حال الانضمام الى بقية الاجزاء واخرى يعد مغايرا له بان يكون الاقل فى ضمن الاكثر مغايرا لماهية الاقل الذي لا يكون في ضمنه فعلى الأول يكون الاقل الذي قامت الحجة عليه قد اشتغلت الذمة به قطعا وما عداه لا تشتغل به الذمة للشك فى اعتباره فتجري فيه البراءة وعلى الثاني يكون الاقل والاكثر الارتباطين من قبيل المتباينين لمغايرة الاقل فى ضمن الاكثر مع الاقل الذي لا يكون في ضمنه فمع الاتيان بالاقل لا يوجب العلم بامتثال التكليف المعلوم لاحتمال

٢٠٣

ان يكون متعلق التكليف غير ما فعله كما لو أتى باحد المتباينين فانه لا يوجب العلم بامتثال التكليف لاحتمال ان يكون ما فعله غير متعلق التكليف فلا ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك بدوي وهذا الذي ذكرناه لا يفرق بين ما احتمل اعتباره مما امكن اخذه في المتعلق وبينما لا يمكن اخذه فيه مثل قصد التقرب والظاهر ان الاقل الذي هو في ضمن الاكثر بنفسه وشخصه هو الاقل الذي لم يكن في ضمن الاكثر كالركوع مثلا مع عدم الانضمام هو عين الركوع لو انضم الى بقية الاجزاء فعليه العلم بالتكليف ينحل الى علم تفصيلى وشك بدوي في المقام وباب الاقل والاكثر الارتباطيين من دون فرق بينهما نعم يمكن دعوى الفرق بين المقامين لو قلنا بان الغرض يجب تحصيله فيجب اتيان كلما شك في اعتباره فيما لا يمكن اخذه في المتعلق كالمقام لكونه حينئذ يكون من الشك فى المحصل وهو مجرى الاشتغال بخلاف ما امكن أخذه فتجرى البراءة فيتعين المحصل وقد أجاب عن ذلك بعض الاعاظم قدس‌سره بأن هذا يتم لو كانت الافعال بالنسبة الى الاغراض من المسببات التوليدية بان يكون المأتي به معنونا بعنوان كونه مسببا وأما بناء على ان الافعال بالنسبة الى الاغراض والمصالح من قبيل المعد كما هو الظاهر لأن الاغراض ليست واجبة التحصيل لعدم كونها من الامور الاختيارية فكلما يحتمل دخله في الغرض لا يجب تحصيله فحينئذ يكون من الشك فى التكليف وهو مجرى البراءة أقول انه بناء على ان الغرض واجب التحصيل يمكن القول بالفرق بين المقام الذي لا يمكن اخذه في المتعلق وبينما امكن اخذه فيه ، بيان ذلك ان الغرض القائم بمركب ارتباطي المتعلق به التكليف يكون كل جزء له الدخل فيه فحينئذ ينبسط التكليف على الاجزاء بان يكون كل جزء له الدخل في الغرض يناله حصة من التكليف

٢٠٤

فلو شك في اعتبار شيء يمكن اخذه يكون شكا في تعلق التكليف فهو مجرى للبراءة وأما ما لا يمكن اخذه في المتعلق فلا يمكن أيضا اخذه بنحو القيدية للغرض اذ كونه قيدا له غير معقول لأن الغرض والحب يتعلقان بنفس الفعل من دون فرق بين ان ينضم اليه قصد التقرب ام لا ، غاية الامر بالنسبة الى العبادة يكون الامر يتعلق بالحصة التي هي توأم مع القربة.

فحينئذ يكون الآتي بالحصة من دون دعوة الأمر موجبا للشك فى الخروج عن عهدة التكليف ولذا يجب الاحتياط ، اللهم الا يقال بالنسبة الى ما امكن اخذه في متعلق التكليف ينبسط التكليف على الحصة التي هي توأم مع الجزء الآخر فيكون المجموع قائما به بالغرض وعليه لا فرق بين ما امكن اخذه فى المتعلق وبين ما لا يمكن اخذه فيه في ان الذي يكون بعهدة المكلف هي الحصة التي هي توأم مع القيد وحينئذ لو شك فى اعتبار شيء فيه مطلقا يكون شكا في ان ما هو في العهدة هو نفس الذات فقط أو مع ما احتمل اعتباره فبالنسبة الى ما احتمل اعتباره يشك فى كونه تشتغل الذمة به فحينئذ نعلم تفصيلا ان نفس الذات بعهدة المكلف لما عرفت انها بعينها لو انضمت الى مشكوك الاعتبار ونشك في اعتبار ذلك المحتمل فهو مجرى للبراءة التي ملاكها انحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك بدوي هذا كله بالنسبة الى البراءة العقلية وأما البراءة الشرعية فقد قال الاستاذ قدس‌سره بعدم جريانها لأن شرط الجريان ان يكون المرفوع بيد الشارع له وضعه فله رفعه (١) وحيث

__________________

(١) ولذا قلنا فى مبحث البراءة ان المرقوع فيما لا يعلمون هو نفس التكليف المجعول لانه عبارة عن الانبعاث نحو الشىء ولا يجعل ذلك فى حق الجاهل ولذا منة رفعه الشارع بان يراد من الرفع الدفع وقيام الاجماع على ان الاحكام يشترك

٢٠٥

ان دعوة الأمر لا يعقل اخذها في المتعلق فليس له وضعها فليس له رفعها ولا يرجع ذلك الى التفرقة بين المحصلات العقلية وبين المحصلات الشرعية بعدم جريان البراءة النقلية في الاول وجريانها في الثاني كما يظهر ذلك من بعض الاعاظم لما عرفت ان كلام الاستاذ ناظر الى ان شرط البراءة ان يكون المرفوع يناله الجعل الشرعي لكي يصلح للرفع مضافا الى ان البراءة النقلية انما تجري مع عدم البيان ومع قرض حكم العقل بالاشتغال يصلح ان يكون ذلك بيانا فلا يكون من موارد البراءة بيان ذلك ان القيد اذا امكن اخذه وكان مما يغفل عنه فحينئذ لا يتكل المولى على حكم العقل بالاتيان اذ اتكاله عليه مع ارادته يكون نقضا للغرض مع عدم البيان فيكون المشكوك من موارد البراءة وأما لو لم يمكن اخذه كدعوة الأمر وهي مما يغفل عنها فللحكيم ان يتكل في استيفاء غرضه على حكم العقل فيصلح لكونه بيانا حينئذ فلا يكون

__________________

فيها العالم والجاهل فهو بمعنى انها بعهدة البالغ العاقل واما ما ينبعث عنه المكلف فليس إلا العالم بالحكم فالتكليف مختص به ولا يلزم التصويب مع كون ما في العهدة مشتركا بينه وبين الجاهل بالحكم فهو نظير كون الدين بذمة الشخص طالبه الدائن أم لم يطالبه إلّا انه مع المطالبة يجب عليه الاداء فوجوب الاداء يتوقف على المطالبة وبذلك جمعنا بين الحكم الواقعي والظاهري ودعوى ان الحكم الواقعي بمرتبة الظاهر رفعه الشارع قفي غير محلها اذ الحكم الواقعي فى تلك المرتبة ان لم يكن موجودا لزم التصويب الواضح البطلان لقيام الاجماع على ان الاحكام يشترك فيها العالم والجاهل وان كان متحققا فاي شىء ارتفع بحديث الرفع كما ان المؤاخذة ليست مرفوعة بها لكونها مرفوعة بحكم العقل وإلّا لزم ما هو محقق بالوجدان يحرز بالتعبّد واللازم باطل ودعوى ان المرفوع وجوب الاحتياط ولو بمتمم الجعل فهو غير مجهول لكي يرفع وسيأتي له مزيد توضح في مبحث البراءة ان شاء الله تعالى.

٢٠٦

موردا للبراءة. ولكي لا يخفي ان ذلك مبني على جريان قاعدة الاشتغال في باب الأقل والاكثر واما بناء على ما هو التحقيق من انحال العلم الاجمال الى علم تفصيلي وشك بدوي بان يكون الاقل معلوما بالتفصيل والشك فى وجوب الاكثر فتجري البراءة العقلية كما انها تجري البراءة النقلية أيضا هذا كله فيما لو كان بامر واحد وأما لو قلنا بأن العبادة تتحقق بأمرين ففي مورد الشك في تحقق الأمر الثانى فهل تجري اصالة البراءة لنفي الأمر الثاني الظاهر انه لا تجري اصالة البراءة لاثبات عبادية الاول لأنها من الاصول المثبتة التي لا تقول بها كما لا يخفى.

المبحث السادس

فى ان اطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب عينيا تعيينيا نفسيا أم لا يقتضي ذلك اقواهما الأول وفاقا للاستاذ قدس‌سره حيث قال ان كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقيد الوجوب وتضيق دائرته بتوضيح منا هو ان ما يقابل الوجوب النفسي العيني التعييني مشتمل على خصوصيات توجب تضييق دائرة الوجوب وتقيده حيث ان الوجوب فيها مشروط بما يوجب التضيق والتقيد مثلا الواجب الكفائي مشروط بعدم اتيان الغير به فانه لو اتى به الغير يسقط الواجب كما ان التخييري مشروط بعدم اتيان عدله والغيري مشروط بوجوب ذي المقدمة ففي كل ذلك يحتاج فى مقام البيان الى مئونة زائدة فاطلاق الصيغة بنفي ذلك (١)

__________________

(١) يرد عليه ان هذه الشروط ملحوظة بمرتبة متأخرة عن الامر فلا يعقل اخذها في المرتبة السابقة فان عدم اتيان الغير أو عدم اتيان العدل بمرتبة الاتيان لان بديل كل شيء بمرتبة نفس الشيء ومن الواضح ان مرتبة الاتيان هى مرتبة السقوط وهي متأخرة عن التكليف فحينئذ لا يعقل ان يشترط التكليف به وإلا لجاز

٢٠٧

ولا يخفى ان محل الكلام فيما اذا كان الموضوع الذي تعلق به الامر قابلا للتكرار وأما ما ليس قابلا لذلك مثل الدفن والتغسيل فلا ينبغي ان يكون محلا للكلام بين الأعلام حيث انه لا تترتب ثمرة عملية فيما لو شك فى كونه عينيا او كفائيا لأنه لو كان كفائيا وقد اتى به الغير سقط قطعا وان كان عينيا وقد اتى به الغير يسقط التكليف أيضا لارتفاع الموضوع فلا اثر لهذا النزاع. ان قلت يمكن تحقق الثمرة بين حمله على العينى وبين حمله على الكفائي لأنه على الأول يجب الاقدام والتحريك نحو الامتثال فى صورة احتمال قيام الغير بالدفن فان في هذه الصورة يحكم العقل

__________________

ان يكون التكليف مشروطا بعدم المعصية وهو باطل للزوم ان يكون الثبوت مشروطا بالسقوط على ان انشاء الصيغة بالنسبة اليها لا تختلف وهذا الاختلاف يرجع الى ناحية الغرض والى ذلك يرجع كلام بعض السادة الأجلة قدس‌سره في درسه الشريف بان هذا الاشتراط راجع الى لب الواقع وليس راجعا الى مقام الاثبات إلّا بناء على ان كل ما هو شرط بحسب الثبوت يكون شرطا بحسب الاثبات وهو محل نظر بل منع كالمقام فان هذه الامور متأخرة فلا يعقل اخذها في المرتبة المتقدمة فكيف يكون اطلاق الصيغة موجبا لنفيها ثم قال قدس‌سره انه يمكن ان يقرب الاطلاق بوجه آخر اشبه بالاطلاق المقامي ولا يوجب تضيق دائرة الوجوب وتقييده بتقريب ان المولى اذا كان في مقام البيان وكان مريدا لما يقابل الواجب النفسي العيني التعيني يحتاج الى مئونة زائدة فان التخيري يحتاج في مقام التكلم الى اضافة عدل لفظه (أو) والكفائي يحتاج الى اضافة (لو أتى به الغير لسقط) والغيري يحتاج الى ذكر (ذي المقدمة) فعدم ذكر تلك الاضافات في كلام المولى وكان في مقام البيان يستكشف عدم ارادتها على انه يمكن ان يقال ان استفادة الوجوب العيني التعييني من نفس الهيئة التركيبية من دون حاجة الى التمسك بالاطلاق كما لا يخفى.

٢٠٨

بلزوم مراعاته مهما أمكن حتى يعلم بعدم القدرة عليه لأن المقام يكون من قبيل الشك في القدرة واذا صار الشك فيها يجب مراعاته بخلاف ما لو حملناه على الثاني فانه يكون من قبيل الشك في التكليف مع احتمال قيام الغير لأنه بخصوصه لا تكليف عليه إلا مع عدم قيام الغير ومع ذلك الاحتمال يكون الشك في التكليف وهو مجرى البراءة. قلت هذا الفرق مستحسن ومتجه لو لم يكن هناك اصل موضوعي يعين قيام الغير به اذ مع قيامه ووجوده بفعل الغير فلا فرق بينهما اصلا كما لا يخفى نعم يتحقق بينهما فرق ما لو كان الموضوع قابلا للتكرار على حسب ما عرفت منا سابقا فلا تغفل

(الأمر عقيب الحظر)

المبحث السابع

في ان الأمر الواقع عقيب الحظر هل هو ظاهر في الوجوب ام ظاهر في الاباحة ام لا ظهور فى احدهما بل هو تجمل وفاقا للاستاذ قدس‌سره والأول منسوب الى بعض العامة والأظهر هو الثاني وفاقا للمشهور بشهادة التبادر العرفي حيث نراهم يتبادرون من الأمر الواقع عقيب الحظر الاباحة ولو اغمضنا النظر عن ذلك لقلنا بالاجمال وفاقا للاستاذ قدس‌سره فلذا لم يجز التمسك به على الوجوب لأن كونه عقيب الحظر يسقط ظهوره لكونه متصلا بما يصلح للقرينة اللهم إلا ان يقال ان اصالة الحقيقة تعتبر من باب التعبد فلذا يمكن لنا التمسك بها مع وجود ما يحتمل القرينة كما يظهر مما ذكرنا بطلان ما ينسب الى بعض العامة من كونها تابعة لما قبل النهي ان علق الامر بزوال النهي مثل قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) وقوله تعالى (وَإِذا حَلَلْتُمْ

٢٠٩

فَاصْطادُوا) لأن استعمالها في مثل ذلك لا يجعل لها ظهورا في الوجوب أو في غيره لاتصال الكلام بما يصلح للقرينية الموجبة للاجمال لأن محل الكلام في ان الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عنها الموجب لكون الصيغة ظاهرة في الاباحة أم ليس من القرائن. واما استعماله في بعض الموارد كالأمثلة المذكورة لا يوجب جعل ذلك من القرائن العامة فلعله كان لقرينة بالخصوص كما لا يخفى.

المبحث الثامن

في ان صيغة الأمر تدل على المرة أو على التكرار أو لا دلالة لها على احدهما أقوال الحق هو الاخير بيان ذلك يحتاج الى ذكر أمرين احدهما ان المراد من المرة هل هو الفرد او الدفعة الظاهر هو الثاني كما هو المستفاد من كلمات الاصحاب وان كان يجري النزاع أيضا لو اريد من المرة هو الأول ولا تعد هذه المسألة من ملحقات مسألة تعلق الاوامر بالطبيعة أو بالافراد بدعوى انه على تقدير تعلقها بالفرد هل هو المرة او التكرار اذ على تقدير تعلقها بالطبيعة لا يتأتى هذا النزاع اذ الغرض من مسألة تعلق الامر بالطبيعة أو الفرد هو ان خصوصية الفرد داخلة في حيز الخطاب لكي يجب الاتيان بها على القول بتعلقها بالفرد أو غير دخلية في حيز الخطاب لكي يكون الآتي بها مشرعا وكيف كان فيأتي النزاع على القولين أما على القول بالفرد فواضح واما على القول بتعلقه بالطبيعة فليس المراد بها من حيث نفسها بل من حيث وجودها وحينئذ هل يراد ايجادها في ضمن فرد أو فى ضمن الافراد ثانيهما ما المراد من التكرار هل هو على نحو الارتباط بمعنى انه

٢١٠

لا يتحقق امتثال بالمرة إلا بالحاق الباقي من الافراد فلو لم يضم بقية الافراد لا يقال له مطيع بوجه من الوجوه وانما يقال له عاص أم لم يكن بنحو الارتباط بل يكون كل مرة معتبرة مستقلا فلو اتى بفرد واحد ولم يضم بقية الافراد يكون ممتثلا من جهة وعاصيا من جهة احتمالان ولا يخفى ان عبارات الاصحاب بالنسبة الى ذلك مجملة لا اشعار فيها فى تعيين احد الاحتمالين اذا عرفت ذلك فاعلم ان الحق وفاقا للاستاذ قدس‌سره ولمعظم الاصحاب عدم دلالة صيغة الامر على المرة ولا على التكرار لما عرفت منا سابقا بانها مركبة من مادة وهيئة مادتها تدل على نفس الماهية اللابشرط وهيئتها تدل على انتساب الحدث الى الفاعل فالمرة والتكرار خارجان عن مدلولها على ان المتبادر عرفا من قول المولى لعبده اكرم زيدا هو نفس الطلب من دون مرة وتكرار وأما سقوط الامر بمجرد الاتيان بالمرة فلوجود الطبيعة بالمرة لا من جهة ان الامر يدل على المرة ودعوى ان المصدر الخالي من الالف واللام والتنوين يدل على نفس الماهية اتفاقا على ما حكاه السكاكي يوجب حصر النزاع في المقام فى الهيئة ممنوعة فان المصدر ليس مادة لسائر المشتقات لما بينهما من المباينة فالاتفاق على كون مادة المصدر تدل على نفس الماهية لا يوجب ان يكون ذلك فى مادة سائر المشتقات قال الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية ما لفظه (ان كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على ان مادة الصيغة لا تدل إلا على نفس الماهية ضرورة ان المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغه مثلها) ولكن لا يخفى ان الاستشهاد بالمصدر على عدم دلالته على المرة والتكرار لا يدل على كونه هو المادة بل لبيان اننا نستكشف من عدم دلالة المصدر عليهما عدم دلالة المادة المشتركة بينه وبين سائر المشتقات ان قلت لا وجه لخصوصية المصدر اذ الماضي والمضارع لا دلالة

٢١١

لهما على المرة والتكرار لما هو معلوم ان المقصود بهما الاخبار عن التحقق كما في الماضي وعن الترقب كما فى المضارع من دون نظر الى المرة والتكرار. قلنا ان ذلك لا يستبعد بالنسبة الى الماضي والمضارع بان يدعي بان الماضي يخبر عن امر واقع مرة والمضارع يخبر عن امر يقع مرة واما بالنسبة الى المصدر فيستبعد دعوى ذلك حيث ان المصدر الخالي من الالف واللام والتنوين لا يراد منه سوى الماهية من دون دلالة على المرة او التكرار فلذا اختص المصدر بالذكر دون سائر المشتقات كما لا يخفى. هذا كله فى دلالة الصيغة وقد عرفت انها لا دلالة لها على المرة ولا على تكرار وانما تدل على مطلق الطلب واما الكلام فى مقام الامتثال فهل يقتصر على اتيان المأمور به مرة أم لا بد من التكرار قيل بالأول بناء على ما سيجيء ان شاء الله تعالى فى المطلق والمقيد من ان المطلق هو حصة شائعة فى الافراد على سبيل التبادل كما هو مختار المشهور فعليه انه لا حاجة الى التكرار لانطباق الطبيعة باول وجودها على المرة وأما بناء على ما هو التحقيق كما اختاره سلطان العلماء من ان المطلق موضوع للماهية المهملة القابلة للانطباق على القليل والكثير فلا بد من الاجتزاء بالمرة من جريان مقدمات الحكمة فهي كما تجري فى الهيئة تجري فى المادة وجريانها فى كل واحد منهما على التعاكس فان جرت فى المادة أي المتعلق دلت على جواز الاقتصار بالمرة وان جرت فى الهيئة أي فى الطلب دلت على التكرار ولأجل ذلك لا يمكن دعوى انه يقتصر فى مقام الامتثال على المرة لعدم ما يوجب ترجيح اطلاق المادة على اطلاق الهيئة فلا بد من القول بالتوقف وما يقال بتقديم اطلاق المادة على الهيئة بتقريب ان المادة اخذت موضوعا للحكم الناشي من الطلب فتكون المادة متقدمة على الهيئة تقدم الموضوع على حكمه فحينئذ تكون مقدمات الحكمة

٢١٢

الجارية في المادة اسبق من جريانها في الهيئة فعليه لا يبقى مجال لجريان مقدمات الحكمة في الهيئة لأنا نقول ان هذا يتم بحسب مقام الثبوت واما في مقام الاثبات والدلالة لا تقدم للمادة على الهيئة ففي تلك المرحلة هما سواء ومقدمات الحكمة تجري في مقام الاثبات لا فى مرحلة الثبوت بل ربما يقال بان فى مقام الاثبات تقدم الهيئة على المادة بتقريب ان الطلب الذي هو مفاد الهيئة عبارة عن التحريك نحو المطلوب فيكون بحسب الخارج مقدما على وجود الفعل فى الخارج ولأجل ذلك تراهم يستدلون على ان النهي يدل على الاستمرار ولو عصى يلزم منه مخالفات عديدة فيجرون مقدمات الحكمة فى الطلب ولا يجرونها في المطلوب لأنه لو اجريناها فى المطلوب يقتضي ان السقوط بعصيانه بالمرة الاولى والاولى في مقام الفرق ان التكرار في متعلق الامر يلزم منه الحرج والحرج مرفوع بحسب مرتكز المتشرعة وفي النهي لا يلزم منه ذلك ولأجل ذلك تراهم يقدمون اطلاق المادة على اطلاق الهيئة واما مع عدم المحذور فقد عرفت ان اطلاق الهيئة مقدم على اطلاق المادة كما بالنسبة الى المستحبات فانهم قد استفادوا منها الطبيعة السارية كما انه ربما يختلف متعلق الامر فيراد منه تارة صرف الطبيعة فيكتفي باول وجود واخرى الطبيعة السارية فيحتاج الى التعدد وقد عرفت ان اطلاق المادة هو الاول واطلاق الهيئة هو الثاني ودعوى ان فى الأوامر المتعلق هو الطبيعة المهملة وهي تحصل باول الوجود وفى النواهي هي الطبيعة السارية وهي لا تحصل إلا بانعدام جميع الافراد في غير محلها فان متعلق الامر هو متعلق النهي فان كان المتعلق الطبيعة المهملة فكما يحصل متعلق الامر باول الوجود كذلك النهي يحصل الترك بانعدامه باول الوجود وان كان المتعلق في الامر الطبيعة السارية فلا يكتفى فى مقام الامتثال باول الوجود بل يحتاج الى التكرار الى ان يحصل الحرج

٢١٣

فيكون مانعا من التكرار وأما في النهي فحيث لا حرج فلذا يدل على انعدام الطبيعة من جميع الازمنة وهو يلازم التكرار فيكون الفرق بين متعلق الامر والنهي بلزوم الحرج في الاول فيراد منها صرف الوجود وبعدمه في الثاني فيراد منها الطبيعة السارية وقد يتصور فرق آخر بينهما ادق من السابق مع انهما يشتركان من حيث معنى المتعلق ومتعلقهما عبارة عن الطبيعة المهملة الصالحة للانطباق على أي صورة من صورها فبالنسبة الى الاوامر حيث ان المتعلق الذي هو الطبيعة المهملة تتحقق باول وجودها فيسقط الامر لتحقق موضوعه بخلاف النهي فانه وان تعلق بنفس الطبيعة المهملة إلّا ان المقصود منها اعدامها ولا يحصل اعدامها إلّا باعدام جميع صورها ومن جملتها الطبيعة السارية وحينئذ لا يتحقق اعدام تلك الطبيعة المهملة إلّا باعدام الطبيعة السارية وبالجملة الفرق بينهما هو ان العقل يحكم بالنسبة الى ايجاد الطبيعة المهملة بحصولها باول وجودها وبالنسبة الى تركها فالعقل يحكم بان انعدامها لا يتحقق إلا بانعدام جميع أفرادها التي منها الطبيعة السارية فيظهر منه ان ترك الطبيعة السارية يوجب انعدام الطبيعة المهملة وله مزيد بيان سيأتى ان شاء الله تعالى في المطلق والمقيد بقي الكلام في الثمرة بين القولين فنقول أما بين القول بالطبيعة وبين القول بالتكرار هو انه على الاول يحصل الامتثال باول مرة بخلافه على القول الثاني وأما بين القول بالطبيعة وبين القول بالمرة بمعنى الفرد فتطهر الثمرة لو اتينا بالمتعدد دفعه واحدة فعلى القول الاول حصل الامتثال بالجميع لانطباق الطبيعة عليه وعلى القول الثاني حصل الامتثال بالفرد الموجود في ضمنها نعم لو قلنا بالمرة بمعنى الدفعة اشكل الفرق بين القول بالطبيعة والقول بالمرة وربما تظهر الثمرة لو أتى بالدفعة عقيب الدفعة فعلى القول بالطبيعة حصل الامتثال بتكرر الطبيعة وعلى القول بالمرة لا يحصل

٢١٤

الامتثال لو اردنا المرة بشرط لا ثم انه لو علق الامر على الشرط فهل يقتضي التكرار عند تكرر الشرط ام لا وجهان بل قولان مبنيان على ان تعلق الامر بالشرط هل هو بنحو الطبيعة لسارية أم على حصول الشرط وحدوثه باول مرة وتمام الكلام سيأتي ان شاء الله تعالى في مبحث المفاهيم.

المبحث التاسع

في ان الصيغة هل تدل على الفور أم على التراخي أم لا دلالة لها على شيء منهما الحق هو الاخير لما عرفت من ان مادتها تدل على الحدث وهيئتها تدل على انتساب الحدث فالفورية والتراخي خارجان من مدلولها نعم ربما يقال ان الاطلاق يقتضي التراخي لأن ارادة الفورية من الصيغة يحتاج الى نصب قرينة تدل عليه فمع عدمها دل على ارادة عدم الفورية وهو التراخي ويؤيد ذلك هو ان جريان مقدمات الحكمة هنا أولى من جريانها في المسألة السابقة لما عرفت من وقوع المعارضة في تلك المسألة فان جريانها فى المادة يعارضها جريانها في الهيئة بخلاف المقام فان مقدمات الحكمة في المقام لا تجري في الهيئة لكى تدل على الفورية واما الاستدلال على المختار بما تقدم من عدم دلالة صيغ المشتقات على الزمان ولازم القول بالفورية الالتزام بدلالة الفعل على الزمان وليس إلا زمان الحال ففيه ما لا يخفى فان الفورية عبارة عن الاسراع الى الاتيان بمتعلق التكليف وليست عبارة عن الزمان الحال لكي تدل الصيغة على زمان وان كان الزمان الحال لازما للفورية اذ فرق بين كون زمان الحال هو معنى الفورية وبين كونه لازما له ثم انه استدل للقول بالفورية بوجهين الاول ان تمامية الدلالة على الفورية مبنية على انكار الواجب

٢١٥

المعلق بما حاصله ان الطلب الناشئ عن ارادة فعلية باعثة على تحريك العضلات نحو المراد والمطلوب وتلك الارادة ارادة تكونية لا تفتقر الى وساطة ارادة الغير في حصول المراد بل المريد بنفسه يتكفل بالقيام بلا وساطة استعانة بالغير بخلاف الارادة التشريعية فانها تفتقر الى وساطة الغير فاذا صارت الارادة فعلية فلا بد من استتباع الطلب في مقام تحققه ولا يكاد يتخلف وهو لازم للفورية ولا يخفى انه غير تام وسيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في الواجب المعلق الثاني وجود دليل عقلي ونقلي يدلان على الفورية كآية المسارعة والاستباق بناء على ان المراد من المسارعة والاستباق الى الخير هو سبب الخير وأما ان المسارعة مما يحكم العقل (١) بحسنها

__________________

(١) وقرب بعض السادة الاجلة في بحثه الشريف (*) دلالة حكم العقل على وجوب الفورية بما حاصله ان الامر لما توجه نحو المكلف فالعقل يحكم بوجوب امتثاله فى اول ازمنة الامكان اذ مع تحقق القدرة لا عذر له مع التأخير اعتمادا على احتمال بقاء الامر فى الزمان الثاني المساوق لمعنى التراخي فلو أخر مع تحقق القدرة عليه وانكشف ان الآمر غير راض بالتأخير عد عاصيا وليس ذلك إلّا لاجل حكم العقل بوجوب امتثاله فورا ولذا لا يبقى مجال للتمسك بالاطلاق لنفي الفورية أما اللفظي فواضح لعدم اعتبار الفورية في المدلول لكي ينفى به اعتبارها واما المقامي فانما تجري مقدمات الحكمة حيث لا بيان وقد عرفت ان حكم العقل صالح للبيانية كما انه يظهر من ذلك عدم جريان البراءة العقلية والنقلية اذ جريانهما فى ظرف عدم البيان ومع حكم العقل بالفورية يكون بيانا وعليه يحتاج جواز التأخير الذي هو معنى التراخي الى البيان فصح لنا دعوى ان الالتزام بان حكم العقل يعين الفورية

__________________

(*) وهو السيد الفقيه الاستاذ السيد ابو الحسن الاصفهاني قدس سره وهو المقصود بالتعبير بذلك في الكتاب.

٢١٦

فعليه يحمل الامر في الآيتين على الارشاد قال الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات فى مقام البعث نحوه ارشادا الى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الطاعة) محل منع فان العقل انما يحكم بحسن المسارعة لا بوجوبها فيبقى مجال لان يكون الامر الدال على الوجوب مولويا ولكن لا يخفي ان ما ذكر لا يصلح ان يكون دليلا على الفورية لان الظاهر من المسارعة والاستباق هو الترغيب لا الحتم والالزام كما ان ذلك هو مقتضى مادة المسارعة فحينئذ يكون ذلك قرينة مانعة لظهور الصيغة في الوجوب فلا تغفل.

(الاجزاء)

الفصل الثالث في اتيان المأمور به على وجهه هل يقتضي الاجزاء أم لا وقبل الخوض فى المقصود ينبغي تقديم امور :

الامر الأول هل المراد من الوجه في العنوان حسن الفعل او كون المأتى به جامعا للاجزاء والشرائط الممكن اخذها شرعا المعبر عنها بالعنوان الأولي أو كونه جامعا لجميع ما يعتبر فيه ولو عقلا المعبر عنه بما اخذت فيه الاجزاء والشرائط ولو بالعنوان الثانوي ليس المراد من الوجه هو الاول وإلا لخرجت المعاملات عن العنوان اذ اتيانها ليست لحسنها كما انه ليس المراد هو الثاني وإلا لخرجت العبادات من العنوان على العكس من الأول لعدم امكان اخذ قصد التقرب في المتعلق فالآتي بالمتعلق من دون قصد التقرب لا يكون آتيا بما هو عبادة فتعين ارادة المعنى الثالث

__________________

فللمولى الاتكال على حكم العقل في ارادة الفورية فلا يكون المولى حينئذ مخلا بغرضه لو أراد الفورية ولكن لا يخفى ان حكم العقل بذلك محل نظر فان حكمه الاتيان بالمأمور به اما انه فورا فليس له حكم وقد ذكرنا ذلك في حاشيتنا على الكفاية.

٢١٧

فيشمل العبادات كما يشمل المعاملات وهو مراد من عبر عن الوجه بالنهج المأمور به شرعا وعقلا ولكن لا يخفى ان ذلك يوجب ان يكون هذا القيد توضيحا لأن المراد بالمأمور به في العنوان الحصة التي هي توأم مع القيد أي قصد التقرب لعدم امكان اخذ القيد في المأمور به شرعا فلا اطلاق للامر المتعلق بالحصة بنحو يشمل غيرها التي لا تقرب بها فحينئذ الآتي بالحصة بلا تقرب لم يكن آتيا بالمأمور به ولازم ذلك ان يكون القيد للاشارة الى ان المراد بالمقيد جميع ما يعتبر به حتى لو كان بعنوانه الثانوي نعم لو كان المأمور به في العنوان هو حصة مطلقة لصلح ان يكون القيد (على وجهه) في العنوان احترازيا.

الأمر الثاني ان الاجزاء بمعناه لغة هو الكفاية وان كان يختلف ما يكفي عنه فتارة يكون المأتي به موجبا لعدم الاعادة أي الاتيان به ثانيا في الوقت واخرى يكون المأتي به موجبا لاسقاط القضاء أي الاتيان به في خارج الوقت وهذا الاختلاف لا يوجب تعددا لمعنى الاجزاء كما يظهر من بعض العبارات بأن له معنيين وهما اسقاط الاعادة واسقاط القضاء كما لا يخفى.

الأمر الثالث ان النزاع فى الاجزاء انما هو في مقام الثبوت دون الاثبات ولذا نسب الاجزاء الى الاتيان ومرجعه الى ان الاتيان علة لسقوط الامر أم لا ومنه يظهر الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة المرة والتكرار فان مرجع النزاع في الاخيرة الى دلالة الصيغة على المرة أو التكرار وبعد الفراغ من دلالتها على احدهما يقع النزاع فى الاولى بان يقال لو قلنا بالمرة فهل اتيان المأمور به مرة علة لسقوط الأمر أم لا أو قلنا بالتكرار فهل ان اتيان المأمور به مكررا يوجب سقوط الامر أم لا نعم القول بعدم الاجزاء يلازم التكرار عملا لا ملاكا والنزاع انما هو بحسب

٢١٨

الملاك فان الملاك فى كل واحد منهما مختلف فان ملاك التكرار هو عدم حصول تمام المطلوب وملاك الاجزاء هو عدم حصول المطلوب لعدم وفاء المأتي به للغرض كما ان الفرق بين الاجزاء ومسألة تبعية القضاء للاداء اختلافهما بحسب الموضوع فلا يتوهم ان القول بعدم الاجزاء عين تبعية القضاء للاداء والقول بالاجزاء عين عدم تبعية القضاء للاداء فان موضوع الاجزاء هو اتيان المأمور به وموضوع تبعية الاداء للقضاء هو الفوت على ان مسألة تبعية القضاء للاداء هي في مقام تعيين ما هو المأمور به وفي الاجزاء تعيين ما هو المقتضي للمأمور به مضافا الى ان البحث في الاجزاء في مرحلة الثبوت والبحث في تلك المسألة في مقام الاثبات والدلالة فاحدى المسألتين اجنبية عن الاخرى كما لا يخفى.

الأمر الرابع ان البحث في الاجزاء هل هو من المسائل الاصولية العقلية أم من المسائل الاصولية اللفظية قيل بالاول كما هو ظاهر من نسب الاقتضاء فى العنوان الى الاتيان لرجوع البحث في الاجزاء الى ان الأمر معلول للغرض فالاتيان بالمأمور به يوجب سقوط الغرض فلا مجال لبقاء الأمر وإلا لزم بقائه بلا علة وقيل بالثاني كما هو ظاهر من نسب الاقتضاء فى العنوان الى الامر اذ لا يراد من الاقتضاء فى العنوان حينئذ العلية لعدم تصور كون الأمر علة للاجزاء ثبوتا لأن الامر معلول للغرض حدوثا فلا يعقل ان يكون الامر علة لسقوط الغرض وإلا لزم ان يكون الشيء علة لسقوط نفسه وهو بديهي البطلان ولذا لا بد وان يراد من الاقتضاء في العنوان الكشف والدلالة لأن مرجع البحث في الاجزاء حينئذ الى ان الامر هل يدل على الاجزاء بمعنى ان تعلق الامر يدل على وجود الغرض فى متعلقه فمع الاتيان به يحصل الغرض فيسقط الأمر لحصوله فيعد الأجزاء

٢١٩

من المسائل الأصولية اللفظية كما انه على الأول يعد من المسائل الأصولية العقلية والظاهر انه من المسائل اللفظية حيث ان محل النزاع فيه ان الأمر الظاهري أو الاضطراري هل يجري عن الأمر الواقعي وليس ذلك إلا باعتبار دلالة دليليهما على الاجزاء ومرجع ذلك أما الى حكومة بعض الأدلة على بعض أو تقييد بعضها ببعض أو لاشتمال المأتي على مصلحة تفي بمصلحة الواقع وأما بالنسبة الى اتيان المأمور به بالنسبة الى امره فهو حكم عقلي لا مجال للنزاع فيه ولأجل ذلك جعل الأجزاء من مباحث الالفاظ فما ذكره الأستاذ قدس‌سره من تفسير الاقتضاء في العنوان بمعنى العلية والتأثير لكي يكون النزاع فى الاجزاء واقعا فى مرحلة الثبوت لا في مرحلة الاثبات محل نظر لما عرفت ان مرجع النزاع في الأجزاء الى ان أدلة الأحكام الواقعية الثانوية والأحكام الظاهرية هل تدل على كفاية الاتيان بمتعلقاتها عن الأوامر الواقعية بعد الفراغ عن ان الاتيان بمتعلق الأوامر الواقعية بالنسبة الى امره الواقعي مما يحكم به العقل.

اذا عرفت هذه الأمور فاعلم ان المأمور به أما ان يكون ظرفه الواقع المغبر عنه بالواقعي الاولي وأما ان يكون ظرفه الاضطرار المعبر عنه بالواقعي الثانوي وأما ان يكون ظرفه الجهل وعدم العلم المعبر عنه بالعنوان الثانوي وهو مورد الأصول والأمارات فيقع الكلام فى ثلاث مقامات المقام الأول وهو ما كان ظرفه الواقع كالاحكام الواقعية المتعلقة بالموضوعات بعناوينها الأولية فان الاتيان بمتعلقاتها مسقط لأمرها الواقعي لسقوط الغرض بالاتيان فلا يبقى مجال لبقاء الأمر ولا اعرف من يقول ببقائه سوى ما ينسب الى الجبائي المحمولة عبارته على ما سيأتي ان شاء الله تعالى من جواز تبديل الامتثال اذ الالتزام بذلك محل منع لما عرفت

٢٢٠