منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

يتوجه اشكال الدور ثم لا يخفى انه بعد الفراغ من ان الجملة الخبرية تدل على الطلب فهل دلالتها على مطلق الطلب أو خصوص الطلب الالزامي وجهان : الظاهر ان الجملة الخبرية تدل على النسبة الايقاعية من غير فرق بين الطلب الالزامي ومطلق الطلب ، لكونها صالحة لهما ، لأنها بحد ذاتها صالحة لأن يفهم منها الالزامي ويفهم منها غيره فعليه ليس عندنا ظهور وضعي لاحدهما ، نعم لا يبعد دعوى ظهورها فى الالزامي بمعونة مقدمات الحكمة بتقريب ان الوجوب من الوجود المطلق ، وانه غير محدود والندب من الوجود المحدود فلذا ، يحتاج الى مئونة زائدة فمع عدم بيانها يحمل على الطلب الالزامي ، ودعوى بعض الاعاظم الحمل على الطلب الالزامي بتقريب ان اطاعة المولى واجبة عقلا فكل ما ينشأ بصيغة (افعل) أو بمادة الأمر أو بلفظ الطلب ، ولم يدل على جواز الترك فحينئذ يكون من مصاديق الاطاعة فيجب امتثاله ممنوعة ، بمنع الكبرى التى هي (اطاعة المولى واجبة) لانها يجب امتثالها اذا كان متعلقها واجبا امتثاله ، وأما مع كونه مندوبا فحينئذ لا يجب امتثاله وان صدق عليه اطاعة فليس كل اطاعة يجب امتثالها ، ثم لا يخفى ان هذا الذي ذكرناه على طبق ما ذكره الاستاذ في الكفاية حيث قال : (مع انه اذا أتى بها في مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب) وان كان مخالفا لما ذكره في غير الكفاية حيث جعل صحيحة البزنطي ـ قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة فقال تغسل يدك ، وتبول ان قدرت على البول ثم تدخل يدك فى الاناء .. الخ ـ دليلا على الاستحباب قال في وجه ذلك بما ملخصه انه لا أقل من عدم ظهور ذلك في الوجوب لعدم وضع الجملة الخبرية للوجوب وكثرة استعمالها في الاستحباب.

١٨١

المبحث الرابع في ان صيغة أفعل هل هي ظاهرة فى الوجوب أم لا؟ لو سلم عدم الوضع له قيل بظهورها فيه استنادا الى غلبة الاستعمال أو غلبة الوجود أو اكمليته ولكن لا يخفى ان شيئا منها لا يوجب الظهور. أما غلبة الاستعمال فهو وان أوجب الظهور إلا إنه لو تحققت مع ان الاستعمال في الندب كثير لو لم يكن اكثر. وأما غلبة الوجود لمنع ذلك أولا وثانيا لا توجب الظهور وأما اكملية الوجوب فهي لا توجب الظهور وإلا لزم انصراف الفاظ المشككة الى المرتبة الشديدة على ان ذلك لا يتم بناء على ان مفاد الصيغة هي لنسبة الإيقاعية وليس الوجوب اكمل باعتبارها. والتحقيق ان الموجب للظهور هو ان الوجوب من قبيل الوجود المطلق لاشتماله على الشدة الذي هو من سنخه بخلاف الندب فانه من قبيل الوجود المحدود لاشتماله على الضعف وهو من حدوده فلذا لا يكون من سنخه فارادة الندب تحتاج الى بيان ذلك فمع عدم البيان بمعونة مقدمات الحكمة تكون صيغة أفعل ظاهرة في الوجوب وعلى ذلك يحمل ما ذكره الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه (فان الندب كانه يحتاج الى مئونة بيان التحديد والتقيد بعدم المنع من الترك بخلاف الوجوب فانه لا تحديد فيه للطلب ولا تقيد فاطلاق اللفظ وعدم تقيده مع كون المطلق في مقام البيان كاف في بيانه فافهم) (١).

__________________

(١) لا يخفى ان ما ذكره في الكفاية يمكن ان يحمل على ان الوجوب منتزع من الطلب التام والندب منتزع من الطلب الناقص فان التمامية من سنخ الطلب بخلاف النقص فالندب يحتاج الى مئونة زائدة بخلاف الوجوب كما انه يمكن حمل كلامه قدس‌سره على كون الوجوب والندب أمرين عقليين بان يحكم العقل بالانبعاث نحو المأمور به عند اطلاق الصيغة فيكون الوجوب حينئذ من المداليل الالتزامية العرفية وحكمه بالندب عند قيام الدليل على الرخصة وعلى هذين الوجهين يرتفع

١٨٢

التعبدى والتوصلى

المبحث الخامس في أن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب (١) توصليا

__________________

الاشكال فى مثل اغتسل للجمعة وللجنابة وحاصله ان اغتسل تكون مستعملة فى الوجوب لنسبته الى الجنابة وفي الندب لنسبته الى الجمعة فتكون من باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد. لأن الصيغة لم تستعمل الا في ايقاع النسبة في الصورتين فمع الاطلاق يحمل على الوجوب ويحتاج الندب الى دليل فمع قيام الدليل على الندب نخرج من الظهور بالنسبة اليه كما هو كذلك بالنسبة الى الجمعة فقد قام الدليل على الاذن في الترك في غسل الجمعة. نعم يرد الاشكال لو كان الوجوب والندب من المداليل اللفظية للصيغة او انهما من أوصاف الارادة فانه كما لا يمكن استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد الذي هو المحذور كذلك احضار مرتبة الشدة والضعف في آن واحد في الذهن غير معقول. وكيف كان فكلام الاستاذ مبني على ان الوجوب معنى بسيط لكي تكون الشدة من سنخه فيكون من الوجود المطلق بخلاف الندب فانه مركب من الطلب مع الاذن في الترك فيكون مشتملا على فصل ليس من سنخه فيكون من الوجود المحدود محل نظر إذ قياسه على الوجود الواجبي قياس مع الفارق إذ هو بسيط غاية البساطة وليس له اجزاء خارجية ولا عقلية ولا مقدارية وجميع ما عداه مركب ومحدود فكما ان الندب محدود كذلك الوجوب محدود إذ هما من أوصاف الطلب فكما ان الطلب الضعيف محدود كذلك الطلب الشديد فكما ان جهة الضعف تحتاج الى بيان كذلك الشدة. إلا ان يقال ان تحديده بالشدة بنحو لا يحتاج الى بيان بل يحمل اللفظ عليه عند اطلاقه بمعونة مقدمات الحكمة بخلاف الندب.

(١) لا يخفى ان هذا التقسيم لا يرجع الى الوجوب الذي هو مفاد الصيغة

١٨٣

أم لا يقتضي ذلك بل يوجب التوقف والرجوع الى الاصول العملية عند الشك في التعبدي والتوصلي؟ قولان (١) وبيان ذلك يتوقف على ذكر أمور :

__________________

فان الوجوب عبارة عن الزام المكلف بالاتيان ولا يتفاوت فيه الحال بين ان يكون تعبديا أو توصليا على انه جعل الملاك في التقسيم هو الغرض من الواجب فان سقط مطلقا ولو مع عدم قصد التقرب فتوصلي وإلا فتعبدي فلذا يتعين جعلها من أقسام الواجب ومما ذكرنا ظهر لك ان المراد من التمسك باطلاق الصيغة لنفي قيدية القيد ليس هو اطلاق الهيئة التي مفادها الوجوب وانما هو اطلاق المادة التى هي الواجب

(١) لا يخفى ان الاقوال فيما لو شك فى التعبدى والتوصلي ثلاثة : قول باصالة التعبدية كما ينسب الى بعض المحققين وقول باصالة التوصلية وثالث بالتوقف ولم يتعرض الاستاذ قدس‌سره تبعا للكفاية القول باصالة التعبدية حيث ان محل كلامهما في اطلاق الصيغة والقول باصالة التعبدية يستند فيه الى العمومات مثل قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وبالاخبار مثل قوله انما الاعمال بالنيات وأجيب عن الاول بان المراد من الاخلاص في العبادة ما يقابل الشرك وعن الثاني بانه ليس في بيان عبادية الشيء وانما هو بيان معنى الاخلاص فارغا عن كور الشيء عبادة. نعم بناء على تفسير التوصلي بما يسقط بفعل الغير سواء كان على وجه النيابة او بنحو التبرع أو بما يسقط ولو بفعل غير اختياري أو بما يسقط ولو بالفعل المحرم يكون اطلاق الصيغة مقتضيا للتعبدية كما انه بالنسبة الى الاصلي العملي على هذه التفاسير يقتضي التعبدية كالاصل اللفظي فانه حينئذ يكون من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير ولا اشكال ان قاعدة الاشتغال يقتضي التعيين. ودعوى جريان البراءة بعد الاتيان من النائب أو من المتبرع للشك في ثبوت التكليف مدفوعة بانه قبل اتيان النائب او المتبرع نعلم بتوجه التكليف وبعد اتيانهما نشك في سقوط التكليف وهو مجرى الاشتغال اللهم إلا ان يقال بان

١٨٤

الأول في بيان المراد من التعبدي والتوصلي فقد عرفهما القدماء بان الغرض ان كان معلوما للمكلف فهو توصلى وإلا فتعبدي ولكن لا يخفى ان الغرض عبارة عن المصلحة والملاك وغالبا المصالح ليست معلومة في التوصليات وما ذكر من العلل فليست بعلل وانما هي حكم على انه كما رتبت على التعبديات رتبت على التوصليات ولذلك عدل المتأخرون وعرفوا التوصلي بان مجرد الاتيان يوجب سقوط الغرض والتعبدي بان مجرد الاتيان لا يسقط الغرض بل يحتاج في سقوطه الى قصد التقرب وبذلك عرف الاستاذ في الكفاية حيث قال ما لفظه (الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب ويسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدي فان العرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الاتيان به متقربا منه تعالى) وتعريف بعضهم بانه ان احتاج فى تفريغ الذمة الى قصد امتثال الامر فتعبدي وإلا فتوصلي فهو وان كان اجمع وأشمل إلا ان ذلك

__________________

الوجوب مشكوك الثبوت مع فعل احدهما فحينئذ يكون من باب الشك فى التكليف وهو مجرى البراءة ودعوى عدم جريانها لكون المقام مجرى للاستصحاب وهو الوجوب الثابت قبل فعل النائب أو المتبرع مدفوعة بان المقام من قبيل الفرد المردد الذي لا نقول يجريان الاستصحاب فيه على ان استصحاب الجامع بين ما لا يسقط بفعل الغير وبين ما يسقط بفعل الغير لا يجري لعدم ترتب الاثر على الجامع بينهما مع انه شرط في جريان الاستصحاب ترتب الاثر على المستصحب مضافا الى حكومة البراءة على الاستصحاب في المقام لأن بقاء الجامع مسبب عن الشك في تقييد الواجب بعدم اتيان الغير فالبراءة ترفع التقييد تعبدا فلا يبقى موضوع للاستصحاب وسيأتي له مزيد توضيح ان شاء الله تعالى في تعارض الاستصحاب مع الاصول العملية.

١٨٥

يرجع الى مقام العمل والكلام فيهما من حيث انفسهما.

وكيف كان فلا إشكال فى ان صحة العبادة يعتبر فيها قصد التقرب فعدم صحتها أما لمانع من تحقق قصد التقرب كعبادة الكافر لعدم تأتي قصد التقرب منه وأما ان يكون لاجل المانع في المتعلق كالجاهل المقصر فى السؤال إذا صلى في الدار المغصوبة فالعبادة في الدار المغصوبة باطلة من حيث المانع وهو الغصب ولا يخفى ان تعريف التعبدي بعدم سقوط الغرض إلا مع الاتيان بقصد القربة وإلا فتوصلي وان اشتهر بين من تأخر إلا انه يشكل عليهم بالنقض في طرده بالعبادات الذاتية كالسجود لله تعالى فى المكان المغصوب فان عباديتها غير مفتقرة الى شيء مع انها مبغوضة فى نظر الشارع والغاء قصد التقرب في تعريف التعبدي واتيان قصد الامر فهو وان لم يرد عليه النقض حينئذ إلا انه خلاف ما يظهر من كلمات الاصحاب ، فان العبادة عندهم هي ما يتوقف سقوطها على الاتيان بقصد القربة وبدونها لا يكون المأتي عبادة عندهم. وبالجملة الفرق بين التعبدي والتوصلي عند المتأخرين بسقوط الغرض فان لم يسقط إلا مع الاتيان بقصد القربة فتعبدي وإلا فتوصلى وقد أورد بعض الأعاظم قدس‌سره على هذه التفرقة بما حاصله ان الغرض لا يصلح لان يكون فارقا إلا اذا كان هو المأمور به ولا يكون كذلك إلا إذا كان المأتي به بالنسبة اليه بنحو العلة لكي يكون الغرض داخلا تحت الاختيار مع انه لا اشكال ان الفعل المأتي به بالنسبة الى الغرض الذي هو عبارة عن المصلحة المتحققة في المأمور به بنحو السبب المعد فلذا عدل عن تعريف المشهور الى ان التعبدي هو ما لم يسقط الامر إلا مع الاتيان بقصد التقرب وإلا فتوصلي ولكن لا يخفى انه يكفي في مقام التفرقة ثبوتا كون المأتي بالنسبة الى الغرض يكون من قبيل المعد من غير حاجة الى

١٨٦

ان التفرقة بالغرض يلزمه تعلق التكليف به بنحو العلة لتحصيل الغرض فافهم.

الأمر الثاني ان قصد القربة المعتبرة فى العبادة ليست هي عبارة عن قصد الامتثال أو قصد الامر بناء على ما ذهب اليه صاحب الجواهر قدس‌سره من اعتبار قصد الامر بالعبادة ولم يكتف في الامتثال بداعي المصلحة او المحبوبية وانما هي مسببة عن الامتثال أو قصد الامر وإلا لزم الاجتزاء بعبادة الجاهل المقصر فى السؤال إذا أتى بها بداعي الامتثال لتأتي ذلك منه كما ينبغي صحة عبادة الكافر إذا أتى بها بقصد الامر فانه يتأتى منه ذلك مع ان جل الفقهاء رضوان الله عليهم يعللون بطلان عباداتهم بعدم تأتي قصد القربة منهم فان ظاهر ذلك انحصار تعليل البطلان بعدم كون اعمالهم مقربة.

ومما ذكرنا ظهر لك الاشكال في عبارة الاستاذ قدس‌سره في الكفاية حيث قال : (ان التقرب المعتبر في التعبدي ان كان بمعنى قصد الامتثال والاتيان بالواجب بداعي امره) وحاصل الاشكال هو انه قدس‌سره جعل قصد القربة عبارة عن قصد الامتثال وقصد الامر وقد عرفت منا ان قصد القربة يحصل منهما وإلا لزم المحذور السابق نعم وقع الاشكال فى كون العبادة مقربة من جهتين الاولى انه من لوازم كون العبادة مقربة ان لا تحرم إلا تشريعا اذ حرمتها ذاتا ينافي كونها عبادة لعدم انفكاك العبادة حينئذ عن التقرب. الثانية انه لا يصح النيابة فى العبادة بل تعتبر المباشرة لعدم صحة تقرب انسان بعمل غيره ولكن لا يخفى ان العبادة لا تصلح للنيابة اذا كانت العبادية تحصل من نفس طلب المولى من عبده مع علمه من الخارج بان امره لا يسقط إلا مع قصد القربة فان عباديته منوطة بايجاده متقربا ومعه لا بد وان تكون حرمته تشريعية لا مولوية ناشئة عن مفسدة فيها اذ المفسدة

١٨٧

تنافي عباديتها وأما لو كانت العبادة تحصل من جعل العقلاء كمثل الركوع والسجود وتقبيل اليد والشارع قد امضى بعض ما هو عبادة عرفا ولذا يحتاج مثل ذلك الى قصد العنوان اذ لو لم يقصده لا تكون عبادة كما لو سجد لا بعنوان السجود لا يكون سجودا كما انه يعتبر ان يكون قصد العنوان بنحو التعظيم فلو لم يقصد التعظيم لا يكون عبادة فمثل هذه العبادة المجعولة بجعل العقلاء تكون صالحة لأن تدخلها النيابة اذ كما ان عباديتها تحصل بجعل العقلاء كذلك العقلاء يصححون ان تدخلها النيابة فمن استناب شخصا لتقبيل يد مولاه فانهم يعدون ذلك من التعظيم بل يتحقق التعظيم حتى اذا لم يستنبه للتقبيل ولكن رضي المنوب عنه بهذا التبرع من التقبيل فمثل ذلك يعد من مقتضيات القرب للمولى فمع نهي الشارع للتقرب بمثل ذلك مثلا يخرج عن المقربية ولكن لا تخرج عن وظائف العبودية ففي مثل هذا النوع من العبادة النهي يكون مولويا لامكان وجود المصلحة بتلك الوظيفة مجتمعة مع المفسدة الطارية من العوارض الخارجية وحينئذ يمكن ان تستوفي المصلحة مع كونها محرمة

الأمر الثالث في انه هل يمكن أخذ قصد التقرب فى متعلق الامر أم لا وجهان اختار الاستاذ قدس‌سره في الكفاية عدم امكان اخذها فقال ما لفظه : (لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الامر بشيء في متعلق ذلك الامر) بيان ذلك ان الامر بالصلاة مثلا من قبيل الحكم والمتعلق من قبيل الموضوع ولازمه ان يتقدم على الحكم ودعوة الامر تتأتى بعد تحقق الامر فحينئذ تكون دعوة الامر متأخرة عن المتعلق بمرتبتين لأن داعي الامر متأخر عن الامر المتأخر عن المتعلق فلو اخذ داعي الامر في المتعلق لزم اخذ ما هو متأخر بمرتبتين في المتعلق وذلك باطل وقرب ذلك بعض الاعاظم قدس‌سره بما حاصله ان القضايا الشرعية المتضمنة

١٨٨

للتكاليف على نهج القضايا الحقيقية التي يكون الموضوع مفروض الوجود كما ان ما يعتبر فيه من الشروط كالبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة تؤخذ مفروضة الوجود ثم بعد تحقق الموضوع بجميع ما يعتبر فيه يتوجه الجعل والانشاء فلو أخذ قصد التقرب في المتعلق الذي اخذ في القضية الحقيقية يلزم ان يلحظ ذلك القصد مفروض الوجود قبل توجه الحكم ولازم ذلك تقدم الشيء على نفسه وهو بديهي البطلان وهذا المحذور يلزم أيضا بالنسبة الى فعلية الحكم ضرورة تأخر فعلية الحكم عن فعلية موضوعه ومع فرض اخذ داعي الامر فى الموضوع الفعلي يلزم وجود فعلية الحكم قبل وجوده كما انه يلزم هذا المحذور بالنسبة الى نفس الامتثال فان امتثال الامر يحصل بعد اتيان المتعلق بجميع اجزائه وقيوده فمع اخذ قصد التقرب في الامتثال يلزم ان يكون المكلف في حال الامتثال يقصد الامتثال قبل الامتثال وهذا لا يرجع الى محصل وبالجملة لا يمكن ان يؤخذ قصد التقرب في المتعلق بجميع المراتب مرتبة الجعل والانشاء ومرتبة الفعلية ومرتبة الامتثال ولكن لا يخفى ان ما ذكره الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية يرد عليه ان التكاليف انما تتعلق بما هو موجود فى الذهن بدون قيدية الوجود الذهني ولا يتعلق بالموجود الخارجي اذ الخارج ظرف للسقوط لا ظرف لتعلق التكاليف وان التقت الى ذلك حيث قال (وان كان تصوره بمكان من الامكان) إلا انه أشكل بما حاصله ان القدرة شرط في متعلق التكليف ومع اخذ دعوة الامر في متعلق التكليف لا يكون المتعلق مقدورا ولكن لا يخفى ان القدرة المعتبرة في التكاليف هي القدرة في حال الامتثال لا حين توجه التكاليف فان الحج يجب قبل الموسم باشهر مع انه غير مقدور حين الوجوب وحينئذ الصلاة لما أمكن تصورها مع الدعوة تعلق الامر بها وبعد تعلقه يكون المتعلق مقدورا

١٨٩

ومما ذكرنا تعرف الجواب عما ذكره بعض الاعاظم (قده) بان المتعلق في مقام الجعل والانشاء لم يؤخذ فيه قصد التقرب بما انه موجود خارجي لوضوح ان الخارج ظرف للسقوط لا ظرف للتعلق وانما اخذ القصد في المتعلق بما انه موجود ذهني مع الغاء قيدية الوجود الذهني كما ان فعلية التكليف ليست متوقفة على فعلية الموضوع خارجا بل على فرض وجوده ذهنا كما ان قصد امتثال الامر يوجب قصد امتثال الأمر لو اخذ قصد الامتثال في المتعلق انما لا يرجع الى محصل لو قلنا باعتبار القدرة حين التكليف وقد عرفت منا سابقا عدم اعتبارها إلا في حال الامتثال ومما ذكرنا يجاب عن إشكال الدور وحاصله انه لا اشكال في توقف دعوة الامر على الامر اذ مع عدم الامر لا يعقل ان تتحقق الدعوة فلو اخذت الدعوة في المتعلق لزم توقف الأمر على الدعوة لكونها جزء من المتعلق ولازمه توقف الشيء على نفسه وحاصل الجواب ان دعوة الامر تتوقف على الأمر في الخارج والأمر يتوقف على الدعوة فى الذهن فلا دور نعم ربما يقرب المحذور بوجه آخر وهو ان الأمر يدعو الى متعلقه فلو اخذت الدعوة في المتعلق يكون الأمر قد تعلق بالصلاة منظما الى الدعوة فعليه الصلاة من دون الدعوة ليست متعلقة للامر فكيف يأتي بالصلاة بداعي الأمر وقد اجيب عن ذلك بان الأمر انبسط على الصلاة والدعوة فالصلاة قد تعلق بها أمر ضمني فيأتي بها بداعي امرها الضمنى وأورد عليه الأستاذ قدس‌سره في الكفاية بما حاصله ان الدعوة المعتبرة في المتعلق على تقدير اعتبارها من الاجزاء التحليلية لا من الأجزاء الخارجية وحينئذ لا تتصف الاجزاء بالوجوب لأنه ليس إلا وجوب واحد قد تعلق بالكل ولا يخفى ما فيه لأن الكليات باسرها في عالم الوجود متحدة مع التشخصات ولم يكونا موجودين بوجودين بل بوجود واحد

١٩٠

ولكن العقل يحلله الى شيئين فمع كونه جزءا تحليليا يتصف بالوجوب ولم تكن الخصوصية دخيلة في الاتصاف بالوجوب على انه يمكن ان تكون المصلحة متعلقة بشيء بسيط له حيثيتان كل منهما له الدخل فى المصلحة كما انه يمكن ان تتعلق المصلحة بمركب خارجي بنحو يكون كل جزء من اجزائه له الدخل فى حصول المصلحة المتعلقة بالمجموع فتكون الارادة متعلقة بالمجموع تبعا لتعلق المصلحة اذا عرفت امكان كلا الأمرين أمكن اتيان العمل بدعوة الأمر الضمني الذي تعلق بالفعل المقيد بناء على كون قصد القربة شرطا على التصوير الأول أو بالفعل المنظم مع ذلك الجزء بناء على الجزئية على التصوير الثاني ومما ذكرنا ظهر ضعف ما استدل به على امتناع تعلق الأمر بالصلاة مع الدعوة من لزوم ان يكون الشيء داعيا الى نفسه أو يكون الشيء علة لعلية نفسه واللازم باطل فان الأمر المتعلق بالصلاة مع الدعوة ينحل الى قطعتين قطعة تعلقت بالصلاة وقطعة منه تعلقت بالدعوة فما هو علة هي القطعة التي تعلقت بالدعوة وما هو معلول هى القطعة التي تعلقت بالصلاة لا يقال دعوة الأمر الضمني لا تحصل إلا بعد حصول الأمر والأمر لا يحصل إلا بعد تمامية الاجزاء إذ لو لم تلحق بقية الاجزاء وتنظم اليها لم يتحقق هناك امر فمن هذا يعلم توقف الأمر على ضم بقية الاجزاء التي منها دعوة الأمر وقد عرفت ان صدق الداعوية على الجزء لم يتحقق إلا بعد تحقق الامر فحينئذ يلزم الدور وفرق بين هذا الدور وسابقه فانه كان في مقام الجعل والانشاء وهذا في مقام الامتثال لأنا نقول لا نسلم توقف داعوية الأمر على لحوق بقية الأجزاء نعم دعوة الأمر تتوقف على العلم بانطباق الواجب على المأتي فى مرحلة الامتثال ولازم هذا العلم بلحوق بقية الأجزاء فاذا كان المكلف يعلم بالحاق بقية الأجزاء يمكن ان يأتي بالعمل

١٩١

بداعي أمره الضمني الذي يحصل من تعلق الأمر الاستقلالي بالعمل المقيد بقصد القربة اللهم إلا ان يقال بان داعوية الأمر الضمني موقوفة على العلم بالانطباق المستلزم لضم بقية الاجزاء والعلم بذلك الانطباق المستلزم لذلك موقوف على تلك الداعوية فحينئذ يعود محذور الدور ولكن لا يخفى ان دعوة الأمر الضمني ليست متوقفة على العلم بالانطباق بل تتوقف على الجامع منه ومن وفاء العمل بالمصلحة اذا أتى بداعي الأمر الضمني ان قلت لا يحصل الوفاء بالمصلحة إلا اذا علمت باتيان الجزء الآخر فعليه لا فرق بينهما فلا يرتفع محذور الدور قلت العلم بالانطباق ليس موقوفا على دعوة الأمر نعم هو مستلزم لها وفرق واضح بين الاستلزام والتوقف ثم انه استدل للامتناع بتقريب آخر لاستحالة تقدم الشيء على نفسه مع تسليم جميع ما ذكرنا سابقا من ان الأمر على تقدير تعلقه بالصلاة مع الدعوة يكون منبسطا عليهما فحينئذ ينشأ من ذلك امران ضمنيان أحدهما تعلق بالعمل والآخر تعلق بالدعوة ومقتضى ذلك ان يكون القيد الذي هو الداعي مع العمل في مرتبة واحدة لفرض تناول الامر لهما وذلك يقتضي الاتحاد في المرتبة مع انه لا إشكال في تقدمهما على الأمر تقدما طبيعيا إذ هما من قبيل الموضوع للامر والأمر لا يتعلق إلا بعد احراز موضوعه فيتوقف الأمر على احراز الداعوية التي هى جزء من موضوعه مع ان الداعوية انما تتأتى من بعد تعلق الأمر بالعمل وبالجملة الداعوية على تقدير أخذها في المامور به تكون متقدمة رتبة والمفروض تأخرها رتبة عن الأمر فيلزم تقدم الشيء على نفسه ولكن لا يخفى فرق واضح بين الداعوية المتقدمة على الأمر والداعوية المتأخرة عن الأمر أما المتقدمة على الأمر فهي جزء من موضوع الامر وقد تعلق الامر بها مع الفعل فالمراد بها ما كان ظرفها الوجود الذهني وأما

١٩٢

المتأخرة عن الامر التي لا يعقل تعلق الأمر بها فهي التي يكون ظرفها الخارج فحينئذ لم يلزم تقدم الشيء على نفسه بل يلزم تقدم أحد الشيئين على الآخر ولا إشكال فى صحته وتحقيق ذلك هو انه يمكن للآمر ان ينشأ شيئين طوليين بانشاء واحد بان يكون من قبيل كل خبري صادق فان الحكم فيه قد تعلق بموضوع وجداني يكون سببا لتحقق موضوع تعبدي فالحكم ينحل الى موضوعات متعددة حسب تعدد الأفراد الوجدانية والتعبدية فيكون الموضوع كليا يشمل الافراد الوجدانية والتعبدية كما ان الحكم المترتب على ذلك الموضوع أيضا كلي ينحل الى أحكام وجدانية وتعبدية فلا يلزم اتحاد الحكم مع الموضوع ولا علية الشيء لنفسه والمقام من ذلك القبيل فان المولى يمكن ان ينشأ شيئين طوليين بانشاء واحد ووجوب واحد احدهما تعلق بذات المأمور به أي بما أنها توأم مع القيد والآخر تعلق بتلك الحصة مع قصد القربة فلا يلزم من ذلك محذور أصلا إن قلت فما الفائدة في شمول الأمر للدعوة وجعلها جزء من موضوع الأمر إذ هي مما لا بد منها فحينئذ أي فائدة في تعلقه قلت الفائدة انك تأتي بالفعل بداعي أمرها الضمني ومن تعلقه بالداعوية وجعلها جزء موضوع الأمر يعلم بالاتيان بهذا النحو من الامتثال ان قلت سلمنا جميع ذلك ولكن الأمر العبادي مستتبع لاستحقاق العقوبة لو خالف واعطاء المثوبة لو اطاع ومع تعلقه بالدعوة لم يكن الأمر المتعلق بالفعل من ذلك النحو لأن تعلقه بالفعل يكون حينئذ توصليا لأنه لم يكن فيه قصد التقرب وأما تعلقه بالدعوة فهو أمر ارشادي فعليه لم يكن مترتبا على هذا الأمر العبادي مثوبة في مقام الاطاعة ولا عقوبة فى مقام المخالفة قلت لا نسلم كون الامر المتعلق بالدعوة إرشاديا إذ كونه ارشاديا خلاف الظاهر لأن ظاهر الأمر ان يكون مولويا وحمل الامر

١٩٣

عليه لامكان ان يكون الغرض من الاعلام ان يكون داعيا لصدور الأمر المولوي وهو يستتبع العقوبة لو خالف كما لا يخفى ان قلت يلزم من تعلق الأمر بالدعوة ان يكون داعيا للداعي وهو غير معقول قلت لا ضير فيه فان رجاء المحبوبية والفرار عن العقوبة فانهما داعيان الى إتيان المأمور به بداعي امره فيكون داعيا للداعي ان قلت لا حاجة الى تعلق الامر بالداعي إذ يكفي تعلقه بالفعل فقط قلت لو لم يتعلق الامر بالداعي فلربما يأتي بالفعل بلا دعوة فحينئذ يكون منافيا لغرض المولى فلا بد من التعلق حتى لا يحصل منافات لغرض المولى ان قلت يلزم ان يتعلق الامر بامر غير اختياري لو تعلق بالدعوة لان الداعي حينئذ عبارة عن الارادة وهي غير اختيارية قلنا مسلم ان الارادة غير اختيارية ولكن التكليف لا يتعلق بالامر غير الاختياري ليس على الاطلاق بل اذا لم ينشأ من الامور الاختيارية وإما إذا كان ناشئا من الامور الاختيارية فلا مانع من تعلق التكليف به كما في المقام بان يتصور مفسدته فينهاه أو يتصور مصلحته فيأمر به هذا غاية ما يمكن ان يستدل على امكان اخذ قصد التقرب في المأمور به ولكن التحقيق انه لا يعقل اخذها في المأمور به (١) لانه لو اخذت في المتعلق يلزم ان يلاحظ المتعلق متأخرا عن الامر

__________________

(١) لا يخفى ان الاستاذ قدس‌سره في الدورة الأخيرة قوى إمكان اخذ داعي الأمر في المتعلق بتقريب ان المولى يمكن ان ينشأ بانشاء واحد وجوبيين طوليين أحدهما متعلق بنفس الحصة التي هي توأم مع الدعوة وثانيهما متعلق بالحصة مع الدعوة ولا يتوهم ان لازم ذلك استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد لأن الانشاء انما هو بطبيعي الوجوب واستفادة كل من الخصوصين بدال أخر ولا ينافى كون أحدهما محققا لموضوع آخر إذ كما يمكن ان يكون انشاء واحد ينحل الى انشاءات متعددة في عرض واحد يمكن ان ينحل الى انشاءات بعضها في طول

١٩٤

لتقيده بما هو ناشئ من الامر ولا إشكال في تأخر ما هو ناشئ من الامر كالعلم به والوجه والتمييز وقصد التقرب أو مقيدا بما هو ناشئ منه لحاظا وتصورا فمع كونه كذلك كيف يعقل تعلق الامر بالمتعلق لانه حينئذ يكون المتعلق المقيد بما هو ناشئ من الامر متقدما لحاظا تقدم الموضوع على الحكم فيلزم ان يكون ما هو متأخر لحاظا متقدما وذلك غير معقول للزوم ان يكون الشيء الواحد في اللحاظ متأخرا ومتقدما وبعبارة اخرى ان الدعوة وان كانت معتبرة بما هي موجودة

__________________

الآخر وان شئت توضح الحال فالمقام من قبيل صدق العادل الشامل لخير الشيخ الحاكي عن السنة بواسطة أو وسائط كخبر الشيخ عن الصفار عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام فان شموله لهذه الاخبار ينحل الى وجوبات طولية التي بعضها اخذت موضوعا للاخرى فشمول صدق العادل لخبر الشيخ الذي هو عادل بالوجدان وبذلك يتحقق خبر الصفار تعبدا وخبر زرارة كذلك فحال هذا العموم كحال بقية العمومات مثل أحل الله البيع فكما ان ذلك ينحل الى انشاءات عديدة حسب تعدد الموضوعات كذلك في مثل صدق العادل إلّا ان تلك افراد عرضية وفي صدق العادل افراد طولية ولكن لا يخفى ان ذلك قياس مع الفارق فان الانحلال في مثل صدق العادل انما هو لاجل انه اخذ الموضوع على نحو الحقيقة بان يكون طبيعة سارية فحينئذ ينحل الموضوع فيتبعه الحكم فاذا تعدد الموضوع يتعدد الحكم ويكون نظير كل خبري صادق الشامل لما أخبر به ولا مانع من ان يكون بعض الأفراد يحقق موضوع الآخر وبذلك ارتفع الاشكال الوارد على شمول صدق العادل للاخبار مع الواسطة بخلاف المقام فان الامر ان تعلق بنفس المتعلق من دون قصد التقرب فلا انحلال فيه وان تعلق بالمتعلق مع قصد التقرب فيلزم ما ذكر من محذور الدور بتقريباته أو ملاكه الذي هو تقدم الشيء على نفسه واقعا أو لحاظا وهذه المحاذير لا تتأتى في مثل صادق العادل وكل خبري صادق فلا تغفل.

١٩٥

في الذهن إلا انها تلاحظ بما انها طريق الى الخارج فالآمر يلاحظ الدعوة متأخرة عن الامر فمع اعتبارها فى المتعلق يلزم ان تلاحظ متقدمة على الامر فيلزم التهافت والتناقض في نفس اللحاظ لا فى نفس الملحوظ لكي يقال بانه يمكن تصور الامور المتناقضة وبالجملة الذي اخذ موضوعا للامر ما في الذهن إلا انه بما انه يرى خارجيا فاعتبار الدعوة فى المتعلق تلاحظ بما انها خارجية ولازم ذلك التناقض في مقام اللحاظ هذا كله لو كان اعتبار قصد التقرب في المتعلق بأمر واحد وأما لو كان اعتبارها في المتعلق بامرين احدهما يتعلق بذات الفعل وثانيهما يتعلق باتيانه بداعي امره فهل للآمر ان يتوسل الى تمام غرضه بذلك ام غرضه يحصل بلا حاجة الى الامر الثاني قال الاستاذ قدس‌سره بعدم الحاجة الى ذلك بما حاصله ان الامر الاول ان سقط فلا مجال للامر الثاني وان لم يسقط فليس إلّا من جهة بقاء الغرض الذي صار سببا لحدوثه والعقل يحكم باتيان كل ما يحتمل دخله في الغرض وعليه لا حاجة الى الامر الثاني (١) ولازمه ذلك ان يكون الامر الثاني لو توجه يكون ارشادا الى حكم العقل ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على عدم جريان البراءة وقلنا بجريان الاشتغال المقتضي لاتيان كل ما يحتمل دخله في المتعلق وأما لو قلنا بجريان البراءة فيما يشك فى كونه تعبديا أو توصليا فلا مانع من كون الامر الثاني مولويا اذ لا ينحصر الغرض من الامر في كونه داعيا الى الفعل بل يمكن ان ينشأ الامر مولويا لغرض معرفة التكليف تفصيلا لا يقال ان اتيان المأمور به بالامر الاول من دون قصد التقرب ان كان يسقط كما هو مقتضى امره لكونه تعلق بذات الفعل بلا قصد

__________________

(١) وقربه بعض السادة الاجلة قدس‌سره بان الامر الاول ان كان داعيا لمتعلقه كما هو مقتضى موضوع الامر الثاني فلا مجال للامر الثاني لكونه من تحصيل

١٩٦

التقرب فحينئذ لا يكون عبادة مع انه حسب الغرض انه عبادة وان لم يسقط إلا مع قصد التقرب اتجهت عباديته فلا حاجة الى الامر الثاني لحكم العقل بالاتيان مع

__________________

الحاصل وان لم يكن داعيا فيكون من قبيل الاوامر الصورية وأيد ذلك بان الامر الثاني انما تعلق بالصلاة ليلبسها لباسا خاصا ويعنونها بعنوان خاص أعني كونها مطلوبة ومحبوبة له وبهذا العنوان تترتب المثوبة مع الاتيان والعقوبة مع المخالفة فمع تعنون المتعلق بالامر الاول فلا معنى للامر الثاني لكونه تحصيلا للحاصل وإلا فلا موضوع له ولكن لا يخفى ما فيه فان كون الامر يدعو الى متعلقه لا يفرق بين كونه تعبديا أو توصليا على ان الامر لا يعنون المتعلق ولو عنونه بكونه محبوبا ومطلوبا لزم ان تكون جميع الاوامر عبادية لكونها باجمعها تعنون المتعلق بذلك مضافا الى ان عنوان العبادية تحصل بعد تعلق الامر فهو من قبيل الحكم بالنسبة الى الموضوع لا من قبيل المعلول بالنسبة الى علته وأما ما ذكره في الكفاية فيتم فيما لو علم بكون الامر عباديا وأما لو شك في كونه تعبديا أو توصليا الذي هو محل الكلام فمن اين يستكشف كون غرض المولى لا يسقط بمجرد الاتيان فلا بد من استكشاف غرض المولى من امر آخر فمع عدمه يحكم بعدم بقائه لو كان المولى في مقام البيان مضافا الى انا نختار ان الاتيان بمتعلق الامر الاول يوجب السقوط ولا ينافي ذلك لكونه يوجب رفع موضوع الامر الثاني بان يكون عاصيا برفع موضوعه ودعوى انه لا مجال للامر الثاني حينئذ ممنوعة بل لا مجال لبقائه مع سقوط الامر الاول على انه سيأتي منه قدس‌سره في الامتثال عقيب الامتثال انه يجوز التبديل فيما اذا لم يكن المأتي علة لسقوط الغرض وان جاز الاكتفاء به لو اقتصر عليه فعليه لنا اختيار سقوط الامر الاول مع الاتيان بمتعلقه ولا يوجب ذلك انتفاء الامر الثاني لعدم كون الاتيان يوجب سقوط الغرض فيعيد مع الاتيان بالدعوة لكي يسقط الغرض.

١٩٧

قصد التقرب لانا نقول ان هذا يتم فيما لو علم عبادية المأتي وأما لو شك في عباديته ولم نقل بالاشتغال في مثل المقام فلا مناص للحكم عن ان يظهر غرضه باتيان أمر آخر يتعلق بالفعل مع قصد التقرب.

ومما ذكرنا تعرف ان ما أورده بعض الاعاظم قدس‌سره على الاستاذ بان العقل ليس من وظيفته الالزام بفعل خاص لعدم كونه مشرعا في قبال الشارع وانما وظيفته اتيان العمل على طبق امر الشارع ولذا لا يكون الامر الثاني ارشادا الى حكم العقل وانما هو من قبيل المتمم للجعل محل نظر إذ ليس غرض الاستاذ ان العقل هو المشرع بل غرضه الحكم بالاحتياط في موارد الشك في الامتثال الامر الفعلي على ان تعدد الامر والجعل لا يجعل المحال ممكنا فان اخذ الدعوة بناء على عدم إمكان اخذها في المتعلق فحينئذ يكون محالا ثبوتا فكيف اخذها اثباتا ولو كان ذلك بجعلين اذ تعدده لا يصحح الباطل (١) هذا كله اذا كان الداعي للامتثال هو

__________________

(١) لا يخفى ان تعدد الجعل يرفع المحالية اذ هي عبارة عن كون الشيء الواحد علة ومعلولا وهو يلزم لو كان جعل واحد واما لو كان جعلان تعلق احدهما بالفعل والآخر بالفعل مع الدعوة فلا محالية لعدم لزوم المحذور الذي أوجب المحالية وليس كل جعل منهما ناشئا عن ملاك لكي يكونا من قبيل الواجبين المتزاحمين بل الجعلان نشئا من ملاك واحد حيث ان الجعل الاول لم يكن مستوفيا للملاك لذا احتاج المولى في التوسل الى غرضه الى جعل ثاني ليستوفى غرضه به ولذا يسمى بمتمم الجعل وليس نتيجه الجعل التقيد دائما بل كما يكون نتيجة التقيد يكون نتيجة الاطلاق بيان ذلك ان الملاك الموجب للبعث والتحريك تارة يكون مقيدا وأخرى يكون مطلقا فان كان بعث المولى بجعل واحد وافيا لبيان اطلاق الملاك أو تقيده فلا حاجة الى جعل ثاني واما اذا لم يكن وافيا لذلك بان كان القيد من الانقسامات

١٩٨

قصد التقرب وأما اذا كان الداعي للامتثال غيره كداعي المصلحة والحب والارادة فهل يمكن اخذها أم لا قال الاستاذ قدس‌سره ما لفظه فاعتباره في متعلق الامر وان كان بمكان من الامكان إلا انه غير معتبر فيه قطعا لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال الذي عرفت عدم امكان اخذه فيه بديهة وقد أورد عليه بان داعي المصلحة مثل قصد الامر فان المصلحة في الخارج انما تحصل بقصد الامر مع انها لو اعتبرت في المتعلق لا بد من فرضها حينئذ سابقة على الامر فيعود المحذور السابق وهو تقدم

__________________

المتأخرة غير القابلة لاخذها في متعلق الخطاب كقصد التقرب في العبادة والعلم فى التكاليف والايصال فى المقدمة فان محذور الدور لازم في هذه المقامات فاذا لم يمكن التقيد بها لا يمكن الاطلاق بالنسبة اليها فلذا تحتاج الى بيان آخر يتمم الجعل الاول والبيان تارة يضيق دائرته كما في المقام فان الجعل الثاني يقيد الاول بنحو نتيجة التقيد واخرى يوسع دائرة الجعل الاول بنتيجة الاطلاق كقيام الاجماع أو الضرورة على كون التكاليف يشترك فيها الجاهل والعالم ففي الصورتين لو شك في تحقق البيان الثاني لا يتمسك باطلاق الجعل الاول نعم لا مانع من التمسك بالاطلاق المقامي وظهر مما ذكرنا ان الفرق بين التعبدي والتوصلي هو وجود جعلين احدهما متعلق بذات الفعل والآخر بالفعل مع الدعوة على التعبدي وجعل واحد متعلق بذات الفعل على التوصلي وهو أولى من الفرق المنسوب الى الميرزا الشيرازي الكبير قدس‌سره ان في متعلق الامر العبادي قد اخذ عنوان ملازم لقصد التقرب بنحو لا ينفك عنه وجودا أو عدما بخلاف متعلق الامر التوصلي لورود الاشكال عليه أولا انه لو فرض محالا انفكاكه يلزم عدم صحة المأتي به لو اتى به بقصد التقرب وثانيا ان هذا العنوان لا واقع له بل هو صرف فرض والاثر يترتب على ما هو موجود واقعي وقد ذكرنا في حاشيتنا على الكفاية فروقا أخر لا نطيل بذكرها

١٩٩

الشيء على نفسه ولكن لا يخفى ان المقام من قبيل الامور القصدية التي تكون ذاتها قبل تحقق القصد مستعدة لأن ينظم اليها القصد مثلا ذات القيام فيه جهة استعداد للتعظيم وبقصد التعظم يخرج من الاستعداد الى الفعلية والتعظيم الفعلي ينشأ من القصد واما نفس الاستعداد فهو حاصل قبل طرو القصد ومثل ذلك الفعل الذي تعلق به الامر فيه جهة استعداد للمصلحة وبقصد الامر تحصل فعلية المصلحة ومحذور تقدم الشيء على نفسه انما يتأتى لو قلنا بان نفس الفعلية قد اخذت في المتعلق وأما لو قلنا بان الاستعداد هو المعتبر في المتعلق لا نفس الفعلية وأما الفعلية فهي تحصل من قبل الامر فلا محذور فيه أصلا ودعوى بعض الاعاظم عدم امكان داعي المصلحة في المتعلق لأن اخذه يوجب ان يكون في عرض المتعلق مع انه من علله ممنوعة بان اخذها فى المتعلق يكون من قبيل داعي الداعي فان الامر الذي تعلق بالصلاة مع داعي المصلحة يدعو المكلف الى الاتيان بالفعل بداعي المصلحة ولا محذور في الالتزام بذلك اذا عرفت ما مهدنا لك من الامور الثلاثة فاعلم انه لا يصح التمسك باطلاق الصيغة لاثبات التوصلية لما عرفت من عدم امكان اخذ قصد التقرب في متعلق الامر فاذا لم يمكن تقييده فلا يمكن استكشاف الاطلاق من عدم تقييده اذ يمكن ان يكون عدمه لعدم امكان القيد لا لاجل الاطلاق فما امكن تقييده يمكن استكشاف عدمه بالاطلاق وما لم يمكن تقييده لا يستكشف من عدمه ارادة الاطلاق ولذا كان التقابل بين الاطلاق والتقيد تقابل العدم والملكة كما انه لا يمكن التمسك باطلاق الامر الاول لنفي الامر الثاني لو شك في وجوده لكون الامر الثاني في طول الاول ومتأخر عنه تأخر الحكم عن موضوعه فلا يمكن تقييد الاول به فلذا لو قلنا باعتبار التعبدية من وجود أمرين أيضا لا يمكن لنا التمسك بالاطلاق اللفظي

٢٠٠