منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

الغد لبيان الجري والتلبس فهو مما لا إشكال في كونه على نحو الحقيقة وأما لو كان الجري والتطبيق بالفعل مع ان التلبس في الزمان الماضي كما فى مثل زيد ضارب أمس بان يكون أمس لبيان التلبس مع ان الجري بالفعل فهو الذي وقع النزاع فى انه حقيقة أو مجاز وأما لو كان (أمس) لبيان التلبس والجري فلا اشكال في كونه على نحو الحقيقة ولذا ينبغي جعل العنوان في المشتق انه هل هو حقيقة في الجري بلحاظ الحال أي حال التلبس أو للأعم منه ومن الجري فعلا والتلبس بالمبدإ سابقا وأما لو كان الجري فعلا والتلبس في المبدأ في المستقبل فمجاز بالاتفاق وهذا أولى مما جعله الأستاذ قدس‌سره في عنوان المسألة من أن (المشتق) حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدإ فى الحال) فالحال فيما ذكره لا يراد منه حال التلبس إذ يلزم ان يكون المعنى حقيقة فيما تلبس بالمبدإ في حال التلبس فى المبدأ فلا بد وان يراد منه حال الجري وقد عرفت عدم امكان اخذه في مفهوم المشتق لكونه متأخرا عنه فكيف يؤخذ في مفهومه ولا يخفى ان عبارة الاستاذ قدس‌سره فى الكفاية مختلفة وان كان أخيرا رتب العنوان على حسب ما ذكرنا حيث قال ما لفظه (لا ينبغي الاشكال في كون المشتق حقيقة فيما اذا جرى على الذات بلحاظ حال التلبس ولو كان فى الماضي أو الاستقبال وانما الخلاف فى كونه حقيقة في خصوصه أو فيما يعم ما اذا جرى عليها في الحال بعد ما انقضى عنه التلبس الخ وكيف كان ان وافق حال الجري حال التلبس فهو حقيقة وان تقدم حال الجري على حال التلبس فهو مما اتفق على مجازيته وان تقدم حال التلبس على حال الجري فهو محل الخلاف في انه حقيقة أو مجاز اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استشكل في الثمرة التي رتبها القوم على القولين حيث قالوا بانه يكره البول تحت الشجرة المثمرة والثمرة

١٤١

تترتب على الشجرة التي كانت ذات ثمار فعلى القول بكونه حقيقة في خصوص حال التلبس لا يكره البول تحتها وعلى القول بالأعم منه ومن المنقضي يكره البول تحتها وحاصل الاشكال ان العنوان الذي أخذ في لسان الدليل هو كونها مثمرة فمع مضي الثمرة عنها يصدق عليها انها مثمرة بلحاظ حال التلبس لكي يكون الجري والتلبس واحدا فعلى كلا القولين حينئذ لا ثمرة بينهما اذ يكره البول تحت الشجرة التي كانت مثمرة على القولين ويمكن حل الاشكال بان ظاهر الهيئة التركيبية ان يكون الجري والتوصيف فعليا لأنه من لوازم النسبة الحكمية فمع الأخذ بهذا الظهور يكون الجري فعليا وان كان التلبس ماضيا فمع الاثمار الفعلي في الشجرة يكره البول تحتها على القولين وأما لو كانت مثمرة في الزمن الماضي وبالفعل تعنونت بعنوان كونها مثمرة كما هو ظاهر الهيئة التركيبية فحينئذ تترتب الثمرة على القولين فعلى القول بان المشتق حقيقة في خصوص حال التلبس فلا يكره البول تحتها وعلى القول بالأعم منه ومن المنقضي يكره البول تحتها كما لا يخفى.

الأمر الثامن لا أصل في هذه المسألة يرجع اليه فى مقام الشك اما الاصول اللفظية فاصالة عدم ملاحظة الخصوصية معارض باصالة عدم ملاحظة العموم فلأن كل واحد منهما حادث والأصل يقتضي عدمه وليس لأحدهما أثر دون الآخر لكي يجري دونه ودعوى ترجيح الوضع للأعم لكونه موجبا للاشتراك المعنوي والوضع لخصوص من تلبس بالمبدإ يوجب التجوز فيما انقضى عنه والاشتراك المعنوي أولى من المجاز للغلبة ممنوعة لمنع الغلبة أولا لكون اكثر لغة العرب مجازا وثانيا ان الغلبة لا توجب الترجح بها ما لم تبلغ حد الظهور وأما الاصول العملية فيجري استصحاب عدم الوجوب في مثل ما لو ورد اكرم كل عالم بالنسبة الى

١٤٢

ما انقضى عنه المبدأ قبل مجيء الخطاب وبالنسبة الى ما كان متلبسا بالمبدإ وورد الخطاب فى ذلك الحال ثم انقضى عنه المبدأ فلا مانع من استصحاب الوجوب ولا مجال لجريان اصالة كونه عالما حال التلبس لكي يجري استصحابه في الصورتين لأن ذلك من المفهوم المردد الذي لا نقول بجريان الاستصحاب فيه وبالنسبة الى طرفي لترديد فلا يجري الأصل لكون احدهما معلوم الارتفاع والأخر معلوم البقاء وعليه يرجع بالنسبة الى المفهوم المردد بين الاقل والاكثر الى الاطلاق أو العموم اذا عرفت ذلك فاعلم أن الحق هو ان المشتق حقيقة في خصوص من تلبس بالمبدإ ومجاز فيما انقضى عنه من غير فرق بين كونه متعديا أو لازما أو كونه من اسماء الفاعلين أو المفعولين أو من غيرها وسواء كان المبدأ قد أخذ فعليا أو ملكة أو حرفة أو صناعة أو غيرهما للتبادر فان من قال زيد نائم لا يفهم منه إلّا انه متلبس بالنوم ولا يفهم انه مستيقظ وانما اطلق عليه النائم بلحاظ ما انقضى عنه وبصحة السلب عن المنقضي عنه المبدأ فان من تلبس بالقعود فعلا يصح سلب القيام عنه ويطلق عليه قاعد ولا يقال له قائم ودعوى ان صحة السلب علامة فيما اذا كانت مطلقة لا ما كانت مقيدة ممنوعة لامكان رجوع القيد الى السلب او الى نفس الموضوع فيكون السلب مطلقا مثلا يسلب عن زيد الآن القيام مطلقا بان يكون قيدا للموضوع كما انه يصح زيد ليس الآن بقائم مطلقا بان يكون الآن قيدا للسلب وتقييد الموضوع أو السلب لا ينافي الاستدلال بذلك مع وجود الاطلاق في المحمول وبانه لا اشكال ولا ريب ان بين الصفات المتقابلة تضادا كما بين القائم والقاعد والمتحرك والساكن مع انه على الاعم يلزم رفع التضاد بينهما أو الجمع بين الضدين مثلا القائم يصدق على من كان قاعدا فيقال له قائم وقاعد وعلى من كان ساكنا

١٤٣

متحرك وساكن وعلى من كان عادلا عادل وفاسق ومنشأ هذا التضاد بين الصفات المتقابلة هو التضاد بين مباديها فان القائم والقاعد بينهما تضاد لأجل التضاد بين القيام والقعود ودعوى أن التضاد متحقق بين المبادئ وأما المشتقات فالتضاد انما هو على القول بالوضع لخصوص من تلبس بالمبدإ وأما لو قلنا بالوضع للأعم فلا تضاد بينها ممنوعة لأن التضاد امر وجداني لا يفرق فيه بين المبادئ والصفات المتقابلة واما دعوى عدم امكان الوضع للاعم كما ينسب الى بعض الاعاظم قدس‌سره بتقريب ان من يقول بالأعم لا يقول بالاشتراك اللفظي بل يقول بان المشتق موضوع للقدر الجامع بين المتلبس والمنقضي وليس بينهما جامع سوى الزمان والزمان ليس معتبرا في الفعل فكيف يعتبر فى الاسم فهي ممنوعة لعدم المانع من اخذ عنوان المتلبس بالمبدإ جامعا سواء كان موافقا للجري والانتساب او كان في حال الانقضاء وهذا وان كان ملازما للزمان إلّا انه ليس دخيلا في مفهومه وان كان في التعبير عن مفهوم المشتق بذلك تسامح اذ هو مطابق لمفهومه وليس هو الموضوع له إذ لو كان هو الموضوع له لزم ان يكون مثل حال التلبس أو حال الجري أو حال الحكم مأخوذا في مفهومه بنحو دخول التقييد وخروج القيد فيلزم ان يؤخذ في الموضوع ما يتوقف على الوضع وهو باطل أو قلنا بانه على نحو خروج القيد والتقيد بان يكون موضوعا للحصة المقارنة لأحد هذه الأمور فيلزم عدم تحقق الموضوع له إلا بتحقق هذه الأمور وهو خلاف الوجدان اذ المشتق يتحقق بمادته وهيئته وان لم يتحقق له مطابق في الخارج فالأولى التعبير عنه بالمفهوم الذي يكون مطابقه ومصداقه في الخارج هو خصوص المتلبس في حال تلبسه او انه موضوع لمفهوم يمكن صدقه على المتلبس والمنقضي عنه وعليه لا يفرق بين القول ببساطة المشتق أو تركبه

١٤٤

ادلة الاعم

ومما ذكرنا. نعرف انه لا وجه لما استدل به للأعم بالتبادر وعدم صحة السلب وقد عرفت ان المتبادر هو المتلبس بالمبدإ بالخصوص كما أن المنقضي عنه المبدأ يصح سلبه والحاكم بذلك هو الوجدان وايضا استدل للقول بالاعم باستدلال الامام (ع) تأسيا بالنبي (ص) بقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) على عدم لياقة من كان عابدا صنما لمنصب الامامة وظاهر ان هذا الاستدلال لا يتم إلا بناء على ان وضع لفظة ظالم للاعم ولكن لا يخفى انه يتم استدلال الامام على ان يراد من ظالم الأعم وذلك لا يلزم ان يكون على نحو الحقيقة بل يتم ولو على نحو المجاز اللهم إلّا ان يقال ان المجاز يحتاج الى القرينة وهي غير موجودة فى المقام ويمكن ان يقال بتحقق القرينة وهي مناسبة الحكم للموضوع فان الخلافة منصب شريف ومرتبة عالية لا تليق لمن تلبس بالظلم ولو آناً ما أو ان الاستعمال في المقام على نحو الحقيقة بان يكون بلحاظ حال التلبس ولكن لا يخفى انه يمنع ذلك فان ظاهر الهيئة التركيبية تدل على فعلية الجري الذي هو مفاد النسبة الحكمية فجعل هذه الآية الشريفة بلحاظ حال التلبس خلاف ظاهرها وان امكن الالتزام بذلك في مثل السارق والسارقة أو الزاني والزانية إلّا ان ذلك في الأمور الآنية لا مثل الامور القارة وما يقال ان المقام من الأمور الآنية لأن الظلم آني ففي غير محله فان المراد من الظلم هو الشرك وهو من الامور القابلة للاستدامة وعليه ان ظهور الهيئة التركيبية يدل على كون الجري فعليا أي انطباق عنوان الظالم يكون فعليا وان كان التلبس بمبدإ الظلم منقضيا فعليه استدلال الامام (ع) بهذه الرواية لا يتم إلّا بناء على وضع لفظ المشتق للأعم

١٤٥

إلّا أن الشأن في الرواية سندا ودلالة كما لا يخفى.

بساطة مفهوم المشتق

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول ان المشتق بسيط أو مركب ولا يخفى ان البساطة تارة تكون بحسب اللحاظ بان ينسبق المعنى من اللفظ بمجرد سماعه كرجل مثلا ويقابله المركب لحاظا وهو الانتقال الى معان من سماع الفاظها كغلام زيد مثلا واخرى بحسب الحقيقة والواقع ويقابله التركيب الحقيقي أما المعنى الأول من البساطة فغير مراد في المقام إذ المشتق لفظ كسائر الالفاظ والالفاظ بالنسبة الى معانيها وجودات لها فاللفظ بتمامه وجود لمعناه لا كل جزء من اللفظ وجود لكل جزء من المعنى فحينئذ عند سماع كل لفظ ينتقل الى معناه ولذا لا معنى للقول بالتركيب في اللحاظ وأما النحو الثاني من البساطة فتارة يكون بسيطا حتى في مقام التحليل كالوجود وأخرى بسيطا بالنسبة الى معناه الحقيقي وان كان عند التحليل يحلله العقل الى اجزاء كالانسان فانه بسيط حقيقة وعند التحليل يحلله العقل الى جنس وفصل وهكذا اكثر المفاهيم فانها معان حقيقية بسيطة إلا ان العقل يحللها الى شيئين وهذا مما لا إشكال فيه بالنسبة الى ما كان مجموع المادة والهيئة موضوعين لمعنى واحد كالجوامد وأما بالنسبة الى المشتقات فقد وقع الكلام فيها على أقوال ، الأول انه مركب من مادة وحدث ونسبة.

الثاني مركب من نسبة وحدث والذات خارجة عن مفهومه وانما هي من لوازم للمعنى ويقال له بسيط باعتبار عدم دخول الذات في مفهومه.

١٤٦

الثالث مفاده هو المبدأ وليست الذات ولا النسبة دخيلتين في مفهومه وانما هو عبارة عن المبدأ إلا انه أخذ لا بشرط والمبدأ اخذ بشرط لا والحق هو القول الثاني لأن المشتق يشتمل على مادة وهيئة والمادة موضوعة لنفس الحدث والهيئة موضوعة لانتساب الحدث فلم يكن في المشتق ما يدل على الذات فمن اين جاءت الذات؟ نعم هي من لوازم معناه ودعوى عدم دخول النسبة ممنوعة للزوم لغوية الهيئة حينئذ كما ان دعوى دخول النسبة فى مفهومه يتوقف على دخول الذات لأنها لا تتحقق بدون الطرفين فى غير محلها لأن النسبة تحتاج الى المنتسبين واقعا لا انها تحتاج الى المنتسبين فى مقام الدلالة اللفظية ولذا قلنا بان الذات من لوازم المعنى وما يقال بان خروج الذات عن مفهوم المشتق يوجب عدم صحة الحمل لأنه يعتبر فيه الاتحاد وجودا ومع عدم دخول الذات يكون المحمول المبدأ والنسبة وهما ليسا متحدين مع الموضوع فلا يصح الحمل فانه يقال بان الذات من لوازم المعنى والمشتق يدل عليها بالدلالة العقلية وذلك كاف فى صحة الحمل ثم انه قد استشكل على اعتبار الذات في مفهوم المشتق ولو بالدلالة العقلية بانها أما مفهومها معتبر أو مصداقها فان كان الأول فهو خلاف ما نجده لو كان المشتق موضوعا في القضية وان كان الثاني كما هو كذلك بالنسبة الى قولنا النامي أما حيوان أو انسان فيراد منه مصداق الذات وهو الجسم او المتحرك أما إنسان أو فرس فالمراد منه هو الحيوان الذي هو مصداق الذات فحينئذ يلزم ان يكون المشتق من متكثر المعني مع انه لا إشكال عند القوم بعده من متحد المعنى ، ولكن لا يخفى ما فيه فان المراد من الذات المدلول عليها بالدلالة العقلية هو نفس المفهوم لكنه لم يؤخذ بما انه مفهوم بل بنحو يشير الى ما يطابقها من المصاديق مما يناسب مادة المشتق فعليه يخرج من متكثر المعنى

١٤٧

لعدم إرادة المصاديق بخصوصها. ومما ذكرنا ظهر لك بطلان القول الأول والثالث أما القول الأول فلما عرفت من ان المشتق مركب من مادة وهيئة مادته تدل على الحدث وهيئته تدل على النسبة فلم يكن فيه ما يدل على الذات فعليه من أين جاءت الذات للمشتق واما القول الثالث فلما عرفت من ان الهيئة موضوعة للنسبة ومع كون المشتق هو المبدأ مفهوما يلزم ان لا يكون للهيئة معنى وهو مخالف للوجدان ودعوى ان الهيئة في المشتقات لها معنى آخر وهو قلب المشتق من عدم صحة الحمل الى صحة الحمل إذ المبدأ إذا اخذ بشرط لا لا يصح حمله واذا اخذ لا بشرط صح حمله في غير محلها اذ المبدأ حيث لم يكن متصفا بهيئة خاصة فلا يكون له قابلية لأن يصح حمله لما عرفت انه كلي سار في ضمن الهيئات فبدون هيئة غير قابل لأن يحمل ومع تلبسه بهيئة خاصة كهيئة المصدر فانه غير قابل للحمل ولو اعتبر لا بشرط نعم يصح حمله اذا قصد منه المبالغة وقصدها اجنبي عن مفاد الهيئة كما لا يخفى

الأمر الثاني : استدل السيد الشريف على خروج الذات عن مفهوم المشتق بما ملخصه ان مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا وإلا لكان العرض العام داخلا في الفصل ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورة لأن الشيء الذي له الضحك هو الانسان وثبوت الشىء لنفسه ضروري وقد أجاب صاحب الفصول عنه باختيار الشق الاول ودفع المحذور الذي ذكره بان الفصل مثلا يعتبر مجردا عن الذات عند اهل المنطق ولا ينافي اعتبار الذات في مفهومه عند اهل اللغة وقد أورد عليه الأستاذ قدس‌سره بأن اهل المنطق جعلوا الناطق فصلا بما له من معناه اللغوي ثم ان الاستاذ قدس‌سره أجاب عن السيد الشريف بما لفظه (ان مثل الناطق ليس بفصل حقيقي بل لازم ما هو الفصل

١٤٨

واظهر خواصه وانما يكون فصلا مشهورا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه بل لا يكاد يعلم) وحاصله ان التعاريف منحصرة بالرسوم كما يحكى ذلك عن الشيخ الرئيس قال في تعليقاته (لم يكن بد إلا التعريف باللوازم والخواص) وسر ذلك عدم الوصول الى معرفة الفصول الحقيقية فان كل ما يكون فصلا مشهورا منطقيا فهو من لوازم الفصل الحقيقي فان الناطق مثلا الذي يعده المنطقيون فصلا فهو ليس بفصل حقيقي لأن النطق اما بمعنى الادراك فهو من الكيف النفساني وان اخذ من النطق الظاهري فهو كيف مسموع وكيف كان فالنطق من الاعراض ليس من الذاتيات نعم هو من لوازم الفصل الحقيقي بل لا يعقل معرفة الفصول الحقيقية لغير علام الغيوب كما عن صدر المتألهين من ان الفصول الحقيقية هي الوجودات والوجود غير معلوم بالكنه لغير علام الغيوب ودعوى ان الناطق اخذ فصلا للانسان بمعنى ذو النفس الناطقة ولم يؤخذ بمعنى الادراك أو التكلم وعليه حينئذ يطلق عليه الفصل حقيقة ويتوجه المحذور المذكور لكونه فصلا حقيقيا ممنوعة فان ذو النفس الناطقة انما هو النوع وليس بالفصل (١) ثم انه ينسب الى بعض الاعاظم قدس‌سره الميل الى ان الشيء ليس من الاعراض العامة وإلا لاختص بجنس لأنه من لوازم العرض العام ذلك مع ان شيئية الشيء تعرض لكل ماهية من الماهيات وليس وراء الشيئية امر يكون هو الجهة الجامعة لكي تكون الشيئية من عوارضه وخواصه ولازم ذلك ان يكون الشيء جنس الاجناس فحينئذ لا يلزم اخذ العرض فى الفصل بل من قبيل اخذ الجنس فى الفصل ولا محذور فيه ولكن لا يخفى

__________________

(١) هذا بناء على ان ذو اشارة الى جهة الاجمال فحينئذ يكون معناه الانسان الذي هو النوع وأما بناء على ان ذو اشارة الى جهة التفصيل كما هو مراد

١٤٩

ان الشيء من الاعراض العامة خارج عن دائرة المقولات ولا يختص بجنس أو بفصل بل يعرض على كل جنس وفصل ولا يعقل ان يكون جنسا عاليا لعدم امكان ان يكون ما به الاشتراك بين الجنس الذي يكون اخص منه وبين فصله حيث ان الجنس معتبر بنحو القوة والشأنية والفصل بنحو الفعلية ومن هنا تعرف ان الشيء لا يكون جنسا عاليا (١) والتحقيق هو ان يقال انه لا مانع من جعل الناطق فصلا حقيقيا لا مشهورا منطقيا بيان ذلك هو ان المشتق يدل على الذات أما بالوضع أو بالدلالة العقلية على ما هو المختار وليس المراد منها المفهوم بما هو هو

__________________

من يقول بانه الفصل الحقيقي فيكون حينئذ اشارة الى جهة الفصل فلا يكون عبارة عن النوع كما لا يخفى.

(١) وربما يوجه الاشكال بان صدق الشيء على الفصل لازم لكونه جنسا فيكون ما به الاشتراك هو نفس الشيء فحينئذ يحتاج الفصل الى فصل وهكذا بالنسبة الى فصل الفصل فما به الاشتراك هو الشيء فيحتاج الى الفصل وهكذا ولكن لا يخفى ان ذلك يتأتى بالنسبة الى الجوهر الذي هو من الاجناس فانه يصدق على ما هو بالقوة كالحيوان وعلى ما هو بالفعل كالناطق كما ان مقتضى صدقه على الفصل يكون هو ما به الاشتراك فيحتاج الفصل الى فصل وهكذا فكلما يجاب بالنسبة الى الجوهر يجاب عن كون الشيء جنسا فالحق فى الجواب ان الشيء من العوارض العامة ولا يكون من الاجناس إذ الجنس ما يكون مقوما لأنواعه وشيئية الشيء لا يحصل بها القوام مضافا الى انه لو كان جنسا يلزم ان يكون جنس الاجناس لصدقه على الجنس كالجوهر وعلى العرض ولا يعقل ان يكون لهما جامع ذاتي اذ حقيقة الجوهر ما يتقوم بنفسه والعرض ما يتقوم بالغير ولا يعقل ان تكون حقيقة واحدة تتقوم بنفسها وبغيرها كما لا يخفى فافهم وتأمل.

١٥٠

وانما يراد منها المفهوم مشيرا الى المصداق والمبدأ المأخوذ في المشتق هو طبيعي الحدث كالضرب مثلا ولازمه ان يكون ما يعرض عليه ذلك المبدأ هو طبيعي ما يصدق عليه المفهوم وحينئذ يكون مفاد المشتق هو طبيعي الذات مشيرا بها الى الامر الكلي القائم به المبدأ الذي هو من خواص الفصل وبعبارة أخرى ان النظر الى الذات تارة يكون مستقلا واخرى يكون النظر اليها تبعيا وعليه يكون النظر الأصلي متوجها الى ما ينطبق عليه من الذات وهو الطبيعة القائم بها المبدأ فان لوحظت الذات بالنحو الثاني يكون المقصود من الذات المصداق لا المفهوم وحيث ان المبدأ القائم بالذات انما هو طبيعي الحدث ولازمه ان الذي يقوم به الحدث هو امر كلي وإلا لو كان مشيرا الى اشخاص مصاديق الذات كان من متكثر المعنى مع انه لا اشكال عند القوم انه من متحد المعنى وحينئذ نفس المبدأ أي النطق سواء كان معناه التكلم أو ادراك الكليات انما هو عرض من الاعراض ولا يعد من الفصول ولكن مع اخذ الذات أما وضعا أو التزاما في مفهوم الناطق الذي جعل فصلا واشير به الى ما هو معروض للنطق الذي هو من لوازم الفصل الحقيقي فيكون مشيرا الى نفس الفصل الحقيقي فعليه يصح اطلاق الفصل حقيقة على الناطق ان قلت لم لا يطلق على مثل الضاحك والقائم والقاعد فصولا مع ان الذات بالمعنى الذي ذكر قد اخذت فيها قلنا ان القوم لما لم يصلوا الى معرفة الفصل اخذوا من خواص ما هو الفصل الحقيقي وأقاموه مقامه فبالنسبة الى النوع الذي هو الانسان اخذ فيه ما هو من خواص الفصل الحقيقي الذي هو النطق بمعنى ادراك الكليات لقربه منه وأقاموه مقامه وليس كذلك الضحك والقيام أو نحوهما لبعدها عنه فلم يجعلوها بمقام الفصل الحقيقى اما تسميتها بالخاصة والعامة فانما هو باعتبار نفس المبدأ فان كان من خواص

١٥١

النوع سمي بالخاصة وان كان مما يعمه سمي بالعامة وبالجملة المبدأ الذي هو من لوازم الفصل الحقيقى قيام طبيعته بطبيعة الذات المشيرة الى ما هو معروض لذلك المبدأ يعد ذلك فصلا حقيقيا لا فصلا مشهورا منطقيا فافهم.

ثم ان صاحب الفصول أجاب عن الشق الثاني فقال ما حاصله ان المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا بل مقيدا بالوصف وليس ثبوته للموضوع حينئذ بالضرورة لجواز ان لا يكون القيد ضروريا توضيح الجواب بان القضية الضرورية تفتقر الى حمل المساوي على المساوي أو حمل الاعم على الاخص والمقام لم يكن من أحدهما اذ انضمام القيد الى الذات فى المحمول يوجب جعلها اخص من الذات في الموضوع فيكون من باب حمل الاخص على الأعم وهو لا يلزم ان يكون ضروريا وقد أورد عليه الاستاذ قدس‌سره في الكفاية ما لفظه ان عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب فان المحمول إذا كان ذات المقيد وكان القيد خارجا وان كان التقيد داخلا بما هو معنى حرفي فالقضية لا محالة تكون ضرورية ضرورة ضرورية ثبوت الانسان الذي يكون مقيدا بالنطق للانسان.

بيان ذلك ان القيد إذا بني على خروجه يكون معروضه وهو المقيد باق على اطلاقه وأما التقيد لا يوجب تضيق دائرة المعروض إذ كان داخلا لأن التقيد معنى حرفي لم يلحظ إلا تبعا للمعروض واللحاظ الاستقلالي متعلق به ففي مقام اللحاظ لم يلحظ استقلالا فحينئذ يكون المقيد باقيا على اطلاقه (مثلا ضارب زيد) معناه له الضرب فالنظر الاستقلالي قد توجه الى الطرفين وهو زيد والضرب والتقيد لم يكن متوجها اليه النظر لأنه معنى حرفي ولذا جعل مدلولا للام فعليه يكون من حمل المساوي على المساوي وبهذا البيان يندفع الاشكال عنه وهو ان التقيد إذا كان

١٥٢

داخلا يوجب ان يكون المحمول اخص فيكون من باب حمل الاخص على الاعم وهو بالامكان لا بالضرورة لما عرفت انه لا اثر لدخوله إذ هو معنى حرفي لم يكن النظر متوجها اليه فيكون المقيد باقيا على اطلاقه وهو من حمل المساوي على المساوي وهو ضروري لا ممكن هذا ولكنه يرد عليه ان ما ذكر من البناء فاسد لأن القيد ولو كان خارجا ولكن المقيد يكون حصة توأما مع القيد فيكون اخص من المعروض وهو من باب حمل الاخص على الاعم وحمله كذلك بالامكان لا بالضرورة ثم قال الاستاذ قدس‌سره بالنسبة الى الشق الثاني (وان كان المقيد بما هو مقيد على ان يكون القيد داخلا فقضية الانسان ناطق ينحل فى الحقيقة الى قضيتين احدهما قضية الانسان انسان فهي ضرورية والاخرى قضية الانسان له النطق وهي ممكنة وذلك لأن الاوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الاخبار بعد العلم تكون أوصافا فعقد الحمل ينحل الى قضية كما ان عقد الوضع ينحل الى قضية مطلقة عامة عند الشيخ. وقضية ممكنة عند الفارابي فتأمل) بيان ذلك انك قد عرفت منا سابقا ان النسبة الناقصة كغلام زيد تدل على وقوع النسبة والنسبة التامة تدل على ايقاعها وحينئذ تكون النسبة الناقصة متأخرة عن النسبة التامة لتأخر الوقوع عن الايقاع فاذا ابرزت النسبة الخبرية الى عالم النطق كزيد ضارب انحلت الى قضيتين عقد في طرف الموضوع وهو حمل زيد على زيد والمحمول في هذا العقد صار موضوعا للقضية الثانية كزيد له الضرب ولذا كانت القضية الأولى ضرورية والثانية ممكنة (١)

__________________

(١) يتم ما ذكره قدس‌سره بناء على ان كل جزء من المحمول خبر مستقل مثل قولك زيد شاعر كاتب وأما بناء على ان المجموع هو الخبر كقولك هذا حلو حامض أو هذه رقبة مؤمنة فهو قضية واحدة.

١٥٣

ولكن لا يخفى ان اخذ القيد داخلا يوجب الانحلال إلا ان المحمول على الموضوع هو مجموع القضية الثانية ويكون حمله من باب حمل الاخص على الاعم وحمله بالامكان لا بالضرورة فان قلت ان الموضوع فى كل قضية يؤخذ توأما مع القيد بمعنى انه يؤخذ طبيعة مهملة لا مطلقة حتى يشمل حال عدم القيد ولا مقيدة بل يؤخذ حصة توأما مع القيد فحينئذ يكون الحمل في المركبات التامة من باب حمل المساوي على المساوى أو حمل الاعم على الاخص وهما من القضايا الضرورية لا من باب حمل الاخص على الاعم الذي هو بالامكان قلنا ان مرتبة الموضوع سابقة على مرتبة المحمول في الجملة وحين ارادة الحكم على الموضوع لا بد ان مراد به نفس الموضوع أي القابل لطرو العوارض من غير اختصاص له بالبعض فاذا تحقق الحمل وتم الاخبار خرج الموضوع عما كان له من التوسعة ففي هذه الحالة لا يشمل حالة ضد القيد بل يكون توأما معه وبالجملة فرق بين الحالة السابقة والحالة اللاحقة والحمل معتبر بالنسبة الى الحالة السابقة ففي تلك الحالة يكون الحمل ضروريا أو ممكنا فافهم ثم لا يخفى ان انقلاب القضية الممكنة الى الضرورية غير مختص بما لو اخذ مصداق الشيء كما هو ظاهر الكلام المنقول عن السيد الشريف بل يجري حتى لو اخذ مفهوم الشيء فى المشتق ضرورة صدق مفهوم الذات على كل مصاديقه التي منها موضوع القضية ثم انه قد استدل على البساطة بانه لو كان فى المشتق تركيب يلزم تكرر الموصوف مع ان في مثل زيد العالم جاءني ليس في الموصوف تكرير كما انه يلزم التكرير في مقام الاخبار لأنه أولا يحصل الانتقال الى زيد ثم يحصل الانتقال اليه ثانيا ضمنا فى المحمول ومن الواضح انه ليس الامر كذلك إذ لا يحصل الانتقال الى ذاتين بل الى ذات واحدة وهذا شاهد على بساطة المشتق ولكن لا يخفى ان ذلك يلزم

١٥٤

لو قلنا بدخول الذات في مفهوم المشتق وقد عرفت ان المشتق مركب من مادة وهيئة مادته موضوعة لنفس الحدث والهيئة موضوعة لنسبة الحدث وحينئذ من اين جاءت الذات دخيلة فى مفهوم المشتق ودعوى انها مأخوذة فيه لأنه يفهم من ضارب الذات ممنوعة إذ فهم الذات من ضارب ليس لاجل ان الذات مأخوذة فيه بل لأجل ان الذات كانت طرفا للنسبة والنسبة تفتقر الى الطرفين كما لا يخفى

الأمر الثالث ، الفرق بين المبدأ والمشتق ان المبدأ ما يكون آبيا عن الحمل والمشتق ما لا يكون آبيا عنه وسر ذلك هو ان المشتق لما كان مستلزما للذات ويكون النظر اليها باللحاظ الأصلي فلذا صح حمله بخلاف المبدأ فانه لا دلالة له على الذات بل يرى مميزا عنها فلذا لا يصح حمله والاستاذ قده في الكفاية جعل وجه صحة الحمل فى المشتقات هو انها مأخوذة لا بشرط وعدم صحة الحمل في المبادي هو اخذها بشرط لا وبهذا جعل الفرق بين المبادي والمشتقات ويتضح ذلك بقياسه على الأمور الخارجية مثل الصلاة التي اجزاؤها الركوع والسجود مثلا تارة تعتبر هذه الاجزاء من حيث انبساط طبيعة الصلاة عليها فهي عين الكل وتارة تلحظ بما انها متباينة بحدودها فهي لم تحمل بعضها على بعض وهو معنى بشرط لا وتارة تلحظ بما لها من اجزاء الصلاة وانها تتضمن الوجوب الذي هو أعم من الاستقلالي والضمني فحينئذ يصح حمل بعضها على بعض وهو معنى لا بشرط اذا عرفت ذلك بالنسبة الى الاجزاء الخارجية يتضح لك الحال بالنسبة الى الاجزاء الذهنية مثل الجنس والفصل فانه بالنسبة الى بعضها مع بعض مأخوذة لا بشرط فلذا صح حمل بعضها على بعض ولكن لا يخفى ان اخذ المشتق لا بشرط ليس هو المصحح للحمل لعدم صحة نسبة ما هو من شئون الذات اليه مثل اكرم العالم أو

١٥٥

قبّل يده حيث انه على ذلك المبنى ان الملحوظ فى العالم ليس إلا نفس المبدأ منفصلا عن الذات فعليه لا ينسب اليه ما يكون من خواص الذات وبعبارة اخرى ان اللابشرطية اخذت بنحو يصحح الحمل كما اخذت في الجنس أو الفصل وذلك لا يوجب حضور الذات عند حملهما بل اعتبر فى المشتق نفس المبدأ من دون اعتبار حضور الذات وعليه كيف يصح ان ينسب اليه ما هو من شئون الذات وخواصها مثل الاكرام والتقبيل وذلك لا يجري على ما اخترناه من خروج الذات من المشتق فانها وان خرجت مفهوما إلا انها من لوازم معناه لعدم امكان تعقل المبدأ من دون تعقل الذات بل ينظر الى المبدأ نظرا تبعيا كالنظر الى ثياب الرجل فان النظر الأصلي تعلق بذاته والنظر الى ثيابه تبعي ولذا صح نسبة ما هو من شئون الذات من الاوصاف الى الذات وانها بالنظر الاصلي هي المحمول وان حمل الوصف بلحاظ كونه من توابع الذات ومن شئونها بنحو لا يرى بينهما المغايرة وانما يرى الاتحاد بينهما بل في مقام النظر يرى عينه وانه من مراتبه وبالجملة الذات ملحوظة بما انها متجلية بمبدإ من المبادي وأما نفس اخذ المشتق لا بشرط لا يوجب صحة الحمل ما لم تلحظ الذات ومما ذكرنا ظهر ان ملاك الحمل في المشتقات هو كون الذات من لوازم معنى المشتق فانه بذلك تحصل الهوهوية والاتحاد وجودا الذي هو الملاك في الحمل وعمدة ما دعاهم الى الالتزام بخروج الذات عن المشتق وانه عبارة عن نفس المبدأ هو حمل صفات الباري جل وعلا كعالم وحاكم والموجود ونحوها من الصفات مع الجزم بانه تعالى عين العلم والحكم والوجود لا ذات له العلم أو الحكم او الوجود لما هو معلوم ان صفاته عين ذاته بنحو لا يرى تعدد في ذاته تعالى فلا ترى في ذاته جل وعلا ذات مع صفة العلم ومن هنا كان كمال توحيده نفي الصفات عنه. ولكن

١٥٦

لا يخفى ان الصفات الجارية عليه تعالى على نحو جريانها على الممكن بتقريب ان الصفات الجارية على الممكن حاكية عن ذات تجلت بمبدإ من المبادي كذلك بالنسبة الى ذاته تعالى فانها أيضا تحكي عن ذات تجلت بمبدإ دون مبدأ.

غاية الأمر ان الصفات الجارية عليه تعالى تتجلى الذات بتلك الصفات بتجليات ذاتية وبعين ذاته لكون صفاته عين ذاته وفى الممكن تجلت الذات بمبدإ خاص بتجلى عرضي لكون صفاته زائدا على ذاته كانطباق الابيض على الجسم الأبيض المتصف بالبياض وعلى نفس البياض فان الجسم يبض بالبياض ببياض عرضي وبياضية البياض ببياض ذاتي وهذا لا يوجب فرقا بالنسبة الى صدق المشتق فان صدقه على نحو واحد.

الامر الرابع ان الذات تارة تتلبس بالمبدإ حقيقة كما اذا نسب الى ما هو له كنسبته الجريان الى الماء فتقول جرى الماء واخرى ما يكون التلبس مجازا كما اذا نسب الى غير ما هو له كنسبة الجريان الى الميزاب فتقول جرى الميزاب وهذا مما لا إشكال فيه وانما الكلام في إطلاق المشتق كالجاري مثلا على الميزاب هل من باب التجوز في الكلمة أو من التجوز في الاسناد قولان اختار صاحب الفصول قدس‌سره الاول واعتبر الاسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة واختار الاستاذ قدس‌سره الثاني قال ما لفظه (فاسناد الجريان الى الميزاب وان كان اسنادا الى غير ما هو له وبالمجاز إلّا انه بالاسناد لا في الكلمة) وقد يقرب القول الاول بأن المشتق يدل على النسبة الناقصة وهي تحصل من النسبة التامة لأنها من نتائج التامة مثلا اذا نسب الجريان الى الماء فيقال جرى الماء ثم يصدق عنوان الجاري على الماء وحينئذ اطلاق المشتق على موضوع من نتائج النسبة التامة فان كان الانتساب الى

١٥٧

ما هو له كما فى المثال المتقدم يكون اطلاق المشتق على المتلبس اطلاقا حقيقيا وان كان الانتساب الى غير ما هو له كما في مثل جري الميزاب فان الذي يجري هو الماء لا الميزاب يكون اطلاق المشتق وهو عنوان الجاري على المتلبس بالجريان مجازا وذلك من باب التجوز فى الكلمة لا في الاسناد ولكن لا يخفى ان النسبة الناقصة الجزئية من نتائج النسبة التامة والمشتق يدل على النسبة الناقصة الكلية والانصاف انه لا تجوز في الكلمة ولا في الاسناد وانما التجوز فى المسند اليه وهو فى الميزاب بان يدعى انه ماء وأسند اليه الوصف اليه حقيقة فهو من باب الاستعارة بالكناية على حد قوله (انشبت المنية اظفارها) والحمد لله رب العالمين.

١٥٨

المقصد الاول فى الاوامر

وفيه فصول :

الفصل الاول في مادة الأمر ، والكلام فيها من جهات ، الأولى : ذكر القوم لمادة الامر معان متعددة كالطلب والشيء والفعل العجيب ومطلق الفعل والشأن والحادثة والغرض واختلفوا في أن مادة الأمر موضوعة للقدر الجامع بين هذه المعاني فيكون من المشترك المعنوي أو انها موضوعة للطلب بوضع مستقل ولجامع يجمع بقية المعاني بوضع مستقل فيكون من المشترك اللفظي بين الطلب وبين ما يجمع بقية المعاني. والجامع لبقية المعاني قيل هو الشيء كما هو ظاهر كلام الاستاذ (قدس‌سره) أو الشأن كما ينسب الى الفصول وقد أورد الاستاذ عليه ، بان الشأن ليس من المعاني لكي يؤخذ جامعا إذ لم يستعمل في معنى الشأن فى مثل قوله (شغله امر كذا) وانما استعمل في مصداقه وهكذا بالنسبة الى الحادثة والغرض والفعل فانها لا تعد من معانيه إلّا إذا استعمل الأمر في مفاهيمها مع انها لم تستعمل إلا في مصاديقها فان كون الشيء الواحد مصداقا لمفاهيم متعددة ـ كزيد مثلا ـ مصداقا للكاتب وللشاعر وللعالم لا يصحح ان تعد هذه المفاهيم من معاني زيد فلذا قال الاستاذ ما لفظه : لا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء (١).

__________________

(١) لا يخفى ان هذا ينافى ما ذكره أخيرا ـ فى الكفاية ـ ما لفظه ، كما لا يبعد ان يكون كذلك في الاول ، أى الطلب فانه ينافى جعل الامر حقيقة فى الطلب والشيء ، اللهم إلا ان يقال : ان ما ذكره أولا انما هو باعتبار الوضع وما ذكره أخيرا فانما هو فى مقام الظهور ، ومقام الظهور لا ينافي مقام الوضع اذ الظهور يعين المراد لا الموضوع له كما انه لا ينافي كونه مشتركا لفظيا إذ ربما

١٥٩

وقد ادعى بعض الأعاظم قدس‌سره ، ان مادة الأمر موضوعة للجامع بين المعاني اذ الاشتراك اللفظي بين هذه المعاني بعيد ولكن لا يخفى ان صرف البعد لا يوجب نفي الاشتراك اللفظي بل هو المختار في ذلك لعدم امكان تصوير الجامع بين الطلب والشيء لأن الطلب معنى حدثي ، يصح الاشتقاق منه والشيء من قبيل الجوامد غير قابل للاشتقاق منه ويدل على ذلك جمع الامر بمعنى الطلب على اوامر وجمعه بمعنى الشيء على أمور ، فمن الاختلاف فى الجمع يستكشف ان للامر مفهومين ولا جامع بينهما ، فعليه لا مانع من الالتزام بالاشتراك اللفظي ، إذ الاستعمال في كل من المعنيين يحتاج القرينة المعينة ، وذلك شأن جميع المشتركات اللفظية (١) ،

__________________

يكون المشترك اللفظي ظاهرا في أحد المعاني كما انه يشكل على جعل الطلب من معاني الأمر حيث انه يتعدى بنفسه والامر يتعدى بالباء ، ولازم ذلك ان يتغايرا مفهوما اللهم إلا ان يقال بان الذي هو من معاني الامر هو الطلب الالزامي وهو يتعدى بالباء.

(١) أخذ الشيء جامعا لما عدا الطلب محل نظر حيث ان الشيء يطلق على الاعيان ، والامر لا يطلق عليها اللهم إلّا ان يقال : ان اطلاقه عليها باعتبار صدورها من الفاعل ومع هذه الملاحظة ـ أي لحاظ صدورها ـ يصدق عليها الفعل ايضا فعليه لا مانع من جعله هو الجامع لا الشيء ، بل لا يبعد جعل الفعل جامعا لجميع المعاني حتى الطلب ، بيان ذلك ان جميع الاشياء اذا لوحظت بحسب صدورها سواء كانت من فاعلها أو خالقها تعد من الافعال وهذا المعنى عام يشمل ما تعلقت به الارادة التكوينية وما تعلقت به الارادة التشريعية كالاحكام الشرعية ، فانها تعد أفعالا باعتبار تعلق الارادة التشريعية ـ اي انها مجعولة فى عالم الاعتبار فيقال لها فعل تشريعي ، وكذا الاعيان والذوات يقال لها أفعالا باعتبار تعلق الارادة

١٦٠